- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (024)سورة النور
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
﴿ أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الحادي عشر من سورة النور، وقد وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(31) ﴾
أيها الإخوة الأكارم، هذه الآية شُرحت بشكل أو بأخر في الدرس الماضي، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام له توجيهات، وتوجيهات النبي عليه الصلاة والسلام يجب أن نأخذ بها، لأن الله سبحانه وتعالى في نص القرآن الكريم، وفي آية محكمة، وبصيغة الأمر الذي يقتضي الوجوب يقول:
﴿ مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ
من توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام:
إنّ القرآن والسنة هما مصدرا التشريع، فالسنة مصدر رئيسي ثانٍ من مصادر التشريع، فالنبي صلى الله عليه وسلم له توجيهات في هذا الموضوع، هذه التوجيهات مستمدة من روح القرآن.
معاني ( مِنْ ) في قوله تعالى: يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ
التوجيه الأول: النهي عن الخلوة بالأجنبية:
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخلوة، نهى الرجل عن أن يخلو بامرأة أجنبية لا تحل له، وربما كانت هذه المرأة من قريباته، ولكنها ليست من محارمه، ففي حياة الرجل أربعة أصناف من النساء؛ هناك زوجته، ولها حكم خاص، وهناك محارمه، وهناك قريباته، وهناك النساء الأجنبيات عنه، فنهى النبي عليه الصلاة والسلام المسلم أن يخلو بامرأة أجنبية، أو قريبة ليست من ذوي محارمه، ففي حديث صحيح رواه الترمذي عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( لَا تَلِجُوا عَلَى الْمُغِيبَاتِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ أَحَدِكُمْ مَجْرَى الدَّمِ، قُلْنَا: وَمِنْكَ ؟ قَالَ: وَمِنِّي، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمُ. ))
(لا) ناهية، و(تَلِجُوا) بمعنى تدخلوا، لا تدخلوا على امرأة غاب عنها زوجها، هذه هي المغيبة، فالدخول عليها خطر عليكم وعليها.
وفي حديث صحيح آخر رواه الإمام أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( ... مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يَخْلُوَنَّ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ))
فأحياناً يكون هذا المصعد يحقق الخلوة، لذلك فهناك أناس لا يرتاحون لوجود مصعد في بناء، لأنه إذا دخلت إليه امرأة ربما تحققت الخلوة، وعلى كلٍّ فإنَّ أي مكان تتحقق فيه الخلوة فهو مكان حرمه الشرع، هذا توجيه، هذه الشهوة التي أودعها الله في الإنسان شهوة فعالة، فالشريف هو الذي يأتمر بأوامر الشرع، أما هذا الذي يقول: أنا لا أتأثر، أو أنا أعرف نفسي، أو أنا في حصن حصين، فهذا كلام فارغ لا معنى له، هذا الذي يعتمد على نفسه، ويثق بها، وهو موقن أنها لا تزل، هذا إنسان لا يعرف طبيعة النفس، فالشريف هو الذي يهرب من أسباب الخطيئة، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخلوة، فقد تأتي أخت الزوجة إلى البيت من مكان بعيد، وأختها ليست في البيت، فلا ينبغي للزوج أن يستقبل أخت زوجته، ويخلو بها في بيت واحد، هذا لا يجوز، هذا نظام عام، وهكذا أمر الشارع الحكيم، فأي مكان جمعك بامرأة لا تحل لك، وليست من ذوات محارمك فهذا المكان يعد خلوة، فلا ينبغي أن يتواجد فيه المسلم.
أحيانا تكون على موعد مع صديق لك، فتأتيه في الوقت المناسب، يقال لك: تفضل، سيأتي بعد قليل، فقل: لا، أنتظره خارجاً، أو سأعود بعد قليل، لا تدخل على امرأة في بيت وحيد، قد تكون أنت من أشرف الخلق، ولكن قد يُساء بك الظن، يقول الإمام علي كرم الله وجهه:
(( عن علي بن الحسين: أن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره وهو معتكف في المسجد في العشر الغوابر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة من العشاء، ثم قامت تنقلب فقام معها النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد الذي عند مسكن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم مر بهما رجلان من الأنصار، فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نفذا، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي، قالا: سبحان الله يا رسول الله، وكبر عليهما قال إن الشيطان يجري من ابن آدم مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما. ))
لو كان الإنسان شريفاً إلى أبعد الحدود، لو أنه واثق في نفسه، المكان الذي يُفسَّر تفسيرات لا تليق به لا ينبغي أن يكون فيه، فالنبي عليه الصلاة والسلام استنباطاً من هذه الأحكام، واستنباطاً من روح القرآن وجّهنا توجيهات لابد أن نأخذ بها، من هذه التوجيهات عدم الخلوة بامرأة ليست من ذوات المحارم، فلو اطلعتم على كتب الفروع؛ فروع الفقه، ودقائقه، وتفصيلاته لوجدتم أن زوجة الابن الشابة كما ورد في حاشية ابن عابدين، وهي أوسع موسوعة في الفقه الحنفي أن زوجة الابن الشابة لا يجوز للرجل أن يخلو بها، أي لا يجوز للأب أن يخلو بها، ففي حضرة ابنه هي من إحدى محارمه، ولكن في غيبة ابنه اتقاء للشبهات، ونوازع النفس، أي حتى المحارم درجات؛ الأم، والأخت، والبنت درجة، ولكن بنت الزوجة، وابن الزوج، وزوجة الابن الشابة، هذه أيضاً من المحارم، ولكن من درجة ثانية، هذه الدرجة الثانية ينبغي أن يحتاط الإنسان في التعامل معها.
التوجيه الثاني: النهي عن مسّ الرجل المرأةَ الأجنبية:
من توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام المستوحاة من روح القرآن الكريم أنه نهى أن يمس الرجل امرأة بيده ليست من ذوات محارمه، فَعَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ أَنَّهَا قَالَتْ:
(( أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسْوَةٍ مِنَ الأنْصَارِ نُبَايِعُهُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ لا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلا نَسْرِقَ، وَلا نَزْنِيَ، وَلا نَأْتِيَ بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِيهِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا، وَلا نَعْصِيكَ فِي مَعْرُوفٍ، قَالَ: فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ، قَالَتْ: قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا، هَلُمَّ نُبَايِعْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لا أُصَافِحُ النِّسَاءَ، إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ مِثْلُ قَوْلِي لامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ))
طبعا أن تمس يد امرأة لا تحل لك هذا مدعاة للزنى، أو مدعاة للتأثر، أو مدعاة للإثارة، لذلك لو أن الموقف حرج:
التوجيه الثالث: النهي عن سفرِ المرأة من دون محرَمٍ:
الآن السفر، كما صرح به الفقهاء، السفر خلوة، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام نهى المرأة أن تسافر وحدها، أو أن تسافر مع رجل ليس من محارمها، فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ، فَقَالَ: اخْرُجْ مَعَهَا. ))
يعني لا تدعها تحج وحدها إلى البيت الحرام، فالسفر مطلق السفر، ومنه الحج، لا يجوز للمرأة أن تحج، ولا أن تسافر إلا مع زوج، أو ذي محرم، لأن السفر خلوة، هذا هو التوجيه الثالث.
التوجيه الرابع: النهي عن الاختلاط بين الرجال والنساء:
والتوجيه الرابع فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاختلاط بين الرجال والنساء، لِما فيه من الفساد، فساد ذات البين، وفساد الدين، فالنبي عليه الصلاة والسلام أعفى النساء من وجوب تأدية صلاة الجمعة، لماذا أعفاهن من ذلك؟ لئلا يختلطن بالرجال، ولماذا أعفاهن من صلاة الجماعة أيضاً؟ أيضا كي لا يختلطن بالرجال، ولماذا منعت النساء من زيارة القبور، وقد رآهن النبي فعَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ:
(( خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا نِسْوَةٌ جُلُوسٌ قَالَ: مَا يُجْلِسُكُنَّ، قُلْنَ: نَنْتَظِرُ الْجِنَازَةَ، قَالَ: هَلْ تَغْسِلْنَ ؟ قُلْنَ: لا، قَالَ: هَلْ تَحْمِلْنَ ؟ قُلْنَ: لا، قَالَ: هَلْ تُدْلِينَ فِيمَنْ يُدْلِي ؟ قُلْنَ: لا، قَالَ: فَارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ ))
لأن المرأة إذا ذهبت إلى المقبرة لتزور قبر زوجها، أو أخيها، أو ابنها، وكانت متبرجة، ولم تكن متحصنة بحجاب يمنع أن تظهر مفاتنها، وربما كان صوتها عورة، وبكاؤها عورة، ونشيجها عورة، وما إلى ذلك، لذلك انطلاقاً من أن اختلاط الرجال بالنساء يسبب فساد الدين وفساد ذات البين، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام لم يوجب عليها صلاة الجمعة، ولا صلاة الجماعة.
شيء آخر، إلى الآن في المسجد النبوي الشريف باب للنساء، هذا الباب الذي كُتب عليه باب النساء هو قديم جداً، لذلك ورد أن سيدنا عمر نهى الرجال في عهده أن يدخلوا من باب النساء لئلا يختلطوا بهن، وإلى اليوم في أثناء الحج والعمرة التي أكرمني الله بهما رأيت النساء في هذا المسجد النبوي الشريف في حيز مستقل عن حيز الرجال، تنفيذاً لهذا التوجيه الكريم، فلو صلى النساء مع الرجال فرضاً في مسجد فقد وجّه النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، بينما خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا. ))
لأن أولها قد يقترب من صفوف الرجال، هذا توجيه آخر في النهي عن الاختلاط.
التوجيه الخامس: عدم ملء النساء وسط الطريق ومزاحمة الرجال:
والنبي عليه الصلاة والسلام له توجيه وهو حينما رأى النساء يحققن الطريق، أي يملأن الطريق، فعَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ:
(( اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ، فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ، حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ ))
أي لا ينبغي للمرأة أن تزاحم الرجال، وكلكم يعلم كيف أنَّ ابنتي سيدنا شعيب عليه السلام، وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام كانتا واقفتين في زاوية، فسألهما موسى عليه السلام عن السبب، قال تعالى:
﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ(23)﴾
إنّ المرأة المسلمة الشريفة الطاهرة لا تزاحم الرجال، فإذا أرادت أن تصعد إلى مركبة مكتظة يُفضَّل أن تقف وقتاً طويلاً كي تنتظر مركبة لا تزاحم فيها الرجال، لأن ملاصقة أو ازدحام أو تداخل النساء والرجال هذا مما لا يرضى عنه الشرع.
هذه بعض التوجيهات التي وجهها النبي عليه الصلاة والسلام في شأن العلاقة بين النساء والرجال، ولكن العلماء يقولون: إذا كان الإسلام لا يسمح بالاختلاط في العبادة كالصلاة فلو حاذت المرأة الرجال في الصلاة فالصلاة كلها فاسدة، لأن الإنسان قد ينشغل عن الصلاة بشيء آخر، فإن كان الإسلام قد نهى عن الاختلاط في العبادات فالأولى أن ينهى عن الاختلاط في غيرها، وهذا شيء بدهي جداً، إنه لم يرضَ بالاختلاط في العبادة فكيف في غير العبادة ؟!.
والآية بعد هذه الآية قوله تعالى:
﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(32)﴾
استنباطات من قوله: وَأَنْكِحُوا
الاستنباط الأول: توجيه الأمر بالتزويج على الذكور:
كلمة:
الاستنباط الثاني: توجيه الأمر بالتزويج إلى أولي الأمر:
بعض العلماء قال: هذا الأمر موجه إلى الأمة كلها
الاستنباط الثالث: توجيه الأمر بالتزويج وأولياء الحرائر والعبيد:
وبعضهم قال: هذا الأمر موجه إلى أولياء الأحرار والحرائر، وإلى سادة العبيد والإماء، إما أن يُوجَّه الأمر إلى الأمة بكاملها، فهذا يعني أنه موجه إلى من يمثلون هذه الأمة، وهم أولو الأمر، لذلك الحدود التي وُجِّه الأمر بها إلى جماعة الذكور، أي إلى كل الأمة هي في الأساس موجهة إلى من يمثل الأمة، وهم أولو الأمر، لذلك إقامة الحدود ليست على آحاد المسلمين، والآن هذه الآية تُحمَل على الآيات السابقة من حيث إن الله سبحانه وتعالى يوجه الأمر إلى جماعة المؤمنين، أو إلى الأمة كلها، بل إلى أولي الأمر الذين يمثلون الأمة في تطبيق أحكام الشرع.
لذلك فـ:
مَن هم الأَيَامَى ؟
من هم الأيامى؟ الأيِّم مَن لا زوج له، ذكراً كان أم أنثى، عازباً كان أم متزوجاً، أيْ أيّ رجل لا زوجة له،ل أو أية امرأة لا زوج لها، أيّ شاب أعزب لا زوجة له، أو أيّ رجل غائب، أو افترق عن زوجته لسبب أو آخر، فهو الآن لا زوجة له.
الزواج سنة الله في خَلقِه:
(( جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ، وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ، فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي))
لأن الله سبحانه وتعالى عندما خلق الزوجين الذكر والأنثى كان من نتائج هذا الخلق الزواج، قال تعالى:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(21)﴾
الأمر بالزواج للندب:
توجيه القرآن الكريم، وتوجيه النبي عليه الصلاة والسلام يدعونا جميعاً إلى الزواج، فالزواج سنة من سنن النبي، لذلك جاء الأمر هنا:
أمر التهديد، قال تعالى:
﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ
هذا أمر للوجوب، أما:
فكلمة:
﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ
إذا لم يأكل الإنسان في ليلة رمضان فهو لم يخالف أمراً، ولأن هذا أمر إباحة، وعندنا أمر وجوب:
﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ(43) ﴾
وهذا أمر وجوب، وهناك أمر ندب، هناك ظروف معقدة قد يكون الإنسان عازفًا عن الزواج، أو ليس بإمكانه الزواج، أو لديه مانع عن الزواج، فهذا أمر ندب في أصح أقوال العلماء.
(( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ. ))
فالأمر أيضاً موجه إلى أولياء الحرائر من الشباب والشابات، وإلى سادة العبيد
الذي يلفت النظر أن الله سبحانه وتعالى بعد أن حدثنا عن الزنى في أول سورة النور، وبعد أن حدثنا عن أحكام الزاني، وعن حد الزنى، وبعد أن حدثنا عن الملاعنة، وبعد أن حدثنا عن حديث الإفك، وبعد أن وجهنا إلى خطر الخلوة، وآداب الاستئذان، وغض البصر، وإظهار الزينة، بعد كل هذه الموضوعات جاء الحديث عن أن الله سبحانه وتعالى يأمرنا أن ننكح الأيامى، فما العبرة المستفادة من أن تأتي هذه الآية في هذا الموضع؟ قال العلماء: إنَّ العبرة أن كل شيء نهى الله عنه له في الإسلام بديل، فالله سبحانه وتعالى حين نهى عن الربا أحل البيع، وحينما نهى عن شرب الخمر أحل عشرات بل مئات الأشربة التي سمح لنا بشربها، وحينما نهى عن السفاح سمح بالنكاح، وحينما نهى عن أكل لحم الخنزير سمح بأكل لحم الأنعام، فأي شيء حرمه الله عز وجل له بديل طيب، وكل شيء حرمه الله عز وجل في الإسلام له بدائل، وقد استنبط بعض العلماء من قوله تعالى:
﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ
فالمنهي عنه محدود جداً، والمباح كثير جداً، وعدد أنواع الأشربة التي يباح للإنسان شربها لا تعد ولا تحصى، ولكن الله سبحانه وتعالى حرّم الخمر، لأنها تذهب العقل، وحلّل البدائل، فحينما نهانا عن الزنى، ونهانا عن قذف المحصنات، وحدَّ الحدود، وأقام الموانع، ومنع الخلوة، ومنع قذف المحصنات، هذه الموضوعات كلها انتهت بقوله تعالى:
حقٌّ على الله إعانةُ الناكح المريدَ للعفاف:
وشيء آخر؛ يقول عليه الصلاة والسلام:
(( من ترك التزويج مخافة العيلة فليس منا ))
من كانت الناحية المادية عقبة أمام تزويج ابنه أو ابنته فليس منا، والدليل أن الله سبحانه وتعالى تكفل لمن يطلب النكاح من أجل العفة أن يعينه، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( ثَلاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَوْنُهُمُ، الْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأدَاءَ وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ وَالْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ))
وقد تسمعون آلاف القصص حول هذا الموضوع، شاب ليس في يديه شيء، ولكنه آثر الزواج إحصاناً لنفسه، نرى أن الله سبحانه وتعالى يسّر له كل أمر، وذلل له كل المصاعب، وجعل كل شيء يهون أمامه، لذلك الدعاء الشريف:
(( اللَّهُمَّ لاَ سَهْلَ إِلاَّ مَا جَعَلْتَهُ سَهْلاً ))
ويقول الله سبحانه وتعالى:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7) ﴾
فالتيسير والتعسير لهما أسباب:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10)﴾
معنى الصلاح في قوله: وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ
الصالحين يعني أن هؤلاء يصلحون للنكاح، أولاً: من حيث القدرة والسن، من حيث القدرة الجسدية، ومن حيث النضج الاجتماعي، ومن حيث التمكن الاقتصادي، ومن حيث صلاح الدين، أي أن يصلح سنه، وأن يصلح دخله، وأن يصلح دينه، لذلك الزواج كما قيل رقٌّ، فلينظر أحدكم أين يضع كريمته، لذلك لابد من صلاح الزوج ولا بد من صلاح الزوجة، وعلى أولياء الأمور أن يربّوا أولادهم وبناتهم تربية يصلحون معها للزواج، فقد تُعلَّم البنت كل شيء إلا حقوق الزوج، وإلا إدارة البيت، فهذه الزوجة يمكن أن تكون متحذلقة، ولكنها ليست سيدة بيت مثالية، وربنا سبحانه وتعالى يقول:
قال العلماء: " صلاح الدين، أو صلاح الأهلية، أي هل هذا الإنسان أهل للزواج "، قد تسمع بإنسان تزوج في سن مبكرة، وهو غير ناضج، وغير متفقه في الدين، ويحلف بالطلاق لأتفه الأسباب، ويقع في الحرام، ويحتاج لمن يفتي له، ويدخل في دوامة لا نهاية لها، فهذا الشاب غير الناضج اجتماعياً، وغير الناضج دينياً ليس أهلا ليقود امرأة، وأن تقود امرأة إلى جادة الصواب شيء يحتاج إلى الحنكة، والصبر، والتروي، فربنا سبحانه وتعالى أشار في هذه الكلمة إلى الصلاح والأهلية.
هل هذا الشاب أهل لأن يدير بيتاً؟ هل هو أهل لأن تكون في حوزته امرأة؟ هل يستطيع هذا الشاب أن يلبي حاجات هذه الزوجة؟ هل هذا الشاب بإنكانه أن يؤسس أسرة؟ هل يستطيع أن يقود أفرادها إلى شاطئ الأمان.
من عبادكم، أي من العبيد الذين فقدوا حريتهم نتيجة فتوح إسلامية، وإمائكم أيضا، وهن النساء اللاتي يقعن أسيرات في الحرب في الفتوحات الإسلامية.
الزواج حلٌّ لمشكلة الإعسار:
(( مَنْ تَزَوَّجَ امْرْأَةَ بِعِزِّهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلاَّ ذُلاًّ، وَمَنْ تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ لِمَالِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلاَّ فَقْرًا، وَمَنْ تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ لِحَسَبِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلاَّ دَنَاءَةً، وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَمْ يَتَزَوَّجْهَا إِلاَّ لِيَغُضَّ بَصَرَهُ، أَوْ لِيُحَصِّنَ فَرْجَهُ، أَوْ يَصِلَ رَحِمَهُ بَارَكَ اللَّهُ لَهُ فِيهَا، وَبَارَكَ لَهَا فِيهِ. ))
ويقول عليه الصلاة والسلام تنفيذا لهذه الآية:
الحث على مساعدة الشباب في الزواج والشفاعة لهم فيه:
قد يكون الإنسان مقصراً في حق نفسه، فيجب أن تسعى في تزويج شاب مؤمن بشابة مؤمنة، هذا السعي من أفضل الشفاعات، أن تشفع بين اثنين في نكاح، ولكن عامة الناس الجهلة يقولون كما تعلمون هذا القول الذي لا يليق بالمؤمن بالبعدِ عن الوساطة في الزواج.
وكأن الله سبحانه وتعالى في هذه الآية وعد المتزوج الفقير بالغنى، في هذه الآية وعد بالغنى:
﴿
معاني: لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا
كلمة:
المعنى الأول: لا يجدون الزوجة الصالحة:
إما أنه لم يجد الزوجة الصالحة.
المعنى الثاني: لا يجدون أسباب الزواج:
أو أنه لا يجد أسباب الزواج، فإن كان لا يجد أسباب الزواج، وهو الفقر ففي الحديث عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
(( مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ.))
فالذي لا يجد نكاحاً، أي لا يملك المسكن، ولا يملك المال فهذا لا يجد أسباب النكاح، فعليه أن يستعفف حتى يغنيه الله من فضله، أي حتى يفتح الله عليه رزقاً حسناً يمكّنه من الزواج، وإذا فهمت بمعنى:
﴿
الزواج نعمة فاحذروا الطلاق !!!
إن القرآن الكريم أباح الطلاق فكيف يأتي هذا الأثر أن تزوجوا ولا تطلقوا، حمله بعضهم على أن الإنسان إذا تزوج عليه أن يبحث عن زوجة لا يحتاج معها إلى الطلاق، أي يجب أن يبحث بحثاً جيداً، لذلك للأبناء على الآباء حقوق؛ أولى هذه الحقوق حسن اختيار أمهم، فاختيار الزوجة شيء مهم جدا، قال عليه الصلاة والسلام:
(( إِيَّاكُمْ وَخَضْرَاءَ الدِّمَنِ، قَالُوا: وَمَا خَضْرَاءُ الدِّمَنِ ؟ قَالَ: الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ فِي الْمَنْبَتِ السُّوءِ ))
فالذي يتسرع في اتخاذ قرار بشأن زواجه ربما عض أصابعه ندماً، وربما اضطر إلى الطلاق، وربما اضطر إلى تشريد أسرة، فالبحث عن المرأة الصالحة يجب أن يكون بحثاً مستفيضاً، ودقيقاً، واسأل، وتحقق، وابحث، وتأمل، ثم قل: وافقت، أو لم أوافق.
شيء آخر؛ بعض السلف الصالح كانوا على شيء من الكمال حيث إن الزوجة الصالحة هي أثمن ما في الدنيا.
يروى أن القاضي العياض لقي شُريحاً، فقال: " يا شريح كيف حالك في بيتك؟ قال: والله منذ عشرين عاماً لم أجد ما يعكر صفائي، أو ينغص حياتي، فقال: وكيف ذلك يا شريح؟ قال: خطبت امرأة من أسرة صالحة، فلما كان يوم الزواج - يوم الزفاف - وجدت صلاحاً وكمالاً، فركعت ركعتين شكراً لله على نعمة الزوجة الصالحة، فلما سلمت رأيت زوجتي تصلي بصلاتي، وتسلم بسلامي، وتشكر شكري، فلما دنوت منها قالت: على رِسلك يا أبا أمية، إنني امرأة غريبة، لا أعرف ما تحب، ولا أعرف ما تكره، فقل لي ما تحب حتى آتيه، وما تكره حتى أجتنبه، ويا أبا أمية، لقد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك، وكان لي من رجال قومي من هو كفء لي، ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله، وسنة رسوله، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، فاتق الله فيّ، وامتثل قوله تعالى:
(( إني لأبغضُ المرأةَ تخرج من بيتِها ، تجرُ ذَيْلَها ، تشكو زوجَها. ))
حتى إنّ بعض الفقهاء يقول: لا ينبغي للمرأة التي أعسر زوجها أن تطالب بفسخ العقد بينها وبينه لعلة الإعسار، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ. ))
مَن هي المرأة الصالحة؟ هي التي إذا أمرتها أطاعتك، وإذا نظرت إليها سرتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك، فالأمر الإلهي:
والحمد لله رب العالمين.