- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (025)سورة الفرقان
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
الله سبحانه وتعالى أنعم على الإنسان بنعمة الإيجاد والإمداد :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ مع الدرس الثاني من سورة الفُرقان .
في الدرس الماضي تَمَّ الحديث عن قوله سبحانه وتعالى :
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) ﴾
كل واحدٍ منا لولا أن مشيئة الله شاءت أن يكون لما كان ، شاءت مشيئة الله أن يكون ، وأن يسعد بمعرفة الله عزَّ وجل ، فلمجرد أنك موجودٌ على وجه الأرض فهذه نعمةٌ كبرى اسمها : نعمة الإيجاد ، وجِدتَ بعد أن لم تكن شيئاً مذكوراً ، ولو أن الله سبحانه وتعالى أوجدنا فحسب ولم يهدنا إليه لكانت النعمة غير تامة ، لذلك حينما قال الله عزَّ وجل :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ
قال العلماء : تمام النعمة الهُدى ، إذاً أنعم علينا بنعمة الإيجاد ، وأنعم علينا بنعمة الإرشاد ، أرشدنا إليه ، كيف أرشدنا إليه ؟ خلق الكون كله دالاً عليه ، كيف أرشدنا إليه ؟ أودع فينا العقل ، كيف أرشدنا إليه ؟ نزَّل الكتاب على أنبيائه ورسله ، كيف أرشدنا إليه ؟ بالتربية ، منعنا أو أعطانا ، ضيَّق علينا أو أكرمنا ، ابتلانا ، إذاً العلماء يقولون : هناك نعمة الإيجاد وهناك نعمة الإمداد . أمدَّنا بالهواء ، وفي طبقات الهواء طبقة اسمها : طبقة الأوزون ، تُعقَد الآن مؤتمرات لأن البشر قلقون على هذه الطبقة ، لقد تخلخلت ، ومع تخلخلها يبدو أن الطقْسَ في الأرض سوف يتغيَّر ، إذاً هذه الطبقة طبقة الأوزون من فضل الله عزَّ وجل ، الهواء من فضل الله ، الماء ، الأمطار انحبست قرابة شهرين ، فلما جاءت هذه الأمطار يجب أن يشعر الناس أن هذا من فضل الله عزَّ وجل ، أربعون ميليمتراً في المكان الفلاني ، ستون في المكان الفلاني ، ثمانون في المكان الفلاني ، خلال أيام معدودة ، لولا هذه الأمطار لكان الموسم تَعيساً ، إذاً أنعم علينا بنعمة الإيجاد ، وأنعم علينا بنعمة الإمداد ، أمدنا بالهواء وجعل الهواء متوازناً ، أمدنا بالماء ، أمدنا بالنبات ، أمدنا بالحيوان ، أمدنا بكل شيء :
﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ
لذلك هذا الفضل الإلهي الذي نَتحدَّثُ عنه اليوم هو فضله الثابت ، لكنك إذا عرفت الله وتوجَّهت إليه صار العطاءُ أبدياً سرمدياً ، ولهذا خُلِقنا .
المعاني المتعددة لكلمة فرقان :
إذاً :
القرآن الكريم فرقان تفرِّق به بين الحق والباطل :
أيها الأخوة ؛ الله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم :
﴿
أي أنت إذا قرأت القرآن تعرف كيف تعامل الناس ، تعرف كيف تتصرَّف ، كيف تقف المواقف المشرِّفة ، تعرف كيف تأخذ شيئاً تطيب نفسك به ، تعرف كيف تجتنب المُنكرات ، إن القرآن الكريم فرقان تفرِّق به بين الحق والباطل ، إنه مقياس .
بعض علماء القرآن يقولون :
﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)﴾
المُتحدَّى بنظمه ، المُعْجِزِ بمضمونه .
القرآن الكريم قطعي الثبوت عن الله عزَّ وجل :
العلماء اكتشفوا أن الأرض فيها جاذبية ، والجاذبية بشكلٍ أو بآخر هو ما يسمَّى وزن الأشياء ، فكل شيءٍ يندفع إلى الأرض ، كل شيءٍ ينجذب إلى الأرض ، قوة جذبه إلى الأرض هي وزنه ، فهذه الجبال ، وهذه الهضاب ، وهذه البحار ، بل وهذه الطبقات الهوائية كلها منجذبةٌ إلى الأرض ، ونحن على سطحها والأبنية وكل شيء ، ربنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ كِفَاتًا(25)﴾
كَفَتَ يَكْفِتُ كَفْتَاً ، أي ضَمَّ يَضُمُّ ، وجذب يجذب ، وجمع يجمع ، فالأرض كفات تجذب كل شيءٍ عليها أحياءً وأمواتاً ، الميِّت ينجذب إليها ، والحي وهو يمشي على سطحها منجذبٌ إليها ، ولولا انجذابه إليها لما مشى على سطحها ، لطار في الهواء ، وحالة انعدام الوزن معروفة ، فلذلك آيات القرآن الكريم فيها إشاراتٌ دقيقة إلى أصول العِلم الحديث ، فما من كشفٍ علمي إلا والقرآن الكريم أشار إليه قبل ألفٍ وأربعمئة عام تقريباً ، قطعي الثبوت ، أي القرآن الكريم قطعي الثبوت عن الله عزَّ وجل ، فإذا كان قي القرآن وعدٌ ، أو كان فيه وعيدٌ ، أو كان فيه قاعدةٌ أو سنةٌ فهي قطعية الثبوت ، مصداقيته مئة في المئة ، فإذا تيقَّنت مِن أنه قطعي الثبوت عن الله عزَّ وجل ، وفيه تحذيرٌ ، أو فيه بشارةٌ ، أو فيه إنذارٌ فينبغي أن تقف منه الموقف الذي يليقُ أن تقفه من خالق الكون :
﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه :
﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ
طَبِّق توجيهات القرآن الكريم في حياتك الزوجية يهديك للطريقة المُثلى في معاملتك للزوجة ، طبِّق آيات القرآن الكريم في بيعك وشرائك يهديك إلى الطريقة المُثلى ، طبق آيات القرآن الكريم في علاقاتك بالناس يهديك للتي هي أقوم ، طبِّق آيات القرآن الكريم في علاقتك بالله عزَّ وجل تَرَ أن الصلة محكمةٌ بالله عزَّ وجل .
القرآن الكريم لا يحزن قارئه لأن الأمر كله بيد الله :
إذاً :
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾
لا يحزن قارئه ، كيف تحزن والله سبحانه وتعالى صاحب الأسماء الحسنى وصاحب الصفات الفضلى ، رحيمٌ ، غفورٌ ، غني ، قوي ، مجيدٌ ، ودودٌ ، عطوفٌ ، كيف تحزن والأمر كله إليه ؟ ربنا سبحانه وتعالى طمأنك فقال :
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
لا يحزن قارئه ، وهو كما قال الإمام علي كرم الله وجهه :
من عرف القرآن عرف المنهج الأمثل :
﴿
وقال :
﴿
الكتاب في كفة والكون في كفَّة ، الكون هو من خلق الله والكتاب منهاج الله عزَّ وجل ، أنت موجود ، أنت جزءٌ من هذا الكون ، فإذا عرفت المنهج فقد عرفت كل شيء ، لهذا يقول عليه الصلاة والسلام : عن أنس بن مالك :
(( القرآن غنىً لا فقر بعده ولا غنىً دونه . ))
في القرآن الكريم توجيهات أخلاقية كثيرة :
إذا عرفت القرآن عرفت كل شيء ، لهذا جاء في القرآن الكريم قوله تعالى :
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ
إنَّك إذا عرفت ما في هذا الكتاب من قواعد ثابتة لن تقع في غضب الله عزَّ وجل ، ولن تستحق من الله العقاب ، تغدو حياتك في أمنٍ وسكينة ، أما إذا وُضع هذا القرآن جانباً ، وتحرك الإنسان وفق شهوته ومزاجه ، فلابدَّ من أن يأخذ ما له وما ليس له ، لابدَّ من أن يقع في الحرام ، لابدَّ من أن يقع في العدوان ، لذلك يأتي علاج الله عزَّ وجل فيوقفه عند حده ، فالسعيد من عرف القرآن في مُقتبل حياته فبنى علاقاته كلها وفق هذا المنهج الصحيح ، و" فرقانٌ لا يخمد برهانه ، وتبيانٌ لا تهدم أركانه ، وشفاءٌ لا تخشى أسقامه " ، ربنا عزَّ وجل قال :
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ
وقال أيضاً :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ(11)﴾
الله عزَّ وجل في آيات كثيرة يقول :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا
﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ
﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)﴾
فيه توجيهات أخلاقية ، فإذا طبَّقت أحكام كتاب الله شفيت نفسك من كل مرض :
﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا
اتباع منهج الله يضمن سلامة الإنسان ومخالفته يسبب الخيبة والخسران :
ربنا عزَّ وجل وصف لك مرضاً مستشرياً بين الناس :
أنت أيها الإنسان تحتاج إلى تعليمات من الصانع ، هذا القرآن تعليمات الصانع ، ما من جهةٍ في الأرض مخوَّلةٍ أن تقدِّم تعليمات التشغيل إلا الجهة الصانعة ، لو أنك اشتريت آلةً معقدة هل تنفِّذ تعليمات إنسان جاهل ؟ لا تنفذ إلا تعليمات الصانع ، وأنت أعقد آلةٍ في الكون .
أتحسب أنك جرمٌ صغير وفيك انطوى العالم الأكبر ؟
* * *
أنت أيها الإنسان أعقد مخلوقٍ على وجه الأرض ، وأدق مخلوق ، وأكرم مخلوقٍ على الله عزَّ وجل ، ولكرامتك عليه جعل لك هذا الكتاب منهاجاً لك في الحياة ، يقول لك : افعل ولا تفعل ، هذه تجوز وهذه لا تجوز ، هذه تنفع وهذه تضر ، هذه تُجْدِي وهذه لا تُجدي ، هذه تُسعدك وهذه لا تُسعدك ، إذاً أنت تتعامل مع توجيهات الصانع ، فإذا أخذت بها ضمنت سلامة هذه الآلة ، وضمنت أن تؤدِّي أعلى مردود ، وإن لم تأخذ بها فقد خاب هذا الإنسان وخسر .
من استسلم لله عزَّ وجل ورضي بقضائه سعد في الدنيا والآخرة :
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى
وهذا هُدَى الله عزَّ وجل
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ
إن أكبر مشكلةٍ تغدو صغيرةً إذا بقيت الزوجة في بيت زوجها ، وإن أصغر مشكلةٍ تغدو كبيرةً إذا خرجت الزوجة من بيت زوجها ، فهذا توجيهٌ إلهي للأزواج ، من طبَّقه سَعِد ، ومن خالفه شقي ، ربما انتهى الأمر إلى الطلاق ، وكثيراً ما ينتهي الأمر إلى الطلاق ، ربنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ
هذا توجيه إلهي ، الشيء قد لا يعجبك ، قد لا يسعدك ، وقد يكون الخير كامناً فيه ، فإذا استسلمت لله عزَّ وجل ، ورضيت بأمره وقضائه ، سعدت في الدنيا والآخرة ، الله سبحانه وتعالى يقول لك :
﴿
وهذا حكم الله عزَّ وجل .
قراءة كتاب الله والإيمان به يبقي الإنسان متوازناً :
إذا كنت تقرأ كتاب الله عزَّ وجل تبقى متوازناً ، لا يختل التوازن ، لا تنهار النفس ، هذا التوازن شيءٌ مهمٌ جداً في الصحَّة النفسية ، إيمانك بكلام الله عزَّ وجل سببٌ لهذا التوازن ، الشيء الذي يقلق الناس في الدنيا ، الحُزن الذي يأكل قلوبهم إذا فاتهم شيءٌ منها ، أو توقع المجهول ، توقع المجهول الذي يبعث في النفس الخوف ، الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى
لا خوفٌ عليهم في الدنيا ، ولا هم يحزنون عند فِراقِها ، إذاً هذا من بركات القرآن الكريم ،
وحدانية الله عز وجل توجيه إلهي في كتاب الله وهي أهم أسباب سعادة الإنسان :
أنت إذا تلوت كلام الله عزَّ وجل لا تحزن ، ربنا سبحانه وتعالى وجَّهك فقال :
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) ﴾
أحد أكبر أسباب العذاب النفسي أن تدعوَ مع الله إلهاً آخر ، فإذا وحَّدَتَ الله عزَّ وجل فقد سعدت ، وهذا توجيهٌ إلهيٌ في كتاب الله عزَّ وجل ، أحياناً تكون دنياك متواضعة ، ودنيا الفُجَّار عريضة ، فإذا كنت في غيبوبةٍ عن كلام الله عزَّ وجل ، إذا كنت بعيداً عن كلام الله ، قد يأتي لقلبك اليأس ، أنا مع استقامتي ، وعلى طاعتي لله ، وعلى طهارتي ، أنا أعيشُ في ضيقٍ شديد ، وفلان وفلان وعلان في بحبوحةٍ كبيرة ، وهو يعصون الله ليلاً ونهاراً !! إذا تلوت كلام الله عزَّ وجل حيث يقول الله عزَّ وجل :
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)﴾
عندئذٍ ترضى ، إذا تلوت قول الله عزَّ وجل :
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾
ترضى ، إذا تلوت قوله تعالى :
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾
ترضى ، إذا تلوت قوله تعالى :
﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
ترضى ، هذا هو الفوز العظيم ، إذا تلوت قوله تعالى :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9) ﴾
وأنت في طريق تزكية النفس ترضى .
القرآن شفاء لما في النفوس من كل خوف ومرض :
هذا القرآن شفاء لما في النفوس ، واللهِ الذي لا إله إلا هو ، لا يقرأ هذا القرآن مؤمنٌ صادقٌ قراءةً كما أرادها الله عزَّ وجل إلا شُفِيَت نفسه من كل مرض ، ولا خوف ، لماذا الخوف؟
﴿
لماذا الخوف ؟ وعدٌ من خالق الكون أن يحييك حياةً طيبة إذا طبَّقت أمره ، لماذا الخوف ؟ هل تخاف من عدوك ؟ يقول الله عزَّ وجل على لسان سيدنا هود :
﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾
سورة هود
هل تخاف من عدوك ؟
القرآن الكريم يبعث في النفس الطمأنينة والثقة برضا الله عزَّ وجل :
إذا تلوت قوله تعالى :
﴿
إذا كنت حريصاً على تلقِّي العلم والحكمة ألست من السعداء ؟ هذه كلُّها تبعث في النفس الرضا ، إذا تلوت قوله تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)﴾
ألا تطمح أن تشتري مودة الله عزَّ وجل بطاعته ؟ ألا تطمح أن تكون ممن تَعنيهم هذه الآية ، إذا تلوت قوله تعالى :
﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ
ألا تتمنى أن تكون ممن تنطبق عليهم هذه الآية ؟
من بركات القرآن الكريم أنه يحقق توازناً نفسياً :
القرآن شفاء لما في النفوس ، يبعث في النفس الطمأنينة ، والرضا ، والثقة برضا الله عزَّ وجل ، يحقق توازناً نفسياً بين الدين والدنيا ، بين الدنيا والآخرة ، هذا كلُّه من بركات القرآن الكريم ، لذلك قال الله تعالى :
﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60)﴾
ألا تحس أن الدنيا كلها لا قيمة لها وأن رضوان الله عزَّ وجل أثمن ما فيها ؟ هذا القرآن الكريم إذا قرأته ، وتدبَّرته ، وعقلت ما فيه كنت أسعد الناس ، يجب أن تقول إذا قرأت القرآن : أنا أسعد الناس ، أنا أسعد الناس إلا أن يكون أحدٌ أتقى مني فهو أسعد مني ، هكذا يجب أن تقول .
إذا حقق الإنسان العبودية لله فقد حقق أعلى مرتبةٍ ينالها إنسان :
من كان عبداً لله فهو في ظلّ الله ورعايته :
النبي عليه الصلاة والسلام أهلٌ لأن يُنَزَّلَ عليه القرآن لذلك ربنا عزَّ وجل يقول :
﴿
(( تعِس عبدُ الدينارِ ، تعِس عبدُ الدرهمِ ، تعس عبدُ الخميصةِ ، تعس عبدُ الخميلةِ ، تعِس وانتكَس وإذا شيكَ فلا انتقشَ . ))
أنت عبدٌ لمن ؟ هناك من هو عبدٌ للدرهم والدينار ، ومعنى أنه عبدٌ للدرهم والدينار أيْ أَنَّه يعصي الله من أجل الدرهم والدينار ، يضيِّع من دينه الشيء الكثير من أجل الدِرهم والدينار ، يخالف كلام الله من أجل الدرهم والدينار ، يُضيع فرض الصلاة من أجل الدرهم والدينار ، هذا عبدٌ للدرهم والدينار ، وقال عليه الصلاة والسلام :
تعس عبد الدرهم والدينار ، وتعس عبد البطن ، وتعس عبد الفرج ، وتعس عبد الخميصة ، الخميصة أي الثياب ، هذا الذي يجعل نفسه خادماً لشهواته كأنه جعل من شهوته إلهاً له فعبدها من دون الله ، لكن المؤمن له صفةً أخرى :
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)﴾
تعس عبد الدرهم والدينار ، تعس عبد البطن ، تعس عبد الفرج ، تعس عبد الخميصة ، والمعنى المخالف : وسعد عبد لله . إما أن تكون عبداً لله وإما أن تكون عبداً لعبدٍ لئيم ، شتان بين أن تكون عبداً لله :
اجعل لربك كــل عـزِّك يستقر ويثبت فإذا اعتززتَ بمن يموت فإن عزك ميت
* * *
اعْبُدْ الله ، اعتزَّ به ، كن في طاعته ، احرِص على أن يجدك حيث أمرك ، وعلى أن يفتقدك حيث نهاك ، إذاً أنت عبدٌ لله ، ومتى كنت عبداً لله فأنت في ظلّ الله ، وأنت في رعاية الله ، وأنت في عين الله ، تنطق بتوفيق الله ، تمشي بهدى من الله عزَّ وجل ، الحديث القدسي :
حديث آخر ؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه :
(( مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ . ))
هكذا يكون المؤمن .
الآية التالية مسوقةٌ إلى عالم الإنس والجن لأنهما المكلفان بالرسالة :
قراءة القرآن الكريم دون العناية بتطبيقه نوع من الهجران :
كذلك الإنسان حينما يتلو كلام الله :
﴿
فحينما تنطق انطِق بالحق ، لا تكن قاسياً ، لو كنت قاسياً لدخل الشيطان بينك وبين أخيك ، هذا توجيه ربَّاني :
﴿
توجيه رباني ، من أجل أن تسعد في بيتك غُضَّ بصرك عن محارم الله توجيه رباني .
﴿
توجيه رباني في العلاقات المالية ، فإذا طبَّقت هذه التوجيهات قطفتَ ثمارها في الدنيا ، أما أن نقرأ القرآن الكريم من دون أن نُعْنَى بتطبيقه ، رُبَّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه ، ومَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ ..
من عصى اللهَ عزَّ وجل يكون كافراً أو جاهلاً :
القرآن الكريم جعله الله دستوراً لنا ومنهجاً نسعد إذا طبَّقناه ونشقى إذا تركناه :
ملخص هذا الدرس أن هذا القرآن الكريم الذي جعله الله دستوراً لنا ومنهجاً نسعد إذا طبَّقناه ونشقى إذا تركناه ، ومن صفات أهل الدنيا ، أو من صفات الذين تنكبوا طريق الحق أنهم اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ، هجران القرآن الكريم ليس ألا تقرأه ، قد تقرؤه ولكن إن لم يدخل في حياتك اليومية ، إن لم تدخل آياته في علاقاتك الاجتماعية ، إن لم تعظِّم هذه الأحكام التي جاء بها فأنت قد هجرته ، وإذا هجرته فقد ضللت ضلالاً بعيداً ، فلذلك الإنسان في بيعه وشرائه لا ينسى أن يطبق كلام الله عزَّ وجل ، في علاقاته الاجتماعية ، في بيته ، مع زوجته ، مع أولاده ، مع من هم فوقه ، مع من هم دونه :
﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ
القرآن الكريم لا نسعد به إلا إذا طبَّقناه تطبيقاً دقيقاً :
عندما يقول ربنا عزَّ وجل لك في القرآن :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ
أمر إلهي ، وهذا الأمر يقتضي التطبيق والوجوب ، فحينما تتحرَّك في علاقاتك الشخصية والاجتماعية وفق المزاج ووفق الهوى ، وتجعل هذا الكتاب مهجوراً من حيث التطبيق ، عندئذٍ يدفع الإنسان الثمن غالياً ، فملخص هذا الدرس أن هذا الكتاب لا نسعد به إلا إذا طبَّقناه تطبيقاً دقيقاً .
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ(31)نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ(32)﴾
والحمد لله رب العالمين