وضع داكن
18-04-2024
Logo
دروس حوارية - الدرس : 15 - كيف يجب أن يُمضي أولادنا العطلة الصيفية
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

الوقت أغلى شيء في الحياة :

 أيها الأخوة الكرام ، من أبرز الموضوعات التي تناسب هذا الوقت كيف يمضي أبناؤنا الإجازة الصيفية ؟
 بادئ ذي بدء أرخص شيء في حياة الإنسان المتخلف هو الوقت ، وأغلى شيء في حياة الإنسان الموفق هو الوقت ، والفرق الكبير بين الموفق والمتفوق الناجح والفالح وبين المقصر والمتخلف هو رؤية قيمة الوقت ، لذلك من أدق أدق تعريفات الوقت ، أو من أدق أدق تعريفات الوقت بالنسبة للإنسان أن الإنسان وقت أنه بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، وما من يوم ينشق فجره إلا وينادي : أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة ز
 إن هؤلاء الأطفال ، أولاً : هم طاقة .
 ثانياً : وقت مديد ، ففي أنظمة التعليم عندنا صيف فيه أشهر ثلاثة ، بينما في معظم بلاد العالم الصيف شهر واحد ، والعمل مستمر ، وفي هذا الشهر هناك دورات ، وهناك برامج ، وهناك وسائل للاستفادة من هذا الوقت ، لكن لا بد من أن تفكر ، أو أن تخطط لأولادك كيف يمضون الإجازة الصيفية ؟
 لأن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ، بل إنّ نفسك ونفس أولادك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر .

تعلَّمْ كل شيء عن شيء ، وشيئاً عن كل شيء .

 الآن المنطلق في التعلم ، وفي الخبرات ، وفي الثقافة منطلق دقيق جداً ، هناك قاعدة أخذت من بعض البلاد الغربية ، تعلَّمْ كل شيء عن شيء ، وشيئاً عن كل شيء .
 أحياناً يكون الإنسان على مستوى من العلم رفيع جداً ، لكن لأنه تعلم كل شيء عن شيء ، ولم يتعلم شيئاً عن كل شيء يقع في متاهات كبيرة جداً ، يقع في سذاجة ، يضيع حقه ، أحياناً لأنه تعمق بالدراسة ، واختص بموضوع معين ، وتابعه وتفوق به ، أما في العلاقات الاجتماعية ، في الأمور التي تحتاج إلى يقظة ، في أمور معرفته بالله هو صفر ، لذلك يدفع ثمن جهله عن كل شيء ، فنحن عندنا إجازة صيفية ، يمكن أن نزود أبناءنا ، أو أن نزود أنفسنا إن كنا شباباً بفروع من العلم ، ليس هناك وقت في أثناء العام الدراسي للأخذ به .

كيف نمضي العطلة الصيفية ؟

1 – إياكم وتضييع الأوقات فيما لا ينفع :

 إذاً أول نقطة : يجب أن تمضي الصيف لا في الضياع ، ولا في الحديث الفارغ ، ولا في إضاعة أوقات الآخرين ، ولا في كلام لا يقدم ولا يؤخر ، بل لا في معصية ، إما كلامية ، أو غير كلامية ، فهذا وقت ثمين ، وهناك حساب دقيق .

2 – احذروا البطَّالين :

 احذر من البطالين ، هناك أشخاص في حياة كل واحد منا ما عنده همٌّ ، وما عنده هدف ، ويحب أن يضيع وقت الناس ، يزورهم بكل مودة ، يجلس معك الساعات الطويلة ، حديثه معك عن السيارات ، وأسعار الدولار ، والأخبار السياسية ، النتيجة : يضيع لك وقتك .
 أنقل لكم لقطة من عالم جليل هو ابن الجوزي يقول : أعوذ بالله من صحبة البطالين ، صحبتهم متعبة جداً ، لأن كلامهم فارغ ، أهدافهم ليست سامية ، الذي لا يحمل هم المسلمين هو مشكلة ، هو إنسان غير متوازن ، قال : أعوذ بالله من صحبة البطالين ، لقد رأيت خَلقاً كثيراً يجرون معي فيما اعتاده الناس من كثرة الزيارة ، ويسمون هذا التردد خدمة ، ويطلبون الجلوس ، ويجرون فيه أحاديث الناس ، وما لا يعني ، وما يتخلله غيبة ، قال تعالى :

 

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾

[ سورة المؤمنون ]

 والله أيها الإخوة ، أشد ما أعجب منه إنسان بلا هدف ، وإنسان بلا خطة ، وبلا وسيلة ، جالس أي خاطر يأتيه يتكلم به ، صحيح أو غير صحيح ، أخبار موثوقة أو غير موثوقة ، اتهام بدليل أو بلا دليل ، العبرة أن يتكلم ، ولا يعبأ ، لا بغيبة ، ولا نميمة ، ولا بافتراء ، ولا بسخرية ، ولا باستعلاء ، هذا الإنسان صحبته مدمرة ، أولاً : يضيع لك وقتك ، ويكسبك عادات سيئة جداً ، وأنت حينما تستمرئ صحبته تنسى خطره ، لذلك ابن الجوزي من كبار العلماء يقول : " أعوذ بالله من صحبة البطالين ، إن أنكرت عليهم وقعت وحشة تقطع المألوف ، لا يحتملون أن تنكر عليهم ، عندهم حساسية أيضاً ، ينبغي أن تقرهم على عملهم ، فإن أنكرت عليهم وقعت وحشة بينك وبينهم ، وإن تقبلتهم ضاع الوقت ، فصار ابن الجوزي يدفع اللقاء معهم بكل جهده ، فإذا غلب عليه وجودهم قصر في الكلام معهم ليتعجل فراقهم ، ثم يعد أعمالاً تمنع المحادثة .
 قد يأتي إنسان إلى محلك التجاري ، وهو مكان كسب الرزق ، مكان بيع وشراء ، يجلس ، ويسألك عن السوق ، كيت وكيت ، وفلان وعلان ، يقول لك معلومات غير دقيقة ، غير صحيحة ، يثير فضولك إلى أشياء ، وهذا مكان عمل ، فبعد هذا ابن الجوزي من وسائله في الخلاص من البطالين المفسدين قال : يتعجل أعمالاً يعدّها أمامهم ، وينهمك فيها ، أحيانا يرتب زاوية في المحل ، عندك إنسان بطال عطال ، بلا هدف ، بلا خطة ، رتب مكتبتك أمامه ، راجع أوراقك أمامه ، حاول أن تكتب أمامه ، لأنه مشكلة كبيرة .
 أنا أرى أيها الإخوة الكرام ، أنك وقت ، وأن أثمن شيء تملكه هو الوقت ، والإنسان الناجح في حياته لا يوجد عنده وقت أبداً ، يتكلم كلاماً فارغاً ، يعطي تعليقات غير منضبطة ، يستمع إلى قصص فارغة ، إلى كلام لا يقدم ولا يؤخر ز
 أنا أتمنى على كل أخ أن يستغل وقته إلى أعلى درجة ، عندك موعد مع طبيب الأسنان ، يمكن أن تنتظر ربع ساعة ، خذ معك كتيبًا صغيرًا ، هناك كتيبات صغيرة راجعها عنده ، عندك سفر إلى مكان بعيد ، يمكن أن تقرأ خمس ساعات موضوعًا مهم جداً .
 والله في أثناء سفري إلى بلاد بعيدة ما وجدت راكبًا في العالم الغربي إلا معه قصة ، أو معه كتاب ، أو معه كومبيوتر في المطارات ، الوقت ثمين جداً ، أحياناً يكون الواحد معه ( هارد ) صغير ، أينما جلس يستخدم الكومبيوتر ، يراجع أموره ، يبحث عن موضوع ، الآن في المطارات إنترنت يمكن أن تبحث عن موضوع في انتظار ثلاث ساعات يكون هذا الوقت ثميناً ، من دون عمل لا يحتمل ، يمكن أن تنجز عملاً في هذا الوقت ، يمكن أن تنظم وقتك حيث إن هذا البطال تبتعد عنه ، نحن في الصيف يمكن أن تؤلف كتاباً في الصيف ، يمكن أن تحضر دورة مهمة جداً ممكن تلتقي بعالم ممكن تتابع موضوع عندك رغبة تتعلم أحكام البيع وأنت تاجر ، يمكن أن تعكف على كتاب فيه أحكام البيع ، تقرأه على يد عالم مثلاً ، يمكن أن تعمل أشياء وخططًا .
 أيها الإخوة الكرام ، ثلاثة بالمئة يخططون ، والباقون يُخطط لهم ، هم أرقام لا معنى لها في خطط أعدائهم ، خطط كيف تمضي هذا الصيف ، كونك مؤمنًا خطط ، تستكمل بعض العلوم التي تنقصك في أمور الدين ، ففي أثناء الشتاء هناك عمل وتدريس ، لكن في الصيف معك وقت فراغ ، إن سافرت إلى مكان لقضاء إجازة خذ معك كتاباً ، خذ معك مشروع عمل تقوم به ، فأنا ما وجدت إنساناً ناجحاً في حياته إلا كان الوقت أغلى شيء عنده ، وأنا أقول هذا الكلام لأننا على مشارف الصيف ، حيث التفلت كثير ، والمغريات كثيرة ، والطرقات مليئة بالكاسيات العاريات ، فلما يكون الإنسان بلا هدف ، وبلا خطة ، وهذا الكلام طبعاً موجه لشاب ، أو لأب عنده أولاد .

3 – لا بد من لقاء أهل العلم والاختصاص :

 شيء ثان ، أحياناً يحب الإنسان أن يلتقي مع أهل العلم ، يمكن للإخوة المتفوقين مثلاً بجامع أن تلتقي معهم ، هذا متفوق ، معه شهادة عليا باختصاص معين ، تهيئ له أسئلة في اختصاصه ، تلتقي معه لقاء دوريًا في الصيف ، خطر في بالي نشاطات في الصيف لا تعد ولا تحصى ، وكلها ضمن الإطار الديني ؛ ضمن الإطار الذي فيه تفوق .
 مرة ذهبت إلى مصر ، فأصررت أن أزور أحد كبار الدعاة ، جلست معه جلسة طويلة جداً ، وأنا هيأت له أسئلة عويصة جداً ، والجلسة كانت غنية جداً ، وكانت مسجلة ، هذا اللقاء صار كتابًا ، أجريتُ لقاء ثانيًا معه صار كتابًا ، وهناك كتاب ألّفته عن هذا العالم ، وأنا في زيارتي لمصر ما وجدت لقاء ممتعًا أكثر من أن تلتقي مع أهل العلم ، العلم ممتع جداً ، وأمتع لحظات الحياة مذاكرة العلماء فيما بينهم ، إنسان ذو خبرات عالية جداً في فهم حقيقة الدين ، في فهم كتاب الله ، وكتاب الحديث ، في فهم السنة ، في فهم أصول الدعوة ، إذا التقيت مع إنسان متعلم مثقف ترتقي به ، لذلك البطولة أن تصاحب في الدنيا من هو أدنى منك ، لئلا تزدري نعمة الله عليك ، وينبغي أن تصاحب في أمر الآخرة من هو أعظم منك ، أو من هو أكبر منك فيما أنت محتاج إليه ، وتنتفع به ، فكلما التقت صحبتك مع أناس تفوقوا في معرفة الله ، وفي عطائهم لأمتهم اقتبست منهم ، لذلك قضية الصيف يجب أن يكون لها برنامج .

تذكير بأهمية البرمجة اللغوية العصبية :

 أيها الإخوة الكرام ، كما تحدثت معكم في الدرس الماضي في البرمجة اللغوية العصبية ، واخترنا في الدرس الماضي دفترًا صغيرًا تكتب فيه جدول أعمالك ، تكتب فيه ملاحظاتك ، تكتب فيه حكمة سمعتها ، تكتب فيه تعريفًا أعجبك ، تكتب فيه ترجمة معينة ، لقطة لعالم ، لذلك الآن في الصيف ينبغي أن تفكر كيف تمضي هذا الصيف .
 هناك كلام يقوله العوام سخيف ، ومضحك ، لا همَّ ، ولا رسالة ، ولا هدف ، ولا رغبة بتحسين المعاش ، النبي عليه الصلاة والسلام قال :

(( اعملوا لآخرتكم ، وأصلحوا دنياكم ))

[ ورد في الأثر ]

 يمكن أنك تحتاج في البيت إلى ترتيب المكتبة فرضاً ، ترتيب أمورك ، كتابة رسائل ، والدرس الماضي تكلمنا أن الدرس ميزاته أن لك صديق توفي أحد أقربائه ، ينبغي أن تعزيه ، كتبتها عندك ، أكثر علاقاتنا غير منضبطة ، وفيها نسيان ، وفيها اعتذار كثير ، فلما كان ينبغي أن تعزيه ، وكتبتها عندك لم تنسَها ، إنسان قدم لك هدية متواضعة ينبغي أن تشكر ، كتبتها عندك ، إنسان عندك سؤال كبير تسأله عنه ، إجابته الدقيقة عند إنسان ، تكتب عندك رقم هاتفه .
 وبالمناسبة أيها الإخوة الكرام ، ثَمّة كلمة أقولها لكم : الناجحون في الحياة أعلى شيء واضح في نجاحهم اتصالاتهم ، أمّا إنسان ما عنده دفتر هاتف ، كلما احتاج أن يتصل بإنسان يخبر شخصاً ، فلان ما هو رقمه ؟ ضيعت له وقته ، وقطعت عليه حديثه ولقاءه ، وأنت مهمل ، هيئ لنفسك دفتر هاتف متقن تماماً ، الآن كل الحركة بالاتصالات ، أحيانا تنهي أكبر مهمة باتصال هاتفي ، دفتر هواتف متقن مبرمج ، كلما أخذت عنوان إنسان ، عنوان بريده ، رقم هاتفه سجلته عندك ، تسأله ، تستعين به ، أحياناً يستعين بك ، لذلك الاتصالات قضية مهمة جداً .

 

 كان طموحي قديماً فرضاً أنّ عشرة إخوة كرام أرادوا أن ينمو ثقافتهم الدينية ، لو أن واحداً اختص بعلم الحديث ، والثاني بالتفسير ، وهذا بالفقه ، وذاك بالسيرة ، تعمقوا فيها ، وكانوا مجموعة تكاملوا ، واحد درس السيرة ، فأحب هذا الفرع بالدين ، تعمق فيه ، أخذ كل كتب السيرة ، اطلع عليها ، قرأها ، أو قرأ معظمها ، بعد ذلك سأل العلماء : أيهما أفضل ؟ هذا اختص بالسيرة ، أنت ركز على موضوع واحد بثقافتك الدينية ، وإياك والثقافة المبعثرة ، التي ليس لك هدف واضح ، أنا أتمنى أن تقول : أنا أحب التفسير ، أن تعتني بكتب التفسير ، أنا أحب السيرة ، أحب الفقه ، أحب الحديث ، أحب التاريخ ، أنت ثقافتك الجانبية الثقافة المرافقة لاختصاصك حاول أن تنميها ، حاول أن تنميها بموضوع واحد .

أعمال صالحة متنوعة :

 الآن هناك أعمال صالحة كثيرة ، والله لفت نظري شابات تبرّعن أن تزور إحداهن بيتاً ، وتحدث الطفلات الصغيرات ، لأن الطفلة ضائعة مقهورة ، بلا أب ، تأتي أخت مؤمنة شابة في ريعان الشباب ، لها اتجاه إسلامي كبير فتؤنسها .
 مرة دعيت إلى ميتم ، ثلاثين شابة محجبة ، جميعهن تبرعن لخدمة الأيتام ، فكر بعمل صالح ، يقول لي الأخ : صلاتي ليست متقنة ، لا أشعر بشيء فيها ، إذا كان هناك استقامة فهناك سلامة ، أما كان هناك عمل صالح فهناك اتصال بالله عز وجل .
 والله إنّ الأعمال التي يمكن أن تكون من قِبل مؤمن لا تعد ولا تحصى ، وقد بلغني عن امرأة في بلد عربي كانت مذيعة بالتلفزيون ، وكانت متألقة جداً ، ثم اهتدت إلى الله عز وجل ، وتحجبت حجاباً كاملاً حتى يديها فيها قفازات ، إلى هذا المستوى ، لكن المفاجأة أنها أنشأت ميتماً ، وأنشأت دار عجزة ، وأنشأت مكانًا لتأهيل المحجبات ، إكساب المرأة رشاقة مثلاً ، تعلم أصول التزيين ، لزوجها طبعاً .
 أنا شدهت بامرأة انتقلت مئة وثمانين درجة من تفلت ، أو من تألق إعلامي إلى العمل الخيري ، الذي لا يصدق صار عندها ثلاثمئة موظف بالميتم ، وبدار العجزة ، وبمركز التأهيل ، كلهم نساء طبعاً ، المرأة المؤمنة يجب أن تكون مقبولة عند زوجها من حيث الشكل ، هيئت أماكن للرياضة ، أماكن للتنحيف ، أماكن مكياج ، أماكن للشعر ، حتى المرأة المؤمنة المحجبة لا تكون متخلفة عن امرأة متفلتة ، وجدت في ذلك فكرًا حضاريًا ، شيء لا يصدق ، هكذا المرأة ، أنت قيمتك بعملك ، قيمتك بإنجازك ، ولا تقل : نحن نعيش كيفما كان ، يأكل ، وينام ، ويسمع قصصًا ، ويتابع الأخبار ، ويسهر ، ويعلق تعليقات مضحكة ، وله تدخلات غير مقبولة ، وحياته بلا هدف ، وتافهة ، وأحيانًا يجلس على الباب فيمر شخص ينظر إليه ، والثاني ينظر إليه ، لا يفعل شيئاً ، هذا النمط لا يحتمل .
 أنا أتمنى والله لولا أنني مطلع على أسر كثيرة بلا هدف ، والوقت رخيص جداً عندهم ، وكل الكلام سخيف ، كلام غير مقبول ، إذا لم يكن في الكلام من المعاصي ، والغيبة والنميمة والفحش أحياناً ، أو متابعة لأشياء ساقطة ، ولو فرضنا أن ليس ثمة متابعة لأشياء ساقطة ، هناك شيء تافه سخيف

(( إن الله يحب معالي الأمور ، ويكره سفسافها ))

[ الجامع الصغير عن سهل بن سعد بسند صحيح]

 إنّ الإنسان يأتي إلى الجامع ليتعلم ، يأتي حتى يطبق الذي سمعه ، يأتي حتى تسمو نفسه إلى درجة عالية .

أهمية تنويع الثقافة :

 يمكن أن ننوع ثقافتنا ، عوضاً أن تكون قراءتك بلا هدف ، وبلا خطة ، أنت لك اختصاص رياضيات ، فيزياء ، كيمياء ، طب ، هندسة لا مانع ، الآن تريد اختصاصا دينيا ،تابع موضوع السيرة فقط ، تابع موضوع الحديث ، موضوع القرآن ، بعد حين تكون شيئاً مذكوراً ،هناك إنسان عنده طلاقة لسان ، لكنه ضعيف في اللغة ، أجْرِ دورة لغة عربية ، قوّ قراءتك ، قوّ نطقك ، هيئ موضوعات ، في جلسة مثلاً تكلمت هيئ موضوعًا تقوله ، رتب أفكاره مع أدلته بلغة جيدة ، لما تقدم شيئاً للناس تشعر بقيمتك .
 بصراحة أقول لكم : حجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، أحياناً لو فرضنا إخواننا الكرام بمحافظة ليس فيها علماء كبار ، لو أنهم زاروا مركز المدينة ، والتقوا بخطة مسبقة بعالم ، لهم أسئلة هيئوها ، لهم تعليقات كتبوها ، لهم مداخلات حضروها ، والتقوا معه ، واللقاء مسجل وفرغوا هذا الشريط أخذوا فائدة .
 أنا أذكر أن لي أخًا أكبر مني ، توفي ـ رحمه الله ـ فكانت التعزية في المسجد ، وأعتقد أنه ما بقي عالم ما جاء ، وكل عالم ألقى كلمة ، أنا فقط أعطيت إشارة أن سجلوا كل الكلمات فقط ، بعد أيام فرغنا هذه الكلمات كلها في كتاب من مئة وعشر صفحات ، تصور عشرين عالمًا جاءوا ، وألقوا كلمات في التعزية ، كلها بموضوع الموت ، كلها كلمات مركزة ، أتصور تعزية في ثلاثة أيام يصدر منها كتاب من مئة وعشر صفحات ، علماء كبار ألقوا كلامًا مركزًا مؤصلاً ، يسجل ، تفرغ ، طبعت فصار كتيبًا في بثلاثة أيام تقريباً .
 هناك وسائل تصل إلى أهداف كبيرة جداً بوقت قليل ، أي أخ مثلاً يحب موضوع الموت ، موضوع مخيف ، أخطر موضوع بحياتنا ، أخطر موضوع بالمستقبل ينتظرنا جميعاً من دون استثناء ، تصور بيتك ، وتصور القبر ، الانتقال صعب جداً ، إذا هيأ الواحد منا نفسه لهذه اللحظة ، هذا الكتاب تقريباً يمكن أن ترى رأي العلماء بالموت ، كيف نستعد له ؟ أهوال الآخرة مثلاً ، سعادة المؤمن عند الموت ، فيمكن أن يكون من كل مناسبة عمل .

الجهاد البنائي : كلٌّ بحسب موقعه :

 الحقيقة أني ألقيت خطبة في الجامع الأموي ، تحدثت فيها عن الجهاد البنائي ، نحن عندنا جهاد بنائي ، هذا أثره لا نجده بعد ساعة ، يمكن بعد ثلاثين سنة نجد آثاره ، هذه الأمم القوية حققت شروطًا صعبة جداً في النجاح خلال مئتي سنة ، فأصبحوا أقوياء جداً ، ففرضوا ثقافتهم ، وإرادتهم ، وإباحيتهم ، وعولمتهم على العالم كله بالقوة ، نحن معنا الحق ، نحن أفضل منهم بكثير ، معنا وحي السماء ، لو كنا أقوياء لكنا في حال غير هذا الحال ، قوة الأمة من قوة أفرادها .
 أنا الآن أركز على أن تستفيد من الوقت ، عندك شباب ، عندك شابات ، أحياناً الكومبيوتر مهم جداً ، الآن بعد حين الذي لا يستخدم هذا الجهاز يعد أمياً ، لو دربت ابنتك على الكتابة على الوورد مثلاً ، هذا شيء مهم جداً ، وموضوع الكتابة يحتاج خبرات تتراكم حتى تتقنها ، بهذا الصيف اعمل شيئاً ، تعلم شيئاً ، اخضع لدورة ، ابذل شيئاً ، تفوق ، كن شيئاً كبيراً لأمتك ، إذاً يمكن أن نلتقي في الصيف مع ناس متفوقين بأشياء معينة ، أحيانا يكون المحاسب معلوماته ضعيفة جداً ، في الصيف قوّ معلوماتك ، اخضع لدورة محاسبة ، عندك نقص بحاجة استكملها في الصيف .
 أيها الأخوة الكرام ، بعض الإخوة الأطباء ـ جزاهم الله خيراً ـ عندهم مشروع ، أربعة أو خمسة أو عشرة يحملون شهادات عالية من أمريكا ، معهم بورد ، لكنهم مؤمنون ، خطر في بالهم ، وأنا التقيت معهم أن الواحد يسافر إلى حماة أو حمص إلى دير الزور كل شهر يومين أو ثلاثة لمعالجة حالة مستعصية في هذه المحافظات ، لانعدام طبيب من مستواه متخصص ، يذهب إلى هناك ، ويعالج هذه الحالات الصعبة للفقراء لوجه الله .
 والله مرة حدثني أخ طبيب قال لي : أنا أعمل بمستشفى عام ، وبأحياء فقيرة جداً ، قال لي : هؤلاء المرضى يعتنى بهم ، هم لا يشتكون ، ما عندهم طريقة للشكوى ، قال لي : لما أعتنِي بهم كما أعتني بمريض بأرقى مستشفى أشعر أني في الجنة .
 الآن خطر في بال شاب أن يعمل عملاً في الصيف ، هذا الطبيب قال : أنا أعمل كل شهر ثلاثة أيام ، أبلغ زملائي باختصاصي نفسه إن كان هناك حالات مستعصية أنا أول الشهر عندكم ، يعالج الحالات لوجه الله ، لما تستخدم علمك للآخرة تستخدم علمك لتقوية علم الآخرين ، كل إنسان يعتز باختصاصه ، ويحافظ أن ما أحد يعرف اختصاصه ، المؤمن بالعكس يرغبان في أن يلقي محاضرة ، هذا الأخ الثاني يذهب إلى محافظة نائية ليلقي محاضرة على زملائه الأطباء بأحدث ما في العلم في هذا الاختصاص ، هو ذهب إلى أمريكا ومعه معلومات حديثة ، الآخرون لم يحظوا بهذه الميزة ، فأنت لما تخرج من ذاتك لخدمة الخلق فأنت أسعد الناس ، إذا أردت أن تكون أسعد الناس فأسعدهم تكن أسعدهم .
 تصور طبيبًا يفكر ويقول : كيف أخدم زملائي الأطباء الذين ما أتيح لهم السفر إلى بلاد بعيدة ؟ أنقل لهم معلوماتي ، هذه بطولة ، أو أني أذهب إلى مكان ما فيه أطباء متفوقون ، وأحاول أن أعالج حالات مستعصية ؟‍
 كان لنا إخوان في أمريكا ، لما يأتي شهرًا إلى هنا هو ما عنده عمل ، يرغب أن يعالج حالات مستعصية لوجه الله دون مقابل ، أنت بالعمل تتألق ، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، فالطبيب يمكن أن يعمل أشياء إضافية .
 مثلاً : التاجر ، لو أقنعناه أن طلاب علم أجانب بلا دخل ، إذا عملوا عنده في المعمل نصف دوام ، وبنصف راتب يعيشون ، دوام المعهد بعد الظهر ، هو يستقبلهم من الساعة التاسعة حتى الساعة الواحدة ، يعملون ، ويأخذون دخلا ، وما مدوا يدهم للمحسنين .
 مثلاً : كتاب عن أحكام البيوع ، لو أن التاجر قرأه يجد أخطاء كثيرة يرتكبها في بيعه وشرائه .
 الطبيب عنده مجال يخدم الناس ، والتاجر عنده مجال ليرعى طلاب العلم ، إذا كان التاجر مثلاً منضبطا تماماً ، ما عنده أشياء منحرفة ، فجاءه كتاب شكر من مجموعة من الشباب يتشجع ، هناك محلات منضبطة ، و محلات غير منضبطة ، هناك شركة سفر لها اتجاه ديني قوي ، أي امرأة تركب في هذه المركبة إذا لم يكن بجانبها امرأة يبقى المحل الثاني فارغًُا لأن السفر خمس ساعات إذا كان راكب جانبها رجل بلا أخلاق مثلاً يتحرش بها ، أنت لو فكرت بأعمال صالحة ، إن كان عندك شركة نقل ، إن كان عندك محل تجاري ، إن كان عندك عيادة كطبيب ، تعمل يوماً معيناً ، أو ساعات معينة للفقراء مجاناً .
 أئمة المساجد يمكن أن يعملوا دورات للقرآن في الصيف ، مثلاً ، هؤلاء الطلاب ينتفعون ، أنا أضرب أمثلة ، فكر أنك في الصيف يمكن أن تقدم شيئاً ، أو أن تكلف أولادك بشيء ، أما أن نعيش هكذا سبهللا بلا تخطيط ، بلا هدف يعيش كالناس في حياة روتينية مملة فهذا ليس من الدين .
 والله هناك حالات تصدر من الناس لا تحتمل من الملل ، والسأم ، كل الأمور مسدودة ، يجلس من غير مبال ، حالة صراع مستمر ، إحباط مستمر ، يمكن أن تعمل أشياء كثيرة .
 هذا الدرس درس عام ، هدف التاجر عندك مشروع في الصيف ، مثلاً ، مرة في مسجد بمصيف جميل قالت الأوقاف : كل خطيب معه بيت ، كل خطيب يجلس في هذا البيت جمعة ، ويخطب يوم الجمعة ، أمّنا لكل خطباء دمشق بيتا ، كل واحد له إمكانية أن يجلس جمعة بمكان جميل يلقي فيه خطبة ، من نوع ما الموضوعات ، في الأفكار غنى لا يعلمه إلا الله ، من تطبيق ، وإلى نظام ، أو إلى إنجاز ، نكون في حال غير هذا الحال .
 أنا أتمنى عليكم كآباء أو كشباب أو كأولاد عند آبائكم ، تفكر أن عندك ثلاثة أشهر ، هذا الوقت ثمين جداً ، يجب أن أتابع الموضوع بتركيز ، وأتفوق فيه .
 أحيانا شاب عنده ميل للخط ، نقيم له دورات للخط ، شاب عنده ميل للخطابة ، يقرأ كتب الخطابة ، يهيئ خطباً مثلاً ، شاب عنده ضعف في الكتابة على الكومبيوتر ، يدخل في دورة الكومبيوتر ، أنت في الصيف يجب أن تنمي خبرات جانبية بالإضافة إلى خبراتك الأساسية .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور