وضع داكن
26-04-2024
Logo
الترغيب والترهيب - الدرس : 040 - كتاب النوافل - الترغيب في قيام الليل - 1 صلاة الليل أفضل صلاة على الإطلاق بعد الصلوات الخمس
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الصلاة تشرق قلب المؤمن بنور الاتصال بالله عز وجل :

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( يعقد الشيطان على قافية رأْس أحدكم ثلاث عقد إذا هو نام، كل عقدة يضرب عليه، يقول: عليك ليل طويل، فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلَّت عقدة، وإن توضأ انحلَّت عقدتان، فإذا صلَّى انحلت العقد، فأصبح نشيطاً طيِّب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ))

[ متفق عليه عن أبي هريرة ]

 الإنسان حينما ينام، النوم موت مؤقت، فإذا أراد أن ينام يعقد الشيطان على مؤخرة رأسه ثلاث عقد، العقدة كما فسرها المفسرون أي أنه يهيئه كي لا يستيقظ، فإذا أوى إلى فراشه يدعوه إلى متابعة النوم إلى ما بعد شروق الشمس، حينما يسمع صوت المؤذن، أو حينما يفتح عينيه قبل أن تشرق الشمس، إما أن يتابع النوم، وإما أن يستيقظ، هنا الصراع، قال:

(( فإن استيقظ فذكر الله انحلَّت عُقْدة، فإن توَّضأَ انحلَّت عقدة، فإن صلى انحلَّت عُقَدُه كلُّها ))

 استيقظ، توضأ، صلى.

(( فأصْبح نشيطاً طَيِّبَ النَّفْس ))

 والحقيقة موضوع صلاة الفجر في جماعة، الإنسان حينما يستيقظ، وحينما يتوضأ، وحينما يخرج من البيت، ويتجه إلى المسجد أصبح نشيطاً طيب النفس، وذكر الله تعالى، وأشرق قلبه بنور الاتصال بالله عز وجل، قال:

(( وإِلا أصبحَ خبيثَ النفس كَسْلانَ ))

توافق التكليف مع الفطرة وتناقضه مع الطبع :

 هذا ينقلنا إلى حقيقة: هو أن في الإنسان جسداً ونفساً، التكليف متوافق مع النفس، متناقض مع الجسد، وكلمة تكليف تعني ذو كلفة، في جهد، فلو أن الإنسان غلب نفسه، غالب رغبته في متابعة النوم واستيقظ، هذه المغالبة أزعجت الجسد لكنها أراحت النفس، فعندما يستيقظ الإنسان، ويكافح رغبة النوم، ويتوضأ، ويصلي، أصبح طيب النفس ارتاحت نفسه، لو أنه فعل العكس، تابع النوم، الجسد ارتاح، لكنه يستيقظ بعد شروق الشمس.

(( خبيثَ النفس كَسْلانَ ))

 فكل التكاليف تريح النفس في النهاية، وتتعب الجسم في البداية، فالتكليف متوافق مع الفطرة متناقض مع الطبع، ولولا هذا التناقض ما ارتقى الإنسان به ولا ودفع ثمن طاعته، لو أن الله عز وجل جعل صلاة الفجر الساعة العاشرة، كل الناس يستيقظون الساعة الثامنة والنصف، التاسعة، التاسعة والنصف، العاشرة يصلي، لم يعد هناك بذل جهد، جاء التكليف متوافقاً مع الطبع، الإنسان عندئذٍ لا يرقى به، الإنسان لا يرقى إلا حينما يكافح رغبة النوم في صلاة الفجر، يكافح رغبة النوم في صلاة العشاء، يكافح الاندماج مع العمل في صلاة الظهر، يكافح رغبة النوم في صلاة العصر، كل وقت يتناسب مع طبيعة الجسم، إذا صلى العصر كافح رغبة النوم ـ نوم القيلولة ـ ، إذا صلى الظهر كافح رغبة الاندماج في العمل، مندمج لم يشعر، إن صلى الفجر في جماعة كافح رغبة النوم، إن صلى العشاء في جماعة كافح رغبة النوم.
 إذاً مرة ثانية:

(( يعقد الشيطان على قافية رأْس أحدكم ثلاث عقد إذا هو نام، كل عقدة يضرب عليه ))

 يضرب، العلماء قالوا: يطمئن، عقد، اطمأن أنه دعاه إلى نوم مديد، إلى نوم طويل، العقدة عليك ليل طويل فارقد.

(( فإن استيقظ فذكر الله انحلَّت عقدة، وإن توضأ انحلَّت عقدتان، فإذا صلَّى انحلت العقد، فأصبح نشيطاً طيِّب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ))

[ متفق عليه عن أبي هريرة ]

الدرجة الأولى للصلاة بعد الصلوات الخمس أن تصلي في الليل والناس نيام :

 وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام:

(( أفضلُ الصِّيام بعدَ رَمضانَ: شهرُ الله المُحَرَّم، وأفْضَلُ الصَّلاةِ بعدَ الْمَكْتُوبَةِ: صلاةُ الليل ))

[ رواه مسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة ]

 الدرجة الأولى للصلاة بعد الصلوات الخمس أن تصلي في الليل والناس نيام، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً:

(( كان يقومُ من الليل حتى تتَفَطَّرَ قدماه، فقلتُ له: لمَ تصنعُ هذا يا رسول الله وقد غُفِرَ لكَ ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ قال: أَفلا أُحِبُّ أن أَكُونَ عبداً شكوراً؟ ))

[ متفق عليه عن عائشة ]

 الإنسان أحياناً إذا عمل أعمالاً صالحة في النهار، وقدم شيئاً ثميناً للناس يرغب في أن يستريح، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان في أعلى درجات البذل والتضحية، يأتي الليل فيصلي الليل حتى تتورم قدماه، يقال له:

(( لِمَ تصنعُ هذا يا رسول الله وقد غُفِرَ لكَ ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ قال: أَفلا أُحِبُّ أن أَكُونَ عبداً شكوراً ))

[ متفق عليه عن عائشة ]

 حديث آخر يدل على أن:

(( أحبُّ الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلث الليل وينام سدسه، وأَحبُّ الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً ))

[ متفق عليه عن عبد الله بن عمرو بن العاص]

على الإنسان أن يغتنم ساعات الإجابة ليعطيه الله تعالى سؤله :

 وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(( إنَّ في اللَّيل سَاعة لا يُوافِقُها رجُل مُسلم يسأل الله خيراً من أمْرِ الدُّنْيا والآخِرة إلا أعطاه إياه، وذلك كُلَّّ ليلة ))

[ مسلم عن جابر]

 هناك ساعة استجابة، العلماء قالوا: حينما قال سيدنا يوسف:

﴿ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ﴾

[ سورة يوسف الآية: 98 ]

 الآن استغفر في ساعة الإجابة، في الليل ساعة إذا وافقها الإنسان وهو يصلي يسأل الله تعالى من خيري الدنيا والآخرة، فالله جل جلاله يعطيه سؤله.
 إذاً ساعات الإجابة، يوم الجمعة يوجد ساعة استجابة، وفي كل ليلة هناك ساعة، فمن وافق قيامه الليل هذه الساعة استجيبت له دعوته، من هنا أنا كلما وجدت أخاً يعاني من مشكلة كبيرة جداً، وليس لها حل في المدى المنظور أقول له كما قال الله تعالى، أو كما أنبأنا النبي عليه الصلاة والسلام:

(( إن الله عز وجل يهبط من السماء العليا إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ هل من داع؟ حتى إذا طلع الفجر ارتفع ))

[أخرجه الطبراني عن أبي الخطاب ]

البر صلاح الدنيا والتقوى صلاح الآخرة :

 حديث آخر:

(( رحِمَ اللهُ رجلاً قامَ من الليلِ فصلَّى، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَإِن أَبَتْ نَضَحَ في وَجْهِهَا الماءَ، رَحِمَ اللهُ امرأة قَامَتْ من الليل فصلتْ وأَيقظتْ زوجَها، فإِنْ أَبَى نضحتْ في وجهه الماءَ ))

[ رواه أبو داود واللفظ له والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة ]

 وهذه علاقة طيبة جداً، علاقة روحية بين الزوج وزوجته، يتعاونان على أمر الدنيا كما أنهما يتعاونان على أمر الآخرة، فإن كانت همته أعلى من همتها استيقظ وأيقظها، وإن كانت همتها أعلى من همته استيقظت وأيقظته، هذا هو التعاون.

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾

[ سورة المائدة الآية: 2 ]

 البر صلاح الدنيا، والتقوى صلاح الآخرة، لأن:

(( فضل صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على صدقة العلانية ))

[ شعب الإيمان عن عبد الله]

 أي صلاة النهار أمام الناس، دخلت إلى المسجد وصليت، وشهد الناس لك بالصلاح، وقالوا: فلان من رواد المساجد، ويؤدي الصلوات في المساجد، صار لك مكانة دينية جاءت من صلاة النهار، أما إنسان استيقظ بالليل، لا أحد يعلم ذلك، حتى أهله لم يعلوا، استيقظ توضأ وصلى ورجع ونام، هذه صلاة السر، كيف أن صدقة السر لا تعلم يمينه ما أنفقت شماله، أو بالعكس، لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، فكلما أردت أن تخزي الشيطان إذا اتهمك بالنفاق عليك بصدقة السر وصلاة الليل، هذه الصلاة وتلك الصدقة صلاة وصدقة الإخلاص.

 

شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس :

 وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال:

(( جاء جبرائيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد: اعلم أن شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس ))

[ الطبراني عن سهل بن سعد]

 أي شرفه مكانته عند الله تتأتى من قيام الليل، قال عز وجل:

﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً * وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً﴾

[ سورة الإسراء ]

 لأن:

(( أقرب ما يكون الربُّ عز وجل من العبد جَوفُ الليل الآخر، فإن استَطعّتَ أن تكونَ ممن يذكر الله عز وجل في تلك الساعة فكُنْ ))

[ رواه الترمذي وصححه والنسائي وصححه ابن خزيمة عن عمر ]

صلاة الليل أفضل صلاة على الإطلاق بعد الصلوات الخمس :

 قال أيضاً رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( لا بد من صلاة بليل ولو حلب شاة، وما كان بعد صلاة العشاء فهو من الليل ))

[ رواه الطبراني عن إياس بن معاوية ]

 أي ركعتان، هناك من يصلي ركعتين قبل الفجر، هذه قيام الليل.

(( لا بد من صلاة بليل ولو حلب شاة، وما كان بعد صلاة العشاء فهو من الليل ))

[ رواه الطبراني عن إياس بن معاوية ]

 قبل أن تنام لو ركعت ركعتين هي صلاة الليل غير قيام الليل ، أما إذا استيقظت قبل الفجر بربع ساعة، وصليت ركعتين فهي من صلاة الليل، لأن عائشة قالت:

(( لا تدَعْ قيام الليل، فإن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان لا يَدَعُهُ، وكان إِذا مَرِض أو كَسِلَ صلى قاعداً ))

[ أحمد عن عائشة]

 طبعاً الصلاة النافلة لك أن تصليها قاعداً ولا شيء عليك، إنسان تقدمت به السن، جسمه متعب، عنده متاعب، عنده بضع المشكلات، له أن يصلي هذه الصلاة قاعداً.
 وقال عليه الصلاة والسلام:

(( لا حَسَدَ إلا على اثْنَتيْنِ: رجلٌ آتَاهُ اللَّهُ القرآن فقام به آناء اللَّيل وَآنَاءَ النَّهارِ ورجلٌ أعْطاهُ اللَّهُ مالا، فَهوَ يُنْفِقِهُ آنَاءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ ))

[ البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر]

 هذا هو العمل الطيب، وهذا العمل الذي يُغبط عليه الإنسان، إنفاق ماله آناء الليل وآناء النهار، وأن يؤتى القرآن فهو يقرأه آناء الليل وآناء النهار.
 الحديث الأخير قال عليه الصلاة والسلام:

(( مَنْ قام بعشرِ آيات لم يُكْتَبْ مِن الغافلين، ومَنْ قام بمائةِ آية كُتِبَ مِن القانتين، ومَن قامَ بألفِ آية كُتِبَ مِن المقَنْطِرين ))

 الذين اجتباهم الله عز وجل لولايته.

[ رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]

 أيها الأخوة، كل هذه الأحاديث تبين أن الإنسان إذا صلى الليل هي أفضل صلاة على الإطلاق بعد الصلوات الخمس التي فرضها الله علينا.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور