- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (016)سورة النحل
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
علاقة الآية بما سبقها من الآيات :
أيها الإخوة، مع الدرس الثاني من سورة النحل، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(3) ﴾
بعد أن بيّن الله لنا -سبحانه وتعالى- أنّ أمر الله قد أتى، بمعنى أنه قد دنا واقترب، وأنه سيُحاسَب الإنسان عن أعماله كلها، والله -سبحانه وتعالى- أنزل على نبيه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- كتاباً بمثابة الروح لنا، حياتنا من دون هذا المنهج لا معنى لها، هذا الكتاب روح النفس، وروح العقل، وروح المجتمع، وروح الأمة، وروح الأسرة.
﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ(2)﴾
والعلماء قالوا: نهاية العلم التوحيد، ونهاية العمل التقوى، يعني فحوى كتاب الله -سبحانه وتعالى-:
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ
الحق نقيض الباطل واللعب والعبث :
وقد بينت لكم في الدرس الماضي والذي قبله أيضاً كيف أن الحق تعني نقيض الباطل، وكيف أن الحق يعني نقيض اللعب، فاللعب هو العمل غير الهادف، والباطل هو الشيء الزائل، فالحق هو الشيء الثابت المستقر الهادف، الحكمة الثابتة، فالله -سبحانه وتعالى- خلق السماوات والأرض، والسماوات والأرض لفظ يرد في القرآن كثيراً، ويعني الكون.
إذاً: العلة الأولى والأخيرة أن يسعدك بهذا الخَلق، خلقك ليسعدك، طريق السعادة العبادة، طريق العبادة المعرفة، طريق المعرفة خلق السماوات والأرض.
الشرك نقيض التوحيد :
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ(106) ﴾
أكثر الذين يدَّعون الإيمان واقعون في الشرك وهم لا يدرون، فلذلك:
﴿
حياة الإنسان تبدأ بالموت :
لا تظن كما يظن معظم الناس أن حياتك تنتهي بالموت، لا والله، إنها تبدأ بالموت.
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ(25) ﴾
لو أن حياة الإنسان تنتهي بالموت لكانت هذه الفكرة مبعث ألمٍ شديدٍ جداً، ومَبعَث قلق شديد، ومبعث حيرة، كل هذا الكون من أجل سنوات محدودة معدودة، مشحونة بالمتاعب، والضيق، والأخطار، والمُقلقات، والفقر أحياناً، والخوف أحياناً، أهكذا خَلْقُ الله عز وجل؟ أليس الذي خلق السماوات والأرض بقادرٍ على أن يخلقنا من دون أن يزعجنا؟ من دون أن يخيفنا؟ من دون أن يفقرنا؟ من دون أن يتخذ بعضنا بعضاً سخريًّا؟ لولا الإيمان باليوم الآخر لكان خلق السماوات والأرض عبثاً، ولعباً، وباطلاً.
خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ
﴿ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ(4)﴾
يا الله لهذه الآية!
الإنسان مخلوق من نطفة ثم هو يخاصم ويجادل ربَّه :
﴿ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ
بعد أن صار إنساناً سوياً، له فكر، وله حواس، وله أجهزة ، وله إدراك، وله مكانة، وله شأن، صار يخاصم الله -سبحانه وتعالى-، مفارقة عجيبة
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى(36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى(37)﴾
نطفة، الله -سبحانه وتعالى- سماه ماءً مهيناً، أيْ محتقرًا، فإذا ظهر على ثوب الإنسان يستحي منه.
الحيوانات المنوية :
ما هي الخلية ؟
ما هذه الخلية؟ والله الذي لا إله إلا هو هناك حقائق اكتشفها العلماء لولا أن هناك أدلة قاطعة عليها، ولولا أن هناك صوراً التقطتها مجاهر إلكترونية لكانت هذه الحقائق فوق حد التصور.
يقولون: إن الإنسان يتألف جسمه من مئة مليون خلية، ما الخلية؟ قالوا: كرةٌ مُحاطةٌ بغشاء رقيق، وهذا الغشاء الرقيق يحتوي سائلاً لزجاً، وسط هذا السائل كُريَّة، أي كرة صغيرة أصغر من الأولى وأكثر كثافة، أبعاد هذه الخلية 2% من الميليمتر، الميليمتر قسمه إلى مئة جزء، أبعاد الخلية 2% من الميليمتر، كائن حي، بعضهم قال: الخلية ليست أصغر جزءٍ في الإنسان، بل هي أصغر وحدةٍ وظيفية، بمعنى أن الخلية أيضاً مُقسّمةٌ إلى أجزاء، وعالم الخلية عالم قائم بذاته، والعلماء في أرقى الجامعات لم يصلوا إلى نهاية البحث في الخلية.
ممّ تتألف الخلية ؟
إذاً: هذه الخلية هي غشاء وسائل وكُريّة، الكرية اسمها النواة، الكُريّة تحتوي على أشياء اسمها كرموسومات، هذه الكروموسومات عبارة عن خيوط على شكل مِسبحة، عليها شيءٌ اسمه الجينات، على كل كروموسوم ثلاثة وعشرون زوجًا من الجينات، الجينات هي المورّثات، قالوا: هذه المورثات، هنا السؤال، كنت قد سمعت هذا الرقم شفهياً، وكنت أتهيّب أن ألقيه في درس، إلى أن وصلت إلى بحث علمي يؤكد هذا الرقم، هذه الجينات المورّثات تحتوي على معلومات، أو أوامر، أو تعليمات مبرمجة، لو أردنا كتابتها في كتاب لاحتجنا إلى مليون صفحة، يعني إلى ألف مجلد، من مساحة دوائر المعارف، مجلدات دوائر المعارف بحجم كبير، على هذه الجينة أوامر، أو تعليمات مبرمجة، لو أردنا أن نفرّغها في مجلد لاحتجنا إلى مليون صفحة، الرقم الذي سمعته من سنوات طويلة، سمعته من محاضر يقول: خمسة آلاف مليون معلومة، يعني خمسة آلاف مليون أمر في هذه الخلية، التي لا تزيد أبعادها على 2% من الميليمتر، وقد تكون أصغر من ذلك، والمحاطة بغشاء رقيق، وبعد الغشاء هناك سائل لزج، الهيولّى هي داخل هذا السائل، كرية صغيرة أكثف وأصغر وأشد صلابة اسمها النواة، فيها كرموزومات على أحد هذه الجينات، في الجينة الواحدة ألف مجلد معلومات أو أوامر، أو تعليمات على شكل شفرات مبرمجة، يزيد حجمها لو كُتبت على ألف مجلد، أو مليون مَليون صفحة، أو خمسة آلاف مليون معلومة، لولا أن هناك صورًا عندي في البيت التقطتها مجاهر إلكترونية تكبّر آلاف المرات لهذه الجينات لكان الشيء أبعد من الخيال.
البويضة تختار حيوانا منويا واحدا :
هذا الحيوان المنوي له رأس مُدبَّب، وله عنق، وله ذيل، إذا وصل إلى البويضة ارتطامه بها يمزّق غشاءً رقيقاً جداً في قِمّة رأسه، هذا الغشاء يحتوي على سائل، هذا السائل يذيب جدار البويضة، فيدخل هذا الحيوان إلى البويضة، ويتم التلقيح، هذا السائل قال لي بعض الأطباء: إنه يتغذى من الزبيب، ليس من العنب، ومن اللفت.
﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ(37)﴾
هذا عن الرجل فماذا عن المرأة ؟
هذا عن الرجل، فماذا عن المرأة؟ العلماء قالوا: إن الطفلة وهي في بطن أمها يوجد في مبيضها ستة ملايين بويضة، إذا ولدت هذه الطفلة، وبلغت سن الحيض يبقى في مبيضها ثلاثون ألف بويضة، فإذا اكتمل نضجها لا يبقى في مبيضها إلا أربعمئة بويضة فقط، هذه البويضات تخرج كل شهر، حكمة بالغة، الله -سبحانه وتعالى- ينضج ثلاثةً أو أربعةً في كل شهر، ويرسل واحدة إلى الرحم، فإذا التقت بالحيوان المنوي في الطريق كان التلقيح، وكان الحمل، وإلا ستذهب هذه البويضة إلى الرحم فتصبح دورة شهرية، قال عليه الصلاة والسلام:
(( إذا وقعت النطفة في الرحم بعث الله مَلكاً فقال: يا رب: مُخَلَّقة؟ أم غيرُ مُخَلَّقة؟ فإذا قال: غيرُ مخلَّقة مجَّتها الأرحامُ دَماً ))
هكذا قال عليه الصلاة والسلام .
ويتفق كلامه مع أحدث النظريات الطبية في شأن الحمل والتلقيح، 87% من حالات التلقيح يتم سقوطها من دون أن تدري المرأة في ذلك، قد يكون السقوط من دون أن تشعر المرأة في ذلك، لذلك قال تعالى:
﴿
ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن .
﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ(49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ(50)﴾
هذا هو الماء المهين :
المُقدَّر كائن لا محالة، هذه الحيوانات المنوية، أو هذه النطفة يتم تصنيعها في الخصيتين، من منكم يصدق أن هذا الماء الذي خرج في اللقاء الزوجي مضى على تصنيعه أربعة أشهر؟ أربعة أشهر تعمل الأنابيب، والخلايا، والأجهزة الدقيقة في الخصيتين على تخليق هذا الحيوان المنوي، فإذا تمّ خلقه يوضع في التخزين، وقد قال لي طبيب: وفي أثناء التخزين تجري عليه تحسينات كثيرة، إلى أن يخرج مع سائل تفرزه البروستات على شكل مني.
﴿ أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ (58( أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ(59)﴾
الله -سبحانه وتعالى- قال:
مَن يحدد نوع الجنين ؟
شيء آخر، العلماء انتهوا من أنَّ الذي يحدد نوع الجنين ذكراً أو أنثى هو الحيوان المنوي، وليس البويضة، فهذا الذي يغضب من زوجته إن أنجبت بنتاً أنثى إنه كتلة من الجهل.
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى(46) ﴾
الزوجان الذكر والأنثى مُخلَّقان من نطفة، لا من بويضة، من نطفة إذا تُمنى، رجل في الجاهلية ولدت له زوجته بنتاً فغضب عليها وهجرها، وكانت شاعرة فقالت:
ما لأبي حمزة لا يـأتينا يظل في البيت الذي يلينا
غضبان أن لا نلد البنينا تالله مـا ذلك في أيـدينا
وإنما نأخذ ما أعطيـنا ونحن كالأرض لزارعينا
***
إذاً:
ألا تعرف مَن شكّلك طفلا ؟
ألا يكفي خَلقُ الإنسان؟ لو أن الله -سبحانه وتعالى- خلق الناس كلهم دفعة واحدة ما عرفنا كيف خَلقنا؟ لكن الله -عز وجل- لحكمة بالغة عرَّفك بخَلقك عن طريق ابنك، قد تقول أنت: أنا لا أعرف كيف خُلقت، أنا حينما أدركت الحياة كنت شاباً، أو كنت طفلاً، والله لا أعرف كيف خَلّقني الله في بطن أمي؟ شيء جميل، ألا تعرف ابنك وما أصله؟ هذا الذي أمامك، هذا الذي هو أطول منك الآن، ألم يكن نطفة من ماء مهين؟ مَن خَلقه في بطن أمه؟
﴿
وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
ما هي الأنعام ؟
الأنعام كما قال العلماء: هي الجِمال، الإبل، والبقر، والغنم، والمعز، هذه هي الأنعام، كلها خيرات.
ماذا لو تكن الأنعام مذلّلة ؟!
﴿ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ(72) ﴾
لو أن الله -سبحانه وتعالى- ركَّب في الأنعام أخلاق الضباع، أو أخلاق الوحوش، أو أخلاق السباع، أو ركب بها سمًّا قاتلاً كالأفاعي أو كالعقارب، أو جعلها متوحشة، كيف نستخدمها؟ كيف نعتني بها؟ كيف نذبحها؟ كيف نأكلها؟
﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ﴾ خُلِقتْ خصيصى لكم، لا يقل أحدكم: إن الله خلق هذه الحيوانات حتى نستأنس بعضها، لا، من يستطيع أن يستأنس بحيوان متوحش حتى الآن؟ المتوحش متوحش، والأليف أليف، شيء مهمٌ جداً، هذه الأغنام مثلاً لحمها طعامٌ طيب، سيد أنواع الطعام، جلدها له فوائد جمّةٌ، صوفها له فوائد جمّةٌ، شيءٌ لا يُرى بالعين، طباعها أن الغنم يعيش على شكل قطعان، والكلاب تعيش فُرادى، لو أن الله -عز وجل- ركّب طباع الكلاب في الغنم كيف ترعاها؟ كيف تستطيع أن تجمعها في قطيع؟ الكلاب متفرقة، من أعطى الغنم حب التجمع، إذا نظرت إلى قطيع غنم، ورأيته كتلة واحدة، رؤوس بعضه في داخل بعض، تفزع الغنمة إذا اكتشفت أنها وحيدة، تركض إلى قطيعها بشكل مخيف، من جعل بها هذه الصفة؟ وهذا الطبع؟ الله -سبحانه وتعالى-، من جعلها مُذلَّلة؟ الطفل يألفها، يلمسها، يداعبها، يمسكها، يحملها، لا يخاف منها، بينما عقرب صغير إن رآه رجل كبير لقفز على الأرض خوفاً منها، لماذا نقفز عن الأرض من عقربٍ أو من أفعى، ونألف هذه الغنمة، والإبل، والناقة، والبقر، والمعز، والغنم؟
فكِّروا في هذه الحيوانات :
لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ
هذا ما نأخذه من الأنعام للدفء :
هل شكرت الله على هذا الدفء ؟
وَمَنَافِع
ما هي منافع الأنعام ؟
وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
﴿ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ(6) ﴾
وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ
طبعاً هذه الصورة مُنتَزَعة من البيئة التي نزل فيها القرآن، الغنم والمعز، والبقر، والإبل، هي الأنعام، والأنعام المال الذي يرعى كما عرّفه بعض العلماء، المال الذي يرعى، هذه أنعام.
كل شيء في الأنعام فيه فائدة في الاستعمال :
الغنم: الصوف ثمين جداً، فالقماش الصوفي الخالص أغلى أنواع الأقمشة، لأن له ميزات لا تعدِلُها أيُّ ميزات أخرى، سواء كان القماش بالذات، وإن كان ألبسة داخلية، وإن كان ألبسة عادية، وإن كان كنزات، شيء ثمين جداً، والجلود؛ كي يعرف أحدنا قيمة الجلد الذي خلقه الله لنا، يشتري حذاء من البلاستيك لا ليلبسه، لكن ليعرف قيمة الجلد الذي خلقه الله لنا، فهناك أمراض تنتج عن استخدام هذه الأحذية، الجلد فيه مسام، فيه تنفس، فيه متانة، فيه مرونة، فيه راحة، إذاً: الجلد مفيد، واللحم مفيد، والعظام تصنع منها السُّمون الآن، كلها من عظام الحيوانات، ولها استخدامات كثيرة جداً، حتى الأمعاء لها استعمالات، كل شيء في الغنم يُستعمل، فهي خير كلها، حتى أن بَعر الغنم هو أغلى أنواع السماد، قال لي أحدُهم: إني سمَّدتُ بستاناً حوالي خمس دنمات، قال لي: كلفني عشرة آلاف ليرة، كيف؟! قال لي: والله جئت بالغنم، قلت: سبحان الله! كل شيء في الأنعام خير، كل شيء فيها من دون استثناء
أي حين تعودون بها إلى الإسطبل، أو إلى الحظيرة .
الفائدة من تقديم ( تريحون )على ( تسرحون ):
العلماء قالوا: لماذا قدّم الله تريحون على تسرحون؟ مع أن الترتيب المنطقي تسرحون وتريحون، قال: لأنك حينما تراها عائدة وقد امتلأت ضروعها حليباً، وامتلأت بطونها كلأً وعشباً، تفرح أكثر، يبعث هذا المنظر في نفسك سروراً، لذلك قُدِّمَ رواحها على سراحها
﴿
وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ
لولا أن الأنعام تحمل الثقيل لهلك الإنسان :
الجمل يحمل حجرَ الطاحونة، يحمل حجري طاحونة، قطر الحجر متر، من أثقل أنواع الأحجار يحملها
﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ(8) ﴾
وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
وظيفة الخيل والبغال والحمير :
الخيل لها وظيفة، والبغل له وظيفة، هناك أماكن جبلية وعرة لا يصلح لها إلا البِغال، حتى إن بعض الجيوش إلى الآن تستخدم البغال، لو أن جيشاً مقيماً بمنطقة جبلية وعرة، لا سيارة، ولا مُدرّعة يستطيع استعمالها، لابد من بغال، يركبها الإنسان فتسير به عبر الأخاديد في الجبال، البغل له صفات خاصة، وله ميزات، والحمير صبورة، إذا أراد صاحب البستان أن يبيع محصوله، فالحمار صبور، يقف ساعات طويلة من دون أن يتشكّى، أو أن يتأفّف، وظهره منخفض، والتعامل معه سهل، لو كان على بغل عالٍ، يأتي الواحد يسأل البائع: ماذا عندك فاصولياء؟ الحمار مستواه منخفض، وصبور، وله ميزات كثيرة، يفتقر لها بعض الناس
(( الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ))
الفرس صديق حميم في معاملته لصاحبه :
حدثني رجل قال: عنده خيل، وكانت ابنته على ظهر هذه الفرس، وكان قد أوقفها إلى جانب الطريق العام، وكانت هناك حافلات كهربائية، فلما جاءت حافلة اضطربت الخيل، وخافت، وأرادت أن تهرب، تذكرت أن على ظهرها ابنة صاحبها، ما كان منها إلا أن أناخت إلى الأرض، ودفعت بحركة هذه البنت عن ظهرها، وولّت هاربة، من عنده خيل أو فرس يتعامل معها وكأنها صديق، هناك أناس كثيرون يقولون: إذا نام صاحبها على ظهرها، ورأت رجلاً تنبّهه، ألم يقل عنترة يصف خيله:
فازورّ من وقع القنا بــلبانــه وشـكا إلي بعبرة وتحمحم
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ولو كان علم الكـلام مكلِّمي
التعامل مع الخيل سهل، هو صديق، إذا ركب رجل سيارة ونام هل تقول له السيارة: انتبهْ نمت، بل يطيح، وكذلك هل تنبهه إذا رأت عدواً أو حدث خطر؟!
أنا كنت ألمح على طريق درعا قوافل مُحمّلة بالتبن والمحاصيل، أصحابها نائمون على ظهر العربة، والبغال تمشي وحدها في الطريق، فالحيوان كائن حي له مشاعر، له إدراك،
هل يجوز أكل لحم الخيل والبغال والحمير ؟
الإنسان عنده هدفٌ جمالي :
(( إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ))
إذاً:
وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
فلِئَلّا يظن الإنسان المعاصر أن هناك وسائل مواصلات تفوق في سرعتها، وفي إمكاناتها، وفي اتساعها، وفي توافر الراحة فيها تلك الوسائل البدائية، قال الله -سبحانه وتعالى-:
الله خلَق أمورا لا نعلمها :
لكن الشيء الدقيق في هذه الآية أن خَلْق ما لا تعلمون من طائرات، وسيارات، وقطارات، وبواخر، وحوامات، هذا الخلْق عُزِيَ إلى الله -سبحانه وتعالى-؛ لأن الله -عز وجل- لولا هذه المواد التي أودعها في الأرض، لولا المعادن التي أودعها في الأرض، لولا أنه أودعها على شكل فِلْزات يسهل استخراجها، ولولا أنه يسَّر لنا إيقاد النار، لولا الأفران العالية، هل يمكن تحويل هذه الفلزات إلى معادن؟ هناك معادن على شكل فلزات، وهناك أفران عالية، وهناك وسائل للتصفيح، والسحب، والتطريق، وما إلى ذلك، مواد هذه الوسائل المواصلات من خَلقِ الله، والإنسان لولا أن الله أعطاه هذا الفكر لمَا أمكن أن يخترع طائرة، ولا سيارة، ولا باخرة، ولا قطارًا، ولا حوّامة، ولولا أن الله ألهمه مبدأ المحرك الانفجاري، وألهمه مبدأ المحرك النفّاث، وألهمه مبدأ المحرك التوربيني لمَا أمكن أن يركب البحر، ولا أن يطير في الجو، ولا أن يسير على الأرض، إذاً المواد مِن خَلقِ الله، طريقة وجودها في الأرض، كيفية وجودها في الأرض، من خَلقِ الله، طريقة استخراجها من إلهام الله، الفكر من خَلق الله، الفكرة من إلهام الله، الوقود لهذه الوسائل من خَلق الله -عز وجل-، مَن الذي جعل هذه الحقول النفطية موجودة على أرض كتيمة؟ لو أن هذه الأرض غير كتيمة لغارت في أعماق الأرض، وانتهى الأمر، جعلها على طبقات كتيمة، وجعل فوق هذه الطبقات ماء مالحاً لحكمة بالغة، وجعل النفط فوق الماء المالح، وجعل بين النفطِ وبين الطبقةِ الكتيمة غازاً مضغوطاً إلى درجة كبيرة، بحيث لو وصلت إلى هذا الحقل لتفجّر النفط تفجُّراً، وخرج بلا مضخات، وبعد هذه الطبقة الكتيمة طبقة نَفوذة، طبقة كتيمة، طبقة من الماء المالح، طبقة من النفط الخام، طبقة من الغاز، طبقة كتيمة، طبقة نفوذة، ومن أعطاك وسائل استخراج النفط؟ الله -سبحانه وتعالى-، لذلك المعادن، وأشباه المعادن، وجميع المواد التي صُنِّعت منها السيارة، والطائرة، والباخرة، والقطار، مع الفكرة، والفكر، والوقود، واستخراج الوقود، كله من خلق الله -عز وجل-، لذلك قال -عز وجل-:
وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ
ثم قال عز وجل:
﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ(9) ﴾
هذه آية خطيرة جداً.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.