وضع داكن
28-04-2024
Logo
حياة المسلم 3 - إذاعة حياة إف إم : الحلقة 04 - كفى بالموت واعظاً
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
المذيع :
 آمين ، فضيلة الداعية الإسلامي الشيخ الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، مرحباً بكم معنا في هذا اللقاء يا دكتور .
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
 أهلاً وسهلاً بكم شيخنا الكريم ، نتحدث اليوم تحت عنوان كفى بالموت واعظاً ، نتحدث اليوم شيخنا الكريم عن الموت ذلك الذي قهر الله سبحانه وتعالى به عباده في هذه الحياة، نبدأ حلقتنا شيخنا الكريم ، وسنتحدث نحن وإياكم في هذا الموضوع ، بقوله سبحانه وتعالى :

﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة الجمعة :8]

 وبقول النبي صلى الله عليه وسلم :

(( أكثروا ذكر هادم اللذات ))

[الترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه]

 السؤال الذي نطرحه اليوم دكتور ، لماذا كان الموت في حياة البشر ؟

 

الموت مخلوق :

الدكتور راتب :
 أخي الكريم؛ بارك الله بك على هذا السؤال الدقيق ، الله عز وجل يقول :

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ﴾

[ سورة الملك :2]

 الموت مع أنه يبدو أنه سلبي ، لكنه يحتاج إلى خلق ، والأبحاث العلمية الدقيقة تؤكد هذا المعنى ، حينما تضعف الخلية ، وهذا الضعف يزداد يأتي الموت ، فالموت مخلوق ، الله عز وجل خلق :

﴿ الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ﴾

[ سورة التين :4 ـ 5]

 الله خلقنا ليسعدنا
العلة الدقيقة أن الله عز وجل ، كما يقول بعض العلماء : كان الله ولم يكن معه شيء كان هنا لا تعني فعل ماض ناقص ، فعل تام ، كان الله؛ أي وجد الله ، ولم يكن معه شيء حينما أراد خلق المخلوقات كائنةٍ من كانت ، أو كائنةٍ ما كانت ، الله عز وجل خلق هذه المخلوقات ليسعدها ، وكل مخلوق أقامه إقامة تامة كاملة مطلقة ، لكن هناك صنف من البشر هم الإنس والجن .

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ ﴾

[ سورة الأحزاب : 72 ]

 والسماوات والأرض مصطلحٌ قرآنيٌ يعني الكون ، والكون ما سوى الله .

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب : 72 ]

 الشيء الدقيق : أن الحيوان رُكب من شهوةٍ بلا عقل ، وأن الملائكة رُكبوا من عقلٍ بلا شهوة ، وأن الإنسان رُكب من كليهما ، يعني أي مخلوق ، الآية الدقيقة جداً :

﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾

[ سورة الإسراء : 44 ]

إن لم يطلب الإنسان العلم هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به :

 الجماد مخلوق ، نحن معلوماتنا المتواضعة تعلمناها في الابتدائي أن الكون مؤلف من جماد نبات حيوان إنسان ، الجماد له حجم ، وله وزن ، وله طول ، وعرض ، وارتفاع ، ويشغل حيزاً في الفراغ ، هذا الجماد ، أما النبات : هو كل الجماد له وزن ، وحجم ، وطول ، وعرض ، وارتفاع إلا أنه يزيد عليه بالنمو ، ينمو ، وأما الحيوان : فهو كالنبات والجماد له وزن ، وحجم ، وطول ، وعرض ، وارتفاع ، وينمو ، إلا أنه يتحرك ، أصبح يوجد جماد ، نبات ، حيوان ، أما الإنسان كالجماد ، وزن ، وحجم ، وطول ، وعرض ، وارتفاع ، وينمو كالنبات ، ويتحرك كبقية المخلوقات إلا أنه هنا يفكر ، أودع الله فيه قوةً إدراكية ، هذه القوة الإدراكية ميزته عن بقية المخلوقات جميعاً ، هذه القوة الإدراكية تُلبى بطلب العلم ، فإن لم يطلب الإنسان العلم هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به ، أول مستوى :

لابد من طلب العلم

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[ سورة النحل :21]

 نبضة ثمانون ، ضغطه مثالي ، عند الله ميت ، لأنه ما عرف الله ، ولا عرف ما عنده من دار نعيمٍ مقيم ، ما عرف الجنة والنار ، ما عرف المنهج والتكليف ، والحلال والحرام ، ما عرف سر الوجود ، ولا عرف غاية الوجود ، ولا عرف سر وجوده هو ، ما عرف الأمانة ولا التكليف ، عاش لشهوته ، الله قال :

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[ سورة النحل :21]

 وصف ثان :

﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

[ سورة المنافقون :4]

 خشبة ، وصف ثالث :

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ﴾

[ سورة الفرقان : 44]

 قرآن كله .
المذيع :
 هذا لا يتحدث عن الأشخاص الذين انتهت حياتهم ، بل عن الأحياء دكتور ؟

 

الإنسان إذا عرف سرّ وجوده أو إذا عرف الله كان فوق الملائكة :

الدكتور راتب :
 عن الأحياء :

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ﴾

[ سورة الفرقان : 44]

 وصف رابع :

﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾

[ سورة الجمعة : 5]

 كل إنسان عزف عن طلب العلم ، ولم يعرف سر وجوده ، وغاية وجوده ، والهدف من وجوده ، ما عرف الجنة والنار ، ولا الحق ولا الباطل ، ولا ما يجوز ولا ما لا يجوز ، ولا الخير ولا الشر ، عاش يـأكل ويشرب .

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ﴾

[ سورة الفرقان : 44]

 لذلك الإنسان إذا عرف سر وجوده ، أو إذا عرف الله واستقام على أمره ، كان فوق الملائكة ، فوق الملائكة ، وإن غفل عن سر وجوده ، وعن غاية وجوده ، هبط دون الحيوانات لذلك :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾

[ سورة البينة : 6]

 خير ما برأ الله .

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾

[ سورة البينة : 6]

الإنسان إما أن يحقق وجوده بمعرفة الله أو يهبط إلى مستوى لا يليق به :

 إلى آخر الآية :

﴿ أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴾

[ سورة البينة : 6]

 الخيار صعب جداً ، لا يوجد خيار ثان ، إما أن تحقق وجودك كإنسان بمعرفة الله أولاً ، وطاعته ثانياً ، والتقرب منه ثالثاً ، والدعوة إليه رابعاً ، إما أن تفعل هذا أو تهبط عن مستوى إنسانيتك إلى مستوى لا يليق بك ، أي شيء لا يصدق .
المذيع :
 شيخنا الكريم سنتوقف إلى فاصل ، لكن أطرح سؤالاً ونستمع لإجابة حضرتكم بعد هذا الفاصل ، في قوله سبحانه وتعالى :

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ﴾

[ سورة الملك :2]

 لماذا ذكر الموت قبل الحياة ، هذا هو سؤالنا لفضيلتك بعد الفاصل بإذن الله ، تابعونا مستمعينا في هذه الحلقة ، من برنامجكم مع الدكتور محمد راتب النابلسي ، وحديثنا فيها تحت عنوان كفى بالموت واعظاً ، بعد هذا الفاصل القصير . حياكم الله شيخنا الكريم .
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم .
المذيع :
 الله يحفظكم ، شيخنا في قوله تعالى :

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ﴾

[ سورة الملك :2]

 نحن نواصل في حلقتنا تحت عنوان كفى بالموت واعظاً ، لماذا بدأ الله تعالى بخلق الموت قبل الحياة في ترتيب كلمات الآية ؟

 

الترتيب في كلمات القرآن له مغزى كبير :

الدكتور راتب :
 هذا الترتيب له معنى خطير ، وهذا ينقلني إلى موضوعٍ آخر يشابهه ، الترتيب في كلمات القرآن له مغزى كبير ، قبل أن أصل لهذا السؤال ، في موطن الشهوة بدأ بالمرأة ، عندما ذكر الله الأقارب ، أب ، أم ، زوجة ، ولد ، أخ ، هذه الحلقة الأولى ، عندما بدأ بالأب ، الأب موطن الاعتزاز ، هذا ابن فلان .

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ ﴾

[ سورة التوبة :24]

 بموطن الشهوة بدأ بالمرأة .

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ ﴾

[ سورة آل عمران :14]

 ترتيب الكلمات في آيات القرآن لها مغزى كبير
بموطن الفدية الابن ، بالموطن الثالث المساعدة الأخ ، الذي يساعدك أخوك ، ابنك صغير وأبوك متقدم في السن ، بموطن الاعتزاز الأب ، بموطن الشهوة المرأة ، الأقارب وردوا في آيات عديدة ، في كل مرة يوجد ترتيب ، والترتيب ترتيب أهمية ، الآن سؤالك :

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ﴾

[ سورة الملك :2]

 الإنسان حينما يولد أمامه خيارات لا تعد ولا تحصى ، عالم ، جاهل ، قوي ، ضعيف، غني ، فقير ، صحيح ، مريض ، طويل عمر ، قصير عمر ، وسيم ، دميم ، ذكي ، غبي ، مئة خيار أمامه إذا ولد ، فإذا وافته المنية أمامه خيارين :

(( فوا الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار ))

 كان يوجد ألف خيار ، لذلك قدم لأهميته ، أهمية الموت أنه لا يوجد حالة ثالثة ، إما إلى جنةٍ يدوم نعيمها ، أو إلى نارٍ لا ينفذ عذابها .

(( فوا الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار ))

المذيع :
 دكتورنا الكريم ، هنا يأتي السؤال لماذا وجد الموت ؟

 

الإنسان قبِل حمل الأمانة في عالم الأزل فأصبح فوق كل المخلوقات :

الدكتور راتب :
 لأن الإنسان هو المخلوق الأول عند الله ، والمخلوق المكرم ، والمخلوق المكلف ، لأنه في عالم الأزل قبل عالم الصور :

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ﴾

[ سورة الأحزاب : 72 ]

 والسماوات والأرض مصطلحٌ قرآني يعني الكون ، والكون ما سوى الله .

﴿ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾

[ سورة الأحزاب : 72 ]

 الإنسان هو المخلوق الأول المكرم والمكلف
للتقريب : رجل غني كبير وقادر ، عنده أولاد ، عرض عليهم هذا العرض ، كل واحد منكم له بيت ، ومركبة ، وكل شهر خمسين ألفاً ، أما لو أحدكم قبل أن يأتي بالدكتوراه في إدارة الأعمال ، أعطيه نصف المعمل ، دقق الآن؛ رُكب الملك من عقلٍ بلا شهوة ، لا يحاسب ، رُكب الحيوان من شهوة بلا عقل ، لا يحاسب ، كل إنسان ، كل مخلوق ، له مهمة الآن يؤديها، ليس عليه تكليف ، إلا الإنسان قبل حمل الأمانة في عالم الأزل ، فلما قبل حمل الأمانة ، أصبح فوق كل المخلوقات ، أما إذا لم يحمل هذه الأمانة ، أما إذا خان الأمانة ، هو أحقر المخلوقات ، رُكب الملك من عقلٍ بلا شهوة ، والحيوان من شهوة بلا عقل ، رُكب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان ، فقدم الموت لأنه الخيار أصبح صعباً ، إما إلى جنةٍ يدوم نعيمها ، أو إلى نارٍ لا ينفذ عذابها .
المذيع :
 والعياذ بالله! شيخنا في الآية الكريمة :

﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ﴾

[ سورة الجمعة :8]

الإنسان موظف إلى عمل عظيم فإذا اختار الأكل والشرب أصبح دون الحيوان :

الدكتور راتب :
 لا قبل رجاءً .

﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة هود :7]

 ما قال : أيكم عمله أحسن ، يوجد تنافس هنا .

﴿ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة هود :7]

 الموت ينهي كل شيء
شيء بديهي أن تؤمن بالله ، بديهي جداً ، لكن البطولة وجود عمل طيب ، عمل عظيم ، دعوة إلى الله ، إخلاص في العمل ، تجارة تنفع الناس ، قوة تغني الناس عن الفقر ، فالإنسان موظف إلى عمل عظيم ، فإذا اختار الأكل والشرب أصبح دون الحيوان .
المذيع :
 الله يفتح عليكم يا دكتور؛ في قوله تعالى شيخنا الكريم .

﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ﴾

[ سورة الجمعة :8]

 لماذا يفر الإنسان من الموت ؟
الدكتور راتب :
 الحقيقة أن الإنسان يحب الحياة ، مثلاً عنده بيت ، عنده زوجة يحبها ، عنده أولاد يحبهم ، عنده بنات صبايا ، عنده أهل ، عنده أقارب ، عنده والدين ، عنده سهرات ، عنده لقاءات ، عنده رحلات ، عنده سياحة ، عنده تجارة ، عنده ولائم ، عنده أشياء كثيرة لا يمكن عدها ، الموت ينهي كل شيء ، ينهي قوة القوي ، وضعف الضعيف ، ووسامة الوسيم ، ودمامة الدميم ، وغنى الغني ، وفقر الفقير ، وصحة الصحيح ، ومرض المريض ، ينهي كل شيء ، من بيت إلى قبر .

(( عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا وأنا الحي الذي لا يموت ))

المذيع :
 ونعم بالله رب العالمين ، حسناً شيخنا في قول النبي عليه الصلاة والسلام :

(( أكثروا ذكر هادم اللذات))

[الترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه]

 لماذا على الإنسان أن يكثر من ذكر الموت ، والموت يتعارض مع الحياة المطمئنة ، الإنسان حينما يذكر الموت يخاف .

 

الموت ينسي المؤمن متاعب الحياة ويغريه بالجنة :

الدكتور راتب :
 الإنسان إذا آمن ما بعد الموت أفضل مليار مرة مما قبل الموت ، لذلك أهل الجنة يقولون بكلامٍ واحد : لم نرَ شراً قط ، قد يدخل السجن لأنه مسلم ، قد يُعذَب ، قد يكون دخله قليل، لا يقبل بأخذ رشوة خوفاً من الله ، لا يقدر أن يظلم ، كل النواهي تمنعه أن يظلم ، لذلك قبل بحياة متعبة ، حياة فيها ابتلاء ، حياة فيها امتحان .
المذيع :
 وحينما يتذكر الموت ؟
الدكتور راتب :
 الموت ينسيه متاعب الحياة ، ويغريه بما بعد الموت بالجنة .
المذيع :
 فيستقيم بالحياة ؟
الدكتور راتب :
 طبعاً .

(( أكثروا ذكر هادم اللذات))

[الترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه]

 مفرق الأحباب ، مفرق الجماعات أكثر .

(( عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من أحببت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به))

[الحاكم في مستدركه]

المذيع :
 إذاً شيخنا الكريم الفكرة الآن حينما يكثر الإنسان من ذكر الموت فهو يخشى ما بعد موته فيستقيم في هذه الحياة .

 

أسئلة المستمعين :

الدكتور راتب :
 يستقيم على أمر الله ، وإذا استقام على أمر الله سيقول قطعاً : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني .
المذيع :
 شيخنا ، بدايةً ننوه لمستمعينا الراغبين بالمشاركة فقط في موضوع حلقتنا لهذا اليوم كفى بالموت واعظاً ، شيخنا نكمل .
الدكتور راتب :
 لعل الأخوة المستمعين يقولون : ألم تجدوا غير موضوع الموت ، لعلهم يقولون هذا الكلام ، أنا أجيب عن هذا السؤال : الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح .
المذيع :
 معنا مشاركة شيخنا الكريم ، الأخ محمد من هولندا معنا ، تفضل يا محمد أهلاً وسهلاً بك معنا يا أخي .
المستمع :
 السلام عليكم ، كيف حالك سيدنا ؟
الدكتور راتب :
 أهلاً وسهلاً .
المستمع :
 الله يخليك يا رب ، أستاذ أنا كنت أحضر لك بدمشق ، أستاذ أنا مقيم في أوروبا من ثلاث سنين ، وهنا الوضع كئيب جداً صراحةً ، الجو وعوامل أخرى كثيرة تؤدي لكآبة وشعور باليأس من الحياة ، على الرغم من أننا نستطيع مثلاً الذهاب لصلاة الجمعة ، هذا أقل حد يمكن للإنسان أن يفعله هنا .

حاجة المؤمن إلى بيئةٍ صالحة :

الدكتور راتب :
 ما سؤالك ، تفضل ؟
المستمع :
 دائما أشعر أن أي شيء أفعله هناك كآبة دائماً ، لا يوجد سعادة ، وهناك شعور غريب دائماً .
الدكتور راتب :
 الإيمان استقامة
والله سيدي ، سأقول لك كلمة صعبة قليلاً :

(( من أقام مع المشركين برأت منه ذمة الله ))

 لأن كل شيء يدعو للمعصية ، كل شيء يدعو للمعصية ، والإيمان استقامة ، والإيمان مال حلال ، والإيمان غض بصر ، والإيمان ليس فيه تفلت ، فالمجتمع هذا متفلت ، لا شيء فيه محرم ، فإذا المؤمن بقي هناك يتضايق جداً ، لذلك الحديث المخيف :

(( من أقام مع المشركين برأت منه ذمة الله ))

 أنا لا أقول لك : تعال فوراً ، لكن إذا أنت حصّلت شيئاً من المال ، وبإمكانك أن ترجع إلى بلدك ، أنا أتمنى عليك أن ترجع إلى بلدك .
المذيع :
 اليوم دكتور ، في بعض الدول الغربية فيها جاليات إسلامية ، ومراكز ، ومتاجر .
الدكتور راتب :
 حل وسط ، اجلس مع جماعةٍ مؤمنةٍ ، استأجر بيتاً إلى جانب مسجد ، سوف تجد أناساً طيبين .
المذيع :
 الله يفتح عليكم يا دكتور .
الدكتور راتب :
 لابد لك من بيئةٍ صالحة .
المذيع :
 شيخنا نبقى في موضوعنا تحت عنوان كفى بالموت واعظاً ، الإنسان أُمر في الحديث أن يكثر من ذكر الموت ، وبذات الوقت دكتور لو الإنسان أكثر من ذكر الموت سوف يفقد نكهة الحياة ، كيف له أن يوازن بين الأمرين معاً ؟

 

البطولة هي بالتوازن بين ذكر الموت والتمتع بالحياة :

الدكتور راتب :
 يوجد توازن ، البطولة بالتوازن .
المذيع :
 كيف يكون ذلك دكتور ؟
الدكتور راتب :
 مثلاً ، أنت أب لو فرضنا أرخيت الحبل لكل أولادك ، ما درسوا ، فلما كبروا بلا وظيفة ، بلا دخل ، بلا زواج ، بلا عمل ، ظلوا يتسولون لا سمح الله ، أما لو الأب قسا عليهم حينما كانوا صغاراً ودرسوا ، ونالوا الدكتوراه ، رأى بيته ، ورأى مركبته ، ورأى مكانته الاجتماعية، يثني على أبيه لأنه قسا عليه عندما كان صغيراً . لذلك عندما إنسان يتفلت من الدين ، يكون أكبر عدو له الذي رباه ، لماذا عدو ؟ هو ليس عدواً هو أب ، لكنه لم يعلمه الدين.
المذيع :
 شيخنا ، الإنسان في قضية تذكر .
الدكتور راتب :
 هذه اسمها عداوة مآل وليست عداوة حال .
المذيع :
 شيخنا ، الإنسان في تذكره لقضية الموت ، إذا سيبقى دائماً يذكر الموت ، لن يستطعم بطعامه ، ولن يستطيع أن يخرج إلى التنزه مثلاً .

الأعمال التي تستطيع أن تكسب منها مالاً مشروعاً كثيرة جداً :

الدكتور راتب :
 لا أبداً ، يعمل ، ويتقن عمله ، وينال دخلاً جيداً ، ويتزوج ، ويختار امرأة يحبها ، امرأة يتمناها ، وينجب أولاداً أطهاراً ، ويعمل ولائم ، ويسافر ، ويعمل سياحة ، الحلال ثلاثة وتسعون بالمئة من الأوامر كلها حلال ، والحرام في رأيي ثلاثة بالمئة فقط ، كم شراب تستطيع شربه في الأرض عدا الخمر ؟ كم لحم تستطيع أكله عدا الخنزير ؟ مصادر الكسب المشروع كثيرة
المحرمات نسبتها قالوا : ثلاثة بالمئة فقط ، كم عمل تستطيع أن تكسب منه مالاً مشروعاً ؟ مئات ألوف الأعمال .

(( مَنْ أصبَحَ منكم آمِناً في سِرْبه ))

[الترمذي عن عبيد الله بن المحصن]

المذيع :
 لا شيخنا ، الحديث :

(( إذا أمسيتَ فلا تَنتَظِر الصَّباحَ ، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساءَ ))

[البخاري والترمذي عن عبد الله بن عمر]

 هل المقصود فيها بأن الإنسان يبقى دائماً متأهباً في تقواه ، أم كيف يمكن أن يفهم الحديث المسلم دكتور ؟
الدكتور راتب :
 أريد أن أضرب مثلاً دقيقاً ، أرجو أن يتحملني من يستمع : لو بطاقة لأمريكا بمليون دولار فرضاً ، والشركة تأتي تأخذك من البيت ، هي تأخذك من البيت وتنتظر دقيقة واحدة ، متى تأتون ؟ ستنتظرهم من الثامنة صباحاً حتى الثامنة مساءً ، ماذا تفعل ؟ المبلغ مليون وإذا لم تكن جاهزاً خسرت المليون ، ولن ينتظروا لأكثر من دقيقة واحدة ، هذا الموت ، قد يأتي في أحرج وقت .

 

الحلال تحلو به النفس والحرام يحرم النفس من السعادة :

 يروى أن شخصاً يئس من الحياة - هي قصة تخيلية - قال له ملك الموت : لا تقلق اعمل بحرفة معينة ، مثلاً اعمل طبيباً ، إن رأيتني عند رأس المريض إياك أن تعالجه سيموت قطعاً ، اعتذر وانسحب ، إن رأيتني عند قدميه عالجه ، صف له ما شئت ، سوف يشفى تقول له : ثلاث حبات على الريق ، قبل الطعام ، قل ما تشاء ، هذا العمل جمع منه ثروة طائلة ، إن وجد ملك الموت عند رأسه لا يعالجه ، إن رآه عند قدميه يعالجه ، إلى أن مرضت ابنة الملك ، ولأن والدها يحبها حباً جماً ، قال : سأزوج ابنتي من الشخص الذي يشفيها ، وسيصبح ولي العهد ، جاء هذا الشخص ليعالجها ، عند قدميها وجد ملك الموت ، اختل توازنه من الفرح ، انتهت كل مشاكله فتزوجها ، يوم استلامه المنصب جاء ملك الموت قال له : تفضل ، قال له : الآن ، قال له : الآن ، قال له : والله سابقاً كان أسهل .
 الإنسان أحيانا تلهيه الأموال فيفاجئه الموت
أحياناً الإنسان ينسى الله ، يجمع أموالاً طائلة ، يشتري بيتاً فخماً ، بيتاً على البحر ، بيتاً ثالثاً ، سيارتين أو ثلاثة ، بعد أن يصل لأعلى درجة من الدنيا يأتي ملك الموت ، هذا المعنى .
المذيع :
 سبحان الله! إذاً الإنسان دكتور عليه أن يوازن بين أن يعيش حياته لكن ضمن الحلال، وبين أن يذكر الموت .
الدكتور راتب :
 في الإسلام لا يوجد حرمان ، سأقول كلمة دقيقة جداً وأعني ما أقول : ما من شهوةٍ أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناةً نظيفةً طاهرةً تسري خلالها ، تصور الشهوة عبارة عن مئة وثمانين درجة مسموح لك بمئة وعشرين درجة ، من كل أنواع الشهوات ، بين جمع المال ، بين زواج ، بين مكانة اجتماعية ، فأنت كن ضمن المساحة المسموحة لك ، هذا الحلال أساساً، الحلال تحلو به النفس ، والحرام يحرم النفس من السعادة .
المذيع :
 إذاً الموت يهدف أن تستقيم على الحلال في هذه الحياة لا أن تنحرم من ملذاتها .
الدكتور راتب :
 أبداً .
المذيع :
 بارك الله فيك يا دكتور .

المحرمات ضمانٌ لسلامتنا :

الدكتور راتب :

﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ ﴾

[ سورة الأعراف : 32]

المذيع :
 بارك الله فيكم دكتورنا الكريم ، سنستأذنكم إلى فاصل قصير ومن بعده نعود مستمعينا لمواصلة هذا الحوار ، واستقبال مشاركاتكم في موضوعنا لهذا اليوم كفى بالموت واعظاً ، وقفة قصيرة من بعدها نعود ، فابقوا بالقرب .
 حياكم الله مستمعينا الكرام من جديد وعلى الهواء مباشرةً عبر أثير إذاعتكم حياةfm في برنامجنا مع فضيلة العلامة الدكتور محمد راتب النابلسي ، وحديثنا تحت عنوان كفى بالموت واعظاً ، شيخنا قبل الفاصل ذكرتم لمستمعينا الكرام بأن الموت موجود كي يستقيم الإنسان فينعم بالحياة بالحلال ، ويتجنب الحرام ، وليس موجوداً كي يعيش الحياة دون أي قوانين أو قيود ، وأيضاً لا يعني ذلك أن ينحرم من هذه الحياة .
الدكتور راتب :
 مركبة فارهة ، هل يستقيم العمل بها بلا مكبح ؟
المذيع :
 لا .
الدكتور راتب :
 مستحيل ، المكبح أهم شيء في المركبة لسلامتها ، والإنسان حينما يرى أو حينما يتوهم أن المحرمات هي حدٌ من حريتنا فهو واهم ، وجاهل ، وغبي ، المحرمات ضمانٌ لسلامتنا، تركب سيارتك يوجد حاجز مكتوب حقل ألغام ممنوع التجاوز ، هل ترى هذا الحاجز حداً لحريتك أم ضماناً لسلامتك ؟ أنا حينما أعتقد يقيناً أن كل المحرمات هي ضمان لسلامتي وأن كل الشهوات التي أودعت فيّ لها قنواتٌ نظيفةٌ طاهرة تسري خلالها ، في الإسلام لا يوجد حرمان أبداً لكن يوجد تصعيد ، تنظيم ، حقوق ، وواجبات .
المذيع :
 شيخنا الموت قد يكون من القضايا التي يصعب على الإنسان التأقلم معها ، لو مات له عزيز ، قريب ، سيبقى يشعر بالحزن لفترات طويلة ، كيف يفترض بالمسلم أن يتعامل مع شعوره بالحزن لفقدان إنسانٍ بالموت ؟

 

شاءت حكمة الله أن نأتي الدنيا تباعاً وأن نغادرها تباعاً ليتعظ بعضنا ببعض :

الدكتور راتب :
 الحقيقة أن الله عز وجل واجب الوجود ، ما سواه ممكن الوجود ، كان من الممكن أن نأتي إلى الدنيا جميعاً دفعةً واحدة ، وأن نغادرها دفعةً واحدة ، إذا لم يكن هناك موت ، ليس هناك موت ، لكن شاءت حكمة الله أن نأتيها تباعاً ، وأن نغادرها تباعاً ليتعظ بعضنا ببعض .

الموت واعظ للإنسان

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة الملك :2]

 فالإنسان بعد الموت إن شاء الله في لقاء آخر .
المذيع :
 كيف يتعامل الإنسان دكتور مع مشاعر الحزن حينما يموت له إنسان ؟
الدكتور راتب :
 والله الإنسان إذا مات وكان مؤمناً نقول : هنيئاً له ، نجا ، دخل امتحاناً صعباً ونجا، الآن إلى :

﴿ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾

[ سورة آل عمران :133]

المذيع :
 هذا يخفف علينا شعورنا بحزن فقده ؟
الدكتور راتب :
 طبعاً ، نعم .
المذيع :
 معنا محمد باتصال جديد ، تفضل يا محمد .
المستمع :
 السلام عليكم ، يعطيكم العافية ، لو سمحت أريد أن أسأل فضيلة الشيخ سؤالاً إذا تكرمت ، ليس سؤالاً بل استفسار دائماً يدور في المخ ، سبحان الله ، سيدي نحن عندما نمشي في جنازة ، يكون الكل بائساً ، كالخائف ، وبعد الجنازة تزداد صلاته في الجامع ، بعد يومين أو ثلاثة سيدي ننسى ، هذه غريزة سبحان الله عند البشر ، نحن كيف يمكننا أن نبتعد عن هذه الغريزة ؟ أنا واحد من الناس عندما أذهب إلى جنازة والله ثلاثة أو أربعة أيام صلاتي تصبح بموعدها مئة بالمئة ، بعد ذلك سبحان الله أبدأ أتراجع بالتدريج ، قد تتأخر صلاتي قليلاً ، قد أصلي بالمسجد ، أو أصلي لوحدي ، ما هي هذه الغريزة في الإنسان ، الإنسان يتحاسب عليها ، نريد توضيحاً لو سمحت من الشيخ .
المذيع :
 شكراً لك أخي محمد ، نقطة بالغة الأهمية ، شكراً جزيلاً لك ، دكتورنا الكريم .

 

الموت هو أكبر رادع للمخالفات :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحقيقة أن الإنسان إذا سار في جنازة يقول أحد الصحابة : ثلاثة أنا فيهن رجل ، أي بطل ، كلمة رجل بالكتاب والسنة لا تعني أنه ذكر ، ما كلُ ذكرٍ برجل، ثلاثة أنا فيهن رجل ، وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس ، أول واحدة : ما صليت صلاةً فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها ، الثانية : ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول ، تقول هذه الجنازة : أنا الآن وافتني المنية ، انتهى عملي ، انتهت توبتي ، انتهى كل شيء ، أنا سأجد ما فعلت ، أنا نادم على ما قدمت ، فلذلك وما سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أقضيها .
المذيع :
 الله يفتح عليكم يا دكتور! إذاً الإنسان حتى لا يخرج من دائرة الموت ، والتذكر يكون لحظياً أو مؤقتاً ، عليه أن يعطي الموت حقه في التدبر والتفكر فيه .
الدكتور راتب :
 والله أنا أجتهد وأقول : إذا خصص كل إنسان من وقته في اليوم خمس دقائق فقط في تصور الموت ، فهذا سيكون أكبر رادع للمخالفات .
المذيع :
 لذلك كانت الوصية النبوية :

(( أكثروا ذكر هادم اللذات))

[الترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه]

جنة الدنيا هي جنة القرب من الله :

الدكتور راتب :

(( أكثروا ذكر هادم اللذات الموت ))

[الترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه]

 مفرق الجماعات ، مشتت الأحباب .

(( عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من أحببت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ))

[الحاكم في مستدركه]

المذيع :
 دكتورنا على أرض الواقع هل يستطيع الإنسان أن يعيش الحياة بجمالها ونكهاتها والزينة التي خلقها الله بها وأيضاً أن يعيش وهو يرقب الموت في كل لحظة ؟
الدكتور راتب :

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾

[ سورة الرحمن : 46 ]

 جنة في الدنيا وجنة في الآخرة ، ما هي جنة الدنيا ؟ هي جنة القرب من الله .

فـلو شاهدت عيناك من حسننـــا  الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا  خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة  لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا
ولـــــــــو لاح من أنوارنا لك لائح  تركت جميع الكائنـــــــات لأجلنــــــــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعــى  سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنـــــــــــا
***

الله أصل الجمال والكمال والنوال :

 أخي الكريم يوجد في الأرض الكثير من الجمال ، انظر إلى البحر ، البحر الأزرق ، انظر إلى السماء الزرقاء ، إلى وردة جورية ، إلى وجه طفل صبوح ، إلى طعام لذيذ ، كل ما في الحياة جميل ، لكن الله أصل الجمال والكمال والنوال ، فإذا كنت مع الله كنت مع الجميل ، وكنت مع المعطي ، وكنت مع العظيم .
 جمال الله ينعكس على كل جمال في الكون
مثلاً إذا طفل قال لخاله في العيد أو بعد العيد : معي مبلغ عظيم ، كم تقدر هذا المبلغ العظيم ؟ قال الطفل : عظيم ، أنا أقدره مئة دينار ، أخذ من خاله عيدية ، من عمه ، من والده ، من جده ، فإذا قال أحد المسؤولين الكبار في دولة عظمى : أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً ، قالها طفل قدرتها بمئة دينار ، فإذا قال مسؤول كبير في دولة عظمى نقدرها بمئة مليار، فإذا قال ملك الملوك ومالك الملوك ، فإذا قال خالق السماوات والأرض :

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء : 113]

 العظيم من عظيم شيء مخيف ، شيء رائع جداً .

(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ حديث قدسي ]

المذيع :
 شيخنا الكريم نختم حلقتنا بالدقيقة الأخيرة معنا العبارة التي تنسب إلى سيدنا الفاروق عمر بن الخطاب ، كفى بالموت واعظاً يا عمر ، كيف يمكن للإنسان أن يترجمها إلى سلوك في حياته اليومية ؟

 

إن لم يدخل الموت في حساباتنا اليومية لا نفلح في هذه الحياة الدنيا :

الدكتور راتب :
 إلى سلوك :

(( أكثروا ذكر هادم اللذات))

[الترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه]

 مفرق الأحباب ، مشتت الجماعات .

(( عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من أحببت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به))

[الحاكم في مستدركه]

 إن لم يدخل الموت في حساباتنا اليومية ، ولعلي أقول الساعية ، لا نفلح في هذه الحياة الدنيا .
المذيع :
 فإذا لم يكن للإنسان الموت واعظاً ؟
الدكتور راتب :
 كفى بالموت واعظاً يا عمر .
المذيع :
 الله يفتح عليكم دكتور! نختم هذه الحلقة بالدعاء ، ونسأل الله تعالى القبول .

 

الدعاء :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا ، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، واحقن دماء المسلمين في كل مكان .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور