وضع داكن
21-11-2024
Logo
الحقوق : حق الزوجة على الزوج 2 - حقها في هدايتها ورعاية دينها وأخلاقها.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الخبير، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

مقدمة

أيها الإخوة المؤمنون، لازلنا في حقوق الزوجة على زوجها ويبدو أن الإنسان إذا أدى ما عليه من حقوق وجد الطريق إلى الله سالكا، فأيّ تقصير أو أيّ مخالفة إنما هي عقبة في الطريق إلى الله، فإذا أديت ما عليك من حقوق لزوجتك أو لأولادك أو لجيرانك، أو لمن حولك، لعل الله سبحانه وتعالى بتأدية الحقوق يزيل كل العقبات التي في طريق الإنسان إلى الله عز و جل.

معنى حسن المعاشرة


تحدثت في الدرس الماضي عن حق الزوجة في الإنفاق عليها، وقد تحدثت أيضا عن حقها في حسن المعاشرة، لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا في القرآن الكريم فقال تعالى:

 

﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾

( سورة النساء: من الآية 19 )

وقد تحدثت حول هذه الآية كثيرا، و لعل من أبرز ما كان الحديث عنه في هذه الآية أن حسن المعاشرة لا تعني أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها، بل تعني أن تحتمل الأذى منها، وشتان بين الفهمين والموقفين، إذا تحدثنا عن حقين من حقوق المرآة على زوجها.
وقد قلت أيضا: إن الإنسان يحلو له أن يبحث عن حقوقه، وعن واجبات الآخرين له، ولكن البطولة أن تبحث أيضا عن واجباتك تجاه الآخرين، والبطولة أيضا أن تبحث عن حقوق الآخرين التي تطالب بها يوم القيامة.

من حقوق الزوجة على الزوج: حفظ الدين والسلوك وحسن التوجيه

الحق الثالث من حقوق الزوجة: أن تحافظ على دينها، وأن ترعى سلوكها، وأن تحسن توجيهها، لأن الأزواج في هذه الأيام ما دامت الزوجة تروق له، وتقدم له خدمات جيدة , نظيفة , مرتبة , تعرف ما ينبغي أن تفعله الزوجة , فهذا في المرتبة الأولى، أما أمر دينها ففي المحل الثاني، إذا خرجت بطريقة لا ترضي الله يتساهل , إذا استقبلت الرجال يتساهل، وهذا لا يرضي الله يتساهل، لكنه قد لا يتساهل في أمر يمسّ علاقته بها، أو نصيبه منها، هذه المرأة إذا تركتها مع رقة في دينها، و تقصير في معرفة ربها، وضبطها في النواحي المادية، هذه لها حق عليك كبير يوم القيامة، وربما صدق على هذا الزوج أن هذه المرآة تقول: يا رب، لا أدخل النار حتى أُدخل زوجي قبلي، لأنه لم يوجهني، ولم يبصرني، ولم يعرفني، ولم يأخذ بيدي إليك.
طبعا ما من زوج إلا ويهتم بسلامة جسم زوجته، ويخشى عليها من الأمراض، لأنه هو سيدفع الثمن، فأيّ مرض عضال يصيبها هو وحده سيدفع الثمن باهظا، لذلك ترى معظم الأزواج حريصين حرصا لا حدود له على صحة زوجاتهم، وعلى سلامة أعضاء زوجاتهم، وعلى رفاهية زوجاتهم، هذا الحرص يجب أن يقابله حرص آخر على سلامة دين زوجتك، وعلى حسن معرفتها بالله، وعلى حسن علاقتها بالله... وإلا فأنت تخونها، هي شريكة حياتك، لماذا هي شريكتك في الطعام، في المسكن ؟ وفي نصيبك منها ؟ وليست شريكتك في معرفة الله ؟ وليست شريكتك في فهم القرآن الكريم ؟ وليست شريكتك في التفقه في سنة رسول الله ؟
لذلك فهذا الذي يهمل دين زوجته، ويهمل معرفتها بالله، ولا يعلق أهمية على تعليمها العلم الشرعي، لا يقيم وزنا لفهمها لدينها، هذا مقصر أشد التقصير في حقها، هذا كلام طيب ومقنع، ومنطقي ومعقول.

الأدلة القرأنية على وجوب حفظ الزوج دين الزوجة

ولكن أين الدليل ؟ وكما عودتكم ما من إنسان بعد النبي عليه الصلاة والسلام يقبل منه أن يقول كلاما بلا دليل، كلام طيب، ولكن هل له دليل ؟ نعم:

الآية الأولى:

يقول الله تعالى:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾

( سورة التحريم: من ا لآية 6 )

﴿ قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ﴾

أي: أنت مأمور أن تقي نفسك نار جهنم، ومأمور أيضا وفي الدرجة نفسها، وبالمستوى نفسه أن تقي أهلك نار جهنم، وكيف تقي أهلك، والأهل هم الزوجة والأولاد ؟
تقيهم بتوجيههم، بتعريفهم، بإرشادهم ومراقبتهم، ومحاسبتهم.
شيء آخر، ولعله مهم جداً، وهو أن الله سبحانه وتعالى جعل المؤمنين بعضهم أولياء بعض، فأنت ولي أخيك المؤمن، فإذا رأيت منه اعوجاجا أو انحرافا، أو تقصيراً أو مخالفة، أو معصية فلا بد من أن تنصحه، ولا بد من أن توجهه، ولا بد من أن تأخذ بيده، ولا بد من أن تعاونه، لماذا ؟ لأنه أخوك في الله، وله حق عليك، فإذا كان المؤمنون بعضهم لبعض أولياء، وكل واحد منهم له حق على الآخر، فمن باب أولى أن يكون الزوج وزوجته من أول من تطبق عليهم هذه الآية.

 

 

الآية الثانية:

يقول الله عز و جل:

 

 

﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ﴾

 

( سورة التوبة: من الآية 71 )

ما معنى:

﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ﴾

أي: إذا كنت راكباً سيارة، وأمامك أخ يركب مركبة، وشعرت أن هناك بوادر احتراق بالسيارة، وصاحبها لا يدري، أنت كأخ له، أنت كمؤمن، وهذا الذي أمامك مؤمن أكبر حق له عليك أن تنبهه أن تلفت نظره، والأصح من هذا أنت مكلف بأي إنسان، الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إلى الله انفعهم لعياله، ولكن الحديث هنا عن المؤمنين لسبب، وهو أن غير المؤمن لا يستمع إليك، فلو رأيت إنساناً في الطريق يعصي الله، يشرب الدخان في رمضان، فربما لو نصحته أسمعك كلاما لا يرضي، وهذا ليس هو المقصود، فالحديث هنا عن المؤمنين، يقول ربنا سبحانه و تعالى:

﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ﴾

فأنت ولي أخيك، وأخوك وليك، من كان منكم أكثر علما، وأقرب إلى الله، وأكثر ورعا وفهما فلينصح الأخ الآخر.
إذاً: المؤمنون بعضهم لبعض نصحه متوادون، والمنافقون بعضهم لبعض غششه متحاسدون، كما قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( المؤمنون بعضهم لبعض نصحه متوادون، ولو ابتعدت منازلهم، والمنافقون بعضهم لبعض غششه متحاسدون، ولو اقتربت منازلهم ))

 

[ ورد في الأثر ]

وقد مر بنا قوله سبحانه و تعالى:

﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ﴾

ولكن ما معنى: بعضهم أولياء بعض ؟

 

﴿ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

( سورة التوبة: من الآية 71 )

فإذا كان أخوك المؤمن له حق عليك ؛ أن تنصحه، له حق عليك، أن ترشده، له حق عليك، أن تأخذ بيده، له حق عليك أن تبصره، وأن تنور بصيرته، فهذه شريكة حياتك، هذه التي نذرت نفسها لخدمتك، هذه التي حبست نفسها من أجلك، هذه التي شاركتك في الضراء والسراء، أليس لها حق عليك أن تأخذ بيدها إلى الله عز وجل ؟ أليس لها حق أن تعرفها أمر دينها، أن تبصرها سنة النبي عليه الصلاة والسلام، أن تصلح اعوجاجها، وأن تقيم انحرافها، من باب أولى، إذا كان أخوك المؤمن العادي له حق عليك فهذه زوجتك، لذلك إن شئت على قوله عز وجل:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾

( سورة التحريم: من ا لآية 6 )

وإن شئت على قوله تعالى:

﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

أحاديث نبوية في وجوب حفظ دين المرأة

الآن من أقوال النبي عليه الصلاة و السلام:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى ثُمَّ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ ثُمَّ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ ))

[ أبو داود، النسائي، ابن ماجه ]

شيء رائع جداً فوق مستوى الروعة أن ينهض الرجل ليصلي قيام الليل، وأن يقيم زوجته معه.

(( رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى ثُمَّ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ ثُمَّ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ ))

هذه المشاركة.... فقد تكون الزوجة أكثر نشاطا من زوجها، وقد يكون الزوج أكثر نشاطا من زوجته، فلا بد من التعاون، لا يقلّ قدرك، ولا يقلل من شأنك أن توقظك زوجتك على الصلاة، فهذا شيء لطيف.. فإما أنت وإما هي، فأنت تشتهي زوجتك بالطعام، فالذي ذاق حلاوة الطاعة، وحلاوة القرب ألا يشتهي زوجته بهذا القرب ؟
هذا هو حق التوجيه والإرشاد , حق التعريف بالله عز وجل، وحق أن تأخذ بيدها إلى الله.
مما روي أن امرأة قالت لابنتها يوم زفافها وزوجها يسمع: يا آبا أمية، ما أوتى الرجل شرا من المرأة المدللة ـ فوق الحدود ـ فأدب ما شئت أن تؤدب، وهذب ما شئت أن تهذب , ثم التفت إلى ابنتها تأمرها بحسن السمع والطاعة ".
لذا فإن قال بعض الأزواج تحت غطاء " يجب أن نأخذ بيدها إلى الله ": يجب أن نكرمها، فيعطيها شيئاً يفوق الحد المعقول، فتستطيل على الناس، وتفخر عليهم، وتوقع في قلوبهم اللوعة...لا:

لكل شيء إذا ما تم نقصانُ
***

وقد قال تعالى:

 

﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً ﴾

[ سورة الإسراء: الآية 29 ]

وقال رسول الله عليه الصلاة والسلام:

(( اخشوشنوا، وتمعددوا، فإن النعم لا تدوم ))

[ الجامع الصغير عن ابن أبي حدرد ]

فالإنسان يجب أن يعوّد أهله على الأحوال كلها.

الحق الرابع للزوجة على الزوج: التزين لها

الحق الرابع للزوجة على زوجها أن يتزين لها كما تتزين له، فهذا أمر الشرع، فكما أنك تريد أن تظهر لك بمظهر حسن فهي إنسان أيضا تتمنى أن تكون أنت في مظهر مقبول، ومظهر حسن، والدليل قوله تعالى:

 

﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾

( سورة البقرة: من الآية 228 )

إنها درجة القوامة.
أتت امرأة إلى سيدنا عمر بن الخطاب، وزوجها أشعث أغبر، فقالت: يا أمير المؤمنين، لا أنا ولا هذا، خلصني منه، فنظر إليه عمر، وكان لماحا فطنا، فعرف ما كرهت منه، فأشار إلى رجل، وقال له: اذهب بهذا، وحممه، وقلم أظافره، وخذ من شعره، وائتني به، فذهب، و فعل ذلك، ثم أتاه به، فأومأ عمر إليه، أن يأخذ بيدها فقالت: يا عبد الله، سبحان الله ! أبين يد أمير المؤمنين تفعل هذا ؟ فلما عرفته أنه زوجها ذهبت معه، فقال عمر رضي الله عنه: هكذا فاصنعوا لهن، فإنهن يحببن أن تتزينوا لهن كما تحبون أن يتزين لكم.
فهذه القصة تبين أن للزوجة حقا في أن يتزين لها زوجها، والنبي عليه الصلاة والسلام رأى رجلا أشعث الشعر، فقال:

(( احلق، فإنه يزيد في جمالك ))

[ ورد في الأثر]

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ ))

[ أبو داود ]


والنظافة من الإيمان، فالمؤمن نظيف ؛ نظيف في أخلاقه، نظيف في البدن، نظيف في الملبس، وسيدنا على كرم الله وجه يقول: << إن الله يكره من عباده القاذورة.

و يقول ابن عباس: << إنني ألبس، وأتجمل، فان الله جميل يحب الجمال >>.
والنبي صلى الله عليه و سلام كان يعرف بريح المسك إذا مر.
وكان يقول:

 

(( إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَلِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا فِي النَّاسِ كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ ))

 

[ أحمد عن أبي الدرداء ]

والنبي عليه الصلاة والسلام كان له ثياب خاصة جديدة يلبسها في أيام الجمع، وإذا حضرته الوفود، وقد كانت علية قومه تفعل ذلك.
فالمؤمن يحتاج إلى ثوب نظيف أنيق، والمؤمن يمثل الدين الإسلامي، أنت على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك.
يقول أبو الحسن: " هيئة الرجل لامرأته مما يزيد في عفتها ".
فتراك في مظهر حسن , نظيف , شعرك مرجّل، فهذا مما يصونها، ويجعلها تعتز بك، و تعف عن الآخرين.

الحق الخامس للزوجة على الزوج: عدم الزهد فيها وهجر مضجعها

الحق الخامس من حقوق المرآة على زوجها: ألا يزهد بها، وألا يهجر مضجعها.
فهذا الذي قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي، هذا عاقبه الله عز وجل بأنه حرَّمها عليه ما لم يصم ستين يوما، أو يطعم ستين مسكينا، فكما أن له عندها حاجة فلها عنده حاجة، ومن الظلم أن تتجاهل حاجتها.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:

(( جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ، فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ))

[ متفق عليه ]

فأي منهج يطبقه المسلم خلاف هذا المنهج فإنه يخالف به سنة النبي الكريم، فأولئك الذين تركوا الزواج نهائيا، أو تركوا العمل، هؤلاء قد خالفوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فسنة النبي تضمن لك أن تصل بها إلى أعلى مستوى، فقد كان له زوجات كثر، وكان يطوف عليهن جميعاً، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:

 

(( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ ))

 

[ الترمذي ]

وفي عهد عمر بن الخطاب أتت امرأة إليه وقالت: يا أمير المؤمنين، إن زوجي قوام، فقال سيدنا عمر: بارك الله لك في زوجك، فقالت: إن زوجي قوام، وإني أكره أن أشكوه، فكان عند سيدنا عمر صحابي اسمه كعب الأسدي فقال: إنها تشكو زوجها، فقال عمر: هكذا فهمت من كلامها ؟ فإذا فهمت هكذا فاحكم بينها وبينه، فقال كعب: علي بزوجها، فأتوني به، فقال له: إن امرأتك هذه تشكوك، فقال: أفي طعام أو شراب ؟ قال: لا، فقالت المرأة، و قد صاغ أحد الشعراء شكواها بآبيات شعرية:

يـا أيها القاضي الحكيم رَشَدُه ألهى خليلي عن فراشي مسجده
زهَّـده في مضجعي تعبُّــده فاقضِ القضا كعب و لا تَـردّه
نهاره و لـيله مـا يـرقـده فلست في أمر النساء أحمــده

فقال زوجها:

زهدني في فرشها وفـي الحجــل أني امرؤ أذهلني ما قد نزل
ففي سورة النحل وفي السبع الطوال و في كتاب الله تخويف جلل

فقال له القاضي كعب:

إن لها حقا عليك يـا رجل نصيبها في أربع لمن عقـل
فأعطها ذاك ودع عنك العِلل
***

أي أن الله عز و جل قد أحل لك من النساء مثنى وثلاث ورباع، فكل ثلاثة أيام تعبد بها ربك، ولها الليلة الرابعة , فقال عمر: والله ما أدري من أي أمريك أعجب، أمن فهمك أمرها، أم من حكمك بينهما , اذهب فقد وليتك قضاء البصرة.

الحق السادس: إرشادها الى الخير وإبعادها عن الشر وصيانة نفسها

ومن حق الزوجة على زوجها أن يرشدها إلى طريق الحق، وأن يبعدها عن مواطن الشر.

ومن حقها عليه أن يأمرها بأن تصون نفسها، فمثلا: هناك شرفة في المنزل، خرجت الزوجة إليها بملابس البيت، و لمارة ينظرون، فلم يتأثر الزوج، فرأته ساكتا، فاستمرت، و إذا رأته تساهل استمرأته، فمن حقها عليك أن تأمرها أن تستر نفسها، فلو لم تفعل لحوسبت حسابا شديدا، والدليل قوله تعالى:

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾

( سورة الأحزاب: من الآية 59 )

و قوله تعالى:

 

﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾

( سورة الأحزاب: من الآية 33)

يعني هذا أن المركز الأساسي أن تبقى في البيت لتقدم للمجتمع أكبر خدمة، فما من وظيفة أخطر من أن تربي أولادها، تماما كالطيار الذي لا بد من التزامه بغرفة القيادة للحفاظ على أرواح الركاب، فالبيت مركز قيادة المرآة، ويقول النبي عليه الصلاة و السلام:

(( أيما امرأة قعدت على بيت أولادها فهي معي في الجنة ))

[ لجامع الصغير عن أنس ]

(( أي اعلمي أيتها المرآة، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرآة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله ))

[ كنز العمال عن أسماء بنت يزيد الأنصارية ]

﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾

و هذا لنساء الرسول صلى الله عليه و سلم، فإذا كان نساؤه قد قررن في بيوتهن، وهن المحصنات التقيات الطاهرات فلأن يكون هذا الأمر موجها لنساء المؤمنين من باب أولى. وهذا مبدأ في الفقه، وقاعدة أساسية.
مثلا: قوله تعالى:

 

﴿ فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ ﴾

( سورة الإسراء: من الآية 23 )

فمن باب أولى أن يكون الضرب ممنوعاً.
و قوله تعالى:

 

﴿ لَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ﴾

( سورة النور: من الآية 31 )

إذ أن هناك مشية للمرأة تلفت النظر، وهذه مشية المرأة مأمورة أن تبتعد عنها، كما أن هناك ثيابا ذات ألوان زاهية، وكذلك هناك أحذية ذات صوت يلفت نظر الرجال إليها، وأشد من ذلك كله أن تكون متعطرة، فإذا خرجت المرأة متعطرة لعنتها الملائكة حتى تعود، فكل شيء يلفت نظر الرجال إلى المرأة محرم بشكل قطعي.
أحيانا تهمل المرأة زينتها فيتضايق زوجها، وقد يصل الأمر إلى الطلاق، فالمذنب هو الرجل، إذ يجب أن يأمرها أن تصلح من هيئتها، ويجب أن يدقق عليها، فقد تكون صغيرة لا تعلم، أو لا تهتم، أو لا تبالي، فإذا استمرأت إهمال زينتها، وانزعج منها من دون أن يعرفها، ومن دون أن يلفت نظرها، ثم اتخذ منها موقفا صارما، وأرسلها إلى بيت أهلها من دون أن تعلم السبب فهو آثم، لذلك يجب أن يذكرها بواجبها تجاهه، ومن أولى هذه الواجبات أن تكون حسنة المظهر أمامه من أجل أن تعفه عن النظر إلى الحرام، ألم يقل النبي عليه الصلاة و السلام

(( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ... ))

[ متفق عليه ]


فهذا هو الهدف الأول من الزواج للمؤمن، أن يكون عفيفاً عن الشهوة، فإذا أهملت نفسها، وأهملت ثيابها، وأهملت زينتها، ثم كرهها، وأبغضها، وطردها فقد أخذها على غرة، إذ يجب أن ينبهها، وأن يلفت نظرها، وأن يأمرها، وأن يدقق عليها لكي تبقى على مستوى طموحه، والدليل: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:

 

(( كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، فَلَمَّا قَفَلْنَا كُنَّا قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ تَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةٍ كَانَتْ مَعَهُ، فَسَارَ بَعِيرِي كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ الْإِبِلِ، فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ، اللَّهِ إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، قَالَ: أَتَزَوَّجْتَ ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: فَهَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ ؟ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ فَقَالَ: أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا، أَيْ عِشَاءً، لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وتستحدث الْمُغِيبَةُ ))

 

[ متفق عليه ]

فلم يرض النبي صلى الله عليه وسلم أن يباغت الزوج زوجته إذا كان مسافراً، فقد تكون غير مستعدة لاستقباله، وقد تكون هيئتها دون الوسط، فالنبي عليه الصلاة والسلام علمنا ألا نأتي من السفر إلى البيت مباشرة، فلا بد من إعلام الزوجة بأنك قد حضرت من أجل أن تأخذ المرأة من شعرها، ومن زينتها، ومن هيئتها، هذا من السنة النبوية. فقال:

(( أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا، أَيْ عِشَاءً، لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وتستحدث الْمُغِيبَةُ ))

قد لا يترك الزوج لزوجته وقتا لتعتني بنفسها، وهنا تظهر المشكلة، فلا بد من أن ترضيه، ولا يوجد وقت لترضيه، فلا بد من أن تتجاهل بعض الوقت حتى تكون كما يريد، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:

(( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ ))

[ البخاري ]

ويتبادر إلى الذهن هنا أن تتكلم المرآة كالرجال، أو أن ترتدي لباسا مما يرتديه الرجال عادة، أضف إلى هذا إذا أهملت المرأة زينتها، وآثرت الخشونة على النعومة والرقة، فقد تشبهت بالرجال، لذلك فقد أمر النبي النساء بالتزين حتى لا يتشبهن بالرجال في الخشونة والشدة.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:

(( كَانَتْ امْرَأَةُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ تَخْتَضِبُ، وَتَتَطَيَّبُ، فَتَرَكَتْهُ، فَدَخَلَتْ عَلَيَّ فَقُلْتُ لَهَا: أَمُشْهِدٌ أَمْ مُغِيبٌ ؟ فَقَالَتْ: مُشْهِدٌ كَمُغِيبٍ، قُلْتُ لَهَا: مَا لَكِ ؟ قَالَتْ: عُثْمَانُ لَا يُرِيدُ الدُّنْيَا، وَلَا يُرِيدُ النِّسَاءَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَلَقِيَ عُثْمَانَ، فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ، أَتُؤْمِنُ بِمَا نُؤْمِنُ بِهِ ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَأُسْوَةٌ مَا لَكَ بِنَا... فَاصْنَعْ كَمَا نَصْنَعُ ))

[ أحمد ]


فاعتنى بزوجته، وأعطاها حقها، فجاءت الزوجة في اليوم الثاني إلي السيدة عائشة، وقالت: لقد أصابنا ما أصاب النساء، فإهمال الزوجة مسؤولية.
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا

 

(( أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً ـ وسادة ـ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَاذَا أَذْنَبْتُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ ؟ قُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا، وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ، وَقَالَ: إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ ))

 

[ متفق عليه ]

ففي عهد النبي عليه الصلاة والسلام كان المصور ينحت الصنم، وكان الصنم يعبد من دون الله، ومن معاني التصوير النحت، وهو التجسيم، وقد كان الناس يعبدون هذه الأصنام من دون الله، فلذلك سدًّا للذرائع قال النبي الحديث الشريف:

(( إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ ))

[ متفق عليه عن ابن مسعود]

الحق السابع: الغيرة على الزوجة

ومن حق الزوجة على زوجها أن يكون غيوراً عليها، إذ إن هناك بعض الأزواج ليس لديهم الغيرة على زوجاتهم، اذهبي وحدك، تعالي وحدك، عند الطبيب وحدها، عند البائع وحدها، ومن حق الزوجة أن يغار عليها، وأن يوجهها إلى ما يحفظ عليها شرفها وشرفه، ولكن ليس معنى هذا أن يشتطّ الزوج في الغيرة عليها، فالشطط في الغيرة مرض فلا بد من غيرة سوية، والنبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ ؟ وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ))

[ متفق عليه عن المغيرة ]

الغيرة قسمان: محبوبة وغير محبوبة

فالغيرة مطلوبة، ولكن هناك غيرة سوية، وغيرة مَرَضية، والنبي عليه الصلاة والسلام فصل، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ، وَمِنْهَا مَا يَكْرَهُ اللَّهُ، فَأَمَّا مَا يُحِبُّ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ، وَأَمَّا مَا يَكْرَهُ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ ))

[ ابن ماجه ]

فهناك غيرة يحبها الله ورسوله، وهناك غيرة يكرهها الله ورسوله.
فأما ما يحب الله فالغيرة في الريبة، مثلا: أنت ارتبت، جاءتك معلومات مقلقة، شعرت أن هناك تصرفات عير صحيحة، تدعو للشك، فما دام دخل الريب إلى قلبك فالغيرة الآن يحبها الله ورسوله، وأما الغيرة التي يكرهها الله ورسوله فالغيرة من غير ريبة، فليس هناك دليل، ولا داع، ولا عبارة، ولا أي شارة، ولا تصرف مقلق، والأمور كلها طبيعية، فالآن إذا غرت فهذه الغيرة يكرهها الله ورسوله.
هناك حالات كثيرة اطلعت عليها لغيرة في غير موضعها تسبب نفور الزوجة، وهناك غيرة من الزوجة في غير موضعها تسبب نفور الزوج، إذ أن هناك زوجات غيورات، فزوجة مؤمنٍ إذا تأخر تسأله: أين كنت ؟ ومع من كنت ؟ وزوجها مؤمن، فمع من سيكون ؟ مع رفاقه، أو في شغله، أو قد يكون هو أيضا فيسألها: هل دخل أحد في غيابي ؟ ما هذا الكلام ؟ فغيرة من دون ريب، من دون سبب، من دون دليل، من دون إشارة، من دون تنبيه، من دون لفت نظر، هذه غيرة يكرهها الله ورسوله، أما الغيرة مع الريب، مع تصرف مشبوه فمطلوبة.

مثلا: دخلت البيت، اضطربت، تسألها: لماذا هذا الاضطراب ؟ باب أغلق فجأة ….شيء خرج … شيء دخل، في مثل هذه الحالات لا بد من أن تكون غيوراً.
بالمناسبة، إن كل إنسان لا يتفقه في الدين يدفع الثمن باهظا، والله قبل خمسة عشر عاما في هذا المسجد عقب خطبة أمسكني رجل من يدي، وقال: أريد أن أحدثك بحديث خطير، فقلت له: تفضل، فقال: لقد اكتشفت اليوم أن زوجتي تخونني مع جار لنا منذ سنين، فسألته: ما السبب ؟ فقال: لنا جار، ومرة زارني، فناديتها يا أم فلان تعالي فاجلسي معنا، هذا فلان مثل أخيك، فجهله بالشرع دفع ثمنه باهظا، لذلك حضور مجالس العلم كما قال النبي عليه الصلاة و السلام حتم واجب على كل مسلم، إذا أن هناك قواعد خطيرة جدا، فالاختلاط طريق إلى الزنى، فإنسان رأى في هذه الزوجة ما ليس عند زوجته فمال إليها، ومالت إليه، أغراها وأغرته، ومن وراء ظهر الزوج فعلوا الفاحشة، فكل إنسان يخالف الشرع يدفع الثمن باهظا.
مثلا: يقول أحدهم: جاءنا خاطب شاب راقٍ مؤدب، فيسأل: هل عقدتم العقد ؟ فيجيب بأن العقد ليس ضروريا، وأمامنا وقت، يدخل ويخرج الخطيب، ثم يختفي وينتفخ البطن، فكل إنسان يخالف الشرع يدفع الثمن باهظا، هذه غيرة يحبها الله ورسوله، وأما الغيرة التي يبغضها الله ورسوله فهي الغيرة من دون ريب

دفع الزوج مواطن الريبة أمام الزوجة لاتقائها عن نفسها

و هناك شيء آخر، إذا كنت ماشيا مع زوجتك، وكنت تنظر إلى النساء من حولك، أو أن امرأة زارت زوجتك، فاستقبلت ورحبت، ونظرت، فأنت قمت بعمل خطير، فزوجتك رأتك، وأنت تخالف الشرع، فأنت الآن تعطيها مبررا لتعاملك بالمثل، فإذا رأتك في عفة وفي حشمة، وفي ورع وفي غض بصر اقتدت بك، وهنا نتدبر قول سيدنا موسى:

 

﴿ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ﴾

[ سورة القصص: من الآية 23 ]

فهل هناك في اللغة العربية بأكملها عبارة أشد اختصارا، وأكثر جدية، وأقطع لكل تعليق من هذه ؟ قالتا:

 

﴿ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾

[ سورة القصص: من الآية 23 ]

و مرة أخرى:

﴿ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾

[ سورة القصص: من الآية 25 ]

فلم تقل له: أبي يدعوك، وسكتت، فسألها: لماذا ؟ وهذا حتى لا يكون هناك حوار مباشرة،

﴿ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾

انتهى الأمر بكلمة.

 

﴿ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ﴾

[ الأحزاب: من الآية 32 ]

فلا كلمة زائدة، مثلا: سعرها كذا، ادفعي، وامشي، فإذا قالت: نحن جيرانك، فقد أصبح هناك حوار لا مبرر له، قال تعالى:

 

﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ﴾

[ الأحزاب: من الآية 32 ]


فحتى على الهاتف كلمة فقط، مثلا: فلان موجود ؟ لا، بلغوه أن فلانا قد اتصل به، انتهى، دق الباب، فلان موجود ؟ لا، تفضل، هذا كلام مخالف للأصول، فالإنسان يجب أن يتعلم كيف يتكلم، وهذا الذي يقول عنه النبي عليه الصلاة والسلام فعليه أن يكون عفيفا أمام زوجته، وأمام الله، فحين يكون عفيفا على مرأى منها يعلمها أن تكون عفيفة مع غيره، مع البائع، مع الشاري، مع أي إنسان، أما إذا هو أخذ، وأعطى في الكلام، وكان لطيفا جدا، وكان لينا في الكلام، ونظر، وأدار حديثاً ممتعاً ومازحاً مع امرأة لا تحل له على مرأى من زوجته، فكأنه يعطيها مبررا لتشطط في الحديث.
ومن حق الزوجة على زوجها أن يأمرها بالصلاة، وأفضل شيء أن يصلوا سوية، ففي البيت الزوجة مع الأولاد، أصبحت الصلاة صلاة جماعة، فتوضؤوا، وصلوا جماعة، فمن حقها عليه أن يأمرها بالصلاة، وأداء الفرائض لقوله تعالى:

 

﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾

[ سورة طه: الآية 132 ٍ]

لذلك ورد في بعض الأحاديث أنّ الزوجة تتعلق يوم القيامة برقبة زوجها، وهي تقول: يا رب، خذ لي حقي من زوجي، لأنه كان يراني أفعل كذا وكذا من الموبقات فلم ينهني، وكان يراني أبتعد عن كذا وكذا من الخيرات وأداء الصلوات فلم يأمرني، يا رب، خذ لي حقي من زوجي.
إنّ الإنسان إذا لم يفعل فسوف يحاسب عن زوجته حساباً عسيراً.

الحق الثامن: عدم التحدث عن الأسرار الزوجية

شيء آخر، لا يجوز، ولا بأي شكل من الأشكال، ولا بأي تلميح أو تصريح، لا يجوز تحت طائلة أشد العقوبات أن يتحدث الزوج عن أسرار الحياة الزوجية للناس

فهذا الذي يفعل ذلك لا يغار على عرضه، ما كان بين الزوج والزوجة يجب ألا يعلمه إلا الله، فالنساء في بعض المجالس يتحدثن عن أزواجهن، وعن أسرار الحياة الزوجية، والزوج أحيانا يتحدث عن زوجته، وأسرار العلاقة الزوجية، هذا الذي يفعل هذا فاقد للمروءة، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُّ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ ))

[ مسند أحمد ]

وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا ))

[ مسلم ]

ولكن هذا لا يدخل في نطاق السؤال: هل صار العرس ؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام سأل أبا طلحة، فقال: أعرّستم الليلة ؟ ولم يقصد النبي إلا أن يسأله: هل دخل بامرأته ؟ فهذه ليس لها علاقة بالعلاقة الزوجية.

الحق التاسع: عدم تكليف الزوجة بعمل فوق طاقتها

ومن حق الزوجة على زوجها ألا يكلفها عملاً فوق طاقتها، فهناك أحيانا زوج يضع برنامجا لتنظيف البيت غير معقول، ويحاسب حسابا شديدا

فالتدقيق سهل، والفحص سهل، أما الإنجاز فيتطلب جهداً كبيراً، فإذا كان لديها أولاد، وعندها عمل كبير، وأنت تحاسبها: لماذا لم تفعلي كذا ؟ ولماذا لم تفعلي ؟ فهذا خلاف الشرع، إذ لا يحل للزوج أن يكلف زوجته فوق استطاعتها، فقد تكون الأوامر في ذاتها مشروعة، ولكنها لظروف الزوجة تصبح غير مشروعة، كحالة الدورة الشهرية، حيث تكون المرأة ضعيفة، فيكلفها فوق طاقتها، ويحاسبها، وكأنها شديدة عتيدة، فهذا أيضا مخالف للشرع، والنبي عليه الصلاة والسلام أوصى ألا يكلف الإنسان خادمه فوق طاقته، فلأن يمتنع أن يكلف الإنسان زوجته فوق طاقتها من باب أولى.
السيدة فاطمة رضي الله عنها اشتكت إلى أبيها صلوات الله وسلامه عليه ما تلقى من مشقة الخدمة، فأمرها عليه الصلاة والسلام أن تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا اله إلا الله، والله أكبر، فهذا إشارة إلى أن من واجب الزوجة أن تقوم بخدمة زوجها، وبيتها بالمعقول، إلا أن الرأي الدقيق أنه إذا كان هناك مودة ومحبة ترتفع التكلفة، إذ إن الزوجة قد تعمل فوق طاقتها اختيارا ومبادرة منها، والزوج يعين زوجته، فمادام هناك محبة وألفة وإخلاص فكل شيء يحل
هذه بعض حقوق الزوجة على زوجها، والإنسان كلما أدى الحقوق كلما اقترب من خالقه، وكلما شعر أن الطريق إلى الله سالك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور