وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : 08 - سورة الفرقان - تفسير الآيات 27 - 31 لا يدعون مع الله إلهاً آخر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

 

الإنسان الموَفَّقُ في الحياة هو الذي يصل بفكره إلى ما سيكون قبل أن يكون :


أيها الأخوة المؤمنون ؛ مع الدرس الثامن من سورة الفرقان . 

وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى : ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ﴾ أيْ أيها الناس اذكروا ذلك اليوم ، والسعيد من وصل إلى الشيء قبل أن يصل إليه ، الإنسان الموَفَّقُ في الحياة هو الذي يصل بفكره إلى ما سيكون قبل أن يكون ما يكون ، فربنا سبحانه وتعالى يُذَكِّرُنَا بذلك اليوم ، وفي هذا اليوم ينتاب المرء حالة من الندم لا تُطاق : ﴿ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ﴾ من هو الظالم ؟ الذي ظلم نفسه أولاً ، هذا الذي يدْعُ نفسه جاهلةً ، يجعل نفسه تنغمس في ملذَّات الحياة من دون أن يبصِّرُها بعواقب الأمور ، هذا ظالمٌ لنفسه ، وهل من ظلمٍ أشد من هذا الظلم ؟

﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57)﴾

[  سورة الكهف  ]

 

الندم حالةٌ نفسية من لوازمها أن يَعَضَّ النادم على يديه لشدة الخسارة :


هل في بني البشر إنسانٌ أشد ظلماً من ذاك الذي يسمع آيات الله تُتلى عليه ثم يعرض عنها ؟ ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا ﴾ فلذلك هذا الذي نسي ربه ، ولم يعرِّف نفسه بالله عزَّ وجل ، ولم يبين لها طريق الحَق ، ولم يَعْرف أحكام الله في كل شؤون الحياة ، هذا الذي آثر الشهوة على العلم ، آثر المصلحة على المبدأ ، آثر الحاجة على القيمة ، هذا الذي آثر المادة على الروح ، هذا الذي آثر ما يفنى على ما يبقى ، هذا الذي آثر لذَّته الآنيَّة على سعادته الأبديَّة ، هذا أشد أنواع الظلم ، لا ينصرف ذهنكم إذا تحَدَّثنا عن الظلم إلى ظلم الخَلْق ، بل إن ظلم النفس أشد أنواع الظلم ، فهذا الذي عاش في الحياة مسترخياً من دون أن يفكِّر في عواقب الأمور ، من دون أن يفكر في ساعة الموت ، في ساعة الحساب ، هذا الذي أعطى نفسه ما تشتهي وتمنّى على الله الأماني ، هذا ظالمٌ لنفسه :

﴿ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)﴾

[ سورة البقرة ]

هذا أشد أنواع الظلم ، فهذا الذي ظلم نفسه سيأتي يوم القيامة ويعض على يديه ، العرب كانت تقول : فلانٌ عضّ على أصبُعِه ندماً ، العض على الأُصبع كناية ، الندم حالةٌ نفسية ، من لوازمها أن يَعَضَّ النادم على أصبُعه ، لكن هنا يقول الله عزَّ وجل : ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ﴾ يديه معاً ، كلمة على يديه لشدة الخسارة . 

 

الخوف والندم شعوران ينتابان النفس ويسحقانها :


شعوران ينتابان النفس ، يسحقانها ، الشعور الأول هو الخوف ، والشعور الثاني هو الندم ، لذلك ورد أن العار يلزم المرءَ يوم القيامة حتى يقول : يا ربي لإرسالك بي إلى النار أهون عليّ مما ألقى ، وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب ، عذاب النار حق :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)﴾

[ سورة البروج  ]

ومع ذلك يُضاف إلى عذاب الحريق وإلى عذاب النار الذي يشوي الوجوه ، يضاف إلى هذا العذاب العذاب النفسي ، وطبيعة العذاب النفسي هو الندم ، لذلك المؤمن حينما يعرف الحقيقة في الوقت المناسـب ، وهو في قوته ، وهو في أوج نشاطه ، وهو في شبابه ، إذا عرف الحق واتجه نحوه ، إذا تطابقت حركته اليومية مع أهدافه ، فهذا أحد أنواع السعادة ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ﴾ الظالم هو الذي ظلم نفسه بإبعادها عن ربها ، بإبقائها جاهلةً ، بإعطائها ما تشتهي ، لهذا قال عليه الصلاة والسلام :  عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( الكَيِّسُ مَن دانَ نفْسَه ، وعمِلَ لِما بعدَ الموتِ ، والعاجزُ مَن أتْبَعَ نفسَهُ هَواها ، وتمنَّى على اللهِ عزَّ وجلَّ . ))

[  الحاكم  : المستدرك على الصحيحين : صحيح الإسناد ]

 

من أراد الجنة ولم يعمل لها فقد أذنب في حقّ نفسه :


هذا الذي يتمنى أن يدخل الجنة ولا يعمل لها ، يسأل الله عزَّ وجل أن ينجيه من النار وهو يعمل للنار ، هذا ذنبٌ من الذنوب ، كما قال الإمام عليٌ كرم الله وجهه : " طلب الجنة من غير عملٍ ذنبٌ من الذنوب " أي أن تقول : أرجو الله أن أدخل الجنة ، والعمل لا يتناسب مع الجنة ، هذا استهزاءٌ بالله عزَّ وجل ، أن تخاف من النار ، والعمل الذي يعمله الإنسان يودي به إلى النار هذا استخفافٌ بالنار ، لهذا قال أحدهم : قرأت حديثاً أغناني عن علم الأولين والآخرين ، هذا الحديث يقول : " اعمل للجنة بقدر مقامك فيها ، اعمل للدنيا بقدر بقائك فيها ، واعمل للآخرة بقدر مقامك فيها ، واتَّق النار بقدر صبرك عليها ، واعمل لله بقدر حاجتك إليه " . 

الله سبحانه وتعالى أعطانا العقل ، أعطانا هذا الفكر أثمن ما في الكون ، هناك مَن يُعَطِّلُه ، هناك من يسيء اسـتخدامه ، هناك من يزوِّره : ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ﴾ على يديه مبالغة في وصف الندم ، وحالة الندم لا يعرفها إلا من ذاقها ، ماذا يقول هذا الظالم الذي ظلم نفسه ؟ الذي أعرض باختياره عن مجالس العلم ؟ الذي أعرض باختياره عن طلب العلم ؟ عن طلب معرفة الله عزَّ وجل ، أصل الدين معرفته ، آثر الحياة الدنيا ، آثر اللذة ، آثر المُتعة ، آثر المادة ، آثر الشـهوة ، آثر المصلحة ، آثر المال : ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) ﴾ يا ليتني سرتُ في طريق الحق . 

 

العلم ليس هدفاً بذاته بل هو وسيلة :


في هذه المناسبة الشيء الذي أحبّ أن ألفت النظر إليه هو أن أناساً فهموا الدين صياماً ، وصلاةً ، وحجاً ، وزكاةً ليس غير ، وهناك أناسٌ فهموا الدين دراسةً ، واطلاعاً ، وقراءةً ، وتلخيصاً ، وتأليفاً وما شاكل ذلك ، هذا الجانب جانبٌ فكري في الإسلام ، وهناك من فهم الإسلام صلاةً ، وصياماً ، وحجاً ، وزكاةً ، هذا جانبٌ شعائري ، والحقيقة كل الحقيقة أن الإسلام يأبى أن يكون فكراً فقط ، ويأبى أن يكون شعائر فقط ، من فهم الإسلام أنه جانبٌ فكري في الحياة ، وجعل العلم هو كل شيء ، بل جعل العلم هدفاً ونسي أن العِلم وسيلة ، وأن العلم شرطٌ لازمٌ غير كافٍ ، ومن فهم الإسلام شعائر تؤدَّى بإخلاصٍ أو بغير إخلاص ، بمعنى أو من دون معنىً ، بإقبالٍ أو من دون إقبال ، كلاهما وقع في وهـمٍ كبير .

الحقيقة أيها الأخوة أن العلم ليس هدفاً بذاته ، أي أن تأتي إلى المسجد وأن تستمع إلى تفسير كتاب الله ، أن تأتي إلى المسجد وأن تستمع إلى خطبةٍ تُلقى ، أن تقتني كتاباً ، وأن تقرأه ، وأن تسعد بقراءته ، وأن تحسَّ أن فيه أفكاراً لطيفة ، وفكراً منظَّماً منهجياً ، وأن فيه أدلةً قوية وتكتفي بهذا ، وأنت على ما أنت عليه من مخالفاتٍ ، من تقصير ، من انحرافات ، هذا العلم يصبح سُلَّمَاً يهوي بصاحبه إلى الحضيض ، الحقيقة أن العلم سُلَّمٌ يرقى بك إلى أعلى عليين ، وقد يكون هو أيضاً سُلَّمَاً يهوي بصاحبه إلى أسفل سافلين ، لابدَّ من تعريف الحقيقة ، العلم وسيلة ، والعمل يؤكِّد صحة العلم ، فالعلم ما عُمِلَ به ، فإن لم يُعمَل به كان الجهل أفضل منه .

أنا أحذر نفسي وإيَّاكم أن نفهم الدين فهماً فكرياً فقط ، أن يكون الدين ثقافةً ، أن يكون كتاباً في مكتبة ، أن يكون فكرةً نحفظُها ، أن يكون كتاباً نتلوه ، وأحذِّر نفسي وإياكم أن نفهم الدين صلاةً وصياماً وحجاً وزكاةً من دون اتصالٍ بالله ، ومن دون إقبالٍ عليه .

 

العلم وحده لا يكفي لابدَّ من العلم بالله عزَّ وجل وهناك مصادر عديدة :


الحقيقة كل الحقيقة أن الإنسان بمجرد أن يتعرَّف إلى الله عزَّ وجل يستقيم على أمره ، لأن عملك له علاقةٌ بمعرفتك ، العمل صدى للمعرفة ، العمل مُنعكَس للمعرفة ، فمهما ارتقت معرفتك بالله ظهر هذا على عملك ، فهذا الذي لا يعرف الله يعصيه ، أما إذا عرفت الله عزَّ وجل فلن تعصيه ، فليس الإسلام فكراً وثقافةً وكتباً ، وليس الإسلام صياماً وصلاةً وحجاً وزكاةً ليس غير ، الإسلام أن تعرف الله ، والإسلام أن تطيعه ، فإذا عرفته وعبدته اتصلت به ، وإذا اتصلت به قطفت ثماره ، من أجل ألا يكون الكلام استهلاكاً للوقت ، من أجل أن يكون الكلام استثماراً للوقت ، يجب أن تعرفوا هذه الحقيقة ، العلم وحده لا يكفي ، لا بدَّ من العلم بالله عزَّ وجل ، وأن تعرف الله هناك مصادر عديدة ، أول هذه المصادر الكون كما ورد : حسبكم الكون معجزة . فلابدَّ من جلسةٍ من يومٍ إلى آخر تتأمَّل فيها في خلقك ، كما قال الله عزَّ وجل :

﴿ فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ(5) ﴾

[ سورة الطارق ]

أمر إلهي ، هل تظن أن أوامر الله عزَّ وجل تنتهي عند الصيام والصلاة والحج والزكاة ؟ ماذا تفعل وأنت المؤمن بهذه الآية :

﴿ فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ(24)﴾

[  سورة عبس  ]

هل نظرت في طعامك ؟ هل نظرت في هذا الماء الذي تشربه ؟ هل نظرت في هذا الخُبز الذي تأكله ؟ هل نظرت في هذه الفواكه ؟ في هذه الخضروات ؟ هل نظرت في هذا الطعام الذي أعدَّه الله ؟ ﴿ فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ(5) ﴾ هل نظرت في خلقك ؟ كيف كنت ماءً فأصبحت مضغةً فعلقةً فكسونا العلقة مضغةً فكسونا المضغة عظاماً ثم كسونا العظام لحماً  ثم أنشأناه خلقاً آخر ؟ 

 

معرفة الله تحتاج إلى إحكام عقلٍ وإلى إصغاء سمعٍ :


فلان آمن ، متى آمن ؟ فلان يحمل دُكتوراه ، هناك سبع سنوات استهلكها في الدراسة ، الإيمان مرتبة علمية ، فلان مؤمن والحمد لله ، متى آمن ؟ متى فكَّرت ؟ متى تأمَّلت ؟ متى بحثت ؟ متى دققت ؟ متى تحققت ؟ ما المصدر الذي اعتمدته لمعرفة الله عزَّ وجل ؟ فالإيمان يحتاج إلى وقت ، فهذا الذي يَدَعُ عمله ويأتي إلى المسجد هذا يُزَكِّي عن وقته ، وللوقت زكاةٌ كما للمال زكاة ، ومن طلب العلم تكفَّل الله له برزقه ، والمؤمنون في مساجدهم والله في حوائجهم ، أولاً من أجل أن تستقيم على أمر الله لابدَّ من أن تعرفه ، ومعرفة الله تحتاج إلى إحكام عقلٍ وإصغاء سمعٍ ، تستمع إلى الحق في بيوت الله وتتأمل في بيتك ، فلابدَّ من جلسةٍ تتأمل بها مع نفسك ، والله سبحانه وتعالى هكذا يقول :

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)﴾

[ سورة سبأ  ]

إما أن تقبع في بيتك وحدك تتأمل في هذا الحق الذي اسـتمعت إليه ، وإما أن تجلس إلى أخيك تتأمل أنت وإياه في هذا الحق الذي استمعتَ إليه ، أنت حينما تستمع إلى الحق لا ينبغي أن تمر عليه هكذا ، هذه مسؤولية ، لئلا يقف الإنسان هذا الموقف النادم ، لئلا يعض الظالم على يديه : ﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ﴾ هذا الموقف العصيب ، هذا الموقف العسير . 

 

إذا دُعيت إلى الله فتفكّرْ في هذه الدعوة :


نحن الآن في بحبوحة ، ما دام القلب ينبض فباب التوبة مفتوح ، ما دام الإنسان حيَّاً يُرزق فالطريق إلى الله سالكة ، فلذلك : ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾ أي إذا دُعيت إلى الله فتفكّرْ في هذه الدعوة ، إذا دعيت إلى طاعة الله فتفكر في هذه الدعوة ، إذا دعيت إلى التزام أمر الله تفكر في هذه الدعوة ، تفكَّر وحدك أو تفكَّر مع أخيك المؤمن : ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ ﴾ .

لئلا يقف الإنسان هذا الموقف العصيب فيقول : 

﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) ﴾

[  سورة الفجر ]


طلب العلم والتأمل والاستماع عمل يزكيه الله وملائكته :


﴿ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ﴾ فإذا عرفت الله من خلال التأمُّل في الكون ، وفي خلق الإنسان ، أو في القرآن ، أو في الحوادث ، ثلاثة مصادر ، الكونُ مصدر :

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)﴾

[ سورة يونس ]

﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)﴾

[ سورة يوسف ]

الكون مصدر ، خلقُ الإنسان مصدر ، الطعامُ والشراب مصدر ، الجبال ، والسهول ، والوهاد ، والصحارى ، والمياه ، والأنهار ، والبحار ، والبُحيرات ، والأطيار ، والأسماك ، والكواكب ، والمجرَّات ، هذه كلها آياتٌ دالةٌ على عظمة الله ، تفكَّرْ بها ، أتمنى عليكم أن تخصصوا جزءاً من وقتكم ولو ربع ساعة في التفكر في خلق السماوات والأرض ، الاستماع وحده لا يكفي ، الاستماع يكمِّل التفكر ، إذا تأمَّلت في البيت واستمعت إلى الحق في المـسجد تكون قد سرت في طريق تحصيل العلم ، سرت في هذا الطريق ، وهذا الطريق طريقٌ مُشَرِّف ، طريقُ مُقَدَّس ، ما من عملٍ أعظم عند الله من أن تطلب العلم ، ما من عملٍ يزكِّيه الله سبحانه وتعالى والملائكة والناسُ أجمعون كأن تطلب العلم ، أن تكون متأمِّلاً في بيتك ، وأن تكون مستمعاً في بيتٍ من بيوت الله ، إذا عرفت عن الله شيئاً ، عن أسمائه الحسنى ، عن صفاته الفُضلى ، عن وعده ووعيده ، عن أمره ونهيه ، عن تشريعه ، عن أحكامه ، عن الجنة والنار ، إذا عرفت هذا كلَّه وجدت نفسك شيئاً فشيئاً تميل إلى تطبيق ما عرفت ، فإذا التزمت بما عرفت تكون قد حققت العلم بشكلٍ صحيح ، العلم ما عُمِلَ به ، فلو تعلم الإنسان ولم يعمل لكان ظالماً لنفسه ، والظالم لنفسه يعض على يديه ، إذا عمل عملاً عشوائياً من دون علمٍ كان ظالماً لنفسه ، والظالم لنفسه يعض على يديه ندماً : ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) ﴾ طريق إلى الله .

 

الطريق إلى الله عزَّ وجل يحتاج إلى رسول :


هناك طريقٌ إلى الله ، لكل بلدةٍ طريق ، هناك طريقٌ مادي ، مدينة حلب لها طريق ، حمص لها طريق ، درعا لها طريق ، بلاد بعيدة لها طريق في الجـو ، بلاد قريبة لها طريق في البحر ، كل بلدةٍ لها طريق ، وأن تكون طبيباً فللطب طريق ؛ أن تأخذ الشهادة الثانوية بمجموع متفوِّق ، وأن تنتسب إلى كلية الطب ، وأن تبقى فيها سنواتٍ خمسة ، تصبح مجازاً في الطب ، وبعدها تذهب إلى بلدٍ متقدمٍ في الطب فتحصل منه على درجة الدكتوراه ، هذا طريق الطب ، أين الطريق إلى الله ؟ لكل شيءٍ طريق ، أليس لله طريق ؟ طريق الله عزَّ وجل يحتاج إلى رسول ، والدليل : ﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ﴾ أي طريق معرفة الله تحتاج إلى مُعَلِّم ، هكذا قال الله سبحانه وتعالى . 


من قلّد عالماً لقي الله يوم القيامة سالماً :


لذلك ربنا عزَّ وجل يقول : 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾

[ سورة التوبة  ]

كونوا معهم : 

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)﴾

[  سورة الكهف 28 ]

﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)﴾

[ سورة لقمان ]

هذا الذي استقام على أمر الله رافِقْه ، صاحبه ، اتبع سبيله ، قلِّده ، من قلّد عالماً لقي الله يوم القيامة سالماً ، لا تقلد أهل الفجور ، لا تقلد أهل الضلال ، لا تقلد الكفار ، لا تُقِم معهم علاقةً حميمة ، أقم هذه العلاقة الحميمة مع أهل الإيمان ، فلعل الله سبحانه وتعالى ينفعك بصحبتهم : ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)﴾ لك صاحب ادْعُهُ إلى الله ورسوله ، فإن لم يستجب فدَعه ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول :

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)﴾

[ سورة القصص ]

إما أن يستجيب وإما ألا يستجيب ، إن لم يستجب فهو يتبع الهوى بنص القرآن الكريم ، بعض العلماء قال : " إن تقديم الرسول على السبيل أصلٌ في أنه لا طريق إلى الله عزَّ وجل إلا عن طريق رجلٍ متفوقٍ في هذا الطريق "

لو أن التعليم يصلح من دون معلِّم لانخفضت النفقات إلى العُشر ، طُبِعَت الكتب ووزِّعَت ، وأجريت الامتحانات ليس غير ، ولكن لا بدَّ في الجامعة من المدرس ، ولا بدَّ في المدرسة من المُعَلِّم ، ولا بدَّ في الطريق إلى الله عزَّ وجل ، من إنسان له خبرات ، متبحر في العلم ، له تجربة مع الله غنيَّة ، مخلص مثلاً ، هذا تأخذ منه الشيء الكثير بجهدٍ يسير ، أما الإنسان حينما يحب أن يكتشف كل شيء بنفسه فقد يدفع نفسه ثمناً لاكتشافه ، أنت وجدت بساحة معركة كُتَلاً كروية لعلها قنابل ، فإذا أردت أن تكشفها بنفسك ربَّما كنت الضحية ، أما إذا جئت بخبير ألغام فهذا تستعين بخبرته وتنجو من أخطار هذه الألغام ، كذلك حينما يتعلَّم الإنسان فإنه يشارك الآخرين في عقولهم وخبرتهم ومعرفتهم بحضور مجالسهم ليس غير بلا مقابل ، فلما قال ربنا عزَّ وجل :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(119)﴾

[ سورة التوبة ]

من أجل أن تأخذ أكبر فائدةٍ بأقل جهدٍ .

 

على الإنسـان أن يحذر من صاحب السوء لأن أفكاره تثَبِّط العزيمة :


﴿ يَا وَيْلَتَى ﴾ .. يدعو هذا الظالم لنفسه بالويل والثبور وعظائم الأمور : ﴿ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾ كل واحد منا ببيته ، من جيرانه ، من زملائه ، بعمله معرض لصاحبٍ سيِئ ، يبثُّ في روعِهِ أن الدنيا هي كل شيء ، وأنك شابٌ في مقتبل الحياة ، عليك أن تأخذ نصيبك من المُتَع ، وأن العمر طويل وغداً تتوب ، وأن الله غفورٌ رحيم ، هذا الإنسان كالسُمِّ الناقع ، ماذا يقول الظالم لنفسه غداً عن صحبة هذا الإنسان ؟ ﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) ﴾ لقد أهلكه ، فليحذر الإنسـان من صاحب السوء ، أحياناً بحكم عمله يكون له زميلٌ ، بحكم سكنه جارٌ ، بحكم دراسته طالب ، بحكم تجارته شريكٌ ، يبثُّ في روعه أن الدنيا الله غفورٌ رحيم ، هناك أفكار تثَبِّط العزيمة ، وأن الشقي شقي ، والسعيد سعيد ، والأمر مبرم ، رفعت الأقلام وجفت الصحف ، وأن لله في خلقه شؤوناً ، وهذا الترتيب ترتيبه ، وعندما ينوِّر الله عزَّ وجل قلبك تهتدي ، والأمر بيد سيدك ، والشيء ليس بيدك ، هذه كلها معلومات تشُلُّ الإنسان وتجعله أشَل ، تثبِّط العزيمة ، هذه معلومات غير صحيحة . 

 

حاجة الإنسان إلى أهل الحق لمعرفة الحقيقة :


ربنا عزَّ وجل قال في بعض الآيات على لسان الكافرين يقول :

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)﴾

[ سورة الأنعام  ]

هذا ترتيبه : 

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)﴾

[ سورة الأنعام  ]

هذا ظن كاذب ، وهذا أشد أنواع الكَذِب ، فأنت محتاج إلى أهل الحق لتعرف الحقيقة ، هناك من يقول لك أشياء غير صحيحة ، هناك صديقٌ ، هناك شريكٌ ، هناك أستاذٌ في التعليم العام مثلاً ، هناك أبٌ ، هناك صديقٌ قريبٌ قد يبثُّ في روعك أشياء غير صحيحة خلاف القرآن الكريم ، فإذا صدقتها فقد أهلكت نفسك وأنت لا تدري ، إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ ، ابن عمر دِينك دينك إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين مالوا  ، أي : ﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾ .

 

العاقل من يتبع سبيل الله ويهتدي بهديه ويلزم أهل الحق :


﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)﴾

[  سورة الكهف 28 ]

﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾ وماذا تنفع ليت ؟ لكنّ الذي عرف الله عزَّ وجل ، وسار في طريق الإيمان مع من يحبه الله ورسوله يوم القيامة ربما قال : إنه كان لي قرين.

﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53)﴾  

[  سورة الصافات  ]

بعد ذلك يقول الله عزَّ وجل :

﴿ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ(55)﴾

[ سورة الصافات  ]

الإنسان العاقل يتبع سبيل الله ، يهتدي بهدي الله ، يلزم أهل الحق ، يتبع سبيل من أناب إلى الله ، يأخذ علمه عن الذين استقاموا لا عن الذين مالوا ، لا تفرح بالذي يعطيك الرخَص ، افرح بالذي يُشَدد عليك ، لكل معصيةٍ فتوى إذا شئت ، ما أكثر من يُفتي إرضاءً للناس ، أما النبي عليه الصلاة والسلام فيقول لك : اسـتفتِ قلبك وإن أفتاك المفتون وأفتوك . عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الأَسَدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَـلَّمَ قَالَ لِوَابِصَةَ :

(( جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ ، قَالَ : قُلْتُ نَعَمْ . قَالَ : فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ فَضَرَبَ بِهَا صَدْرَهُ وَقَالَ اسْتَفْتِ نَفْسَكَ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ يَا وَابِصَةُ ثَلاثًا الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْك . ))

[ صحيح الترغيب  : حكم المحدث : حسن لغيره ]

 

الشخص الذي تتمنى أن تكونه يجب أن يكون ورعاً ومحباً لله ورسوله :


﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾ ، وقد قيل : عن أبي هريرة رضي الله عنه:

(( المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل . ))

[ شعيب الأرناؤوط  : سير أعلام النبلاء  : حكم المحدث : حسن ]

من هذا الشخص الذي تحبُّه وتركن إليه ؟ من هذا الشخص الذي تعظِّمَهُ ؟ من هذا الشخص الذي تتمنى أن تكونه ؟ أن تكون مكانه ؟ من هذا الشخص الذي تراه مِلْء السمع والبصر ؟ هذا الشخص قل لي من هو أقل لك من أنت ، المؤمن يرى من سبقه بالإيمان ملء السمع والبصر ، المؤمن يعظِّم الوَرِع ، يعظّم المحب لله ورسوله ، يعظِّم المستقيم على أمر الله ، المؤمن يحب أهل الحق ، هم ملء سمعه وبصره ؛ أما إذا كنت تعظِّم أهل الدنيا ، وأصحاب الأموال ، وأصحاب القوة ، فهذه علامةٌ خطيرة ، قارون حينما خرج على قومه بزينته : 

﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)﴾

[  سورة القصص  ]

 

من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ مِن حتفه وهو لا يدري :


اسأل نفسك هذا السؤال : أنت لِمنْ تقول : هنيئاً له ؟ لصاحب البيت الفخم أم لصاحب الدخل الكبير أم لهذا الذي يعرف الله عزَّ وجل وعرف آخرته واستقام على أمره ؟ من الذي يشدُّك إليه ؟ من الذي يكون ملء سمعك وبصرك أهل الحق أم أهل الدنيا ؟ أهل الدنيا :

﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80)﴾

[ سورة القصص  ]

الدنيا زائلة ، خذ من الدنيا ما شئت وخذ بقدرها هماً ، ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ مِن حتفه وهو لا يدري : ﴿يَا وَيْلَتَى ﴾ .

 

شتان يوم القيامة بين من يأخذ كتابه بيمينه ومن يأخذه بشماله :


شتان بين أن تقول يوم القيامة :

﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)﴾

[ سورة الحاقة  ]

تفضلوا انظروا ، طالب جاء إلى البيت وبيده الجلاء كلٌّ علاماته بدرجة جيد ، يكاد يطير من الفرح ، الفوز رائع جداً ، النجاح مسعد : ﴿ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيه(19)إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيه(20) ﴾ توقَّعت هذا ، حينما كنت في الدنيا كنت أتوقع هذا اليوم ، أتوقع هذه الساعة ، كنت أُعِدُّ للموت عُدَّته ، أعد للقاء الله العُدَّة :

﴿ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيه(19)إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيه(20)فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ(21)فِي جَنَّةٍ عَالِيَة(22)قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ(23)كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ(24)وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه(25)وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه(26)يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ(27)مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه(28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيه(29)خُذُوهُ فَغُلُّوهُ(30)ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ(31)ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ(32)إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ(33)﴾

[  سورة الحاقة  ]

ما عرف الله عزَّ وجل ، عرف أن له رباً . 


معرفة الله لا تعني الإيمان به لكن المؤمن من استقام على أمر الله :


الشيطان قال :

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)﴾

[ سورة ص  ]

اسأل الآن ألف مليون مسلم : مَن خلق السماوات والأرض ؟ يقولون لك : الله ، ليس هذا هو الإيمان : 

﴿  إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ(33) ﴾  

[ سورة الحاقة  ]

يجب أن تؤمن بالله سبحانه العظيم ، لأنك إذا آمنت بالله العظيم استقمت على أمره ، وعرفت ما عنده من عطاء ، وما عنده من عذاب فيما لو حدت عن أمره .

 

كلام رب العالمين لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو يصلح لكل زمان ومكان :


﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ ﴾ أبعَدَني عن طريق الحق ، أبعدني عن سُنَّةِ النبي عليه الصلاة والسلام ، الذكر النبي ، والذكر القرآن ، أبعدني عن كتاب الله ، قال : هذا الكتاب لا يصلح لهذا الزمان ، كلام رب العالمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه في نظر بعض الناس لا يصـلح لهذا الزمان لكن الله يقول:

﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)﴾

[ سورة الإسراء  ]

 لا يحزن قارئ القرآن : عن أنس بن مالك :

(( من جمع القرآنَ متَّعَه اللهُ بعقلِه حتى يموتَ . ))

[  محمد جار الله الصعدي  : النوافح العطرة  :  خلاصة حكم المحدث  : ضعيف  ]

وقَالَ : عن أبي أُمامةَ :

(( اقرؤوا القرآنَ ولا تغُرَّنَّكم هذه المصاحفُ المُعلَّقةُ ، فإنَّ اللهَ لا يُعذِّبُ قلبًا وعَى القرآنَ  ))

[ ابن حجر العسقلاني : فتح الباري لابن حجر  : حكم المحدث : إسناده صحيح ]

يقول لك : هذا الكتاب لا يصلُحُ لهذا الزمان ، جعله وراءه ظِهْرِيًّا ، هجره ، جعله خارج اهتمامه ، قرأه في المناسبات ، استمع إليه في أيام التعزية ، لم يعبأ به ، لم يَحْمِلْهُ محمل الجِد ، لم يقرأ هذا القرآن على أنه كلام الله ، وأن وعده واقع ووعيده واقع ، قرأه هكذا .

 

ما دمنا أحياء وباب التوبة مفتوح فكل شيء في الدنيا يصحح :


﴿ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ ﴾ .. واللهِ كما أشعر أن هذا الإنسان يوم القيامة يقول هذه الكلمات ويتفطَّر قلبه دماً : ﴿لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ﴾ وها نحن أحياء والحمد لله ، والباب مفتوح ، باب التوبة مفتوح ، باب المعرفة مفتوح ، كل شيءٍ في الدنيا يصحح :

(( عن أنس بن مالك  قال اللهُ تعالى  : يا ابنَ آدمَ ! إِنَّكَ ما دَعَوْتَنِي ورَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لكَ على ما كان فيكَ ولا أُبالِي يا بنَ آدمَ ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لكَ  ولا أُبالِي  يا بنَ آدمَ ! لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرضِ خطَايا ثُمَّ لَقِيْتَني لاتُشْرِكْ بِيْ شَيْئًَا لأتيْتُكَ بِقِرَابِها مَغْفِرَةً . ))

[ صحيح الترغيب حسن لغيره أخرجه الترمذي ]

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)﴾

[ سورة الزمر ]

ما دام الإنسان فيه قلب ينبض فكل شيء يُحَلّ ، الصُلْحَة بلمحة ، إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن أيتها الخلائق هنِّئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله . 

 

الشيطان يخذل الإنسان في أحرج الأوقات :


﴿ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ﴾ والمفسِّرون يقولون : أما قوله تعالى :﴿ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) ﴾ هذا كلام الله عزَّ وجل ، كلام هذا الظالم : ﴿ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ﴾ ، وقف ، يقول الله عزَّ وجل معقباً على هذا الاعتراف ، على هذا الندم الذي يَدْمَى له القلب ، يقول الله عزَّ وجل : ﴿ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ خذله في أحرج الأوقات . 

 

ليس للشيطان سلطان على أحد :


﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)﴾

[  سورة إبراهيم  ]

أي ضحكت عليكم ، مَنَّيْتُكُم : ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ﴾ مستحيل أن يكون للشيطان على الإنسان سُلطان ، مستحيل ، هذا لا يكون ، إنسان يرتدي أجمل ثياب ، وقع في حفرة مياه آسنة سوداء ، فتوجَّهَ إلى المخفر ليشتكي على أحد الناس ، فقال المحقق : هل دفعك إلى هذه الحفرة ؟ قال له : لا ، قال : أمسكك ووضعك بها ؟ قال له : لا والله ، قال : شهر عليك سلاحاً وأرغمك أن تنزل فيها ؟ قال له : لا والله ، بل قال لي : انزل فنزلت ، هذا الإنسان مجنون ، وهكذا الشيطان : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ﴾ وقال تعالى : ﴿ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ .

 

أدلة من القرآن الكريم عن منزلة المؤمن في الجنة يوم القيامة :


أما المؤمنون :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)﴾

[ سورة التحريم  ]

المؤمنون : 

﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ(74)﴾

[ سورة الزمر ]

وقال :

﴿ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)﴾

[ سورة يس  ]

والله الذي لا إله إلا هو يأتي على قَلْب المؤمن ساعةَ يلقى الله عزَّ وجل سعادةٌ من نوع أن الذي وُعِدَ به قد تحقق ، وأن الذي خافه قد نجَّاهُ الله منه ، وأن الدين الذي آمن به في الدنيا هو حقيقةٌ ، هو كل شيءٍ في الآخرة . 

 

المستقيم على أمر الله من ملوك الدار الآخرة :


لذلك هذا المستقيم على أمر الله ، هذا الذي يعرف الله في الدنيا من ملوك الدار الآخرة ، ملك ولكن من ملوك الدار الآخرة ، النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليه أحد أصحابه فهشَّ له وبَش وقال : " أهلاً بمن خبَّرني جبريل بقدومه " ، قال : " يا رسول الله أو مثلي ؟!! " من أنا ؟ قال : " نعم يا أخي خاملٌ في الأرض علمٌ من السماء " ، وقد تكون أنت في الأرض إنساناً عادياً ، وقد تكون علمٌ في السماء ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول : ابتغوا العزة عند الله .

البطل الموفَّق يبحث عن مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر ، يبحث عن رتبةٍ عند الله ، يبحث عن مكانةٍ عليَّةٍ عند الله ، لأن الله هو كل شيء ؛ عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبق لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ، يا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شـيء ، وإذا فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحبّ إليك من كل شيء ، أنت تريد وأنا أريد فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد ، من آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً ، ومن آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً .

 

العاقل من يعرف الله في الوقت المناسب :


الدين كل شيء ، وخلاف الدين لا شيء ، سنواتٌ معدودات تمضي ، حينما يرى الإنسان أبواب النار تفتح له يقول : لم أر خيراً قط ، ينسى كل شيء ، ﴿ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ لئلا تقع هذه الندامة ، لئلا يقف الإنسان هذا الموقف العصيب ، لئلا يعض على يديه ، لئلا يقطع يديه ، يقطع أصابعه ندماً ، يجب أن يعرف الله في الوقت المناسب ، والمعرفة وحدها لا تكفي ، العلم ما عُمِلَ به ، فإن لم يعمل به كان الجهل أفضل منه ، أنت حينما تأتي لهذا المسجد ، وتستمع إلى تفسير كلام الله ، أنت تضاف إلى مسؤوليَّاتك مسؤوليةٌ جديدة ، هذا علمٌ يعدُّ حجةً على كل من استمع إليه ، أما إذا عملت به أصبح حجةً لك ، إذا استمعت إليه حجةٌ عليك ، عملت به أصبح حجةً لك . 

 

القرآن يقيَّدَ المؤمن عن كثيرٍ من هوى نفسه :


﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) ﴾ هجروه ، جعلوه وراء ظهورهم ، هناك مَن يقرؤه وقد هجرَه ، طبعاً ، تقرؤه ولا تقيم أحكامه ، ولا تحلُّ حلاله ، ولا تحرّم حرامه ، فهذا أحد أنواع هجرانه ، تقرؤه وتقيم حلاله وحرامه ولكن لا تحتكِمُ إليه ، لابدَّ من أن تحتكم إليه لأن الله سبحانه وتعالى يقول : 

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) ﴾

[  سورة الأحزاب  ]

تنتهي حرِّيتك عند معرفة الله ، الإيمان قيدُ الفَتك ، أنت حر قبل أن تعرف الله ، فإذا عرفت الله ، عرفت أن لكل مخلوقٍ رَبَّاً ، أن هذا الإله العظيم سيحاسبك عن كل مخلوقٍ ظلمته ، عن كل مخلوقٍ اعتديت عليه ، عن كل مخلوقٍ أكلت حقه ، لذلك تنتهي حريتك - هم يقولون- عندما تبدأ حريات الآخرين ، القول الآخر : تنتهي حريتك حينما تعرف الله ، لأن القرآن قيَّدَ المؤمن عن كثيرٍ من هوى نفسه ، وحال بينه وبين أن يهلك فيما يهوى ، والإيمان قيد الفَتك . 

 

المؤمن هو من يقرأ القرآن ويعمل به ويتدبر أحكامه ويحتكم إليه ويجعله دستوراً له :


﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) ﴾ فإذا تركت قراءته فقد هجرته ، إذا قرأته وتركت العمل به فقد هجرته ، إذا قرأته وعملت به وتركت الاحتكام إليه فقد هجرته ، إذا قرأته وتركت تدبُّرَهُ فقد هجرته ، يجب أن تقرأه ، ويجب أن تتدبَّرَهُ ، ويجب أن تعمل به ، ويجب أن تحتكم إليه ، ويجب أن يكون دسـتوراً لك ، عندئذٍ تنجو من هذا الوصف ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) ﴾ .

 

ربنا تعالى جعل للدعوة خصوماً حتى يميز الصادق لأن الصادق هو من يصمد للنهاية :


﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) ﴾  شاءت حكمة الله عزَّ وجل أن يكون لأهل الحق انطلاقاً من الأنبياء صلوات الله عليهم وحتى أقل الدعاة شاءت حكمة الله عزَّ وجل أن يكون لكل نبي عدواً من المجرمين ، ما حكمة ذلك ؟ لو أن طريق الدعوة إلى الله خاليةٌ من الخصوم ، والمعارضين ، وأهل الباطل الذين يكيدون للحق ، لو أن طريق الدعوة إلى الله طريقٌ محفوفةٌ بالورود والرياحين ، طريقٌ سهلةٌ ممهَّدةٌ كلُّها مسرَّات ، لدعا إلى الله من هَبَّ ودَبْ ، بعضهم صادق ، أقلهم هو الصادق وأكثرهم كاذب ، ولكن حينما تكون لهذه الدعوة عقباتٌ كؤود ، وخصومٌ أشدَّاء ، ومخاوف ، وتبعات لا يصمد فيها إلا الصادقون ، مناقصة مثلاً - مناقصة بألف مليون - لو أن كل إنسان له الحق أن يدخل فيها بطابع مالي من فئة المئة والخامسة والعشرين قرشاً ، لقدِّمت طلباتٌ لا تعد ولا تحصى ، وكان أكثر هؤلاء الذين يقدِّمون الطلبات لا يملكون مصاريف هذه المُناقصة ، لماذا يجعل مبلغٌ ضخمٌ مبلغ تأمين ؟ حتى يدخل الإنسان الجاد هذا مثل ، لو كان الاشتراك من دون تأمين لكان كل إنسان يقول لك : لأجرِّب حظي ثم يقدم طلباً ، قد ترسو عليه المناقصة وهو ليس أهلاً لإجراء هذا العمل ، ولكن يوضع مبلغٌ كبير كعقبةٍ من يجتازها فهو جادٌ في تأمين هذا الطلب ، هذا مثل الآن خطر في بالي . 

ربنا عزَّ وجل جعل للدعوة خصوماً ، أعداءً أَلِدَّاء ، جعلها محفوفةً بالمخاطر ، جعلها طريقاً كلُّها أشواك ، طريقاً فيها أكمات ، فيها حُفَر ، فيها مطبَّات ، من يصمد فيها ؟ الصادقون ، لذلك قال الله عزَّ وجل :

﴿  الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّه(39)﴾

[ سورة الأحزاب  ]

هؤلاء الصادقون :

﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)﴾

[ سورة السجدة  ]

﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)﴾

[ سورة البقرة ]

متى جعله إماماً ؟ بعد أن أتمَّ هذا الامتحان الصعب :

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)﴾

[ سورة يوسف ]

﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)﴾

[ سورة يس  ]

فهذه المخاطر ، وهذه الصعوبات ، وهؤلاء الخصوم ، وهؤلاء الأعداء الألدَّاء وما يحيكون ، هذا كلُّه من تقدير عزيزٍ حكيم ، حكمة الله شاءت ذلك ليظهر الصادقون ويسقط الكاذبون ، ليظهر المستقيمون ويسقط المنحرفون : ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ .

 

ابتلاء الإنسان ليظهر على حقيقته ويرقى إلى الله عز وجل :


الإنسان لا يرقى إلى الله عزَّ وجل إذا جاءت الأمور كما يحب ، شيء سهل جداً ، ولكن لا بدَّ من أن يبتلى ليظهر على حقيقته :

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) ﴾

[  سورة العنكبوت  ]

لا بدَّ من الابتلاء ، لا بدَّ من أن يكون الجزاء على قدر الابتلاء ، الإمام الشافعي سُئِل : أندعو الله بالتمكين أم بالابتلاء ؟ فقال رضي الله عنه : " لن تُمَكَّن قبل أن تبتلى " .

النبي عليه الصلاة والسلام ابتلي ، ابتلي بالطائف ، أي لاقى من الصعوبات ما لاقى ، أُوذي وما أوذي أحدٌ مثل ما أُوذي النبي عليه الصلاة والسلام ، ومع ذلك صبر ، حينما قال في الطائف :  اللهم إني أشكو إليك ضعف قوَّتي ، وقلَّة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا ربَّ المستضعفين إلى من تكلني ؟ إلى عدوٍ ملَّكته أمري ؟ إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي ، ولك العُتبى حتى ترضى ، لكن عافيتك أوسع لي ، هذا ابتلاء :

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)﴾

[ سورة آل عمران ]

مستحيل ، وهذا كلامٌ من القلب . 


  الله عزَّ وجل سَخَّرَ الخصوم والأعداء ليرقى المؤمن بصبره وصدقه :


أيها الأخوة الأكارم ؛ لن تنال ما عند الله ، وما عند الله شيءٌ ثمين جداً ، لن تنال ما عند الله إلا بالابتلاء ، فإذا صبرت فقد نجحت ، وإذا قلت : لا أستطيع ، لا قَبِلَ لي بهذا ، فقد رسبت ، ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) ﴾ من السهولة كان بمكان أن يتولى الله عزَّ وجل أن يقمع كيد الكفار :

﴿ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) ﴾

[ سورة محمد  ]

من أجل أن ترقى أنت ، ترك هذا لك من أجل أن ترقى ، فالإنسان لا يتأفف بالمصائب ، لا يتأفف بالخصوم ، لا يتأفف بالأعداء ، هؤلاء بتقدير الله عزَّ وجل سَخَّرَهُم الله ليرقى المؤمن بصبره وصدقه ، أو ليظهر صدق الصادق وكذب الكاذب .

 

الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين :


﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) ﴾ يهديك إليه ، وينصرك على خصومك بعد أن يَظْهَر صدقك ، وبعد أن يظهر إخلاصك ، وبعد أن تظهر تضحياتك ، بعدئذٍ ينصرك الله على أعدائك ، فالنبي عليه الصلاة والسلام لاقى ما لاقى ، الهجرة وحدها ابتلاء ، خرج من مكة متجهاً إلى غار ثور ، أعد عدةً ، وكان هناك خصوم تحلقوا حوله ، وكادوا أن يصلوا إليه ، وقال قولته الشهيرة :

(( عن أبي بكر الصديق قلتُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونحن في الغارِ لو أنَّ أحدَهم ينظرُ إلى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنا تحتَ قَدَمَيْهِ فقال  : يا أبا بكرٍ ما ظَنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهُما . ))

[ سنن الترمذي  حسن صحيح غريب  أخرجه البخاري  ، ومسلم  والترمذي واللفظ له ]

الإنسان لا يبدو في الرخاء ، تبدو في الشـدة ، الإنسان لا يبدو في الغنى ، يبدو في الفقر أحياناً  يبدو في الضعف ، قد تبتلى بالضعف فتكون مسـتضعفاً ، وقد تبتلى بالفقر ، وقد تبتلى بالخوف ، وقد تبتلى بنقصٍ في الأموال والأولاد ، من أجل أن تقول كلمة ، إن قلت : يا رب لك الحمد ، أنا راضٍ ، فقد نجحت .

هذا الذي كان يطوف حول الكعبة ويقول : " يـا رب هل أنت راضٍ عني ؟ " كان وراءه الإمام الشافعي قال : " يا هذا هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك ؟ " قال : " من أنت يرحمك الله ؟ " قال : " أنا محمد بن إدريس " ، قال : " كيف أرضى عنه وأنا أتــمنى رضاه ؟ " قال : " إذا كان سـرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله" .

البطولة أن ترضى في الشدة ، أن ترضى مع إدبار الدنيا ، الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين ، فنحن بالـرخاء لا نواجه أيّ امتحان ، هل سمعتم أن أحداً يمتحن مركبةً بالنزول ، المركبة بلا محرك تسير ، ولكن المركبات تُمتحن بالصعود ، والإنسان أحياناً تكون حياته طريقاً سهلةً ، فجأةً تصبح الطريق صاعدةً ، جاء الامتحان ، أعدّ له الإيمان ، فالبطل بالصعود ، البطل بالشدائد ، البطل في المكاره ، البطل مع الخصوم ، البطل مع الضغوط ، البطل عند إدبار الدنيا ، أما في الرخاء فكلنا شاكرون لله عزَّ وجل ، كلنا سعداء ، لكن ماذا تقول إذا جاءت الشدة ؟ لكن الإنسان ليس له أن يطلب الابتلاء ، سلوا الله العافية ،  لكن عافيتك أوسع لي ، أبلغ قول ، لكن عافيتك أوسع لي يا رب .

 

النبي عليه الصلاة والسلام أُمِرَ أن يتوكل على الله لأنه على الحق المبين :


﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) ﴾ ربنا عزَّ وجل طمأن النبي عليه الصلاة والسلام فقال له : 

﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)  ﴾

[ سورة النمل  ]

هذا للقياس ، إذا كان أحدنا على الحق فعليه أن يتوكَّل على الله ، لأن الذي على الباطل لا يستطيع أن يتوكَّل على الله ، لأنه في خجل ، إذا كان الإنسان على الباطل ، إذا كان معتدياً ، إذا كان منحرفاً ، إذا كان مخالفاً ، إذا كان عاصياً ، لا يستطيع أن يتوكل على الله ، أما النبي عليه الصلاة والسلام فقد أمِرَ أن يتوكل على الله لأنه على الحق المبين : ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ(79) ﴾ ، سيدنا هود قال :

﴿ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(56)﴾

[ سورة هود  ]

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور