وضع داكن
27-04-2024
Logo
برنامج ربيع القلوب 2 - الحلقة : 02 - وصية لقمان لأبنه
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور محمد راتب :
  بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أهلاً وسهلاً بكم مستمعينا الكرام عبر إذاعة القرآن الكريم من الدوحة في هذه الحلقة الجديدة من برنامج : " ربيع القلوب " .
 لكم بداية التحية من فريق العمل ، من الإعداد محمود الدمنهوري ، الهندسة الإذاعية جابر بريزي ، ومني في التقديم مصابر الشهال .
 مستمعينا الكرام يقول سبحانه وتعالى في سورة لقمان :

﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾

[ سورة لقمان: 18]

 يستطرد القرآن الكريم في حكاية لقمان لابنه ولغيره ممن يسمع القول فيتبع أحسنه فيوصيه بجملة آداب عليه أن يتصف بها ، وجملة أخلاق عليه أن يتعامل بها مع الناس فيحذرهم من الكبر ، والإعراض عن الناس تعاظماً ، وتكبراً عند تكليمهم له ، بل عليه أن يقبل على الناس بوجهه هاشاً باشاً ، حتى المشي في الأرض له صفة مذمومة كمشية الخيلاء ، والإعجاب ، وقلة المبالاة بالناس ، مشية تدل على مرض نفسي لا يحبها الله ، ولا يحبها الناس .
 واليوم مستمعينا الكرام في هذه الحلقة من برنامج : "ربيع القلوب" نتناول وصية من وصايا لقمان ، جاء في قوله تعالى :

 

﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾

 

[ سورة لقمان: 18]

 من سورة لقمان ، نرحب بضيف البرنامج الدائم الداعية الإسلامي الدكتور محمد راتب النابلسي ، حياكم الله ، وأهلاً وسهلاً بكم في هذا اللقاء الجديد .
الدكتور محمد راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
 شيخنا ؛ هذه الآية من سورة لقمان وصية من وصايا لقمان لابنه التي جاءت في سياق الآيات في سورة لقمان ، لذلك فضيلة دكتور ما هي أهم المضامين التربوية والسلوكية التي تحملها هذه الآية الكريمة ؟

 

التولي و التخلي :

الدكتور محمد راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 أخي الكريم ؛ بارك الله بك ، ونفع بك ، وأعلى قدرك .
 قبل الحديث النظري عن هذا السؤال الصحابة الكرام قمم البشر ، ونخبة البشر ، ومعهم سيد البشر ، في بدر افتقروا فانتصروا ، وهم هم وفيهم سيد الخلق وحبيب الحق ، وسيد ولد آدم في حنين اعتدوا بعددهم فلم ينتصروا ، هذا الدرس الذي يحتاجه كل مسلم كل ساعة ، أي تقول: أنا ، يتخلى عنك ، تقول : الله ، يتولاك ، أنت بين التولي والتخلي .

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ ﴾

[ سورة آل عمران: 159]

 هذه باء السبب ، أي يا محمد بسبب رحمة من الله اشتققتها من خلال اتصالك بنا ، هذه الرحمة التي امتلأ بها قلب النبي انعكست ليناً ، ونعومة ، ولطفاً ، فالتف الصحابة حول النبي .

 

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾

 

[ سورة آل عمران: 159]

 دقق ؛ وأنت أنت يا محمد ، على عظم شأنك ، وعلى قوة رسالتك :

 

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

 

[ سورة آل عمران: 159]

 فأنت بين أن يكون قلبك رحيماً من خلال اتصالك بالله ، وتنعكس هذه الرحمة ليناً فيلتف الناس حولك ، أو أن تكون لا سمح الله ولا قدر بعيداً عن الله ، يمتلئ القلب قسوة ، وتنعكس القسوة غلظة وفظاظة .

 

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

 

[ سورة آل عمران: 159]

 هذه الآية ، وهذا المعنى يحتاجه كل إنسان ، بدءاً من الأب ، والأم ، والمعلم ، والمدرس ، والأستاذ ، أي من الخفير إلى الأمير ، يحتاج هذه الآية ، فإذا امتلأ قلبه رحمة انعكست الرحمة رقة ، ولطفاً ، وحناناً ، وعطاءً ، التف الناس حولك ، فإذا فهمنا هذه الآية قانوناً كبيراً ، بالمناسبة ؛ أي آية بالقرآن لها معنى سياقي ، لكن لو نزعت من مكانها تصبح قوانين .

 

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾

 

[ سورة الطلاق: 2]

 آية سياقها بالطلاق ، ومن يتق الله في تطليق زوجته وفق المنهج يجعل الله له مخرجاً إلى إرجاعها ، هناك أول طهر ، وثاني طهر ، وثالث طهر ، وإذا نزعت من مكانها أصبحت قانوناً، من يتق الله في كسب ماله يجعل الله له مخرجاً من تلفه ، من اختيار زوجته ، من طلاقها، تتحدث العلماء سنوات عن هذه الآية ، إذا نزعت من سياقها ، الكلمة بالقرآن لها سياق ، معنى سياقي ، ومن يتق الله في تطليق زوجته السياق ، يجعل الله له مخرجاً من تركها ، أو من تطليقها ، أما إذا نزعت من مكانها فتنطبق على مليون موضوع ، اتقيت الله في كسب مالك ، هذا المال محفوظ لك في اختيار زوجتك ، اتقيت الله في تربية أولادك ، لا يوجد عقوق عندك ، أي شيء تتقي الله به له أثر مستقبلي حتى مغادرة الدنيا ، فالسعادة كلها ، والنجاح كله ، والتوفيق كله في طاعة الله .

 

﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾

 

[ سورة الأحزاب : 71]

من عرف الله عرف كل شيء :

 أريد أن أقف عند كلمة عظيم ، عقب العيد إنسان زار أولاد أخيه ، فقال له أحد أولاد أخيه : معي مبلغ عظيم ، طفل عمره سبع سنوات ، قال : معي مبلغ عظيم ، كم تقدره ؟ مئة ريال قطري ، إذا قال مسوؤل البنتاغون : أعددنا لحرب العراق مبلغاً عظيماً أي أعددنا مئتي مليار ، فإذا قال الله عز وجل :

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء: 113]

 من طفل مئتا ريال ، من مسؤول كبير بالبنتاغون مئتا مليار ، من خالق الأكوان :

 

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

 

[ سورة النساء: 113]

 شيء دقيق جداً ، فإذا عرفت الله عرفت كل شيء .

 

(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

 

[ حديث قدسي ]

 ويا ربي ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ إذا كان الله معك فمن عليك ؟ من يجرؤ أن ينال منك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ فإذا كنت مع الله خدمك عدوك وهو لا يشعر، وإذا لم تكن مع الله تطاول عليك أقرب الناس إليك :

 

(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

 

[ حديث قدسي ]

المذيع :
 فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، أشرت في بداية الحلقة لمعنى الكبر المذكور في آية هذه الحلقة من برنامج ربيع القلوب :

﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾

[ سورة لقمان : 18]

 الكبر فضيلة الدكتور في هذه الآيات ، والكبر في حياة الناس ، كيف تفهم نفسية المتكبر ؟ أو كيف ترى عقلية المتكبر في المجتمعات عامة ؟

 

تناقض الكبر مع الإيمان :

الدكتور محمد راتب :

(( لا يدْخُلُ الجنةَ ))

[مسلم عن عبد الله بن مسعود ]

 كلام النبي ، وهو الصادق المصدوق :

 

(( مَنّ كان في قلبه مثقالُ حبَّة من كِبْر))

 

[مسلم عن عبد الله بن مسعود ]

 مثقال ذرة من كبر ، جاءك عشرة ضيوف ، لا يوجد عندك شيء تقدمه لهم ، عندك لبن ، أضفت لهذا اللبن خمسة أضعاف من الماء ، صار عيران ، مع الثلج شراب طيب جداً ، لو أصابه قطرة بترول تلقيه في الحاوية .
 الكبر هكذا ، الكبر :

 

(( لا يدْخُلُ الجنةَ مَنّ كان في قلبه مثقالُ حبَّة من كِبْر ))

 

[مسلم عن عبد الله بن مسعود ]

 لأن المتكبر قطع علاقته بالله إطلاقاً واستغنى عن الله ، نظر إلى نفسه ، المتكبر متأله، المتكبر إذا كان قوياً يرى ما لا يملكه الآخرون ، وإذا كان قوياً معه سلطة لا يملكها الآخرون، أي من كل النواحي الكبر يتناقض مع الإيمان .

 

(( لا يدْخُلُ الجنةَ مَنّ كان في قلبه مثقالُ حبَّة من كِبْر ))

 

[مسلم عن عبد الله بن مسعود ]

 يوجد تعليق لطيف : سأل رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ؛ أنيق ، ونعله حسنة ، فقال النبي الكريم :

 

(( إن الله جميل يحب الجمال ))

 

[مسلم وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن مسعود ]

(( الكبِرْ: بطَرُ الحقِّ ، وغمطُ الناس ))

[مسلم وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن مسعود ]

 أن تسفه الآخرين ، وأن تنكر إحسانهم إليك .
المذيع :
 في قوله تعالى :

 

﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾

 

[ سورة لقمان: 18]

 تصعر ؛ استخدام هذه المفردة ، يمكن يوجد بعض المفردات لا تسلم وجهك للناس ، استخدام هذا المصطلح تصعر ما معناه ؟ وما معنى دلالاته شيخنا ؟

 

اعتماد الغرب على الصورة بدل الكلمة لتفجير الدين من الداخل :

الدكتور محمد راتب :
 عفواً ؛ إذا أنت أردت أن تعبر باللغة الاعتيادية عن بخل هؤلاء القوم ، ماذا تقول ؟ هؤلاء القوم بخلاء فقط ، إن أردت أن تعبر عن بخلهم بالصورة تقول :

بيض المطابخ لا تشكو إماؤهم  طبخ القدور ولا غسل المناديل
***

 هنا عبرنا بالصورة ، فالتعبير بالكلمة سهلة جداً هذا الطريق العلمي ، أما بالصورة فشيء دقيق جداً ، الصورة مؤثرة ، والغرب الآن اعتمد الصورة بدل الكلمة ، الكلمة قد لا تقبل ، لا يقبل عند المسلمين كلام بخلاف الدين ، فتركوا مهاجمة الدين بالكلمة ، قدموا الصورة ، قدموا الفيلم، بيت عبارة عن أربعمئة وخمسين متراً ، أنيق جداً ، أثاث ، ثريات ، بسط غالية جداً ، أدوات أنيقة جداً ، عدة سيارات ، وأصحاب هذا البيت متفلتون من الدين بكل معاني الكلمة ، يري هذا الفيلم شيخ الجامع ، إنسان محدود التفكير ، زوجته عند الجيران دائماً ، أولاده في الطرقات ، هم ما هاجموا الدين ، ولكن قدموا أبشع صورة للدين ، هذا اسمه اليوم : التفجير من الداخل .
 حينما أيقن الطرف الآخر أن هذا الدين لن يلغى عمدوا إلى تفجيره من الداخل ، هم صنعوا ، مرة كلينتون قالت : نحن صنعنا القاعدة ، هم ، تصريح رسمي ، أي صنعوا التطرف ، هم صنعوا التطرف ، واعتبروه إسلامياً وهاجموا الدين ، هكذا .
 لذلك :

 

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

 

[ سورة إبراهيم : 46 ]

 الجبل يزال ؟ تلة لا تزال ، لو اجتمع أهل الأرض على إلغاء قاسيون من دمشق مستحيل ، قال :

 

﴿ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾

 

[ سورة إبراهيم : 46 ]

 لكن بعد هذه الآية طمأننا الله :

 

﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾

 

[ سورة إبراهيم: 47 ]

المذيع :
 فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ؛ في نهاية الآية من سورة لقمان عليه السلام :

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾

[ سورة لقمان: 18]

 وبالطبع عند المؤمن محبة الله في رأس الأولويات ، وعدم المحبة ربما أكبر المخاطر ، لكن سؤالنا هنا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي : من الذي يحبه الله ومن الذي لا يحبه ؟

 

من يحبه الله ومن لا يحبه :

الدكتور محمد راتب :
 إن الله لا يحب المتكبرين ، المسرفين ، الظالمين ، القضية سهلة على أخواننا المستمعين ، اكتب على جهازك الحاسوبي : إن الله لا يحب ، خذ هذه الآيات وابتعد عنها ، ثم اكتب : إن الله يحب المؤمنين ، الصادقين ، المحسنين ، فأنت في دقائق تعرف من يحب الله ، ومن لا يحب ، افعل ما يحبه الله .

الاطمئنان إلى قوانين القرآن لا إلى تخويف أعداء الدين :

 أريد أن أقول كلمة دقيقة : أحياناً إنسان قوي ، مزاجي الطبع ، لا تعرف متى يغضب ، ومتى يرضى ، ولا يوجد أسباب مقنعة لإرضائه ، ولا أسباب مقنعة لغضبه ، هذا نموذج مزاجي ، ليس له قيمة ، أما مدير معمل قال : إذا عامل لم يتخلف أبداً عن الدوام له مكافأة عشرة بالمئة من دخله ، إذا عامل لا يوجد عليه أية شكوى ، أعطى قواعد ، الله أعطى قواعد ونحن عندنا بالقرآن شيء اسمه قوانين القرآن الكريم .

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾

[ سورة الطلاق: 2]

 عندما أتى فعل الشرط وجواب الشرط هذا أقوى قانون ، عندنا فعل شرط وجواب شرط : من يجتهد ينجح ، فإذا جاء فعل الشرط وجواب الشرط فأنت ما عليك إلا أن تطبق فعل الشرط ويأتي الجواب :

 

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾

 

[ سورة الطلاق: 2]

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[ سورة النحل: 97]

 ابحث عن صيغ الشرط بالقرآن فقط ، قوانين ، في بالموقع باب اسمه : قوانين القرآن الكريم ، ثلاثون قانوناً ، قوانين قطعية الحدوث مئة بالمئة ، فابحث في القرآن عن قوانين القرآن ، هذه قوانين من وضع الواحد الديان ، وضع خالق الأكوان ، هذه القوانين حتمية التفعيل ، أنت تطمئن إلى قوانين القرآن ، لا إلى تخويف أعداء الدين .
المذيع :
 فضيلة الدكتور ؛

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾

 

[ سورة لقمان: 18]

 محبة الله هل هي رزق من الله ، عطاء من الله ، أم بالاجتهاد ، بالطاعة ، بالعمل المكتسب ؟

 

الإسلام فردي و جماعي :

الدكتور محمد راتب :
 لا يمكن أن تكون هذه المحبة بلا سبب ، إنسان ، أب عادي جداً ، إذا جاء ابنه بجلائه الناجح والمتفوق ضمه وشمه ، فإذا جاء راسباً ابتعد عنه ، إذا إنسان عادي ، أب عادي يكافئ المتفوق من أبنائه ، ويعاقب المسيء من أولاده ، فكيف بخالق الأكوان ، ولله المثل الأعلى ؟ الله عز وجل يحب عباده المؤمنين ، يوفقهم .

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[ سورة النحل: 97]

 هذه الحياة الطيبة ، هذا الوعد الإلهي ، فوق الظروف ، وفوق المعطيات ، وفوق الأشياء الصعبة في حياتنا لك معاملة خاصة .
 لذلك أنا مضطر أن أقول : هناك إسلام فردي ، وإسلام جماعي ، أنت وحدك - وهذا كلام افتراضي طبعاً - أنت واحد من ملياري مسلم بالأرض ، لو أنك وحدك فقط طبقت منهج الله عز وجل قطفت كل ثماره الفردية ، لو أن الأمة طبقته قطفت ثماره الجماعية ، أما الأولى :

 

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

 

[ سورة النساء: 147]

 مستحيل ، مستقيم ، غض بصر ، ضبط لسان ، ضبط دخل ، ضبط إنفاق ، ضبط أسرة ، تربية أولاد ، وفي لزوجته ، مربّ لأولاده ، متقن لعمله ، هذا الإنسان بأي ظرف ، بأي عصر ، بأي مصر ، له معاملة خاصة .

 

﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

 

[ سورة الأنبياء: 87]

 قد ما كان قوي ، أحياناً عندنا دول مثلاً ضعيفة ، لكن تبتلى أحياناً بأعداء الدين ، والله عنده أحياناً أعاصير ، وعنده زلازل ، وعنده ما جرى في الصين ، الله عنده مليون علاج ، في بلاد معالجة معينة ، وفي بلاد معالجة ثانية .
المذيع :

 

﴿ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾

 

[ سورة لقمان: 18]

 في تفسير ابن كثير : المختال ؛ هو المعجب بنفسه ، الفخور ؛ أي على غيره هل يمكننا لأن البعض يبرر .
الدكتور محمد راتب :
 لأن الإعجاب شعور داخلي .
المذيع :
 أنا لا أتفاخر على الآخرين ، أنا معجب بنفسي ، تكبري داخلي لا يؤذي الآخرين ، هل هذه الآية فيها رد على من يتكبر ؟

 

التكبر الداخلي ينعكس على الآخرين استعلاء وشططاً وكبراً :

الدكتور محمد راتب :
 هذا التكبر الداخلي لابد من أن ينعكس على الآخرين استعلاء ، وشططاً ، وكبراً ، من أنت ؟ من أنتم كما قال بعضهم ؟ أما المؤمن فعنده خوف من الله عز وجل ، متواضع ، فالتواضع من صفات المؤمن .
 سيدنا عمر لما رأى راعياً ، قال له : بعني هذه الشاة وخذ ثمنها ، قال له هذا الراعي : ليست لي ، قال له : قل لصاحبها ماتت ، أو أكلها الذئب ، فقال له الراعي : والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني فإني عنده صادق أمين ، ولكن أين الله ؟
 هذا الراعي وضع يده على حقيقة الدين ، فإذا خفته فيما بينك وبينه أعانك على كل مشكلاتك ، ونصرك على كل أعدائك ، النبي الكريم قال :

(( فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))

[أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي الدرداء]

 هذا الضعيف إن أطعمته إن كان جائعاً ، كسوته إن كان عارياً ، علمته إن كان جاهلاً، حميته إن كان خائفاً ، مكنته إن كان ضعيفاً ، الآن الله عز وجل يتفضل عليك بعمل من جنس عملك ، ينصرك على من هو أقوى منك .

 

(( فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))

 

[أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي الدرداء]

 هذا ملخص الملخص ، فإذا كنت مع الله كان الله معك ، ولن يجرؤ أحد من خلق الله أن ينال منك ، وإذا كان الله عليك فمن معك ؟ لو كنت أقوى الأقوياء ، لجعل ضعفك في قوتك .
المذيع :
 فضيلة الشيخ هذه الآيات وصايا لقمان :

 

﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ﴾

 

[ سورة لقمان: 18 ـ 19]

كلما كبر هدفك صغر سنك وكلما قلّ هدفك كبرت سنك :

الدكتور محمد راتب :

﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ﴾

[ سورة لقمان: 19]

 الهدف ، ما هدفك ؟ أهداف عامة الناس أن يشتري بيتاً ، وسيارة ، ويتزوج ، انتهى هذا سقفه منخفض جداً ، فإذا بلغ هذه الأهداف الثلاث أصبحت حياته مملة ، ليس لها معنى إطلاقاً ، عندنا شيء اسمه : سقم ، ضجر ، ملل ، صفات أهل الدنيا ، أما إذا كان هدفك كبيراً فأنت شاب ولو كنت في التسعين .
هناك شيء يضطرني أن أقول كلمة حقيقية : ما تعريف الشباب ؟ ليس للتعريف علاقة بالسن إطلاقاً ، إنسان فرضاً هدفه فقط أن يتزوج ، تزوج ، واشترى بيتاً ، واشترى سيارة ، انتهت كل أهدافه ، الآن عمره خمس و أربعون سنة ، شيخ بالمعنى السلبي ، يأتي شخص هدفه الله عز وجل، ما دام هدفك أكبر منك فأنت شاب وأنت بالتسعين ، شاب مئة بالمئة والله ، ما دام هدفك أكبر منك وهو الله فأنت شاب دائماً ، فالشباب ليس لها علاقة بالعمر إطلاقاً ، لها علاقة بالأهداف ، كلما كبر هدفك صغر سنك ، وكلما قلّ هدفك كبرت سنك .
المذيع :
 هذه الوصايا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، الإشارة إلى بغض التكبر ، والتوجيه نحو التواضع والوقار واضح في هذه الوصايا ، السؤال هنا .

 

الدكتور محمد راتب :
 كلمة تواضع ليس معناها وضيع ، معناها تكلف تواضعاً ، هو كبير عند الله .
المذيع :
 السؤال شيخنا : كيف نحن يمكن أن نربي ونحن طبعاً نقرأ القرآن ونتدبره ونعمل به كيف لنا أن نربي أبناءنا ، نربي أنفسنا ، نربي الجيل الناشئ على هذه الوصايا بترك الكبر والتزام التواضع والوقار ؟

على الإنسان أن يظهر قوته واعتزازه أمام الأقوياء و يتواضع للمؤمنين :

الدكتور محمد راتب :
 حتى أوضح للأخوة المستمعين ، مشى صحابي مشية فيها اعتزاز ، فيها غطرسة ، فماذا قال النبي الكريم ؟ إن الله يكره هذه المشية ، إلا في هذا الموطن ، أمام الآخر ، أمام القوي يجب أن تظهر قوتك ، واعتزازك ، وكبريائك ، أمام المؤمنين تتواضع لهم ، هناك علاقة مع المؤمنين ، كلهم مؤمنون ، صادقون ، متواضعون ، قيمون على دينهم ، رحماء ، مع المؤمنين تواضع ، ومع غيرهم ، لا أقول : تكبر ، أظهر قوتك ، إن أظهرت قوتك ، إن الله يكره هذه المشية - هكذا النبي - إلا في هذا الموطن .
المذيع :
 سبحان الله ! تربوياً شيخنا ، كان سؤالي حول ، كيف نغرس هذه المفاهيم في أبنائنا ، الأب كأب ، والأم كأم ، والمربي ؟

المؤمن مبدئي يتحرك بالمبادئ لا بالمصالح :

الدكتور محمد راتب :
 من خلال التوجيه ، المعلم عندما يكون أنيقاً بلباسه ، الأناقة باللبس هذا درس للطلاب، يكون واضحاً بكلامه ، يكون واضحاً بمبادئه ، عندنا مبادئ ، ماذا يقارن المبادئ ؟ المزاج مزاجي، الموضوع مزاجي ، أحياناً المعلم يضرب الطالب لأسباب قليلة جداً ، وأحياناً يثني على طالب لأسباب تافهة ، إما أن يكون التصرف مزاجياً ، أو وفق مبادئ ، فالمؤمن مبدئي ، عنده مبادئ ثابتة، يتحرك بالمبادئ لا بالمصالح .
 والآن أقول لك كلمة دقيقة جداً : العالم اليوم تحكمه المصالح لا المبادئ ، وإن تكلموا عن المبادئ لتغطية المصالح ، لتغطية غير ناجحة للمصالح .
المذيع :
 شيخنا هذه الوصايا التربوية :

﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ﴾

[ سورة لقمان : 18 ـ 19]

 هل برأيك فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي نحن كأمة إسلامية نطبق الوصايا في المجتمع ؟

 

من طبق منهج الله قطف ثماره اليانعة في الدنيا قبل الآخرة :

لدكتور محمد راتب :
 والله يا سيدي نطبق ننتصر ، الأمر بيدنا ، يوجد قوانين عند الله عز وجل ، أي جهة دعك من الأمة ، أية جهة تطبق منهج الله تقطف ثماره اليانعة في الدنيا قبل الآخرة ، وأي أمة عفواً ؛ مع الشيء المؤلم جداً الأمة الإسلامية تملك نصف ثروات الأرض بالضبط ، وهناك حدود وسدود ومصالح ، كأنهم أصبحوا أضعف أهل الأرض ، أضعف أهل الأرض ويملكون نصف ثروات أهل الأرض ، هناك خطأ بحياة المسلمين استراتيجي ، هذا الخطأ انعكس على واقعهم .
المذيع :
 شيخنا ؛ أختم معك فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي هذه الحلقة الثانية من برنامج : " ربيع القلوب " حول نفس الآيات من سورة لقمان في هذه الوصايا بتربية النفس ، دائماً ربما الإنسان هو أكثر من يستطيع أن يقيم نفسه ، ويوجه نفسه ، كيف أنا كمصابر ، أنا كمستمع أن أربي نفسي على هذه الأخلاق ؟

من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر :

الدكتور محمد راتب :
 هناك مصيبة تصيب الإنسان ، ومصيبة في نفسه ، فقيل : من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر ، فهو المصيبة ، ما دام تأتي مشكلة تدرك ، تعالج ، تصحح، يتوب منها صاحبها لم تعد مصيبة ، انتهت ، أما إذا كان هو المصيبة فهؤلاء الذين غرقوا في شهواتهم وملذاتهم ، ونسوا ربهم أصبحوا هم المصيبة ، ومن لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر .

خاتمة و توديع :

المذيع :
 أشكرك جزيل الشكر فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي على هذا اللقاء في برنامج ربيع القلوب .
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور