وضع داكن
24-04-2024
Logo
مختلفة - الأردن - المحاضرة : 64 - مؤسسة مدارج – كيف نستقبل رمضان؟
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
 شهر رمضان شهر الصيام والقيام ، وتلاوة القرآن ، شهر رمضان هو شهر العتق والغفران ، شهر رمضان شهر الصدقات والإحسان ، شهر تفتح فيه أبواب الجنان ، وتضاعف فيه الحسنات ، وتقال فيه العثرات ، شهر تجاب فيه الدعوات ، وترفع فيه الدرجات ، وتغفر فيه السيئات ، اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان ، مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، وهذه المحاضرة كيف نستقبل رمضان ؟

رمضان عبادة الإخلاص :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 هناك حقائق لا بد من أن تكون مقدمة لهذا السؤال الدقيق جداً ، أولاً : الإنسان علة وجوده العبادة .

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( 56 ) ﴾

[ سورة الذاريات]

 أي سبب وجوده ، العبادة خضوع هذا الإنسان ، الأول ، المكلف ، المفضل ، المكرم إلى منهج الله ، الله عز وجل هو الخبير ، افعل ولا تفعل ، عنده شهوات ، عنده علاقة بالنساء ، يوجد زواج وزنا ، عمل وسرقة ، الشهوات واسعة ، والله جعل لكل شهوة قناة نظيفة طاهرة ، فلابد من طلب العلم حتى يتحرك الإنسان بدافع شهواته وفق منهج الله عز وجل ، الشهوات لولاها ما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات ، الشهوات تنضبط بمنهج الله بل ما من شهوة أودعت في الإنسان إلا جعل الله لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها .
 فنحن على مدار العام عندنا عبادة بكسب المال ، بإنفاق المال ، باختيار الزوجة، باختيار الحرفة ، المهنة ، تربية الأولاد ، بنود لا تنتهي ، هذا الدين ، الدين منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، العبادة في أحد عشر شهراً عادية ، لكن برمضان العبادة مكثفة ، العبادة استثنائية ، أنت خارج رمضان تدع الحرام ، أما في رمضان إضافة إلى ترك الحرام تدع الطعام والشراب ، ليكون لك نافذة إلى الله ، الإنسان عندما يمتنع عن شيء مباح كأن له مع الله نافذة ، الإنسان دخل لبيته في أيام الصيف الحارة ، والثلاجة تمتلئ بالعصير والماء البارد ، لا يستطيع أن يضع في فمه قطرة ماء ، فرمضان عبادة الإخلاص ، لا أحد في البيت يراك ، ومع ذلك لا تستطيع أن تضع في فمك قطرة ماء .

رمضان نقلة نوعية فهو شهر العبادة والمحبة :

 الحقيقة أن رمضان شهر استثنائي ، دُعيت إلى ترك الطعام والشراب ، دُعيت إلى صلاة الليل ، التراويح عشرون ركعة ، أو ثماني ، الفجر في المسجد ، يوجد غض بصر ، وضبط شاشة ، وضبط لسان ، وضبط لقاءات ، فهذا الشهر نقلة نوعية ، قفزة إلى الله نوعية أيضاً ، أي اصطلح مع الله في هذا الشهر ، فرمضان شهر العبادة ، شهر المحبة ، شهر صلة الرحم ، شهر الإنفاق ، شهر القرآن ، لكن مع الأسف الشديد بلادنا الإسلامية لا أقول النخبة ، عامة الناس انقلب هذا الشهر إلى ولائم ، وإلى مسلسلات ، وكأن هذا الشهر فُرغ من مضمونه ، هذا الشهر أراده الله نقلة نوعية إليه ، صلحاً مع الله ، إقبالاً ، اتصالاً بالله ، أعمالاً صالحة ، إنفاق المال ، رعاية المساكين ، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، اختصر ومسخ إلى مسلسلات ، وإلى ولائم ، ليس هذا هو الشهر ، الشهر فيه ضبط اللسان ضبطاً كاملاً ، ضبط السمع لا غناء ، ولا شيء ، طبعاً برمضان ، وبعد رمضان ، لكن الله عز وجل أرادنا في هذا الشهر أن نحكم انضباطنا حتى نقطف ثمار الطاعة ، فإذا قطفنا ثمار الطاعة تمنينا أن تدوم ، لذلك بعد العيد لا تفطر إلا أفواهنا فقط ، ونبقى على الانضباط طوال العام ، كأن رمضان قفزة نوعية ، أما لو عدنا بعد رمضان إلى ما كنا قبل رمضان والله لا أبالغ كأننا ما صمنا رمضان .

رمضان ولى هاتها يا ساقي  مشتاقةً تسعى إلى مشتاقِ
***

 كأننا ما صمنا رمضان ، رمضان تركنا هذه الأمور درجة ، رمضان الثاني درجة أعلى ، أعلى ، درج متنام متصاعد ، هذا التخطيط الإلهي لهذا الشهر ، صلح مع الله ، إقبال على الله ، إنفاق المال في سبيل الله ، رعاية الأيتام ، اهتمام بالعلم ، طلب العلم ، أراد الله أن يذيقك من ثمرات قربه .
 الناس الآن عاشوا وحل الأرض ، مصالح وشهوات ، الذي يحرك الناس الآن المصالح والشهوات ، أراد الله في هذا الشهر أن نتطلع إلى وحي السماء ، عظمة الله عز وجل ، جلاله ، والإقبال عليه معرفته ، خدمة عباده ، إنفاق المال في سبيله ، رعاية الأيتام ، صلة الرحم ، له أخت في طرف المدينة الآخر ، زارها في رمضان ، جبراً لخاطرها ، كأن رمضان شهر طاعات ، شهر صلة الرحم ، شهر إنفاق المال ، شهر القرآن ، شهر القرب من الله ، شهر التراويح ، شهر الفجر بالمسجد .
 " من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي ، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح " .
 أتمنى أن يكون رمضان نقلة نوعية خصوصية دقيقة جداً ، حتى نذوق طعم القرب من الله ، حتى نذوق عظمة الله عز وجل ، حتى نتابع بعد رمضان ما كنا في رمضان ، ولا يفطر منا إلا الفم ، والفم فقط ، أما بعد رمضان فهناك استقامة ، انضباط ، إنفاق مشروع ، لا يوجد اختلاط ، لا يوجد شاشة مفتوحة ، كل هذه المعاصي الخفيفة تحجبنا عن الله عز وجل .
 أضرب مثلاً دقيقاً : بيت فيه جميع الأجهزة الكهربائية ، الغالية جداً ، لكن لا يوجد كهرباء ، كل هذه الأجهزة كتل بلاستيكية لا تقدم ولا تؤخر ، الآن الشاهد : لو قطعنا التيار العام ميليمتراً واحداً أو متراً ، المفعول واحد ، معقول الإنسان بفعل الصغائر حجب عن الله ، طبعاً لا يوجد بيت بمعظم بيوت المسلمين فيه خمر ، أو زنا ، أو قمار ، أو قتل مثلاً ، أما هذه الصغائر فمفعولها كالكبائر .
 للتقريب : إنسان راكب سيارته ، يمشي بطريق فرضاً عرضه ستين متراً ، وهو يمشي بالوسط ، عن يمين هذا الطريق وادٍ سحيق ، وعن يساره وادٍ سحيق ، طريق جبلي ، لو حرك المقود سنتيمتراً واحداً ، وثبت هذا التحريك للوادي ، لا صغيرة مع الإصرار .

من أخلّ بما كلف به من عبادة فالله جلّ جلاله في حلّ من وعوده الثلاث :

 أكثر مخالفات المسلمين الآن الصغائر وليس بالكبائر ، ومع ذلك فقدنا الصلة بالله عز وجل ، فقدنا وعد الله بالنصر ، عندنا حالة نعاني منها جداً ؛ الطرف الآخر قوي جداً ، ومتحكم فينا .

﴿ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141) ﴾

[ سورة النساء]

 لهم الآن علينا ألف سبيلٍ وسبيل ، عندنا مشكلة كبيرة .

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) ﴾

[ سورة النور]

 وعد إلهي ، وزوال الكون أهون على من ألا يحقق وعوده للمؤمنين : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) كلمة واحدة مفتاح الآيات: ( يَعْبُدُونَنِي ) .
 العبادة ؛ طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
 فإذا أخلّ الطرف الآخر بما كلف به من عبادة فالله جلّ جلاله في حلّ من وعوده الثلاث ، فلذلك قضية مصيرية ، ليست قضية تحسينية ، تجميلية ، قضية نكون أو لا نكون ، وينبغي أن نكون بطاعة الواحد الديان .
 طفل صغير أعطاه عمه وخاله كل واحد خمسين ديناراً ، صار معه مئتا دينار ، يقول لخاله : معي مبلغ عظيم ، عظيم من طفل تعني مئتي دينار ، فإذا قال مسؤول كبير في دولة عظمى : أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً أي أعددنا مئتي مليار ، فإذا قال الله عز وجل :

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113) ﴾

[ سورة النساء]

 شيء دقيق جداً : (وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) الله إذا أعطى أدهش .

بطولة الإنسان أن يؤمن بالله العظيم :

﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (32) إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) ﴾

[ سورة الحاقة]

 آمن بالله لكن ما آمن بالله عظيماً : (إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) ضع تحت كلمة عظيم عشرة خطوط ، فالبطولة أن نؤمن بالله العظيم ، ومتى نؤمن بالله العظيم ؟ إذا حملنا الإيمان على طاعته ، فإن لم يحملنا على طاعته الإيمان ناقص لا يكفي للنجاة ، القضية خطيرة نكون أو لا نكون ، الدين خطير .
" إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذون دينكم ، ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذي مالوا" .

حاجة كل مؤمن إلى حاضنة إيمانية :

 لكن أنا مضطر أذكر أشياء دقيقة : الإنسان أحياناً يشكو ، جاء إلى المسجد استمع إلى درس تأثرَ تأثراً بالغاً ، يعود إلى البيت يعود إلى ما كان عليه ، من تقصير ، عبادات شكلية، أشياء كثيرة جداً من الجفاء مع الله عز وجل ، يقول لك : ماذا أفعل ؟ عندي جواب دقيق، الله عز وجل قال :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) ﴾

[ سورة التوبة]

 المؤمن بحاجة إلى حاضنة إيمانية ، إلى جلسة مع مؤمنين ، سهرة مع مؤمنين ، نزهة مع مؤمنين ، صادقين ، موحدين ، يصلون ، يصومون ، دخلهم حلال ، إنفاقهم حلال ، بيوتهم منضبطة ، بنات محجبات ، الشباب مؤمنين ، لا بد من صحبة صالحة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) هي الحاضنة الإيمانية .
آية أوضح :

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) ﴾

[ سورة الكهف]

 (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ) يوجد ملمح دقيق لغوي : معنى ( أَغْفَلْنَا) ؛ لا تعني إطلاقاً من جعلناه غافلاً ، تنشأ مشكلة عقدية كبيرة جداً ، هذا الفعل يعني وجدناه غافلاً ، عاشرت القوم فما أبخلتهم ، أي ما وجدتهم بخلاء ، عاشرت القوم فما أجبنتهم ، ما وجدتهم جبناء (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) .
 إذاً نحتاج إلى حاضنة إيمانية ، إلى طلب علم ، وحاضنة إيمانية ، إن لم تقل بعد طلب العلم ، وتطبيقه ، وأن تكون مع حاضنة إيمانية : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني هناك مشكلة كبيرة .
 "إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذون دينكم ، ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذي مالوا" .

رمضان شهر الصفاء والإقبال على الله عز وجل :

 عندك عقيدة ، أيديولوجيا ، فكر ، تصور ، وعندك شيء آخر حركة ، السلبية استقامة ، والإيجابية عمل صالح ، هذا كله يفهم قبل رمضان ، يأتي هذا الشهر تاجاً لإيمانك، تاجاً لقربك من الله ، تاجاً لتوفيقك ، تاجاً لتحقيق هدف الصيام ، نقلة نوعية من حال إلى حال، من مقام إلى مقام ، من تقصير إلى اجتهاد ، من تفلت إلى انضباط ، من إعراض إلى إقبال، هذا رمضان ، شهر القرب ، شهر الحب ، شهر الإنفاق ، شهر العمل الصالح ، شهر صلة الأرحام ، شهر عبادة الواحد الديان ، إذاً لا بد من استقامة ، أما إذا اكتفينا بالصيام بترك الطعام والشراب ، فهذا الصيام لا يرفع عند الله إطلاقاً ، صيام لغير المؤمنين ، أي عادات وتقاليد ، مع الأسف الشديد هذا رمضان شهر الولائم ، كل يوم يوجد وليمة ، وشهر السهرات الطويلة ، والمسلسلات ، فإذا كان رمضان شهر مسلسلات ، وسهرات ، وولائم ، وطعام ، وشراب نفيس، فُرغ هذا الشهر من مضمونه كلياً ، بقي شهر مناسبات ، شهر تجاوزات ، أما رمضان فشهر عبادات ، شهر إقبال على الله ، شهر التوبة النصوح ، إذا تاب العبد توبة نصوحة أنسى الله حافظيه ، والملائكة ، وبقاع الأرض كلها خطاياه ، وذنوبه .
 برمضان يوجد تراويح ، قيام الليل ، وهناك الفجر بالمسجد .
 " من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي ، ومن صلى العشاء - وبرمضان مع التراويح - في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح " .
 ما قولك ؟ أنت في رمضان في الأربعة والعشرين ساعة في ذمة الله ، أي في رعاية الله ، في حفظ الله ، في توفيق الله ، في التألق مع الله ، في الإقبال على الله ، شهر القرب ، التوفيق ، فلذلك لابد من ضبط النفس ، أنا أتمنى قبل رمضان إن كان هناك مشكلات عائلية نحلها ، مشكلات اجتماعية نحلها قبل رمضان ، مشكلة مع شريكنا بالمحل نحلها ، أي مشكلة اقتصادية ، اجتماعية ، أسرية ، تحل قبل رمضان ، إذا كانت القضية لا حل لها تؤجل لبعد رمضان ، حتى يبقى رمضان شهر الصفاء والإقبال على الله عز وجل ، شهر القرب من الله عز وجل ، والعمل الصالح .
 هناك نص دقيق جداً : كان سيدنا ابن عباس معتكفاً في رمضان ، بعد أن كان معتكفاً يوجد إنسان بحاجة ماسة إلى المال ، عليه دين كبير ، قال له : أتحب أن نكلمه لك ؟ شكا له همه ، قال له : إن شئت ، فقام ابن عباس من معتكفه ، معتكف ! والاعتكاف أعلى عبادة في رمضان ، قال له إنسان فضولي : يا بن عباس ! أنسيت أنك معتكف ؟ قال له : لا والله ما نسيت ، ولكن سمعت صاحب هذا القبر ، وأشار إلى النبي الكريم ، والعهد به قريب : والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر ، واعتكافي في مسجدي هذا .

الدين سبب وجودنا :

 أذكر أن أحد علماء الشام الكبار بدر الدين الحسني ، يمشي في طريقه إلى جامع الأموي عنده درس ، امرأة استوقفته في المرجة ، وكبت على قدميه وقبلتهما ، قالت له : زوجي غداً سيعدم - القصة بعهد عبد الحميد- إعداماً فرارياً ، لأنه ترك الخدمة الإلزامية ، فترك الدرس وتوجه إلى مكان الأمير ، وعندما دخل إليه ، قال له : والله ما بيدي الأمر ، عندنا محكوم بالإعدام ونحتاج إلى موافقة من عبد الحميد ، من السلطان ، قال له : أنا أخبره ، اتصل به هذا العالم الجليل ، قال له : هو هو ؟ قال له : هو هو ، قال له : اعف عن أحد عشر شخصاً محكومين بالإعدام .
 كان العالم له مقام كبير جداً ، بدر الدين الحسني هذا شيخ الشام الأول ، أحد عشر شخصاً محكومين بالإعدام ، فلما جاء هذا العالم إلى مكان الوالي ، والوالي اتصل بالسلطان صدر العفو عنهم جميعاً ، فكلما كان العالم بعيداً عن الدنيا ، قريباً من الله عز وجل له مكانة كبيرة ، فلذلك موضوع الدين شيء أساسي بحياتنا ، الدين هو سبب وجودنا .

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ( 56 ) ﴾

[ سورة الذاريات]

 والعبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
 فالعقيدة جانب ، والحركة جانب ، الاستقامة ، والعمل الصالح برمضان يوجد ضبط لكل شيء برمضان وبعد رمضان ، والعمل الصالح سمي صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ، بقي عنا جانب عقدي فكري ، وجانب حركي سلوكي ، وجانب ثمري .
 التراويح ؛ أنت تقرأ ، تقف ، طبعاً أعظم قراءة قرآن أن تقرأه واقفاً في صلاة ، أنت تقرأ في رمضان آيات كثيرة ، والتراويح عبارة عن عشرين ركعة أو ثماني ركعات ، كلاهما مقبول، ورمضان مناسبة القرب من الله ، الإقبال على الله ، العمل الصالح ، صلة الأرحام ، من هو المتحسر ؟ من مضى رمضان ولم يلتحق مع الواحد الديان ، ما أقبل عليه ، ما جعل همه الأول معرفته .
 " ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء" .
 فلذلك لا بد من فتح صفحة جديدة مع الله برمضان ، لابد من عمل صالح ترقى به، لابد من إنفاق المال ، ولاسيما الزكاة ، أنا أتمنى أن تؤدى الزكاة في أول رمضان ، لماذا ؟ حتى يؤمن حاجاته ، أما يوم العيد نعطيه الزكاة فما استفدنا منها شيئاً ، يحتاج إلى ملابس لأولاده ، إلى مؤونة للبيت ، فلابد من الحكمة .

الحكمة أكبر عطاء إلهي على الإطلاق :

 لي كلمة دقيقة ، الله قال :

﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) ﴾

[ سورة الطلاق]

 الحكمة أكبر عطاء إلهي على الإطلاق ، أنت بالحكمة تجعل العدو صديقاً ، بالحكمة تسعد بأي زوجة ، بالحكمة تعيش بمال محدود ، بلا حكمة تشقى بأفضل زوجة ، بلا حكمة تبدد المال الكثير ، بلا حكمة تجعل الصديق عدواً ، أكبر عطاء إلهي ، والحكمة لا تؤخذ ولا تكون بل تؤتى من الله ، (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ) إذا الله عز وجل برمضان أكرمك بالحكمة ، بعلاقاتك بزوجتك ، بأولادك ، بأصهارك ، بكنائنك ، بجيرانك ، بوالديك ، بأقربائك ، بمدير المحل ، بمدير المؤسسة ، هذه الحكمة أكبر عطاء إلهي (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ) فرمضان نقلة نوعية ليس نقلة عددية ، نقلة نوعية ، من ضياع إلى إقبال ، من تقصير إلى تفوق ، من شرود إلى تحديد .
 " ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء".

الصلاة عماد الدين وعصام اليقين :

 لكن أهم شيء برمضان الصلاة ، يوجد أثر قدسي دقيق :
 "ليس كل مصل يصلي ، إنما أتقبل الصلاة ممَّن تواضع لعظمتي ، وكفَّ شهواته عن محارمي ، ولم يصرَّ على معصيتي ، وأطعم الجائع ، وكسا العُريان ، ورحم المصاب ، وآوى الغريب ، كل ذلك لي ، وعزتي وجلالي إن نور وجه لأضوأ عندي من نور الشمس ، على أن أجعل الجهالة له حلماً ، والظلمة نوراً ، يدعوني فألبيه ، ويسألني فأعطيه ، ويقسم عليَّ فأبرُّه، أكلأه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ولا يتغير حالها" .

[ورد في الأثر القدسي]

 ورمضان شهر القرب ، وهو على أبواب الأسابيع القادمة ، أرجو الله أن نكون جميعاً أهلاً لهذا الشهر العظيم ، نقلة نوعية ، إقبال على الله ، صلح مع الله ، توبة نصوح ، علاقات طيبة أسرية ، أي مشكلة قبل رمضان ، مع أخت ، مع صديق ، مع عمة ، مع خالة ، مع قريب، مع شريك حلها في رمضان ، وإن كانت المشكلة كبيرة جداً أجلها لبعد رمضان ، ألا يكون هناك محاسبات ، مشاكل بالشركات ، ليكن هذا الشهر فيه تفرغ كامل ، حتى الله عز يبارك لنا فيه .
 بقي الصلاة ، الإنسان مكلف بخمس فرائض ، الصوم برمضان ، الحج للمستطيع ، الزكاة للمستطيع ، الصلاة الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال ، الصلاة عماد الدين ، عصام اليقين ، سيدة القربات ، معراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات ، إن صحت صح كل شيء ، أنت كائن ضعيف ، خائف ، شهواني ، تمسك يدك عن العمل الصالح ، بالصلاة أقبلت على الله ، اكتسبت منه الحكمة ، الرحمة ، الكرم ، الإنفاق ، المؤاثرة ، صفات المؤمن كلها إيجابية ، الناس تعتقد أن المؤمن هو من يصلي ، لا ، له ألف ميزة غير الصلاة ، بعلاقاته ، بحكمته ، بكسب ماله ، باختيار زوجته ، باختيار أصهاره ، إذا لم يكن هناك منهج تفصيلي يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان وينتهي بالعلاقات الدولية ليس هذا هو الإسلام .

وعود الله بالنصر وعود ثابتة :

 لذلك كل وعود الله (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) الوعود غير محققة ، وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، ولكن ابحث عن التقصير أو المعصية ، ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة ، على مستوى أفراد ومستوى جماعات وعد الله بالنصر ثابت : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) .
 إذاً برمضان تحدثت عن كليات هذا الدين ، عقيدة صحيحة ، حركة صحيحة ، السلبي منها الاستقامة ، الإيجابي العمل الصالح ، ورمضان شهر العمل الصالح ، إطعام الطعام، إنفاق المال ، رعاية المساكين ، الأيتام ، الأرامل ، من هم في آخر المدينة من أقاربك اذهب وزرهم ، علاقات اجتماعية ، على إنفاق مال ، على تقديم وجبات غذائية ، هذا رمضان .
 ما هو العيد ؟ عدت إلى الله ، أجمل شيء بالعيد : الله أكبر ، ما معنى الله أكبر ؟ قال :

﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) ﴾

[ سورة البقرة]

 أنت في رمضان عرفت الواحد الديان ، الله أكبر ، قال :

﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) ﴾

[ سورة الأنعام]

وصف القرآن لمن شرد عن الله عز وجل :

 أقسم لكم بالله يوجد موت ديني ، قد يكون الإنسان نبضه 80 مثالي ، ضغطه 8 ـ 12 مثالي ، عند الله ميت ، الله قال :

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) ﴾

[ سورة النحل]

 وصف القرآن لمن شردوا عنه (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ) أو :

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) ﴾

[ سورة المنافقون]

 أو :

﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44) ﴾

[ سورة الفرقان]

 أو :

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) ﴾

[ سورة الجمعة]

 أوصاف دقيقة جداً بالقرآن لمن شرد عن الواحد الديان ، الإنسان ما دام قلبه ينبض ينتبه لنفسه ، إذا توقف القلب انتهى العمل .

خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط :

 فرعون متى عرف الحق ؟
 بالمناسبة كلمة دقيقة جداً : لك مليار خيار رفض بالحياة ، هذا البيت لم يعجبك ترفض شراءه ، هذه الفتاة لم تعجبك أخلاقها ، لا تتزوجها ، لك أن ترفض مليون شيء ، إلا مع الإيمان ، لك معه خيار وقت فقط ، إما أن تؤمن قبل فوات الأوان ، إما أن تؤمن في الوقت المناسب ، أو لا بد من أن تؤمن بعد فوات الأوان ، أي أزمة أهل النار أزمة علم ، ما الدليل ؟

﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) ﴾

[ سورة الملك]

 أزمة علم فقط ، الإنسان يحب وجوده ، يحب سلامة وجوده ، يحب كمال وجوده ، يحب استمرار وجوده ، أي إنسان بالأرض ، فإذا أيقنت أن هذا الوجود أساسه طاعة الله عز وجل ، طاعة الواحد الديان ، هذا الدين أن تعرف الله ، أن تعرف أنه هو أصل الجمال والكمال والنوال ، منهجه منهج الخبير .

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) ﴾

[ سورة فاطر]

 لا يوجد أمر إلهي إلا فيه سلامة وسعادة ، ولا يوجد معصية إلا فيها شقاء وازدراء .

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) ﴾

[ سورة الأحزاب ]

 فرمضان شهر العودة إلى الله ، القرب ، لم الشمل ، صلة الأرحام ، إنفاق الأموال ، الإقبال على الله ، علاقات اجتماعية عالية جداً ، أرجو الله عز وجل أن يسمح لنا بصيام مقبول، والوصول إلى العيد وقد عدنا إلى الله ، كما جاء في معاجم اللغة العيد عودة إلى الله عز وجل .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور