- ندوات إذاعية / ٠22برنامج ربيع القلوب - إذاعة القرآن الكريم الدوحة
- /
- ٠2 ربيع القلوب 2 - أحاديث عام 2020
مقدمة :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، حياكم الله مستمعينا الكرام عبر إذاعة القرآن الكريم من الدوحة ، في هذا اللقاء الجديد من برنامج " ربيع القلوب " .
لكم بداية التحية من فريق العمل ، من الإعداد محمود الدمنهوري ، الهندسة الإذاعية جابر بريدي ، ومني في التقديم مصابر الشهال .
كما العادة مستمعينا الكرام نتوقف عند آيات من كتاب الله عز وجل ، نتدبرها مع ضيفنا الفاضل فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي ، حياكم الله فضيلة الدكتور ، أهلاً وسهلاً بكم من جديد .
الدكتور محمد راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
وإياكم .
اليوم مستمعينا الكرام نتوقف عند آية من سورة النساء في قوله تعالى :
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً ﴾
وآية من سورة محمد عليه الصلاة والسلام :﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾
لم ينزل هذا الكتاب مستمعينا الكرام ليقرأ تبركاً فقط ، ولا لافتتاح الاحتفالات والمؤتمرات ، أو حتى للزينة ، والزخرفة ، لقد أحبّ الرعيل الأول من الصحابة رضوان الله عليهم القرآن الكريم ، وعملوا به ، واحتكموا إليه ، وتربعوا عليه ، فأعزهم الله بالقرآن ، وأعلى شأنهم ، وحولهم إلى أحسن حال ، فنقلهم من رعاة إبلٍ وغنم ، وعباد أصنام ، إلى قادة أمم وشعوب ، ومن قبائل متحاربة متخاصمة إلى أمة متآلفة متحابة ، ولقد عدّ العلماء تدبر القرآن وتفهم علومه والدعاء إليه من النصح لكتاب الله تعالى .وقال الإمام ابن جماعة رحمه الله تعالى : وينبغي له إذا تلا القرآن أن يتفكر في معانيه ، وأوامره ، ونواهيه ، ووعده ، ووعيده ، والوقوف عنده حدوده .
قال الإمام الزركشي رحمه الله تعالى : من لم يكن له علم ، وفهم ، وتقوى ، وتدبر ، لم يدرك من لذة القرآن شيئاً ، أفلا يتدبرون القرآن .
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي اليوم محور الحلقة يدور حول تدبر القرآن الكريم في هاتين الآيتين من سورة النساء ، وسورة محمد عليه الصلاة والسلام :
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾
لو بدأنا بمعنى التدبر العام فضيلة الدكتور ؟آيات الله الكونية والتكوينية والقرآنية قنوات سالكة لمعرفته :
الدكتور محمد راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أخي الكريم ؛ بارك الله بك ، ونفع بك ، الله عز وجل يقول :
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
كأن الله أراد أن تكون هناك قنوات سالكة لمعرفته ، هذه القنوات هي آياته ، الآيات أنواع ثلاث : آيات كونية ، وآيات تكوينية ، وآيات قرآنية ، .الآيات الكونية ؛ الموقف الكامل منها التفكر .
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾
إذاً الآيات الأولى الكون ، الموقف الكامل منها التفكر ، والتفكر الحقيقة الدقيقة أنه أقصر طريق لمعرفة الله ، وأوسع باب ندخل منه على الله ، لأنه يضعنا وجهاً لوجه أمام عظمة الله .ومضة واحدة : الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، أي يدخل في جوف الشمس مليون وثلاثمئة ألف أرض ، بينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، الله قال :
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾
أحد هذه البروج برج العقرب ، أنا رأيته في متحف فلكي عال جداً ، وضع خطوط بين نجومه كالعقرب تماماً ، في قلب هذا البرج نجم صغير أحمر متألق ، اسمه قلب العقرب ، يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، هذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟هذه آيات كونية ، الموقف الكامل منها التفكر ، والتفكر يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله ، هذه آية الاعتقاد بالله .
عندنا آيات تكوينية أفعاله ، الله قال :
﴿ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
الآية الثانية :﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا ﴾
الآن أفعاله ، خلقه الكون وما في الكون ، أما الآيات التكوينية فأفعاله ، فانظر مصير المنحرف ، ومصير المستقيم .﴿ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾
الفاء للترتيب على التعقيب .﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا ﴾
أنا ذكر لي قاض أن شخصاً حلف يميناً كاذباً ، أمسك الطاولة بيده اليسرى ، ووضع يده اليمنى على المصحف ، رفع يده ولم ينزلها ، قال له : أنزل يدك ، كان ميتاً ، جاء العقاب الإلهي فوراً ، وأحياناً يتأخر العقاب ، هذه الآيات التكوينية ، أفعاله .الآن لقاؤنا الطيب الآيات القرآنية ، الكونيات تفكر ، التكوينيات نظر ، القرآنيات تدبر ، نحن إذاً بصنف ثالث من آيات الله الدالة على عظمته ، الكونيات رقم واحد ، والتكوينيات رقم اثنين، والقرآنيات رقم ثلاثة .
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
هذه الآية من النمط الثالث .التدبر بقراءة القرآن الكريم :
الحقيقة القرآن أولاً ينبغي أن تقرأه قراءة صحيحة ، لو فرضاً أن الإمام قرأ الآية كما يلي : إنما يخشى اللهُ من عبادهِ العلماءَ ، الصلاة باطلة .
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
فلابد من أن تقرأ النص القرآني قراءة صحيحة ، وهناك أخطاء بالقراءة تلغي الصلاة كلياً ، هذه واحدة ، ثم لا بد إن أمكن أن تقرأ القرآن قراءة مجودة ، إدغام ، غنة ، إقلاب ، إظهار ، مد، إلخ .. هذه إن أمكن .ثالثاً : لابد من أن تفهم ما تقرأ .
رابعاً : لا بد من أن تطبق ما تقرأ .
خامساً : لا بد من أن تتدبر ما تقرأ ، التدبر ؛ أن تقول : أين أنا من هذه الآية ؟ مثلاً :
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾
هل أنت كذلك ؟ جميع الآيات التي فيها وصف للمؤمنين حوالي مئتين وخمسين آية ، كلما قرأت آية من هذه الآيات أين أنت منها ؟ هل أنت مطبق لها ؟ هنا البطولة ، التدبر ، أن أحاسب نفسي حساباً دقيقاً وعسيراً حول هذه الآية .عفواً ؛ إنسان راكب سيارته ، ماشي بطريق الإشارة حمراء ، ينبغي أن يقف ، لماذا يقف؟ لأن واضع قانون السير علمه يطوله من خلال هذا الشرطي ، أو من خلال آلة التصوير ، كان شرطياً ، الآن يوجد كاميرا ، واضع القانون علمه يطولك ، وقدرته تطولك ، بسحب الإجازة ، تحرم أحياناً من القيادة سنة بكاملها ، ما دام القوي علمه يطولك ، وقدرته تطولك ، لا يمكن أن تعصيه ، كلامي دقيق جداً ، أنت حينما يضع القوي – حاكم مثلاً - قانوناً معيناً ، وله عيون ، إما أشخاص أو كاميرات ، فأنت حينما تخالف هذا القانون تتعرض لمسائلة هذا القوي ، أما الآية الكريمة فدقيقة جداً :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
الله اختار من كل أسمائه العليم والقدير ، بتعبير آخر تطبيقاً لما قلت قبل قليل : علم الله يطولك ، وقدرته تطولك ، علمه وقدرته .﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
فمادام العلم يطولك ، والقدرة تطولك كيف تعصيه ! فالإنسان حينما يعصي الله تجاوز حده كثيراً .المذيع :
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي أشرت لأهمية ربما الشروط قبل التدبر التي هي القراءة الصحيحة ، المجودة ، الفهم ، تطبيق ما يقرأ ، وأن يتدبر بعدها .
المنهج الشرعي منهج تفصيلي :
الدكتور محمد راتب :
أين أنا من هذه الآيات ؟ هل بيتي إسلامي كما جاء في القرآن ؟ هل خروج زوجتي إسلامي كما جاء في آيات الحجاب ؟ هل تجارتي إسلامية ؟ هل يوجد فيها مادة محرمة ؟ فيها غش؟ فيها ربا ؟ هنا المشكلة .
سيدي الكلمة الدقيقة ؛ الآيات الكونية واضحة ، والنصوص واضحة ، لكن المنهج الشرعي يبدأ من فراش الزوجية ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، علاقتك بزوجتك ، ببيتك ، بأولادك ، بأمك ، بأبيك ، بأخواتك ، بأقاربك ، بمن حولك ، بمن فوقك ، بمن تحتك ، بالأقوياء ، هناك منهج تفصيلي أنا أتصوره بمئات الألوف ، كل حركة وسكنة متعلقة بدينك ، نحن نفهم الدين فقط عبادات شعائرية ، هذا فهم سقيم ، الصلاة ، والصوم ، والحج ، والزكاة ، والنطق بالشهادة ، هذه عبادات شعائرية ، أما التعاملية فتبدأ من فراش الزوجية ، وتنتهي بالعلاقات الدولية ، مادة محرمة تدخلها ، نسبة بنزوات الصوديوم ثلاثة بالمئة ، وهو مسموح ثلاثة بالألف ، الباقي مسرطن ، لكن على هذا الشيء طلب ، نبيع طاولات زهر لأن عليها طلباً وهي محرمة ، فالحقيقة منهج تفصيلي .
مرة ثانية : يبدأ من أخص خصوصياتك ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، هذا الإسلام ، عندما نطبق التفاصيل ننتصر .
من لم يعبد الله فالله في حلّ من وعوده :
آخر آية :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
فإذا كنا والحقيقة المرة لسنا مستخلفين ، ولسنا آمنين ، ولسنا محصنين ، معنى هذا عندنا مشكلة مع الله ، الله قال :﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾
فإن لم نعبده فالله عز وجل في حلّ من وعوده الثلاث ، لسنا مستخلفين ، ولسنا ممكنين، ولسنا آمنين ، وهذه الحقيقة المرة التي أراها أنا أفضل ألف مرة من الوهم المريح .المذيع :
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي المتدبرون هل هم على درجات ؟
لكل إنسان درجة عند ربه بحسب إيمانه واستقامته :
الدكتور محمد راتب :
طبعاً .
المذيع :
وهل يمكن أن يتطور الإنسان بتدبره ؟
الدكتور محمد راتب :
طبعاً ، لأنه :
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
نحن بالدولة يوجد ثلاثون درجة ، عاشرة ثالثة ، عاشرة ثانية ، عاشرة أولى ، حتى الأولى أولى ، ثلاثون درجة ، أنا أتصور عند الله كل إنسان له درجة بحسب إيمانه ، واستقامته ، و أعماله الصالحة ، وعلاقاته الداخلية والخارجية ، وإتقانه لعمله ، وعلاقته بالأقوياء ، هناك نفاق ، وجرأة ، وقوة .الفرق بين النجاح والفلاح :
لذلك قالوا : عندنا نجاح وفلاح ، الشيء الذي يلفت النظر أن النجاح لم يرد في القرآن أصلاً ، ولا في السنة ، النجاح أحادي ، بيل غيتس يملك ثلاثة وتسعين ملياراً ، جوبز يملك سبعمئة مليار ، نجاح بكسب المال ، نجاح باعتلاء منصب ، رئيس وزراء اليابان حكم اليابان سبعين سنة ، هناك نجاح بكسب المال ، باعتلاء منصب رفيع ، نجاح في إنشاء بيت عظيم ، نجاح باختراع ، النجاح أحادي أما الفلاح فشمولي ، أي نجح مع الله معرفة ، واستقامة ، وطاعة ، وتقرباً ، ونجح في اختيار زوجته ، صالحة ، مؤمنة ، قوّامة لكتاب الله ، نجح باختيار عمله ، عمله فيه نفع عام ، لا يوجد به إتلاف وقت الناس ، ليس موضوع أفلام ، ولا موضوع أشياء لا ترضي الله عز وجل ، ثم نجح مع صحته ، فنجاحك مع الله معرفة ، وطاعة ، وتقرباً ، ونجاحك باختيار زوجتك ، وأولادك وتربيتهم ، ونجاحك باختيار عمل نافع للأمة ، ونجاحك مع صحتك هذا ينقلب إلى فلاح ، ولم يأتِ في القرآن إلا المفلحون .
﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
أي الفلاح نجاح شمولي ، نجاح متعدد ، والنجاح وحده أحادي ، فالبطولة أن نكون من المفلحين .المذيع :
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾
هنا الصيغة - الفعل المضارع - ما دلالتها ؟التحبب بتدبر القرآن الكريم :
الدكتور محمد راتب :
الصيغة التحبب ، ألا أدلك على ثروة طائلة ؟ الاستفهام هنا استفهام تحبب ، أو استفهام إغراء ، ألا تحب أن تكون قوياً أو غنياً ؟ افعل كذا .
المذيع :
في الآية الأولى شيخنا :
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً ﴾
الثانية :﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾
آيات التدبر في القرآن الكريم فيها مواضع كثيرة ، ربما فيها أساليب متنوعة ، ما دلالتها ؟ مرة تخويف ، ومرة وعد ووعيد ، حتى في التدبر .تنوع الخطاب الديني دليل الحرص من خالقنا على سعادتنا :
الدكتور محمد راتب :
الحقيقة أن الإنسان يجب أن يؤتى من أبواب كثيرة ، أنا قد آتيه من المنطق ، أو من النص ، أو من طبعه ، أو من عاداته ، أو من بيئته ، رحمة الأب مثلاً ينبه ابنه أن يا بني عدم الدراسة أنت آخرتك عامل ، أو إن درست تصبح طبيباً كبيراً مثلاً ، فالأب ينوع ، مرة يخوفه بحالة لا تحتمل ، ومرة يشجعه بحالة راقية جداً ، مرة أن الدراسة تعمل دخلاً كبيراً ، تنوع الخطاب دليل الحرص من خالقنا على سعادتنا ، التنوع تنوع غنى لا تنوع تكرار ، تنوع غنى .
المذيع :
﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً ﴾
هنا تحفيز للتدبر ، أن هذا القرآن ليس من كلام البشر .القرآن الكريم كلام الواحد الديّان :
الدكتور محمد راتب :
مثلاً سيدي ، الله قال :
﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا ﴾
فقط ، لو وقفنا هنا هذا صار ليس قرآناً ، الآن تركب طائرة من طابقين تنتقل من عمان أو من أي مكان من الشرق الأوسط إلى أمريكا في إحدى عشرة ساعة ، وسرير مريح ، وفراش ، وبوفيه أمامك ، وأنت على ارتفاع عشرة آلاف متر ، وتقطع الرحلة التي كانوا يقطعوها بسنوات بـأربع عشرة ساعة ، فالله قال :﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ ﴾
في ذلك الوقت كان هؤلاء :﴿ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
صار قرآناً ، ما دام قال :﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
هذا من عند الواحد الديان ، لأن الله علم ما كان ، وعلم ما يكون ، وعلم ما سيكون ، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون .المذيع :
في سورة محمد عليه الصلاة والسلام :
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾
ما المعنى شيخنا ؟من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر :
الدكتور محمد راتب :
الشهوة قفل ، حبك الشيء يعمي ويصم ، الشهوة قفل ، ما دام هو يشتهي فهذه معصية، الشهوة حجاب بينه وبين الله ، وبينه وبين الفهم على الله ، لذلك قالوا : من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر ، أكبر بكثير ، من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظةً فمصيبته في نفسه أكبر .
أنا لي صديق ، هو أراد أن يدفع زكاة ماله ، زوجته ضغطت عليه ضغطاً شديداً إلغاء دفع الزكاة ، وطلاء البيت ، فاستجاب لها ، ولم يدفع زكاة ماله ، ونفذ رغبتها في طلاء بيته ، عمل حادث سيارة ، كلفة التصليح تساوي طلاء البيت ، قال لي : كان المبلغ اثني عشر ألفاً وخمسمئة وهو الزكاة نفسها التي أنا لم أدفعها .
قلت : سبحان الله ! توافق الرقمين رسالة من الله ، الله عز وجل يعطي رسائل ، أحياناً ترى في المنام شيئاً مخيفاً ، أحياناً إنسان ينصحك نصيحة لم تخطر لك على بال وهكذا ، الله يعمل للمؤمنين رسائل .
المذيع :
فضيلة الدكتور ، الآية من سورة النساء :
﴿ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً ﴾
تناقض في فكر البشر ، أو تفاوت في الفصاحة ، في حال المسلم وهو يقرأ القرآن اشتبهت عليه آية ، أو توهم تعارض شيء من القرآن الكريم ، ماذا يفعل ؟على الإنسان أن يسأل في أي أمر تشابه عليه لأنه الدين متاح لكل البشر :
الدكتور محمد راتب :
الله ماذا قال لك ؟ قال لك :
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
حُلت .بالمناسبة وأنا أعني ما أقول : لا يمكن أن تدخل لعيادة طبيب إلا ومعك مبلغ من المال، أو محام ، أو مهندس ، إلا إذا أتيت المسجد كله مجاناً ، اسأل أي عالم ، أي خطيب مسجد، أي إمام جامع ، الدين مجاناً ، لا يمكن أن تطلب خدمة من جهة إلا مقابل شيء ، إلا الدين مجاناً ، متاحة ، الله قال :
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
والله موزع الدعاة توزيعاً جغرافياً حكيماً دقيقاً جداً ، بكل مكان يوجد داعية مخلص ، داعية موصول بالله ، داعية لا يخاف في الله لومة لائم ، داعية يعطيك الحكم الشرعي الصحيح من دون مواربة ، ومن دون إرضاء لجهة معينة .المذيع :
في سورة محمد عليه الصلاة والسلام ، آية التدبر :
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾
ما هو وجه المثل ؟أكبر عقاب يناله المؤمن أن يحجب عن الله :
الدكتور محمد راتب :
أي أكبر عقاب إلهي أن يلعن الله الإنسان ، اللعن ؛ الإبعاد ، أي معصية هذه المعصية تقيم حجاباً بينك وبين الله ، والإنسان إذا عصى الله أُقيم الحجاب بينه وبين الله ، والدليل :
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾
أكبر عقاب يناله المؤمن أن يحجب عن الله ، إذا الأب كان راقياً جداً جداً ، وله أولاد يحبهم ويحبونه كثيراً ، إذا سكت الأب ودار وجهه بخلاف مكان ابنه يحرقه لابنه ، لذلك من أطاع عصاك فقد عصاك ، الذي يطيع عصاك فقط فقد عصاك ، أما المودة والرحمة فهذه علاقة أكمل من العصاة .المذيع :
في التدبر فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بعض المجمعات العلمية أي بعض الناس اهتموا بالتدبر ، لكن الإنسان العادي غير العالم ؟
قراءة القرآن قراءة تعبد وتدبر :
الدكتور محمد راتب :
أنا أتمنى عليه أن يقرأ القرآن قراءة تعبد ، جزء باليوم لا يوجد مانع ، وأن تقرأه قراءة تدبر ، تقف عند آية واحدة ، أين أنا منها ؟ ما الطريق إلى تطبيقها ؟ ما الوسائل ؟ اعمل بدفترك ، بالآي باد ، بالهاتف ، بمسودة ، هذه الآية الفلانية أين أنا منها ؟ كيف ارتقي بها ؟ كيف أطبقها ؟ كيف أفعل بها ما ينبغي أن أفعل ؟ هذا تدبر ، أنا أقول : اقرأ القرآن قراءة تعبدية لا يوجد مانع ، لكن لا بد من قراءة تدبرية ، معك قلم ، الآية ما مدلولها ؟ كيف السبيل إلى تطبيقها ؟ من يعطيني معناها ؟ فأنت حينما تتدبر تكون بأعلى درجة من علاقتك بالقرآن .
المذيع :
ما الأثر الذي يعود عليّ إذا أنا فهمت وتدبرت ؟
الطاعة هي الأثر الذي يعود على الإنسان إذا فهم وتدبر :
الدكتور محمد راتب :
الطاعة .
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
أخي الكريم ؛ أعيدها مرة ثانية : أقول لك طفل عقب العيد يقول : معي مبلغ عظيم ، كم تقدره ؟ مئة ريال قطري ، إذا قال لك عضو في الكونغرس : أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً ، مئتا مليار دولار ، فإذا قال خالق الأكوان ، ورب الأرباب :﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))
فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، والمرء يظل عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل ، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، أما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .المذيع :
والله المستعان .
الإمام الزركشي فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي يقول : من لم يكن له علم ، وفهم، وتقوى ، وتدبر ....
علاقة التقوى بالتدبر بها نختم فضيلة الدكتور ؟
علاقة التقوى بالتدبر :
الدكتور محمد راتب :
أخي الكريم ؛ كلمة دقيقة جداً : هذه العين لو أنك فحصتها عند طبيب العيون بأعلى مستوى 6 ـ 6 ، أعلى مستوى ، ما قيمتها بلا ضوء يتوسط بينك وبين المرئي ؟
دعني أنتقل إلى العقل ، هذا العقل أعقد جهاز بالكون ، شيء لا يصدق ، مئة وأربعون خلية استنادية سمراء لم تعرف وظيفتها بعد ، هذا العقل كما أن العين تحتاج إلى نور فالعقل يحتاج إلى نور ، الآية الدقيقة :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾
﴿ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً ﴾
وفي آية ثانية :﴿ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾
فكما أن العين تحتاج إلى نور تستضيء به لترى الأشياء ، والعقل يحتاج إلى نور إلهي، فالعقل وحده قد يلحد ، أما العقل مع نور إلهي فيتفوق .خاتمة وتوديع :
المذيع :
أحسن الله إليكم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي على هذا اللقاء، وهذا الحضور .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته