وضع داكن
24-04-2024
Logo
الترغيب والترهيب - الدرس : 033 - كتاب الصلاة - الترهيب من ترك حضور الجماعة لغير عذر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الترهيب من ترك حضور الجماعة بغير عذر :

 أيها الأخوة الكرام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( من سمع المنادي ـ الأذان ـ فلم يمنْعهُ من اتِّباعه عذر، قالوا: وما العُذْر ؟ قال: خوف أو مرض، لم تُقبل منه الصلاةُ التي صلَّى ))

[ أبو داود عن ابن عباس]

 العذر الخوف، خوف عدو، أو مرض شديد حال بينه وبين أن يصلي في المسجد.

(( من سمع المنادي فلم يمنْعهُ من اتِّباعه ))

 اتباعه ؛ أي الاستجابة له، سمع النداء ليستجيب له، أن يأتي المسجد ليصلي.

((.... من اتِّباعه عذر، قالوا: وما العُذْر ؟ قال: خوف أو مرض، لم تُقبل منه الصلاةُ التي صلَّى ))

 هذا الحديث جاء تحت باب الترهيب من ترك حضور الجماعة بغير عذر.
 وذكرت لكم أن الصلاة هي الصلاة، إلا أن صلاة الجماعة أن تقيم علاقة مع إخوانك، فالعلاقة في المسجد علاقة مباركة، أخوك في المسجد تنصحه وينصحك، ترشده وترشده، يأخذ بيدك، وتأخذ بيده، قد تتعاونان على أمر الدنيا، أو على أمر الآخرة.

(( عليكم بالجماعةِ، وإِيَّاكُم والفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشيطانَ مع الواحد، وهو من الاثنين أبعدُ ))

[أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عمر ]

(( فإنما يأكلُ الذِّئبُ من الغنم القاصية ))

[أخرجه أبو داود والنسائي عن أبي الدرداء ]

 وعن ابن أم كلثوم رضي الله عنه، قال:

(( يا رسول الله إِني رجل ضَرِيرُ البصر، شاسِعُ الدار ولي قائد لا يلازمني، فهل لي رخصة أن أُصلِّي في بيتي ؟ قال عليه الصلاة والسلام: هل تسمع النداءَ ؟ قال: نعم، قال: فأجِب، فإني لا أجدُ لك رُخْصة ))

[ أبو داود عن ابن أم مكتوم]

(( ضَرِيرُ البصر، شاسِعُ الدار ـ داره بعيدة عن المسجد ـ ولي قائد لا يلازمني ـ أي لا يوافقني دائماً ـ فهل لي رخصة أن أُصلِّي في بيتي ؟ قال عليه الصلاة والسلام: هل تسمع النداءَ ؟ قال: نعم، قال: فأجِب، فإني لا أجدُ لك رُخْصة ))

 هذان الحديثان تحت باب الترهيب من ترك حضور الجماعة من غير عذر.

 

على الإنسان أن يجمع بين صلاة الجماعة و الصلاة في البيت :

 عندنا شيء آخر: هو أن البيت ـ بيت المسلم ـ لا ينبغي أن يكون قبراً، أي يجب أن تصلي في البيت، فكيف نجمع بين صلاة الجماعة والصلاة في البيت؟ قال عليه الصلاة و السلام :

(( إذا قضى أحدُكم الصلاةَ في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته ))

[ أخرجه مسلم عن جابر]

 أي يمكن أن تصلي الفرض بالمسجد، والسنة في البيت، لك أن تصلي الفرض في المسجد، والوتر في البيت، لك أن تصلي ركعتي الفجر في البيت، والفرض في المسجد، أي اجعل السنن في البيت والفرائض في المسجد، بهذا تجعل البيت مسجداً لك، لأن صلاة الرجل في بيته يستفيد منها أنه يعلم زوجته وأولاده الصلاة عملياً عندما يرونه يصلي، ألم يقل النبي الكريم:

(( صلوا كما رأيتموني أصلي ))

 وهناك حديث آخر :

(( مَثَلُ البَيْتِ الذي يُذكَرُ اللهُ فيه، والبيت الذي لا يذكرُ الله فيه: مَثَلُ الحيِّ والميِّت ))

[ متفق عليه عن أبي موسى]

 تصور بيتاً لا يوجد فيه صلوات، لكن هناك تمثيليات، هناك أجهزة لهو، وهناك غيبة، ونميمة، وسهرات، وطرائف، ومزح، وضحك، واختلاط، هذا بيت يمقته الله عز وجل، تصور بيتاً فيه تلاوة قرآن، فيه أداء صلوات، فيه مجالس ذكر، فيه سهرات إيمان، فالبيت صار مباركاً، و صار مكان دعوة.

 

الحياة التي أرادها الله للإنسان حياة القلوب لأن الإنسان ينتعش بالذكر :

 

 أيها الأخوة، المؤمن بيته مبارك، مركبته مباركة، لأنه دائماً في خدمة الحق، أجمل مكان مكان يذكر الله فيه، أحياناً المؤمن يقول: غرفة الضيوف شهدت آلاف اللقاءات، آلاف السهرات، كلها في طاعة الله، كلها في الدعوة إلى الله، كلها في تعريف الناس بالله، كلها تعاون على حياة الدنيا والآخرة.

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾

[ سورة المائدة الآية: 2 ]

(( مَثَلُ البَيْتِ الذي يُذكَرُ اللهُ فيه، والبيت الذي لا يذكرُ الله فيه: مَثَلُ الحيِّ والميِّت ))

 بيت ميت، وبيت حي، السبب لأن الله عز وجل قال:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾

[ سورة الأنفال الآية: 24 ]

 هؤلاء الذين يدعون إلى الإيمان أحياء،

﴿ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾

  كيف نفسر هذه الآية؟ معنى هذه الآية أن الحياة التي نحياها من دون إيمان حياة بهائم، القلب ينبض، الرئتان تعملان، الأمعاء تعمل، الكبد يعمل، كل هذه الأجهزة تعمل، لهضم الطعام، ومد الجسم بالقوة والحركة، هذه حياة ولكنها حياة البهائم، ما هي حياة القلوب؟ معرفة الله عز وجل، حياة القلوب طاعة الله، حياة القلوب ذكر الله، حياة القلوب العمل الصالح، حياة القلوب الأعمال التي نبتغي بها وجه الله،

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾

  الحياة التي أرادها الله لنا حياة قلوبنا، فالإنسان ينتعش بالذكر.
 أحياناً إنسان يجلس في سهرة، يقول لك: كنا في جنة، لأنه مع السرور والفرح سمع العديد من الأفكار والإرشادات و ذلك عندما كان الحديث عن الصحابة، أو عن فهم كتاب الله، هذا هو الذكر الذي يحيي القلب.

 

القلوب لا تطمئن إلا بذكر الله عز وجل :

 شيء آخر: حينما تتوهم أنه يمكن أن تسعد بشيء غير ذكر الله فأنت مخطئ خطأ فاحشاً، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾

[ سورة الرعد الآية: 28 ]

 القلوب لا تطمئن إلا بذكر الله، ومن بحث عن السعادة في غير ذكر الله، بحث عن السعادة في المال، أو في الملذات، أو في المبهج، كان كمن يبحث عن اللؤلؤ في الصحراء.

 

اختصاص المسجد بالمكتوبات و اختصاص البيت بالسنن و النوافل :

 أيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم:

(( فصلُّوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرءِ في بيته إلا المكتوبة ))

[ رواه النسائي بإسناد جيد وصححه، وابن خزيمة عن زيد بن ثابت ]

 هذا الحديث يوضح التوفيق بين أحاديث الجماعة و أحاديث صلاة البيوت.

(( فصلُّوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرءِ في بيته إلا المكتوبة ))

[ رواه النسائي بإسناد جيد وصححه، وابن خزيمة عن زيد بن ثابت ]

 إذاً ينبغي أن نصلي في البيت، وينبغي أن نصلي في المسجد، لكن المسجد يختص بالمكتوبات، والبيت يختص بالسنن والنوافل.

 

الإنسان حينما يستقيم تماماً على أمر الله يجد راحته في الصلاة :

 وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال:

(( صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، فرجع من رجع، وعقب من عقب، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعاً وحفزه النفس، قد حسر عن ركبتيه فقال: أبشروا، هذا ربكم قد فتح باباً من أبواب السماء، يباهي بكم الملائكة يقول: انظروا عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى ))

 إنسان لا يوجد عنده شيء إطلاقاً، صلى المغرب في المسجد، وجلس يقرأ القرآن إلى أن أذن العشاء فصلى، انتظار الصلاة صلاة، أنت في انتظار الصلاة في صلاة، قال عليه الصلاة والسلام:

(( ....هذا ربكم قد فتح باباً من أبواب السماء، يباهي بكم الملائكة يقول: انظروا عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى ))

[ ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو]

 هناك شيء دقيق في هذا الموضوع، هو أن الإنسان حينما يستقيم تماماً على أمر الله، يجد راحته في الصلاة، كما قال عليه الصلاة والسلام:

(( أرحنا بها يا بلال ))

[أخرجه الطبراني عن رجل من الصحابة ]

 لأن الطريق سالك إلى الله، أما حينما ينحرف الإنسان في سلوكه، ويؤذي عباده، لا يستطيع أن يتصل بالله، يقف بين يديه، لكن حجاباً بينه وبين الله، هذا الحجاب يجعل الصلاة ثقيلة، ذات عبء.

 

الاستقامة مفتاح الصلاة :

 لذلك الله وصف المنافقين:

﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾

[ سورة النساء ]

 فصلاة المنافقين ثقيلة جداً، بسبب أن أعمالهم، وانحرافاتهم، وتقصيراتهم، تجعلهم في وضع محجوبين عن الله عز وجل، أما الإنسان إذا كانت علاقته بالله طيبة جداً، أعماله طيبة، ما تلبس بمعصية، ولا بإيذاء مخلوق، ولا بغش إنسان، ولا باحتيال، هذا الوضع السليم الطاهر يجعل الطريق إلى الله سالكاً.
 هناك عالم توفي ـ رحمه الله ـ له مثل مضحك، قديماً وسائل الإضاءة كانت على الكاز، فإذا كان المستودع ممتلئ، والفتيلة مقصوصة، والبلورة منظفة، والجرس صحيح، فإذ قام المؤمن ليصلي، يشعل كبريتاً، بثانية تجده اتصل بالله عز وجل، أما المتلبس بمعصية، المستودع فارغ، الفتيلة محروقة، والبلورة متسخة، هذا لا يأتلق فوراً، و المصباح يحتاج إلى جهد كبير.
 فالاستقامة هذه مفتاح الصلاة، الاستقامة تجعلك جهازاً تتصل بالله عز وجل، ولو لم يكن الاتصال شديداً لكنه سالك إلى الله.

 

الصلاة عماد الدين :

 آخر حديثين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( مَنْ صلَّى البَرْدَين دخل الجنة ))

[ متفق عليه عن أبي موسى]

 والبردان بفتح الباء وسكون الراء الصبح والعصر.
 وعن عمارة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(( لَنْ يَلِجَ النار مَن صلى قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها ))

[ رواه مسلم عن عمارة]

 أي الفجر والعصر، هذه أحاديث تؤكد أن الصلاة عماد الدين، وأنها سيدة القربات، وغرة الطاعات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات، والصلاة كما قال النبي الكريم:

(( الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين، ومن تركها فقد هدم الدين ))

[ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن عمر ]

(( وأول ما يحاسب به العبد الصلاة ))

[ أخرجه أبو يعلى عن أنس بن مالك ]

 فإن صحت أفلح ونجح.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور