- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠3برنامج حياة المسلم 3
مقدمة :
الدكتور محمد راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع :
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته مستمعينا الكرام ومشاهدينا ، أينما كنتم تتابعوننا مباشرة في حلقة علمية جديدة مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي حياكم الله شيخنا ، وأستاذنا .
الدكتور محمد راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
حياكم الله شيخنا الحبيب ، وأهلاً وسهلاً بفضيلتكم .
دكتور ؛ حديثنا لهذا اليوم بإذن الله سوف يكون عن الغضب ، نتحدث عن أسبابه وعن النصوص الشرعية المرتبطة بالغضب ، وعن إدارة وحل مشكلة الغضب الموجودة لدى الإنسان .
نبدأ مستمعينا الأكارم حلقتنا بقول الخالق سبحانه وتعالى :
﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
وننتقل إلى سنة النبي حيث يقول عليه الصلاة والسلام :(( مَا مِنْ جُرْعَةٍ أَعْظَمُ أَجْراً عِنْدَ اللَّهِ مِنْ جُرْعَةِ غَيْظٍ كَظَمَهَا عَبْدٌ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ))
أهلاً وسهلاً بكم مستمعينا في حديثنا عن الغضب ، وأهلاً بكم شيخنا الكريم ، ونبدأ مع فضيلتكم شيخنا بسؤال مهم جداً : هل الغضب هذا السلوك الذي يقع فيه الإنسان هل هو شيء فطري أي أن الإنسان يولد غضوباً أم أنه شيء مكتسب يتحقق مع الأيام لدى الإنسان ؟الإنسان هو المخلوق الأول رتبة المكلف والمسؤول :
الدكتور محمد راتب :
الحقيقة الدقيقة أن الإنسان عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، عنده حاجات ثلاثة ، عنده حاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على بقائه كفرد ، وعنده حاجة إلى الزواج حفاظاً على بقاء النوع ، وعنده حاجة إلى التفوق حفاظاً على بقاء الذكر ، والإنسان كما تعلمون ركب من عقل ، وقلب ، وجسم ، العقل ؛ غذاؤه العلم ، والقلب ؛ غذاؤه الحب ، والجسم ؛ غذاؤه الطعام والشراب ، وهو المخلوق الأول عند الله لأنه في عالم الأزل حينما عرض الله :
﴿ الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
فلما قبل حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول رتبة ، وكان المخلوق المكلف والمسؤول ، فالإنسان أودعت فيه الشهوات ، هنا الهدف ، أودعت فيه الشهوات ليرقى بها إلى رب الأرض والسماوات ، أودعت فيه الشهوات ، الشهوة إلى الطعام والشراب ، الشهوة إلى الزواج ، الشهوة إلى التفوق ، ما أودعت فيه الشهوات إلا ليرقى فيها إلى رب الأرض والسماوات .فلذلك الشهوة تماماً كالسائل المتفجر ، كالبنزين ، إذا وضع البنزين في المستودع المحكم في السيارة ، وسال في الأنابيب المحكمة ، وانفجر في الوقت المناسب ، وفي المكان المناسب ، في البستونات ، ولّد حركة نافعة ، تقلك إلى مكان جميل ، فالشهوات أودعت فينا ، لكن تقريباً الشهوة ممكن أن تمارسها بشكل حلال ، مقبول ، مثلاً مئة وعشرون درجة ، وهناك ستون درجة محرمة ، هذه المحرمات هي دليل المؤمن إلى رب الأرض والسماوات ، كم نوع من الطعام مثلاً مسموح به ؟ الخنزير محرم ، كم نوع شراب ؟ الخمر محرمة ، تفضل .
المذيع :
شيخنا الكريم ؛ في ظل هذا التأصيل لهذا الموضوع حينما نقول عن بعض هذه السلوكيات ، مثل سلوك الغضب الذي يؤاخذ ويحاسب الإنسان عليه يوم القيامة ، هل هو سلوك فطري ؟ بمعنى شيخنا لو أن إنساناً غضوباً هل هو ولد وخلق غضوباً أم أنه سلوك مكتسب ؟
الغضب عمل لا إرادي :
الدكتور محمد راتب :
(( يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب ))
حينما تسد أمامه الأبواب يغضب ، أما المؤمن فيغضب الغضب المقبول عند الله ، الغضب ليس بيد الإنسان .المذيع :
سيدنا ؛ ممكن نوضح ؟
الدكتور محمد راتب :
الغضب ليس عملاً إرادياً ، إنه عمل لا إرادي ، عندما تهدد حاجاته الأساسية يغضب، كاد الحليم أن يكون نبياً ، الله عز وجل أمرنا أن نضبط أعصابنا ، وأن نوحد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، أنت حينما تعلم علم اليقين أن الأمر كله بيد الله ، هو المعطي ، وهو المانع، وهو الحافظ ، وهو الرافع ، وهو الخافض ، وهو المعز ، وهو المذل ، علاقتك مع الله عز وجل .
للتقريب : تصور عشرين أو ثلاثين وحشاً ، وحوش كاسرة جائعة ، مربوطة بأزمة محكمة بيد جهة رحيمة ، عليمة ، حكيمة ، أنا علاقتي مع الوحوش أما مع من يملك هذه الوحوش ؟ ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، الإنسان عندما يعلم علم اليقين أن هذه الوحوش التي سببت له الغضب بيد الله عز وجل ، ولو أن الله أسلمك إلى غيره لا يمكن أن تعبده .
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
لذلك ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، التوحيد قمة الإيمان .دقيقة واحدة ؛ الله عز وجل جمع فحوى دعوة الأنبياء كلهم بآية واحدة ، قال :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
فكأن فحوى دعوة الأنبياء جميعاً كلمتان :﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
لا إله إلا أنا التوحيد ، ونهاية العلم التوحيد .﴿ فَاعْبُدُونِ ﴾
نهاية العمل العبادة ، فالإنسان كلما اقترب من الله اشتق منه الكمال ، اشتق منه الحلم، كاد الحليم أن يكون نبياً ، هذا الاتصال بالله فيه حلم ، ما دام هناك بعد عن الله يوجد غضب ، النبي قال :(( لا تَغْضَبْ ))
المذيع :ذكرتم سيدنا قبل قليل بأن المؤمن :
(( يطبع المؤمن على الخلال كلها ))
هل لك أن توضح شيخنا ماذا تعني يطبع ؟ وماذا تعني الخلال لتتضح الفكرة من خلال هذا النص ؟اختلاف الطبع عن الأخلاق :
الدكتور محمد راتب :
هذا الموضوع دقيق ، الطبع غير الأخلاق ، هناك إنسان تفصيلي ، يذكر كل التفاصيل ، وإنسان كلي ، وإنسان يغلب عقله قلبه ، وإنسان يغلب قلبه عقله ، هذه الأنواع .
(( يطبع المؤمن على الخلال ))
هناك إنسان عصبي المزاج ، وإنسان هادئ ، وإنسان كلي ، وإنسان تفصيلي .(( يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب ))
إن كذب أو خان هذه ليست طباعاً ، هذه انحرافات شديدة جداً .المذيع :
في ظل هذا شيخنا ، أين نصنف الغضب ؟ هل هو من الطباع التي يطبع الإنسان عليها أي أنه ولد وولد معه الغضب أم لا ؟
المؤمن لا يغضب لأنه يرى أن كل شيء وقع متعلق بإرادة الله :
الدكتور محمد راتب :
الإنسان أودعت فيه الشهوات ليرقى بها إلى رب الأرض والسماوات ، أحياناً تتعطل إحدى الشهوات ، فالإنسان العادي يغضب ، المؤمن لا يغضب ، يراها من الله عز وجل ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، يراها من الله ، يراها من الله امتحاناً له .
كلمة دقيقة : كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، هذه المقولة تفسر مليون حالة ، كل شيء وقع بالقارات الخمس من آدم ليوم القيامة أراده الله ، لا تعني أنه أمر به ، ولا تعني أنه رضيه ، ولكن سمح به ، كل شيء وقع أراده الله معنى أراده أي سمح به ، وكل شيء أراده الله وقع والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة ، فالذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله ، والذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً ، وكل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، والإرادة متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق .
لذلك هناك فرق كبير بين مؤمن يضبط أعصابه ، لا يغضب غضباً يدفعه إلى عمل لا يرضي الله عز وجل ، كاد الحليم أن يكون نبياً ، وبين غير المؤمن .
المذيع :
شيخنا ذكرتم قبل قليل وقلتم إن الغضب هو شيء لا إرادي ، هل هو فعلياً لا إرادي أم التعبير عن الغضب شيخنا ؟
كيفية التعبير عن الغضب :
الدكتور محمد راتب :
الغضب موجود ، لكن لا تغضب ، لا تعبر عن الغضب بعدوان .
المذيع :
ممكن تشرحها أكثر دكتور ؟
الدكتور محمد راتب :
(( يطبع المؤمن على الخلال كلها ))
حينما تتعطل إحدى مصالحه يغضب ، لكن هو ماذا يفعل ؟ يكظم غضبه ، يوجد كظم غيظ ، حينما يغضب يغتاظ ، هناك إنسان يعبر عن غضبه بعدوان ، وإنسان يعبر عن غضبه بالحلم ، كاد الحليم أن يكون نبياً .المذيع :
إذاً سيدنا ، وصوب لي إذا كان فهمي خاطئاً .
الشعور بالغضب هو شعور فطري لدى الإنسان إذا استغضب فهو يشعر بالقهر ، وبالغيظ ، وبالغضب الداخلي ، وهذا لا يحاسب عليه ، أما حينما يعبر عن هذا الشعور بالسلوك بالكلمات فهنا يبدأ الحساب .
الدكتور محمد راتب :
هو حينما يعبر عن غضبه بعدوان ، هنا الحساب .
المذيع :
وإن عبر عنه بإحسان ؟
الدكتور محمد راتب :
حينما يعبر عن غضبه بالحلم والصفح أحياناً ، أو بأخذ الحق من طريق مشروع لا شيء عليه ، قد يأخذ حقه برفع دعوى ، بطريق مشروع ، لا يحاسب عليه .
المذيع :
لكنه لم يعبر عنه بالعنف ، الله يفتح عليك دكتور الفكرة واضحة تماماً .
أهلاً بكم أستاذنا .
الدكتور محمد راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم .
المذيع :
حفظكم الله شيخنا ، ورفع مقامكم .
مستمعينا موضوعنا عن الغضب ، بدأنا قبل الفاصل وكان حديثنا عن الغضب ، هو عبارة عن شعور داخلي فطري موجود لدى الإنسان ، وحينما يستغضب الإنسان فإن شعوره بالغيظ أو بالألم أو بالغضب شعور لا إرادي ، لكن الشيء الإرادي هو طريقة التعبير عن هذا الغضب ، وهنا يبدأ الحساب ، شعور الإنسان بالغضب لا يؤاخذ عليه أما تعبيره عن الغضب فهنا يبدأ الحساب .
شيخنا الكريم ؛ سأنتقل معك إلى الحديث الذي أخذناه في مطلع الحلقة :
(( مَا مِنْ جُرْعَةٍ أَعْظَمُ أَجْراً عِنْدَ اللَّهِ مِنْ جُرْعَةِ غَيْظٍ كَظَمَهَا عَبْدٌ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ))
لماذا ؟الغضب المحمود :
الدكتور محمد راتب :
لكن لا بد من التنويه ، إلى أن هناك غضباً محموداً ، أن يغضب الإنسان لله ، إن انتهكت حرمات الله ، أن يغضب لحكم شرعي عطل عن التنفيذ ، هناك غضب صحي ، غضب يعد إيجابياً في حياة المؤمن ، فلابد من أن تغضب لله ، أن تغضب لحرمات الله ، أن تغضب لمعصية انتشرت في بلد معين ، هذا الغضب محمود ، بل تثاب عليه ، بل يؤكد الإنسان به إيمانه ، هو الغضب حالة نفسية داخلية ، لا تقلب إلى عدوان ، تنقلب إلى حالة مؤلمة ، هو يرقى بها عند الله عز وجل .
أردت أن أنوه إلى الجانب الإيجابي في الغضب ، حينما تغضب لله ، تغضب لحرمات الله إذا انتهكت ، تغضب لمشكلة لا تحل إلا بطريق غير مشروع ، هذه مشكلة كبيرة .
المذيع :
سيدنا هذا كان حال النبي عليه الصلاة والسلام ألا ينتصر وينتقم لذاته بل لحرمات الله أليس كذلك ؟
الدكتور محمد راتب :
المؤمن يغضب لله ، لا يغضب لذاته .
المذيع :
هل يُفهم من هذا الكلام دكتور إذا أنا ما تعرضت لأزمة في حياتي فغضبت فهل هذا يدل على عدم الإيمان أم التعبير العنيف عن الغضب هو الذي يدل على قلة الإيمان ؟
من اتصل بالله اشتق منه الحلم :
الدكتور محمد راتب :
والله الإنسان إذا له صلة بالله عز وجل يشتق من الله الحلم ، هذه مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى ، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً ، عوامل الغضب موجودة ، لكن هذا الغضب الذي استفز به الإنسان تلقاه بصدر رحب ، تلقاه بقبول من الله عز وجل .
المذيع :
شيخنا ؛ بعض الأشخاص لديهم مقولة ، يتحدث ويقول : إن الغضب شيء لا إرادي لديه ، وبالتالي أنا حينما أغضب أفقد السيطرة على نفسي ، هل هو محاسب ومؤاخذ يوم القيامة ؟
الغضب الصحي دليل إيمان وغيرة على الدين :
الدكتور محمد راتب :
والله لولا أن الإنسان قادر على تطبيق منهج الله لما عدّ الغضب المفرط خطأ ، أبداً ، ما من أمر أُمرنا به إلا والله عز وجل فطرنا على قبوله ، فالإنسان حينما يغضب ، ويعبر عن غضبه بطريق مشروع كأنه يحاسب الذي فعل كذا وفق القواعد المشروعة ، وفق القوانين النافذة الصحيحة ، أما حينما ينتقل الغضب إلى عدوان ، ويفوق الحد المعقول ، هذا الغضب المرضي ، هناك غضب صحي ، دليل إيمان ، دليل غيرة على هذا الدين ، دليل غيرة على المصلحة العامة، هذا غضب مقبول ومشروع .
المذيع :
الله يفتح عليكم دكتور .
إذاً الإنسان يحاسب حساباً كاملاً على تعبيره على غضبه لأنه قادر على السيطرة عليه .
المعاتبة قبل القطيعة :
الدكتور محمد راتب :
طبعاً يوجد معاتبة ، المعاتب إنسان كامل ، هناك إنسان اقترف بحقي خطأ كبيراً أنا أعاتبه .
(( لا أصرم أخاً قبل أن أعاتبه ))
هكذا النبي قال .(( لا أصرم أخاً ))
أي لا أقطع قبل أن أعاتبه ، وبالحسنى ، حتى إذا إنسان أحبّ أن يؤدب أولاده بالحسنى ، بالنصيحة ، نحن عندنا نصيحة ، تذكير ، أن تبتعد عنه قليلاً ، يوجد أساليب كثيرة جداً قبل أن ترتكب الخطأ بسبب الغضب .المذيع :
شيخنا ؛ ممكن تشرح للمستمعين الكرام ما المقصود بالحديث :
(( لا أصرم أخاً قبل أن أعاتبه ))
أي كيف نطبقه اليوم ؟الدكتور محمد راتب :
لو فرضنا إنساناً أخطأ بحق قريب له ، بحق أخ ، بحق جار ، بحق زميل بالعمل ، فهذا لو أنه قاطعه ولم يعلمه بالسبب مشكلة ، فأنا قبل أن أصرمه ، قبل أن أبتعد عنه ، قبل ألا ألبي دعوته ، أبين له ، هناك خطأ ، عاتبه ، بيّن له الخطأ الذي ارتكبه معك ، بالعتاب تصفو القلوب .
(( لا أصرم أخاً ))
لا أقطع أخاً ، لا أحارب أخاً قبل أن أعاتبه ، لعله ما انتبه لخطئه ، لعله لم يفعل هو الخطأ نفسه ، لعله آخر ، فلابد من التحقيق .﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾
الملكة بلقيس ، فلابد من التحقيق قبل أن أصب جام غضبي على جهة معينة .المذيع :
الله يفتح عليكم دكتور .
ذكرتم أيضاً شيخنا قبل قليل : كاد الحليم أن يكون نبياً ، لماذا دكتور ؟
الحليم إنسان موحد يرى أن الإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة :
الدكتور محمد راتب :
تخلقوا بأخلاق الله ، نص دقيق ، الله حليم ، العباد أحياناً يعصون الله نهاراً جهاراً لكن الله حليم ، وكاد الحليم أن يكون نبياً ، الحليم إنسان أولاً وحد ، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، كل شيء وقع أراده الله ، سمح به ، كل شيء أراده الله وقع ، والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، هذا التوحيد ، قالوا : وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، التوحيد أن ترى أن الأمر كله بيد الله .
سؤال بسيط : لو أن عندنا وحوشاً كاسرة ، جائعة ، مفترسة ، لكنها مربوطة بأزمة محكمة بيد جهة رحيمة ، حكيمة ، عادلة ، الإنسان علاقته مع الوحوش أما مع من يملكها ؟ هنا الشاهد ، لذلك :
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ﴾
تحدّ .﴿ ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
هذا التوحيد مريح ، قلت قبل قليل إن فحوى دعوة الأنبياء جميعاً كلمتان :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ﴾
هذا التوحيد يريح النفس ، كل شيء وقع أراده الله ، سمح به ، وكل شيء أراده الله وقع، والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، هذا التوحيد مريح جداً .المذيع :
الله يفتح عليكم دكتور .
شيخنا الفاضل في حديث أحد الصحابة يقول :
(( اسْتَبَّ رجلان عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، ونحن عنده ، فبينما أحدهما يَسُب صاحبه مغضَبا قد احمرَّ وجهُه ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : إِني لأعلمُ كلمة لو قَالها لذهبَ عنه الذي يجد ، لو قال : ' أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم ' ، ذهب عنه ما يجد ))
هل الغضب من الشيطان ؟الغضب الشديد من الشيطان :
الدكتور محمد راتب :طبعاً ، هناك غضب حميد ، وغضب من الشيطان ، أنت حينما تغضب لحرمات الله إذا انتهكت ، ولأمر عظيم لم يحقق ، ولتقصير كبير من مسلم فهذا غضب طبيعي ، غضب مشروع لكن لا يعبر عنه بالعنف ، يعبر عنه بالمعاتبة ، أحياناً يعبر عنه بأسلوب وعظي لطيف، يعبر عنه بلفت نظر ، أما حينما ينقلب هذا الغضب إلى عدوان فهنا المشكلة .
المذيع :
لكن أصل هذا الغضب الذي يتسبب من خلاله الإنسان بأن يسب أحداً ، أو أن يحمر غضباً ، أو أن يقوم بإيذاء أحد ، بضربه أو كذا ، هذا أصله من الشيطان هذا الغضب الشديد دكتور ؟
الدكتور محمد راتب :
طبعاً من الشيطان ، والرد الحكيم أن تتلقى هذا العمل بمعاتبة لطيفة ، بتعليق ، بلفت نظر ، بسؤال أو جواب لعل الفهم كان غير صحيح .
المذيع :
بعض الناس شيخنا يستثقلون العتاب ، أي لو أتيته لتعاتبه في أمر ما أغضبك به ، يستنكر هذا العتاب ، وقد يكون مدعاة لقطع العلاقة .
الأخوة الإيمانية منهج إلهي :
الدكتور محمد راتب :
والله قطع العلاقة مشكلة كبيرة ، لأنها تتفاقم ، الأخوة الإيمانية منهج إلهي .
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾
لو كان كل خلاف عقبه قطيعة مشكلة كبيرة جداً .المذيع :
شيخنا ؛ أحياناً عند الغضب يكون الإنسان منفعلاً هل تنصح المستمعين الكرام إذا أراد أحدهم أن يأخذ حقه ، أو أن يستفسر ، أو يعاتب أحداً أن يؤجل ذلك حتى الهدوء ؟
علاج الغضب :
الدكتور محمد راتب :
يوجد نصائح لطيفة : إن كنت غاضباً وأنت واقف فاجلس ، إذا كنت جالساً فقم ، إن كنت في غرفة واشتد غضبك انتقل لغرفة ثانية ، إن كنت في بيت واشتد غضبك فاخرج من البيت، اعمل حركة تبتعد بها عن مكان الغضب ، عن أسباب الغضب ، وإلا تفاقم الأمر ، هناك أحداث خطير جداً بدأت بالغضب ، وانتهت بجريمة أحياناً ، إذا كان هناك غضب نبتعد من المكان الذي تمّ به الغضب .
المذيع :
إضافة شيخنا لهذه النصيحة أن يغير الإنسان المكان الذي حصل فيه الغضب ، كيف تنصح المستمعين ؟
الدكتور محمد راتب :
الخروج من البيت .
المذيع :
إضافة لهذه دكتور .
الدكتور محمد راتب :
الانتقال إلى غرفة ثانية ، إدخال موضوع جديد بالبحث .
المذيع :
تغير موضوع النقاش .
الدكتور محمد راتب :
تغير موضوع الحديث ، أو الانتقال إلى غرفة ثانية ، أو الخروج من البيت .
المذيع :
شيخنا ؛ الذي طبيعته إن جاز التعبير سريع الاشتعال عند الغضب ، أي أعصابه يفقدها ، وقد يتلفظ بكلمات شديدة ، أو يقوم بكسر ، أو ما شابه ، كيف تنصحه ليسيطر على هذا الغضب ، ماذا يفعل ؟
تخلق المؤمن بأخلاق الله للتخلص من غضبه :
الدكتور محمد راتب :
والله الإنسان حينما يوحد يرتاح ، أي هذا الذي أخطأ معك ، إنسان مخير ، أخطأ الله أمرك أن تصفح عنه ، أن تعفو عنه ، أن تحترم غيرته التي عبرت عن غضبه ، ممكن دائماً عندنا طرق سليمة ، والنبي قال : "تخلقوا بأخلاق الله عز وجل" .
ما يقع في العالم من معاص ، من آثام ، من انحرافات لا يعلمها إلا الله ، ومع ذلك الله حليم ، والمؤمن يتخلق بأخلاق الله ، والحلم ، وكاد الحليم - كما قلت قبل قليل - أن يكون نبياً .
المذيع :
شيخنا ؛ في كثير من النصوص الشرعية من الكتاب ، ومن السنة وعلى رأسها :
﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
تدعو الإنسان إلى كظم الغيظ ، ما هو المقصود بمصطلح كظم الغضب ، أو كظم الغيظ ؟كظم الغيظ هو كتمه والتعبير عنه بشكل لطيف :
الدكتور محمد راتب :
الغضب طبيعي ، إنسان غضب لسبب ما ، ممكن أن يكظم غيظه ، أن يسكت ، هذا موقف كامل جداً ، أو يغادر الغرفة إلى غرفة ثانية ، أو يغادر البيت إلى بيت آخر ، إن كان جالساً فليقف ، واقفاً فليجلس ، ينتقل إلى موضوع آخر ، هذا الحل ؟
المذيع :
كلمة كظم الغيظ هي ألا تعبر عن كظم الغيظ والغضب ، أن تكتمه .
الدكتور محمد راتب :
لكن ممكن أن يكون التعبير عنه لطيفاً ، أنت أخطأت معي بالموضوع الفلاني ، بهذه الكلمة التي قلتها ، لا يوجد مانع ، لا ننتقل من خطأ إلى تكبير له كبير جداً ، ننتقل من خطأ إلى عتاب ، إلى إعراض أحياناً ، إلى لفت نظر أحياناً ، وهكذا .
المذيع :
سيدنا ؛ هل معنى الإنسان الذي كظم غيظه أو سكت عنه ، هل معناه قد أسقط حقه وكأنه سامح الطرف الآخر ؟
سلوك الطرق المشروعة لاسترداد الحقوق :
الدكتور محمد راتب :
لا يعني هذا إطلاقاً ، إذا كان هناك طرق مشروعة لاسترداد حقه لا مانع .
المذيع :
أي لا يشترط أن يعفو عنه بإمكانه أن يختار أسلوباً حسناً في الوصول لحقه .
الدكتور محمد راتب :
يوجد عفو ، والعفو فيه أجر كبير .
المذيع :
شيخنا ؛ تنصح الإنسان إذا ما تعرض إلى سلب حقه على سبيل المثال ، وبالتالي غضب ، وحقه أُخذ منه ، هل يكون منهجه أن يعفو عمن أمامه أم أن يحاول بالطرق المشروعة أن ينال حقه ؟
من عفا عمن أخطأ بحقه فأجره كبير عند الله :
الدكتور محمد راتب :
والله هذا شيء تابع للإنسان ، إن أراد أن يأخذ حقه لا شيء عليه أبداً ، الشرع معه ، والقانون معه ، أما إذا أراد أن يعفو عنه فالعفو له أجر كبير .
﴿ فَمَنْ عَفَا ﴾
دقق :﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾
أي أصلح العلاقة بينه وبين الآخر بعفوه عنه ، هذا عمل عظيم .﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾
إذا غلب على ظنك أن عفوك عنه يصلحه ينبغي أن تعفو عنه ، وعندئذٍ يتولى الله مكافأتك .﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾
فإذا غلب على ظنك أن عفوك عن هذا الإنسان الذي أساء إليك يصلحه ينبغي أن تعفو عنه ، وعندئذٍ يتولى الله في عليائه أن يكافئك على هذا العمل .المذيع :
الله يفتح الله عليكم .
ممكن شيخنا مثال لتوضيح الفكرة الأخيرة التي ذكرتموها ؟
الدكتور محمد راتب :
والله سيدي يوجد قصة أنا أقولها كثيراً : إنسان تزوج امرأة ، وفي الشهر الخامس من زواجها تبين أن حملها في الشهر التاسع ، بإمكانه أن يفضحها ، بإمكانه أن يطردها من البيت ، وأن يطلقها ، كل الأعمال هذه مقبولة وهو صاحب الحق بذلك ، لكن هذا الرجل يسكن بأحد أحياء دمشق جاء لها بولّادة ، ولدت ، حمل هذا الولد الذي ظهر لتوه تحت عباءته ، ووقف أمام باب جامع صبيحة اليوم ، ودخل إلى الجامع بعدما نوى الإمام الفرض ، وضع هذا الولد بطرف المسجد ، والتحق بالمصلين ، بعد أن انتهت الصلاة بكى هذا الطفل الرضيع الصغير الذي ولد لتوه ، فتحلق المصلون حوله ، وانتظر أن معظم المصلين تحلقوا حوله ، ثم اقترب منهم وقال : ما القضية ؟ قالوا : تعال انظر ، لقيط ! قال : أي لقيط ؟ فنظر إليه وتأثر ، وكأنه لا علاقة له بالأمر ، ثم قال : أنا أكفله أعطوني إياه ، أخذه أمام أهل الحي بأكملهم على أنه لقيط ، ورده إلى أمه ، القصة مؤثرة جداً ! طبعاً :
﴿ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾
إذا غلب على ظنك أن عفوك عنه يصلحه ينبغي أن تعفو عنه ، أما إذا غلب على ظنك أن هذا الشاب الطائش في قيادة المركبة قد ارتكب حادثاً مؤلماً ، فإذا عفوت عنه تابع هذا التفلت من منهج الحياة ، فهذه قضية حكمة ، إذا غلب على ظنك أن عفوك عنه يصلحه ينبغي أن تعفو عنه ، وعندئذٍ يتولى الله مكافأتك على هذا العمل ، أما إذا أيقنت أن عفوك عنه تجعله يزداد شراسة ، وانحرافاً ، فينبغي ألا تعفو عنه .المذيع :
فهنا تحاسبه ، ولا تعفو عنه ، لكن بكلا الحالتين شيخنا لو الإنسان عفا فأجره لا يذهب، والموقف لا يذهب ، إنه ينال مكافأة وتعويضاً من الله .
الله يفتح عليكم شيخنا .
نتواصل في حلقتنا مع العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي عن الغضب ، وذكرنا نقاطاً كثيرة ، ذكرها شيخنا الكريم ، سوف نلخصها في ختام هذه الحلقة بحول الله تعالى .
شيخنا الفاضل ، أعود إليكم ، في مرة من المرات جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : أوصني ، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام :
(( لا تَغْضَبْ ))
وكررها النبي الكريم مراراً ، لماذا كانت الوصية لا تغضب تحديداً دكتور ؟لكل صحابي عند النبي الكريم تصور خاص :
الدكتور محمد راتب :
النبي الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم يعلم طبيعة أصحابه ، فكل صاحب له تصور عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالإنسان حينما يغضب قد يخسر كثيراً ، فكان يوجه كل صحابي إلى حالة يعلمها عنه صلى الله عليه وسلم ، معالجة ، كل إنسان تقول له : لا تغضب؟! هناك إنسان تقول له : سامحه ، إنسان تقول له : رد عليه بعمل طيب ، فكل إنسان له عند النبي مكانة ، وطبيعة ، فكان عليه الصلاة والسلام يعلم عن أصحابه الشيء الكثير ، فكأن خلاصة هذا الصحابي أنه لا يغضب ، اذهب وأكرمه ، وما إلى ذلك .
المذيع :
في حديث آخر شيخنا للنبي عليه الصلاة والسلام :
(( ليس الشديدُ بالصُّرَعَةِ ، إِنَّما الشديدُ الذي يملك نفسه عند الغضب ))
ما المراد بهذا الحديث ؟بطولة الإنسان أن يملك نفسه عند الغضب :
الدكتور محمد راتب :
هذه بطولة ، الحقيقة الإنسان حينما يعبر عن غضبه بقوة وعنف شديدين لا يعد هذا بطولة ، البطولة أن تملك نفسك عند الغضب ، البطولة أن تتخذ قراراً ، وأنت في حالة نفسية صحيحة ، وأنت في رؤية صحيحة ، فالبطولة ألا تتخذ قراراً وأنت غاضب ، قد يأتي هذا القرار منحرفاً ، مبالغاً به ، قد تنقطع علاقات متينة جداً ، فلابد قبل أن تتكلم كلمة أن تعرف مآلها ، هذا اسمه فقه المآل ، فقه المآل ؛ لعل هذه الكلمة تبعده عنك كلياً ، قد خسرت أخاً بهذه الطريقة فكاد الحليم أن يكون نبياً ، بدل أن أغضب أحاول أن أفهم وضع الآخر ، أحياناً يكون الآخر وضعه صعب جداً ، وأنت لا تعرف ، تأخر ، لماذا تأخر ؟ قد يكون عنده أمر قاهر ، اسأله عن السبب قبل أن تعاتبه ، أو قبل أن تغضب عليه ، كاد الحليم - للمرة العاشرة - أن يكون نبياً ، اسأل ، تحقق ، انظر إلى الظروف التي حاطت بهذا العمل .
المذيع :
إذاً قوة الإنسان دكتور في أن يسيطر على الغضب ، وليس في التعبير عن الغضب بالألفاظ ، وبالعنف ، وما شابه .
شيخنا الكريم ؛ أيضاً في الآية الكريمة :
﴿ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾
ما المقصود بهذا شيخنا ؟الغضب الطبيعي :
الدكتور محمد راتب :
هذا الغضب الطبيعي ، إذا غضب لا يحاسب ، يسمح ، يقبل .
﴿ هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾
يوجد غضب يؤدي إلى عدوان شديد ، وغضب يؤدي إلى إتلاف حاجات معينة ، وغضب يؤدي إلى قطع علاقات كلياً ، وغضب معتدل يؤدي إلى عتاب لطيف ثم تنزاح هذه الغمامة عن هذه الأسرة .المذيع :
إذا أردت أن أكون من الذين يتبعون هذا النص القرآني شيخنا :
﴿ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾
لكنني وجدت الطرف أمامي أصبح يتمادى في أخطائه ويستغل أنني أغفر كل مرة ؟من فُسر حلمه ضعفاً فعليه ألا يكون ضعيفاً :
الدكتور محمد راتب :هذا سؤال دقيق جداً ، إذا غلب على ظنك أن الحلم الذي تحلى به المؤمن سيسبب له ضياعاً لحقوقه ، أو ضياعاً لمكانته بهذه الحالة لا بد من أن تأخذ حقك بالطرق المشروعة ، حينما يفسر الحلم ضعفاً ينبغي ألا تكون ضعيفاً .
المذيع :
الله يفتح عليكم دكتور .
سيدنا ؛ البعض سوف يقول لك : إن الله خلق فيه جينات تميل إلى الغضب ، أي إذا حصل موقف تجد أن أحد الأشخاص يغضب بشدة ، والشخص الآخر أعصابه هادئة باردة هل نقول إن الله ابتلاه أو امتحنه بالقدرة الشديدة على السيطرة على الغضب الشديد ؟
بطولة الإنسان أن يسيطر على نفسه ومشاعره :
الدكتور محمد راتب :
الإنسان حينما يستطيع أن يسيطر على مشاعره ، وعلى حركاته ، هذه بطولة بالإنسان، مالك نفسه ، إما أن يملكها ، أو أن تملكه ، إما أن يحجمها ، أو أن تحجمه ، إما أن يصل إلى هدفه بنعومة ورقة ، أو أن يصل لهدفه بضرر كبير لحق به وبمن حوله .
المذيع :
الله يفتح عليكم دكتور .
الدكتور محمد راتب :
وكاد الحليم أن يكون نبياً .
المذيع :
الله يفتح عليكم دكتور .
قبل أن نشرع بالدعاء دكتور ، نذكر مستمعينا الكرام بخلاصة الحلقة : أن الغضب هو شعور بداخل الإنسان ، وأنه فطرة لن يؤاخذ عليها ، لكن التعبير عن الغضب لا قدر الله بالشتائم أو العنف هنا يبدأ حسابه عند الله ، وإذا غلب على ظن الإنسان أن الطرف الذي أمامه إن عفا عنه يصلحه ، فالأولى المغفرة والعفو ، وإن لم يغلب على ظنه ذلك ، واعتقد أنه لو عفا عنه سيتمادى لا يسامحه ، هنالك غضب محمود كأن تغضب للظلمات ، ولانتصار المظلوم ، ولحرمات الله ، وإن غضب الإنسان فله الحق أن يبحث عن أخذ حقه بالشرع لا بالعنف ، والمغفرة أجر من الله سبحانه وتعالى إن غفر للناس فالله يعوضه ، وكاد الحليم أن يكون نبياً .
نختم حلقتنا بالدعاء شيخنا الكريم .
الدعاء :
الدكتور محمد راتب :
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمن مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا ، واجعل بلاد المسلمين آمنة مطمئنة .