وضع داكن
27-04-2024
Logo
برنامج ربيع القلوب 2 - الحلقة : 18 - المساجد
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور محمد راتب :
  بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أهلاً وسهلاً بكم مستمعينا الكرام عبر إذاعة القرآن الكريم من الدوحة ، في هذه الحلقة الجديدة من برنامج " ربيع القلوب " لكم في البداية مستمعينا الكرام التحية من فريق العمل ، من الإعداد محمود الدمنهوري ، من الهندسة الإذاعية جابر بريدي ، ومني في التقديم مصابر الشهال .
 في هذه الحلقة مستمعينا الكرام نتوقف عند قوله تعالى في سورة النور :

﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ *رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

[ سورة الذاريات: 36 ـ 38]

 في هذه الحلقة نستضيف كعادتنا ضيفنا الدائم فضيلة الداعية الإسلامي الدكتور محمد راتب النابلسي ، حياكم الله شيخنا ، وأهلاً وسهلاً بكم من جديد في برنامج ربيع القلوب .
الدكتور محمد راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
 فضيلة الشيخ ؛ إن للمساجد دوراً عظيماً في الإسلام ، إنها بيوت الله تعالى أشرف البقاع على وجه البسيطة ، حيث يذكر فيها اسم الله جل وعلا ليلاً نهاراً ، وصباحاً مساء ، ويحضرونها رجال لا يغفلون عن طاعته الله سبحانه وتعالى في غدوهم ورواحهم ، في شغلهم وفراغهم ، في حلهم وترحالهم .
 إن المساجد تغير حال الإنسان من شقاء إلى سعادة ، ومن ضيق إلى رخاء ، والمساجد تعالج القلوب ، حيث تجعلها رقيقة ومجلوة من صدأ الذنوب والآثام التي يرتكبها الإنسان ، وهي أماكن المنافسة في الخيرات ، وإن المساجد خير الأماكن لتربية المسلمين ، فإنها تلقي على الحضور درس الأخوة والمساواة .
 شيخنا الفاضل مع هذه الآيات من سورة النور لو بدأنا بتفسيرها بشكل عام بمعناها الإجمالي فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي .

من عرف الله وعرف منهجه كان أسعد إنسان :

الدكتور محمد راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أخي الكريم ؛ عندما ذكر الله تعالى بدايته لمن شاء من عباده في الآية السابقة :

﴿ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾

[ سورة النور: 35]

 ذكر في هذه الآية اللاحقة موطن العبادة ، هي المساجد ، أحب البقاع إلى الله ، خير البلاد مساجدها ، وشرها أسواقها ، الإنسان قد يشتهي حاجة لا يملك ثمنها ، قد يأكل مالاً حراماً من أجل شرائها ، فالمساجد إنما كانت ليذكر الله فيه ، لذلك :

﴿ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ﴾

[ سورة النور: 36]

 مما ورد في الأثر القدسي :

(( إن بيوتي في الأرض المساجد ، وإن زوارها هم عمارها ، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني ، وحق على المزور أن يكرم الزائر ))

 كيف يكرمهم ؟ بالحكمة ، بالسكينة ، بالتوفيق ، بالسعادة ، بنجاح أعماله ، بنجاحه في بيته ، في عمله ، مع أسرته ، هو زوج صالح ، وأب صالح ، وابنٌ صالح ، وجار صالح ، الحقيقة:

(( اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))

[ابن ماجه وأحمد والدارمي عَنْ ثَوْبَانَ]

 أنت إذا عرفت الله عرفت كل شيء .

(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا ، أحب إليك من كل شيء ))

[ حديث قدسي ]

 لذلك إن عرفت الله ، وعرفت منهجه ، وطبقت منهجه ، وتقربت إليه ، أنت أسعد الناس.
 نحن نقول بالدعاء : لنبينا وأسعدنا محمد ، والمؤمن الصادق له من هذه الآية نصيب ، اتصل بأصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، اتصل بالقوي فهو أخذ منه القوة ، اتصل بالرحيم أخذ منه الرحمة ، اتصل بالحكيم أخذ منه الحكمة ، لذلك المؤمن حينما تنعقد له صلة مع الله ، يشتق منه الكمالات ، الكمال البشري مشتق من جمال الله ، من خلال الاتصال به ، وكأن هذه حقيقة الصلاة ، والشيء الدقيق جداً أنك إن صليت ذكرت الله قطعاً ، أما إذا ذكرك الله فقد قال تعالى :

﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾

[ سورة الأنعام: 82 ]

 إذا ذكرك الله عز وجل منحك السكينة ، تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء ، منحك التوفيق ، آية وحيدة في القرآن :

﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ﴾

[ سورة هود: 88 ]

 أي لا يتحقق شيء في الأرض بالقارات الخمس من آدم ليوم القيامة إلا بتوفيق الله ، إذا اتصلت بالله منحك السكينة ، والسعادة ، والتوفيق ، منحك الحكمة ، والحكمة لا تؤخذ ولكنها تؤتى .

﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ﴾

[ سورة البقرة: 269]

 الحقيقة ما دام الله عز وجل لا نهائياً في كمالاته ، الاتصال به يعد إنجازاً لا نهائياً في كمالاته .
المذيع :
 فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ؛ لو من وحي هذه الآيات نتحدث عن دور المساجد في تربية الفرد والجماعة على منهج الله تعالى ضمن قوله تعالى :

﴿ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ *رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ﴾

[ سورة الذاريات: 36 ـ 37]

 إلى آخر الآيات .

حرص كل إنسان على سلامته وسعادته واستمراره :

الدكتور محمد راتب :
 الحقيقة أن كلمة رجال هنا لا تعني الذكور قطعاً ، فما كل ذكر برجل ، كلمة رجال في الكتاب والسنة تعني أبطالاً .

﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ ﴾

[ سورة الذاريات: 37]

 ثلاثة أنا فيهن رجل ـ سيدنا معاذ ـ وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس .
 كلمة رجل في الكتاب والسنة لا تعني أنه ذكر ، تعني أنه بطل ، فالرجولة بطولة ، لذلك الإنسان إذا كان رجلاً قيّماً على أسرته ، على أولاده ، له القدوة والتوجيه .
 الحقيقة مرة كنت في أمريكا ، وجدت أن أولادهم في انحراف شديد جداً ، فقلت مرة هذه المقولة : لو بلغت أعلى منصباً في الأرض ، وجمعت أكبر ثروة فيها ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس .
 نحن عندنا ثمانية مليارات إنسان في الأرض الآن ، أؤكد لك أخي الكريم ثمانية مليارات لا يوجد فيهم واحد يتمنى الفقر ، ولا المرض ، ولا القهر ، وثمانية مليارات إنسان ما فيهم واحد لا يتمنى أن يكون له دخل كبير ، وبيت واسع ، وزوجة يحبها ، وأولاد أبرار ، هذه أشياء ثابتة ، والثمانية المليارات يتمنون الاستمرار ، أي ثمانية مليارات إنسان هم حريصون على سلامتهم ، وسعادتهم ، واستمرارهم ، سلامتهم باتباع تعليمات الصانع ، والصانع هو الله ، والله هو الجهة الوحيدة بما يصلحك ، فالإنسان انطلاقاً من حبه لذاته ، بتعبير غير مستساغ ؛ من أنانيته ينبغي أن يتبع تعليمات الصانع ، الصانع هو الخبير .
راكب سيارة حديثة جداً ، تألق ضوء أحمر في لوحة البيانات ، إن فهمت هذا الضوء تزيينياً احترق المحرك ، إن فهمته تحذيرياً سلم المحرك ، أضفت الزيت فقط ، فالبطولة أن تفهم الشيء لا أن ترى صورته .

بطولة الإنسان في بيته :

 المسجد فيه دعوة إلى الله ، المسجد فيه برنامج الله عز وجل ، المسجد فيه تعليمات الصانع ، وأنا أقول كلمة دقيقة : تأتي إلى المسجد كي تتناول تعليمات الصانع ، وتعود إليه كي تقبض الثمن بالصلاة ، مرة تستمع إلى خطبة ، تتلقى تعليمات الصانع ، ومرة تصلي في المسجد كي تنال من الله ثمن طاعتك له ، أما أين الإسلام ؟ في بيتك ، أحسنكم أخلاقاً أحسنكم في بيته ، الإنسان خارج البيت يهمه شكله ، يهمه أناقته ، يهمه ترجيل شعره ، يهمه ألوان ثيابه ، تجده ينحني للضيف ويقدم له الضيافة ، فإذا كان بالبيت على خلاف ذلك هذا أخطأ خطأ كبير ، عندنا بالتعبير العامي في البيت دبور ، وخارج البيت شحرور ، البطولة قال :

(( خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي ))

[الترمذي عن عائشة رضي الله عنها]

 باجتهادي المتواضع بطولة المسلم تألقه عند الله ، أي مكانته عند الله تتأتى من سلوكه في بيته ، من لها الزوجة غير زوجها ؟ يجب أن يرعاها ، أن يرعى مطالبها ، أن يرعى أنوثتها ، أن يرعى بناته ، فلذلك البيت اللبنة الأولى في المجتمع ، فإذا هُدم البيت هُدم المجتمع وأنا لا أبالغ ولكن أعتقد يقيناً أن العالم الآخر يريد تفتيت الأسرة ، بينما الدين يريد تقييم الأسرة ، دعم الأسرة ، كل تشريع إلهي هدفه دعم الأسرة ، أما النظم الوضعية الأرضية فيهمها تفكيك الأسرة ، حتى مؤتمر السكان العالمي كان من أجل إلغاء الأسرة ، أنا حضرته مرتين هذا المؤتمر ، هدفه الوحيد إلغاء الأسرة .
المذيع :
 كيف ؟

أهمية الأسرة في تربية أولادها :

الدكتور محمد راتب :
 أن تتم علاقة مثلية لا يوجد مانع ، من دون زواج فقط ، لأن عندهم شعوراً أن العالم الإسلامي يزداد ازدياداً مخيفاً ، في ذلك الوقت كيسنجر أنشأ هذا المؤتمر ، أنا حضرته مرتين ، مرة بإندونيسيا ، ومرة بالقاهرة ، هدف هذا المؤتمر إلغاء الأسرة ، أو تفكيك الأسرة ، أما الأديان فترعى هذه الأسرة ، الحقيقة :

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

[ سورة الروم: 22 ]

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾

[ سورة فصلت: 37 ]

 ومن آياته الدالة على عظمته :

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾

[ سورة فصلت: 37 ]

 ومن آياته الدالة على عظمته :

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾

[ سورة الروم: 21 ]

 فلذلك القضية قضية مصيرية ، عندنا أشياء يسمونها تكتيكية ، وأشياء مصيرية ، موضوع الأسرة مصيري ، إما تنجح هذه الأسرة في تربية أولادها ، وهي لبنة في المجتمع ، أو أن تكون بؤرة قيحية في المجتمع .
المذيع :
 أي إذا نجحت نجح المجتمع ، على ذكر المجتمع .
الدكتور محمد راتب :
 السماء ترعى الأسرة ، والأرض تفكك الأسرة .
المذيع :
 على ذكر المجتمع دكتور ، ومع مناسبة هذه الآيات ما الذي يمكن أن تقدمه المساجد بيوت الله ربما في تطور المجتمع أو في حماية المجتمعات ؟

مهمة المساجد :

الدكتور محمد راتب :
 أنا أتصور أن أداء الصلوات فقط ليست وحدها مهمة المساجد ، سماع الدروس ، سماع الخطب ، أنت يوم الجمعة تؤدي عبادة تعليمية ، لا يوجد جامع بالأرض إلا فيه خطبة جمعة ، وأتمنى على خطباء المساجد هذه الفرصة الوحيدة المسموح بها بكل دول العالم ، أن تلقي خطاباً محضراً ، متقناً ، فيه أدلة قوية ، نصية ، وعقلية ، واجتماعية ، ونفسية ، وقصص مؤثرة ، ونصوص معبرة ، الخطيب داعية إلى الله ، وهذا ديننا العظيم فيه عبادة تعليمية ، وهي خطبة الجمعة ، فالذي يعد هذه الخطبة إعداد قوي هو يستجيب لله عز وجل .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾

[ سورة الجمعة: 9 ]

 من الذي يدعو الناس إلى الجامع يوم الجمعة ؟ الله جلّ جلاله ، فهذا الخطيب إن حضر الخطبة تحضيراً متقناً ، أتى بالأدلة النصية ، والعقلية ، والاجتماعية ، والنفسية ، وأحضر قصصاً رائعة جداً شدّ الناس إلى الله عز وجل ، مهمة الجامع فيما أتصور ليست فقط أداء الصلوات قد تصلي في البيت ، لكن أن تستمع إلى خطبة محضرة تعب عليها خطيبها ، فيها أدلة .
 لذلك أدق كلمة أقولها : يقول سيدنا عمر : كنت قد أعددت كلاماً قاله عني أبو بكر ، فأنت حينما تعد الخطاب إعداداً متقناً أنت تلبي دعوة الله .
المذيع :
 سبحانه وتعالى ! تقديم الذكر :

﴿ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ﴾

[ سورة الذاريات: 36]

 على :

﴿ يُسَبِّحُ لَهُ ﴾

[ سورة الذاريات: 36 ]

 المقصود بها الصلاة ، صح ؟ تقديم الذكر على الصلاة ما دلالتها ؟

تقديم الذكر على الصلاة :

الدكتور محمد راتب :
 هو بشكل عام الذكر كلمة واسعة جداً ، تدور مع الإنسان حيث دار ، فإذا جلس إلى أولاده يذكرهم بواجباتهم الدينية فهو ذاكر ، وإذا جلس إلى زوجته يستمع إلى شكواها فهو ذاكر ، وإذا قرأ القرآن فهو ذاكر ، وإذا قرأ التفسير فهو ذاكر ، أي عمل إيجابي بحياة المؤمن يدخل بالذكر، لذلك الآية جاءت :

﴿ اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾

[ سورة الأحزاب: 41 ]

 المطلوب الذكر الكثير لا الذكر القليل ، السبب ؛ المنافقون :

﴿ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾

[ سورة النساء: 142 ]

 معنى ذلك المنافق يذكر الله لكن قليلاً .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾

[ سورة الأحزاب: 41 ]

 تحت كثيراً ضع خمسة خطوط ، فالمطلوب الذكر الكثير .
المذيع :

﴿ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ﴾

[ سورة الذاريات: 36]

 شيخنا .
الدكتور محمد راتب :
 خمسة أوقات .
المذيع :
 ليس معنى هذا الصباح أو المساء ، أول النهار وآخر النهار ؟

تسبيح الله في اليوم كله :

الدكتور محمد راتب :
 الأوقات كلها ، نحن عندنا في النهار صلاتان ، أو قد تكون ثلاث صلوات ، والفجر قريب من الليل ، المغرب والعشاء والفجر تقترب من الليل ، وفي النهار والظهر والعصر ، وفي رأي آخر الفجر والظهر والعصر في النهار ، والمغرب والعشاء في الليل ، أي الصلوات الخمسة تغطي الوقت كله .
المذيع :

﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الذاريات: 37]

 التجارة والبيع شيخنا .

كلمة رجل تعني أنه بطل :

الدكتور محمد راتب :
 أولاً الرجل لا تعني أنه ذكر ، بطل ، رجال ، ثلاثة - يقول سيدنا معاذ - أنا فيهن رجل وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس ، ما صليت صلاةً فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها ، ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول ، ولا سمعت حديثاً من رسول الله إلا علمت أنه حق من الله تعالى ، فكلمة رجل تعني أنه بطل ، بالضبط في الكتاب والسنة .
المذيع :

﴿ تُلْهِيهِمْ ﴾

[ سورة الذاريات: 27]

 شيخنا .

﴿ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ ﴾

[ سورة الذاريات: 37]

 ما الفرق بين التجارة والبيع ؟

الفرق بين التجارة والبيع :

الدكتور محمد راتب :
 دقيقة ، اللهو ؛ أن تشتغل بالخسيس عن النفيس ، التجارة أو اللهو ، إذا الإنسان اشتغل بالتجارة عن الصلاة ، إثمه أقل ممن اشتغل باللهو عن الصلاة ، أي تابع مسرحية بالشاشة وترك الصلاة ، في التجارة الإثم أقل ، بدأ بالأقل إثماً ، هذا المعنى بالضبط .

﴿ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الذاريات: 37]

 البيع هو النشاط الأول في حياة الإنسان ، أي إنسان بالأرض بالقارات الخمس يشتري ويبيع ، فهذا النشاط الإنساني نشاط واسع جداً ، أما المؤمن فاتصاله بالله أولى ، بأصل الجمال والكمال ، والنوال ، بالإله ، بالخالق ، بالمسير ، بالرب ، بالحكيم ، فالإنسان يوازن دائماً بين المهم والأهم .
المذيع :
 هؤلاء الرجال فضيلة الدكتور الذين يرفعون بيت الله ، هنا أن ترفع شيخنا المقصود بها أن يرفع بها الأذان أما أن ترفع أن تبنى ؟

وظيفة المسجد معالجة القضايا الأساسية في حياتنا :

الدكتور محمد راتب :
 والله المعنى واسع ، بعضهم قال : أن تكون بناء شامخاً ، بيت الله ، لا يعقل أن يكون المسرح بناء فخماً ، وبيت الله بناؤه قليل الشموخ ، فأن ترفع لها معان كثيرة ، أهم هذه المعاني أن تكون معلماً من معالم الأمة ، والآن أكثر الدول العربية تنشئ مساجد كبيرة جداً ، هذا دليل أن هذا البلد إسلامي ، والإنسان إذا اعتنى بالمسجد فهذا شيء دقيق جداً ، أفهم الآية أن ترفع ؛ أن تكون شامخة لكن أن ترفع عن أمور الدنيا ، ألا يعالج فيها أموراً شخصية ، ولا أموراً كيدية ، ولا أموراً تكون متعلقة بالحياة الدنيا ، عندنا حياة عليا سيدي ، وحياة الفكر ، والمبادئ ، والقيم ، وعندنا حياة دنيا حياة الشهوات والغرائز ، أن يعالج هذا المسجد القضايا الأساسية في حياتنا .
المذيع :
 صفات الرجال فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي هل هي ما تلاها من الآيات :

﴿ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾

[ سورة الذاريات: 37 ]

صفات الرجال :

الدكتور محمد راتب :
 الله عز وجل ما نهانا عن العمل ، العمل قوام حياتنا ، ما نهانا عن أن نأكل ونشرب ، ما نهانا عن أن نتزوج ، أما الخطأ الكبير فأن يلهو الإنسان بأشياء طارئة ، وعابرة ، وفانية عن مهمة الأولى في الحياة ، أن يعرف الله ، يوجد أولويات ، والبطولة أن تحسن ترتيب الأولويات :

﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ ﴾

[ سورة الذاريات: 37]

 أحياناً لا يصلي وهو يبيع ويشتري نسي الصلاة ، أحياناً لا ينضبط في علاقته مع الزبائن ، قد تكون امرأة وضيئة ، يملأ عينه من محاسنها في محله التجاري ، لم يغض بصره ، هذه مشكلة أيضاً ، دائماً وأبداً كلما ارتقى الإيمان عندك أولويات كبيرة ، هذه الأولويات أن تعرف الله ، وأن تعرف منهجه ، وأن تعرف السبيل إليه ، وأن تسلك هذا السبيل .
المذيع :
 لماذا شيخنا ختمت الآية بقوله تعالى :

﴿ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾

[ سورة الذاريات: 3637]

العاقل من أدخل الموت بحساباته اليومية :

الدكتور محمد راتب :
 الحقيقة كلمة انقلب حركة فجائية ، ببيته ، مع زوجته ، مع أولاده ، مع ضيوفه ، له مكانته الاجتماعية ، له أصدقاؤه المقربون ، له زياراته ، له نزهاته ، له ، له ، له ، توقف القلب صار طريح الفراش ، ثم نزيل القبر ، هذا اليوم الحاسم ، النقلة المفاجئة من بيت إلى قبر ، من زوجة تحبها وتحبك إلى قبر ، من أولاد إلى قبر ، من شابات إلى قبر ، من معارف ، من سهرات ، من ندوات ، من ولائم ، من سياحة ، إلى القبر .

(( عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ))

 والله الذي لا إله إلا هو لا أرى أحكم ، ولا أعقل ، ولا أذكى ، ولا أنجح في حياته ممن يعد لهذه الساعة التي لا بد منها ، هذه الساعة مصيرية ، حتمية ، فكل إنسان أدخل الموت في حسابه اليومي يوفق في حياته ، ماذا يكتب في النعوات ؟ وسيشيع إلى مثواه الأخير ، معنى ذلك أن البيت الذي يسكنه مثوى مؤقتاً ، القبر مثوى أخير .
 شخص اشترى فندقاً بباريس ، وهو عبارة عن تسعين طابقاً ، ومعبأ كاملاً باستمرار ، اشتراه فيه إشكال ، في اليوم الثاني بنقل الملكية له كان هناك عقبة كبيرة أصابته جلطة ومات ، فبالموت ينتهي كل شيء ، ينتهي ماله ، ومكانته ، وعلمه ، وبيته ، وأولاده ، وزوجته ، إلى ما هنالك ، وأقول : أكيس الناس من يدخل الموت في حياته اليومية .

(( عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ))

المذيع :
 في هذه الآية شيخنا دعم للحقيقة القرآنية أن الخوف من الله تعالى في الدنيا من أسباب الأمان يوم القيامة ؟

من خاف الله في الدنيا أمنه الله يوم القيامة :

الدكتور محمد راتب :
 إن خفته في الدنيا أمنك يوم القيامة ، وإن لم تخفه في الدنيا أخافك يوم القيامة ، لا يجتمع خوفان ، ولا أمنان ، إن أمنته في الدنيا ، ما انتبهت للشرع ، ما انتبهت للحلال والحرام ، سهرة فيها اختلاط ، كسب غير مشروع فيه ربا ، بضاعة ممنوعة محرمة استخدمتها ، أنت إن لم تكن آمناً في دنياك يوجد قلق يجوز هذا العمل أو لا يجوز ، أنت آمن يوم القيامة ، أما إن لم تكن قلقاً في الدنيا بيوم القيامة يوجد مشكلة كبيرة .
المذيع :
 في ختام هذه الآيات :

﴿ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

[ سورة الذاريات: 38]

 أي ذكر الجزاء والأجر على الحسنات ، ولم يذكر العقاب على السيئات .

الحكمة من ذكر الجزاء والأجر على الحسنات وعدم ذكر العقاب على السيئات :

الدكتور محمد راتب :
 هذه ناحية إيجابية بالقرآن ، الإيجابيات واضحة جداً ، ومفصلة ، والسلبيات :

﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾

[ سورة الشورى: 3640]

 أما الحسنة بعشرة أضعاف ، الله يغرينا بالحسنات ، لأنه يوجد أضعاف مضاعفة ، أما السيئة فيحاسب عليها كسيئة فقط دون مضاعفة ، فهذا إغراء من الله ، تشجيع ، تحفيز ، إن صح التعبير أن تفعل الخيرات الصدقة بعشرة أمثالها ، والسيئة بمثلها .
المذيع :

﴿ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

[ سورة الذاريات: 38]

 الرزق هنا شيخنا على الجزاء الذي هو في الآخرة ؟

الجزاء في الآخرة :

الدكتور محمد راتب :
 المطلق على إطلاقه ، هذه قاعدة أساسية بالفقه ، أي أنا أعطيك شيكاً بألف ريال قطري، هناك شيك بألفين ، وشيك بخمسة آلاف ، وشيك بمئة ألف ، أما إذا أعطيتك شيكاً موقعاً بلا رقم فهذا بغير حساب .

﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

[ سورة الزمر: 10]

 هذا أكبر أنواع الوثائق المالية ، شيك موقع فقط ، أضع مليوناً ، أضع خمسة ملايين .

﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾

[ سورة الزمر: 10]

المذيع :
 هل يمكن أن نفهم منها أن يرزق أن يكون من رجال الله ؟ أن يوفق الإنسان أن يكون من هؤلاء الرجال ؟
الدكتور محمد راتب :
طبعاً.
المذيع :
 الذين اتصفوا بعدم اللهو بالتجارة .
الدكتور محمد راتب :
 الدعاء الدقيق : اللهم استعملنا ولا تستبدلنا ، فإذا الإنسان أعرض عن الدين يستبدل الله قوماً غيره ، استعملنا ولا تستبدلنا .

خاتمة وتوديع :

المذيع :
 آمين ، أشكركم جزيل الشكر فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي على هذا اللقاء وعلى حضوركم معنا في الأستوديو .
 نلتقي بإذن الهن تعالى في حلقة جديدة من برنامج ربيع القلوب .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور