وضع داكن
25-04-2024
Logo
مختلفة- لبنان - المحاضرة : 01 - طرابلس - خلق الإسلام.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
أيها الأخوة الكرام:
 فقول الله عز وجل الذي قرئ قبــل قليـــل:

﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾

( سورة الرعد: 28 )

 الإنسان أيها الأخوة: عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك.
 الجسم غذائه الطعام والشراب، والعقل غذائه العلم، والقلب غذائه الحب.
 والإنسان إذا تحرك في هذه الخطوط الثلاثة، يتفوق، فإذا اقتصر على واحدة منها يتطرف.
 أيها الأخوة الكرام: بادئة ذي بدء، ما من إنسان على وجه الأرض إلا وله مطلبان ثابتان، مستمران.
 المطلب الأول: هو السلامة.
 والمطلب الثاني: هو السعادة.
 المطلب الأول: لا يتحقق إلا بتطبيق منهج الله، لأن الإنسان أعقد آلة في الكون، ومنهج الله تعليمات الصانع، والصانع وحده هو الخبير بهذا الإنسان، فسلامته في طاعة ربه.

 

﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)﴾

 

( سورة الأحزاب: 71 )

 وسعادته في القرب من الله عز وجل، وفي الاتصال به، وفي الإقبال عليه.

 

فلو شاهدت عيناك من حسننــــا  الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنـا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا  خلعت ثياب العجب عنك وجئتنا
ولو ذقت من طعم المحبــة ذرة  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـا
ولو نسمت من قربنا لك نســمة  لمت غريباً واشتياقا لقربنـــــــــا
ولو لاح من أنوارنا لك لائـــح  تركت جميع الكائنات لأجلنــــــا
***

 الإنسان عقل يدرك وغذاءه العلم، وقلب يحب وغذائه القرب من الله عز وجل، وجسم يتحرك غذائه الطعام والشراب.
في الآية الكريمة، لفتة كريمة، وهي أن الله سبحانه وتعالى قال:

 

 

﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾

 ولم يقل تطمئن القلوب بذكر الله، لو أن الآية هكذا، تطمئن القلوب بذكر الله، لكان الإنسان يطمئن قلبه لذكر الله، وبغير ذكر الله، أما حينما قال الله عز وجل:

 

 

﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾

 أي أن الإنسان لا يسعد إلا إذا اتصل بالله عز وجل.
 أيها الأخوة الكرام:
 بادئة ذي بدء، هذا الدين العظيم، إسلامنا ذو مضمون أخلاقي فالإيمان كما قال بعض العلماء: حسن الخلق، ومن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.
 تعالوا أيها الأخوة: نصغي إلى سيدنا جعفر ابن أبي طالب وهو يحدث النجاشي عن الإسلام.
 قال أيها الملك: كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الرحم، ونسيء الجوار، هذه الجاهلية الأولى، حتى بعث الله فينا رجلاً، يقصد النبي عليه الصلاة والسلام، نعرف أمانته، وصدقه، وعفافه، ونسبه، فدعانا إلى الله لنعبده، ونوحده، ونخلع ما كان يعبدوا آبائنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار والكف عن المحارم، والدماء.
 تعريف سيدنا جعفر، للإسلام ؛ تعريف أخلاقي، لذلك حينما قال عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( بني الإسلام على خمس ))

 معنى ذلك أن الإسلام شيء، وهذه الخمس شيء آخر.
 ورد في الأحاديث الشريفة:

 

((أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه الكرام أتدرون من المفلس ؟ قالوا المفلس الذي لا له درهم ولا دينار، قال لا: المفلس من أتى بصلاة، وصيام، وصدقة، وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأكل مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته، طرحوا عليه سيأتيهم، حتى يطرح في النار.))

 قالوا يا رسول الله، إن فلانة تذكر أنها تكثر من صلاتها وصدقتها، وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال:

((هي في النار.))

 أيها الأخوة الكرام:
 الإسلام ذو مضمون أخلاقي، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.
 الله جل جلاله حينما أراد أن يمدح نبيه عليه الصلاة والسلام، في القرآن الكريم بماذا مدحه ؟ كان خطيباً من أعلى الخطباء، وكان عالماً، وكان قائداً، مدحه بخلقه العظيم، قال تعالى:

 

﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) ﴾

 

( سورة القلم: 4 )

 وقد قال الله عز وجل:

 

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

 

( سورة آل عمران: 159 )

 الباء باء السببية، فبسبب رحمة استقرت بقلبك يا محمد، لنت لهم:

 

﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾

 

( سورة آل عمران: 159 )

 أي أن النبي عليه الصلاة والسلام، مع أنه سيد الخلق، وحبيب الحق، وقد عصمه الله، ويوحى إليه، وأتاه الله المعجزات، مع كل هذه الخصائص.

 

﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ﴾

 أيها الأخوة الكرام:
 بادئة ذي بدء، الإسلام ذو مضمون أخلاقي، يقول عليه الصلاة والسلام:

 

((ركعتان من ورع، خير من ألف ركعة من مخلط ركعتان من ورع، خير من ألف ركعة من مخلط ))

 وقد تعلمون، سيدنا العباس رضي الله عنه، كان معتكفاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأى رجلاً علاه الحزن، والكآبة، قال ما بالك ؟ ما لي أراك مهموماً ؟ قال ديون لزمتني، قال لمن ؟ قال لفلان: قال أفتحب أن أكلمه لك: قال إذا شئت: فقام العباس من معتكفه، قال له أحدهم أنسيت أنك معتكف ؟ قال لا والله: ولكنني سمعت صاحب هذا القبر والعهد به قريب، والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير من صيام شهر، واعتكاه في مسجدي هذا.
 هذه النقطة الأولى من المحاضرة: الإسلام ذو مضمون أخلاقي.
 أريد أن أنوه أيها الأخوة:
 أن في الإسلام عبادات تعامليتاً، وعبادات شعائرية.
 العبادات التعاملية، أن تكون صادقاً، أن تكون أميناً، أن تكون منصفاً، أن تكون متقناً، أن تكون واضحاً، أن تكون رحيماً، هذه عبادات تعاملية.
 وأما العبادات الشعائرية فهي: كالصلاة، والصوم، والحج.
 العبادات التعاملية: تشبه العام الدراسي.
 والعبادات الشعائرية: تشبه ساعات الامتحان الثلاث.
 فالذي أمضى العام الدراسي، في دراسة، ومذاكرة، ومراجعة، وبحث ومتابعة، قطف ثمار هذا العمل الجاد، في هذه الساعات الثلاث، ساعات الامتحان.
 أما الذي أمضى عامه الدراسي، عازفاً عن الدراسة، ماذا تصنع له هذه الساعات الثلاث التي يمضيها في عبادة شعائرية ؟ أي أن العبادة الشعائرية لا تقطف ثمارها، إلا إذا أتقنت العبادة التعاملية.
 أيها الأخوة الكرام: ندخل في موضوع آخر، من صلب هذه المحاضرة الإنسان هو المخلوق الأول، لقوله تعالى:

 

﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً(72)﴾

 

( سورة الأحزاب: 72 )

 والإنسان هو المخلوق المكرم، لقوله تعالى:

 

﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)﴾

 

( سورة الإسراء: 70 )

 والإنسان هو المخلوق المكلف، مكلف أن يعبد الله، بل إن عبادة الله، علة وجوده، قال تعالى:

 

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾

 

( سورة الذاريات: 56 )

 والعبادة أيها الأخوة: التي هي علة وجودنا، من تعاريفها الدقيقة، طاعة طوعيه، ممزوجة بمحبة قلبية، فمن أطاع الله ولم يحبه ما عبده، فمن أطاع الله ولم يحبه ما عبده، ومن ادع محبته ولم يطعه ما عبده.

 

تعصي الإله وأنت تظهر حبه  ذاك لعمري في المقال بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته  إن المحب لمن يحب يطيع
***

 طاعة طوعيه، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
 في هذا التعريف الدقيق، كليات ثلاث، كلية معرفية، وكلية سلوكية، وكلية جمالية، الكلية السلوكية هي الأصل، والكلية المعرفية هي السبب، والكلية الجمالية هي الثمرة.
 الأصل أن تطيع الله، ولكن لن تطيعه إلا إذا عرفته، أية دعوة إلى الله، لا تتجه إلى تعريف الطلاب بربهم، وخالقهم، وإلههم هذه دعوة عرجاء، لأنك إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر، تفننت في التفلت من أمره، إن عرفت الأمر ولم تعرف الآمر، تفننت في التفلت من أمره، أما إذا عرفت الآمر، وعرفت الأمر تفانيت في طاعته.
 إذاً، طاعة طوعيه، تسبقها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، وأية دعوة إلى الله، لا تتحرك في الخطوط الثلاثة، إنها دعوة لن تستمر، لأنها فقدت أحد أصولها الثلاثة، لابد من جانب معرفي، ولابد من جانب سلوكي، ولابد من جانب جمالي.
 أيها الأخوة: ما أمرنا الله أن نعبده إلا وأعطانا مقومات هذا التكليف، أول هذه المقومات، كون ينطق بوجوده، ووحدانيته وكماله.
 قال تعالى:

 

 

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾

 

( سورة آل عمران: 190-191 )

﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾

 والمضارع أيها الأخوة يفيد الاستمرار.
 الضوء يقطع في الثانية الواحدة، ثلاثمائة ألف كيلومتر، فكم يقطع بالدقيقة ؟ وكم يقطع في الساعة ؟ وكم يقطع في اليوم ؟ وكم يقطع في السنة ؟ أن أقرب نجم ملتهب إلى الأرض، دققوا، أن أقرب نجم ملتهب إلى الأرض، يبعد عنا أربع سنوات ضوئية، أربع سنوات ضوئية، يبعد عنا أقرب نجم إلى الأرض، لو أردت أن تسير إليه بمركبة أرضية، بعد كم تصل إليه ؟ بحساب بسيط على الآلة الحاسبة إن أقرب نجم ملتهب إلى الأرض، يبعد عنا أربع سنوات ضوئية، فلو أردت أن تصل إليه، تحتاج إلى خمسين مليون عام، أربع سنوات ضوئية تحتاج إلى خمسين مليون عام.
 وسوف أبلغكم الآن أن أحدث مجرة اكتشفت تبعد عنا ثلاثمائة ألف بليون سنة ضوئية ‍‍، ثلاثمائة ألف بليون سنة ضوئية ‍‍.
 قال تعالى:

 

﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)﴾

 

( سورة الوقعة: 75 ـ 76 )

 أحد بروج السماء، أسمه برج العقرب، فيه نجم صغير متألق اسمه قلب العقرب، وقبل أن أخبركم عن حجم هذا النجم، أسوق لكم الحقائق التالية، الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمائة ألف مرة، يعني جوف الشمس، يتسع لمليون وثلاثمائة ألف أرض، وبين الأرض والشمس مائة وستة وخمسون مليون كيلومتر، وهذا النجم الصغير الأحمر، المتألق، الذي أسمه قلب العقرب، يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما، ذلكم الله رب العالمين.

 

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾

 

( سورة يونس: 101 )

﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾

( سورة فصلت: 53 )

 أيها الأخوة الكرام:
 الإنسان ما لم يتعرف إلى الله، من خلال خلقه، الله جل جلاله، له آيات كونية، هو هذا الكون الذي تحت سمعنا وبصرنا وله آيات تكونية، أفعاله، وله آيات قرآنية، كلامه، من خلال آياته الكونية، وآياته التكونية، وآياته القرآنية، نتعرف إليه.
 أول مقوم من مقومات التكليف، أن الله سبحانه وتعالى جعل السماوات والأرض، مظهراً لأسمائه الحسنه، وصفاته الفضلى، فإذا تفكرنا في خلق السماوات والأرض، عرفنا عظمة الله عز وجل.
 الشيء الثاني: هذا العقل الذي أودع الله فينا، أداة معرفة الله له مبادئ ثلاث، مبدأ السببية، ومبدأ الغائية، ومبدأ عدم التناقض ونظام الكون، مبنيٌ على السببية، والغائية، وعدم التناقض، هناك توافق عجيب، بين مبادئ العقل ونظم الكون، فالعقل أداة معرفة الله ومهمة العقل مع النقل، التحقق من صحة النقل، بما أن الدين نقل أخطر ما في النقل صحة النقل، والعقل مهمته أن يتحقق من صحة النقل، أما إذا ثبت له صحة النقل، أو ثبت له صحة النقل، مهمته فهم النقل، ولا يمكن للعقل أن يكون حكم على النقل.
 هناك ثوابت ثلاث، هذا الكون ينطق بوجود الله، ووحدانيته، وكماله.
 وهذا القرآن من خلال إعجازه يؤكد أنه كلام الله، وهذا الإنسان الكامل الذي جاء بهذا القرآن هو رسول الله، هذه الثوابت الثلاث فإذا أمنت بها، صار دور العقل أن يتلقى عن الله، هناك دائرة المحسوسات ؛ أساسها الحواس الخمس، هناك دائرة المعقولات ؛ أساسها العقل، هناك دائرة المسموعات، أو الإخباريات ؛ أساسها الخبر الصادق.
 أيها الأخوة الكرام:
 الشيء إذا ظهرت عينه وآثاره ؛ أداة معرفته الحواس الخمس أما إذا غابت عينه وبقيت آثاره ؛ أساس معرفته العقل، أما إذا غابت عينه وآثاره ؛ أساس معرفته الخبر الصادق.
 فأول مقوم من مقومات التكليف: هو هذا الكون، الذي جعله الله مظهراً لأسمائه الحسنه، وصفاته الفضلى.
 والمقوم الثاني: هو العقل الذي جعله الله مناط التكليف، إن الآيات التي تتحدث عن العقل وعن العلم، تزيد عن ألف آية

 

﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)﴾

 

( سورة ياسين: 68 )

﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ﴾

( سورة الغاشية: 17 )

﴿أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾

( سورة الأنعام: 80 )

 وأما المقوم الثلاث، فهو الفطرة، أن الإنسان جبل جبلة تكشف خطئه ذاتياً.
 قال تعالى:

 

﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)﴾

 

( سورة الشمس: 7 ـ 8 )

 قد يفهم بعضهم هذه الآية فهم جبرياً، معنى الآية، أن النفس البشرية جبلت جبلة كاملة بحيث إذا حاذت عن فطرتها شعرت بضيق وألم، سمه عذاب الضمير، سمه وخذ الضمير، سمه الشعور بالكأبه، سمه مركب النقص، سمه الضيق:

 

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)﴾

 

( سورة طه: 124 ـ 125 ـ 126 )

 فالإنسان فطر فطرة عالية، تكشف خطئه ذاتياً، البر ما أطمئنت إليه النفس، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس.
 أيها الأخوة الكرام:
 الكون أحد مقومات التكليف، والعقل مناط التكليف، أحد مقومات التكليف والفطرة، بقي هذه الشهوات، التي أودعها الله فينا هذه الشهوات حيادية، إما أنها سلم نرقى به، أو دركات نهوي بها هذه الشهوات، نرقى إلى الله بها مرتين، نرقى بها صابرين، ونرقى بها شاكرين، هذه الشهوات كالوقود السائل، إذا وضع في مستودعاته المحكمة، وسار في الأنابيب المحكمة وأنفجر في الوقت المناسب وفي المكان المناسب، ولد حركة نافعة.
 أما إذا خرج عن مساره، وأصاب المركبة شراره أحرق المركبة ومن فيها، فالشهوات، قوى نافعة إذا ضبطت، وقوى مدمرة إذا تفلتت.
 لذلك:

 

﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾

 

( سورة القصص: 50 )

 الإنسان مندفع، مندفع بقوة شهواته فإذا كان له منهج يسير عليه، كان هذا الاندفاع نحو الخير، الشهوات سلم نرقى بها، أو دركات نهوي بها، ما أودع الله فينا الشهوات، إلا لنرقى بها صابرين أو شاكرين إلى رب الأرض والسماوات.
 أيها الأخوة الكرام: لا زلنا في مقومات التكليف، تحدثنا عن الكون الذي سخره الله لنا تسخيرين، تسخير تعريف، وتسخير تكريم.
 نظر النبي عليه الصلاة والسلام إلى هلال فقال:

((هلال خير ورشد.))

 أي شيء بين يديك، أي شيء سخره الله لك، أي شيء تقع عينك عليه أي شيء تراه مسخر الله لك مرتين، تسخير تعريف بالله وتكريم، بل إن مهمة التعريف، أكبر بكثير من مهمة التكريم، لأنك إن عرفت الله من خلال الكون وصلت إلى كل شيء، ابن آدم اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء والله سبحانه وتعالى لا تدركه الأبصار، لكن الله أخبرنا أنه يوم القيامة، ينظر المؤمن إلى ربه .

 

﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)﴾

 

( سورة القيامة: 22)

 أما في الدنيا نحتاج إلى عقل، وإلى نقل، كي نتعرف إلى الله عز وجل، العقل والفطرة والشهوة، بقي الاختيار.
 لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، لو أنه أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، لو أنه تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخيراً، ونهاهن تحذيراً، وكلف يسيراً ولم يكلف عسيراً، وأعطى على الكثير قليلاً، ولم يعصى مغلوباً، ولم يطع مكرهاً.
 أيها الأخوة:
 العمل لا يقيم، إلا إذا كنت، سيدنا عمر، جاءه رجل يشرب الخمر، قال أقيموا عليه الحد، فقال والله يا أمير المؤمنين، إن الله قدر عليّ ذلك فقال رضي الله عنه، وهو عملاق الإسلام، أقيموا عليه الحد مرتين، مرةً لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال ويحك يا هذا، إن قضاء الله لن يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار.

 

﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾

 

( سورة إبراهيم:22 )

﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)﴾

( سورة الأنعام: 184 )

 فحرية الاختيار أساس التكليف، لو ألغينا حرية الاختيار ألغي التكليف وألغي حمل الأمانة، وألغي الثواب، وألغي العقاب، وألغي الوعد والوعيد، وألغيت الجنة والنار، وأصبح إرسال الأنبياء عبثاً، وإنزال الكتب لعباً.
 أيها الأخوة الكرام:

 

﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾

 

( سورة البقرة: 286 )

﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾

( سورة البقرة: 148 )

﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3)﴾

( سورة الإنسان: 3 )

 أيها الأخوة الكرام:
 بقي أن الله سبحانه وتعالى، جعل العقل ميزاناً نسبياً وجعل الفطرة مالم تنطمس ميزاناً نسبياً، لكن الميزان الذي لا يخطئ هو الشرع لذلك قالوا: الحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه الشرع، فإذا جاء العقل بمقولة موافقة للشرع، فعلى العين والرأس، فإن خالف فيها الشرع، لا نعبأ به لآن الأصل هو منهج الله عز وجل الذي اخططه لنا.
 أيها الأخوة الكرام:
 الإنسان في حقيقته زمن، زمن، قال تعالى:

 

﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)﴾

 

( سورة العصر: 1 ـ 2 )

 الإنسان زمن.
 سئلت السيدة رابعة ما الإنسان ؟ قالت: هو بضعت أيام، كلما انقض يوم انقضى بضع منه، الإنسان بضعة أيام، كلما انقض يوم انقضى بضع منه.
 لذلك أقسم الله جل جلاله بالعصر، أي أقسم بمطلق الزمن، لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن، والعصر إن الإنسان لفي خسر، الخسارة هنا محققة والله يقسم بها، طبعاً هناك استثناء، ما الخسارة ؟ وما هي ؟ وما معناها ؟ مضي الزمن وحده، يستهلك الإنسان، مضي الزمن وحده، يستهلك الإنسان.
 فالإنسان كائن متحرك إلى هدف ثابت، كل دقيقة تمر تقربه من هدفه.
 لذلك أكد الله جل جلاله، أن هذا الإنسان في خسارة محققة لأن مضي الزمن يستهلكه، إلا في حالة واحدة، إلا إذا أنفق هذا الزمن، إنفاقاً استثمارياً إن أنفقه إنفاقاً استهلاكياً، فهو في خسارة محققه، أما إذا أنفقه إنفاقاً استثمارياً، بمعنى أنه فعل في الوقت الذي سينقضي عملاً ينفعه بعد انقضاء الوقت، هذا هو الذي يجعل المؤمن فالحاً، ومتفوقاً، وناجحاً، ورابحاً.

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ﴾

 

( سورة الصف: 10 )

 الوجه الثاني من الشريط.
 وقامت بحق زوجها، تدخل جنة ربها، اعلمي أيتها المرأة، وأعلمي من دونك النساء، أن حسن تبعل المرأة زوجها، يعدل الجهاد في سبيل الله، تربية الأولاد من أجل الأعمال الصالحة.
 إتقان العمل من أجل الأعمال الصالحة، بل إن حرفة الإنسان، إذا كانت في الأصل مشروعة، وسلك فيها صاحبها الطرق المشروعة، وابتغى بها اكتفاء نفسه، وكفاية أهله، وخدمة المسلمين، ولم تشغله عن فريضة، ولا عن واجب انقلبت حرفته إلى عمل صالح.
 فالأم في بيتها، تعمل صالحاً، والأب في عمله يعمل صالحاً، والابن في بيت أهله يعمل صالحاً، والإنسان في حرفته يعمل صالحاً.
 لذلك ربنا سبحانه وتعالى يقول:

 

﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾

 الإيمان: وتطبيق منهج الله، والدعوة إلى الله، من خلال هذه الآية يتضح أن التواصي بالحق، أحد أركان النجاة، بل إن الدعوة إلى الله فرض عين وفرض كفاية، فرض عين في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، بلغوا عني ولو آية، الدعوة إلى الله فرض عين بدليل قوله تعالى:

 

 

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)﴾

 

( سورة يوسف: 108 )

 فمن لم يدعوا الله على بصيرة، فهو ليس متبعاً لرسول الله.
 والآية الثانية:

 

﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾

 فالتواصي بالحق أحد أركان النجاة.
 أيها الأخوة الكرام:
 النبي صلى الله عليه وسلم، معصوم بمفردة، عصمه الله في أقواله، وفي أفعاله، وفي كل شيء، أن أقواله، وأفعاله، وأقراره ؛ سنة، بل أن أقواله وحي غير متلو، في رأي علماء الأصول، إلا أن أمته، معصومة بمجموعها.
 فكل مؤمن تفوق في جانب وغاب عنه جانب، المؤمن الآخر، تفوق في جانب وغاب عنه جانب، لذلك المؤمنون متكاملون، وينبغي أن يتعاونوا، قال الله تعالى:

 

 

﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾

 

( سورة المائدة: 2 )

 وحينما قال الله عز وجل:

 

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾

 

( سورة الحجرات: 10 )

 أي مجموع المؤمنين أخوة، الانتماء إلى مجموع المؤمنين، هو حقيقة هذا الدين، أما الانتماء إلى جماعة صغيرة، ومعاداة الجماعات الأخرى، هذا ليس من الدين في شيء، لأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، معصومة بمجموعها.
 لذلك ما أروع قول الإمام الشافعي، نتعاون فيما اتفقنا، ويعذروا بعضنا بعض فيما اختلفنا.
 وقد سمعت قولاً أعجبني، نتعاون فيما اتفقنا، وينصحوا بعضنا بعض فيما اختلفنا، باليسر، بالحكمة، بالموعظة الحسنة.
 أيها الأخوة الكرام:
 إذا دعونا إلى الله، يجب أن يقتدي الناس بأعمالنا، قبل أن يصغوا إلى أقوالنا، لأن القدوة قبل الدعوة، النبي عليه الصلاة والسلام، كان مع أصحابه في سفر، فأرادوا أن يعالجوا شاة، فقال أحدهم عليَ ذبحها، وقال الثاني عليَ سلخها، وقال الثالث عليَ طبخها، وقال عليه الصلاة والسلام وعليَ جمع الحطب، فقالوا نكفيك ذلك يا رسول الله، قال أعلم أنكم تكفونني ذلك:

 

(( ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه.))

 في معركة بدر، الرواحل ثلاثمائة، وأصحابه ألف، قال عليه الصلاة والسلام، كل ثلاثة على راحلة، وأنا وعلي وأبو لبابه على راحلة، ركب النبي الراحلة، فلما جاء دوره في المشي، توسل إليه صاحباه، توسلا إليه، أن يبقى راكباً، فقال عليه الصلاة والسلام:

 

((ما أنتما بأقوى مني على السير، ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر ))

 القدوة قبل الدعوة.
 لعلني أرى، أن للنبي عليه الصلاة والسلام، مهمتين كبيرتين، لكن أكبر مهمة هي القدوة، أذقاه الله طعم الفقر، دخل بيته فلم يجد شيئاً، قال إني صائم، أذقاه الله الغنى، لمن هذا الوادي يا رسول الله، قال هو لك، قال أتهزئ بي، قال لا والله أنه لك، قال أشهد أنك رسول الله، أذقاه الله لذة النصر، فدخل مكة مطقطق الرأس، تواضعاً لله حتى كادت ذآبة عمامته تلامس عنق بعيره، أذقاه الله القهر بالطائف، قال: إلا لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبة حتى ترضى، أذقاه موت الولد، إن العين لتدمع، وأن القلب ليخشع، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإن عليك يا إبراهيم لمحزونون، أذاقاه كل شيء، حتى صار قدوة لنا:

 

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾

 

( سورة الأحزاب: 21 )

 أيها الأخوة الكرام:
 في علم الأصول، ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ما لا تم السنة إلا به فهو سنة.
 حينما قال الله عز وجل:

 

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

 

( سورة الحشر: 7 )

 كيف نأخذ ما أتانا، وننتهي عما عنه نهانا، إلا لم نعرف ماذا أتانا، وماذا نهانا.
 إذاً معرفة سنة النبي القولية فرض عين، وحينما قال الله عز وجل:

 

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾

 كيف يكون النبي أسوة حسنة، إلا لم نعرف سيرته، في بيته مع أصحابه، في سلمه، في حربه، في خاصة نفسه، لذلك معرفة سنة النبي القولية فرض عين، ومعرفة سنة النبي العملية فرض عين.
 القدوة قبل الدعوة، الإحسان قبل البيان، لن تستطيع أن تلقي كلمة قبل أن تحسن إلى من تلقي عليه هذه الكلمة، يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت، على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها، الإحسان قبل البيان، يجب أن تفتح قلوب الناس بإحسانك، قبل أن تفتح عقولهم ببيانك، الإحسان قبل البيان، التربية لا التعرية، ليس القصد أن أعري هذا المدعو، النبي عليه الصلاة والسلام، حينما كان مع أصحابه، وأكل أصحابه لحم جزور، و أرادوا أن يصلوا العصر، قال:

 

 

((كل من أكل لحم جزور فليتوضأ، قالوا كلنا أكلنا لحم جزور، قال كلكم فليتوضأ ))

 فهم من هذا.
 أخوتي الكرام:
 من مبادئ الدعوة إلى الله، كما لخصتها بكلمات موجزه القدوة قبل الدعوة، والإحسان قبل البيان، والتربية لا التعرية، والمضامين لا العناوين، يجب أن نعنى بالمضامين:

 

 

﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ﴾

 

( سورة البقرة: 112 )

 أن تستسلم لأمر الله، وأن تحسن إلى خلق الله.
 الناس رجلان: إنسان عرف الله، فتصل به، فنضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه ؛ فسعد.
 وإنسان حمل نفسه على الجهل، فنقطع عن الله، وتفلت من منهجه، وأساء إلى خلقه ؛ فشقي.
 وليس هناك رجل ثالث، كثرة العناوين لا تقدم ولا تأخر، علينا بالمضامين والمبادئ لا الأشخاص، وكلما كبرت المبادئ، صغر الأشخاص.
 سيد الخلق وحبيب الحق، لما نزلت براءة السيدة عائشة، قال الصديق لأبنته، قومي إلى رسول الله، فاشكريه، قالت والله لا أقوم إلا لله، فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال:

((عرفت الحق لأهله.))

 أيها الأخوة الكرام:
 النبي عليه الصلاة والسلام، أمر أنصاري في سرية، وكان هذا الأنصاري ذا دعابة، أمر بإضرام نار عظيم، وقال اقتحموها ! بعض أصحابه رسول الله ترددوا، كيف نقتحمها ولقد أمنا بالله فراراً منها، فلما عرضوا الأمر على النبي عليه الصلاة والسلام قال:

 

((والله لو اقتحمتموها لا زلتم فيها إلى يوم القيامة، إنما الطاعة في معروف.))

 يعني الطاعة في المعروف فقط، طاعة مطلقة لإنسان من دون منهج يسير عليه، هذه طاعة لا ترضي الله عز وجل، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
 أيها الأخوة الكرام:
 النصيحة لا الفضيحة، إن أردت أن تنصح، فجعل هذه النصيحة بلطف، وبرفق، وبينك وبين المنصوح، أما أن تجعل من هذه النصيحة، فضيحة فهذا ليس من الدعوة إلى الله في شيء.
 كان عليه الصلاة والسلام، لا يواجه أحد بما يكره، كان يصعد المنبر فيقول:

 

((ما بال أقوام يفعلون كذا، وكذا.))

 أيها الأخوة الكرام:
 من أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام، أنه كان يقبل عذر المعتذر، حاطب ابن بلتعة، ارتكب خيانةً عظمة، حينما أعلم قريش أن محمداً سيغزوكم فخذوا حذركم، الوحي أخبر النبي بما فعل حاطب، فجيء بحاطب وأطلع على عمله، وهو الكتاب الذي أرسله إلى قريش، قال يا حاطب: ما حملك على ما فعلت ؟ قال والله يا رسول الله ما كفرت، ولا ارتدت، واعتذر له أنه ليس لسيقاً بقريش، أراد بهذا العمل أنه يضمن، ماله، وأهله، فقال عليه الصلاة والسلام: قال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال:

(( لا يا عمر، إنه شهد بدراً ))

 هذا وفاء النبي، قال النبي الكريم:

((إني صدقته فصدقوه، ولا تقولوا فيه إلا خيراً ))

 وعاد إلى صف الصحابة الكرام، وحسن عمله.
 مبادئ النبي في الدعوة، أساسها الرحمة، أساسها الإنصاف، أساسها اللين، أساسها الحكمة، أساسها القدوة، أساسها الصدق، أساسها التأني.
 لذلك قال بعض العلماء: الشريعة رحمة كلها، عدل كلها، مصلحة كلها أي قضية خرجت من المصلحة، إلى المفسدة، ومن العدل، إلى الظلم، ومن الرحمة إلى خلافها، فليست من الشريعة، ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل.
 أيها الأخوة الكرام:
 في ختام هذه المحاضرة، هناك علم بأمر الله، وهناك علم بخلق الله، وهناك علم بالله.
 العلم بأمر الله، أن تعرف الحلال والحرام، وما يجوز، وما لا يجوز، والمباح، والمندوب، والمستحسن، والكراهة التنزيهية، والتحريمية، وما إلى ذلك، علم الأمر والنهي، هذا لابد منه، ولكن شرط لازم غير كافي.
 وهناك علم بخلق الله، لتعرف الفيزياء، والكيمياء، والفلك، والطب، والهندسة، والرياضيات، والتاريخ، والجغرافية، هذا علم بخلقه، وذاك علم بأمره، العلم بخلقه، وبأمره يحتاج إلى مدارسة، يعني قراءة، وتدريس، ومحاضرات، وكتب، ومتابعة، ومراجعة، وحفظ، وأداء امتحانات، ونيل شهادات، هذا علم بأمر الله
 وأما العلم بالله، فشيء آخر، العلم بالله يحتاج إلى تفكر في خلق السماوات والأرض، يحتاج إلى تفكر في أفعال الله، يحتاج تدبر لكتاب الله، ويحتاج إلى مجاهدة، للإمام الغزالي يقول: جاهد تشاهد، القرآن تأخذ ألفاظه من حفاظه، وتأخذ معانيه ممن يعانيه.
 معرفة أمر الله، وخلق الله تبقى في الدماغ، ولا علاقة لها بالنفس، لكن معرفة الله ثمنها باهظ، ونتائجها باهرة، ثمنها باهظ، مجاهدة، نتائجها باهرة، تسو بالنفس، فتصبح كاملةً تصلح لجنة الله عز وجل.
 فلذلك نحن بحاجة إلى أن نضيف إلى معرفتنا بأمر الله، معرفتنا بالله كما قلت قبل قليل، لابد من أن نتحرك على خطين، أن نعرف الله من خلال خلقه، ومن خلال أفعاله، ومن خلال كتابه، وأن نجاهد أنفسنا لنسمو إليه، وأن نتعرف إلى أمره، أنت بالكون تعرفه، وبالشرع تعبده.
 أرجو الله سبحانه وتعالى، أن أكون قد أديت شيئاً مما طمحتم إليه، والله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا، وشكراً لإصغائكم
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

إخفاء الصور