- ندوات إذاعية / ٠22برنامج ربيع القلوب - إذاعة القرآن الكريم الدوحة
- /
- ٠2 ربيع القلوب 2 - أحاديث عام 2020
مقدمة :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع :
حياكم الله مستمعينا الكرام عبر إذاعة القرآن الكريم من الدوحة ، في هذه الحلقة الأولى من برنامج : " ربيع القلوب ".
مستمعينا الكرام في هذه الحلقة الأولى المحور العام الذي تدور عليه سورة طه ويجمع بين موضوعاتها هو رعاية الله للمختارين لحمل الدعوة من الرسل وأتباعهم ، والرفق بالمدعوين ، والعناية بهم ، وإن المتتبع لهذه السورة يجد في ثنياها عبارات ، وإشارات تبين مدى عناية الله تعالى بالرسل وأتباعهم من المؤمنين ، وبالمدعوين ، وبغير المؤمنين أيضاً .
ومن أهداف سورة طه إثبات سورة محمد صلى الله عليه وسلم ، وتأييده بالمعجزات، وأنها رسالة تماثل رسالة أعظم رسول قبله شاع ذكره في الناس ، موسى عليه السلام ، وأيضاً التعريض بما خصه الله من شأن موسى بأن مآل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم صائر إلى ما صارت إليه بعثة موسى عليه السلام من النصر على معانديه .
وفي حلقة اليوم من برنامج " ربيع القلوب " نتناول عدة آيات من هذه السور قال تعالى :
﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي ﴾
نرحب بضيف البرنامج الدائم فضيلة الداعية الإسلامي الدكتور محمد راتب النابلسي حياكم الله فضيلة الدكتور ، وأهلاً وسهلاً بكم في هذه الحلقة الأولى من برنامج : " ربيع القلوب " الموسم الثاني .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم ، وحفظ لكم بلدكم .
المذيع :
وإياكم .
فضيلة الدكتور ؛ بداية مع الآيات ، أو المعنى الإجمالي لهذه الآيات التي تحمل معنى الدعاء ، لكن قبل أن نبدأ بمكانة الدعاء في الإسلام من خلال هذه الآيات لو نشرح للمستمع الكريم المعنى الإجمالي في هذه الآيات :
﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي ﴾
بطولة الإنسان معرفة الله و الاستقامة على أمره :
الدكتور راتب :
بارك الله بك على هذه المقدمة الرائعة .
الشيء الدقيق : إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
الأصل هو الله عز وجل ، البطولة ، والذكاء ، والنجاح ، والفلاح ، والتوفيق أن تعرفه ، وأن تعرف منهجه ، وأن تستقيم على أمره ، وأن تقبل عليه ، فإذا فعلت هذا كان الفلاح، والفلاح أبلغ من النجاح ، النجاح أحادي ، أما الفلاح فشمولي ، النجاح قد تنجح في جمع الأموال ، بيل غيتس يملك ثلاثة وتسعين ملياراً ، جوبز سبعمئة مليار ، أن تنجح في شيء أحادي أما الفلاح فشمولي ، أن تنجح مع الله معرفة ، وطاعة ، وعبادة ، وتقرباً ، أن تنجح في بيتك ، أن تنجح مع أسرتك ، أن تنجح في عملك ، وأن تنجح في صحتك ، فإذا اجتمعت النجاحات شكلت فلاحاً ، والفرق كبير بين النجاح والفلاح ، ولم ترد كلمة نجاح إطلاقاً في القرآن الكريم بل وردت كلمة الفلاح .
المذيع :
شيخنا ؛ الدعاء واضح في معنى الآية :
﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾
محور هذه الآيات الدعاء ، لو تحدثنا عن مكانة الدعاء في الإسلام ؟
مكانة الدعاء في الإسلام :
الدكتور راتب :
أنت حينما تدعو الله ماذا يستنبط من دعائك ؟ أنك مؤمن بوجوده ، وأنك مؤمن بأنه يسمعك ، وإذا سكت فهو يعلم ، وأنك مؤمن أنه قادر على أن يلبي دعاءك ، وأنك مؤمن أنك محبوب له ، قادر على تلبية طلبك ، ويحب أن يلبي طلبك ، فكلمة دعاء وحدها فيها أربعة أو خمسة شروط أساسية في الإيمان ، آمنت بوجوده ، ووحدانيته ، آمنت بقدرته ، آمنت بعلمه ، آمنت بمحبته ، لذلك الدعاء هو العبادة ، والدعاء مخ العبادة ، والحقيقة العبادة دعاء ، وكل العبادات تنطلق من الدعاء ، ومن التلبية .
المذيع :
فضيلة الشيخ قال :
﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾
انشراح الصدر ، تيسير الأمر ، عقدة اللسان ، كلها حتى يفقه القول ، من هنا نفهم هذا الدعاء ، أهمية هذه العناصر ربما في إيصال الخطاب ، أو في الدعوة إلى الله .
الدعوة إلى الله تخاطب النفوس وتحملها على طاعة الله :
الدكتور راتب :
الحقيقة العلم شيء ، والدعوة شيء ، العلم معلومات ، نصوص ، أدلة ، براهين ، موازنات ، مقاربات ، تعليقات ، شرح ، أما الدعوة فتخاطب النفوس ، تحملها على طاعة الله ، فالدعوة كبيرة جداً ، لذلك :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
يوجد بالآية دقائق عميقة جداً ، دعا إلى الله إما بلسانه ، أو بعمله ، وبعمله دعوة صامتة ، وهذه أبلغ من الدعوة الناطقة ، هناك دعوة صامتة ، ودعوة ناطقة ، دعا إلى الله ، الآن دعوته بالحياة :
﴿ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾
أي كسب ماله ، إنفاق ماله ، علاقاته ، اختيار حرفته ، اختيار زوجته ، تربية أولاده، بأيام الفرح ، بأيام الحزن ، بأيام القوة ، أيام الضعف ، مع الطرف الآخر ، مع الأقوياء ، مع الأغنياء ، يوجد مليون علاقة .
الدين منهج تفصيلي :
والحقيقة الدقيقة أن الدين من عظمته أنه منهج تفصيلي ، يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان ، من فراش الزوجية ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، منهج تفصيلي ، أما الصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة فهذه عبادات شعائرية ، أنت تأتي إلى المسجد كي تتلقى أمر الله من الخطيب ، أو من درس ديني ، وتعود إلى المسجد كي تقبض الثمن ، أما الدين الحقيقي ففي بيتك ، في عملك ، في صناعتك ، في تجارتك ، في سفرك ، في إقامتك ، في حضرك ، في بيعك ، في شرائك ، هذا الدين ، الدين منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، وما لم يخضع الإنسان لهذه التفاصيل لن يقطف العبادة الشعائرية .
(( يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثوراً ، قيل: يا رسول الله جلهم لنا ؟ قال : إنهم يصلون كما تصلون ، ويأخذون من الليل كما تأخذون ، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))
(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ))
انتهى الصوم .
(( من حج من مال حرام ، ووضع رجله في الركاب وقال : لبيك اللهم لبيك ، ينادى أن لا لبيك ولا سعديك ، وحجك مردود عليك ))
الزكاة :
﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾
بقي الشهادة :
(( من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل : وما حقها ؟ قال : أن تحجزه عن محارم الله ))
فهذه الأركان مبنية على الاستقامة ، وما لم نستقم على أمر الله لن نقطف من ثمار الدين شيئاً ، يبقى الدين عندئذٍ فولكلوراً ، يبقى عادات ، تقاليد ، طقوساً ، أو بالمصطلح الحديث خلفية إسلامية ، أرضية إسلامية ، توجهات إسلامية ، مشاعر إسلامية ، قوس إسلامي ، بطاقة معايدة إسلامية .
المذيع :
شكليات ، شيخنا في قول موسى عليه السلام :
﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾
هنا ربما فيها إشارة لمن يعتمد على نفسه ، أو يبالغ في الاعتماد على نفسه ، أنه أنت مهما بذلت من جهد ، أو من عمل ، أو باتخاذ للأسباب لم ييسر لك الأمر ، فلن تنال ما كسبت .
عدم تحقيق أي شيء في الكون إلا بإرادة وتوفيق الله :
الدكتور راتب :
آية واحدة في كتاب الله :
﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ﴾
هذه ما وإلا تفيد الحصر والقصر ، لا يتحقق شيء في الأرض ، في القارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة إلا بتوفيق الله ، هذا التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، هذا هو التوحيد .
المذيع :
إذاً في قوله تعالى :
﴿ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾
هنا شيخنا ، الفصاحة في بيان الحق وتبليغه أهمية كبرى ، واضحة معاني هذه الآيات ، كيف نفهم هذا المعنى من قول موسى عليه السلام ربما فاده ذلك في الدعوة إلى الله ؟
أهمية الأسلوب وفصاحة اللسان في الدعوة إلى الله :
الدكتور راتب :
الحقيقة الدعوة في النهاية كلام ، فالكلام إن لم يكن واضحاً ، إن لم يكن قوي البناء، إن لم يكن بليغاً لا يتأثر المستمع ، تقريباً بالضبط ماء صاف زلال ، إذا وضع في وعاء ليس جيداً فسد ، أما الماء الصافي بكأس كريستال فيزداد تألقاً ، فالبطولة المضمون الاستقامة ، والعمل الصالح ، والوقوف عند حدود الله ، وضبط الدخل حلال وحرام ، ومعرفة بالله ، وتأتي الأمور الشكلية تؤكد هذا المضمون القوي فلابد من مضمون وشكل ، الشكل مطلوب ، والشكل مطلوب .
المذيع :
وأنتم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي كداعية إسلامي ربما أكثر من تدرك أكثر أهمية الأسلوب والتسليم وفصاحة اللسان .
الدكتور راتب :
للتقريب الإمام الشافعي يقول : من دعا إلى الله- أي يوجد مأساة كبيرة وحدثهم بالحيض والنفاس- فقد خان الله ورسوله ، فالبطولة أن تعالج الموضوع الساخن ، الموضوع الذي يهتم له الإنسان ، الموضوعات الساخنة ، الموضوعات الحساسة ، الموضوعات المصيرية ، ما لم يجعل الداعية من دعوته حداً لما نعاني ، لمشكلاتنا ، لأزماتنا ، لمطامحنا ، لأخطارنا ، ما لم تضع يدك على الموضوع الساخن ، فهذا الداعية بتعريف الإمام الشافعي : خان الله ورسوله .
المذيع :
فضيلة الدكتور ؛ نحن كأمة كيف ممكن أن ننجح في نقل هذا الرسالة ؟ في الدفاع عن ديننا ؟ وأنت تعلم حجم ربما الهجمة الإعلامية ، والهجمة الفكرية على الأمة الإسلامية الشرقية بشكل عام ، ما دورنا كأمة في مجابهتها ؟
دور الأمة في مواجهة الهجمة الإعلامية والهجمة الفكرية على الإسلام :
الدكتور راتب :
كدور حينما نؤمن إيماناً قطعياً أن الله بيده كل شيء ، وأن الله لا يتخلى عن عباده المؤمنين دائماً وأبداً ، فإذا اقتربنا من المقاييس الأرضية وحدها دخل إلى قلبنا اليأس ، لأن التشاؤم ، والسوداوية ، واليأس ، والإحباط ، هذه تقترب من الكفر .
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
ما معنى : وما كان ؟ أنا قد أسأل إنساناً : هل أنت جائع ؟ يقول لي : لا ، لا فقط، أما إنسان محترم جداً سألته : هل أنت سارق ؟ يقول : لا فقط ؟ يقول : ما كان ليس أن أسرق ، أول جواب نفي الحدث ، ثاني جواب نفي الشأن ، ما كان لي ، لا أفعل ، ولا أصدق ، ولا أوافق، ولا أغطي ، ولا ، ولا ، عد علماء البلاغة كلمة وما كان كذا تنفي الشأن ، تنفي اثني عشر فعلاً .
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾
وردت في القرآن وما كان الله تفيد نفي الشأن ، أي هذا مستحيل وألف مستحيل .
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
أي يا محمد ما دامت سنتك قائمة في حياتهم هم في مأمن من عذاب الله ، لذلك قالوا : ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة ، وسميت المصيبة مصيبة لأنها تصيب الهدف، يوجد كبر ، إذلال ، إسراف ، تقتير ، أي مرض نفسي يقابله علاج إلهي ، الله غني عن تعذيبنا .
المذيع :
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي لو عدنا لما أشرت إليه من الأسلوب في الدعوة والخطاب ، في حال نجحت الأمة ، ونجح الدعاة في إتقان لغة الخطاب ، ما هو الأثر الإيجابي لإتقان لغة الدعوة إلى الله .
الأثر الإيجابي لإتقان لغة الدعوة إلى الله :
الدكتور راتب :
صحوة دينية ، عودة إلى الله .
﴿ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ ﴾
والله جميع وعود الإله للمؤمنين تتحقق كلها من دون استثناء ، المشكلة الله عز وجل ذات كاملة ، كمال ، وجمال ، وجلال ، فإذا عرفته وأقبلت عليه ، فمن سابع المستحيلات ألا تكون في أعلى عليين ، أنت في أعلى عليين ، والأمر بيد الله عز وجل .
عفواً ؛ لو أن إنساناً واقف على الشاطئ ، قد تأتي موجة عاتية تأخذه إلى البحر ، فإذا كان يقف على رأس جبل وهناك موجة ؟ فالمؤمن بإيمانه القوي ، وثقته بالله ، وإيمانه أن الله هو الفعال ، ما معنى لا إله إلا الله ؟ لا فعال إلا الله ، لا معطي ، ولا مانع ، ولا رافع ، ولا خافض ، ولا معز ، ولا مذل إلا الله ، هذا التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، التوحيد ألا ترى مع الله أحداً ، التوحيد أن ترى أن يد الله وحدها تعمل في الخفاء .
المذيع :
في الآية التاسعة والعشرين فضيلة الدكتور من سورة طه :
﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي ﴾
برأي فضيلة الدكتور ما الحكمة من طلب موسى عليه السلام مؤازرة أخيه في هذه المهمة ؟
الحكمة من طلب موسى عليه السلام مؤازرة أخيه في مهمته :
الدكتور راتب :
الجماعة رحمة ، والفرقة عذاب ، ونحن نحتاج إلى فريق عمل ، الآن هذا مصطلح معاصر ، نحن بحاجة إلى فريق عمل ، دائماً رأي الفرد وحده لا ينجح ، النبي الكريم استشار استشارة حقيقية ، اختار الموقع في معركة ، جاء صحابي بأعلى درجة من الأدب والشفافية قال له : هذا الموقع وحي أوحاه الله إليك أم هو الرأي والمشورة ؟ قال له : هو الرأي والمشورة ، قال له : ليس بموقع ، يخاطب سيد الخلق وحبيب الحق ، يخاطب المعصوم الذي يوحى إليه ، قال له : ليس بموقع ، قال له : أين الموقع ؟ قال له : هنا ، أعطى النبي أمراً فانتقل الناس إلى هذا المكان .
لذلك كلمة :
﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾
مشاورة حقيقية ، أما النبي الكريم بكل شيء يتعلق بالعلاقة بالله فقد ذكره ، أما أنتم فأعلم بأمور دنياكم ، نريد أن ننشئ سداً ، نحتاج إلى خبراء ، مساحة السد مثلاً ، شكل السد ، احتياطات السد ، كلها تحتاج إلى خبراء .
(( أنتم أعلم بأمر دنياكم ))
أما كل شيء متعلق بالدين واحد من مليار من أثر إيجابي بالدين أو سلبي من الذي ذكره فما ترك شيئاً متعلقاً بالله عز وجل ما ذكره ، أما في الدنيا الآن تحتاج إلى خبراء ، إلى أناس عندهم إتقان بالصناعة ، بالتجارة ، بالزراعة .
(( أنتم أعلم بأمر دنياكم ))
المذيع :
شيخنا ؛ إذاً هنا اختيار موسى عليه السلام لهارون ألا ترى فيه اختيار من هم كفء وثقة أيضاً ، أي يجب على الداعية أن يختار ؟
الكفء و الثقة صفتان على الإنسان التمسك بهما عند اختيار من حوله :
الدكتور راتب :
قال له :
﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي ﴾
إذاً هي رسالة ليست مع الفصيح ، ليست مع المتكلم ، رسالة مع القريب من الله عز وجل ، هارون أفصح من سيدنا موسى ، نحن عندنا فصاحة قلب وفصاحة لسان ، الذي يرقى عند الله فصيح القلب ، الموصول بالله عز وجل ، أو أكثر وصولاً إلى الله .
المذيع :
شيخنا ؛ أنا كان سؤالي هنا عن اختيار الثقة ، أي الداعية ، ونحن هنا بدأنا موضوع الدعوة والدعاة بالإسلام ، الداعية ما أهمية أن يختار من حوله أو فريق عمل كما أشرت ؟
الدكتور راتب :
سيدي هذا اسمه فريق عمل .
المذيع :
أنت قلت : فريق عمل ، أنت سميته ، أن يكون من الثقات ، من أهل الخير لكن من الثقات ، ويتحلى بالفصاحة.
أكبر نعمة أن يكون من حولك على شاكلتك :
الدكتور راتب :
الجواب دقيق جداً ، النبي الكريم قال :
(( إن الله اختارني واختار لي أصحاباً ))
معنى ذلك لكرامة الإنسان عند الله يجعل له أصحاباً على مستواه .
(( إن الله اختارني واختار لي أصحاباً ))
إذاً الإنسان كلما اقترب من الله هيأ الله له فريق عمل قريباً منه ، بفكره ، وأدبه ، واستقامته ، وهذه نعمة كبيرة ، أنا أقول لك كلمة : لا يوجد نعمة تفوق أن يكون الذين حولك على شاكلتك .
(( إن الله اختارني واختار لي أصحاباً ))
وهذا شيء للمستقبل ، أي داعية صادق ،حوله أناس صادقون ، أي داعية يبتغي وجه الله وحده حوله أناس موحدون ، نعممها أكثر ؛ والزوجات نفس الشيء ، واختار الله لنبيه زوجات صالحات .
واحدة تخطب لتكون السيدة الأولى في المجتمع فتعتذر كيف ؟ خطبها النبي الكريم، سيد الخلق وحبيب الحق ، وسيد ولد آدم وتعتذر ؟ قالت له : لي أولاد خمس أخاف إن قمت بحقهم أن أقصر بحقك ، وأخاف إن قمت بحقك أن أقصر بحقهم ، ما هذه المرأة التي أتيح لها أن تكون السيدة الأولى في المجتمع فاعتذرت ؟
هكذا ربى النبي أصحابه ، علماء ، حكماء ، كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء .
المذيع :
شيخنا في معالجة الهموم الكبيرة والعقبات الشديدة في الدعوة إلى الله كيف يمكن أن نفهمها من هذه الآيات ، ونحن نعلم سياق هذه الآيات ، وقصة موسى عليه السلام ، وكم حجم الكرب والهم الذي كان فيه ؟
للصابر عطاء إلهي بغير حساب :
الدكتور راتب :
إذا إنسان أعطاك شيكاً بمليون دولار ، الرقم محدد ، شيكاً آخر بنصف مليون ، شيكاً بمليونين ، فإذا أعطاك شيكاً موقعاً والرقم متروك لك .
المذيع :
شيك مفتوح .
الدكتور راتب :
شك مفتوح ، هذا اسمه :
﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾
الصابر وحده له عطاء إلهي بغير حساب .
﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾
والصبر مفتاح الفرج ، والصبر هو السعادة ، لكن الوقت ليس بيدي ، بيد الله عز وجل ، أما أنا أطلب من الله بوقت معين فهذا شيء لم يرد إطلاقاً .
المذيع :
طلب الدعاء هنا شيخنا بعد قول موسى عليه السلام :
﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾
كأن هذا الدعاء والطلب لا لحاجة شخصية لنفسه بل إنما فقط ليبلغ الدعوة إلى الله.
صحة انفعالك من صحة إدراكك وصحة سلوكك من صحة انفعالك :
الدكتور راتب :
أعطيك مثلاً دقيقاً : لو شخص قلنا له : على كتفك عقرب شائلة ، بقي هادئاً ومبتسماً وقال : أنا شاكر لك هذه الملاحظة ، وأرجو الله أن يمكنني أن أكافأك عليها ، هل فهم ما قلت له ؟ طبعاً لا ، لو فهم لقفز ، وخلع معطفه .
لذلك عندنا قانون دقيق جداً ؛ الإدراك ، الانفعال ، السلوك ، إن لم تنفعل فلم تدرك، وإن لم تتحرك فلم تنفعل ، إدراك تمشي بالبستان ، وجدت أفعى ، والأفعى شائلة وكبيرة ، إن لم تدرك خطورة سمها لن تنجو إطلاقاً ، إدراك ، وإن لم تنفعل لم تدرك ، وإن لم تتحرك لم تنفعل ، إدراك ، انفعال ، سلوك ، قانون ، صحة انفعالك من صحة إدراكك ، وصحة سلوكك من صحة انفعالك ، فكل شيء نراه خطيراً لا بد من أن ننفعل ، ثم نتحرك ، فإذا اكتفينا بالتنديد ، والتعليق، والمداخلة الفارغة ، هذا لا يقدم ولا يؤخر.
المذيع :
في الآية التي قلت فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي :
﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾
ثم أتت هذه الآيات بطلب شرح الصدر ، وتيسير الأمر ، وحل العقدة ، وأيضاً طلب الوزارة من الله .
معية الله عامة و خاصة :
الدكتور راتب :
قال :
﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا ﴾
يا الله !
﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾
إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
المعية لها معنيان ، معية عامة ، ومعية خاصة ، المعية العامة :
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ َ﴾
العلماء قالوا : معكم بعلمه فقط ، الله مع فرعون حينما فعل ما فعل ، مع موسى ، مع أعدائه ، مع أوليائه ، مع النبيين ، مع الصديقين ، مع الشهداء ، معية علم فقط .
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ َ﴾
مع الكافر ، مع الفاسق ، مع المجرم ، معه بعلمه ، لكن إذا قال الله عز وجل :
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ َ﴾
يا الله ! هذه معية خاصة ، معهم بالنصر ، معهم بالتأييد ، معهم بالتوفيق ، معهم بالحفظ ، المعية الخاصة هي هدف كل مؤمن .
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ َ﴾
وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ من يجرؤ أن ينال منك ؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
المذيع :
جزاك الله خيراً شيخنا .
آخر سؤال لهذه الحلقة قوله تعالى :
﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى َ﴾
دعاء موسى عليه السلام هل فيه إشارة إلى أهمية اتخاذ الأسباب والاستعداد وتقدير الموقف بخطورته ؟
بطولة الإنسان أن يجمع بين الأخذ بالأسباب و التوكل على رب الأرباب :
الدكتور راتب :
بارك الله بك على هذا السؤال ، هذا أهم سؤال باللقاء كله .
البطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، الغرب أخذ بالأسباب ، واعتمد عليها ، وألهها ، وقع في الشرك ، والشرق لم يأخذ بها أصلاً ، وقع في المعصية ، أما البطولة فأن تجمع بينهما ، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، هذه ليست سهلة ، الأخذ بالأسباب .
أنت عندك سفر للعقبة ، لأي مكان جميل ، تراجع المحرك ، والزيت ، والعجلات ، وكل شيء بالسيارة ، وبعدئذٍ تقول : يا رب أنت وحدك الحافظ ، القضية ليست سهلة ، إن أخذت بالأسباب بدقة بالغة ضعف التوكل ، وإن تواكلت ضعف الأخذ بالأسباب ، البطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
خاتمة و توديع :
المذيع :
﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾
شكراً جزيلاً لكم فضيلة الداعية الإسلامي الدكتور محمد راتب النابلسي على هذا اللقاء ، وعلى هذه الكلمات الطيبة في الحلقة الأولى من برنامج : "ربيع القلوب" .
حياكم الله شيخنا وأهلاً وسهلاً بكم ، تحية لكم مستمعينا الكرام ، نلتقي إن شاء الله تعالى في حلقة جديدة من ربيع القلوب .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته