وضع داكن
25-04-2024
Logo
حياة المسلم 3 - إذاعة حياة إف إم : الحلقة 21 - الغضب أسبابه أنواعه وعلاجه
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور محمد راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع :
 السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته مستمعينا الكرام ومشاهدينا ، أينما كنتم تتابعوننا مباشرة في حلقة علمية جديدة مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي حياكم الله شيخنا ، وأستاذنا .
الدكتور محمد راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
 حياكم الله شيخنا الحبيب ، وأهلاً وسهلاً بفضيلتكم .
 دكتور ؛ حديثنا لهذا اليوم بإذن الله سوف يكون عن الغضب ، نتحدث عن أسبابه وعن النصوص الشرعية المرتبطة بالغضب ، وعن إدارة وحل مشكلة الغضب الموجودة لدى الإنسان .
 نبدأ مستمعينا الأكارم حلقتنا بقول الخالق سبحانه وتعالى :

﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾

[ سورة آل عمران: 134]

 وننتقل إلى سنة النبي حيث يقول عليه الصلاة والسلام :

(( مَا مِنْ جُرْعَةٍ أَعْظَمُ أَجْراً عِنْدَ اللَّهِ مِنْ جُرْعَةِ غَيْظٍ كَظَمَهَا عَبْدٌ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ))

[ابن ماجه عن عبد الله بن عمر]

 أهلاً وسهلاً بكم مستمعينا في حديثنا عن الغضب ، وأهلاً بكم شيخنا الكريم ، ونبدأ مع فضيلتكم شيخنا بسؤال مهم جداً : هل الغضب هذا السلوك الذي يقع فيه الإنسان هل هو شيء فطري أي أن الإنسان يولد غضوباً أم أنه شيء مكتسب يتحقق مع الأيام لدى الإنسان ؟

الإنسان هو المخلوق الأول رتبة المكلف والمسؤول :

الدكتور محمد راتب :
 الحقيقة الدقيقة أن الإنسان عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، عنده حاجات ثلاثة ، عنده حاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على بقائه كفرد ، وعنده حاجة إلى الزواج حفاظاً على بقاء النوع ، وعنده حاجة إلى التفوق حفاظاً على بقاء الذكر ، والإنسان كما تعلمون ركب من عقل ، وقلب ، وجسم ، العقل ؛ غذاؤه العلم ، والقلب ؛ غذاؤه الحب ، والجسم ؛ غذاؤه الطعام والشراب ، وهو المخلوق الأول عند الله لأنه في عالم الأزل حينما عرض الله :

﴿ الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب: 72 ]

 فلما قبل حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول رتبة ، وكان المخلوق المكلف والمسؤول ، فالإنسان أودعت فيه الشهوات ، هنا الهدف ، أودعت فيه الشهوات ليرقى بها إلى رب الأرض والسماوات ، أودعت فيه الشهوات ، الشهوة إلى الطعام والشراب ، الشهوة إلى الزواج ، الشهوة إلى التفوق ، ما أودعت فيه الشهوات إلا ليرقى فيها إلى رب الأرض والسماوات .
 فلذلك الشهوة تماماً كالسائل المتفجر ، كالبنزين ، إذا وضع البنزين في المستودع المحكم في السيارة ، وسال في الأنابيب المحكمة ، وانفجر في الوقت المناسب ، وفي المكان المناسب ، في البستونات ، ولّد حركة نافعة ، تقلك إلى مكان جميل ، فالشهوات أودعت فينا ، لكن تقريباً الشهوة ممكن أن تمارسها بشكل حلال ، مقبول ، مثلاً مئة وعشرون درجة ، وهناك ستون درجة محرمة ، هذه المحرمات هي دليل المؤمن إلى رب الأرض والسماوات ، كم نوع من الطعام مثلاً مسموح به ؟ الخنزير محرم ، كم نوع شراب ؟ الخمر محرمة ، تفضل .
المذيع :
 شيخنا الكريم ؛ في ظل هذا التأصيل لهذا الموضوع حينما نقول عن بعض هذه السلوكيات ، مثل سلوك الغضب الذي يؤاخذ ويحاسب الإنسان عليه يوم القيامة ، هل هو سلوك فطري ؟ بمعنى شيخنا لو أن إنساناً غضوباً هل هو ولد وخلق غضوباً أم أنه سلوك مكتسب ؟

الغضب عمل لا إرادي :

الدكتور محمد راتب :

(( يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب ))

[الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي]

 حينما تسد أمامه الأبواب يغضب ، أما المؤمن فيغضب الغضب المقبول عند الله ، الغضب ليس بيد الإنسان .
المذيع :
 سيدنا ؛ ممكن نوضح ؟
الدكتور محمد راتب :
 الغضب ليس عملاً إرادياً ، إنه عمل لا إرادي ، عندما تهدد حاجاته الأساسية يغضب، كاد الحليم أن يكون نبياً ، الله عز وجل أمرنا أن نضبط أعصابنا ، وأن نوحد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، أنت حينما تعلم علم اليقين أن الأمر كله بيد الله ، هو المعطي ، وهو المانع، وهو الحافظ ، وهو الرافع ، وهو الخافض ، وهو المعز ، وهو المذل ، علاقتك مع الله عز وجل .
 للتقريب : تصور عشرين أو ثلاثين وحشاً ، وحوش كاسرة جائعة ، مربوطة بأزمة محكمة بيد جهة رحيمة ، عليمة ، حكيمة ، أنا علاقتي مع الوحوش أما مع من يملك هذه الوحوش ؟ ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، الإنسان عندما يعلم علم اليقين أن هذه الوحوش التي سببت له الغضب بيد الله عز وجل ، ولو أن الله أسلمك إلى غيره لا يمكن أن تعبده .

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾

[ سورة هود: 123 ]

 لذلك ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، التوحيد قمة الإيمان .
 دقيقة واحدة ؛ الله عز وجل جمع فحوى دعوة الأنبياء كلهم بآية واحدة ، قال :

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الأنبياء: 25]

 فكأن فحوى دعوة الأنبياء جميعاً كلمتان :

﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الأنبياء: 25]

 لا إله إلا أنا التوحيد ، ونهاية العلم التوحيد .

﴿ فَاعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الأنبياء: 25]

 نهاية العمل العبادة ، فالإنسان كلما اقترب من الله اشتق منه الكمال ، اشتق منه الحلم، كاد الحليم أن يكون نبياً ، هذا الاتصال بالله فيه حلم ، ما دام هناك بعد عن الله يوجد غضب ، النبي قال :

(( لا تَغْضَبْ ))

[ البخاري والترمذي ومالك عن أبي هريرة ]

المذيع :
 ذكرتم سيدنا قبل قليل بأن المؤمن :

(( يطبع المؤمن على الخلال كلها ))

[الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي]

 هل لك أن توضح شيخنا ماذا تعني يطبع ؟ وماذا تعني الخلال لتتضح الفكرة من خلال هذا النص ؟

اختلاف الطبع عن الأخلاق :

الدكتور محمد راتب :
 هذا الموضوع دقيق ، الطبع غير الأخلاق ، هناك إنسان تفصيلي ، يذكر كل التفاصيل ، وإنسان كلي ، وإنسان يغلب عقله قلبه ، وإنسان يغلب قلبه عقله ، هذه الأنواع .

(( يطبع المؤمن على الخلال ))

[الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي]

 هناك إنسان عصبي المزاج ، وإنسان هادئ ، وإنسان كلي ، وإنسان تفصيلي .

(( يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب ))

[الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي]

 إن كذب أو خان هذه ليست طباعاً ، هذه انحرافات شديدة جداً .
المذيع :
 في ظل هذا شيخنا ، أين نصنف الغضب ؟ هل هو من الطباع التي يطبع الإنسان عليها أي أنه ولد وولد معه الغضب أم لا ؟

المؤمن لا يغضب لأنه يرى أن كل شيء وقع متعلق بإرادة الله :

الدكتور محمد راتب :
 الإنسان أودعت فيه الشهوات ليرقى بها إلى رب الأرض والسماوات ، أحياناً تتعطل إحدى الشهوات ، فالإنسان العادي يغضب ، المؤمن لا يغضب ، يراها من الله عز وجل ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، يراها من الله ، يراها من الله امتحاناً له .
 كلمة دقيقة : كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، هذه المقولة تفسر مليون حالة ، كل شيء وقع بالقارات الخمس من آدم ليوم القيامة أراده الله ، لا تعني أنه أمر به ، ولا تعني أنه رضيه ، ولكن سمح به ، كل شيء وقع أراده الله معنى أراده أي سمح به ، وكل شيء أراده الله وقع والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة ، فالذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله ، والذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً ، وكل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، والإرادة متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق .
 لذلك هناك فرق كبير بين مؤمن يضبط أعصابه ، لا يغضب غضباً يدفعه إلى عمل لا يرضي الله عز وجل ، كاد الحليم أن يكون نبياً ، وبين غير المؤمن .
المذيع :
 شيخنا ذكرتم قبل قليل وقلتم إن الغضب هو شيء لا إرادي ، هل هو فعلياً لا إرادي أم التعبير عن الغضب شيخنا ؟

كيفية التعبير عن الغضب :

الدكتور محمد راتب :
 الغضب موجود ، لكن لا تغضب ، لا تعبر عن الغضب بعدوان .
المذيع :
 ممكن تشرحها أكثر دكتور ؟
الدكتور محمد راتب :

(( يطبع المؤمن على الخلال كلها ))

[الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي]

 حينما تتعطل إحدى مصالحه يغضب ، لكن هو ماذا يفعل ؟ يكظم غضبه ، يوجد كظم غيظ ، حينما يغضب يغتاظ ، هناك إنسان يعبر عن غضبه بعدوان ، وإنسان يعبر عن غضبه بالحلم ، كاد الحليم أن يكون نبياً .
المذيع :
 إذاً سيدنا ، وصوب لي إذا كان فهمي خاطئاً .
 الشعور بالغضب هو شعور فطري لدى الإنسان إذا استغضب فهو يشعر بالقهر ، وبالغيظ ، وبالغضب الداخلي ، وهذا لا يحاسب عليه ، أما حينما يعبر عن هذا الشعور بالسلوك بالكلمات فهنا يبدأ الحساب .
الدكتور محمد راتب :
 هو حينما يعبر عن غضبه بعدوان ، هنا الحساب .
المذيع :
 وإن عبر عنه بإحسان ؟
الدكتور محمد راتب :
 حينما يعبر عن غضبه بالحلم والصفح أحياناً ، أو بأخذ الحق من طريق مشروع لا شيء عليه ، قد يأخذ حقه برفع دعوى ، بطريق مشروع ، لا يحاسب عليه .
المذيع :
 لكنه لم يعبر عنه بالعنف ، الله يفتح عليك دكتور الفكرة واضحة تماماً .
 أهلاً بكم أستاذنا .
الدكتور محمد راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم .
المذيع :
 حفظكم الله شيخنا ، ورفع مقامكم .
 مستمعينا موضوعنا عن الغضب ، بدأنا قبل الفاصل وكان حديثنا عن الغضب ، هو عبارة عن شعور داخلي فطري موجود لدى الإنسان ، وحينما يستغضب الإنسان فإن شعوره بالغيظ أو بالألم أو بالغضب شعور لا إرادي ، لكن الشيء الإرادي هو طريقة التعبير عن هذا الغضب ، وهنا يبدأ الحساب ، شعور الإنسان بالغضب لا يؤاخذ عليه أما تعبيره عن الغضب فهنا يبدأ الحساب .
 شيخنا الكريم ؛ سأنتقل معك إلى الحديث الذي أخذناه في مطلع الحلقة :

(( مَا مِنْ جُرْعَةٍ أَعْظَمُ أَجْراً عِنْدَ اللَّهِ مِنْ جُرْعَةِ غَيْظٍ كَظَمَهَا عَبْدٌ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ))

[ابن ماجه عن عبد الله بن عمر ]

 لماذا ؟

الغضب المحمود :

الدكتور محمد راتب :
 لكن لا بد من التنويه ، إلى أن هناك غضباً محموداً ، أن يغضب الإنسان لله ، إن انتهكت حرمات الله ، أن يغضب لحكم شرعي عطل عن التنفيذ ، هناك غضب صحي ، غضب يعد إيجابياً في حياة المؤمن ، فلابد من أن تغضب لله ، أن تغضب لحرمات الله ، أن تغضب لمعصية انتشرت في بلد معين ، هذا الغضب محمود ، بل تثاب عليه ، بل يؤكد الإنسان به إيمانه ، هو الغضب حالة نفسية داخلية ، لا تقلب إلى عدوان ، تنقلب إلى حالة مؤلمة ، هو يرقى بها عند الله عز وجل .
 أردت أن أنوه إلى الجانب الإيجابي في الغضب ، حينما تغضب لله ، تغضب لحرمات الله إذا انتهكت ، تغضب لمشكلة لا تحل إلا بطريق غير مشروع ، هذه مشكلة كبيرة .
المذيع :
 سيدنا هذا كان حال النبي عليه الصلاة والسلام ألا ينتصر وينتقم لذاته بل لحرمات الله أليس كذلك ؟
الدكتور محمد راتب :
 المؤمن يغضب لله ، لا يغضب لذاته .
المذيع :
 هل يُفهم من هذا الكلام دكتور إذا أنا ما تعرضت لأزمة في حياتي فغضبت فهل هذا يدل على عدم الإيمان أم التعبير العنيف عن الغضب هو الذي يدل على قلة الإيمان ؟

من اتصل بالله اشتق منه الحلم :

الدكتور محمد راتب :
 والله الإنسان إذا له صلة بالله عز وجل يشتق من الله الحلم ، هذه مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى ، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً ، عوامل الغضب موجودة ، لكن هذا الغضب الذي استفز به الإنسان تلقاه بصدر رحب ، تلقاه بقبول من الله عز وجل .
المذيع :
 شيخنا ؛ بعض الأشخاص لديهم مقولة ، يتحدث ويقول : إن الغضب شيء لا إرادي لديه ، وبالتالي أنا حينما أغضب أفقد السيطرة على نفسي ، هل هو محاسب ومؤاخذ يوم القيامة ؟

الغضب الصحي دليل إيمان وغيرة على الدين :

الدكتور محمد راتب :
 والله لولا أن الإنسان قادر على تطبيق منهج الله لما عدّ الغضب المفرط خطأ ، أبداً ، ما من أمر أُمرنا به إلا والله عز وجل فطرنا على قبوله ، فالإنسان حينما يغضب ، ويعبر عن غضبه بطريق مشروع كأنه يحاسب الذي فعل كذا وفق القواعد المشروعة ، وفق القوانين النافذة الصحيحة ، أما حينما ينتقل الغضب إلى عدوان ، ويفوق الحد المعقول ، هذا الغضب المرضي ، هناك غضب صحي ، دليل إيمان ، دليل غيرة على هذا الدين ، دليل غيرة على المصلحة العامة، هذا غضب مقبول ومشروع .
المذيع :
 الله يفتح عليكم دكتور .
 إذاً الإنسان يحاسب حساباً كاملاً على تعبيره على غضبه لأنه قادر على السيطرة عليه .

المعاتبة قبل القطيعة :

الدكتور محمد راتب :
 طبعاً يوجد معاتبة ، المعاتب إنسان كامل ، هناك إنسان اقترف بحقي خطأ كبيراً أنا أعاتبه .

(( لا أصرم أخاً قبل أن أعاتبه ))

[علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم]

 هكذا النبي قال .

(( لا أصرم أخاً ))

[علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم]

 أي لا أقطع قبل أن أعاتبه ، وبالحسنى ، حتى إذا إنسان أحبّ أن يؤدب أولاده بالحسنى ، بالنصيحة ، نحن عندنا نصيحة ، تذكير ، أن تبتعد عنه قليلاً ، يوجد أساليب كثيرة جداً قبل أن ترتكب الخطأ بسبب الغضب .
المذيع :
 شيخنا ؛ ممكن تشرح للمستمعين الكرام ما المقصود بالحديث :

(( لا أصرم أخاً قبل أن أعاتبه ))

[علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم ]

 أي كيف نطبقه اليوم ؟
الدكتور محمد راتب :
 لو فرضنا إنساناً أخطأ بحق قريب له ، بحق أخ ، بحق جار ، بحق زميل بالعمل ، فهذا لو أنه قاطعه ولم يعلمه بالسبب مشكلة ، فأنا قبل أن أصرمه ، قبل أن أبتعد عنه ، قبل ألا ألبي دعوته ، أبين له ، هناك خطأ ، عاتبه ، بيّن له الخطأ الذي ارتكبه معك ، بالعتاب تصفو القلوب .

(( لا أصرم أخاً ))

[علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم ]

 لا أقطع أخاً ، لا أحارب أخاً قبل أن أعاتبه ، لعله ما انتبه لخطئه ، لعله لم يفعل هو الخطأ نفسه ، لعله آخر ، فلابد من التحقيق .

﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾

[ سورة النمل: 27]

 الملكة بلقيس ، فلابد من التحقيق قبل أن أصب جام غضبي على جهة معينة .
المذيع :
 الله يفتح عليكم دكتور .
 ذكرتم أيضاً شيخنا قبل قليل : كاد الحليم أن يكون نبياً ، لماذا دكتور ؟

الحليم إنسان موحد يرى أن الإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة :

الدكتور محمد راتب :
 تخلقوا بأخلاق الله ، نص دقيق ، الله حليم ، العباد أحياناً يعصون الله نهاراً جهاراً لكن الله حليم ، وكاد الحليم أن يكون نبياً ، الحليم إنسان أولاً وحد ، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، كل شيء وقع أراده الله ، سمح به ، كل شيء أراده الله وقع ، والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، هذا التوحيد ، قالوا : وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، التوحيد أن ترى أن الأمر كله بيد الله .
 سؤال بسيط : لو أن عندنا وحوشاً كاسرة ، جائعة ، مفترسة ، لكنها مربوطة بأزمة محكمة بيد جهة رحيمة ، حكيمة ، عادلة ، الإنسان علاقته مع الوحوش أما مع من يملكها ؟ هنا الشاهد ، لذلك :

﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ﴾

[ سورة هود: 55]

 تحدّ .

﴿ ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة هود: 55]

 هذا التوحيد مريح ، قلت قبل قليل إن فحوى دعوة الأنبياء جميعاً كلمتان :

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ﴾

[ سورة الأنبياء: 25]

 هذا التوحيد يريح النفس ، كل شيء وقع أراده الله ، سمح به ، وكل شيء أراده الله وقع، والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، هذا التوحيد مريح جداً .
المذيع :
 الله يفتح عليكم دكتور .
 شيخنا الفاضل في حديث أحد الصحابة يقول :

(( اسْتَبَّ رجلان عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، ونحن عنده ، فبينما أحدهما يَسُب صاحبه مغضَبا قد احمرَّ وجهُه ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : إِني لأعلمُ كلمة لو قَالها لذهبَ عنه الذي يجد ، لو قال : ' أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم ' ، ذهب عنه ما يجد ))

[البخاري ومسلم وأبو داود عن سليمان بن صرد ]

 هل الغضب من الشيطان ؟

الغضب الشديد من الشيطان :

الدكتور محمد راتب :
 طبعاً ، هناك غضب حميد ، وغضب من الشيطان ، أنت حينما تغضب لحرمات الله إذا انتهكت ، ولأمر عظيم لم يحقق ، ولتقصير كبير من مسلم فهذا غضب طبيعي ، غضب مشروع لكن لا يعبر عنه بالعنف ، يعبر عنه بالمعاتبة ، أحياناً يعبر عنه بأسلوب وعظي لطيف، يعبر عنه بلفت نظر ، أما حينما ينقلب هذا الغضب إلى عدوان فهنا المشكلة .
المذيع :
 لكن أصل هذا الغضب الذي يتسبب من خلاله الإنسان بأن يسب أحداً ، أو أن يحمر غضباً ، أو أن يقوم بإيذاء أحد ، بضربه أو كذا ، هذا أصله من الشيطان هذا الغضب الشديد دكتور ؟
الدكتور محمد راتب :
 طبعاً من الشيطان ، والرد الحكيم أن تتلقى هذا العمل بمعاتبة لطيفة ، بتعليق ، بلفت نظر ، بسؤال أو جواب لعل الفهم كان غير صحيح .
المذيع :
 بعض الناس شيخنا يستثقلون العتاب ، أي لو أتيته لتعاتبه في أمر ما أغضبك به ، يستنكر هذا العتاب ، وقد يكون مدعاة لقطع العلاقة .

الأخوة الإيمانية منهج إلهي :

الدكتور محمد راتب :
 والله قطع العلاقة مشكلة كبيرة ، لأنها تتفاقم ، الأخوة الإيمانية منهج إلهي .

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾

[ سورة الحجرات: 10]

 لو كان كل خلاف عقبه قطيعة مشكلة كبيرة جداً .
المذيع :
 شيخنا ؛ أحياناً عند الغضب يكون الإنسان منفعلاً هل تنصح المستمعين الكرام إذا أراد أحدهم أن يأخذ حقه ، أو أن يستفسر ، أو يعاتب أحداً أن يؤجل ذلك حتى الهدوء ؟

علاج الغضب :

الدكتور محمد راتب :
 يوجد نصائح لطيفة : إن كنت غاضباً وأنت واقف فاجلس ، إذا كنت جالساً فقم ، إن كنت في غرفة واشتد غضبك انتقل لغرفة ثانية ، إن كنت في بيت واشتد غضبك فاخرج من البيت، اعمل حركة تبتعد بها عن مكان الغضب ، عن أسباب الغضب ، وإلا تفاقم الأمر ، هناك أحداث خطير جداً بدأت بالغضب ، وانتهت بجريمة أحياناً ، إذا كان هناك غضب نبتعد من المكان الذي تمّ به الغضب .
المذيع :
 إضافة شيخنا لهذه النصيحة أن يغير الإنسان المكان الذي حصل فيه الغضب ، كيف تنصح المستمعين ؟
الدكتور محمد راتب :
 الخروج من البيت .
المذيع :
 إضافة لهذه دكتور .
الدكتور محمد راتب :
 الانتقال إلى غرفة ثانية ، إدخال موضوع جديد بالبحث .
المذيع :
 تغير موضوع النقاش .
الدكتور محمد راتب :
 تغير موضوع الحديث ، أو الانتقال إلى غرفة ثانية ، أو الخروج من البيت .
المذيع :
 شيخنا ؛ الذي طبيعته إن جاز التعبير سريع الاشتعال عند الغضب ، أي أعصابه يفقدها ، وقد يتلفظ بكلمات شديدة ، أو يقوم بكسر ، أو ما شابه ، كيف تنصحه ليسيطر على هذا الغضب ، ماذا يفعل ؟

تخلق المؤمن بأخلاق الله للتخلص من غضبه :

الدكتور محمد راتب :
 والله الإنسان حينما يوحد يرتاح ، أي هذا الذي أخطأ معك ، إنسان مخير ، أخطأ الله أمرك أن تصفح عنه ، أن تعفو عنه ، أن تحترم غيرته التي عبرت عن غضبه ، ممكن دائماً عندنا طرق سليمة ، والنبي قال : "تخلقوا بأخلاق الله عز وجل" .
 ما يقع في العالم من معاص ، من آثام ، من انحرافات لا يعلمها إلا الله ، ومع ذلك الله حليم ، والمؤمن يتخلق بأخلاق الله ، والحلم ، وكاد الحليم - كما قلت قبل قليل - أن يكون نبياً .
المذيع :
 شيخنا ؛ في كثير من النصوص الشرعية من الكتاب ، ومن السنة وعلى رأسها :

﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾

[ سورة آل عمران: 134]

 تدعو الإنسان إلى كظم الغيظ ، ما هو المقصود بمصطلح كظم الغضب ، أو كظم الغيظ ؟

كظم الغيظ هو كتمه والتعبير عنه بشكل لطيف :

الدكتور محمد راتب :
 الغضب طبيعي ، إنسان غضب لسبب ما ، ممكن أن يكظم غيظه ، أن يسكت ، هذا موقف كامل جداً ، أو يغادر الغرفة إلى غرفة ثانية ، أو يغادر البيت إلى بيت آخر ، إن كان جالساً فليقف ، واقفاً فليجلس ، ينتقل إلى موضوع آخر ، هذا الحل ؟
المذيع :
 كلمة كظم الغيظ هي ألا تعبر عن كظم الغيظ والغضب ، أن تكتمه .
الدكتور محمد راتب :
 لكن ممكن أن يكون التعبير عنه لطيفاً ، أنت أخطأت معي بالموضوع الفلاني ، بهذه الكلمة التي قلتها ، لا يوجد مانع ، لا ننتقل من خطأ إلى تكبير له كبير جداً ، ننتقل من خطأ إلى عتاب ، إلى إعراض أحياناً ، إلى لفت نظر أحياناً ، وهكذا .
المذيع :
 سيدنا ؛ هل معنى الإنسان الذي كظم غيظه أو سكت عنه ، هل معناه قد أسقط حقه وكأنه سامح الطرف الآخر ؟

سلوك الطرق المشروعة لاسترداد الحقوق :

الدكتور محمد راتب :
 لا يعني هذا إطلاقاً ، إذا كان هناك طرق مشروعة لاسترداد حقه لا مانع .
المذيع :
 أي لا يشترط أن يعفو عنه بإمكانه أن يختار أسلوباً حسناً في الوصول لحقه .
الدكتور محمد راتب :
 يوجد عفو ، والعفو فيه أجر كبير .
المذيع :
 شيخنا ؛ تنصح الإنسان إذا ما تعرض إلى سلب حقه على سبيل المثال ، وبالتالي غضب ، وحقه أُخذ منه ، هل يكون منهجه أن يعفو عمن أمامه أم أن يحاول بالطرق المشروعة أن ينال حقه ؟

من عفا عمن أخطأ بحقه فأجره كبير عند الله :

الدكتور محمد راتب :
 والله هذا شيء تابع للإنسان ، إن أراد أن يأخذ حقه لا شيء عليه أبداً ، الشرع معه ، والقانون معه ، أما إذا أراد أن يعفو عنه فالعفو له أجر كبير .

﴿ فَمَنْ عَفَا ﴾

[ سورة الشورى: 40]

 دقق :

﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾

[ سورة الشورى: 40]

 أي أصلح العلاقة بينه وبين الآخر بعفوه عنه ، هذا عمل عظيم .

﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾

[ سورة الشورى: 40]

 إذا غلب على ظنك أن عفوك عنه يصلحه ينبغي أن تعفو عنه ، وعندئذٍ يتولى الله مكافأتك .

﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾

[ سورة الشورى: 40]

 فإذا غلب على ظنك أن عفوك عن هذا الإنسان الذي أساء إليك يصلحه ينبغي أن تعفو عنه ، وعندئذٍ يتولى الله في عليائه أن يكافئك على هذا العمل .
المذيع :
 الله يفتح الله عليكم .
 ممكن شيخنا مثال لتوضيح الفكرة الأخيرة التي ذكرتموها ؟
الدكتور محمد راتب :
 والله سيدي يوجد قصة أنا أقولها كثيراً : إنسان تزوج امرأة ، وفي الشهر الخامس من زواجها تبين أن حملها في الشهر التاسع ، بإمكانه أن يفضحها ، بإمكانه أن يطردها من البيت ، وأن يطلقها ، كل الأعمال هذه مقبولة وهو صاحب الحق بذلك ، لكن هذا الرجل يسكن بأحد أحياء دمشق جاء لها بولّادة ، ولدت ، حمل هذا الولد الذي ظهر لتوه تحت عباءته ، ووقف أمام باب جامع صبيحة اليوم ، ودخل إلى الجامع بعدما نوى الإمام الفرض ، وضع هذا الولد بطرف المسجد ، والتحق بالمصلين ، بعد أن انتهت الصلاة بكى هذا الطفل الرضيع الصغير الذي ولد لتوه ، فتحلق المصلون حوله ، وانتظر أن معظم المصلين تحلقوا حوله ، ثم اقترب منهم وقال : ما القضية ؟ قالوا : تعال انظر ، لقيط ! قال : أي لقيط ؟ فنظر إليه وتأثر ، وكأنه لا علاقة له بالأمر ، ثم قال : أنا أكفله أعطوني إياه ، أخذه أمام أهل الحي بأكملهم على أنه لقيط ، ورده إلى أمه ، القصة مؤثرة جداً ! طبعاً :

﴿ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾

[ سورة الشورى: 40]

 إذا غلب على ظنك أن عفوك عنه يصلحه ينبغي أن تعفو عنه ، أما إذا غلب على ظنك أن هذا الشاب الطائش في قيادة المركبة قد ارتكب حادثاً مؤلماً ، فإذا عفوت عنه تابع هذا التفلت من منهج الحياة ، فهذه قضية حكمة ، إذا غلب على ظنك أن عفوك عنه يصلحه ينبغي أن تعفو عنه ، وعندئذٍ يتولى الله مكافأتك على هذا العمل ، أما إذا أيقنت أن عفوك عنه تجعله يزداد شراسة ، وانحرافاً ، فينبغي ألا تعفو عنه .
المذيع :
 فهنا تحاسبه ، ولا تعفو عنه ، لكن بكلا الحالتين شيخنا لو الإنسان عفا فأجره لا يذهب، والموقف لا يذهب ، إنه ينال مكافأة وتعويضاً من الله .
الله يفتح عليكم شيخنا .
 نتواصل في حلقتنا مع العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي عن الغضب ، وذكرنا نقاطاً كثيرة ، ذكرها شيخنا الكريم ، سوف نلخصها في ختام هذه الحلقة بحول الله تعالى .
 شيخنا الفاضل ، أعود إليكم ، في مرة من المرات جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : أوصني ، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام :

(( لا تَغْضَبْ ))

[البخاري والترمذي ومالك عن أبي هريرة]

 وكررها النبي الكريم مراراً ، لماذا كانت الوصية لا تغضب تحديداً دكتور ؟

لكل صحابي عند النبي الكريم تصور خاص :

الدكتور محمد راتب :
 النبي الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم يعلم طبيعة أصحابه ، فكل صاحب له تصور عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالإنسان حينما يغضب قد يخسر كثيراً ، فكان يوجه كل صحابي إلى حالة يعلمها عنه صلى الله عليه وسلم ، معالجة ، كل إنسان تقول له : لا تغضب؟! هناك إنسان تقول له : سامحه ، إنسان تقول له : رد عليه بعمل طيب ، فكل إنسان له عند النبي مكانة ، وطبيعة ، فكان عليه الصلاة والسلام يعلم عن أصحابه الشيء الكثير ، فكأن خلاصة هذا الصحابي أنه لا يغضب ، اذهب وأكرمه ، وما إلى ذلك .
المذيع :
 في حديث آخر شيخنا للنبي عليه الصلاة والسلام :

(( ليس الشديدُ بالصُّرَعَةِ ، إِنَّما الشديدُ الذي يملك نفسه عند الغضب ))

[البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه]

 ما المراد بهذا الحديث ؟

بطولة الإنسان أن يملك نفسه عند الغضب :

الدكتور محمد راتب :
 هذه بطولة ، الحقيقة الإنسان حينما يعبر عن غضبه بقوة وعنف شديدين لا يعد هذا بطولة ، البطولة أن تملك نفسك عند الغضب ، البطولة أن تتخذ قراراً ، وأنت في حالة نفسية صحيحة ، وأنت في رؤية صحيحة ، فالبطولة ألا تتخذ قراراً وأنت غاضب ، قد يأتي هذا القرار منحرفاً ، مبالغاً به ، قد تنقطع علاقات متينة جداً ، فلابد قبل أن تتكلم كلمة أن تعرف مآلها ، هذا اسمه فقه المآل ، فقه المآل ؛ لعل هذه الكلمة تبعده عنك كلياً ، قد خسرت أخاً بهذه الطريقة فكاد الحليم أن يكون نبياً ، بدل أن أغضب أحاول أن أفهم وضع الآخر ، أحياناً يكون الآخر وضعه صعب جداً ، وأنت لا تعرف ، تأخر ، لماذا تأخر ؟ قد يكون عنده أمر قاهر ، اسأله عن السبب قبل أن تعاتبه ، أو قبل أن تغضب عليه ، كاد الحليم - للمرة العاشرة - أن يكون نبياً ، اسأل ، تحقق ، انظر إلى الظروف التي حاطت بهذا العمل .
المذيع :
 إذاً قوة الإنسان دكتور في أن يسيطر على الغضب ، وليس في التعبير عن الغضب بالألفاظ ، وبالعنف ، وما شابه .
 شيخنا الكريم ؛ أيضاً في الآية الكريمة :

﴿ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾

[ سورة الشورى: 37]

 ما المقصود بهذا شيخنا ؟

الغضب الطبيعي :

الدكتور محمد راتب :
 هذا الغضب الطبيعي ، إذا غضب لا يحاسب ، يسمح ، يقبل .

﴿ هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾

[ سورة الشورى: 37]

 يوجد غضب يؤدي إلى عدوان شديد ، وغضب يؤدي إلى إتلاف حاجات معينة ، وغضب يؤدي إلى قطع علاقات كلياً ، وغضب معتدل يؤدي إلى عتاب لطيف ثم تنزاح هذه الغمامة عن هذه الأسرة .
المذيع :
 إذا أردت أن أكون من الذين يتبعون هذا النص القرآني شيخنا :

﴿ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾

[ سورة الشورى: 37]

 لكنني وجدت الطرف أمامي أصبح يتمادى في أخطائه ويستغل أنني أغفر كل مرة ؟

من فُسر حلمه ضعفاً فعليه ألا يكون ضعيفاً :

الدكتور محمد راتب :
 هذا سؤال دقيق جداً ، إذا غلب على ظنك أن الحلم الذي تحلى به المؤمن سيسبب له ضياعاً لحقوقه ، أو ضياعاً لمكانته بهذه الحالة لا بد من أن تأخذ حقك بالطرق المشروعة ، حينما يفسر الحلم ضعفاً ينبغي ألا تكون ضعيفاً .
المذيع :
 الله يفتح عليكم دكتور .
 سيدنا ؛ البعض سوف يقول لك : إن الله خلق فيه جينات تميل إلى الغضب ، أي إذا حصل موقف تجد أن أحد الأشخاص يغضب بشدة ، والشخص الآخر أعصابه هادئة باردة هل نقول إن الله ابتلاه أو امتحنه بالقدرة الشديدة على السيطرة على الغضب الشديد ؟

بطولة الإنسان أن يسيطر على نفسه ومشاعره :

الدكتور محمد راتب :
 الإنسان حينما يستطيع أن يسيطر على مشاعره ، وعلى حركاته ، هذه بطولة بالإنسان، مالك نفسه ، إما أن يملكها ، أو أن تملكه ، إما أن يحجمها ، أو أن تحجمه ، إما أن يصل إلى هدفه بنعومة ورقة ، أو أن يصل لهدفه بضرر كبير لحق به وبمن حوله .
المذيع :
 الله يفتح عليكم دكتور .
الدكتور محمد راتب :
 وكاد الحليم أن يكون نبياً .
المذيع :
 الله يفتح عليكم دكتور .
 قبل أن نشرع بالدعاء دكتور ، نذكر مستمعينا الكرام بخلاصة الحلقة : أن الغضب هو شعور بداخل الإنسان ، وأنه فطرة لن يؤاخذ عليها ، لكن التعبير عن الغضب لا قدر الله بالشتائم أو العنف هنا يبدأ حسابه عند الله ، وإذا غلب على ظن الإنسان أن الطرف الذي أمامه إن عفا عنه يصلحه ، فالأولى المغفرة والعفو ، وإن لم يغلب على ظنه ذلك ، واعتقد أنه لو عفا عنه سيتمادى لا يسامحه ، هنالك غضب محمود كأن تغضب للظلمات ، ولانتصار المظلوم ، ولحرمات الله ، وإن غضب الإنسان فله الحق أن يبحث عن أخذ حقه بالشرع لا بالعنف ، والمغفرة أجر من الله سبحانه وتعالى إن غفر للناس فالله يعوضه ، وكاد الحليم أن يكون نبياً .
 نختم حلقتنا بالدعاء شيخنا الكريم .

الدعاء :

الدكتور محمد راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمن مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا ، واجعل بلاد المسلمين آمنة مطمئنة .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور