وضع داكن
19-04-2024
Logo
مختلفة- لبنان - المحاضرة : 63 - رابطة الطلاب المسلمين في لبنان - التخلية قبل التحلية
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

الشباب أمل الأمة ومستقبلها :

 من عادتي في إلقاء المحاضرات أن أستنبط من نصوص الدعوة بنودها الأساسية .
 يوجد كلمة شباب ، وكلمة رمضان ، وكلمة تحلية وتخلية ، أما الشباب فهم أمل الأمة، والشباب قوة الأمة ، والشباب مستقبل الأمة ، والله عز وجل يباهي الملائكة بالشاب التائب يقول : انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي ، بل ما من شيء أحبّ إلى الله تعالى من شاب تائب .
 فلذلك الشباب تشبه في المركبة المحرك ، قوة اندفاع مذهلة ، لكن العلماء الربانيين مهمتهم في المقود ، وأما الطريق المعبد لهذه السيارة فهو الشرع الحكيم ، والصراط المستقيم فالأمة تتقدم وتتفوق وتنتصر وتتألق بقوة اندفاعها من قبل الشباب ، وبتوجيه علمائها الربانيين على منهج الله القويم .
 من هو الشاب ؟ هناك مفهوم بيولوجي ، أي من الثامنة عشرة للأربعين ، وهناك مفهوم ديني ، وهذا كلامي دقيق جداً ، أنا أؤمن أن هناك شاباً في السابعة والتسعين ، وهناك إنسان خرف في الأربعين ، بأي مقياس ؟ كل إنسان له هدف أكبر منه فهو شاب ولو كان في التسعين .
 عالم جليل من علماء الشام ، كان شيخ العلماء ، بلغ السابعة والتسعين ، كان إذا رأى شاباً في الطريق يقول : أنت كنت تلميذي يا بني ، وكان أبوك تلميذي ، وكان جدك تلميذي ، لما سُئل : يا سيدي ! ما هذه الصحة التي حباك الله بها ؟ كان منتصب القامة ، حاد البصر ، مرهف السمع ، أسنانه في فمه ، في الـسابعة والتسعين ، يقول : يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر ، من عاش تقياً عاش قوياً .
 قبل حين علماء كبار مشهورون ، توفاهم الله بأعلى درجة من التألق والحيوية ، وزحفت مئات الألوف في وداعهم ، فالعالم الرباني الناس بحاجة إليه ، بحاجة إلى عالم رباني يدلهم على الله ، ويسبقهم في تطبيق ما يقول .
 فلذلك أنا أتمنى ، وأنا أخاطب الشباب أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، يقول لك : أنا لست داعية ، ومن قال لك إنك داعية ؟ في حدود ما تعلم ومع من تعرف، هذه الدعوة فرض عين كما الصلاة .

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) ﴾

[ سورة يوسف]

 فالذي لا يدعو على بصيرة ، ما البصيرة ؟ الدليل والتعليل ، ليس متبعاً لرسول الله والآية الأخرى :

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) ﴾

[ سورة آل عمران]

 فالشباب أمل الأمة ، مستقبل الأمة ، مصير الأمة بكل المعاني الدقيقة ، وما من شيء أحبّ إلى الله تعالى من شاب تائب ، وإن الله ليباهي الملائكة بالشاب التائب ، يقول : انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي .
 الشيء بالشيء يذكر : لي صديق حميم ، زرته في العيد ، فتح لي والده قلت له : الأخ محمد موجود ؟ قال لي : والله يا بني ليس موجوداً ، قلت له : سلم عليه ، قال : ممكن أن تدخل خمس دقائق ، قلت له : لا يوجد مانع ، اسمعوا ماذا قال لي ، قال لي : أنا في الخامسة والتسعين من عمري ، عملنا البارحة فحصاً كاملاً ، كل شيء طبيعي ، ثم قال : والله أنا لا أعرف الحرام ، لا حرام النساء ، ولا حرام المال ، أبداً .
 أنا أخاطب الشباب ، ما دمت على طاعة الله لك مستقبل مزهر ، لك مستقبل متألق، أنت إنسان الآن بالبدايات خطط ، إن لم تخطط يُخطط لك ، وإن لم تكن رقماً صعباً في خطة عدوك تكن رقماً تافهاً ، خطط من الآن ، ابحث عن حرفة تسعد بها الأمة ، ترقى بها الأمة ، اختر حرفة لا لكسبها ، بل لفائدتها ، واختر زوجة ترعى أولادك ، شيئان لاصقان بالإنسان ؛ زوجته ، وحرفته ، فإذا نجح بمعونة الله باختيار زوجته وحرفته ، أعانته الزوجة والحرفة على الدعوة إلى الله ، لذلك لا بد من التنبيه لقوة الشباب .

عبادة الله عز وجل :

 الموضوع الثاني رمضان ، الله عز وجل خلقنا للعبادة ، قال تعالى :

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( 56 ) ﴾

[ سورة الذاريات]

 والعبادة خضوع هذا الكائن الأول الإنسان إلى منهج الواحد الديان ، خضوع ، يوجد أمر ، ونهي ، ولأنه عبد لله يجب أن يأتمر ، ويجب أن ينتهي ، فإن لم يأتمر ولم ينتهِ كان عبداً لشهواته ، فإما أن تكون عبداً لله أو عبداً لعبد لئيم أو عبداً لشهواتك .
 يا أيها الشاب ! اختر عبادة الله ، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل .

خيار الإنسان مع العلم خيار وجودي :

 لذلك الجماد شيء ، له وزن ، وحجم ، وطول ، وعرض ، وارتفاع ، هذا الجماد يزيد عليه النبات بالنمو ، ويزيد عليها الحيوان بالحركة ، أما الإنسان فطبعاً له علاقة بالجماد ، له وزن ، وحجم ، وطول ، وعرض ، وارتفاع ، وينمو كان صغيراً صار كبيراً ، ويتحرك يمشي ، لكن الله تعالى خصه بالعقل ، بقوة إدراكية ، هذه القوة الإدراكية ما لم يلبها بطلب العلم ، أي علم؟ الذي يعصمه عن أن يخطئ ، ويرفعه إلى الله ، ما لم تلبَّ هذه القوة الإدراكية بطلب العلم هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به .
 الآن دققوا بالقرآن ، أول وصف لمن عزف عن طلب العلم :

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) ﴾

[ سورة النحل]

 ثاني وصف :

﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44) ﴾

[ سورة الفرقان]

 ثالث وصف :

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) ﴾

[ سورة المنافقون]

 رابع وصف كالدابة لا تحمل أثقالها :

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) ﴾

[ سورة الجمعة]

 هذه أوصاف القرآن الكريم ، فأنت مع العلم خيارك لا خيار تحسيني ، بل خيار وجودي ، إن لم تطلب العلم هبطت عن مستوى إنسانيتك إلى مستوى لا يليق بك .

الفرق بين النجاح والفلاح :

 الآن عندي ملاحظة ؛ هناك مصطلح النجاح ، بيل غيتس يملك ثلاثة وتسعين ملياراً ، لكن جوبز ، أبل سبعمئة مليار ، حجم المؤسسة ، هذا اسمه رزق ، الرزق ليس لك إلا ما أكلت فأفنيت ، وتصدقت فأبقيت ، ولبست فأبليت ، هذا الرزق ، ثلاثة بنود للرزق ، بندان ليس لهما أثر مستقبلي ، والكسب له أثر مستقبلي ، وما سوى ذلك كسب ، الكسب تحاسب عليه درهماً درهماً ، والرزق لا تحاسب عليه ، فالبطولة أن تخطط في وقت مبكر إن لم تُخطط يخطط لك .
 إذاً النجاح أحادي ، نجح بكسب المال ، أو نجح بارتقاء منصب ، أو نجح بنيل دكتوراه ، إما قيمة علمية ، أو قيمة إدارية ، أو قيمة مالية ، هذا النجاح ينتهي بالموت ، الموت ينهي قوة القوي ، وضعف الضعيف ، ووسامة الوسيم ، ودمامة الدميم ، وذكاء الذكي ، وغباء الغبي ، إلى آخره ، إلا العلم يستمر بعد الإنسان .

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) ﴾

[ سورة الطور]

 أنا أقول كلمة دقيقة : عندنا خط بياني للإنسان ؛ ولد ، مشى ، فرح الأهل ، تكلم قال : بابا ، حفظ الفاتحة ، دخل حضانة ، ابتدائي ، إعدادي ، ثانوي ، هنا توجيهي في الأردن، في الشام ثانوي ، دخل الجامعة ، دخل لسانس آداب ، أو بكالوريوس علوم ، أخذ دبلوماً عاماً ، ثم دبلوماً خاصاً ، ماجستير ، دكتوراه ، وضع إلى جانب اسمه : د . أخذ وظيفة راقية ، تزوج ، أنجب أولاداً ، أخذ بيتاً بالمصيف ، بيتاً على البحر ، اشترى سيارة ، سافر ، إلى آخره ، جاء ملك الموت ، تفضل ، هذا الخط البياني الصاعد ، إلى قمة النجاح في الحياة ، عند ملك الموت هبط إلى الصفر ، انتهى كل شيء ، جثة هامدة ، في قبر .
 " عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك " .
 إلا إذا كنت طلبت العلم ، ولك أعمال صالحة ، أنت تستمر بعد الموت بحياة أخرى، يأتي المؤمن الموت ، والموت نقطة على خطه الصاعد ، لذلك المؤمنون يقولون يوم القيامة : لم نرَ شراً قط ، بينما غيرهم الذين غرقوا في الملذات ، والنعيم ، والترف ، والأموال الطائلة ، والقوة : لم نرَ خيراً قط ، عش المستقبل ، عش مغادرة الدنيا ، ولو كنت شاباً ، لذلك الشاب ، قيمة الشاب عند الله كبيرة جداً .
 أعيد مرة ثانية ؛ ما من شيء أحبّ إلى الله تعالى من شاب تائب ، الله عز وجل يقول للملائكة : انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي .
 البطولة في الفلاح ، النجاح متاح لمعظم الناس المتفوقين ، يوجد نجاح علمي ، نجاح إداري ، نجاح مالي ، إلى آخره ، أما الفلاح - دقق - أن تعرف الله ، أن تعرف منهجه ، أن تطبق منهجه ، أن تعمل عملاً صالحاً ، أن تدعو إليه ، هذا أول نجاح .
 النجاح الثاني أن تعتني بجسمك ، بطعامك ، بشرابك ، بالرياضة ، أن تعتني بصحتك ، أن تختار زوجة صالحة كما قيل ، تسرك إن نظرت إليها ، وتحفظك إن غبت عنها، وتطيعك إن أمرتها ، أنت بنيت خلية إسلامية ، بيتا إسلامياً ، لا يوجد فيه خطأ ، ولا اختلاط ، ولا شاشات مفتوحة بلا انضباط ، ولا يوجد أولاد متفلتون ، ولا بنات سافرات ، كاسيات عاريات ، لا يوجد لقاءات لا ترضي الله ، لقاءاته كلها إسلامية ، فأنت محاسب عن شيء تملكه ، تملك نفسك ، محاسب عن جوارحك ، تملك هذا البيت أمرك فيه نافذ ، تحاسب عن عملك ، أمرك فيه نافذ ، أنت محاسب عن دوائر ثلاثة ، فلذلك الفلاح شمولي ، نجحت مع الله معرفة ، وعبادة ، وطاعة ، وتقرباً ، وعملاً صالحاً ، ودعوة ، نجحت مع نفسك ، وصحتك ، وقيامك بالواجبات ، والتوازن في الحركات والسكنات ، ونجحت في اختيار زوجتك ، ونجحت في عملك .
 أنت الآن انتقلت من كلمة نجاح إلى فلاح ، ولم ترد كلمة نجاح إطلاقاً في القرآن ، ورد مكانها الفلاح .

﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) ﴾

[ سورة البقرة]

 الآن :

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ( 9 ) ﴾

[ سورة الشمس]

 قرآن ، كلام خالق الأكوان ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) أي حقق النجاحات كلها إن زكى نفسه ، كيف زكاها ؟ عرف أمر الله ، وطبقه ، واستقام على أمره ، وأقبل عليه ، فاشتق منه الكمال ، اشتق منه الحلم ، اشتق منه الرحمة ، اشتق منه الحكمة ، اشتق منه الصواب ، اشتق منه الجرأة ، اشتق منه عزة النفس ، اشتق منه ضبط الأمور ، فعاش حياة سعيدة .

الفرق بين اللذة والسعادة :

 لذلك قالوا : اللذة غير السعادة ، اللذة أي طعام طيب ، بيت واسع ، إطلالة من البيت جميلة ، مركبة فارهة هذه هي اللذة ، اللذة في البدايات يوجد صحة ووقت لكن لا يوجد مال ، اللذة تحتاج إلى صحة ، ومال ، ووقت ، دائماً تنقصك واحدة ، بالبداية يوجد وقت وصحة لكن لا يوجد مال ، بالوسط يوجد مال وصحة لكن لا يوجد وقت ، تقاعد ، صار عنده وقت و مال لكن لا يوجد صحة ، هذه هي الدنيا ، تغر ، وتضر وتمر ، أما إذا عقدت مع الله صلحاً ، واستسلمت إليه ، وأقمت دين الله في بيتك وفي عملك فأنت في سعادة متنامية دائماً .
 لذلك يقول المؤمنون إذا لقوا ربهم : لم نرَ شراً قط ، ويقول أهل الدنيا : لم نرَ خيراً قط ، فخطط قبل أن يخطط لك .

ومضة كونية :

 لذلك : ( قَدْ أَفْلَحَ ) نجح نجاحاً شمولياً ، (مَنْ زَكَّاهَا) عرفها بربها من خلال الآيات الكونية ، والتكوينية ، والدعوية ، الآن الآية تقول :

﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) ﴾

[ سورة آل عمران]

 بأي حديث ؟ معنى هذا الآيات الدالة على عظمة الله ، الآيات الكونية ، الشمس ، والقمر ، والنجوم ، والمجرات ، والسحب ، وخلق الإنسان ، والحيوان ، والنبات .

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ( 190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ﴾

[ سورة آل عمران]

 ومضة كونية : الأرض تدور حول الشمس بمسار إهليلجي ، بيضوي ، هذا الشكل البيضوي له قطران ؛ أطول وأصغر ، الأرض بالقطر الأطول ، تتجه نحو القطر الأصغر طبعاً الجاذبية التي أودعها الله بالأشياء كلها متعلقة بالمسافة والكتلة ، الكتلة ثابتة المسافة اختلفت ، فلما انتقلت إلى القطر الأصغر بالشكل البيضوي يجب أن تزداد الجاذبية ، وإن زادت الجاذبية انجذبت إلى الشمس ، الكلام الذي لا يصدق تتبخر الأرض في ثانية واحدة ، تنتهي الحياة ، ما الذي يحدث ؟ ترفع الأرض سرعتها ، لينشأ من رفع السرعة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة ، تبقى على مسارها .

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (42) ﴾

[ سورة فاطر]

 أن تنحرف ، تتابع سيرها بالقطر الأطول ، فزادت المسافة ، هناك تخفض الأرض سرعتها ، ينشأ من خفض السرعة قوة نابذة أقل ، إلى آخره ، موضوع دقيق جداً .

التفكر بآيات الله :

 لذلك الكون بين أيديكم ، ألف وثلاثمئة آية في القرآن تتحدث عن الكون ، هذه الآيات عناوين موضوعات التفكر ، وأصل التفكر (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ( 190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) .
 أيها الشاب المؤمن ! تفكر في عينيك ، في أذنيك ، في طعامك ، في شرابك ، في نمط الحياة ، في الثمار ، في الخضراوات ، في الجبال ، في الأنهار ، يوجد بالقرآن ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون والإنسان ، هذه الآيات عناوين للتفكر ، هذا التفكر في خلق السماوات والأرض من خلال آياته الكونية ، أما الآيات التكوينية فأفعاله ، مصير الكاذب ، مصير الظالم ، هناك مصائر بالحياة الدنيا ، تفكر في أفعاله أيضاً ، أو تدبر كلامه .

﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) ﴾

[ سورة الأنعام]

 فأنت مع القرآن تدبر ، مع أفعال الله انظر ، ومع خلقه تفكر ، هذه القنوات السالكة لمعرفة الله : " ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء " .

على كل إنسان أن يختار حرفة ينفع بها الأمة وزوجة صالحة تربي أولاده :

 لذلك الذي أتمناه أن تخطط ، إن لم تخطط يُخطط لك ، اختر حرفة تنفع بها الأمة وترضي خالق السماوات والأرض ، اختر زوجة تربي أولادك .

(( عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : تزوجت ، فقال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ما تزوجت ؟ قلت : ثَيِّبا . فقال : مالَكَ وللعذارَى ولِعابِها ؟ وفي حديث مسلم : فأين أنت من العذارى ولِعابها ؟ قال شعبة : فذكرته لعمرو بن دينار فقال : سمعته من جابر ، وإنما قال : ' فَهلا جارية تلاعبها وتلاعبك ؟ ' . وفي رواية قال : ' هَلَكَ أَبي . وترك سَبْعَ - أو تسعَ - بنات . فتزوجت امرأة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : تزوجت يا جابر ؟ قلت : نعم - وذكر الحديث . واعتذاره من نكاحه الثيب - قال : فبارك الله عليك . وعند مسلم قال : أصبت ولم يذكر الدعاء . ولمسلم قال : تزوجتُ امرأة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم . فقال : يا جابر ، تزوجتَ ؟ قلت : نعم . قال : بكراً أم ثيباً ؟ قلت : ثيباً . قال : هَلا بكراً تلاعبها ؟ قال : قلتُ : يا رسول الله ، إِن لي أخوات فخشيتُ أن تُدخِلَ بيني وبينهن . فقال : ذاك إِذا . إِن المرأة تُنكح على دِينها ، ومالها ، وجمالها فعليك بذات الدين تَرِبت يداك ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي]

 المرأة المؤمنة إنسانة أخرى ، متفهمة ، متواضعة ، صبورة ، تعين زوجها ، فلذلك من تزوج المرأة لجمالها أذله الله ، لحسبها زاده الله دناءة ، لمالها أفقره الله :

((فعليك بذات الدين تَرِبت يداك))

 أنا أنور لك الطريق ، اختر حرفة تنفع بها الأمة ، تكسب مالاً حلالاً ، واختر زوجة تربي لك أولادك ، طاهرة ، عفيفة ، فإذا نجحت في معرفة الله أولاً كشاب ، والشباب كما قلنا قوة الأمة ، أمل الأمة ، والشاب حيوي ، عليه أن يستغل هذه السن ، أنت تقدر أن تهمل ، لكن كل سن له ترتيب ، الشاب يستطيع أن يصلي قيام الليل ، أن يمشي ، كلما تقدمت به السن ضعفت قواه ، ومالت نحو الضعف ، فلذلك :

(( عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه : اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ))

[أخرجه الحاكم]

 هذه مقتطفات من كليات الدين .

التحلية والتخلية :

 لذلك الذي أتمناه بشكل دقيق التحلية والتخلية ، هذا الموضع ، أي كأس كريستال ، أنت كأس كريستال ، يوجد كأس كريستال ثمنه آلاف ، أنت المخلوق الأول ، والمكرم ، والمكلف، كأس الكريستال أغلى نوع من الزجاج ، غال جداً ، هذا الكأس فيه مادة آسنة ، شراب متفسخ ، فأنت بطولتك أن تفرغه من هذا الشراب ، هذه اسمها التخلية ، عندك عادات لا ترضي الله ، تنام إلى بعد الفجر ، أحياناً ترد جواباً قاسياً لوالديك ، أحياناً تملأ عينك من محاسن امرأة في الطريق ، هذه كلها أخطاء الشباب ، تقصير الشباب ، فأنت يجب أن تخلي نفسك من كل مخالفة ، من كل كلمة كاذبة ، من كل نظرة آثمة ، من كل علاقة غير طيبة ، هذه اسمها: التخلية ، الوعاء الغالي جداً الكريستال فيه مشروب متفسخ ، عفن ، يجب أن تفرغه من هذا المشروب ، وأن تنظفه ، هذه اسمها التخلية ، الآن املأ هذا الكأس الراقي بعلم ينفعك في الدنيا والآخرة ، بمعرفة الله ، بمنهج الله ، بصحبة الصالحين ، أنت بحاجة إلى حاضنة إيمانية ، مادمت تصاحب أناساً متفلتين لا يوجد أمل بالاستقامة ، عندنا نظام اسمه : الجر ، أي الشد ، أنت جلست مع أخوة أصدقاء ، زملاء ، طلاب ، إن استطاعوا أن يجروك إليهم ، إلى إهمال الصلاة ، إلى إطلاق البصر ، إلى تفلت اللسان ، إلى متابعة الشاشات التي لا ترضي الله إن استطاعوا أن يأخذوك إليهم ابتعد عنهم ، وانجُ بنفسك ، أما إن استطعت أن تشدهم إليك ، إلى طاعة الله ، إلى قراءة القرآن ، إلى غض البصر ، إلى ضبط اللسان ، إلى تحصيل علمي فابقَ معهم ، دائماً وأبداً الصاحب ساحب .
 نحن درسنا بالجامعة بكلية التربية ، الأب موجود موجه ، والأم موجهة ، والخالة ، والعمة ، والعم ، والخال ، وأستاذ المدرسة ، وشيخ الجامع ، كل هذه العناصر التوجيهية تأثيرها بالشباب حوالي أربعين بالمئة ، والصديق السوء يؤثر ستين بالمئة ، أنا أخاطب الآباء أولاً ، يجب أن تعلم يقيناً من هو صاحب ابنك ، أخاطب الأمهات وأن تعلمي يقيناً من هي صاحبة ابنتك ، فأنت اختر المؤمنين ، والأثر النبوي :

(( عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا ، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))

[أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري]

رمضان نقلة نوعية للارتقاء إلى رب الأرض والسماء :

 أنت برمضان غض البصر وضبط اللسان تجربة رائعة ، صليت الفجر بالمسجد ، والعشاء مع التراويح ، وهناك غض بصر ، وضبط لسان ، ولا يوجد كلمة غلط ، ولا غيبة ، ولا نميمة ، ولا شاشة متفلتة ، ولا سهرة مختلطة ، ذقت في رمضان طعم القرب .
 أما أخطر شيء بالحياة فهو أن نعود بعد رمضان إلى ما كنا عليه قبل رمضان ، أقسم لكم بالله ولا أحنث كأنك ما صمت رمضان ، قال عنها شوقي- رحمه الله - لكنه أقسم بالله ما فعلها : رمضان ولى هاتها يا ساقي .
 يجب أن تستمر بعد رمضان على ما كنت عليه في رمضان ، الإفطار يكون للطعام والشراب فقط ، أنت تعلمت ألا تغتاب أحداً ، عدم إطلاق البصر ، عدم الإيقاع بين اثنين ، يوجد مئات المعاصي والآثام في رمضان تركتها ، تستمر هذه الطاعة إلى نهاية العام ، معنى ذلك أنت صمت رمضان ، نحن إذا عدنا بعد رمضان إلى ما كنا قبل رمضان - والله لا أبالغ ، ولا أحنث - كأننا ما صمنا رمضان ، أما رمضان فدرج ، في كل سنة نقلة نوعية ، هذه المرة تركت المعاصي ، الآن عملت الواجبات ، ارتقيت إلى رب الأرض والسماوات ، أصبح لك دعوة هكذا رمضان درج متنام .
أرجو الله أن تحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وأن يزن كل واحد منكم عمله قبل أن توزن عليه ، وعليكم بالجماعة ، وإياكم والفرقة ، وأقول لكم مرة ثانية : أنتم في أمس الحاجة إلى حاضنة إيمانية ، أنت بحاجة إلى صديق مؤمن ، يصلي ، يغض بصره ، يضبط لسانه ، قل لي من تصاحب أقل لك من أنت .

موقع النابلسي من أولى المواقع في العالم وهو متاح للجميع :

 هذه مبادئ بسيطة ، لكن لي ملاحظة أقولها لكم ، أرجو الله عز وجل أن تكون واضحة : الآن عندنا إنجازات مذهلة جداً ، على الآيباد ، هذا الموقع من فضل الله على الآيباد، عندنا بطء بالكهرباء ، الآن أرى على الآيباد موقعاً تقريباً هذا الموقع أول موقع بالعالم ، فيه عشر لغات تقريباً ، وتحب أن تأخذ الموضوع صوتياً ، تسمعه بالسيارة ، أو نصاً تحضره كدرس تلقيه ، أو تراه على الشاشة فيديو ، أو أسئلة وأجوبة ، هذا بين يدي الناس ، الآن أي آيفون ، أي آيباد ، أي كومبيوتر بين أيديكم موقع النابلسي يظهر لكم بشكل دقيق جداً ، وواضح، وفيه كل شيء ، هذا بين أيديكم ، نتواصل من خلاله ، لك سؤال معين ، بأي وقت ، اكتبه يأتيك الجواب بعد حين ، والتواصل ، أي لا يوجد عندنا ومضة ثم هبوطاً ، نريد شيئاً مستمراً ، أفضل أعمالكم أدومها وإن قلت ، لا بد لهذه الآلة من كهرباء ، انقطعت ، الآلة توقفت، فإذا كان هناك وصل مستمر يتنامى هذا الوصل .
أرجو الله أن يحفظ لكم إيمانكم ، وأهلكم ، ومن يلوذ بكم ، ودراستكم ، ومستقبلكم .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور