- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (024)سورة النور
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الرابع عشر من سورة النور، وقد وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(35) ﴾
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
أيها الإخوة الأكارم.
﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا(109)﴾
قال بعض العلماء: "الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض، إذا هو موجد السماوات والأرض، وهو منوِّر السماوات والأرض، أوجد السماوات والأرض، ونصب الأدلة التي تشير إليه التي تدل عليه، ما من اسم من أسمائه الحسنى إلا وملايين الأدلة التي تدل عليه وتشير إليه "، فالأدلة الكونية التي نصبها الله عز وجل لتكون تجسيداً لأسمائه الحسنى، وصفاته الفضلى هي بمثابة النور، فهذه الأدلة نور، فالشمس والقمر آيتان، والليل والنهار آيتان، والكواكب آية، والأرض وما فيها من جبال، وسهول، وصحارى، ومن بحار، وأنهار، وينابيع، هذه كلها آيات، وما في الأرض من حيوانات، ونباتات، وما في البحر من أسماك، وما في الجو من أطيار، هذه كلها آيات دالة عليه، ناطقة بعظمته، مُسبّحة بحمده، إذاً هذه الآيات نور.
من معاني: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
المعنى الأول: الكونُ نورٌ:
فمن معاني:
الأدلة نور: الله عز وجل رحمة بنا نصب هذه الأدلة، هو لا نراه، ولكن آثاره تدل عليه، قال أعرابي: "الماء يدل على الغدير، والبعر تدل على البعير، والأقدام تدل على المسير، أفسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدلان على الحكيم الخبير"، إذاً أنت أيها الإنسان أمام طائفة لا حدود لها من البراهين الساطعة، ومن الأدلة القاطعة، ومن الآيات البينة، لذلك يقول ربنا عز وجل:
﴿
اليوم في خطبة الجمعة أشرت إلى هذا القانون الذي أودعه الله في الماء؛ أنه إذا غمست جسماً في الماء، فإن هناك قوة تدفعه إلى الأعلى تكافئ وزن الماء الذي أزاحه هذا الجسم، ولولا هذا القانون لما سبحت سمكة في البحر، ولولاه لما رأيت مركبة تمخر عباب البحر، إذاً هذه الفُلك، وهذه الأسماك كلها تجري بنعمة الله عز وجل أليس هذا دليلاً؟ من جعل في الماء هذه القوة الدافعة نحو الأعلى؟.
المعنى الثاني: القرآن نور:
شيء آخر؛ الكتاب الذي أنزله الله على عبده ورسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، بل الكتب التي أنزلها الله على رسله هي نور، لقوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ
فهذا الكتاب الذي أنزله الله على النبي صلى الله عليه وسلم بمثابة النور.
المعنى الثالث: النبيُّ نورٌ:
معنى ثالث من معاني النور: النبي عليه الصلاة والسلام نور، لقوله تعالى:
﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ
فالنور في هذه الآية هو النبي عليه الصلاة والسلام.
فالأدلة التي نصبها الله في الكون نور، والقرآن الكريم الذي بين الله تعالى فيه كل شيء نور، والنبي عليه الصلاة والسلام، ومن خلال سنته المشرفة، والتي بيّن فيها كل شيء نور أيضاً، كأن هذه الأشياء؛ الكون وما فيه من آيات، والقرآن وما فيه من آيات، والنبي وما ترك من سنة، كأن هذه الجهات الثلاث نور أنزله الله عز وجل لنهتدي بهداه.
المعنى الرابع: العقلُ نورٌ:
معنى آخر من معاني النور: العقل الذي أودعه الله في الإنسان نور، به تعرف أسباب الأشياء، به تعرف غايات الأشياء، الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان بهذا الفكر، لذلك قالوا: الجماد شيء له حيز مادي، له طول، وارتفاع، وحجم، ووزن، بينما النبات فشيء له حيز مادي، وينمو، والحيوان شيء له حيز مادي، وينمو، ويتحرك، أما الإنسان فشيء له حيز مادي، وينمو، ويتحرك، ويفكر، فبماذا فضل الله سبحانه وتعالى الإنسان على ما سواه؟ بهذا الفكر، يقول ربنا سبحانه وتعالى:
﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8)﴾
ومن فَضْلِ الله على الإنسان أنه خلق على هذا الميزان ميزاناً، وهو الشرع، خلق السماوات والأرض، ومنحك نعمة العقل، ومنحك الشرع الذي هو ميزان على ميزان العقل، فلو أعطيت طالباً مسألة في الرياضيات، وكلفته أن يحلها، وأعطيته الجواب الذي يجب أن يصل إليه، فإذا حل هذه المسألة، وانتهى إلى هذا الجواب فحله صحيح، فصار هذا الجواب ميزاناً لحل الطالب، ما إذا كان صحيحاً أو غير صحيح.
إذًا الكون نور، الكون بما فيه من أدلة ساطعة على أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى نور.
والكتاب الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على نبيه فيه الأمر والنهي، وفيه الحلال والحرام، وفيه الآيات الدالة على عظمته، وفيه أخبار من كان قبلنا، وفيه نبأ ما بعدنا، وفيه الوعد والوعيد، وفيه البشارة والإنذار، هذا القرآن الكريم الذي فيه بيان لكل شيء، وتفصيل لكل شيء هو نور.
والنبي عليه الصلاة والسلام ببيانه وبسنته وبأقواله وبأفعاله وبإقراره وبصفاته هو نور أيضاً.
والعقل الذي أودعه الله في الإنسان هو أيضاً نور.
فالله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض، ونوّرها بالأدلة التكوينية، ونورها بالآيات التنزيلية، ونورها ببعثة الأنبياء والرسل، ونورها بالعقل الذي هو أكبر نعمة أخذها الإنسان من رب الأكوان.
إذاً:
بشكل تفصيلي مبسط، كما لو أن مصنعاً عالي المستوى، ذا خبرة رفيعة، وقدرات فائقة، أنتج جهازاً معقداً غالي الثمن، عظيم النفع، معقد الصنعة، أرسل هذا الجهاز إلى جهة معينة، وأرسل معه كتيباً فيه طريقة التشغيل، وطريقة الصيانة، وطريقة التنظيف، وكيف تستعمله، فكأن هذا المصنع صنع الجهاز، ونورك بطريقة استعماله، فالله نور السماوات والأرض، خلق الكون، ونوره بالأدلة الكونية، بالآيات القرآنية، بالرسالات التي أرسلها على يد أنبيائه ورسله، وبالعقل الذي ميزك به على سائر المخلوقات.
الله سبحانه ظاهر لكل المخلوقات:
شيء آخر: حينما نعرف النور بأنه الشيء الظاهر بذاته، المُظْهِرُ لغيره إذًا فالله سبحانه وتعالى ظاهر لكل المخلوقات، لذلك لما سئل الإمام علي رضي الله عنه متى كان الله؟ قال: ومتى لم يكن؟!
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
***
لذلك يقول سبحانه وتعالى في القرآن الكريم:
﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)﴾
إنْ: بمعنى ما، من: لاستغراق أفراد النوع، وما من كلمة في اللغة تعبر عن أدق الأشياء، كشيء، لو أن ذرة من غبار اسمها شيء، فالله سبحانه وتعالى يقول:
الله سبحانه وتعالى يقول:
مَثَلُ نُورِهِ
يقول علماء اللغة: ما دام هذا النور
﴿
لا قيام للأشياء إلا بالله، لكن هذا النور هو النور الخاص الذي يُقذَف في قلوب المؤمنين، والدليل قوله عز وجل:
﴿
يريد الكفار بمعاكستهم الحق، وصدهم عن سبيل الله أن يطفئوا نور الله بأفواههم.
﴿ أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)﴾
هذه الآيات الثلاث تؤكد أن النور المعني في هذه الآيات ليس النور الذي هو أصل الموجودات، بل هو النور الذي يُقذف في قلوب المؤمنين، فيرون به طريق الخير من الشر.
سبل اكتساب النور:
السبيل الأول: تطبيق شرع الله تعالى:
شيء آخر: أكد العلماء أن الإنسان إذا طبق الشرع الحنيف قاده هذا التطبيق إلى نور الله، لذلك:
السبيل الثاني: الأعمال الصالحة:
شيء آخر؛ إن الأعمال الصالحة التي يفعلها الإنسان في الدنيا أيضاً تقوده إلى نور الله سبحانه وتعالى، قد تقول: هذا الإنسان له وجه منير، هذا النور الذي في وجهه أثر من عمله الطيب، كل من له عمل طيب ترى النور في وجهه، لذلك فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ، ثُمَّ قَرَأَ:
وفي الآية الكريمة:
﴿
نورهم: أعمالهم الطيبة التي فعلوها في الدنيا بمثابة النور يسعى بين أيديهم، إذاً الاستقامة على أمر الله تنقلك إلى نور الله، والأعمال الطيبة التي تفعلها في الدنيا تنقلك إلى نور الله، وكأن الاستقامة والعمل الصالح طريقان إلى أن يتنور قلبك بنور الله.
التشبيه القرآني: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ
أيها الإخوة الأكارم، ننتقل إلى قوله تعالى:
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ
هذا تشبيه، وشبه الكفار تارة ثانية بأنهم كالأنعام، كالبهائم، والله الذي لا إله إلا هو هذا الذي لا يعرف الله عز وجل، ولا يعرف لماذا خلقه، ولا لماذا أوجده، ولا يعرف مهمته، إن هو إلا كالأنعام، بل أضل سبيلا، لأنه مزود بالعقل،وكان كالأنعام:
﴿ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ
إذًا: هذا تشبيه، وفي تشبيه آخر قال عز وجل:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا
هذا تشبيه آخر، فالذي لا يعي ما في القرآن، ولا يعي أوامره، ولا نواهيه، ولا يعرف ما المقصود من هذه القصة، وما العبرة منها فهو بعيد عن فهم هذا القرآن.
لذلك قال:
تفسير: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ
بعضهم قال: مثل نور الله في قلب المؤمن، ألم نَقُل قبل قليل: إن الاستقامة على أمر الله تقذف النور في القلب، وإن الأعمال الطيبة تقذف النور في القلب، نقول: فلان له قلب مستنير، يرى به الخير من الشر، والحق من الباطل، والصالح من الطالح، وما ينبغي، وما لا ينبغي، وما يجدي، وما لا يجدي، وما يجوز، وما لا يجوز، وما هو مستحسن، وما هو مستقبح، إن هذا النور الذي في قلب الإنسان هو الذي يكشف له عن حقيقة الأشياء، لذلك لماذا يقع الكافر في شر عمله؟ لأنه أعمى، لماذا في ساعة حمق يطلق امرأته؟ لأنه أعمى، لماذا يأكل مالاً حراماً فيدمر الله كل ماله؟ لأنه أعمى، لماذا يأخذ ما ليس له فيتلف الله ماله؟ لأنه أعمى، لأنه أعمى فعل هذا، ولو أنك مستنير بنور الله لكنت على الصراط المستقيم، لذلك موضوع الاستنارة بنور الله هي أدق آية في هذا الموضوع:
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
***
﴿
يا أيها الإخوة الأكارم، قال الإمام الشافعي:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأنبأني بأن العلم نــــور ونور الله لا يهدى لعـــاص
إذا أردت هذا النور فالزم سبيل الاستقامة، ولا تحِدْ عنها أبداً، إذا أردت هذا النور فاعمل الأعمال الطيبة، عندئذ يلقي الله في قلبك نوراً.
سيدنا عثمان رضي الله عنه قال وهو على المنبر:
فالبطولة أن تقف الموقف الصحيح في كل ظرف معين، وهذا الموقف الصحيح لا يكون إلا إذا كان قلبك متصلاً بالله عز وجل، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( الصَّلاَةُ نُورٌ ))
فمثل نور الله عز وجل في قلب المؤمن كمشكاة.
المشكاة: الكوة في الحائط، الكوة غير النافذة في البيوت القديمة، في أثناء بناء الجدار يتركون كوة غير نافذة لها جدار، هذه الكوة يوضع فيها المصباح لماذا؟ لأن سطح الكوة منحنٍ، ومطلي باللون الأبيض، فإن المصباح تتجمع أنواره، وتنعكس إلى الغرفة، فهذه الكوة حفرة في الحائط غير نافذة، هذا تعريف المشكاة.
كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ
الْمِصْبِاحُ فِي زُجَاجَةٍ
يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ
﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ(1) ﴾
وكلكم يعلم أن هذا الشجر يقدم المواد الدهنية النباتية من أعلى مستوى، فكأن الله سبحانه وتعالى يشير إلى أن هذا المصباح، الذي هو في مشكاة، وهذا المصباح الذي حوله زجاجة، وهذه الزجاجة التي كأنها كوكب دري، وهذا النور الذي يمد المصباح يوقد من شجرة مباركة، وكأن الدهن الذي يمد المصباح هو أعلى دهن في صفائه، وفي استعداده للاشتعال، بل إن من استعداده للاشتعال أنه يكاد يضيء، ولو لم تمسسه نار.
يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ
معنى: لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ
لكن هذه الشجرة المباركة
المعنى الأول: أنها ليست من شجر الدنيا:
بعضهم قال: ليست من شجر الدنيا، لأن شجرة الدنيا لابد أن تكون شرقية أو غربية، تأخذ أشعة الشمس من المشرق، أو تأخذها من المغرب، فإذا قال الله عز وجل:
المعنى الثاني: أنها تأخذ الشمس من كل جانب:
وبعضهم قال: الزيتونة إذا كانت بجانب الحائط تأخذ الشمس من جهة واحدة، فليس زيتها جيداً، وليس دهنها صافياً، أو هي من شجر الدنيا ولكنها تأخذ الشمس من كل جانب، وهذه إشارة إلى أن الأشجار المثمرة لا تؤتي أكلها ناضجة شهية، ولا تكون ذات طعم طيب إلا إذا تلقت الشمس من كل جهة، فالأشجار المزروعة في حديقة مكتظة، وحولها أبنية أو جدران، هذه الأشجار لا تعطي ثمراً طيباً، إشارة إلى أن الأشجار إنما تتلقى طيب ثمارها من الشمس.
المعنى الثالث: إشارة إلى انقسام الدول إلى شرق وغرب:
ومعنى ثالث: وكأن هذه الآية فيها إشارة إلى أن الله لعلمه بالغيب بما سيكون في آخر الزمان، كيف أن هذه الدول، وهذه الشعوب تنقسم إلى شرق وغرب؛ في تفكيرها، وفي قيمها، وفي نظمها، وفي مبادئها إلى شرق وغرب، وأن هذه الشجرة المباركة لا هي من الشرق، ولا من الغرب، بل هي من السماء، وليس الإسلام شرقياً، ولا غربياً، إنه علوي من رب السماوات والأرض، هذا معنى ثالث، أي هذه الشجرة لا تنتمي إلى أصل أرضي، لا تنتمي إلى فكر أرضي، لا تنتمي إلى جهة دون جهة، لا تنتمي إلى قيم من صنع البشر، لا تنتمي إلى مبادئ من صنع الإنسان، إنها من رب السموات والأرض، لا شرقية، ولا غربية، ولكنها علوية.
معنى: َكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ
أما قوله تعالى:
معنى: هداية الله مَن يشاء إلى نوره:
﴿
ثمن النور:
الثمن الأول: مجاهدة النفس والهوى:
هذا أول ثمن، فهل جاهدت نفسك وهواك؟ هل عاكست نفسك؟
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)﴾
هل نهيتها من الهوى ؟ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
(( خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَقُولُ بِيَدِهِ هَكَذَا - فَأَوْمَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِيَدِهِ إِلَى الْأَرْضِ - مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ وَقَاهُ اللَّهُ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، أَلَا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ، ثَلَاثًا أَلَا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ، وَالسَّعِيدُ مَنْ وُقِيَ الْفِتَنَ، وَمَا مِنْ جَرْعَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ جَرْعَةِ غَيْظٍ يَكْظِمُهَا عَبْدٌ مَا كَظَمَهَا عَبْدٌ لِلَّهِ إِلَّا مَلَأَ اللَّهُ جَوْفَهُ إِيمَانًا. ))
فالذي يجاهد نفسه وهواه يدفع ثمن هذا النور، ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ هذا أول ثمن.
الثمن الثاني: الهداية إلى سبل السلام:
الثمن الثاني:
﴿
فهل تتبع ما يرضي الله، أم تتبع ما يسخطه؟ والله الذي لا إله إلا هو إن الإنسان يعلم بفطرته ما إذا كان في سلوكه يرضي الله أو يسخطه،
من التمس رِضا اللهِ بسخَطِ الناسِ؛ رضِيَ اللهُ عنه، وأرْضى عنه الناسَ، ومن التَمس رضا الناسِ بسخَطِ اللهِ، سخِط اللهُ عليه، وأسخَط عليه الناسَ.
أخرجه الترمذي
فالذي يتبع رضوان الله عز وجل يهديه إلى هذا النور، وهذا ثمن ثان.
الثمن الثالث: الإيمان:
الثمن الثالث:
﴿
إذاً لابد أن تسمع الهدى، وإن لم يكن لديك وقت لسماع الهدى فكيف تهتدي؟ أن تقول: أريد أن أكون طبيباً، وليس لدي وقت للذهاب إلى الجامعة!! فلن تصبح طبيباً، ولا يمكن أن تكون طبيباً إلا إذا داومت في كلية الطب، ولا يمكن أن تكون مهتدياً إلا إذا استمعت إلى الحق، إذا لابد من حضور مجالس العلم، لأن طلب العلم فريضة، وأنى لك أن تعرف من دون أن تحضر.
﴿
لأن الله تعالى يقول:
مشيئة الله تعالى:
أليست مشيئة الله موضحة في آيات كثيرة؟ هذه الآيات توضح مشيئة الله، إذا أردت أن تهتدي فجاهد نفسك وهواك، إذا أردت أن تهتدي فاتبع ما يرضي الله، وبحسب الفطرة تعرف ما الذي يرضيه، وما الذي يسخطه، إذا أردت أن تهتدي فاحضر مجالس العلم، إذا أردت أن تهتدي فاعمل صالحا:
﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ
اعتصم بالله، ومما جاء في الآثار القدسية:
هل تعتصم بزيد، أو عبيد، أو فلان، أو علان، أم تعتصم بالواحد الديان؟
﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ ۖ
﴿ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(15)﴾
هل فكرت في الكون، فإن أحد أسباب الهداية أن تفكر في هذا الكون، فعندما يقول ربنا تعالى:
وهناك موانع للهدى، فالله سبحانه وتعالى لا يهدي إلى نوره القوم الظالمين، ظالم زوجتك، ظالم لأخيك، ظالم لصانع عندك، ظالم لجيرانك، آكل ما ليس لك، فإن الله لا يهدي القوم الظالمين، هذه موانع الهدى.
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ
الجاحدين المعرضين.
﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(6) ﴾
من هو مقيم على معصية لا يهديه الله، قلبه أعمى لا يُنوَّر قلبه:
﴿ ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ
كل أنواع الخيانة يمقتها الله عز وجل، ولا يهدي صاحبها، كل أنواع الخيانة دون استثناء، وقد قالوا: ترك السلام على الأعمى خيانة، إن رأيت أعمى تعرفه كفيف البصر، وتركت السلام عليه فهي خيانة له، بدءاً من ترك السلام على الأعمى، وانتهاء بخيانة الأمة، هذا الذي ينقل أسرار الأمة إلى العدو، هذه خيانة عظمى، كل أنواع الخيانة:
﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ
الكذاب لا يهديه الله عز وجل، لأن المؤمن لا يكذب،
إذا كذب ليس مؤمناً، انتهى الأمر، الكذب والخيانة يتناقضان مع الإيمان:
﴿
هذه الآيات التي نصبها الله عز وجل دالة عليه لم لا تفكر بها؟؟ إذاً لا تهتدي، هذه موانع الهدى:
﴿ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا(94)﴾
المستكبر لا يهتدي، يقول: من فلان، أنا أجلس في مجلسه، إذا كنت ترى أنك أعظم من الحق لن تهتدي، خذ الحكمة، ولا يضرك من أين مكان خرجت، العبرة أن أهتدي بهذا الهدى.
﴿
هذا الذي ليس موحداً، إنه يخاف غير الله، يخاف إن صلى أن يقال عنه: كذا وكذا، يخاف إن حضر مجلس علم أن يقال عنه: كذا وكذا، وقالوا:
لذلك عندما يقول ربنا عز وجل:
بعض التفاسير تقول: إن الزيتونة المباركة هي النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا النور الذي في قلب المؤمن، إذا كان نور الله عز وجل هو المصباح، وإذا كان صدر المؤمن هو المشكاة، وإذا كان قلبه هي الزجاجة، هذا النور يوقد من شجرة مباركة هي النبي عليه الصلاة والسلام، يكاد زيتها، أي حُججها الدامغة الدالة على عظمة الله عز وجل هو الزيت، كقوله تعالى:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا
أي إذا صلى النبي عليه الصلاة والسلام على المؤمنين سرى هذا النور الذي في قلبه إلى قلوبهم، فكأن قلوبهم تضيء من نور رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي هو نور الله عز وجل، هذا تؤكده بعض الآيات الكريمة:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(56)﴾
الهدى بيد الله وحده:
هناك شيء دقيق في الهدى؛ الهدى ليس بيد أحد لقوله عز وجل:
﴿
لأن الإنسان مخير، ويقول عز وجل:
﴿ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ(272) ﴾
فالنبي ليس بإمكانه أن يهدي أحد، وليس مسؤولاً عن عدم هداية أحد.
(( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ))
تنتهي مهمتهم في تبيان الحق.
فإذًا:
الهدى اختيار:
شيء ثان: الهدى اختيار، لقول الله عز وجل:
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا(3) ﴾
ولقوله عز وجل:
﴿
ولقوله عز وجل:
﴿ لَّقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ ۚ
ولقوله عز وجل:
﴿
الهدى وزيادة الهدى:
ولكن عندنا هدى، وهناك زيادة على الهدى، عندما يختار الإنسان أن يكون مع الله عز وجل يزيده الله هدى، فيقول الله عز وجل:
﴿
﴿ نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ
﴿
فالهدى المنطلق منك أيها الإنسان، والله سبحانه وتعالى بعدئذ يتولى الزيادة.
وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ
شيء آخر، يقول ربنا سبحانه وتعالى:
﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۗ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ ۖ
أيْ: فلان عند فلان دعه وشأنه، ما دام فلان يهديه إلى سواء السبيل، دعه، فإن:
﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) ﴾
مِن ثمنِ الدعوة إلى الله:
الثمن الأول: الصبر في البلاء والامتحان:
هناك امتحانات، ولابد أن تصبر، فإن لم تصبر فلا تطمع في أن يكون الهدى على يديك،
الثمن الثاني: الطاعة التامة:
والطاعة التامة ثمن آخر، لقوله عز وجل:
﴿
الطاعة التامة في السراء والضراء، في المنشط والمكره، ثمن آخر لأن تكون داعية إلى الله عز وجل.
الثمن الثالث: العمل الصالح:
﴿
لا تؤثر في أحد إلا إذا كان عملك صالحاً يصدق دعوتك.
الثمن الرابع: عدم سؤال الأجر:
والثمن الرابع قال:
﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ
فعلامة الداعية الصادق أنه لا يسألك أجراً، لا مادياً، ولا معنوياً، لا كبيراً، ولا صغيراً، لا يعلق أهمية إطلاقاً إلا على رضوان الله عز وجل.
الثمن الخامس: العلم:
الثمن الخامس:
﴿
ما اتخذ الله وليا جاهلاً، لو اتخذه لعلمه، لابد أن تكون على بصيرة، لابد أن تكون الأمور واضحة تماماً عندك، لأن زلة العالم كبيرة
الثمن السادس: خشية الله وحده:
الثمن السادس:
﴿
إذا كنت كذلك فأبشر، هذا الذي يطمح أن يكون هادياً للناس لابد أن يأتمر بأمر الله تماماً، ولابد أن يصبر، ولابد أن يجاهد نفسه وهواه، ولابد أن يعمل صالحاً، ولابد أن يترفع عن أي طلب مادي، ولابد أن يكون عالماً، لأنه لا سبيل إلى تعليم الناس إلا إذا كان الذي يعلمهم عالماً بكتاب الله وسنة رسوله، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
هذه بعض الأثمان التي يجب أن تدفعها كي تنقل الناس إلى نور الله سبحانه وتعالى، وهناك بشارة تتضح معالمها كلما تقدمت الأيام والسنون، يقول الله عز وجل:
﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(9)﴾
والحمد لله رب العالمين.