وضع داكن
21-11-2024
Logo
دروس حوارية - الدرس : 07 - الطب الطبيعي والطب النفسي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

مــقدمــة :

 أيها الإخوة الكرام ، يحسن بالإنسان أن يتعامل مع ما يسمى بالأولويات ، ففي رأي بعض الصحابة الكرام أن أول شيء على الإطلاق ينبغي أن نهتم به إيماننا بالله ، وثاني شيء صحتنا ، وثالث شيء كفايتنا ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :

(( إذا أصبح أحدكم آمناً في سربه))

 ـ وهو أمن الإيمان ، المؤمن يتمتع بنعمة الأمن التي ينفرد بها ، ينفرد ، لكن أقول : أمن الإيمان ، هناك أمن المال ، الغني يشعر بأمن مزيف ، أن كل شيء يحل بالمال ، قد يفاجأ بمرض عضال لا يحله المال ، أما المؤمن فمطمئن لرحمة الله ، والله بيده كل شيء ، كل جهة بيد الله عز وجل ، فلذلك الأمن الحقيقي لا يكون إلا للمؤمن ، الدليل : قال تعالى :

 

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[ سورة الأنعام ]

 أمن الإيمان ، أيها الإخوة الكرام ،

(( إذا أصبح أحدكم آمناً في سربه معافى في جسمه ، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ))

[الترمذي]

الطب والصحة في الإسلام :

 كل الدروس حول الإيمان ، ننتقل الآن إلى البند الثاني ، وهو الصحة ، فلنبدأ بموضوع الطب في الإسلام ، أنطلق في هذا الدرس إن شاء الله من قوله تعالى :

 

﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ* وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾

[ سورة الشعراء ]

 السياق خلقني يطعمني ، وقد يتوقع أحدكم أن تأتي الكلمة الثالثة : وإذا أمرضني فهو يشفين ، جاءت الكلمة الثالثة منسوبة إلى الإنسان :

 

﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ ﴾

 

بعض استنباطات هذه الآية :

أصلُ المرض مخالفةُ منهج الله :

 طبعاً هناك استنباطات عديدة ، من هذه الاستنباطات أن أصل المرض مخالفة لمنهج الله ، يعني إتقان صنعة الله ودقة صنعة الله ، قال تعالى :

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾

[ سورة التين : 4]

 معنى ذلك أنك مصمم بحيث لا تمرض ، فإذا طبقت منهج الله عز وجل في كل تفاصيله المرجح ألا تمرض إلا مرض الموت ، مرض الموت أنا أسميه بوابة الخروج ، فكل واحد منا شاء أو أبى حينما يدنو أجله له بوابة يخرج منها ، البوابات لا تعد ولا تحصى ، هذا مرض الموت لا شفاء له ، بل إنه يتفاقم ، لكل داء دواء إلا مرض الموت ، إلا السام ، أي مرض الموت .
 دعونا من مرض الموت ، ولنبحث كيف نقي أجسامنا من الأمراض التي تقض مضجع الإنسان ، وتقلقه ، وتجعل حياته جحيماً لا يطاق .

أنواع الطب : ( 1 ) الطب الطبيعي :

 الحقيقة أن الطب أنواع أربعة :

الشطر الأول : بذل الجهد :

 أول نوع هو الطب الطبيعي .
 أيها الإخوة الكرام ، الطب الطبيعي بذل الجهد فقط ، هذا الجسم بحسب قوانين الله عز وجل يحتاج إلى حركة ، الآن السؤال : أن أجدادنا الكرام كانوا يتمتعون بصحة تفوق حد الخيال ، لا لأن معلوماتهم الطبية كانت أوسع ، بالعكس معلوماتهم الآن أوسع بكثير ، بل لأن حياتهم كانت خشنة ، ومعنى حياتهم خشنة ، أي كانوا يبذلون جهداً كبيراً ، ومع هذا الجهد الكبير راحة نفسية ، وإذا سألتني عن سببين أساسيين لتمتع الإنسان بصحته فهما : بذل الجهد وراحة نفسية ، بذل الجهد حياتهم خشنة ، بيوتهم عدة طوابق ، وصعود ونزول ، طبخهم على الحطب ، غسيلهم في الطبق ، كما تعرفون ، حياتهم صعبة ، مواصلاتهم صعبة ، أكثرهم يتحركون ، فبذل الجهد أحد سببين أساسين من أسباب الطب الطبيعي .
 الآن لو انتقلنا إلى بذل الجهد وعلاقته بالمجتمع ، كل إنسان يستهلك جهد الآخرين ممقوت وكل إنسان يقدم جهده للآخرين محمود ، بعيداً عن الصحة وعن أن بذل الجهد أحد سببين أساسين لتمتعك بالصحة ، بذل الجهد يجعلك متواضعاً وبذل الجهد يحبب الناس إليك فكان عليه الصلاة والسلام يقول :

(( برئ من الكبر من حمل حاجته بيده ))

( الجامع الصغير عن أبي أمامة بسند ضعيف )

 بذل جهداً ، وحينما كان مع أصحابه في سفر وأرادوا أن يعالجوا شاة قال أحدهم : عليّ ذبحها ، قال الثاني : عليّ سلخها ، قال الثالث : عليّ طبخها ، فقال عليه الصلاة والسلام : عليّ جمع الحطب ، يا رسول الله ، نكفيك ذلك ، قال : أعلم أنكم تكفونني ، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه .
 فكان عليه الصلاة والسلام مع أنه قمة المجتمع ، ومع أنه زعيم الأمة ، ومع أنه نبي هذه الأمة ، ورسول هذه الأمة ، بل هو آخر الأنبياء والمرسلين ، وسيد ولد آدم أجمعين ، كان يبذل جهداً كأصحابه تماماً .
في معركة بدر قال :

(( كل ثلاثة على راحلة ، قال : أنا وعلي وأبو لبابة على راحلة ، ركب الناقة ، فلما جاء دوره في المشي توسلا صاحباه أن يبقى راكباً ، قال : لا ، ما أنتما بأقوى مني على السير ، ولا أنا بأغنى منكم عن الأجر ))

( أحمد )

 بذل الجهد .
 حدثني طبيب قلب قال لي : الإنسان الذي يخدم نفسه في البيت يؤدي الحد الأدنى من الرياضة ، صيانة للقلب ، فإذا أكلت ، وأعدت الطعام إلى المطبخ ، وغسلت الصحنين ، وأتيت بحاجتك بنفسك ، وخدمت نفسك هذا الحد الأدنى الأدنى من الرياضة ، أنت حينما تبذل جهداً تصون جسمك ، لذلك الذين يتلقون جهود الآخرين العلل في أجسامهم لا تعد ولا تحصى ، والذين يقدمون جهدهم للآخرين هم يتمتعون بلياقة صحية تفوق حد الخيال .
 لكن أيها الإخوة الكرام ، في موضوع الصحة أروي هذه القصة مئات المرات ، يمكن أن تستمتع بنشاطك وحيويتك وصحتك طوال عمرك ، والبطولة ليست في مقتبل العمر ، بل في خريف العمر ، البطولة أن تكون في السبعين وأنت نشيط ، وأنت تتحرك بحرية تامة ، وتقضي حاجتك بيدك ، هذه من نعم الله الكبرى ، والذي أقول عنه دائماً كان في السادسة والتسعين منتصب القامة ، حاد البصر ، مرهف السمع ، أسنانه في فمه ، إذا سئل : يا سيدي ، ما هذه الصحة التي أكرمك الله بها ؟ يقول : يا بني حفظناها في الصغر ، فحفظها الله علينا في الكبر .
 الآن يتوهم بعض ضيقي الأفق أن الذي يعمل بيده ، ويتعب إنسان في الدرجة الدنيا من المجتمع ، أما الذي يعطي الأوامر فهو في الدرجة العليا ، بالعكس الذي يبذل جهداً يتمتع بصحة لا تقدر بثمن ، لذلك قال بعض الصحابة الكرام :
 << أمرني حبيبي أن لا أسأل الناس شيئاً >> .
 يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مادمت قادراً على أن تخدم نفسك ، وأن تأتي بحاجاتك بنفسك ، وأن تحمل حاجاتك بيدك ، وأن تكون في مهنة أهلك ـ وقد كان عليه الصلاة والسلام في مهنة أهله ـ فأنت حققت شطر الصحة .

الشطر الثاني : الراحة النفسية :

 صدقوا أيها الإخوة الكرام ، لن يتمتع ضعيف الإيمان ، ولا ضعيف التوحيد بالراحة النفسية :

 

﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾

[ سورة الرعد : 28]

 قلبك سعادته بذكر الله ، قال تعالى :

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾

[ سورة الأحزاب : 41]

التوحيد هو الراحة النفسية :

 لكن أبرز شيء متعلق بالذكر في موضوع الصحة التوحيد ، هناك إله أمرني أن أعبده ، وأنبأني أن أمري بيده ، وليس بيد عدوي ، هذه الفكرة إذا تحققت منها كانت وحدها شطر الصحة ، لا حقد ، ولا ندم ، ولا قهر ، ولا ضغط ، ولا شعور بالإذلال ، ولا شعور بالإحباط أمرك بيد إنسان ، وهو عدو لك ، وأقوى منك ، ويتفنن في إذلالك ، وفي إفقارك ، وفي إضلالك ، وفي إفسادك .
 والله أيها الإخوة الكرام ، الذي تسمعونه من أخبار والله لولا التوحيد لكان وحده كافياً بأن يصيب الناس بأزمات قلبية ، الأخبار فقط ، القطب الأوحد يأمر أن تجرى انتخابات في فلسطين ، شيء جميل ، ديمقراطية ، أجريت انتخابات نجحت حماس ، لأنها نجحت هي نقطع عنها كل المساعدات كي تموت ، شيء غير معقول ، تناقض لا يحتمل ، كيل بمكيالين ، لذلك الأخبار تحتاج إلى توحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، أن تثق أن الأمر بيد الله ، وأن هذه الدنيا زائلة ، والعبرة بالآخرة ، وأن هذا الذي صحت عقيدته ، وصحت استقامته هو الملك الحقيقي ، وهو الذي يفوز بالآخرة ، لأن هذه الدنيا جيفة طلابها كلابها ، هي دار من لا دار له ، ولها يسعى من لا عقل له ، خذ من الدنيا ما شئت ، وخذ بقدرها هماً ، ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر .
 حينما تؤمن أنك مخلوق للجنة ، وأن أبواب الجنة مفتحة في الدنيا ترضى أن تكون فقيراً ، أنا أطالب أن تكون غنياً ، لكن إذا كان الطريق إلى الغنى وفق منهج الله ، أما إذا كان على حساب دينك فالفقر وسام شرف لك ، أنا أطالب أن تكون قوياً إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله ، فإذا كان طريق القوة على حساب دينك وعلى حساب استقامتك فالضعف وسام شرف لك .
 الطب الطبيعي قائم على بذل الجهد والراحة النفسية التي أساسها التوحيد ، ليس مع الله أحد ، والله ثمة آية قرآنية دخلت إلى مسجد في بعض المدن السورية حجمها كبير جداً في صدر المسجد :

﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِهِمْ ﴾

 الأعداء الطغاة الذين يملكون أسلحة فتاكة يملكون الإعلام ، يملكون تشويه صورة الإسلام ، يملكون القهر ، يملكون التدمير ، يملكون أسلحة يحار فيها العقل ، هؤلاء يد الله فوق أيديهم ، قال تعالى :

 

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾

[ سورة الزمر : 62]

﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾

[ سورة الأعراف : 54]

﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾

[ سورة الكهف : 26]

﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ﴾

[ سورة فاطر : 2]

 مرة كنت بمتحف ، لكنه متحف يفوق حد الخيال ، قاعة الاستقبال مساحتها ألفا متر مربع دنمان انثان ، مزينة بخمسة أطنان من الذهب ، القصر هو متحف الآن ، شيء من الخيال ، كل الأدراج الحواجز من الكريستال ، الرخام من الرخام الشفاف الغالي جداً ، وجدت ساعة قد قفلت على التاسعة وخمس دقائق ، ثابتة ، سألت عن هذه الساعة ؟ قال : هذه الساعة ضبطت على التاسعة وخمس دقائق وقت موت صاحب هذا القصر ، هذا صاحب القصر أراد إنهاء الإسلام كلياً ، لا أذان ، ولا زي إسلامي ، ولا حروف عربية ، أراد إنهاء الإسلام كلياً ، فقلت هذه الكلمة : والله ألف طاغية يفطسون ، وقد أرادوا إلغاء الإسلام ، والإسلام باق إلى يوم القيامة .
 في سفري لهذا البلد سافرت من بلد إلى بلد مسافة ثلاثمئة وستين كيلو مترا ، لفت نظري أن كل عشر سيارات ثماني نساء في السيارات محجبات مسلمات ، إذاً البلد وصاحب هذا القصر أراد إلغاء الإسلام ، الأمر بيد الله

﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِهِمْ ﴾

 وهذا الذي يحصل الآن في الدانمارك والله سوف يدخل الناس في هذا الدين بمئات الألوف بسبب هذه الصور .

وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت  أتاح لها لسان حســــــود
لولا اشتعال النار فيمـا جاورت  ما كان يعرف طيب عرف العود
***

 الصحة أساسها بذل جهد وتوحيد ، توحيد راحة نفسية ، بذل الجهد صيانة لهذا الجسم ، والعوام لهم كلمات رائعة ، الحركة بركة ، ولا من باب الحتم ، ما رأيت إنساناً معمراً إلا وحركته عالية جداً ، من الصعب أن ترى إنساناً في الخامسة والثمانين أو التسعين إلا يتحرك كثيراً ، وأيضاً هذا القرآن الكريم ، طبعاً حينما كرم قراء القرآن الكريم لأول مرة في دمشق في أعلى تكريم في مدرج جامعة دمشق ، الشيء الذي يلفت النظر أن هؤلاء جميعاً فوق الخامسة والثمانين ، بعضهم بالسادسة والتسعين ، ويتمتعون بصحة عالية جداً .
 إذاً التقوى زائد الحركة .
 الطب الطبيعي أساسه التوحيد مع بذل الجهد ، لذلك ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، هذا الطب الطبيعي ، أما الشدة النفسية ( الستريس ) بالتعبير الطبي تميت ، الدليل : قال تعالى :

 

﴿ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ﴾

[ سورة آل عمران : 119]

 كم من إنسان يموت فجأة بسبب تهديد ، أو وعيد ، أو ضريبة معينة ، أو خبر ، أو مصادرة بضاعة ، يموت فوراً ، لا يحتمل ، لذلك المؤمن يرى أن يد الله وحدها تعمل فيطمئن ، هذا الطب الطبيعي .

 

الطب النفسي : التوحيد :

 الطب الثاني الطب النفسي ، الطب النفسي أساسه التوحيد ، أقول لكم بدقة بالغة : أعرف شخصاً درس في أمريكا ، وذكر لي بعض معلوماته التي قرأها هناك ، قال لي : السعداء في حياتهم جهاز مناعتهم قوي جداً ، السعداء يقصد هو الذي نجح في الحياة ، أنا أقصد الذي عرف الله ، الذي عرف الله جهازه مناعته عالي جداً ، لأن هذا الجهاز المناعة المكتسب الذي هو شغل العالم اليوم ، يزداد قوة بالشعور بالأمن ولا أمن إلا للمؤمن ، يزداد قوة بالحب ، ولا حب حقيقي إلا عند المؤمن ، يزداد بالمودة ، انظر بيت فيه مودة فيه محبة ، فيه زوج رحيم ، زوجة مخلصة ، أولاد أبرار ، هذا البيت فيه سعادة ، وفي الأعم الأغلب الأمراض قليلة جداً في هذا البيت ، الأمراض تأتي من شدة نفسية ، من القهر ، من الضغط ، والله أكاد أقول : إن تسعين بالمئة من أمراض الناس قهر وقلق ، وخوف وحقد ، وأن الإيمان يبرئ من كل هذه المشاعر القاتلة .
 مثلاً : إنسان معه ورم خبيث ، طبيب درس في أمريكا ، ليس معه مجاملة إطلاقاً ، قال له معك ورم خبيث ، تعيش أربعة أشهر ، دبر شؤونك في هذه الأربعة أشهر ، ثاني يوم مات ، ما تحمل أربعة أشهر ، وكم من إنسان معه مرض خبيث والله شفاه شفاء تاما بالإيمان بالله .
 والله لي صديق حصل معه ورم خبيث برئتيه ، والأطباء الذين عالجوه قمم في هذا البلد ، وأرسلت خزعات إلى بريطانيا ، والجواب القطعي : أنه لا أمل بالشفاء إطلاقاً ، إلا بحالة نادرة أن يذهب إلى بلاد بعيدة جداً ، ويزرع رئة ، ونجاح العملية بالمئة ثلاثون ، والعملية تساوي ثمن بيته الجديد ، وعنده أولاد صغار ، أنا والله كنت مرة في زيارته فبكيت ، والله كل شيء انتهى ، هذا البيت الذي ورثه من أقربائه سوف يباع ، وأولاده صغار ، إلا أنني أشهد أنه مؤمن ، ولا أتألّى على الله ، أحسبه صالحاً ، ولا أزكي على الله أحداً ، كيف تراجع هذا المرض تلقائياً ، والقصة عمرها عشرون سنة ، والآن يتمتع بصحة تامة .
 الإيمان يقوي المعنويات ، أنا أمري بيد الله عز وجل ، الطب النفسي التوحيد ، أما نحن الآن فكل شيء مريح ، لا يتحمل ، يرفع بلور السيارة يدوياً ، ليس على الكهرباء ؟ لا ليس على الكهرباء ، لا يتحمل هذا الإنسان الحديث ، إذا لم يكن ثمة مصعد مشكلة ، كل شيء يريده أوتوماتيكيا ، ما هذه الغسالة يدوياً ؟ يريد أن يضع الغسيل ، وينام ، يستيقظ كل شيء منتهٍ ، الآن هناك آلة تجفيف أيضاً لا ينشر إطلاقاً ، حياتنا أصبحت لا تطاق من السكون ، كل شيء أوتوماتيك .
 إن هذا الكسل العضلي ، الراحة والشدة النفسية ، كل يوم خبر سيئ ، ضغوط ، مقاطعة اقتصادية ، ارتفاع الدولار ، مضاعفة الجمارك ، مضاعفة الأسعار ، ارتفاع البنزين ، دائماً ضغوط ، ضغوط وراحة ، هذا المرض ، شدة نفسية ، وكسل عضلي ، حتى في فراشي أسنان على الكهرباء ، أن تعمل هكذا متعبة تدور بنفسها ، والله الشيء الذي يراه الإنسان في السوبر ماركت كما يقولون مذهل ، دخلت امرأة إلى هذا السوق الكبير قالت : يا إلهي ، ما أكثر الحاجات التي لا يحتاجها الإنسان ، لكنها ترهق حياة الإنسان .
 أقول لكم هذه الكلمة الدقيقة : إن رئيس الجمهورية الفرنسي جيسكار ديستان أراد أنْ يجيبه ثلاثون عالماً من كبار علماء الاجتماع عن سبب العنف في العالم ، فاجتمعوا في منتجع جميل ، ودرسوا ، وتحاوروا ، ثم توصلوا إلى هذه النتيجة : مجتمع العنف سببه مجتمع الاستهلاك ، تطالعك كل يوم آلاف الأدوات الحديثة بالإعلانات الطرقية ، وبأي مكان في الصحف والمجلات ، سيارة 2006 فول أوتوماتيك ، لونها أزرق ، والأرض تتناسب مع لونها ، يضعون دعاية بلون يتناسب مع لون المركبة ، غسالات ، مكيفات ، نائم مرتاح ، يأتي الهواء البارد عليه ، وليس معه ثمن مكيف ، والإعلانات المستمرة تخلق حاجة لهذه الحاجات التي لا يحتاجها الإنسان أحياناً ، عندك ثلاث حالات ، إما الإحساس بحرمان دائم ، تصبح حالة نفسية مرضية ، أو أن يمد يده إلى الحرام فيسقط من عين الله ، أو يلغي وقت الفراغ ، يعمل ليلاً نهاراً ، هذه مشكلة العالم الآن أيها الإخوة الكرام .

الشدة النفسية سبب كل الأمراض :

 الطب الأول هو الطب الطبيعي ، والطب الثاني هو الطب النفسي التوحيد ، التوحيد صحة نفسية ، واسألوا أي طبيب ، قل له : اذكر لي الأمراض التي تكون بسبب الشدة النفسية ؟ أمراض قرحة المعدة ، احتشاء القلب ، سكته دماغية ، خثرة بالدماغ ، آلام عضلية شديدة جداً ، الورم الخبيث هذه كلها تتأتى من الشدة النفسية لأن الشدة النفسية تضعف جهاز المناعة المكتسب ، قوام حياتك على جهاز المناعة المكتسب ، الشدة النفسية تضعف هذا الجهاز وقد ذكرت لكم من قبل أن في كل إنسان مليارات الخلايا السرطانية إلا أن لكل خلية قامعاً يمنع تفعيلها ، ما الذي يفك القامع عن الخلية السرطانية ؟ الشدة النفسية ، والمواد البترولية ، والمواد البلاستيكية ، والإشعاعات النووية ، أربعة عوامل تفك القامع عن الخلية السرطانية ، وجهاز المناعة المكتسب مسؤول عن مكافحة الأمراض الإنتانية والجرثومية ، هذا الجهاز يقويه الحب ، يقويه الأمن ، يقويه الود ، وهذا الجهاز يضعفه الخوف والقلق ، أحياناً مدير عام بمؤسسة ، أو بشركة خاصة ، أو عامة عنيف جداً ، العنف يسبب قلقا للموظفين ، القلق يربكهم ، وقد يصيبهم بالأمراض ، حتى الزوج إذا أعطى زوجته راحة نفسية ، وطمأنها إذا كان الزوج أحب أن يمزح يمزح إما بالطلاق ، أو بزوجة ثانية ، وهو غير جاد إطلاقاً ، لكن يربك الزوجة ، يجعلها في قلق مستمر ، فقدت طمأنينتها ، فقدت أمنها ، هذا ليس مزاحاً ، هذا مزاح مؤذٍ.
 إذاً الشدة النفسية وراء معظم الأمراض ، معلوماتي المتواضعة في الطب أنه كلما تقدم العلم كشف عن أمراض جديدة وراءها الشدة النفسية ، و الشدة النفسية سببها الشرك ، قال تعالى :

 

﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾

[ سورة آل عمران : 151]

 مع التوحيد أمن ، مع الشرك خوف ، والخوف يصيب الأفراد والجماعات والأمم ، ويصيب أقوى الدول ، مادام فيها شرك ، والشرك يساوي الخوف ، والتوحيد يساوي الأمن ، يا رسول الله لقد رأونا ، قال : يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟
 هذا الأمن ، النبي عليه الصلاة والسلام أعطوه دواءً لذات الجنب ، فغضب ، قبل موته قال : ذلك مرض ، ما كان الله ليصيبني به .
 المؤمن يشعر أنه محصن من أشياء مدمرة ، الله عز وجل حكيم ، المؤمن يعالج بأشياء لطيفة ، لكن هناك أشياء مدمرة المؤمن ينجو منها ، لقول الله عز وجل :

 

﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾

[ سورة التوبة : 51]

سيدنا يونس في بطن الحوت : قانون وَكَذَلِك نُجي المُؤْمِنِينَ :

 ليس أمام المؤمن إلا الخير ، وليس أمامه إلا التوفيق ، أصعب مصيبة على الإطلاق تصور أن تجد نفسك فجأة في بطن حوت أزرق ، بإمكانك أن تقف في فمه ، وجبته المتواضعة أربعة أطنان ، ووزنُك أنت خمسون كيلوا ، هذه لقمة واحدة ، وزنه مئة وخمسون طنّا ، يرضع وليده ثلاثمئة كيلو بالرضعة ، ثلاث رضعات طن حليب ، سيدنا يونس نبي كريم وجد نفسه فجأة في الحوت ، فنادى في الظلمات ، وثمة تغطية ، قال تعالى :

 

﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ﴾

[ سورة الأنبياء ]

 وانتهت القصة ، جاء التعقيب ليقلبها إلى قانون قال تعالى :

 

﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾

[ سورة الأنبياء : 88]

 في أي عصر ، في مصر ، في ظرف الله ينجي المؤمن .
 طائرة وقعت فوق جبال الألب على ارتفاع ثلاثة وأربعين ألف قدم ، ونجى الله راكبا واحداً ، الطائرة انشطرت عند مقعده فنزل في غابات جبال الألب ، ارتفاع الثلج خمسة أمتار ، والأغصان امتصت الصدمة ، فنزل واقفاً .

 

﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾

[ سورة الأنبياء : 88]

 قصص كثيرة جداً ، لذلك الإيمان يعطي الإنسان الأمن ، والأمن يقوي جهاز المناعة ، وإذا قوي جهاز المناعة تغلب على معظم الأمراض .
 هذا كلام دقيق وعلمي ، التوحيد يعني الصحة ، بالمعنى العلمي المادي التوحيد صحة ، الموحد جهاز المناعة المكتسب قوي جداً ، وما دام هذا الجهاز قوياً جداً فهو قادر على مواجهة معظم الأمراض .
 فضلاً عن ذلك ذكرت في درس سابق فيما أذكر أن الإنسان لما يصلي هذه الأوعية بدماغه بالسجود يزداد ضغط الدم عليها ، بالقيام ينزل الضغط ، ارتفاع وهبوط ، ارتفاع وهبوط ، باليوم كم ركعة ، وكم ركوع ، وكم سجود ؟  هؤلاء الركعات بركوعها وسجودها تشكل ما يسمى مرونة الأوعية بالدماغ ، شيء يتوسع ، ويرجع فصار مرنا ، الأوعية المرنة تقاوم أي ضغط مرتفع ، ضغط الدم يرتفع للثمانية وعشرين الوضع سليم ، إنسان آخر لا يصلي أوعيته بالدماغ ليست مرنة ، يرتفع ضغطه ثمانية عشر ينفجر وعاء بالدماغ ، خثرة بالدماغ شلل كامل ، الصلاة صحة ، التوحيد صحة ، كل أوامر الله عز وجل فضلاً عن أنها عبادات هي في الحقيقة صحة كاملة للإنسان .
 نحن اليوم في هذا اللقاء الطيب تحدثنا عن الطب الطبيعي والطب النفسي ، وفي درس آخر نتحدث عن الطب الوقائي والطب العلاجي .
 عندنا أربعة أنواع من الطب ، وبعدها تأتي المداخلات ، إذا كان أخ طبيب طالب طب مرّ معه بحث متعلق بالطب الطبيعي ، الطب الطبيعي والطب النفسي و الطب الوقائي والطب العلاجي ، وهيئه لنا نكون له من الشاكرين ، لأن أساس الدرس هو الحوار ، لكن لا بد لأي موضوع جديد ، أنا أبدأ بموضوع أساسا وبعدها تأتي المداخلات .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور