- ندوات إذاعية / ٠22برنامج ربيع القلوب - إذاعة القرآن الكريم الدوحة
- /
- ٠2 ربيع القلوب 2 - أحاديث عام 2020
مقدمة :
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أسعد الله أوقاتكم مستمعينا الكرام بكل خير ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أحييكم عبر إذاعة القرآن الكريم من الدوحة ، في هذه الحلقة الجديدة من برنامج : "ربيع القلوب" .
بداية أعزائي المستمعين لكم التحية من فريق العمل ، نواصل معكم مستمعينا الكرام تدبر آيات الله ، اليوم نتوقف عند آية من الآيات ، في سورة آل عمران ، عند قول الله تعالى :
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
لثمرات الإيمان مستمعينا الكرام سرعة الاستجابة لأوامر الله ، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا شك أن قولنا :
﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
له عظيم النفع ، وبالغ الأثر في كشف الضر والبلاء لما فيه اعتصام بالله عز وجل، وركون إليه ، وتفويض الأمر له ، وإظهار التوكل عليه سبحانه ، وهو دعاء يناسب كل موقف يصيب المسلم ، فيه همّ ، أو فزع ، أو خوف ، أو شدة ، أو كرب ، أو مصيبة ، فيكون لسان حاله ومقاله الالتجاء إلى الله ، والاكتفاء بحمايته ، وجانبه العظيم عن الخلق أجمعين .
﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
قالها محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام بعد غزوة أُحد حين قيل لهم :
﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
فحفظهم الله عز وجل ، ورجعوا بعافية ، وفضل من ربهم ، لم يمسسهم مكروه من عدو ولا أذى ، قال تعالى :
﴿ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾
نتوقف ونتدبر هذه الآيات من سورة آل عمران مع ضيف البرنامج الدائم الداعية الإسلامي فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، حياكم الله شيخنا الفاضل ، وأهلاً وسهلاً بك .
الدكتور راتب :
بارك الله بك ، ونفع بك ، وأعلى قدرك .
المذيع :
حفظكم الله مولانا ، لو بدأنا في المعنى العام لهذه الآيات :
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
المؤمن إنسان عرف الله ووصل إليه فنال رعايته و حفظه :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أريد أن ألخص هذا الذي تفضلت به قبل قليل : " إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟"
الله عز وجل الذات الكاملة ، طليق القوة والإرادة ، بيده كل شيء .
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾
إذا كان الله معك من يجرؤ من بني البشر مهما كان قوياً أن ينال منك ؟ أو أن يصل إليك ؟ كلمة دقيقة جداً الله عز وجل خاطب النبي الكريم فقال له :
﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾
كيف ؟ للتقريب : إنسان تزوج ولم ينجب ، بعد عشر سنوات أنجب طفلاً آية في الجمال ، تعلق به تعلقاً مذهلاً ، فإذا أخذه إلى حديقة لا يحيد بصره عن ابنه إطلاقاً .
﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾
من شدة حبه ، من شدة فرحه به ، المؤمن بالتعبير المألوف غال على الله ، كل صفة خاصة بالنبي الكريم لكل مؤمن منها نصيب ، قد يكون قليلاً أو كثيراً ، بقدر إيمانه وإخلاصه ، أي المؤمن ليس من السهل أن ينتهي في الحياة إلا بشكل مشرف .
مثلاً النبي الكريم أُعطي دواء ذات الجنب - هو الورم الخبيث - فغضب ، قال : ذاك مرض ما كان الله ليصيبني به ، انظر إلى الثقة بالله عز وجل .
وكل مؤمن اصطلح مع الله ، استسلم لله ، طبق شرع الله ، تحرك وفق منهج الله ، له مكانة عند الله عز وجل ، والله بيده كل شيء لا يتخلى عنه ، أنا أقول : زوال الكون أهون على الله من أن يتخلى عن المؤمنين ، لا يمكن ، هذا ظن الذين كفروا ، هذا ظن الأقوياء البعيدين عن الله عز وجل .
﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾
الله يوفق المؤمن ، يصلح شأنه ، يقيل عثرته ، يلفت نظره عندما يخطئ .
﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾
المؤمن إنسان عرف الله ، ووصل إليه على تفاوت طبعاً بين الناس ، على كل له مكانه عند الله كبيرة جداً مهما يكن بين الناس مقاييس مادية ليست في صالحه .
﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ ﴾
ولو كنتم قلة ، ولو كنتم ضعافاً :
﴿ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾
من هنا نستنبط أن وعود الله عز وجل زوال الكون أهون على الله من ألا تحقق أبداً.
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
كلمة واحدة تثير الاستغراب :
﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾
فإذا عبدنا الله ، طبقنا منهجه ، خضعنا لأمره ، فنحن في حرز حريز ، وحصنٍ حصين .
﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾
من يجرؤ أن ينال منك إذا كان الله معك ؟ إن لم تكن مع الله ما كان الله معك .
معية الله نوعان ؛ عامة و خاصة :
أنا أتمنى بهذه الدقيقة أن أبين أن المعية نوعان ؛ معية عامة ، ومعية خاصة ، الله عز وجل يقول:
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾
أي معكم بعلمه ، مع الكافر ، مع الملحد ، مع الطاغية ، يعلم ما يفعل فقط ، معهم بعلمه ، أما إذا قال الله عز وجل :
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ َ﴾
فهذه معية خاصة ، هذه شيء دقيق جداً ، وثمين جداً ، معهم بالنصر ، بالتأييد ، بالحفظ ، يدافع عنهم .
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ َ﴾
وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ ابن ببلد والده الملك ، من يجرؤ من أقوى الأقوياء أن ينال منه ؟ فإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا وجد من فقدك ؟ وماذا فقد من وجدك ؟
المذيع :
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي في بداية الآية قول الله تعالى :
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ ﴾
من هم الذين قال لهم الناس ؟ ما المراد به ؟
النبوة أخلاق تواضع و إنصاف :
الدكتور راتب :
المؤمنون ، المؤمنون الذين كانوا مع رسول الله ، الناس قالوا لهم : جمعوا لكم ، انظر إلى كلمة جمعوا .
المذيع :
من الناس الأولى أم الناس الثانية ؟
الدكتور راتب :
السياق العام هذه الآية متعلقة بالصحابة ، فالناس من حولهم قالوا لهم : إنكم لستم بقوة أعدائكم ، الأعداء يملكون قوة إمكانات عالية جداً ، إمكانات اجتماعية ، وإمكانات مالية ، هم قلة قليلة ، الحقيقة انتصار الصحابة شيء لا يصدق ، ثلاثمئة ، والكفار ألف .
أذكر أن النبي الكريم قال : كل ثلاثة على راحلة ، الرواحل ثلاثمئة ، والصحابة ألف ، قال : كل ثلاثة على راحلة ، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة ، سيد الخلق ، زعيم الأمة، القائد ، الرسول ، ليس له راحلة خاصة به ! فركب النبي الكريم الراحلة ، فلما جاء دوره في المشي توسل صاحباه أن يبقى راكباً ، فقال كلمة مذهلة ، قال : ما أنتما بأقوى مني على السير، ولا بأغنى منكما على الأجر ، هذه النبوة ، أخلاق ، تواضع ، إنصاف .
جمعوا في غزوة لمعالجة شاة ذبحوها ، قال أحدهم : عليّ ذبحها ، وقال الثاني : عليّ سلخها ، وقال الثالث : عليّ طبخها ، فقال عليه الصلاة والسلام وهو رسول الأمة ، نبي الأمة ، زعيم الأمة ، قائد الجيش : وعليّ جمع الحطب ، فقالوا : نكفيك ذلك يا رسول الله ، قال : أعلم أنكم تكفونني ، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه ، هذه النبوة أخلاق ، تواضع ، إنصاف .
لذلك قال أبو سفيان : ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً .
نحن بحاجة إلى حب ، هناك تقنية عالية ، وسائل رائعة جداً بحياتنا ، لكن لا يوجد حب ، نحن بحاجة إلى حب ، بحاجة إلى حب في الله ، ونخاف من حب مع الله ، الحب في الله عين التوحيد ، والحب مع الله عين الشرك .
المذيع :
شيخنا هل يمكن أن نفهم من المقصود بالناس الأولى الذين قالوا :
﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ﴾
هناك نوع من التثبيط ، هل يمكن أن يكون هناك إشارة للمنافقين مثلاً ؟
المنافق إنسان بعيد عن الدين استفاد من إعلان إسلامه بمكاسب دنيوية :
الدكتور راتب :
طبعاً ، الحقيقة كلمة دقيقة ، الكافر يلتقي مع المنافق ، الكافر كفره واضح ، المنافق أخطر ، المنافق تظنه مؤمناً ، يثبط من الداخل ، لذلك بالبقرة وصف المنافقون بسطرين ، والكفار بسطرين ، والمنافقين بعشرين سطراً ، لهم ظاهر وباطن ، موقف معلن ، وموقف حقيقي، يتكلمون ما لا يعتقدون ، يفعلون ما لا يرضي الله ، فالنفاق خطير جداً ، وأنا أرى أن المنافق هو إنسان بعيد عن الدين ، إلا أنه استفاد من إعلان إسلامه بمكاسب دنيوية ، فقد جمع بين ميزات المؤمنين بالمكاسب ، وميزات الكفار إن صح التعبير بالعداء للدين .المذيع :
فضيلة الدكتور :
﴿ فَاخْشَوْهُمْ ﴾
الفرق بين الخوف والخشية ؟
الفرق بين الخوف والخشية :
الدكتور راتب :
الخوف من شيء قريب ، الخشية ؛ متوقع ، هناك شيء متوقع لكن لم يقع بعد ، هذا الخوف ، أما الخشية فشيء أمامك ، شيء خطير أمامك ، أما الخشية فمتوقع .
المذيع :
الخوف من المستقبل في قوله تعالى فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي :
﴿ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً ﴾
الضمير هنا على من يعود ؟
الإيمان تصديق وإقبال و الكفر تكذيب وإعراض :
الدكتور راتب :
الصحابة استعانوا بالله وهم ضعاف فلما نصرهم الله ازداد إيمانهم قوة .
الآن سؤال : إذا دعوت الله صادقاً في أمر خطير ، والله لباك يزداد إيمانك بالله قوةً ، تزداد ثقتك بالله رحمةً ، حينما يلبي الله دعاءك تزداد أنت إيماناً ، الإيمان عفواً ، الإيمان متفاوت، الإيمان تصديق وإقبال ، الكفر تكذيب وإعراض ، فلما لبى الله دعاءك واستجاب لك صار هناك إقبال زائد ، الإقبال الزائد على الله هو زيادة الإيمان ، حينما يلبي الله دعاءك يزداد إيمانك قوة .
المذيع :
في أرض المعركة كم هي مهمة زيادة الإيمان في النفس ؟
زيادة الإيمان في النفس مع الثقة و الثبات بيد الله عز وجل :
الدكتور راتب :
هناك معطيات مادية ، ألف وثلاثمئة ، ألف مع سيوف فتاكة ، ألف مع أسلحة متدنية جداً ، بالأشياء المادية النصر لهم ، فإذا ألقى الله في قلبهم الرعب هذا أكبر سلاح ، الله يقذف في قلب الآخر الرعب ، يقذف في قلب المؤمن الثقة والثبات ، المعادلة من الله عز وجل ، شخص يملك خيطين ، الثاني يملك مليون خيط ، فالذي يملك مليون سبب أقدر على النصر من إنسان يملك خيطين فقط .
المذيع :
﴿ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
يكفينا .
بطولة الإنسان أن يكون مؤمناً مصدقاً بكتاب الله :
الدكتور راتب :
حسبنا ؛
يكفينا ، يكفينا أن الله معنا ، يكفينا أن الله وعدنا بالنصر ، وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، بأي عصر ، وعود قائمة سيدي ، فالبطولة أن تكون مؤمناً ، أن تكون مصدقاً بهذا الكتاب ، أن تكون مستقيماً على أمر الله .
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾
ولا تعبأ بالمستقبل .
المذيع :
هذه الكلمة فضيلة الدكتور كانت على لسان أولي العزم من الرسل إبراهيم عليه السلام ، قال في أعظم محنة حينما أبتلي وألقي في النار ، والنبي عليه الصلاة والسلام في غزوة حمراء الأسد قال : حسبنا الله ونعم الوكيل ؟
الدكتور راتب :
وبالغار .
المذيع :
نحن متى نستخدم هذه الكلمة لتكون في محلها ؟
من كان الله معه فقد فاز فوزاً عظيماً :
الدكتور راتب :
عفواً ، سؤال : الحوت وزنه حوالي مئة وخمسين طناً ، خمسون طناً لحماً ، خمسون طناً عظماً ، خمسون طناً زيتاً ، مئة وخمسون طناً ، شخص دخل لفم الحوت .
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ﴾
في ظلمة الليل ، وفي ظلمة البحر ، وفي ظلمة بطن الحوت .
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
أي مهما تكن المصيبة كبيرة ليست أن تكون في بطن حوت ، أو في فم حوت ، يقف في فمه عشرة أشخاص ، بفم الحوت يقف عشرة أشخاص وهم واقفون ، آية دقيقة ، من دقتها أن الله قلب القصة إلى قانون .
﴿ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
قلبها إلى قانون ، أي الملخص : إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
المذيع :
المؤمن يقول هذا الدعاء فقط في أوقات الشدة والكرب ؟
المذيع :
الدعاء هو العبادة :
الدكتور راتب :
لا ، دائماً ، الدعاء عبادة ، الدعاء هو العبادة ، أنت قبل أن تدخل إلى البيت يا رب يسر لي أمري ، أحياناً يدخل الإنسان إلى البيت يجد مشكلة كبيرة ، دخل للبيت وهو مستسلم لله يجد الأمور كلها مقبولة ، أي علاقته بزوجته ، بأولاده ، بمن حوله بالدائرة ، بتجارته ، الدعاء هو العبادة ، والبطولة أن تدعو الله دائماً .
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾
هو ينتظرنا ، والدعاء مخ العبادة ، والدعاء هو العبادة ، من أنت ؟ أنت ضعيف ، الله قوي ، فقير ، الله غني ، لا تعلم ، الله يعلم ، تستعين بالخالق ، بقدرته ، بحلمه ، بحكمته ، فالدعاء هو العبادة ، الدعاء هو الدين ، وكلما زاد إيمانك كثر دعاؤك ، يا ربي تبرأت من حولي وقوتي وعلمي والتجأت إلى حولك وقوتك وعلمك يا ذا القوة المتين ، إني ضعيف ، قوي في رضاك ضعفي يا رب .
المذيع :
فضيلة الدكتور؛ لو توقفنا عند الدروس التربوية لهذه الآية :
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
الدروس التربوية من الآية السابقة :
الدكتور راتب :
أي لا تقلق على هذا الدين ، ولا تقلق على نفسك ، إنه دين الله ، ولكن اقلق إذا ما سمح الله لك أو لم يسمح أن تكون جندياً له ، هذا دين الله عز وجل ، فالبطولة أن تسهم في نصرته ، بكلمة ، بمبلغ ، بنصيحة ، بموقف ، أما إذا تخليت عن نصر هذا الدين فأعداء الدين أقوياء ، أقوى منك ، الأقوياء ملجمون بفضل الله ، فإذا الأقوياء أرادوا أن ينالوا منك وأنت بعيد عن الله يسمح الله لهم طبعاً .
عفواً مثل بسيط : عشرون وحشاً كاسراً ، وحوش مفترسة وجائعة ، مربوطة بأزمة محكمة ، بيد جهة ، هذه الجهة رحيمة ، حكيمة ، عادلة ، فأنت علاقتك مع الوحوش الكاسرة أم مع التي تملكها ؟ مع من يملكها ، أما هذا الوحش الكاسر إذا أرخي له الحبل فسيصل إليك ، لذلك الآية تقول :
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ﴾
تحدّ .
﴿ ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
هذا الوحش مربوط بحبل متين ، إن أرخي هذا الحبل وصل إلينا ، وإذا مُنع عنا نحن في أمن وأمان ، لذلك الله عز وجل قال :
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
فقط :
﴿ وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
أهمية القصر و الحصر في القرآن الكريم :
يوجد ملمح دقيق بالآية :
﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾
لو أن الله قال : أولئك الأمن لهم ، اختلف المعنى ، أي الأمن لهم ولغيرهم ، أما :
﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾
صار هناك قصر وحصر ، أي إذا أنت قلت في الصلاة : نعبد إياك ، نفس الكلمتين بدلت الترتيب ، الصلاة باطلة ، إذا قلت : نعبد إياك لا تمنع أن نعبد غيرك ، أما إذا قلت :
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾
هذه صلاة ، الله ما قال : أولئك لهم الأمن ، لهم الأمن لا تمنع أن تكون لغيرهم ، أما:
﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾
أصبح عندك قصر وحصر .
المذيع :
نتابع أيضاً فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي في الآية التي تليها :
﴿ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾
﴿ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ﴾
تقدمت النعمة والفضل قبل عدم مساس السوء مع أن الموضع كان موضع معركة.
ظن النجاة دائماً يسبق النتيجة عند المؤمن الواثق بعظمة الله :
الدكتور راتب :
المؤمن حسن ظنه بالله قوي جداً
حسن الظن بالله ثمن الجنة ، فأنت إذا أقدمت على عمل خطير ، لأنك مؤمن واثق من عظمة الله ، ومن محبته لك ، ومن حرصه على سلامتك ، أنت ظن النجاة تسبق النتيجة ، ظنك بنجاتك من هذا الموقف الصعب يسبق حدوث النجاة ، تتوقع النصر ، لأن الإنسان المؤمن يتوقع من الله كل خير ، ما دام هو صح ، دخله حقيقي ، بيته منضبط ، وعمله مشروع ، لا يوجد عنده مخالفة ، يعمل لمرضاة الله ، عنده يقين أنه شيء طبيعي جداً أن الله لا يتخلى عنه ، فيأتي تصور النصر قبل وقوعه كما تفضلت .
المذيع :
في قوله تعالى :
﴿ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ﴾
هل هنا الواو شيخنا ودلالة هذه الجملة باتباع رضوان الله ؟
ثقة الإنسان بالله تدعوه أن يظن بربه ظناً حسناً :
الدكتور راتب :
وكانوا قد اتبعوا رضوان الله قبل هذه المعركة ، أنت عندما يكون دخلك حلالاً ، بالحياة المادية ، لا يوجد عندك دخل حرام ، ولا سهرة مختلطة فيها انحراف ، ولا كلام فيه كذب أو نفاق ، أنت واثق من استقامتك ، هذه الثقة لا تقدر بثمن ، هذه الثقة تدعوك أن تظن بالله ظناً حسناً ، والأثر القدسي يقول :
(( أنا عند ظن عبدي بي ، فليظن بي ما يشاء))
إن ظننت بالله خيراً ، نصراً ، حفظاً ، تأييداً ، دعماً ، يكون ذلك .
المذيع :
سوء ؛ توقفنا عندها شيخنا في حلقة ماضية ، السوء هي أعم ما قد يكون من أي ضرر أو شر .
السوء هو مطلق الضرر :
الدكتور راتب :
نعم ، مطلق الضرر .
المذيع :
وليس المقصود بها هنا سوء الهزيمة أو القتل ؟
الدكتور راتب :
لا ، بشكل عام الموضوع عام ، أنت عندما تقول : السوء؛ الهزيمة ، والمرض السوء ، والقتل السوء ، فأنت عندما تكون مع الله كان الله معك ، وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
المذيع :
﴿ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ ﴾
ما هو الفضل ؟ ما المقصود بالفضل ؟
تعريف الفضل :
الدكتور راتب :
الفضل ؛ من الصيغة ، أي أعطاك أكثر مما تستحق ، فضلك ، الفضل الزيادة ، هذا العمل ثمنه مئة ، أعطاك ألفاً .
المذيع :
﴿ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾
الدكتور راتب :
أقول كلمة عظيم دقيقة ، إذا انتهى العيد وقال طفل لخاله : معي مبلغ عظيم ، عيد، والعملة درهم قطري ، معه مبلغ عظيم ، أي معه مئة درهم قطري ، ريال قطري هنا ، وإذا قال أحد أعضاء الكونغرس : أعددنا لحرب العراق مبلغاً عظيماً أي أعددنا مئتي مليار ، نفس الكلمة قالها طفل ، قدرت الرقم ، قالها مسؤول كبير بالبنتاغون رقم آخر ، فإذا قال الله عز وجل:
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
ما قولك ؟ العظيم ، أعظم العظماء قال : أعددت لك مكافأة عظيمة ، إذا كان رئيس دولة أو رئيس جمهورية أراد أن يكافئ طالباً متفوقاً ، يعطيه بيتاً ، يعطيه سيارة ، يعطيه منحة جامعية للدكتوراه ، فكلما كان المطلوب منه عظيماً أعطاه عظيماً .
﴿ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
المذيع :
﴿ فَانْقَلَبُوا ﴾
ونختم بها شيخنا أي انقلاب من حال إلى حال ؟
انتصار المسلمين بفضل الله :
الدكتور راتب :
النقلة الفجائية ، عندك نقل تدريجي ، أما نقل من معركة ، احتمال الهزيمة كبير ، العدو قوي جداً ، فانتهت المعركة .
﴿ فَانْقَلَبُوا ﴾
بالنصر ، الانقلاب تحول مفاجئ .
خاتمة و توديع :
المذيع :
بارك الله بكم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي على هذا اللقاء ، وعلى هذا الحضور في أستوديو إذاعة القرآن الكريم من الدوحة .
شكراً لكم مستمعينا الكرام على حسن المتابعة والإنصات ، توقفنا في هذه الحلقة من برنامج ربيع القلوب عند قوله تعالى من سورة آل عمران :
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
نلتقي بإذن الله تعالى في حلقة جديدة نتوقف فيها مع آية من آيات الله نتدبرها مع ضيفنا الفاضل الدكتور محمد راتب النابلسي .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته