- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (023)سورة المؤمنون
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
إعادة وتذكير :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ مع الدرس الثاني من سورة المؤمنون .
بسم الله الرحمن الرحيم :
في الدرس الماضي أيها الإخوة تحدثنا كيف أن الفلاح في أن تكون مؤمناً ، وكيف أن هذا الفلاح محقق ، بينما كل نجاحٍ فيها قد يكون محققاً في الدنيا أو قد لا يكون ، والذي يؤكِّد هذا التحقق كلمة قد في مطلع هذه السورة :
﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ
إذا رأيت إنساناً استطاع أن يأخذ ما ليس له بذكاءٍ ، أو بحيلةٍ ، أو بقوةٍ ، أو بطريقةٍ من الطرق ، وهو يظن نفسه بهذا ناجحاً ، أو ذكياً ، أو فالحاً ، فالله سبحانه وتعالى يردُّ عليه :
﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ
بينت لكم في الدرس الماضي موانع الفلاح ، وبينت لكم فيه أيضاً عوامل الفلاح:
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا
﴿ أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ
ثم بينت لكم كيف أن الفلاح هو ما قاله الله عزَّ وجل في هذه الآية ، وفي آيتين أخريين :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) ﴾
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) ﴾
(( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَخْلَصَ قَلْبَهُ لِلإِيمَانِ . ))
عن عبد الله بن عمرو بن العاص :
(( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ ، وَرُزِقَ كَفَافًا ، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ . ))
وهؤلاء المؤمنون ، بينت لكم في الدرس الماضي كيف أن الصفة قيد ، وكيف أن الفلاح لا ينطبق على المؤمنين فقط ، ينطبق على المؤمنين ، وهذه صفاتهم صفةً صفة ، فكلما أضفت صفةً ضاقت الدائرة ، وقد ضربت لكم المثل ، أنك إذا قلت : إنسان ، هذه الكلمة تتسع لخمسة آلاف مليون ، فإذا قلت : إنسان مسلم ، تضيق الدائرة حتى تشمل ألف مليون ، فإذا قلت : إنسان مسلم عربي ، ضاقت الدائرة حتى شملت مئة مليون ، فإذا قلت : إنسان عربي مسلم مثقف ، ضاقت الدائرة حتى شملت المليون مثلاً ، فإذا قلت : إنسان مسلم عربي مثقف طبيب ، قد تشمل الدائرة مئتي ألف ، فإذا قلت : طبيب قلب .. كلما أضفت صفةً ضاقت الدائرة .. فمن أجل أن تحقق الفلاح يجب أن تكون مؤمناً ، وأن تنطبق عليك كل هذه الصفات التي وردت في هذه السورة .
منزلة الصلاة وأهميتها في الإسلام :
﴿ كَلَّا لَا تُطِعْهُ
والصلاة ذكر لقول الله عزَّ وجل :
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي
والصلاة عقلٌ ، ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها ، والصلاة وعيٌ ، لقول الله عزَّ وجل :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
والصلاة خشوعٌ لقول الله عزَّ وجل :
(( العَهدُ الَّذي بيننا وبيْنَهمُ الصَّلاةُ فمَن تَركهّا فقدْ كَفَرَ . ))
وأساس الدين اتصالٌ بالخالق وإحسانٌ إلى المخلوق ، جوهر الدين هذان الشيئان .
من صفات المؤمنين الخشوع في الصلاة :
العلماء قالوا : الخشوع في الصلاة ليس من فضائلها ، ولكن من فرائضها ، من فرائض الصلاة أن تكون خاشعاً ، ومكان الخشوع هو القلب ، ومظهر الخشوع الأعضاء ، فمن وقف في الصلاة ، وأكثرَ التلفُّت يمنةً ويسرة ، وعبث بثوبه ، أو بأصابعه ، أو بأدواته ، فهذا لم يخشع ، والخشوع حينما تقف بين يدي عظيم تعرف ما الخشوع ، إنك إذا دخلت على إنسانٍ ذي شأنٍ عند الناس ؛ وقد لا يكون ذا شأنٍ عند الله ، إذا دخلت على إنسانٍ ذي شأن عند الناس ترى نفسك تقف أمامه بأدبٍ ، وخشوعٍ ، وسكينةٍ ، ووقارٍ ، ولا تلتفت إلى شيءٍ آخر ، فكيف إذا وقفت بين يدي ملك الملوك
الفلاح بمقياس الناس ومقياس الشرع :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)﴾
أردت أن أعيد على أسماعكم ، ما ذكرته في الدرس الماضي كي تأتي الآيات في انسجامٍ تام ، لأن هذا الآيات كالعِقد الثمين ، كالسلسلة الثمينة آخذٌ بعضها برقاب بعض .
من صفات المؤمنين الإعراض عن اللغو :
ربنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
المحرمات لها موضوع آخر .
﴿
هنا اللغو المباحات التي لا تتصل بالآخرة ، لا يستمر أثرها إلى الآخرة ، هذه لغو ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال : عن أبي هريرة :
(( إن أصدق بيتٍ قاله لبيد : ألا كل شيٍ ما خلا الله باطلُ . ))
فربما ضاق أحدكم ذرعاً بهذا التفسير ، ساعة لك وساعة لربك كما يقول عامة الناس ، الحقيقة كل شيءٍ ما خلا الله باطل ، لكن هذا الشيء الذي يرضي الله منوَّع جداً ، فإذا جلست مع زوجتك تبتغي أن تؤنسها ، وأن تدلها على الله ، فهذا العمل متصل بالآخرة ، وإذا انطلقت إلى عملك لتكسب قوت يومك ، لتطعم صغارك ، فهذا العمل له علاقة بالآخر .. عن المقدام بن معدي كرب :
(( ما أطعمتَ نفسَك فهو لك صدقةٌ ، وما أطعمت ولدَك فهو لك صدقةٌ ، وما أطعمت زوجتَك فهو لك صدقةٌ ، وما أطعمت خادمَك فهو لك صدقةٌ . ))
فهناك أعمال كثيرة ، إذا ذهبت لتشتري طعامًا هذا الطعام يعينك على طاعة الله فهو ليس من اللغو
(( إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ ، و أَشرافَها ، و يَكرَهُ سَفْسافَها . ))
قد تجلس مع أسرتك ، ويطرقون بحثاً لا جدوى منه ، فلانة الفلانية وفلان الفلاني من تزوج ؟ ولمَ تزوج ؟ لماذا طلق ؟ ولماذا لم يطلق ؟ وماذا قدم لها من مهر ؟ ولماذا نشب خلافٌ بينهما ؟ وأين أسكنها ؟ وكيف أثث البيت ؟ هذا كلامٌ لا جدوى منه ، طبعاً إذا كان هناك ذم صار هناك غيبة أيضاً ، لو أنك تطرقت إلى بعض الصفات المذمومة لكـان هذا غيبة ايضاً ، فحتى لو لم تنطق بالغيبة ، وأمضيت السهرة في قيل وقال ، وفي معلومات سخيفةٍ لا تقدم ولا تؤخِّر فهذا لغو ، والمؤمن يترفع عن اللغو ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام : عن أبي هريرة :
(( من حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيهِ . ))
فالأعمال المباحة ، لو أن هناك غيبة أو نميمة أو فحشاً أو استخفافاً بالآخرين أو سباباً أو إيذاء أو تعريضاً أو سخرية ، وقعت في الحرام ، قالت له : قصيرة ، إن صفية قصيرةٌ يا رسول الله ، فقال عليه الصلاة والسلام :
(( عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : حَكَيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَقَالَ : ما يسرُّني أني حكيتُ رجلًا وإنَّ لي كذا وكذا . قالت : فقلتُ : يا رسولَ اللهِ ، إنَّ صفيَّةَ امرأةٌ وقالت بيدِها هكذا ! كأنها تعني : قصيرةٌ ، فقال : لقد مُزِجَتْ بكلمةٍ لو مُزِجَ بها ماءُ البحرِ لَمُزِجَ . ))
ما قلت : قصيرة ، ولا طويلة ولا أي شيء من هذا القبيل ، إنما قلت : فلان تزوج فلانة ، وفلانة كان قد خطبها فلان قبله ، كلامٌ لا طائل منه ، ولا جدوى منه ، هذا في موضوع الزواج والطلاق ، وفي موضوع الأعمال ، فلان اشترى ، وفلان باع ، وفلان ربح ، وفلان خسر ، وفلان هو وأخوه في خصومةٍ شديدة ، وفلان سافر ، وخالد قدم من السفر
اللغو هو كل عملٍ لا يتصل بالآخرة ولا يتصل بدنيا ليس لها علاقة بالآخرة :
بعض المفسرين يقول : اللغو كل ما سوى الله ، وبعضهم يقول : المباحات التي لها علاقةٌ بالآخرة ليست من اللغو ، فكل واحد منا له عمل ، هذا العمل أساسي ، لأنه منه يكسب قوت يومه ، وكسب الرزق ضروري لاستمرار الحياة ، وقد قال سيدنا أبو ذر رضي الله عنه : " حبَّذا المال أصون به عرضي ، وأتقرب به إلى ربي " ، فإذا طالع المهندس كتباً هندسية ليكون متفوقاً في عمله ، لأنه مؤمن ، والمؤمن الأضواء عليه مسلَّطة ، فإذا كان في عمله خلل أو تقصير ، أو في معلوماته نقص ، تطاول الناس على دينه ، فإذا تفوَّق عليهم ، فإذا قرأ كتب الهندسة واطلع على أحدث المقالات في إنشاء العمارات ، فهذا ليس من اللغو ، والطبيب إذا طالع كتباً جديدة ، ومقالاتٍ حديثة في اختصاصه حتى بدا كمؤمن متفوق على أقرانه ، لأنه إذا تفوق نظر الناس إلى دينه نظرةً كبيرة ، ونظرة إكبارٍ وإعجاب ، فمطالعته لهذه الكتب لها مساسٌ بالآخرة بطريقةٍ مركبة لا بطريقةٍ بسيطة ، وإذا اشترى الإنسان ثياباً ، واعتنى بهندامه ، فإذا كان عنده لقاء أو اجتماع أو حفلة بدا وكأنه مقبول لئلا ينظر الناس إليه شزراً ، فالوقت الذي تمضيه في شراء الثياب ، وفي العناية بمظهرك الخارجي ، من دون إسرافٍ ، من دون كبر ، من دون تبذير ، هذا الوقت أيضاً ليس من اللغو ، أي اعمل لآخرتك ، وأصلح دنياك .. كان عليه الصلاة والسلام كأنه شامةٌ بين الناس ، قال :
(( عن سهل ابن الحنظلية الأنصاري ، عن قيسٍ التَّغلبيِّ وكان جليسًا لأبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنه بدِمَشْقَ- أنَّه كان رجُلٌ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُقالُ له : ابنُ الحَنظليَّةِ الأنصاريُّ ، وكان رَضِيَ اللهُ عنه رجُلًا متوحِّدًا قلَّما يُجالِسُ الناسَ ، إنَّما هو في الصَّلاةِ ، فإذا انصرَفَ فإنَّما هو تسبيحٌ وتهليلٌ وتكبيرٌ حتَّى يأتيَ أهلَهُ ، قال : فمرَّ بنا يومًا ونحنُ جُلوسٌ عِندَ أبي الدَّرداءِ ، فسلَّمَ ، فقال له أبو الدَّرداءِ : كلمةٌ ينفَعُ اللهُ بها ولا تضُرُّكَ ، فقال : بعَثَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سريَّةً ، فلمَّا قدِمَتْ جاء رجُلٌ حتَّى جلَسَ في المجلِسِ الذي فيه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، فقال لرجُلٍ إلى جنْبِهِ : لو رأيْتَنا حينَ لَقِينا العدُوَّ ، فطعَنَ فلانٌ فلانًا ، فقال : خُذْها وأنا الغلامُ الغِفاريُّ ، كيف ترَى؟ قال : ما أراهُ إلَّا قد أبطَلَ أجْرَهُ ، قال آخَرُ : ما أرى بأسًا؛ فتنازَعوا في ذلكَ حتَّى سمِعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، فقال : سُبحانَ اللهِ! لا بأسَ أنْ يُحْمَدَ ويُؤْجَرَ ، قال : فَسُرَّ بذلك أبو الدَّرداءِ ، وجعَلَ يقولُ : أأنتَ سمِعْتَ هذا مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قال : فجعَلَ يقولُ : نعم ، حتَّى إنِّي لَأَقولُ وهو يرفَعُ رأسَهُ إليه : لَيَبْرُكَنَّ على ركبتَيْهِ ، قال : فمرَّ بنا يومًا آخَرَ ، فسلَّمَ ، فقال له أبو الدَّرداءِ : كلمةٌ تنفَعُنا ولا تضُرُّكَ ، قال : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المُنفِقُ على الخيلِ في سبيلِ اللهِ كالباسِطِ يدَيْهِ بالصَّدَقةِ ولا يَقبِضُها ، قال : فمرَّ بنا يومًا آخَرَ ، فسلَّمَ ، فقال له أبو الدَّرداءِ : كلمةٌ تنفَعُنا ولا تضُرُّكَ ، قال : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : نِعْمَ الرجُلُ خُرَيْمٌ الأسديٌّ لولا طولُ جُمَّتِهِ ، وإسبالُ إزارِهِ ، قال : فبلَغَ ذلك خُرَيْمًا؛ فأخَذَ شَفرةً ، فقطَعَ شَعرَهُ -جُمَّتَهُ- إلى أنصافِ أُذنَيْهِ ، ورفَعَ إزارَهُ إلى أنصافِ ساقَيْهِ ، قال : ثمَّ مرَّ بنا يومًا آخَرَ ، فسلَّمَ ، فقال له أبو الدَّرداءِ : كلمةٌ تنفَعُنا ولا تضُرُّكَ ، فقال : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : إنَّكم قادمونَ غدًا على إخوانِكم؛ فأصلِحوا رِحالَكم ، وأصلِحوا لِباسَكم؛ حتَّى تكونوا كالشَّامَةِ في الناسِ؛ فإنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الفُحْشَ ولا التَّفحُّشَ . ))
إذا أصلح بيته بحيث جعل غرفة للفتيات ، وغرفة للشباب ، فهذا من السنة ، النبي الكريم قال :
(( مُروهم بالصلاةِ لسَبعٍ ، واضْرِبوهم على تَركِها لعَشْرٍ ، وفَرِّقوا بينَهم في المَضاجِعِ . ))
هذا ليس من اللغو ، إذا اعتنى أحـدنا في ببيته ، وجعله مريحاً لأهله ، هذا ليس من اللغو ، وليس من العمل العابث ، لا ، المؤمن ليس إنساناً يعيش على هامـش الحياة ، كما يتصور الناس ، إنسان ساذج يرضيه كل شيء ، لا ، إنسان مذوق ، المؤمن له ذوق رفيع ، وأموره منضبطة ، وبيته مرتب ، ومحله التجاري مرتب ، أما هذا المؤمن الذي يصلي ، وعند الناس مؤمن ، ومحله فوضوي ، والغبار ، والحاجات متداخلة ، والفئران ترعى في الدكان ، وأما غير المؤمن المحل نظيف ، ليس هذا من الدين في شيء ، يجب أن تكون نظيفاً ، مرتباً ، منضبطاً ، ربنا عزَّ وجل وصف أهل الدنيا قال :
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
فإذا اعتنى الإنسان بحياته عناية طبَّق فيها الشرع ليس هذا من اللغو ، لكن اللغو العمل الذي لا يمتُّ إلى دنيا ، ولا يمتُّ إلى دين ، هناك شيءٌ من الدنيا يتصل بالدين ، فمن أجل أن تكسب ودَّ زوجتك وودَّ أولادك لا بدَّ من أن تنفق عليهم ، والإنفاق يحتاج إلى كسب للمال ، ولا بدَّ من وقتٍ تصرفه في كسب المال ، هذا الوقت بهذه النية العالية كأنه عبادة ، حينما تكسب المال من أجل أن تكفي زوجتك وأولادك ، وأن تجعلهم يعتزُّون بك ، وأن يرونك إنساناً تكرمهم ، هذا الكسب للمال ليس من اللغو ، حتى هذا الذي يعتني بجسمه من أجل أن يبقى نشيطاً قوياً هذا الوقت الذي يبذله ليس من اللغو ، أي كل شيء يتصل بدنيا مشروعة ، هذه الدنيا تُهيَّأ للآخرة ليس من اللغو ، أما العمل المباح الذي لا طائل منه ، والذي لا يتصل بالآخرة بطريقةٍ من الطرق فهذا لغوٌ يجب الإعراض عنه .
أحياناً لقاؤك مع الناس هناك لقاء من نوع اللغو ، هناك أشخاص لا يستمعون إليك ، ولا يعبؤون لتوجيهاتك ، ولا يقيمون لك وزناً ، وإذا زرتهم لا بدّ من أن يغلقوا الحديث بكلامٍ سخيفٍ تافه ، ولا يسمحون لأحدٍ أن يتكلَّم معهم ، فما الجدوى من زيارتهم ؟ لا جدوى منها ، أعرض عن هذه الزيارة ، أما إذا زرت إنساناً يُصْغي إليك ، ويستمعُ إليك ، ويقدِّر دينك وعلمك ، هذا إذا زرته ، إذا عدته مريضاً ، أو إذا زرته بعد أن جاء من السفر ، أو إذا أقدم على عمل ، هذه الزيارة ربما تركت فيه أثراً كبيراً ، وهذا ليس من اللغو ، المؤمن دائماً له هدفٌ كبير ، هدفه الكبير أن يقرب الناس إلى الله عزَّ وجل ، لو أن لك جاراً في عملك أصابه مرضٌ فزرته في المستشفى ، أو في بيته ، وأخذت له هدية ، ثمن هذه الهدية ليس من اللغو ، لأنك بهذه الهدية قرَّبت قلبه إليك ، ومهَّدت له أن يلقي لك أُذناً صاغية يستمع بها إلى الحق ، أي المؤمن له أهداف بعيدة جداً ، قد يذهب مع صديق له يمضي معه ساعات طويلة في السوق يشتري له بعض الحاجات ، وهو في غنى عن هذه الحاجات ، وليس عنده وقت يصرفه في شراء هذه الحاجات ، لكنه إذا فعل هذا ألَّف قلب صديقه فجعله يميل إليه ، هذا ليس من اللغو ، أي المؤمن عنده حكمة واسعة جداً ، ربما زار فلاناً ، وعاد فلاناً ، وقدم هدية لفلان ، وعاون فلاناً ، وانطلق إلى هذا العمل ، واعتنى ببيته حتى يجعله مريحاً لأهله وأولاده ، هذا كله ليس من اللغو ، ولكن اللغوَ العمل الذي لا يتصل بالآخرة ، أو لا يتصل بدنيا تكون عوناً على الآخرة ، بالضبط هذا هو التعريف الدقيق للغو ؛ كل عملٍ لا يتصل بالآخرة ، ولا يتصل بدنيا ليس لها علاقةٌ بالآخرة .. أو لو أنه اتصل بدنيا لها علاقة بالآخرة لا يعد هذا العمل لغواً ، لا ، هذا له عند الله عزّ وجل أجرٌ على قدر صلته بالآخرة ، أو على قدر صلته بدنيا لهـا صلةٌ بالآخرة .
الإنسان قد يجلس مع أولاده ، أو مع زوجته ، أو مع جيرانه ، وقد يبحثون شأن العمارة ، وبعد أن يبحثوا الموضوعات المطروحة في جدول الأعمال يذكرهم بآيةٍ قرآنية أو بحديثٍ شريف ، فكأن هذه الجلسة المباركة لفَتَتْهم إلى الله عزَّ وجل ، فجُلوسه معهم ليس لغواً ، المؤمن إيجابي ، ليس سلبياً ، ليس انطوائياً ، ليس انعزالياً ، ليس منعزلاً عن الناس ، طبيعة المؤمن طبيعة إيجابية ، طبيعة منفتحة ، طبيعة ودودة
من صفات المؤمنين الإنفاق :
﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) ﴾
هذا نصاب الزكاة ، وفي آية ثانية :
﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) ﴾
استنبط النبي عليه الصلاة والسلام من هذه الآية قوله : إِنَّ فِي الْمَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ ، أي الزكاة أن تدفع جزءاً من مالك تعبيراً عن صدق إيمانك ، لأن الزكاة تسمى في آيات أخرى الصدقات :
﴿
وسميت الصدقةُ صدقةً لأنها تعبر عن صدق صاحبها ، فالزكاة إنفاق ، والإنفاق يؤكِّد الإيمان ، الإيمان تصديق وإقبال ، وهذا الشيء خفي ، لكن العمل الصالح يؤكد هذا الشيء الخفي ، وهو الإيمان ، فكأن الزكاة والإنفاق هما المظهر العملي للإيمان ، الإيمان له مظهر قلبي هو التصديق ، ومظهر شعوري هو الإقبال ، وله مظهر عملي هو العمل الصالح ، والالتزام بشرع الله عزّ وجل ، لذلك هؤلاء المؤمنون هم للزكاة فاعلون .. والله سبحانه وتعالى يقول :
﴿
أي الله عز وجل في عليائه يقول : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم ، أي هذا الشيء معروف عندما يدفع الإنسان من ماله الحلال ، من ماله الذي كسبه بالحلال ، كسبه بعرق جبينه ، وكدِّ يمينه ، ينفق هذه الألف ليرة ، هذه الخمسمئة ليرة ، وكان بالإمكان أن ينفقها على نفسه ، وعلى أولاده ، وعلى طعامه وشرابه ، حينما ينفق هذا المال يبتغي به إرضاء الله عزَّ وجل فإن الله يتجلَّى عليه ، لذلك لا يوجد مؤمن يدفع زكاة ماله إلا ويحس برحمة الله تنصبُّ على قلبه ، هذا الشعور صعب ينقل للآخرين ، لكن كل شخص دفع زكاة ماله يشعر بالسكينة ، يشعر بالرحمة ، وكأن الله سبحانه وتعالى تجلى على قلبه وغمره برحمةٍ لم يذق أحلى من طعمها :
من صفات المؤمنين حفظ الفرج :
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) ﴾
أحياناً العين تخون صاحبها ، وتختلس نظرةً من مكانٍ لا يحقُّ للطبيب أن يراه ، هناك أطباء ورعون يضعون قماشاً أبيض فوق المريضة لئلا يقع بصرهم على شيءٍ لا يحل لهم ، هذه الإجراءات ، إنسان بمحله التجاري قد تأتيه امرأةٌ لتشتري ، هناك من يغضُّ بصره عنها ، وهناك من يتأمل محاسنها ، الإنسان بالمركبة العامة أحياناً تركب إلى جانبه امرأة ، إما أن يختلس النظر إليها ، وإما أن يعرض عنها ، فهذه أشياء مما ينفرد بها الدين ، لذلك هذا يؤكِّد محبتك لله عزَّ وجل وإخلاصك له
﴿
وكأن الله سبحانه وتعالى رسم لنا طريق حفظ الفرج إنه غض البصر ، والنظرة سهمٌ مسموم من سهام إبليس ، فمن تركها في سبيلي أذقته حلاوةً في قلبه إلى يوم يلقاني ، من ترك هذه النظرة في سبيل الله أذاقه الله حلاوةً في قلبه إلى يوم يلقاه ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول لك : عن جرير بن عبد الله :
(( سَأَلْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عن نَظَرِ الفُجَاءَةِ فأمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي . ))
و عن بريدة بن الحصيب الأسلمي :
(( يا علِيُّ ، لا تُتبِعِ النَّظْرةَ النَّظْرةَ ؛ فإنَّ لك الأُولى ، وليست لك الآخِرةُ . ))
يوجد أمكنة يكون هناك درج مثلاً ، الإنسان ينتظر حتى تصعد المرأة الدرج ، أحياناً يكون هناك مصعد ، لا يختلي بامرأة في المصعد ، ينتظر ، فالمؤمن الله غال عليه كثيراً ، فلذلك يأخذ احتياطات كثيرة جداً ، بحيث لا يخلو بامرأة ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول : عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
(( لا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا . ))
وكل الأحداث الخطيرة التي تؤدِّي إلى الطلاق وإلى خراب البيوت أساسها النظرة ، فربنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿
لم يقل : ولا تزنوا ، قال :
نقاط ضعف الرجل :
الحقيقة أن الرجل عنده نقطتا ضعف ، موضوع النساء وموضوع المال ، والمؤمن محصَّن ضد هاتين النقطتين ، يكون شخصية علمية كبيرة يؤتى من النساء ، يشترى بالمرأة ، يبيع دينه ، وعرضه ، ووطنه ، وأمته بامرأةٍ ، وقد يبيع دينه ، ووطنه ، وأمته بدرهمٍ ودينار ؛ ولكن المؤمن محصنٌ من جهة النساء بغض البصر ، ومن جهة المال بالعفَّة .
ما من شهوة أودعها الله فينا إلا جعل لها قناةً مشروعةً نظيفة :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا
أتحب أن تكون متفوِّقاً ؟ أتحب أن تبلغ درجاتٍ عليةً في المجتمع ؟ تعلَّم :
﴿ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ
وقال سبحانه :
﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ
فشهوة النساء قناتها الزواج ، وشهوة المال قناتها الكسب المشروع ، وشهوة العلو في الأرض قناتها العلم الشرعي ، لذلك سُئل الإمام الشافعي من قِبَلِ شاعر قال :
يدٌ بخمس مئين عسجدٍ وديت ما بالها قطعت في ربع دينارٍ ؟
* * *
أي يد بخمس مئين أي بخمس مئات من الدنانير ، وُدِيَتْ أي كانت ديتها ، ما بالها قطعت في ربع دينار ، لو أن يداً سرقت ربع دينار لقطعت ، ولو أن يداً قطعت بحادث ديتها خمسمئةٍ دينار ذهبي ، مبلغ ضخم جداً ، ما بالها قطعت في ربع دينار ؟ فقال الإمام الشافعي:
عزُّ الأمانة أغلاها وأرخصها ذلّ الخيانة فافهم حكمة الباري
* * *
لما كانت أمينة كانت ثمينة ، فلما خانت هانت .
الزواج مشروع وفيه افتخار :
إذاً :
أتيناكم أَتيناكم فحيّونا نحيّيكم ولولا الحبة الخضراء لمـا جئنا لواديكم
* * *
أي من السنة إشهار النكاح ، ومن السنة إخفاء الخِطبة :
النظر إلى المرأة خارج الحدود المشروعة اعتداء على حدود الله :
(( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأِهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأِهْلِي . ))
فالإنسان مباح له أن يتلطف مع امرأته ، مباح له ، أن يملأها كلمات لطيفة ، يملأ مسامعها كلمات لطيفة وليس مباح له أن يتلطف مع امرأة لا تحل له ، ولا يحل لامرأةٍ أيضاً أن تلين القول لرجلٍ لا يحل لها :
﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ
أشياء دقيقة جداً قد تنتهي بخراب البيوت ، قد تنتهي بالطلاق ، قد تنتهي بتشريد الأولاد من أجل كلمةٍ لطيفةٍ قالـها الرجل لامرأةٍ لا تحل له ، لذلك إذا كنت مأموراً بغض البصر فأنت بالامتناع عن كل كلامٍ لطيف مع امرأةٍ لا تحل لك من باب أولى ، إذا كنت مأموراً أن تغض بصرك عن محارم الله ، لذلك هذا المزاح اللطيف مع النساء في أماكن عامة ، في دوائر مثلاً ، في مناسبة ، في زيارات ، هذا ليس من أخلاق المؤمن ، يفعل هذا حتى لا يُقال عنه جلف ، أرضِ الله عزّ وجل ، أرضِ الله ولا تعبأ بكلام الناس ، هكذا الشرع .
أحياناً الإنسان تحضر امرأة إلى البيت ، وتكون زوجته خارج البيت ، يقول لها : تفضلي يا أختي ، استحياء منها ، هذا عمل غير إسلامي ، جاءت من مكان بعيد ، ولو جاءت من آخر الدنيا ما دام لا يوجد امرأة في البيت لا يحق لك أن تقول لها : تفضلي ، لأنه :
(( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ . ))
فليس للإنسان حق يتساهل بسلام ، بنظرة ، بابتسامة ، بكلام ، بتعليق ، بكلمة ، هذا كله قد يأتي إلى ما هو أكبر منه ، وقد ينتهي بالزنا ، وقد ينتهي بالطلاق ، وقد ينتهي بقطيعةٍ مع الله عزَّ وجل ، الآية دقيقة جداً :
من صفات المؤمنين حفظ الأمانة :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) ﴾
هذه الأمانة كما يسميها علماء التوحيد أمانة التكليف ، أنت على هذه الدنيا إنسان لك هويَّة معينة ، أودع الله فيك الشهوة ، ومنحك حرية الاختيار ، وفوق هذا وذاك سخَّر لك ما في السماوات والأرض ، ومنحك العقل ، وأنزل على أنبيائه الشرع ، فالشرع ، والعقل ، والكون ، وحرية الاختيار ، والشهوة ، هذه كلُّها مقومات التكليف ، أي أودع نفسك أمانةً بين يديك كي تزكيها :
﴿
حينما تنقل للناس الحق دون تزييفٍ ، ولا تعديلٍ ، ولا تطويرٍ ، ولا تغييرٍ ، ولا إضافةٍ ، ولا حذفٍ فأنت قد بلَّغت الأمانة ، وأنت عندما تقف على باب النبي عليه الصلاة والسلام تقول : أشهد أنك بلغت الأمانة ، وأدَّيت الرسالة ، ونصحت الأمة ، وكشفت الغُمة ، وجاهدت في الله حق الجهاد .. هذه أمانة التبليغ .
هناك أمانة الأداء ، أي الأمانة التي أوكلت للعلماء ، وقد أخذ الله عليهم العهد ليبيِّنونَّه للناس ولا يكتمونه ، أن تبيِّن الحق للناس من دون أن تكتمه هذه أيضاً أمانة الأداء .
وهناك أمانة الواجب ، كلٌ منا له عمل يقوم به ؛ فالنجار ، والخيَّاط ، والمدرس ، والطبيب ، والصيدلي ، كل هؤلاء لهم أعمال ، فإما أن يؤدي هذا العمل أداءً صحيحاً ليس فيه تقصيرٌ ، ولا خلل ، ولا غش ، وإما أن يقصِّر ، أو يخل ، أو يغش ، عندئذٍ يكون قد خان الأمانة .
فأمانة التكليف ، وأمانة التبليغ ، وأمانة الأداء ، وأمانة الواجب ، وهناك أمانة المجالس ، الْمَجَالِسُ بِالأَمَانَةِ ، حتى إذا حدَّثك أخوك حديثاً ، ثم سمع وقع خطواتٍ فالتفت فهذا الحديث بالأمانة ، لو لم يقل لك : احفظ هذا الحديث ، لا تنقله عني ، مادام قد التفت لوقع خطواتٍ فالحديث بالأمانة ، هذا أمانة المجلس ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول : عن عبد الله بن عمر :
(( كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ ، والأمِيرُ راعٍ ، والرَّجُلُ راعٍ علَى أهْلِ بَيْتِهِ ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ علَى بَيْتِ زَوْجِها ووَلَدِهِ ، فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ . ))
فالزوجة راعية في بيت زوجها ، والخادم راعٍ في مال سيده ، والرجل راعٍ في أولاده ، والموظف ، والطبيب ، والمدرس ، والمعلم ، وأصحاب الصنعات ، وأصحاب الأعمال ، كلهم عليهم أن يرعوا الأمانة :
(( الدِّينُ النَّصِيحَةُ . قُلْنا : لِمَنْ ؟ قالَ : لِلَّهِ ، ولِكِتابِهِ ، ولِرَسولِهِ ، ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ . ))
فالكذب ، والتدليس ، والغُش ، وتبديل النوعية ، والكذب في اسم البضاعة ، وفي منشئها ، ومصدرها ، وفي نوعها ، والتلاعب بثمنها ، وبعددها ، ونوعها ، هذا كله خيانة لأمانة العمل ، والطبيب إذا أراد أن يبتز المريض ، والصيدلي إذا محا تاريخ انتهاء الدواء ، خان الأمانة ، والمحامي إذا كان مقتنعاً بأن الدعوى خاسرة كلياً ، ثم يقبل أن يتوكل بها ليبتز من أموال الموكل ، وكل مصلحة من المهن الراقية أو غير الراقية ممكن أن يكـون فيها أداء للأمانة ، أو خيانة للأمانة ، فربنا عزَّ وجل يقول :
(( لا إيمانَ لِمَن لا أمانةَ له، ولا دينَ لِمَن لا عَهْدَ له . ))
أي كل إنسان يخون أمانة التكليف ، أو أمانة التبليغ ، أو أمانة الأداء ، أو أمانة الواجب – العمل - أو أمانة المجلس ، أو أمانة الأسرة .. ليس منا من وسع الله عليه ثم قتَّر على عياله ، خان الأمانة ، هذه ربطت نفسها معه فأكل ولم يطعمها ، ولبس ولم يلبسها ، خان الأمانة ، كل من خان هذه الأمانة فلا إيمان له ، بنص قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
(( المسلمون عندَ شروطِهم . ))
اتفقت معه على كذا وكذا وكذا ، انتهى الأمر :
من صفات المؤمنين الحفاظ على الصلاة :
الجنة جزاء من اتصف بصفات المؤمنين :
ونرجو الله سبحانه وتعالى أن نتابع تفسير هذه الآيات في الدرس القادم .
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين