- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠3برنامج حياة المسلم 3
مقدمة :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في مجلس العلم والإيمان مع الدكتور محمد راتب النابلسي شيخنا الكريم ، مرحباً بفضيلتكم ..
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
أحكام القلوب هو عنوان لقائنا هذا مستمعينا الكرام لنتحدث حول هذا الموضوع نبدأ بقول الله عز وجل :
﴿ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
فتحدث الله فيها عن القلب السليم وعن فضله ، وفي قوله تعالى :﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾
قد يكون القلب سليماً ، وقد يكون قلباً لا يفقه به ، أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال :(( ...إِن الله لا ينظر إِلى أجسادكم ، ولا إِلى صُوَرِكم ، ولكن ينظر إِلى قلوبكم وأَعمالكم ))
شيخنا الكريم نريد أن نتحدث عن هذه المضغة إن صلحت صلح الجسد فيها ألا وهي القلب لماذا هذه الأهمية في النصوص القرآنية والنبوية للقلب ؟أهمية القلب :
الدكتور راتب :
الحقيقة الدقيقة أخي الكريم بارك الله بك على هذا السؤال الدقيق ، أن القلب مركز النفس ، أي الدماغ فيه ذاكرة ، بالكومبيوتر يوجد ذاكرة ، الدماغ يمثل الذاكرة فإذا انقطعت الكهرباء على الكومبيوتر محت الذاكرة ، أما القلب فيمثل في الكومبيوتر الهارد ، المعلومات مثبتة فيه إثبات ميكانيكي لا كهربائي ، فلو أطفأنا الكومبيوتر المعلومات محفوظة ، الدماغ يمثل الذاكرة ، والقلب يمثل الهارد ، نقطة دقيقة الآية محيرة تقول :
﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾
معنى هذا أن القلب مركز العقل ، والدماغ مركز التفكير ، الإنسان يفكر من خلال دماغه ، أما العقل فالحقيقة الدقيقة واضحة جلية نيرة ساطعة قاطعة تنتقل من الدماغ من الذاكرة إلى القلب ، قال تعالى:﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ ﴾
الخلايا العصبية في القلب خمسة أضعاف خلايا الدماغ ، وهذه الآية من إعجاز القرآن الكريم ، مثلاً تمّ زرع مئة حالة قلب ، الحقيقة القلب عندما زرع لإنسان هناك ظواهر لم تكن معروفة من قبل سابقاً ، فالذي زرع له القلب كان يحب الموسيقا الكلاسيكية ، صار يحب موسيقا الجاز ، شخص زرع له قلب صار يتكلم كلمة ليس لها معنى ، فلما سألوا زوجة صاحب القلب المنزوع ، قالت الزوجة : هذه الكلمة رمز بيننا تعني الأمور على ما يرام ، معي موضوع طويل عريض حول زراعة القلوب ، فبالنهاية تقريباً الدماغ مركز الذاكرة ، والقلب مركز العقل ، فالشيء إذا تأكد صار ثابتاً قطعياً واضحاً ساطعاً جامعاً شاملاً استقر في القلب ، القلب الذي ينبض ، وظهر أن خلايا القلب لها ذاكرة تفوق ذاكرة الدماغ ، هذه الآية دقيقة من إعجاز القرآن الكريم :﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾
أي القلب مركز النفس ، أما الدماغ ففيه ذاكرة ، القلب فيه هارد ، المعلومات في القلب مثبتة بشكل ميكانيكي ، بشكل هيكلي ، وليس بشكل خارجي ، مع قطع الكهرباء تحذف ، لذلك الآية تقول :﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾
هذه الآية وحدها إعجاز ، يعقلون بها ، لم يقل لهم ذاكرة ، لهم دماغ ، لذلك الذي ثبت لنا الحقائق ، هذه المعلومات من حوالي عشرين سنة ، كان قد زُرع سبعون قلباً في العالم ، أخذ قلب إنسان على مشارف الموت ، بعدما صار موت سريري ، موت دماغي ، أخذوا قلبه وأعطوه لإنسان آخر ، كلمة صار يتكلم بها - الذي زرع له القلب - ليس لها معنى ، فلما سألوا زوجة صاحب القلب المنزوع ، قالت الزوجة : هذه الكلمة رمز بيننا تعني الأمور على ما يرام . حتى شهواته ، رغباته ، مشاعره ، هذه الأشياء النفسية كانت تتبدل بعد الزراعة .المذيع :
vشيخنا في قول النبي صلى الله عليه وسلم :
(( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ))
لماذا القلب هو سرّ النجاح ؟القلب سرّ النجاح :
الدكتور راتب :
هنا قلب النفس ، بالمناسبة نحن مضطرون أن نقول هذه الكلمات : الإنسان في الأصل نفس هي ذاته ، هي المكلفة ، هي الممتحنة ، هي الطائعة ، هي العاصية ، هي المتفوقة ، هي الساقطة ، هي المحبة ، هي المبغضة ، الأساس القلب مركز النفس ، فالإنسان نفس ، ذات ، هذه لا تموت ، قال تعالى :
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾
الذوق غير الموت ، تذوق الموت ولا تموت يعني من فلان ؟ نفسه ، قال تعالى :﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴾
﴿ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾
فالإنسان نفس ، ذات خالدة لا تموت ، مكلفة ، محاسبة ، معاقبة ، تسعد ، تشقى ، أي الإنسان هو نفسه ، الجسم غلاف مادي ، الروح قوة محركة ، صار عندنا ذات ، كيان، مخلوق أبدي خالد لا يموت ، لكنه يذوق الموت ، محاسب ، معاقب ، مكلف ، سعيد أو شقي ، ناجح أو غير ناجح ، والغلاف لهذه النفس الجسد ، أما الروح فالكبد مثلاً له خمسة آلاف وظيفة بعدما يموت الخروف بقي الكبد سودة نأكلها ، كان لها خمسة آلاف وظيفة ، بعدما الروح توقفت ، الروح قوة كهربائية ، هذا المصباح متى يقف ضوءه ؟ إما بحالتين إما قطع التيار عنه بالمفتاح أو بتكسيره ، فالقتل كسر المصباح ، والموت الطبيعي قطع الإمداد الإلهي عنه ، مات لو وزنا ميتاً بالميلي غرام بعد صعدت روحه إلى السماء لا ينقص ميلي غرام ، معنى هذا أنه يوجد قوة محركة ، هذه القوة جعلت الدماغ يفكر ، والكبد يقوم بوظائفه ، والكليتين تقوم بوظائفهما، فكل شيء يتحرك بوظائف معقدة جداً جداً ، هذه بقوة الروح ، فلما جاء أجله انقطع الإمداد الإلهي ، هذا الميت كان مؤنساً ، إذا دخل إلى البيت صار عرساً ، في البيت أولاده يتحلقون حوله ، يجلسون في حضنه يقبلونه ، عندما مات صار مخيفاً ، الغرفة التي يموت فيها الأب تبقى شهراً يخافون منها ، شاهد الدقة ، فالإنسان نفس ، ذات ، كيان ، وجسد وروح ، الجسد هو الغلاف المادي تصور مثلاً آلة تسجيل الغلاف البلاستيكي هو الجسد ، والكهرباء هي الروح ، أما ما تقدمه فهي النفس .المذيع :
القلب أين يقع ضمن هذه الدوائر ؟
الدكتور راتب :
القلب هو النفس ، قلب النفس هنا .
المذيع :
أنا اتخاذي لقراري أن يكون جيداً أو سيئاً هو في القلب .
الدكتور راتب :
والدليل القوي القاطع :
﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾
المذيع :لماذا إذا صلح القلب صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله ؟
القلب إذا صلح صلحَ الجسد كله وإذا فسد فسدَ الجسد كله :
الدكتور راتب :
إذا صلحت النفس ، عندما أقول قلب هنا قلب الإنسان نفسه ، ذاته ، القلب عرف الله فاستقام على أمره ، تقرب إليه ، كان صادقاً ، كان أميناً ، كان متقناً ، لا يوجد عنده نفاق ، لا يوجد عنده ازدواج شخصية .
المذيع :
هل هذه القلوب والأنفس خلقت بالفطرة على عبادة الله أم عليها أن تخوض تحديات الحياة ؟
الفرق بين الفطرة و الصبغة :
الدكتور راتب :
هذه بوضع حيادي ، قال تعالى :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
معنى الفطرة بالضبط أن تميل للحق ، لا أن تكون على حق ، الفطرة أن تحب الأمانة لا أن تكون أميناً ، هذه الفطرة ، الفطرة أن تحب العدل لا أن تكون عادلاً ، اللصوص يسرقون البيت ثم يقول أحدهم : وزع ما أخذناه بالعدل ، الفطرة بنية نفسية متوافقة مع الشرع ، قال تعالى :﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
أي إنسان على وجه الأرض يحب الكمال لكن لا يكون كاملاً ، أما الصبغة فهو كامل ، أن تحب العدل فطرة ، أن تكون عادلاً صبغة ، أن تحب الأمانة فطرة ، أن تكون أميناً صبغة .المذيع :
الصبغة هي السلوك الذي أختاره أنا ؟
الدكتور راتب :
لا ، التحلي بالكمال ، صبغة الله .
المذيع :
كتوضيح مصطلح الفطرة شيء يولد معي أما الصبغة فهل هي سلوك مكتسب ؟
الدكتور راتب :
ما خلق الله الإنسان إلا فطره على حب الخير ، فطره ، جبله ، برمجه على أن يحب الخير .
المذيع :
الصبغة هنا ؟
الدكتور راتب :
أصبح كاملاً ، سلوك مكتسب ، اتصال بالله ، اشتق منه الكمال ، الفطرة أن تحب العدل ، والصبغة أن تكون عادلاً ، الفطرة أن تحب الأمانة ، الصبغة أن تكون أميناً .
المذيع :
كل القلوب والأنفس فطرت على الصواب ، على الخير ، على الإيمان بالله ، لكن منها من كانت صبغته أي عمله لا يطابق فطرته فانحرف .
كل إنسان خُلق على فطرة نقية تحب الخير :
الدكتور راتب :
الآية الصارخة قال تعالى :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ ﴾
هكذا فطرت ، مثل دقيق قليلاً دخل شاب إلى البيت الساعة الواحدة ليلاً ، أمه طلبت منه دواء مسكناً لأنها تعاني من ألم شديد ، قال لها : الكل مغلق الآن ولا يوجد صيدلية مفتوحة، سكتت لكن هو يعلم أن هناك خمس صيدليات بعمان مناوبة ، ومعه سيارة ، لو فرضنا ركب سيارته وزار الصيدليات فوجد أن الدواء مفقود ، بالحالتين الدواء لم تأخذه الأم ، لكن بالمرة الثانية ينام مرتاحاً ، هذه الفطرة أدى الذي عليه ، لذلك قالوا : أدّ الذي عليك واطلب من الله الذي لك .المذيع :
الله خلقنا على فطرة نقية تحب الخير .
الدكتور راتب :
الدليل :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
المذيع :والآن يأتي دور الإنسان بعد أن خلق بهذه الفطرة إما أن يستجيب لها فيكون من أهل الخير ..
الدكتور راتب :
إذا استجاب وأقبل واشتق من الله الرحمة انقلبت الفطرة إلى صبغة .
المذيع :
إلى سلوك ، وأصبح رحيماً .
الدكتور راتب :
الفطرة أن تحب الخير ، والصبغة أن تكون خيراً ، قال تعالى :
﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ ﴾
والثانية :﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ ﴾
المذيع :شيخنا الكريم في تعقيبكم على حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن القلب هذه المضغة إن صلحت صلح الجسد ، وأن القلب هو النفس ، وهي ذات الإنسان ...
الدكتور راتب :
المكلفة ، الممتحنة ، المكافئة ، المعاقبة ، السعيدة ، الشقية التي لا تموت ، تذوق الموت ولا تموت .
المذيع :
هذه الأنفس جميعها خلقت على الفطرة أي أنها تميل إلى الصواب فيأتي سلوك الإنسان أنه يستجيب لها ، أو أن ينحرف عنها ، قول النبي صلى الله عليه وسلم :
(( ...إِن الله لا ينظر إِلى أجسادكم ، ولا إِلى صُوَرِكم ، ولكن ينظر إِلى قلوبكم وأَعمالكم ))
لماذا الله ينظر إلى القلوب ؟محاسبة كل إنسان على ما في قلبه :
الدكتور راتب :
الأجساد متشابهة كلها أما التفاوت فبالقلوب ، شخص أراد أن يقدم شراباً غالياً جداً لكنه يؤذي هذا المريض ، نوى إيذاءه ، هذه من يعرفها ؟ الله وحده ، شخص جالس في بيته ، وفي شرفة البيت المقابل ظهرت امرأة متفلتة فإذا غض بصره من يكشفه ؟ الله وحده ، يقدر أن يمتع نظره بهذه المرأة دون أن يراه أحد ، فلهم قلوب ، القلب هو ذات النفس .
المذيع :
يحاسب الإنسان على ما في قلبه فإن كان شكله جميلاً لا شأن لذلك .
الدكتور راتب :
من أتى الله بقلب سليم ، التعبير الدقيق الدقيق ، القلب السليم هو القلب الذي سلم من شهوة لا ترضي الله ، لا يشتهي مالاً حراماً ، لا يشتهي لقاء لا يرضي الله ، لا يشتهي أن يمتع نفسه بشيء محرم ، سلم من شهوة لا ترضي الله ، وسلم من خبر يتناقض مع وحي الله ، أن هناك مجاعة قادمة ، الله هو الرزاق ، مجاعة قادمة حتمية هذا يتناقض مع وحي الله .
سلم من شهوة لا ترضي الله ، وسلم من خبر يتناقض مع وحي الله ، وسلم من عبادة غير الله .
المذيع :
شيخنا في المجتمع بعض الأشخاص يفسرون هذه الآية الكريمة من أتى الله بقلب سليم أن الإنسان لا يهم إذا لم يصلِّ أو لم تتحجب أو لم يزكِّ ، إنما أن يكون قلبه سليماً ويحب الخير للناس .
سلوك الإنسان يؤكد صلاح القلب أو فساده :
الدكتور راتب :
هذا الكلام مرفوض إطلاقاً ، لابد من صلاح القلب من الداخل ، نريد سلوكاً يؤكد صلاح القلب ، سلوك وأخذ وعطاء وفعل ، فعل وترك وأخذ وعطاء ، ورضا وغضب وقبول ورفض بما يتناسب مع إيمانك .
المذيع :
إذا الإنسان يمتلك أفكاراً جيدة في قلبه وهو لا يطبقها ، لا يصلي ، لا يلتزم ، يرتكب الكبائر .
ارتباط الفعل المستقيم بالقلب السليم ارتباطاً وثيقاً :
الدكتور راتب :
هذا يزداد شقاءه ، شخص على وشك الموت عطشاً أو اثنان ، واحد يعرف أن هناك نبع ماء على مسافة قريبة وبإمكانه أن يصل إليه وما وصل ، ألمه من موته عطشاً أشد من الثاني لأنه يعلم .
المذيع :
بالمقابل لو أن إنساناً كانت أفعاله مستقيمة لكن قلبه لم يكن سليماً .
الدكتور راتب :
هذا ذكي ، وجد مصلحته أن يكون أميناً ، لا يكون أميناً عبادة لله بل مصلحة ، دولة دقيقة جداً فيها أدوات ضبط عالية جداً ، فاستقام على منهج الدولة ، ما أكل مالاً حراماً أبداً ، لا خوفاً من الله لكن خوفاً من المساءلة البشرية ، هذا لا يقبل منه وما عبد الله ، طلبت العلم ليقال عنك عالم وقد قيل خذوه إلى النار ، هكذا الحديث الشريف .
المذيع :
شيخنا هناك قلب سليم ، وفعل سليم ، أحدهما دون الآخر لا يقبل .
الدكتور راتب :
شرطان لا يصلح الأول دون الآخر ، أوضح من ذلك عندك رأس غاز ، وهناك أسطوانة غاز ، رأس الغاز بلا أسطوانة لا قيمة له إطلاقاً ، والأسطوانة من دون رأس لا قيمة ، لازمان غير كافيان .
المذيع :
من كان عمله سليماً لكن قلبه لم يكن نقياً لم يستفد ، ومن كانت تقول أنا لا صلاة ولا حجاب وقلبي خير .
الدكتور راتب :
شرطان لازمان كل واحد منهما غير كاف .
المذيع :
تفضلي أختي إخلاص ...
القلب إذا أصابه فتور ولا يقبل على الله ، لا يوجد عنده معصية ..
الفرق بين الفتور و المعصية :
الدكتور راتب :
يجب أن نفرق بين الفتور والمعصية ، نحن معاشر الأنبياء تنام أعيننا ، ولا تنام قلوبنا، أما أنتم يا أخي فساعة وساعة ، لو بقيتم على الحال التي أنتم بها عندي لصافحتكم الملائكة ، ولزارتكم في بيوتكم .
معنى ذلك الأنبياء اتصال دائم بالله ، ما سوى الأنبياء ساعة وساعة ، التفاوت أحدهما اتصل بالله ثلاثاً وعشرين ساعة ، وساعة فتور وليس معصية ، كلام دقيق جداً يبكي في الصلاة أحياناً لا يبكي ، فنحن كبشر ساعة وساعة نتفاوت ، ساعة فتور وثلاث وعشرون ساعة تألق ، وقد يكون ساعة تألق وثلاثاً وعشرين ساعة فتور ، أما أنتم يا أخي فساعة وساعة لو بقيتم على الحال التي أنتم بها عندي لصافحتكم الملائكة ولزارتكم في بيوتكم .
أكبر خطأ يفهمه بعض الأخوة الكرام أن ساعة طاعة وساعة معصية ، هذه غير واردة إطلاقاً ، أنت مسلم ملتزم ، متقيد بمنهج الخالق ، منهج العليم والحكيم والرحيم ، مرة أبكي في الصلاة ومرة أصلي ولا أبكي ، أنا أقرأ القرآن أحياناً أبكي وأحياناً لا أبكي .
المذيع :
سؤال الأخت إخلاص هل يستطيع الإنسان أن يكون معصوماً من الزلل حتى يقع في هذه القاعدة التي تفضلت بها أليست بشريته تعني وقوعه بالزلل ؟
لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار :
الدكتور راتب :
لابد من ترك الكبائر كلياً أما الصغائر فممكن ، طبعاً إلا اللمم ، تأخر حتى صلى العصر اقترب المغرب هذا خطأ ، لا يوجد معاص ، هناك أداء عبادات .
المذيع :
هل هذا الكلام قابل للتطبيق أنا كإنسان سأقع في الحرام ، سأتكلم بالكذب ، قد أنظر نظرة لا ترضي الله ، قد أرفع صوتي على والدي ، بشريتي تفرض عليّ ، كل بني آدم خطاء .
الدكتور راتب :
وخير الخطائين التوابون ، التوبة تعني الحقيقة ، مثل حبل نجاة زلت قدمه صغيرة ، أما الكبائر فمشكلة كبيرة جداً مثل الزنا مثلاً ، السرقة ، القتل ، هذه كبائر ، بشكل أدق من ذلك تمشي بطريق عرضه ستين متراً ، ثلاثون على اليمين وثلاثون على اليسار ، الصغيرة حرفت المقود سنتمتراً من السهل إرجاعها ، لكن لو ثبتها انقلبت كبيرة إلى الوادي ، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( لا صغيرة مع الإصرار... ))
مشكلة المسلمين اليوم بالصغائر ، مئة بيت في دمشق ، في حلب ، في عمان ، لا يوجد بهم خمر ، نحن مسلمون ولا يوجد زنا ، ولا قتل لكن يوجد صغائر ، هناك شاشة غير مضبوطة ، لقاء فيه اختلاط ، الصغيرة إذا ثبتت انقلبت إلى كبيرة ، والنص :(( لا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الاستغفار ))
المذيع :تفضلي أختي ياسمين ...
أريد أن تدعو لي أن يثبت الله قلبي على الإيمان ، يمسي الليل ويصلي ومع ضغوطات الحياة لا يثبت يرجع يعيد الخطأ ، ثم أرجع وأصلي بنية ثبات القلب ، أنا نفسي أن أتحجب لكن لا أقدر وأتمنى ..
حاجة كل إنسان إلى حاضنة إيمانية :
الدكتور راتب :
أريد أن أعطيك الجواب الدقيق لكن اقبلي ، الله عز وجل قال :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
أنت عندما تجلسين مع أناس متفلتين غير دينين لابد من أن يسحبوك ، والصاحب ساحب ، قال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
آية ثانية :﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
لذلك الآيتان تؤكدان على الحاضنة الإيمانية ، أنت تحتاجين إلى حاضنة إيمانية ، تسهري مع بنات مؤمنات ، تذهبين نزهة مع بنات مؤمنات ، تعاشرين مجتمعاً مؤمناً ، هذا اسمه الحاضنة الإيمانية .عندنا لعبة اسمها : شد الحبل ، هذه فيها نصيحة بالغة ، جلست في جلسة ، سهرة، نزهة، لقاء ، شدوك لترك الصلاة وإلى خلع الحجاب ، يجب أن تبتعدي عن هذا المجتمع ، أما جلست وشددتهم إلى طاعة الله فابقي معهم ، لعبة شد الحبل إن شدك من حولك إلى انحراف دعيهم بنعومة من دون مشاكل ، وإن استطعت أن تشدي من حولك إليك فابقي معهم ، هذه لعبة شد الحبل مقياس دقيق جداً ، قال تعالى :
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾
المذيع :مثل الأخت الفاضلة ياسمين من قلبها صوتها واضح أن قلبها يميل إلى الله ، لكن تتحدث أن هناك أشياء دينية تريد أن تلتجئ إليها ، كيف يمكن أن يتحول ما في القلب من حب لله إلى سلوك حقيقي ؟
طلب العلم يحول ما في قلب الإنسان من حب لله إلى سلوك حقيقي :
الدكتور راتب :
لابد من طلب العلم ، الهاتف الذي أمامي قد يكون غالياً جداً ، إذا ما شحنته ليس له قيمة ، ونحن نحتاج إلى شحن ، يجب أن نشحن بالصلوات الخمس ، بخطبة جمعة ، بدرس دين، بقراءة تفسير ، نحتاج إلى شحن دوري مستمر ، الصلوات شحن يومي ، وصلاة الجمعة وخطبتها شحن أسبوعي ، وهناك شحن شهري ، وشحن موسمي رمضان ، وشحن كل العمر الحج ، لابد من الشحن ، أنت هاتف إذا ما شحنته قطعة بلاستيك ، وثمنه قد يكون مئة ألف .
المذيع :
بالعلم والصحبة الصالحة يعين قلبه ..
الدكتور راتب :
بآيتين دقيقتين :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
آية ثانية :﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾
هذه اسمها حاضنة إيمانية ، وأي مجتمع شدك إلى المعصية ابتعدي عنه ، وأي مجتمع شددته إلى طاعة الله ابقي معه .المذيع :
نتحدث عن القلوب ، هل ما يأتي للإنسان من خواطر في القلب يحاسب عليها ؟ أحياناً يأتيه خاطر عن الذات الإلهية هل يحاسب عليها ؟
محاسبة الإنسان على أعماله و ليس على خواطره :
الدكتور راتب :
أولاً : أنا أطمئن الأخوة المستمعين والمشاهدين لا تحاسب إلا على العمل ، أما الخواطر فلا تحاسب عليها ، ولكن الخواطر إذا استسلمت لها ، وارتحت لها ربما انقلبت إلى عمل ، الأساس الحساب على العمل ، على السلوك ، لكن الخواطر لو جاءت وتابعتها ونميتها بخيالات معينة قد تنتهي إلى معصية ، الخواطر جواب دقيق ومحير ، الخواطر لا تحاسب عليها أصلاً ، لكن إذا تركتها تتحكم فيك دون أن تشعر انقلبت إلى عمل وعندئذ تحاسب عليها .
المذيع :
حتى لو خطر في قلبه معصية كان في وظيفة وخطر على قلبه أن يكون مرتشياً ويسرق المال .
الدكتور راتب :
لا يحاسب إلا على عمل أو سلوك أو نظرة أو إطلالة ، متابعة الشاشة بشيء لا يرضي الله ، عمل من الحواس الخمس ، أما إذا خاطر داخلي وأنت ما أعجبك فاستعذت بالله ، انتهى ، البطولة لا تترك الخاطر يتطور ، المعصية أساساً تبدأ بخاطر ، ثم يتطور الخاطر يصبح إرادة ثم فعلاً ثم محاسبة .
المذيع :
كيف نوجه هذا الخاطر إلى الصواب ؟
الدكتور راتب :
نفسك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر ، لا يوجد حالة ثالثة ، إذا كان لك هدف كبير أن تؤمن ، تعرف الله ، تستقيم على أمره ، تتقرب إليه ، تذوق طعم القرب منه ، تذوق طعم الأمن والأمان ، تذوق تجليات المؤمن المستقيم ، إذا أنت هكذا هدفك أنت بخير ، وأنت عندما تريد الدنيا ولا يهمك حلال أم حرام ، يتفاقم الأمر .
المذيع :
شيخنا يوجد دعاء للنبي صلى الله عليه وسلم :" اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك " لماذا تتقلب القلوب والأبصار ؟
النفس إن لم نشغلها بالخير شغلتنا بالشر :
الدكتور راتب :
لأننا بعصر يوجد به فتن كثيرة ، الإنسان يمسي مؤمناً يصبح كافراً ، لو تابع فيلماً معيناً ، لو تابع لقاء معيناً ، لو جلس مع أناس متفلتين ، قال تعالى :
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ ﴾
من المؤمنين ، كن مع الصادقين ، نفسك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر ، يوجد شهوات الكلام دقيق جداً ، الله أودع فينا الشهوات وبكلمة جامعة مانعة لنرقى بها إلى رب الأرض والسماوات ، الشهوة بنزين سائل منفجر ، إذا وضع البنزين في المستودع المحكم في السيارة ، وسال في الأنابيب المحكمة ، وانفجر في الوقت المناسب في البستونات ، والمكان المناسب ، ولّد حركة نافعة قد تقلك إلى مكان جميل في العيد ، إلى العقبة ، صفيحة البنزين نفسها إن صبت على المركبة ، وأعطها شرارة ، أحرقت المركبة ومن فيها ، هذه الشهوات قوى دافعة إلى الله وهي نفسها قوى مدمرة .إذا وجدت لوحة مكتوب عليها : حقل ألغام ممنوع التجاوز ، هذه اللوحة لم توضع حداً لحريتك بل وضعت ضمان لسلامتك .
المذيع :
الله يفتح عليكم دكتور ! نختم هذه الحلقة بالدعاء ، ونسأل الله تعالى القبول .
الدعاء :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا ، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، واحقن دماء المسلمين في كل مكان .