وضع داكن
29-03-2024
Logo
برنامج ربيع القلوب 2 - الحلقة : 22 - الدّعاء
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أسعد الله أوقاتكم مستمعينا الكرام بكل الخير ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أحييكم عبر إذاعة القرآن الكريم من الدوحة ، في هذا اللقاء الجديد من برنامج " ربيع القلوب " الموسم الثاني .
بدايةً مستمعينا الكرام ؛ أنقل لكم تحيات فريق العمل ، من الإعداد محمود الدمنهوري ، الهندسة الإذاعية معتصم السلامة ، ومني في التقديم مصابر الشهال .
 نواصل معكم مستمعينا الكرام تدبر الآيات من آيات كتاب الله عز وجل ، نتوقف في هذه الحلقة عند سورة الأعراف عند قوله تعالى :

﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) ﴾

[ سورة الأعراف]

 قال الحسن : بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفاً ، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء ، وما يسمع لهم صوت إلا ما كان همساً بينهم وبين ربهم عز وجل ، وذلك أن الله عز وجل يقول :

﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ﴾

 وإنه ذكر صالحاً ورضي بفعله ، فقال :

﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3) ﴾

[ سورة مريم]

 وفي إخفاء الدعاء فوائد عديدة أحدها أنه أعظم إيماناً لأن صاحبه يعلم بأن الله يسمع الدعاء الخفي ، وثانيها أنه أعظم في الأدب والتعظيم ، لأن الملوك لا ترفع الأصوات عندهم ، ومن رفع صوته لديهم مقتوه ولله المثل الأعلى سبحانه ، فإذا كان يسمع الدعاء الخفي فلا يليق بالأدب بين يديه إلا خفض الصوت به .
 نرحب في بداية هذه الحلقة بضيف البرنامج الدائم الداعية الإسلامي فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، حياكم الله فضيلة الدكتور ، وأهلاً وسهلاً بكم .
الدكتور محمد راتب :
 بارك الله بك ، ونفع بك ، وأعلى قدرك .
المذيع :
 وإياكم شيخنا الفاضل ؛ اليوم شيخنا نتوقف عند سورة الأعراف نتحدث بشكل مفصل عن الدعاء ، وآداب الدعاء ، لو بدأنا شيخنا بالمعاني ، المعنى الإجمالي لهذه الآيات ؟

الدعاء مخ العبادة :

الدكتور محمد راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
 الدعاء هو العبادة ، والدعاء مخ العبادة ، كيف ؟ هذا الذي يدعو الله من المسلمات العقلية والنقلية أنه مؤمن بوجود الله ، لا يمكن أن تدعو جهة ليست موجودة ، ثم يؤمن أن الله يسمعه إذا نطق بالدعاء ، وأنه إذا أسر الدعاء يعلمه ، يعلم ويسمع ، وأن الله قادر على إجابته ، وأن الله يحب إجابته ، لمجرد أن تدعو الله آمنت بوجوده ، ووحدانيته ، وقدرته ، ومحبته ، فالدعاء هو العبادة ، والدعاء مخ العبادة ، وكل مؤمن صادق يستخدم الدعاء في كل حين ، قبل أن يتكلم ، قبل أن يعالج قضية ، قبل أن يعالج مريضاً ، قبل أن يلقي درساً : اللهم إني تبرأت من حولي وقوتي ، والتجأت إلى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين ، ما دام هناك استعاذة ، وتوفيق ، ومدد إلهي، الدعاء يحتاجه الطبيب ، والمحامي ، والمدرس ، والأستاذ الجامعي ، وأي إنسان بمنصب قيادي ، الدعاء يحتاجه الخفير وحتى الأمير .
 الدعاء هو الإسلام ، هو العبادة ، النبي كان يقول : تبرأت من حولي وقوتي ، والتجأت إلى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين .
 حتى أن في بدر دعا النبي الكريم حتى سقط رداؤه عن كتفه ، فقال له الصديق : كفاك مناشدتك ربك .
 يوجد تعليق لطيف ، وملمح دقيق ؛ هل النبي الكريم أقل إيماناً من الصديق ؟ مستحيل! لكن الجواب ينبغي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تدعو الله ، قبل أن تسافر تابع المركبة متابعة دقيقة ، ثم قل له : يا ربي أنت المسلم ، أي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
 بالعالم الحالي ، عندنا غرب وشرق ، الغرب أخذ بالأسباب بشكل مذهل ، واعتمد عليها، وألهها ، فوقع في الشرك الخفي ، لذلك ورد : " أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي ، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ، ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله ".
 الشرق لم يأخذ بالأسباب وقع في المعصية ، بين شرق وقع في معصية الله بعدم أخذه بالأسباب ، وبين غرب أخذها بشكل مدهش لكنه ألهها ونسي الله ، فبين عدم الأخذ بها معصية كبيرة ، وبين الأخذ بها والاعتماد عليها شرك كبير، فالبطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
المذيع :
 فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي في قوله تعالى :

﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾

 ما موضوع الاعتداء ؟ أو ما طبيعة الاعتداء المقصود به ؟

الابتعاد عن الطول في الدعاء لأنه بعض أنواع الاعتداء :

الدكتور محمد راتب :
 والله بالسياق له معنى خاص ، أحياناً الدعاء يبقى نصف ساعة ، أطال الدعاء ، هناك خطباء يدعون أياماً ، أو هكذا بالندوات ، أو بالبرامج الدينية ، ما الدعاء ؟ سطران أو ثلاثة ، أحياناً يدعو نصف ساعة ، وهناك إنسان مضطر أن يغادر ، عنده موعد ثان ، فطول الدعاء بعض أنواع الاعتداء .
المذيع :
 ما الأنواع الأخرى ؟

التولي والتخلي :

الدكتور محمد راتب :
 عفواً ؛ أنا لي دعاء مثلاً عبارة عن كلمتين : اللهم أنا بك وإليك ، علمي منك ، حكمتي منك ، رحمتي منك ، ذكائي بخدمة من حولي منك ، وهدفي أنت ، أنا منك وإليك ، والإنسان قبل أن يقوم بعمل : يا رب تبرأت من حولي وقوتي وعملي ، والتجأت إلى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين .
الملخص الصحابة الكرام وهم قمم البشر ، ونخبة البشر ، وفيهم سيد البشر في بدر افتقروا فانتصروا ، وفي حنين هم هم ، وفيهم سيد البشر ، وهم نخبة البشر ، ما انتصروا ، لأنهم قالوا :

(( عن ابن عباس رضي الله عنهما أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : ' خيرُ الصحابةِ : أربعةٌ وخيرُ السرايا : أربعُمائةٍ ، وخيرُ الجيوشِ : أربعةُ آلافٍ ، ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أخرجه التَّرمِذِي ، وأبو داود ]

 لن نغلب من قلة ، ببدر افتقروا فانتصروا ، بحنين اعتدوا بعددهم فلم ينتصروا .
 فالملخص تقول : أنا ، يتخلى الله عنك ، أنا باختصاصي ، بخبرتي المتراكمة ، بباعي الشديد في هذا العلم ، تقول : أنا ، يتخلى الله عنك ، تقول : الله ، يتولاك ، فأنت بين التخلي والتولي ، هذا أكبر درس نعاتب فيه دائماً ، إني تبرأت من حولي وقوتي وعلمي ، يا رب لا يوجد غيرك ، هذا الانكسار لله يعطيك قوة ، يعطيك قوة شخصية ، يعطيك حكمة ، يعطيك نجاحاً ، توفيقاً ، لأن الآية الوحيدة بالقرآن لا يوجد غيرها .

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) ﴾

[ سورة هود]

 لا يمكن أن يحقق شيء في الأرض بالقارات الخمس من آدم ليوم القيامة إلا بتوفيق الله، بالمهن ، بالحرف ، بالطب ، بالهندسة ، بالدراسة ، بالجامعات ، بالتجارات ، بالسياسات ، إذا افتقرت إلى الله كان الله معك ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ ويا ربي ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من افتقدك ؟ الدعاء هو العبادة ، ومخ العبادة .
المذيع :
 فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ؛ ما الصفات صفات المؤمن حال دعائه لله عز وجل ؟

العلم أهم صفة من صفات الداعي إلى الله :

الدكتور محمد راتب :
 الدعاء وحده عبادة ، بصرف النظر عن استجابته أو عدم استجابته .
المذيع :
 أنا أتكلم هنا عن الداعي ، هل له صفات محددة يتحلى بها ؟
الدكتور محمد راتب :
 الداعية ؛ أهم شيء العلم ، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً ، لو اتخذه لعلمه .
المذيع :
 قصدت الذي يدعو الله عز وجل ، مهما كان من الدعاة أو من غيرهم ؟

المضطر والمظلوم مستثنيان من شروط الدعاء :

الدكتور محمد راتب :
 أريد أن أعطيك استثناء دقيقاً جداً ؛ يوجد إنسانان مستثنيان من شروط الدعاء ، من هما ؟ المضطر والمظلوم ، المضطر يستجيب الله له برحمته ، والمظلوم بعدله .

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه : يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتقوا دعوة المظلوم ))

[أخرجه ابن حبان]

 فاتقوا دعوة المظلوم ولو كان كافراً ، المظلوم يستجاب له بعدله ، والمضطر برحمته ، أما الشروط فهي أن تؤمن بالله ، وأن تؤمن بكتابه ، وسنة نبيه ، وأن تأخذ بالأسباب أولاً ، أي إنسان سفرة طويلة ما أخذ بالأسباب ، صار معه حادث مدمر ، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء .
 للتقريب : تراجع السيارة ، العجلات ، الزيت ، المكابح ، مراجعة تامة ، وبعدها تفتقر إلى الله ، يا رب أنت المنجي ، أنت الحافظ ، أنت المعين ، أنت الموفق ، هذه قضية ليست سهلة .
 وذكرت قبل قليل : الشرق لم يأخذ بالأسباب ، بدل أن يتوكل تواكل ، والغرب أخذ بها وألهها ، والبطولة أن تجمع بينهما ، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
المذيع :
 فضيلة الدكتور ؛ هل يمكن أن نفهم من قول تعالى :

﴿ وَخُفْيَةً﴾

 أن الدعاء عبادة السر أي قياساً على الدعاء هي أفضل من عبادة العلانية ؟

الدعاء عبادة السّر :

الدكتور محمد راتب :
 أنا هذا إيماني ، أنا أسافر إلى اللاذقية ، يوجد مكان ليس فيه أبنية ، بين بانياس واللاذقية يوجد جامع رائع جداً ، صليت فيه ، فإذا برجل يدعوني لفنجان قهوة ، يوجد غرفة جانب الجامع ، قال لي : أنا عمرت هذا الجامع ، أقسم لي بالله أنه لا يملك من حطام الدنيا شيئاً ، أخذ حلي أمه ثم باعهم واشترى بطاقة سفر إلى الخليج ، قال لي : أنا بالطائرة ، أقسم بالله وهو صادق عندي ، ما تكلم ، ما حرك شفتيه ، إلا أنه نادى ربه نداءً خفياً ، يا رب إذا وفقتني بهذه السفرة سأعمر جامعاً في هذا المكان ، ما حرك شفتيه ، هذا معنى :

﴿ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾

 والله وفقه بالخليج ، وعمّر هذا الجامع ، أنا صليت فيه ، لفت نظري أنه ما حرك شفتيه .
 لذلك الله إن صمت يعلم بماذا تفكر ، وإن دعوته يسمعك ، والله على كل شيء قدير ، أنت مع القوي ، يوجد العديد من الأخطار بالحياة ، أخطار صحية ، ورم خبيث ، فشل كلوي ، خثرة بالدماغ ، ومصائب أسرية ، ومتاعب كثيرة بالعمل ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا ربي ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ هذا التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
المذيع :
 لو عدنا لسياق الآيات شيخنا ؛ نجد هنا الأمر بالدعاء الخفي ، وبعدها :

﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ ﴾

 هنا مرة أخرى

﴿ خَوْفاً وَطَمَعاً ﴾

 النهي عن الإفساد بين أمرين في الدعاء ؟

تعريف الفساد :

الدكتور محمد راتب :
 قبل ، ما الفساد ؟ أن تخرج الشيء عن طبيعته ، الفتاة جعل الله عندها أنوثة وحياء ، فإذا ربيت من حولك من الفتيات على ترك الحياء أفسدتهم .
 عفواً ؛ قاض في عهد المنصور ، طلب من المنصور الخليفة أن يعفيه من القضاء ، عجيب ! قاض عادل ، قال له : لِمَ ؟ قال له : والله قبل حين جاءني متخاصمان ، الأول قدم لي طبقاً من التمر في بواكيره ، أي غال جداً ، في اليوم التالي وقفا أمامي في غرفة القضاء ، تمنيت أن يكون الحق مع الذي قدم طبق التمر ، مع أني لم آخذه ، فكيف لو أخذته ؟ هذا الورع .
 لذلك قالوا : ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط ، الدعاء هو العبادة .
المذيع :

﴿ وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً ﴾

 شيخنا ؛ كنت سألت عن النهي عن الفساد بين أمرين بالدعاء ؟

بطولة الإنسان أن يجمع في عبادته لربه بين الخوف والرجاء :

الدكتور محمد راتب :
 عفواً ، أستطيع أن أقول لك كلمة دقيقة :

﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78) ﴾

[ سورة الواقعة]

 حالة محيرة ، ينبغي أن تحبه ، لأنه أكرمك بالصحة ، بزوجة صالحة ، بدخل معقول ، لا يوجد عندك مشكلة ، هذا إكرام ، وينبغي أن تخافه ، فالبطولة أن تجمع بين الخوف والرجاء ، أي لا تقنط من عطائه ، ولا تطمع أن تعصيه ويعطيك ، هذا الموقف أن تخافه وأن تحبه في وقت واحد، هذه القصة يحتاجها الأب ، والأم ، والمعلم ، والمدرس ، والأستاذ الجامعي ، ورئيس الدائرة ، يحتاجها أي إنسان بدءاً من أقل إنسان من الخفير إلى الأمير ، أن تجمع بين الخوف والحب

﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ ﴾

 عظيم

﴿ وَالْإِكْرَامِ ﴾

 أي تحبه بقدر ما تخافه ، أو تخافه بقدر ما تحبه، وكل أب هكذا يعمل يكون أباً ناجحاً ، إذا أرخى الحبل تطاول أولاده عليه ، وإذا شدد عليهم كثيراً كرهوه ، ينبغي أن تجمع أيها الأب ، وأيها المعلم ، وأي منصب إداري بين الحب والخوف ، وهذا معنى

﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾

.
المذيع :
 سبحانه وتعالى ؛ شيخنا بما أننا نتحدث عن الدعاء هنا ، لو تجمل لنا باختصار آداب الدعاء في حالة الدعاء المسلم بجميع حالاته ، أنت أشرت للمضطر والمظلوم ، لكن دعاء المسلم سواء في المسجد ، أو في البيت ، أو في العبادة .

على الإنسان أن يبدأ أعماله كلها بالدعاء :

الدكتور محمد راتب :
 والله أتمنى على الأخوة المشاهدين ، أو المستمعين ، بأي عمل عليك أن تبدأ بالدعاء ، دخلت إلى غرفة العمل ، بدائرة ، يا رب ألهمني الصواب ، ألهمني ألا أحابي أحداً ، ألا أظلم ، ألا أتكبر ، دخلت للبيت ، يا ربي ألهمني الصواب مع زوجتي ، أتكلم كلاماً مريحاً لها ، الحكمة في بيتي مع أولادي ، الحكمة مع جيراني ، الدعاء هو العبادة ، هو العمل اليومي الساعي الدقيق ، وكلما نجحت بالدعاء نجحت في الحياة ، الدعاء هو العبادة ، الدعاء من مخلوق حادث ، ما معنى حادث ؟ أنت ولا مرة أمسكت كتاباً مطبوعاً قبل ولادتك ؟ ممكن ، أنت أثناء طبع هذا الكتاب من أنت ؟ ماذا قال الله عز وجل ؟

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) ﴾

[ سورة الإنسان]

 فأنت أنعم الله عليك بنعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، أمدك بأم وأب ، أمدك بعقل ، أمدك بصحة ، أمدك ببيت ، ساكن ببيت ، الإيجاد والإمداد ، وأهم نعمة الهدى والرشاد ، هذه أكبر النعم ، الإيجاد ، والإمداد ، والهدى والرشاد ، فأنت يجب أن تذوب محبة لله ، وطاعة له ، وخدمة لعباده ، وكل إنسان أمامك هو عبد لله عز وجل .
المذيع :
 الله سبحانه وتعالى ، في قوله تعالى :

﴿ وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً ﴾

  هنا إشارة للخوف والرجاء ؟

الأحمق إنسان لا يقدم المقدمات الأساسية ويطلب نتائج عالية :

الدكتور محمد راتب :
 أن تخاف منه ، وأن تحبه بآن واحد ، تخاف أن تكون هذه المشكلة التي تعاني منها وتدعوه أن ينجيك منها خطأ من أخطائك ، خطأ ، أخطأت أنت في معاملة زوجتك فتخاف أن تكون ظالماً ، وترجو أن تكون موفقاً ، دائماً وأبداً مع الإله العظيم خوف ورجاء ، الخوف وحده قاتل ، والرجاء وحده حمق .
 عفواً ؛ ما قولك لإنسان قدم طلباً للجامعة وهو لا يقرأ ولا يكتب ؟ يرجى منحي دكتوراه ، يكون أحمق ، تطلب شيئاً ما قدمت ثمنه .
 في الحقيقة هناك نتائج ، ومقدمات ، أي إنسان لا يقدم المقدمات الأساسية ، ويطلب نتائج عالية ، يكون أحمق ، ما قدم أسباباً لكن طلب نتائج عالية يكون أحمق .
المذيع :
 في قوله تعالى فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي :

﴿ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾

  قريب هنا صيغة مبالغة ، ماذا تفيد برأيك شيخنا ؟

رحمة الله أوسع كلمة على الإطلاق :

الدكتور محمد راتب :
 أنا أقول لك هذه الكلمة الدقيقة جداً : أي أخ محسن بالأرض يسمعنا ، أخ محسن أنفق ماله لإغاثة الضعفاء ، لإطعام الجائعين ، لكسوة العراة ، لإحقاق الحق ، لإبطال الباطل ، هذا له دعاء مستجاب عند الله

﴿ إِنَّ رَحْمَةَ ﴾

 ما الرحمة ؟ كلمة واسعة جداً جامعة مانعة ، الصحة رحمة، والنجاح بالزواج رحمة ، الأولاد الأبرار رحمة ، البنات المحتشمات رحمة ، عملك الناجح رحمة ، لا يوجد عندك مشكلة رحمة ، رحمة الله أوسع كلمة على الإطلاق ، من عطاء ، من حفظ ، من صحة، من زواج ناجح ، من أولاد أبرار ، من مكانة اجتماعية ، لا يوجد عندك أية مشكلة هذه رحمة ، هذه الرحمة قريبة ممن ؟

﴿ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾

.
 أذكر مرة أحد الصحابة الكرام كان معتكفاً في مسجد رسول الله ، بعد وفاته رأى إنساناً معذباً ، قال له : ما شأنك ؟ قال له : والله ديون لزمتني ، لا أطيق سدادها ، قال له : لمن ؟ قال له: لفلان ، قال له : أتحب أن أكلمه لك ؟ قال له : إذا شئت ، دقق الآن ، هذا الصحابي معتكف، فلما علم مشكلته ، وأنها متعلقة بشخص ، وهذا الشخص يعرفه ، قام من معتكفه ، فقال أحدهم فضولاً : يا بن عباس أنسيت أنك معتكف ؟ قال : لا والله ، ولكن سمعت صاحب هذا القبر يقصد النبي الكريم ، والعهد به قريب : لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهرٍ واعتكافه في مسجدي هذا .
 أنا أريد من هذا المثل أن تملك المرجحات ، يقول سيدنا عمر : ليس بخيركم من عرف الخير ، ولا من عرف الشر ، ولكن من عرف الشرين ، وفرق بينهما ، واختار أهونهما .
 الآن حياتنا بعيدة عن الخير والشر ، مع الشرين أيهما أهون ؟ أنت قد تشتري سيارة ، لابد من التأمين ، والتأمين له مشكلة ، أما أن تصعد الزوجة إلى مركبة عامة ويتحرش بها ، أي أهون الشرين ؟ أن أدفع التأمين وأسميه ضريبة ، وأنجي من حولي من التحرش أحياناً .
 مرة ثانية : ليس بخيركم من عرف الخير ، ولا من عرف الشر ، ولكن من عرف الشرين وفرق بينهما ، واختار أهونهما .
المذيع :
 ليس بخيركم من عرف الخير ، ولا من عرف الشر ، ولكن من عرف الشرين ، وفرق بينهما ، واختار أهونهما .
 في هذه الآية فضيلة الدكتور

﴿ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾

 قد يتبادر إلى الذهن سؤال : لماذا اختص أهل الإحسان بقرب الرحمن دون غيرهم ؟

الإحسان ثمن الجنة :

الدكتور محمد راتب :
 لماذا تؤمن ؟ لماذا تصلي ؟ من أجل أن تحسن ، الإحسان ثمن الجنة ، لأنه :

﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾

[ سورة المؤمنون]

 شخص على مشارف الموت :

﴿ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾

 ليس لعلي أتابع بناء البيت ، لا ، أتمم السياحة ، لا ،

﴿ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾

 معنى ذلك أن العمل الصالح السبب الأول لوجودك في الدنيا ،

﴿ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾

 ولمَ سمي العمل صالحاً ؟ لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ، لذلك العمل الصالح هو كل حياتنا ، بعد الإيمان بالله واليوم الآخر يأتي العمل الصالح ، يسمى صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة .
المذيع :
 فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بما أنك اليوم تحدثنا عن الدعاء ، هناك بعض المواطن ، وبعض الأوقات ، وبعض الأشخاص يكونون أقرب لاستجابة الدعاء من غيرهم ، لو نفصل القول في هذه المواطن ، والأوقات ، وصفات الذين قد تكون أدعى للإجابة ؟

الدعاء هو الدين كله :

الدكتور محمد راتب :
 الحقيقة أن الدعاء هو العبادة ، الدعاء سلوك ساعي ، وليس سلوكاً يومياً ، سلوك ساعي ، دخلت إلى غرفتك ، يوجد زوجة ، يا ترى أنت كنت معها ؟ كنت لطيفاً أم كنت قاسياً معها؟ أعطيتها حقها أم تحب أن تأخذ حقك منها دائماً ؟ دخلت إلى عملك : يا رب تبرأت من حولي وقوتي وعلمي ، والتجأت إلى حولك وقوتك يا ذا القوة المتين ، زارك ضيف ، سافرت ، اجعل سفري هذا في سبيلك يا رب ، ألقيت محاضرة ، يا رب ألهمني الصواب ، أعنّ على إقناع الناس بمحبتك .
المذيع :
 المسافر أيضاً شيخنا دعوته مستجابة ؟
الدكتور محمد راتب :
 أبداً ، كل إنسان ، أول شيء : الدعاء هو الدين كله ، هو العبادة كلها ، الدعاء مخلوق حادث ، ضعيف ، خائف ، جاهل ، يستمد العون من القوي وهو الله ، العليم ، الحكيم ، الرحيم ، الحقيقة الدعاء هو الدين كله .

خاتمة وتوديع :

المذيع :
 أحسن الله إليكم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، الداعية الإسلامي ضيف برنامج ربيع القلوب ، شكراً لحضوركم في إذاعة القرآن الكريم من الدوحة .
 توقفنا في هذه الحلقة مع آيات من سورة الأعراف عند قوله تعالى :

﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) ﴾

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور