- محاضرات خارجية
- /
- ٠22ندوات مختلفة - لبنان
أيها الإخوة والأخوات:
في هذه الأمسية الطيبة، في هذه الدار الطيبة بأصحابها وبأهلها وضيوفها، نلتقي في مناسبةٍ كريمةٍ عظيمة مرور خمسة وعشرين عاماً على تأسيس صرح تربوي في هذه المدينة الطيبة مدينتنا صيدا هذا الصرح التربوي عنيت الإيمان الذي أسس من أول يوم على تقوى من الله ورضوان، أسس ليكون محضناً تربوياً لجيل يؤمن بالإسلام ويفكر بالإسلام ويتحرك بالإسلام ويجاهد من أجل الإسلام، مهمة التربية الإسلامية هو الهدف الذي وضعته الإيمان منذ انطلاقتها من أول يوم وعملت على تحقيقه.
هذه الشجرة الطيبة بجهود أصحابها والعاملين فيها التي أصلها ثابت وفرعها في السماء قد آتت أكلها بإذن الله سبحانه وتعالى ومضى عليها ردحاً من الزمن ونحن ننظر ذلك ونرقب ذلك ونحمد الله تعالى على كل ذلك، تربيتنا في عالم متغير، صدقوني ولا أبالغ إن قلت لكم إن أعظم شيء وأشق مهمة في الوجود هي التربية، يمكن لك أن تُخضع أي إنسان بالقهر والقوة ولكن لا يمكن لك أن تقنع إنساناً أن يفعل ما تريد إلا بالتربية، ضيفنا ولا أقول ضيفنا بل نحن ضيوف على مائدته اليوم عالم دمشق ومربيها الداعية الكبير والمربي الفاضل سليل بيت علم وأدب وتقى ولا نزكي على الله أحداً، كلما استمعت إليه أحببته وحسبك أن تسمع إلى رجل كلما استمعت إليه زادك تعلقاً بالله فضيلة الأستاذ المربي الدكتور محمد راتب النابلسي نحن ضيوف على مائدته فليتفضل مشكوراً مأجوراً.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، و على آله و صحبه أجمعين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
أيها الإخوة الأحباب:
بادئ ذي بدء أشكر لكم هذه الدعوة الكريمة وأسأل الله جل جلاله أن أكون عند حسن ظنكم، هذه العلاقة بين المؤمنين من خلق الله عز وجل قال تعالى:
﴿لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾
المؤمنون بعضهم لبعض نصحة متوادون ولو ابتعدت منازلهم، والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون ولو اقتربت منازلهم.
أيها الإخوة الأحباب:
ربنا جل جلاله يقول في محكم تنزيله:
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)﴾
هناك سعي، هناك حركة لأن الله عز وجل أودع في الإنسان شهوات هذه الشهوات هي في الوقت نفسه دوافع فهناك حركةٌ يتحركها الإنسان، السؤال الأول متى تصح هذه الحركة كل إنسانٍ يتحرك في المشرق والمغرب، في أي بلد وفي أي مكان وفي أي زمان يتحرك نحو أهداف رسمها، متى تصح الحركة ؟ قال بعضهم إذا عرف الهدف.
لو أنك ذهبت إلى بلد ونزلت في أحد فنادقه وفي اليوم التالي سألت إلى أين سأذهب نسألك نحن لماذا جئت إلى هنا ؟ إن كنت جئت طالب علم تذهب إلى المعاهد والجامعات، وإن كنت جئت تاجراً تذهب إلى المعامل والمؤسسات، و إن كنت جئت سائحاً تذهب إلى المقاصف والمتنزهات، فالحركة لا تصح إلا إذا عرف الهدف والإنسان لا يسعد إلا إذا جاءت حركته متوافقةً مع هدفه.
لو أن طالباً على مشارف امتحان مصيري أخذه أصدقاؤه إلى متنزه جميل وأطعموه أطيب الطعام لماذا تراه مكتئباً ؟ لأن هذه الحركة لا تتناسب مع هدفه، متى يسعد ؟ إذا جلس في غرفة قميئة وقرأ الكتاب المقرر واستوعبه.
ذلك أن العبادة طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية، أصل العبادة طاعة طوعية، فلو أطعته طاعةً غير طوعيةٍ ما عبدته، ممزوجة بمحبة قلبية، لو أطعته ولم تحبه ما عبدته، لو أحببته ولم تطعه ما عبدته، أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية.
في العبادة جانب معرفي وفي العبادة جانب سلوكي وفي العبادة جانب جمالي، فأي مسلم سار على أحد هذه الخطوط يكون قد تطرف، وأي مسلم مشى على الخطوط الثلاثة معاً يكون قد تفوق، وفرق كبير بين التطرف وبين التفوق، لذلك البشر مقسمون بمقاييس الأرض إلى آلاف الأقسام: دول الشمال، ودول الجنوب، الشرق، والغرب، الدول الغنية و الفقيرة، الشعوب المتقدمة، والشعوب النامية، بحسب الأعراق والأجناس والألوان والأديان والطوائف والملل والنحل، تقسيمات الأرض لا نهاية لها ولكن الله جلت حكمته قسم البشر إلى قسمين لا ثالث لهما، قال تعالى:
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) ﴾
الإنسان مخلوق للحسنى للجنة، مخلوق لجنة عرضها السماوات والأرض فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر إذا آمن الإنسان أنه مخلوق للجنة وأنه في هذه الحياة الدنيا ينبغي أن يستقيم على أمر الله وأن يعمل صالحاً ليكون العمل الصالح ثمن الجنة سلك مسلكاً خاصاً، صدق بالحسنى واتقى أن يعصي الله وبنى حياته على العطاء، لأن الإنسان حينما يأتيه ملك الموت لا يندم إلا على شيء واحد هو العمل الصالح، هذه الزمرة الأولى، أعطى واتقى وصدق بالحسنى، صدق أنه مخلوق للجنة، واتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء من كل شيء رزقه الله، يعطي من علمه، ومن ماله، ومن جاهه، ومن وقته، ومن عضلاته، ومن كل شيء تفضل الله به عليه، هذه خطة المؤمن.
الفريق الآخر كذب بالحسنى، آمن بالدنيا فقط، الدنيا هي كل شيء، ثم استغنى عن طاعة الله، ثم بنى حياته على الأخذ، يبني مجده على أنقاض الآخرين، يبني غناه على فقرهم، يبني أمنه على خوفهم، قد يبني حياته على موتهم.
فهؤلاء البشر فريقان لا ثالث لهما عند الله، أعطى واتقى وصدق بالحسنى، وبخل واستغنى وكذب بالحسنى، الرد الإلهي الذي أعطى واتقى وصدق بالحسنى ييسره ربنا إلى اليسرى، حياته ميسرة، والذي بخل واستغنى وكذب بالحسنى في حياته عسر ما بعده عسر الإحباط والإخفاق والتأديب وما إلى ذلك.
أيها الإخوة الكرام:
لو أن العبد المؤمن سأل نفسه ما مهمتي في هذه الحياة الدنيا ؟ في القرآن الكريم بعض الآيات:
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)﴾
وكأن ثمن الجنة أن تتزكى:
﴿وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)﴾
﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾
ما هي الأمانة ؟ قال بعض العلماء: نفسك التي بين جنبيك جعلها الله أمانةً في عنقك فقد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها، كيف تزكى هذه النفس ؟ هذه موضوعات أساسية في الدين، هذه موضوعات من صلب العقيدة الدينية، ولاشك أن موضوع الحضارة هو التربية ولكن هذا الذي ينبغي أن يربي يجب أن يعلم الحقيقة، يجب أن يضع منهجاً تربوياً وفق هذه الحقائق الآخرة هي الأصل والفوز هو طاعة الله عز وجل.
أيها الإخوة:
ما كلفنا ربنا حمل الأمانة إلا وأعطانا مقوماتها، إن من أهم مقومات حمل الأمانة هذا الكون، هذا الثابت الذي لا يتغير، هذا الكون الذي بين أيدينا الذي جعله الله مظهراً لأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى كل شيء في الكون يدل على الله، كل شيء في الكون يدل على وجوده ويدل على كماله، ويدل على وحدانيته، وفي القرآن الكريم ما يزيد عن ألف وثلاثمئة آية كونية ما سر وجودها في القرآن ؟ إنها موضوعات كي نتفكر بها ومن خلال هذا التفكر نتعرف إلى الله جل جلاله لأنك إن عرفت الله ثم عرفت أمره تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر و لم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر لأن شرف الرسالة من شرف المرسل، وشرف الأمر من شرف الآمر لذلك إذا عرفنا الآمر ثم عرفنا الأمر تفانينا في طاعة الآمر، أما إذا عرفنا الأمر ولم نعرف الآمر تفننا في التفلت من الآمر.
أيها الإخوة الكرام:
في القرآن الكريم ما يزيد عن ألف وثلاثمئة آية لحكمة بالغة بالغة لم يشأ النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرحها إطلاقاً، الحكمة والله أعلم أنه لو شرحها شرحاً مبسطاً يفهمه من حوله لأنكرنا عليه، ولو شرحها شرحاً مفصلاً لأنكر عليه أصحابه، تركت هذه الآيات الكونية في القرآن الكريم ليكون القرآن الكريم معجزةً خالدةً إلى يوم الدين، فكلما تقدم العلم كشف عن جانب من إعجاز القرآن، معجزات الأنبياء السابقين صلوات الله عليهم وسلامه معجزات حسية كعود الثقاب تألقت مرةً ثم انطفأت فأصبحت خبراً يصدقه من يصدقه ويكذبه من يكذبه، ولكن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم هي القرآن الكريم وهو معجزة فكرية علمية عقلية مستمرة إلى يوم القيامة.
قبل سنة أو أكثر إحدى أكبر محطات الفضاء في العالم لها موقع على الإنترنيت نشرت صورةً هذه الصورة لو تأملتها لا تشك لحظةً واحدة أنها وردةٌ جورية، بأوراقها الحمراء الداكنة و وريقاتها الخضراء الزاهية وكأسها الأخضر في الوسط، لا تشك لثانيةً واحدة أنها وردة جورية فإذا قرأت ما كتب تحتها، إنها انفجار لكوكب اسمه عين القط يبعد عنا ثلاثة آلاف سنة ضوئية، إذا قرأت قوله تعالى:
﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)﴾
لا تجد في كل كتب التفسير ما يروي غليلك إلا هذه الصورة فالإمام علي كرم الله وجهه يقول: في القرآن آيات لما تفسر بعد.
أيها الإخوة الأكارم:
في القرآن الكريم آية يقول جل جلاله:
﴿وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)﴾
القرآن يخاطب أمةً تعد السنة القمرية، والقمر كما تعلمون يدور دورةً حول الأرض في الشهر مرة، بحساب بسيط يتقنه طلاب المرحلة الثانوية لو أخذنا مركز الأرض ومركز القمر و وصلنا بينهما بخط لكان هذا الخط نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض وبحساب بسيط نضرب نصف القطر باثنين يكون القطر ضرب البي 3.14 يكون المحيط فبحساب بسيط جداً نحسب محيط الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض، لو ضربنا هذا الرقم باثني عشر لكان الرقم الناتج ما يقطعه القمر في عام في رحلته حول الأرض، لو ضربناه بألف لكان الناتج ما يقطعه القمر في ألف عام في رحلته حول الأرض، يقول تعالى:
﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ(47)﴾
ألف السنة، المسافة التي يقطعها القمر في رحلته حول الأرض، اليوم هو اليوم الزمني لو قسمنا المسافة على الزمن لكانت السرعة، لو قسمنا ما يقطعها القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام على ثواني اليوم لكان الناتج مذهل إنه سرعة الضوء الدقيقة مئتان وتسع وتسعون ألف وسبعمئة واثنين وخمسون، وهي السرعة الضوئية وهي السرعة المطلقة في الأرض، قال تعالى:
﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ(47)﴾
هذه الحقائق هي فحوى النظرية النسبية التي جاء بها أنشتاين وقد عرض هذا البحث وعندي أصله في مؤتمر الإعجاز العلمي الخامس الذي عقد في موسكو.
فكلما تقدم العلم كشف عن جانب من جوانب عظمة الله عز وجل، قال تعالى:
﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾
في جسم الإنسان غدةٌ اسمها الغدة الصعترية إلى سنوات لا تزيد عن عشر أجمع الأطباء على أنه لا وظيفة لها إطلاقاً لأنها غدةٌ صغيرة جداً وهذه الغدة تضمر بعد سنتين، كنت في أمريكا في رحلتي الأخيرة التقيت بطبيب اختصاصه بالغدد فأنبأني عن هذه الغدة الشيء الذي لا يصدق إنها أخطر غدة في جسم الإنسان، هي بمثابة مدرسةٍ حربية بأعلى درجات هذا الوصف، هذه المدرسة يدخلها من جهاز المناعة المكتسب الفرقة المقاتلة.
لمعلوماتكم أن جهاز المناعة المكتسب هو أخطر جهاز في الإنسان، إنه الجيش الذي يدافع عن جسم الإنسان، فيه فرقة استطلاعية، و فرقة لتصنيع السلاح، و فرقة مقاتلة، و فرقة للخدمات، و فية فرقة اسمها فرقة الكوماندوس أو المغاوير، هذه للكشف عن خلايا السرطان بوقت مبكر و التهامها، و هذا جهاز المناعة المكتسب هو شغل العالم اليوم، إن انحراف الإنسان عن منهج الله جعل الله عقابه ضعف هذا الجهاز.
على كلٍ: فرقة من فرق هذا الجهاز هي الفرق المقاتلة تدخل إلى هذه الغدة على أنها مدرسة حربية تتعرف في سنتين على الصديق و العدو، لأنها عنصر معه سلاح خطير فإن لم يعرف من هو الصديق و من هو العدو تكون الطامة الكبرى، فهذه الخلايا كبّرت هذه الغدة أربعون ألف مرة فكان شكل هذه الغدة شكل مدرج روماني، تجلس فيها الخلايا المقاتلة أي الكريات البيضاء على شكل منظم، و تسمى هذه الخلايا الخلايا التائية، بطريقة لا نعرفها تتعلم من هو الصديق و من هو العدو، من بعض وسائل التعلم أن الطفل الصغير أي شيء يقع في يده يضعه في فمه ليتعرف عليه، و من خلال مناعة الأم، و من خلال الأمراض التي يصاب بها بعد سنتين تنضج هذه الخلايا و تعرف من هو الصديق ؟ و من هو العدو ؟ لابد من امتحان هناك مخرج امتحاني يقف عليه فاحصان يفحصان كل كرية بيضاء أتعلمت أم لم تتعلم ؟ تعطى هذه الكرية عنصراً صديقاً فإذا قتلته ترسب و رسوبها يعني قتلها، أو تعطى عنصراً معادياً فإن لم تقتله تقتل و ترسب، بعد أن تتخرج هذه الكريات البيضاء المقاتلة تنتهي مهمة هذه الكلية الحربية و تغلق أبوابها، و تتولى الكريات المتخرجة من هذه الكلية تعليم الأجيال الصاعدة، لكن في عمر يزيد عن الستين يضعف التعليم و ينشأ في الجسم ما يسمى بالخرف المناعي، فهذه الكريات التي في الأصل خلقت كي تدافع عن الجسم تحارب الجسم، و هناك سبعة أمراض تصيب الإنسان بسبب ضعف التعليم المناعي، أو الخرف المناعي، فكأن حرباً أهلية دارت في الجسم، إن التهاب المفاصل من نتائج الحرب الأهلية في الجسم، و في كل شيء له آية تدل على أنه واحد، فهذا الكون بسماواته و أرضه، و بخلق الله عز وجل المتنوع أكبر دليل على وجود الله، و على وحدانيته، و على كماله.
يا أيها الإخوة الكرام:
عبادة التفكر معطلة في معظم البلاد الإسلامية، مع أنك إذا عرفت الله تفانيت في طاعته، أما إذا لم تعرفه تفننت في معصيته، و في البحث عن فتاوى ضعيفة كي تغطي انحرافات المسلم، إذاً عبادة التفكر جزء أساسي من الدين، من أجل أن نعرف الله:
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾
و يتفكرون في خلق السماوات و الأرض و كل أمر في القرآن يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، و هذه قاعدة أصولية، و المسلمون تخلفوا حينما ظنوا أن دينهم خمس عبادات ليس غير، أما حينما يفهمون أن دينهم خمسمئة ألف توجيه و أمر و نهي، و أن دينهم منهج كامل يغطي كل حياتهم، و كل نشاطاتهم، حتى في أدق علاقاتهم الحميمة عندئذ يقطفون ثمار الدين.
فالكون بآياته النيرات دليل على عظمة الله عز وجل.
بين الأرض و القمر ثانية ضوئية واحدة، بين الأرض و الشمس ثماني دقائق، بين الأرض و الشمس مئة و ست و خمسون مليون كيلو متر، و الشمس تكبر الأرض بمليون و ثلاثمئة ألف مرة، أي أن جوف الشمس يتسع لمليون و ثلاثمئة ألف أرض، و بينهما مئة و ست و خمسون مليون كيلو متر، في برج العقرب برج صغير أحمر اللون اسمه قلب العقرب يتسع للأرض و الشمس مع المسافة بينهما:
﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾
أيها الإخوة الأكارم:
بين الأرض و بين القمر ثانية ضوئية واحدة، و بين الأرض و الشمس ثماني دقائق و بين الأرض و نجم القطب أربعة آلاف سنة ضوئية، بين الأرض و بين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، بين الأرض و بين مجرة المرأة المسلسلة مليونا سنة ضوئية، بين الأرض و بين أحدث مجرة و أبعدها عشرين مليار سنة ضوئية، لو أننا أردنا أن نذهب إلى أقرب نجم ملتهب الذي يبعد عنا أربع سنوات ضوئية بمركبة أرضية لاحتجنا إلى خمسين مليون سنة بحساب بسيط جداً يستطيعه أي طالب في المرحلة الثانوية، فمتى نصل إلى مجرةٍ تبعد عنا عشرين مليار سنة ضوئية، قال تعالى:
﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)﴾
لو تعلمون، لذلك:
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
أي أن العلماء وحدهم ولا أحد سواهم يخشى الله:
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ويظل المرء عالماً ما طلب العلم فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل، وطالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، والجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.
أيها الإخوة الأكارم:
هذا مقوم من مقومات التكليف، قال تعالى:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾
الكون، قال تعالى:
﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6)﴾
في شبكيته مئة وثلاثين مليون عصية ومخروط، في رأسه ثلاثمئة ألف شعرة لكل شعرة شريان و وريد وعصب وعضلة وغدة دهنية وغدة صبغية، في دماغه ما يزيد عن مئة وأربعين مليار خلية استنادية لم تعرف وظيفتها بعد، هذا خلق الله عز وجل، هذا الإله العظيم يعصى! هذا الإله العظيم يزهد في طاعته ! هذا الإله العظيم لا يطبق منهجه ! لذلك قال تعالى:
﴿فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45)﴾
وفي آية يوقنون.
أيها الإخوة:
المقوم الثاني هو العقل، العقل أداة معرفة الله، العقل مبني على مبادئ ثلاث، مبدأ السببية، والغائية، وعدم التناقض، العقل متوافق مع الكون، صمم الكون على مبدأ السببية والغائية وعدم التناقض وصمم عقلك على ذلك، فإذا أعملت عقلك في الكون وصلت إلى الله لكن العقل عند أهل السنة والجماعة مهمته قبل النقل التأكد من صحة النقل وبعد النقل فهم النقل، أما أن يكون حكماً على النقل هذا تطرف وغلو في شأن العقل، العقل مهمته قبل النقل أن يتأكد من صحة النقل، وبعد النقل مهمته أن يفهم النقل، ولن يكون العقل حكماً على النقل لأن الحق دائرةً يتقاطع بها أربعة خطوط، و دققوا في كل خط، أربعة خطوط، خط النقل الصحيح، و خط العقل الصريح، و خط الفطرة السليمة، و خط الواقع الموضوعي، فالحق ما جاءنا به النقل الصحيح و ما قبله العقل الصريح و الإمام ابن القيم يرى حتمية تطابق العقل مع النقل، لأن هذه الأشياء الأربعة فروع من أصل واحد هو الله عز وجل، فالنقل كلامه، و العقل مقياس أودعه فينا، و الفطرة مقياس انفعالي أودعه فينا، و الواقع خلقه، لذلك الحق ما تطابق فيه النقل الصحيح مع العقل الصريح مع الفطرة السليمة مع الواقع الموضوعي، و أما الفطرة أروع آية تتحدث عن الفطرة:
﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)﴾
إن النفس الإنسانية مصممة على معرفة سلوكها صواباً كان أم خطأ، لذلك:
﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)﴾
الإثم ما حاك في صدرك و كرهت أن يطلع عليه الناس، فأنت مزود بكون يدل على الله، يدل على وحدانيته و على كماله و على وجوده، و مزود بعقل لو أعملته في خلق الله لأوصلك إلى الله، و مزود بفطرة تكشف بها خطأك، ثم إنك مخير من أجل أن يثمن عملك، لو أن الله أجبرنا على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرنا على المعصية لبطل العقاب، ولو تركنا هملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً وكلف يسيراً ولم يكلف عسيراً وأعطى على القليل كثيراً.
فأنت مخير وفي أي لحظة تتوهم أنك مجبر على عملك فقد فسدت عقيدتك، قال تعالى:
﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3) ﴾
﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)﴾
﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾
هو الإنسان والدليل فاستبقوا الخيرات، فحينما تتوهم أن الله أجبرك على معصيتك فقد فسدت عقيدتك، جيء بشارب خمر إلى سيدنا عمر ابن الخطاب، أراد أن يقيم عليه الحد قال: والله يا أمير المؤمنين إن الله قدر علي ذلك، فقال: أقيموا عليه الحد مرتين مرةً لأنه شرب الخمر ومرةً لأنه افترى على الله، فقال له: ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار.
فالكون أحد مقومات التكليف، والعقل السليم الحر أحد مقومات التكليف، والفطرة السليمة أحد مقومات التكليف، وحرية الاختيار أحد مقومات التكليف.
ثم إن الشهوة، أودع الله فينا الشهوات لنرقى بها مرتين إلى رب الأرض والسماوات لنرقى بها شاكرين، ونرقى بها صابرين، فأية شهوة لك أن تتحرك فيها مئة وثمانين درجة لكن الشرع الحنيف أعطاك سبعين درجة أو ثمانين هذا معنى قوله تعالى:
﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ﴾
لك من المال الكسب الحلال، ولك أن تكسبه حراماً، لك من النساء زوجتك ولك أن تزني، لك من العلو في الأرض أن تطيع الله ولك أن تؤذي الناس فتعلو في الأرض أحياناً.
إذاً أية شهوة أودعها الله فينا جعل لها قناةً نظيفة تسري خلالها كما أن الوقود السائل في السيارة إذا وضع في المستودعات المحكمة وسال في الأنابيب المحكمة وانفجر في الوقت المناسب وفي المكان المناسب ولد حركةً نافعة، فأنت أُودعت فيك الشهوات لكنها حيادية، إنها سلماً ترقى به أو دركات تهوي بها، ما أودع الله فينا الشهوات إلا لنرقى بها، صابرين بامتناعنا عن المنهيات وشاكرين بأخذنا للمباحات إلى رب الأرض والسماوات، وحينما نفهم الدين أن فيه حدوداً لسلامتنا لا قيوداً لحريتنا نكون فقهاء، أنت في حقل تمشي فإذا لوحة كتب عليها انتبه حقل ألغام، هل تحقد على واضع هذه اللوحة ؟ لا والله تشكره، هل تُعَدُّ هذه اللوحة حداً لحريتك في المشي أم ضماناً لسلامتك ؟ إذا فقهت في الدين ترى أن كل أوامر الدين ضمان لسلامتك وليس حداً لحريتك وهذا هو الفقه في الدين.
أيها الإخوة الأحباب:
بقي من مقومات التكليف أن الشريعة هي مقياس المقاييس، فالحسن ما حسنته الشريعة والقبيح ما قبحه الشرع، وقد قال بعض العلماء: الشريعة مصلحة كلها، الشريعة عدل كلها، الشريعة رحمة كلها، الشريعة حكمةٌ كلها، فأية قضية خرجت من العدل إلى الجور ومن الرحمة إلى القسوة، ومن الحكمة إلى خلافها، ومن العدل إلى الجور، فليست من الشريعة ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل.
يا أيها الإخوة الكرام:
بقي أن الله أعطانا قوةً فيما يبدو لكنها في الحقيقة سمح لنا أن نطلب، أعطانا انبعاثاً والله يخلق بفعله حركتنا فنحن مؤاخذون على اختيارنا وعلى انبعاثنا لكن الله عز وجل هو الذي يمدنا بقوة لتحقيق رغباتنا التي اخترناها فالإنسان مهمته في الحياة أن يعبد الله ومهمته أن يزكي نفسه، قال تعالى:
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)﴾
وهذه التزكية تحتاج إلى معرفةٍ بالله من خلال الكون، أو من خلال أفعال الله، أو من خلال كلامه، وتحتاج إلى طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية.
بقي شيء واحد في حياة الإنسان هو الزمن، الحقيقة من أدق تعريفات الإنسان أن الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، وما من فجر ينشق فجره إلا وينادي يا بن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة، لذلك جاء في قوله تعالى:
﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
أقسم الله بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن، أقسم له أنه خاسر، جواب القسم إن الإنسان لفي خسر، لذلك هو خاسر لا محالة إلا في حالة واحدة إذا أنفق الزمن إنفاقاً استهلاكياً فهو خاسر يعني أكل وشرب ونام واستجم، جمع المال وأنفقه على ملذاته وشهواته هذا أنفق الوقت إنفاقاً استهلاكياً، أما إذا أنفق الوقت إنفاقاً استثمارياً بمعنى أنه آمن في هذا الوقت وازداد معرفةً بالله وأطاع الله وعمل صالحاً ودعا إليه وصبر عن الشهوات وعلى الطاعات وعلى قضاء الله وقدره فقد نجا من الخسارة، لذلك الإمام الشافعي قال: هذه السورة لو تدبرها الناس لكفتهم لأن فيها أركان النجاة.
﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
ورد في بعض الأدعية أن لا بورك لي في شروق شمس يوم لم أزدد فيه من الله علماً ولا بورك لي في شروق شمس يوم لم أزدد فيه من الله قرباً.
أيها الإخوة:
هذه مقدمة حول أصول الدين من أجل أن تكون أساساً في مناهجنا الإسلامية، هناك موضوع دقيق من دعا إلى الله الآن نريد أن ندعو إلى الله إن في مساجدنا أو في مدارسنا أو في سهراتنا، في ندواتنا، من دعا إلى الله بمضمون سطحي، بمضمون غير متماسك، من دعا إلى الله بطريقة غير علمية، وبأسلوب غير تربوي، أو من دعا إلى الله بعمق لكن لم يجد المدعو في كلامه مصداقيةً فإن هذا المدعو عند بعض العلماء وأنا معهم لا يعد مُبَلغاً عند الله ويقع إثم تفلته من منهج الله على من دعاه بهذه الطريقة، فالدعوة إلى الله أخطر عمل في الحياة لكن هذه الدعوة تتذبذب من أن تكون صنعة الأنبياء إلى أن تكون عملاً تافهاً لا يستأهل إلا السخرية، إن دعوت إلى الله صادقاً ولم ترتزق من دعوتك، الإمام الشافعي يقول: والله لأن أرتزق بالرقص أفضل من أن أرتزق بالدين. هذا الدين منهج الله، هذا الذي اشترى بآيات الله ثمناً قليلاً أي أراد الدنيا من خلال الدين إنه ينفر ولا يحبب، إنه يبعد ولا يقرب، إنه يثير الجدل ولا يثير الطمأنينة، فلذلك لا نستطيع أن ندعو إلى الله إلا بشروط دقيقة، أن تكون الدعوة بمضمون عميق، أن يقدم الداعي إلى الأمة، أو المدرس إلى طلابه، أو الخطيب إلى رواد مسجده تصوراً صحيحاً، عميقاً، دقيقاً للكون والحياة والإنسان، وأن يقدم منهجاً متكاملاً متناسقاً فحينما ندعو إلى الله بمضمون عميق متماسك وبطريقة علمية وبأسلوب تربوي ويرى المدعو مصداقيةً في الداعية هذا الداعية شرفه الله بقوله تعالى:
﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾
وأنا أجد أننا نحن في حاجة إلى دعوة اسمها الدعوة الصامتة، يمكن أن تكون أكبر داعية وأنت صامت، صدقك دعوة، أمانتك دعوة، إتقان عملك دعوة، تعاونك دعوة، إنكار ذاتك دعوة، لو قرأنا سنة النبي عليه الصلاة والسلام العملية لوجدنا فيها زاداً، سراً وغنياً لما أقول.
أول شيء ندعو بمضمون عميقٍ متماسك، وبأسلوب تربوي، وبطريقة علمية، وأن يكتشف المدعو أننا صادقون في دعوتنا وأننا نطبق ما نقول، فالناس لا يتعلمون بآذانهم بل يتعلمون بعيونهم، ودققوا أيها الإخوة حال داعية صادق في ألف خير من ألف متكلم في واحد يعني داعية يدعو ألفاً بصدق وإخلاص يفعل شيئاً عظيماً فيهم وألف متكلم غير مخلصين لا يحركون شعرةً في طفل، فقالوا: حال واحد في ألف خير من قول ألف في واحد.
سيدنا الصديق جاءته رسالة من سيدنا خالد وكان في معركة نهاوند يستنجد فيها أن يمده بخمسين ألف مقاتل فبعد حين جاءه رجل اسمه القعقاع، واحد قال له: أين المدد ؟ قال له أنا المدد، قال له: أنت قال: أنا وهذا كتاب الخليفة، فتح الكتاب يقول الخليفة رضي الله عنه أحمد الله إليك والله يا خالد إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم وانتصر الجند المسلمون في هذه المعركة بواحد، تجد في عصر الصحابة واحداً كألف، وقد تجد مليوناً في عهود التخلف كأف لأن الله:
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾
بربكم أين الاستخلاف ؟ والله لا استخلاف، أين التمكين ؟ والله لا تمكين، أين التطمين ؟ والله لا تطمين، لا استخلاف ولا تمكين ولا تطمين، والسبب بسيط جداً لأن الآية تقول يعبدونني، فإذا لم ينفذ الفريق الآخر ما عليه من عبادة فالله عز وجل في حل من وعوده الثلاثة.
وشيء بليغ جداً ملمح في الآية خطير أن الله عز وجل يقول:
﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ(55)﴾
الدين الذي سيمكنه لهم مقيد بصفة، ما هي الصفة ؟ الذي ارتضى لهم، فإن لم يمكنهم معنى ذلك أن دينهم لم يرتضِ لهم، فلنبحث أن يكون ديننا ديناً يرتضيه الله لنا لا دين فولكلور، دين استعراضي، دين طرب، دين مظاهر، دين تطبيق، ما لم نقم الإسلام في بيوتنا وما لم نقم الإسلام في أعمالنا، وهاتان المملكتان نحن ملوك فيها، قد تقول الأمر ليس بيدي الجو العام فاسد، ألا تملك بيتك ! ألا تملك عملك ! قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
أيها الإخوة الكرام:
شيء آخر ينبغي أن يثاب المحسن وأن يعاقب المسيء وينبغي أن تكون المبادئ أعظم من الأشخاص، سيدنا عمر أسلم بعهده جبلة بن الأيهم، ملك من ملوك الغساسنة، سيدنا عمر رحب به وفرح به والنبي طلب النخبة، قال عليه والصلاة والسلام:
(( عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ وَكَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ عُمَرُ ))
أسلم هذا الملك اسمه جبلة بن الأيهم في أثناء طوافه حول الكعبة داس بدوي من فزارة طرف ردائه فانخلع رداؤه من كتفه فغضب فالتفت نحو هذا البدوي وضربه على أنفه ضربةً هشمت أنفه، فما كان هذا البدوي إلا أن توجه إلى عمر شاكياً، عمر استدعى هذا الملك وقال له: أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟ قال: لست ممن يكتم شيئاً أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيدي، قال له:
أرضِ الفتى لابد من إرضائه مازال ظفرك عالقاً بدمائه
أو يهشمــــن الآن أنفك وتنال ما فعلتـــه كفك
***
هو يخاطب الملك، قال: كيف ذاك يا أمير ؟ هو سوقة وأنا عرش وتاج كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً ؟ قال له: نزوات الجاهلية ورياح العنجوهية قد دفناها، أقمنا فوقها صرحاً جديداً وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيدا، فقال جبلة: كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني، فقال: عنق المرتد بالسيف تحز عالم نبنيه كل صدع فيه بشبا السيف يداوى وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
هذا هو الإسلام، قال بعضهم معقباً على موقف عمر: لقد ضحى عمر بملك ولم يضحِ بمبدأ، ونحن المسلمين إذا ضحينا بمبادئ من أجل بعض الأشخاص فلا سبيل إلى تماسكنا ولا إلى تفوقنا، كلما كبر الشخص صغر المبدأ وكلما كبر المبدأ صغر الشخص، ضحى بملك ولم يضحِ بمبدأ، فنحن مالم نثب المحسن ونعاقب المسيء كائناً من كان.
أنا زرت بلاداً عديدة كنت في أستراليا وكنت في أمريكا، شيء يؤلمني أشد الألم لماذا رُبط الكفر والفسق والعصيان والخمر والزنا والشذوذ بالنظام والنظافة والشيء الجميل ولماذا قرن أحياناً الدين بالفوضى ؟ والدين بشيء لا ترتاح له العين، من الذي حذف الجمال من الدين ؟ من الذي حذف النظام من الدين ؟
أذكر لكم هذه الواقعة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، كان عليه الصلاة والسلام يأكل التمر أمسك تمرةً في يده و وضعها في فمه فلما أكلها ينبغي أن يمسك بإصبعيه النواة، لو أمسك النواة بإصبعيه ثم أمسك تمرةً أخرى فرآها قاسية فأخذ تمرةً أخرى ما الذي حصل ؟ انتقل لعابه إلى تمرةٍ لم يأكلها أليس كذلك، كان عليه الصلاة والسلام إذا أكل التمر وضع نواتها هنا لتبقى أطراف أصابعه جافةً كي لا ينتقل لعابه إلى التمر، هذه حضارة، لو قرأنا السيرة لوجدنا شيء لا يصدق نظافة، ونظام، وحضارة.
سيدنا أسامة سبعة عشر عاماً يقود جيشاً فيه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، أبو بكر يمشي في ركابه يقول له أسامة بن زيد: يا خليفة رسول الله لتركبن أو لأمشين، قال له: والله لا ركبت ولا نزلت وما علي أن تغبر قدمي ساعةً في سبيل الله.
سيدنا الصديق كان يحلب شياه جيرانه فلما صار خليفةً دخل على جيرانه الحزن لأن هذه الخدمة لن تستمر، في صبيحة اليوم الأول من توليه الخلافة طرق باب جيرانه الأم قالت لابنتها: افتحي الباب يا بنيتي، ثم قالت: من الطارق ؟ قالت: يا أماه جاء حالب الشاة.
سيدنا الصديق جاء ليحلب الشياه وهو خليفة المسلمين، نحن عندنا تاريخ مذهل عندنا قيم، عندنا مبادئ، عندنا سيرة نبوية يمكن أن تكون منهجاً وحدها، نزل النبي صلى الله عليه وسلم في موقع في بدر فجاءه صحابي في أعلى درجات الأدب قال: يا رسول الله هذا الموقع وحي أوحاه الله إليك أم هو الرأي والمشورة ؟ لو كان وحياً ولا كلمة، قال عليه الصلاة والسلام: هو الرأي والمشورة، قال: والله يا رسول الله ليس بموقع.
الآن جيلنا يوجد معه ما يسمى بانفصام الشخصية، هو أمام مناهج تدرس وأمام إعلام آخر فما لم يكن للمسلمين بدائل عن ما يفعله أهل الدنيا أو ما يفعله الطرف الآخر، أنا أسميهم الطرف الآخر، في أول المحاضرة قلت الناس عند الله جهتان فقط أعطى واتقى وصدق بالحسنى، بخل واستغنى وكذب بالحسنى، فهناك معركة أزلية أبدية بين الفريقين من آدم إلى يوم القيامة.
فنحن ما لم نهيئ لأبنائنا بدائل لهذه الحضارة المادية التي أخذت بألباب أطفالنا الأطفال كما سمعتم في هذه الأيام طبعاً هناك بعض المسلمين أفتوا بحرمة بعض الألعاب، أنا أقول: كل ما يأتينا من الغرب أو الشرق معاً هذا يسهم في إفساد عقائد أولادنا، وفي دفعهم إلى إباحيةٍ لا ترضي الله، وفي حملهم على سلوك لا يرضي الله، ينبغي أن نبعدهم والبطولة أن نأتي لهم بالبدائل لابد من البدائل، لابد من مناشط إسلامية، لابد من برامج إسلامية، لابد من قصص إسلامية فإذا تكاسلنا في تقديم البدائل استطاع الطرف الآخر أن يستقطب أبناءنا.
الطفل ولو كان شاباً هو وعاء يغذى كل يوم بتغذية علمانيةٍ إباحية فماذا تنتظر منه لذلك هؤلاء الذين ينشئون المدارس ويوجهون الطلاب هؤلاء لهم عند الله أجر لا يعلمه إلا الله هؤلاء الذين يصلحون إذا فسد الناس هؤلاء لهم عند الله أجر لا يعلمه إلا الله.
أيها الإخوة:
تحدثت عن الدعوة إلى الله بمضمون عميق، وأن نقدم إلى الناس في المدارس والمساجد تصوراً صحيحاً للكون والحياة والإنسان، وأن نقدم المنهج الإسلامي الوسطي دون غلوٍ يميناً أو يساراً، وأن نجعل التطبيق هو الأساس لأنه لولا التطبيق لأصبح الإسلام فولكلوراً وثقافةً، ودعايةً، واستعراضاً، وأن نثيب المحسن ونعاقب المسيء وأن نضحي بالأشخاص لا بالمبادئ هذه بعض ملامح تربية أبنائنا وإخواننا.
ثم لابد من بدائل لكل مناشط الحياة التي جاءتنا عن الغرب، لابد من بدائل والأعداء أقوياء جداً وأذكياء جداً وأغنياء جداً، فلابد من أن نجند الطاقات، نحن الآن عندنا أربعة تحديات تواجه العالم الإسلامي، التحدي الأول هناك من يود إفقارنا، يعني أكبر كتلة نقدية تحولت من الشرق إلى الغرب عقب حرب الخليج، هناك من يسعى لإفقارنا لذلك تأمين فرض عمل وإنشاء مؤسسات إسلامية وكسب المال الحلال يعد أرقى عبادة، كلكم يعلم أن الإنسان مخلوق للعبادة ولكن من أدق مفهومات العبادة أن تعبد الله فيما أقامك وفيما يحتاجه المسلمون فيما أقامك، أقامك غنياً أول عبادة لك إنفاق المال، أقامك عالماً أول عبادة لك تعليم العلم، أقامك قوياً أول عبادة لك إنصاف الضعيف، أقامكِ امرأةً أول عبادةٍ لكِ حسن رعاية زوجك وأولادك الآن وأن تعبد الله فيما يحتاجه المسلمون هناك محاولات لإفقار المسلمين فأي عمل فيه كسب حلال من العبادة، بل إن العمل الذي هو في الأصل مشروع وتسلك به الطرق المشروعة، ولا يمنعك من أداء فريضة أو واجب أو طلب علم ديني وتبتغي به كفاية نفسك وأهلك وخدمة المسلمين هذا العمل ينقلب إلى عبادة، إن عادات المؤمن عبادات وإن عبادات المنافق سيئات عملك، كسب مالك، إطعام أولادك، كفاية أهلك، مد الفقراء بالمال، توظيف الشباب.
سيدنا عمر سأل أحد ولاته قال: ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ قال أقطع يده، قال: إذاً فإن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك، قال له: إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكره، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية.
تأمين فرص العمل المشروع من العبادة، سيدنا عمر كان يتجول في بلدةٍ فإذا كل النشاطات فيها الاقتصادية بيد غير المسلمين فوبخهم توبيخاً عظيماً ثم قال: كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم ؟ التحدي الأول إفقارنا الرد الحقيقي أن نسعى لكسب المال الحلال وأن نكفي الشباب وأن نزوج الشباب وأن نهيئ فرص العمل وأن نوفر البيوت هذا أول تحدي.
التحدي الثاني إشاعة الفساد في حياتنا عن طريق هذه المحطات الفضائية، يعني كنت أقول كلما قل ماء الحياء قل ماء السماء، وكلما رخص لحم النساء غلى لحم الضأن، وكلما اتسعت الصحون على السطوح ديجيتل ضاقت صحون المائدة، قال تعالى:
﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾
التحدي الثاني: إشاعة الفساد، كنت في أستراليا حدثني أخ كريم له بيت مطل على حديقة، جاءت سيارة مدرسة نزهة أو رحلة يوم الأحد ونزلوا في الحديقة شباب وشابات وجرى بينهم ما يجري بين الأزواج أمام الناس، الغرب يريدنا أن نتأقلم بمبادئه، هذه العولمة ما رأيت تعريفاً لها غير الحيونة، أن يكون الإنسان حيواناً.
أيها الإخوة:
عقد مؤتمران للسكان في القاهرة وفي بكين، وكنت عضواً في مناقشة التوصيات قبل أشهر في الشام، الشيء الذي لا يصدق أن توصيات هذا المؤتمر لا تصدق:
أولاً: الزواج هو عقد بين شخصين لا بين ذكر وأنثى، بين شخصين ذكر وذكر أنثى وأنثى، و ذكر وأنثى هذا تعريف الزواج.
ثانياً: الزواج شيء والإنجاب شيء والعلاقة الجنسية شيء.
ثالثاً: الأولاد ينبغي أن يمارسوا الجنس في بيوت آبائهم إلى الأربعين وينبغي أن يدعموا بقوانين تصدر في كل بلد نامٍ.
رابعاً: الإجهاض ينبغي أن يكون مباحاً وآمناً وسليماً.
خامساً: المرأة لها الحق أن تسكن في غير بيت زوجها وأن تعمل ما تشاء وأن تسافر بلا إذن زوجها.
هذه توصيات مؤتمر السكان من أجل أن تنحل أسرنا كما انحلت أسرهم، أحد رؤساء أمريكا قال: إن أربعة أخطار تهدد أمريكا، سبحان الله قفز إلى ذهني الصين مثلاً أو التجمع الأوربي ففوجئت أن هذه الأخطار هي انحلال الأسرة، وشيوع المخدرات، وانتشار الجريمة.
فالهدف الأول إفقارنا، الرد أن نسعى لكسب المال الحلال وأن نوفر فرص العمل الهدف الثاني إشاعة الفساد في شبابنا وشاباتنا، لابد من تيار روحي قوي يقف في وجه هذا الانحلال.
التحدي الثالث: أن يشككونا في أصول ديننا، فكل من يؤصل هذا الدين بالدليل النقلي والعقلي والواقعي والفطري، ويوضح معالمه للشباب فهذا عمل من أفضل الأعمال.
والتحدي الرابع: أن يحتلوا أرضنا لابد من أن نجاهدهم.
هذه تحديات العالم الإسلامي اليوم، وسبحان الله رب ضارةٍ نافعة، الآن القضية الأولى في العالم قضية المسلمين فلعل الله سبحانه وتعالى يريد بنا خيراً لكن أقول لكم هذه الحقيقة الله جل جلاله يدعون إليه بطريقة رائعة بالدعوة البيانية، يعني الإنسان يستمع إلى كلمة، إلى محاضرة، إلى خطبة، يقرأ كتاباً، يستمع إلى شريط، هذه دعوة بيانية سليمة وسالمة، الموقف الكامل منها أن نستجيب إلى الله، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾
فإن لم نستجب سلك بنا بطريقة أخرى التأديب التربوي، قال تعالى:
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) ﴾
إن لم نرجع ولم نتب يوجد طريقة ثالثة، الإكرام الاستدراجي، لعلنا نشكر، لا نشكر القصم.
دعوة بيانية، تأديب تربوي، إكرام استدراجي، قصم، فهنيئاً لمن يستجيب لله عز وجل قبل أن يأتيه التأديب، وهنيئاً لمن يتوب إذا أتاه التأديب قبل أن يأتيه الإكرام الاستدراجي وهنيئاً لمن أتاه الإكرام الاستدراجي فشكر وعاد إلى الله قبل أن يأتيه القصم، هذه مراحل تربوية من قبل الله عز وجل.
آخر شيء أتمنى من كل قلبي على كل المسلمين أن يسلكوا العمل المؤسساتي، أي مدارس، معاهد، مياتم، مستشفيات، مستوصفات، وأن نعتني بمنهج وأسلوب حياتي مرسخ و واقعي حتى أن الشخص إذا جاء أو غاب الطريق هو هو، كلما ارتقت الأمة كان عملها مؤسساتياً، وكلما ضعفت كان عملها شخصياً، فالشخص إذا ولى انتهت دعوته وانتهت مشاريعه وانتهى كل شيء، أما إذا أسس أتباع، أسس أرهاط، أسس أعمدة في حياته هذا الشيء يدعو إلى التفاؤل.
آخر شيء أتمنى أن يُبَسط الإسلام ليكون كالهواء لأن الدين الحاجة إليه أساسية الحاجة إلى الدين أساسية جداً ينبغي أن يكون كالهواء بسيطاً وينبغي أن نعقلنه وأن لا نحارب العقل، لا يمكن للعقل أن يتعارض مع النقل لأنهما من أصل واحد، وأن نطبقه.
نبسطه، ونعقلنه، ونطبقه، فإذا فعلنا أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفع المسلمين وأن يحميهم من أعدائهم وأشكر لكم استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
طبعاً نأخذ نصف ساعة للإجابة عن الأسئلة التي تفضلتم بها أتمنى على أستاذنا الكريم الإجابة على الأسئلة التي وردت إلينا مشكوراً مأجوراً.
س: بسم الله الرحمن الرحيم ما الفرق بين الآيتين الكريمتين: في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون، وفي آية: كان مقداره خمسين ألف سنة ؟
ج: في الآية الثانية لا يوجد كلمة مما تعدون، هذه سرعة الملائكة، أما في الآية الأولى مما تعدون أيها البشر.
س: من خلال الأمثلة التي قدمتها يتضح لنا أن أحدث الاختراعات هي في البلاد الغربية الكافرة فما الحكمة ؟
ج: قال تعالى دققوا: سنريهم، يوجد متكلم هو الله و يوجد مخاطب هم المؤمنون ويوجد غائب. قال تعالى: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم. حتى يتبن لهم أنه الحق، لو أن المسلمين جاؤوا بهذه الآيات لقيل افتعلوها، أما الذي لا يصدق أن الذي يأتي بهذه الآيات لا يعرف القرآن ولا تعنيه آيات القرآن، من أجل أن تكون هذه الآيات مقنعةً جاءت من كفار حينما اكتشف بعض علماء الفضاء أن بين كل بحرين حاجزاً، وهو في الحقيقة تمايز ألوان، ثم دققوا في ذلك وجدوا أن لكل بحر مكوناته، وخصائصه، وملوحته، وكثافته، وأن مياه كل بحر لا يمكن أن تختلط بمياه البحر الآخر، فلما قرأوا قول الله تعالى:
﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21) ﴾
الحكمة لو أن المسلمون جاؤوا بهذه الاختراعات لقيل أنهم افتعلوها ولكن تأتي من قبل أناس لا يعرفون الله، ولا يعرفون القرآن ولا يعنيهم أن يدعموا هذا القرآن، طبعاً هذه من الحكم.
س: ما حكم من يقسم بالله أن أفعل كذا وكذا كأن يتوقف عن التدخين ولا يفي بقسمه ؟
ج: هناك دليل فطري على أن التدخين حرام، هل سمعتم مدخناً في الأرض قبل أن يدخن قال: بسم الله الرحمن الرحيم ؟ وبعد أن دخن قال الحمد لله، الله يديم فضله علينا. التدخين محرم بالدليل العام، قال تعالى:
﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾
مُعلن في كل المحطات عن التدخين شاب وسيم يرتدي كاوبوي ودعايات كثيرة، هذا الشاب نفسه مات سرطان الرئة هو على فراش الموت قال: كنت أكذب عليكم الدخان قتلني، أنا لي موضوع عن الدخان، من فضل الله عشرات بل مئات من المدخنين تابوا وأقلعوا عن التدخين فأرجو الله أن يذاع هذا الموضوع، التدخين خطبة ودرس آتيكم به إن شاء الله.
س: أريد أن تجيبني عن هذا السؤال وأنا لك من الشاكرين، هل الإنسان الذي يقدر على تطبيق السنة من أعمال تعبيرية أو سلوكية من صلوات وملبس ومظهر ومأكل... أم لا يقدر ؟
ج: حينما يقول الله عز وجل:
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ﴾
والذي يحدد الوسع هو الله لا أنت، فما من أمر أمرك الله به إلا وأنت قادر على تطبيقه وإلا تكن الحجة مع الإنسان، ما من أمر أمرك الله به إلا والله عز وجل مكنك من تطبيقه لأنه من عند الخبير وهذا من تعليمات الصانع فلذلك أي أمر تقول أن هذا الأمر بعصر صعب، يوجد نقطة دقيقة أتمنى أن تكون واضحة، أنت حينما تريد أن تطيع الله يعينك الله على ذلك من قوله تعالى:
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) ﴾
أنت تقرأها في الفاتحة كل يوم عشرات المرات، ومعنى هذا أن لا حول لك عن معصية الله إلا بالله، ولا قوة لك على طاعته إلا به، فأنت حينما تستعين بالله، مثلاً سيدنا يوسف ماذا قال ؟
﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) ﴾
معنى هذا أنه يوجد افتقار، والعبودية افتقار لله عز وجل، أنت حينما ترجو الله أن يعينك على طاعته يعينك على طاعته.
س: ما العمل الأول الذي يحب أن يتزود به الداعية إلى الله ؟
ج: قابلت الشيخ الشعراوي رحمه الله في مصر سألته هذا السؤال ماذا تنصح الدعاة وكنت أنتظر أن يتكلم ساعات طويلة حول هذه النصيحة ففوجئت أنه قال كلمةً واحدة، قال ليحذر الداعي أن يراه المدعو على خلاف ما يدعو فقط. لأنه تملك مصداقية فأنت حينما تطبق تشد الناس إليك أما حينما لا تطبق تسهم في أن يكفر الناس بالكلمة، والآن الناس كفروا بالكلمة لأن الكلام رائع جداً أما التطبيق سيء جداً.
س: ما رأيك بدراسة الموسيقا كمادة أساسية، وما تأثيرها على أولادنا ؟
ج: هناك موضوع نشر في لبنان، في مجلة تصدر في بيروت عن الموسيقا رائع جداً، الموضوع طويل مبني على أساس الإيهام، أنت إما أن تستمتع بواقع أو أن تستمتع بوهم فالموسيقا تخلق وهماً أما لو أنك استغنيت عن الموسيقا بواقع مسعد هذا شيء عظيم جداً الموضوع طويل ودقيق ويحتاج إلى محاضرة خاصة موضوع الموسيقا، يمكن أن نزود به الإخوة الكرام هنا في المستقبل، يمكن الإجابة عن سؤال عادي أما سؤال طويل يحتاج إلى محاضرة.
س: ما هو البديل للعب الأطفال ولإشباع رغبته في اللعب ؟
ج: و الله مرة كنت في استنبول، أطلعوني على فيلم كرتون عن محمد الفاتح، و الله بكيت من شدة التأثر، فنحن مقصرون، عوض عن البوكيمون، و الديزني ورد، و الشركات الأجنبية التي تدعو إلى الإباحية و إلى إفساد العقائد و إلى القمار و إلى أشياء لا ترضي الله عز وجل، المفروض المسلمون أن يهيئوا لأولادهم بدائل عن هذه البرامج التي تفسد عقائدهم فالبديل أن ينهض المسلمون لتدارك الموقف.
س: تقول أخت كريمة و السؤال طويل أنها تتأرجح بين أن تكون مطيعة لله و بين أن تأخذها الدنيا ؟
ج: الحقيقة كلما أحطنا أنفسنا بأجواء إيمانية نكون أقرب إلى الله، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) ﴾
الأجواء غير الإيمانية تشدك إلى الدنيا، و الدليل:
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) ﴾
لابد من تكثر من الأجواء الإيمانية، الصاحب ساحب.
س: ما رأيك بالاختلاط ؟
ج: الاختلاط غير مباح، بالعكس هناك توجيهات كثيرة جداً تمنعه في الكتاب و السنة، لأن الله أودع بالرجال محبة النساء، و هناك قناة نظيفة هي الزواج، أما أي ممارسة أو أي إرواء لهذه الرغبة خارج الزواج نكون قد خرجنا عن منهج الله عز وجل، و الثمن باهظ.
س: ما رأيك الشخصي بالتلفاز الإسلامي ؟
ج: الحقيقة هذه الأجهزة تقدم أعمالاً فنية، مضمون الأعمال الفنية غير إسلامي، و القيم غير إسلامية، و الطرح غير إسلامي، فأنت حينما تغذي أبناءك بهذه الأعمال الفنية معنى ذلك أنك تشكلهم تشكيلاً غير إسلامي، خطيب توفي رحمه الله في الشام يقول: أنت تطعم ابنك حليب نيدو يقول هذا حليب بقر، فابنك يصبح يرفس، هي طرفة، لكن حينما تغذي ابنك بثقافة غير إسلامية، بثقافة تدعو إلى الإباحية، و بفكر غير إسلامي مبني على أن الدنيا هي كل شيء ماذا تنتظر منه ؟ يجب أن تنتظر منه كل شيء لا يرضيك، أما حينما تعتني بتربية ابنك، قلت مرة في أمريكا: لو أن لك منصباً ككلينتون و علماً كأينشتاين و ثروة كأوناسيس و لم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس، لا يمكن أن يسعد أب بأولاده إلا إذا كانوا مؤمنين و صادقين لذلك أخطر شيء في العالم الإسلامي تربية الأولاد، نحن كنا في حديقة تقليدية الوحوش في أقفاصها و الزوار طلقاء، الفساد في بؤر محددة، سابقاً قبل خمسين سنة، الآن في حديقة حديثة بإفريقيا الوحوش طلقاء و الزوار إن لم يدخلوا إلى سيارات مصفحة يفترسون، و السيارة المصفحة هي إيمان قوي و مجتمع مؤمن قوي و قيم دينية و تواصل و تعاون.
أرجو الله سبحانه و تعالى أن ينفعنا بما علمنا، أشكر لكم حضوركم و اهتمامكم و إصغاءكم.
س: كيف نزكي أنفسنا ؟
ج: إن مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى فإذا أحب الله العبد منحه خلقاً حسناً بالاتصال الحقيقي بالله عز وجل، إن اتصلت بالرحيم كنت رحيماً، إن اتصلت بالعادل كنت عادلاً، نزكي أنفسنا باتصالنا بالله، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
أكبر ما فيها أن تذكر الله، الدعاء عبادة كيف ؟ أنت الآن في الدنيا تخاطب من تخاطب إنساناً موجود أمامك، تخاطب إنساناً يسمعك، تخاطب إنساناً قادر على حل مشكلتك تخاطب إنساناً يحب أن يقدم لك شيئاً، فأنت حينما تدعو الله مؤمن بوجوده وبأنه يعلم ويسمع وبأنه على كل شيء قدير، وبأنه يحبك ويرحمك، فالدعاء عبادة، الدعاء هو العبادة، والدعاء مخ العبادة.
س: تيارات جارفة تجتاح الشباب المسلم في مدارس و جامعات من فساد و إنترنيت و فضائيات ليس لها أي هدف سوى تدمير الشباب، ماذا تنصح الشباب و الشابات المسلمات ؟
ج: أنصحهم أن يتعرفوا إلى ربهم، و أن يتمسكوا بأهداف دينهم، و أن يحملوا هموم المسلمين، و الله يعتلج في قلب المؤمن المتصل بالله من السعادة ما تغنيه عن كل هذا:
فلو شاهدت عيناك من حسـننا الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنا
و لو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب و جئتنا
و لو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنا
و لو نسمت من قربنا لك نسمة لـّـمُت غريبا و اشتياقاً لقربنا
و لو لاح من أنوارنا لك لائح تركــت جميع الكائنات لأجلنا
فما حبنا سهل و كل من ادعى سهـولته قلنا له: قد جهلتنـا
***
س: نحن من طلاب العلم الكوني، و بعض إخواننا يثبطوننا عن هذا الصنف من العلم بحجة أنه لا يوجد في بلادنا من المصانع و المختبرات ما نعمل فيه، و نفيد المسلمين ؟
ج: الحقيقة طلب العلم الشرعي فرض عين على كل مسلم، أما العلوم الكونية فرض كفاية، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل، أما مسلمون لا يتقنون علوم مهمة في حياتهم آثمون جميعاً.
س: إذا كنت حديثة العهد بالالتزام، أخت كريمة ـ فتاة ـ قالت هدفي و حلمي أن أصبح داعية إلى الإسلام، كيف أكون ؟ و متى يصبح الإنسان مؤثراً في كلامه بهذا المعنى ؟
ج: أنا أقول لكم هذه الكلمة لمجرد أن تطبق ما تقول، و أن تكون مخلصاً في تطبيقك يضع الله لكلامك قوة تأثير عجيبة، أما حينما تتخذ الدعوة إلى الله حرفة، و أنت في واد و الدعوة في واد لن تؤثر بإنسان، التطبيق و الإخلاص يمنح كلامك قوة في التأثير كبيرة.
س: ما هي الشروط التي يصل بها الداعي إلى قلوب الناس ؟
ج: الإحسان قبل البيان، القدوة قبل الدعوة، الأصول قبل الفروع، التربية لا التعرية، هناك قواعد كثيرة إذا عرفها الداعية إلى الله و طبقها وصل إلى قلوب الناس، الدليل:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
أي يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك انعكست ليناً فالتفوا حولك.
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ ﴾
أي تتصل بالله، يمتلئ قلبك رحمة، تنعكس ليناً يلتف الناس حولك، تنقطع عن الله يمتلئ القلب قسوة تنعكس القسوة غلظة و فظاظة فينفض الناس من حولك.
أبداً معادلة رياضية، الآن سيد الخلق، حبيب الحق، المعصوم، الذي يوحى إليه معه المعجزات، مع كل هذه الخصائص أنت يا محمد و لو كنت فظاً، غليظ القلب، مع الوحي لانفضوا من حولك.
الآن الداعية ليس معه وحي، و ليس معصوماً، و غليظ، لماذا الغلاظة ؟ أي سيد الخلق لو كان بكل هذه الخصائص:
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
فكيف بإنسان ليس عنده و لا خصيصة و مع ذلك قال أحدهم لملك: سأعظك بغلظة، قال له: و لما الغلظة يا أخي ؟ لقد أرسل الله من هو خير منك لمن هو شر مني، أرسل موسى إلى فرعون، فقال:
﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ﴾
فإذا كان القول اللين هو سبيل الدعوة إلى الله عز وجل، هناك نقطة دقيقة: أن الداعية لا يستطيع أن يصل لقلوب الناس إلا إذا وضع يده على جراحاتهم، وإلا إذا كان قلبه كبيراً استوعب مشكلاتهم، لأنه أقل ما في الدعوة المعلومات وأكبرها القلب الكبير لأن هذه صنعة الأنبياء، قال تعالى:
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ﴾
س: كيف السبيل للوصول إلى الرضا بقضاء الله عز وجل ؟
ج: العلم، أنت حينما تعلم أن كل شيء وقع أراده الله وأن كل شيء أراده الله وقع وأن إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة وأن حكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق ترضى عن الله رجل يطوف حول الكعبة قال: يا رب هل أنت راض عني ؟ ويمشي وراءه الإمام الشافعي فقال له: يا هذا هل أنت راض عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال له: يا سبحان الله من أنت ؟ قال له أنا محمد بن إدريس، قال له: كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه ! ما هذا الكلام ؟ قال له: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله. لذلك قالوا الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين.
س: إنسان يقع في الذنب ثم يتوب ماذا يفعل ؟
ج: ليس لنا إلا الله عز وجل، نتوب مليون مرة ليس لنا إلا الله عز وجل، إذا الله ما قبل توبتنا ماذا نفعل ؟ قال تعالى:
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾
رجل سرق قُبِض عليه فقال لسيدنا عمر: والله هذه أول مرة، فقال له: كذبت إن الله لا يفضح من أول مرة، فكانت المرة الثامنة.
س: كيف الخشوع في الصلاة ؟
ج: قالوا الخشوع في الصلاة من فرائضها لا من فضائلها، إذا استحضرت عظمة الله عز وجل، أنت أمام إنسان له منصب رفيع تقف معه متأدباً، لا تلهو أمامه، لا تقرأ جريدة أمامه، مع إنسان عادي فكيف أمام الواحد الديان ؟
والحمد لله رب العالمين
اليوم ازددت يقيناً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تضع الملائكة أجنحتها لأهل العلم ؟ فاليوم ازددت يقيناً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشكر باسمكم فضيلة أستاذنا المربي الدكتور محمد راتب النابلسي على ما أفاد وأجاد.
و معنا على الهواء مباشرة فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، فضيلة الشيخ بداية أهلاً وسهلاً بك في بلدك الثاني لبنان، و ما بين صيدا و دمشق تاريخ طويل من المودة و المحبة.
بكم يا أخي أهلاً وسهلاً و مرحباً.
ما هي الكلمة التي تود توجيهها عبر أثير إذاعة المعراج إلى المستمعين في منازلهم ؟
كما يتضح أن كل نظام أرضي انهار و لم يبق إلا الإسلام، و الإسلام هو خلاصنا و هو مبدؤنا، و هو قيمنا، و هو هدفنا، فإذا رجعنا إلى الله عز وجل و اصطلحنا معه فلعل الله عز وجل ينجي المسلمين مما هم فيه.
فضيلة الشيخ من خلال محاضرتك يبدو أن الواجب على الفرد كبير، الفرد المسلم أمام هذه المأساة التي تحصل في العالم واجبه كبير، ما هو السبيل إلى تحقيق هذا الهدف ؟
أول هذا الواجب أن كل مسلم له دائرتان يملكهما بيته و عمله، فإذا أقام الإسلام في بيته و في عمله فقد أدى الذي عليه، و بقي أن الله عز وجل سيحفظه، فإذا أقمت الإسلام فيما تملك كفاك الله مالا تملك.
لا نريد أن نثقل على فضيلة الشيخ، شكراً لكم.
عفواً.