وضع داكن
19-04-2024
Logo
برنامج ربيع القلوب 2 - الحلقة : 11 - الأيام
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور محمد راتب :
  بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أعزائنا المستمعين عبر إذاعة القرآن الكريم من الدوحة ، أرحب بكم في هذا اللقاء الجديد من " ربيع القلوب " .
 لكم بداية التحية من فريق العمل ، من إعداد هذه المادة محمود الدمنهوري ، ومني في التقديم مصابر الشهال ، ومعنا من خلال الهندسة الإذاعية معتصم السلامة .
 مستمعينا الكرام نتابع معكم في برنامج ربيع القلوب تدبر آيات من كتاب الله تعالى ، وفي هذه الحلقة نتوقف عند آيات من سورة عمران ، يقول الله سبحانه وتعالى :

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾

[ سورة آل عمران: 139 ـ 140]

 قال المراغي رحمه الله : مداولة الأيام سنة من سنن المجتمع البشري ، فمرة تكون الدولة للمبتلي وأخرى للمحق ، ولكن العاقبة دائماً لمن اتبع الحق ، وإنما تكون الدولة لمن عرف أسباب النجاح ورعاها حق رعايتها ، كالاتفاق ، وعدم التنازع ، والثبات ، وصحة النظر ، وقوة العزيمة ، وأخذ الأهبة ، والإعداد إلى ما يستطاع من القوة ، فالمداولة إذاً سنة ربانية لا تتخلف ، وحركة تاريخية لا تتوقف ، فاليوم ترح ، وغداً فرح ، واليوم عبرة ، وغداً حبرة ، وهي سنة جارية على الأفراد والجماعات والدول .
 إذاً مستمعينا الكرام نعيش هذه الحلقة مع آية من آيات سورة آل عمران مع ضيفنا الفاضل الداعية الإسلامي فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، حياكم الله شيخنا ، وأهلاً سهلاً بكم من جديد في ربيع القلوب .
الدكتور محمد راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم .
المذيع :
 شيخنا الآيات استمعنا إليها في البداية :

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾

[ سورة آل عمران: 139 ـ 140]

 لو نأخذ معناها الإجمالي بشكل سريع فضيلة الدكتور ؟

الابتلاء علة وجودنا في الدنيا :

الدكتور محمد راتب :
 الله عز وجل رب العالمين ، يربي عباده المؤمنين ، تقتضي المصلحة ، ويقتضي الابتلاء الذي هو علة وجود الإنسان في الأرض أن يمتحن .

﴿ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنين: 30]

 والبطولة ليست ألا تبتلى ، بل أن تنجح في الابتلاء ، النبي الكريم سيد الخلق ، وحبيب الحق ، قال :

(( لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت عليّ ثلاث من بين يوم وليلة ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال))

[الترمذي عن أنس بن مالك]

 فالابتلاء قدرنا .
 تماماً طالب في الجامعة ، الامتحان قدره ، لابد من امتحان ، هذا الابتلاء علة وجودنا، هو :

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة الملك:2]

﴿ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة المؤمنين: 30]

 والبطولة ليست ألا تبتلى بل أن تنجح في الابتلاء ، النبي الكريم ابتلي ، قال :

(( لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت عليّ ثلاث من بين يوم وليلة ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال))

[الترمذي عن أنس بن مالك]

 فلا يمكن أن أتصور جنة بلا ابتلاء ، الإمام الشافعي سُئل : أدعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ فابتسم وقال : لن تمكن قبل أن تبتلى .
 الابتلاء قدرنا ، أنت إنسان ، كيف أن طالب الجامعة الامتحان قدره ، لا يوجد جامعة بلا امتحانات ، لا يوجد شهادة لا لسانس ، ولا بكالوريوس ، ولا دكتوراه بلا امتحان ، ونحن قدرنا في الدنيا الابتلاء ، والبطولة أن ننجح به .

﴿ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً ﴾

[ سورة طه: 40]

 الابتلاء والفتنة لا تعني المعنى السلبي أبداً ، معنى حيادي ، قد يفتن بشيء ولا يفعله، ويمكن قد يرتكب معصية كبيرة في الدين الإسلامي ولا أحد يعلم ، لكن هو يراقب الله عز وجل .
المذيع :
 شيخنا ؛ تقيدها بقول :

﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة آل عمران: 139]

 هنا دلالة على أن الخطاب موجه للمؤمنين حصراً ؟
الدكتور محمد راتب :
 طبعاً ، دائماً وأبداً الكفار يخاطبون بمعنى آخر ، يدعون إلى الإيمان فقط ، أما المؤمنون فيدعون إلى تفاصيل الدين ، يا أيها الذي آمنوا جاءت في القرآن مئتين وخمسين مرة ، المؤمن يطالب بالتفاصيل ، بالأشياء الدقيقة ، أما الآخر فيطالب بالإيمان فقط .
المذيع :
 في تفسير البغوي شيخنا لهذه الآية يقول : هذا حث لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على الجهاد ، زيادة على ما أصابهم من القتل والجراح يوم أُحد .

أنواع الجهاد :

الدكتور محمد راتب :
 ما دام ذكرت كلمة جهاد لي تعليق عليها : الحقيقة هناك أربعة أنواع للجهاد ، وهي دقيقة جداً ، أول جهاد وأقوى جهاد ؛ جهاد النفس والهوى ، أن تجاهد نفسك وهواك ، أنت مخير ، عندك شهوات ، وعندك فرص ، قد تفعل شيئاً لا يرضي الله ، ولا أحد يعلم ، فأول جهاد ، وأقوى جهاد جهاد النفس والهوى ، ولي كلمة دقيقة : المهزوم أمام نفسه لا يقدر أن يفعل شيئاً ، انتهى ، فالبطولة أن تكون أمام نفسك إنساناً كبيراً ، مستقيماً ، ورعاً ، معطياً ، تؤدي العبادات ، تنفع الناس، تختار حرفة تنفع الأمة بها .
 فلذلك أول جهاد جهاد النفس والهوى .

(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ))

[البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة ]

 ومن لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله ، هذا الجهاد ، جهاد النفس والهوى .
 عندنا جهاد آخر : الجهاد البنائي ، نبني أمة ، نؤمن فرص عمل ، نوظف من يحمل الشهادات العليا ، هناك أعمال يقوم بها القوي بنصرة الأمة كبيرة جداً ، هذا اسمه جهاد بنائي ، قد لا يوجد عندنا اختصاص نادر ، لا يوجد واحد من بلدنا يتقنه ، لذلك يوجد اختصاصات نادرة يأخذون أجر عشرة أضعاف ، أعداؤنا .
 لذلك عندنا شريعة ، نريد طباً نفسياً ، نريد جراحة ، نريد فروعاً دقيقة جداً تسهم في بناء الأمة ، هذا الجهاد البنائي ، نريد فرص عمل للعاطلين ، فرص عمل لأصحاب الشهادات العليا ، نريد أن نعمل تكافؤ فرص ، عندنا باب واسع جداً للجهاد البنائي ، تبني أمة متماسكة ، تبني أمة فيها فرص عمل كبيرة ، تبني أمة منتجة لا مستهلكة ، ماذا يفعل الغرب ؟ يبقينا على الاستهلاك فقط وهو يتحكم بالأسعار ، فكل جهودنا تذهب فرق أسعار أحياناً .
 فلابد من جهاد بنائي ، جهاد أول شيء النفس والهوى ، والمهزوم أمام نفسه لا يستطيع أن يهاجم نملة ، ثم جهاد بنائي ، ثم جهاد دعوي .

﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ ﴾

[ سورة الفرقان:52]

 القرآن :

﴿ جِهَاداً كَبِيراً ﴾

[ سورة الفرقان:52]

 فسر القرآن ، اشرح القرآن ، بيّن الحق ، بيّن الباطل ، هذا جهاد كبير ، دخلنا في جهاد النفس والهوى ، ثم الجهاد البنائي ، ثم الجهاد الدعوي ، فإذا نجحنا في الجهادات الثلاث السابقة أغلب الظن أن ننجح في الجهاد القتالي ، يأتي تاجاً بأنواع ثلاث من الجهاد .
المذيع :
 فضيلة الدكتور ؛ في حال كان الخطاب هنا موجهاً للصحابة هل المسلمون من بعدهم معنيون بهذا الخطاب ؟

أي خطاب للنبي ولو كان خصوصياً له لكل مؤمن منه نصيب بقدر إيمانه :

الدكتور محمد راتب :
 أولاً ؛ أي خطاب للنبي ولو كان خصوصياً له لكل مؤمن منه نصيب بقدر إيمانه وإخلاصه ، أي :

﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾

[ سورة الطور: 48]

 بالتعبير الدارج غال علينا ، وكل مؤمن غال على الله ، أصيب بمرض عضال النبي الكريم ؟ ليس عضالاً ، أصيب بمرض ، توهم الصحابة أنه مرض عضال ، أعطي دواء ذات الجنب فغضب ، قال : ذاك مرض ما كان الله ليصيبني به ، كما أن النبي يستبعد أن يصاب بهذا المرض لأنه يعلم محبة الله له ، وكل مؤمن كذلك ، المؤمن قد يصاب بأشياء طفيفة ، فقط هو لثقته بمحبة الله له يستبعد أن يصاب بأشياء وبيلة ، هذه تعطي راحة ، والدليل :

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾

[ سورة الأنعام: 81 ـ 82 ]

 لو أن الآية أولئك الأمن لهم ما عاد قرآناً ، لهم ولغيرهم ، أما الأمن لهم ففيها قصر وحصر ، أي إذا أنت قلت بالصلاة : نعبد إياك ، الصلاة باطلة ، ذكرت الكلمتين لكن بترتيب معاكس .

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾

[ سورة الفاتحة: 5 ]

 فيها حصر وقصر.

﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾

[ سورة الأنعام: 82 ]

 لهم وحدهم ، أي لا يتمتع بنعمة الأمن إلا المؤمن ، ولو كان أقوى إنسان بالأرض ، أي أقوى إنسان حاكم في أكبر دولة بالعالم لا يوجد عنده أمن ، أما :

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾

[ سورة الأنعام: 81 ـ 82 ]

 ما قال : أولئك الأمن لهم ، فلذلك نعمة الأمن نعمة لا يتمتع بها إلا المؤمن .

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 81 ـ 82 ]

المذيع :
 فضيلة الدكتور ؛ في قوله تعالى :

﴿ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ﴾

[ سورة آل عمران: 139]

 هل الهزيمة ، أو الهزائم ، والتأخر الذي نعيشه الآن في عصرنا الحالي ، ويعيشه المؤمنون خاصة ما نشاهده من انكسار ، هل هذا ينافي العلو :

﴿ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ﴾

[ سورة آل عمران: 139]

من أخلّ بما كلف به من عبادة لله فالله في حلّ من وعوده :

الدكتور محمد راتب :
 تحب الحقيقة المرة أم الوهم المريح ؟ أنا أسألك ؟
المذيع :
 الحقيقة ، نتمنى أن تصبح حقيقة جميلة .
الدكتور محمد راتب :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة النور: 55]

 وزوال الأرض أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين .

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾

[ سورة النور: 55]

 جانب عقدي ، جانب سلوكي .

﴿ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة النور: 55]

 كقانون :

﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾

[ سورة النور: 55]

 دقق ، وعدنا بالاستخلاف ، والتمكين ، والتطمين ، والواقع المر لا استخلاف ، ولا تمكين ، ولا تطمين ، أين الجواب ؟ بكلمة واحدة هي بآخر الآية :

﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾

[ سورة النور: 55]

 فإذا أخلّ المسلمون بما كلفوا به من عبادة لله فالله جلّ جلاله في حلّ من وعوده الثلاث، قضية دقيقة جداً ، أي زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين .

الإسلام فردي وجماعي :

 لكن يوجد نقطة دقيقة أحب أن أطمئن فيها الأخوة الكرام : نحن يوجد عنا إسلامان ، إسلام فردي وإسلام جماعي ، فالفردي ؛ أقول لك كلمة دقيقة : الآن يوجد مليارا مسلم بالأرض ، هذا أحدث إحصاء ، لو شاب واحد من المليارين أقام أمر الله بثلاث حلقات ، نفسه حلقة ، وبيته حلقة ، وعمله حلقة ، أقام الإسلام في حلقات ثلاثة يملكها ، نفسه يملكها ، صلى ، غض بصره ، صام ، زكى ، أتقن عمله ، نصح الناس ، واختار زوجة صالحة ، وربى أولاده تربية صالحة ، واختار عملاً فيه عطاء ، مصلحة مشروعة ، هو في ثلاث دوائر نفذ أمر الله يضمن الله له حالة خاصة ، لو واحد من ملياري مسلم طبق أمر الله في دوائر ثلاثة يملكها ، نفسه دائرة ، عمله دائرة ، بيته دائرة ، حقق أمر الله في خصوصياته ، له معاملة خاصة أبداً ، هذا إسلام فردي ، ما دليله ؟

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء: 147]

 آمن بالله ، وشكره على نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد ، أطمئن الشباب إذا أنت وجدت من حولك ليسوا على شاكلتك لا تقلق ، يوجد إسلام فردي ، مادمت أيها الشاب ، أيها الرجل ، أيها الزوج ، أيها الموظف ، أيها التاجر ، تطبق منهج الله تماماً في ثلاث دوائر ؛ نفسك دائرة ، بيتك دائرة ، عملك دائرة ، حققت الهدف من وجودك ، واستحققت التأييد والنصر ، أما كأمة فالآية تقول :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 33]

 يا محمد ما دامت سنتك قائمة في حياتهم هم في مأمن من عذاب الله ، عندنا إسلامان؛ إسلام فردي ، وإسلام جماعي ، الفردي ؛ أنت تحاسب على دوائر ثلاثة ، نفسك دائرة ، وعملك ، وبيتك ، فقط ، أنا أتمنى من الشاب ألا يقصر بالدين لأن الناس لم يطبقوا ، هذا كلام باطل ، لك محاسبة خاصة ، واضحة تماماً ؟
المذيع :
 فضيلة الدكتور ؛ في الآية التي تليها :

﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ ﴾

[ سورة آل عمران: 140]

 استخدام المس بدل عن الإصابة كما في باقي المصائب ، ما دلالته ؟

بطولة الإنسان أن ينجح بالابتلاء :

الدكتور محمد راتب :
 دلالة كبيرة جداً ، أحياناً يكون هناك أعراض لمرض ، وقد تكون الأعراض كاذبة ، هذا مس .

﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ ﴾

[ سورة آل عمران: 140]

 لأن الله لطيف ما جاء المصاب كبيراً ، جاءت بوادر له قليلة .

﴿ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ﴾

[ سورة آل عمران: 140]

 أنا أقول لك كلمة : مستحيل وألف وألف ألف مستحيل أن ينجو مؤمن من الابتلاء ، إذا كان النبي الكريم قال :

(( لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد ، ولقد أتت عليّ ثلاث من بين يوم وليلة ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال))

[الترمذي عن أنس بن مالك]

 الابتلاء قدرنا يا أخي ، قدرنا ، والبطولة أن ننجح بالابتلاء ، الإنسان أحياناً يترك بيته يترك سيارته ، يترك كل شيء ، لئلا يقول كلمتين فيهما غلط بالإعلام ، هناك إنسان يقولهم ، عندما قالهم عمل إحباطاً بالأمة ، العلماء مظنة صلاح ، مظنة ورع ، وجرأة .
المذيع :
 القرح شيخنا ؛ البعض فسرها القتل والجراح .

القرح هو القتل والجراح :

الدكتور محمد راتب :
 والله هي مطلقة ، أي جراح ، وقد تنتهي بالقتل ، القرح ؛ القرحة ، قرحة بالمعدة .
المذيع :
 القوم ؛ مقصود بهم قريش شيخنا هنا ؟

﴿ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ﴾

[ سورة آل عمران: 140]

الدكتور محمد راتب :
 ما دام هذا تعريفاً عمومياً وليس تعريفاً خاصاً .
المذيع :

﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾

[ سورة آل عمران: 140]

 هنا شيخنا الحكمة من مداولة الأيام بين الناس .

الحكمة من مداولة الأيام بين الناس :

الدكتور محمد راتب :
 أنت امتحنت بالغنى نجحت ، أديت زكاة مالك ، عندما امتحن بالفقر ترك الصلاة ، فأنت بالغنى نجحت ، بالفقر ما نجحت ، فلابد من تداول الأحوال بين القوة والضعف ، والغنى والفقر ، والقرب والبعد ، والصحة والمرض .
 مريض معه ورم خبيث بالمستشفى ، قصته مؤثرة جداً كلما زاره عائد يقول له : اشهد أنني راضٍ عن الله ، يا ربي لك الحمد ، لفت نظر المستشفى ، الأطباء يأتون إليه ليستأنسوا به ، معه سرطان ، معه مرض خبيث ، كلما دخل عليه إنسان يقول : اشهد أيها الأخ الكريم أنني راضٍ عن الله ، أصبحت غرفته مثل موطن جمع للأطباء ، والممرضين ، ما هذا المؤمن ؟ عاش خمسة أيام أو ستة أو سبعة ، وتوفاه الله ، لحكمة بالغة بالغة بالغة جيء بمريض آخر معه المرض نفسه، ما من نبي إلا و سبه أثناء المرض ، الله أراهم مرضاً واحداً ، آلاماً واحدة ، مصيراً واحداً ، الفرق الكبير بين المؤمن وغير المؤمن .
 فأنت تمتحن بالقوة والضعف ، والغنى والفقر ، والصحة والمرض ، والقرب والبعد ، هذه تداول الأيام .
المذيع :

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ﴾

[ سورة آل عمران: 139]

العاقبة في النهاية للمتقين :

الدكتور محمد راتب :
 في النهاية ، في المصير .
المذيع :

﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾

[ سورة آل عمران: 140]

 كيف يمكن أن نستخدم هذه الآيات وهذه القواعد سبيلاً لتطورنا ، ولنجاحنا في هذه المرحلة ؟

تعلق إرادة الله بالحكمة المطلقة :

الدكتور محمد راتب :
 لا يليق بألوهيته أن يحدث شيء ليس بموافقته ، دقق ، كل شيء وقع أراده الله ، ما هذا الكلام ؟ أي شيء وقع بالقارات الخمس من آدم ليوم القيامة أراده الله ، لا تعني أنه أمر به ، أبداً ، ولا تعني أنه رضيه ، لكن تعني أنه سمح به .
 مثلاً : طبيب متفوق جداً ، تزوج ، ولم ينجب عشر سنوات ، ثم أنجب طفلاً آية بالجمال ، ثم تعلق به تعلقاً مذهلاً ، ثم اكتشف الطبيب الأب أن ابنه مصاب بقرحة في معدته ، يسمح بإجراء عمل جراحي ، وتخديره ، لمَاذا سمح بهذا ؟ لأنه أب ورحيم .
 لذلك كل شيء وقع أراده الله ، لا تعني أنه أمر به ، ولا تعني أنه رضيه ، ولكن سمح به ، وكل شيء أراده الله وقع معكوسة ، والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، كلام دقيق دقيق لا يوجد بالكون شر مطلق ، ما معنى شر مطلق ؟ الشر من أجل الشر ، هذا الشر المطلق يتناقض مع وجود الله .

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة السجدة: 21]

 لا تفهم المصائب إلا هكذا ، شر مؤقت لعله يدفع شراً أكبر ، هذا الفهم للمصائب دقيق جداً ، وما سميت المصيبة مصيبة إلا لأنها تصيب الهدف ، أي يوجد كبر ، وضع بموقف حُجم ، يوجد إسراف زائد وقع بموقف اقتصادي صعب ، فما من ذنب إلا ويعالج ، والأصح من ذلك ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة ، والآية الدقيقة قال تعالى :

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾

[ سورة النساء: 147]

 فلذلك هذا موضوع المصائب .
المذيع :

﴿ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

[ سورة آل عمران: 139 ـ 140]

 بهذا الاختبار يعلم الله أم يعلم الناس ؟

علم الله علم كشف لا علم جبر :

الدكتور محمد راتب :
 دقيقة ، علم الله سابقاً علم كشف ، أما العلم الثاني فعلم حصولي ، يوجد فرق .
 أنت معلم ، للتقريب ؛ عندك طالب لا يدرس إطلاقاً ، ولا يحضر ، أنت تقول : هذا لن ينجح ، لست أنت من لم تنجحه ، هذا علم قوانين ، علم سنن ، معلم عادي يتنبأ لأب أن ابنك لن ينجح، ما كتب أية وظيفة ، ولا حفظ أي درس .
 فعلم الله علم كشف وليس علماً حصولياً ، فرق كبير جداً ، أنت قاعد ببناء من عشرة طوابق ، وأنت بالطابق العاشر ، تحت يوجد طريق فيه ساحة ، ثم طريق إلى ملهى ، وطريق إلى جامع ، الملهى حتماً بهذا الطريق ، رأيت إنساناً مشى بطريق الملهى ، أنت علمت مصير هذا الإنسان ، أنت ما أجبرته أن يذهب إلى هناك علم كشف لا علم جبر ، لا يليق بالذات الإلهية أن يحصل ما لا يعلم ، فقط للإنسان أعطاه الاختيار .
المذيع :

﴿ وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ﴾

[ سورة آل عمران: 140]

 هل يمكننا أن نفهم شيخنا أن الشهادة هي أعلى مراتب الابتلاءات والاختبارات ؟

الشهادة هي أعلى مراتب الابتلاءات والاختبارات :

الدكتور محمد راتب :
 نعم والله ، الشهادة أن تدفع حياتك ثمناً لمبدئك ، هذه ليست سهلة ، هناك امتحانات صعبة .
المذيع :
 كيف نفهم في سياق هذه الآيات شيخنا ؟
الدكتور محمد راتب :
 الشهادة الحقيقة أن تموت على مبدأ ، تمشي بطريق - وكلامي دقيق جداً - ليس المهم أن تصل لنهايته ، أن تموت في هذا الطريق ، أنا بطريق الدعوة ، بطريق إحقاق الحق وإبطال الباطل، بطريق الإحسان ، فلا يهم النهاية ، يهم أنت في الطريق إلى الله ، هذا أكبر عطاء إلهي .
المذيع :

﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾

[ سورة آل عمران: 140]

 ختمت بعدم محبة الله للظالمين .

الابتعاد عن كل شيء لا يحبه الله :

الدكتور محمد راتب :
 أنا أتمنى على أخواننا المستمعين ، أتمنى ، أن يبحثوا بالحج غوغل ، إن الله لا يحب ، يظهر معهم ثلاث عشرة آية ، إن الله يحب ، شيء بسيط جداً ، اجمع إن الله لا يحب وابتعد عن هذا ، ثم إن الله يحب المحسنين ، الصادقين ، الرحماء ، اجمع الذي لا يحب وابتعد عنه ، واجمع الذي يحبه وخذ به تكون بأعلى درجة من الحب .
المذيع :
 من المقصود بالظالمين هنا شيخنا ؟

الظلم هو تجاوز الحد :

الدكتور محمد راتب :
 الظلم هو تجاوز الحد ، مخالفة تحتاج إلى تنبيه ، فحذف له معاش أسبوع ، هذا ظلم ، أن تعطي العقاب بقدر الذنب ، وليس بحقد ، ليس أعلى من الذنب ، والمكافأة بقدر الاستحقاق ، ليس أكتر ، فالظلم أنواع ، والظلم ظلمات يوم القيامة ، والله ينتصر للمظلوم ولو كان كافراً .
المذيع :
 شيخنا ، فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ؛ ما الدروس التربوية التي يمكن أن نستفيدها من هذه الآيات في ختام هذه الحلقة ؟

الدروس التربوية التي يمكن أن نستفيدها من الآيات السابقة :

الدكتور محمد راتب :
 سيدي ؛ الصحابة الكرام نخبة البشر ، وقمم البشر ، وفيهم سيد البشر ، بأُحد عصوا رسول الله ، بأمر تنظيمي فقط ، لما عصوا لم ينجحوا ، لو نجحوا لسقطت طاعة رسول الله ، وهم هم ، وفيهم سيد البشر ، وهم نخبة البشر ، في حنين ما انتصروا ، بأُحد لأنهم عصوا ، بحنين ضعف توحيدهم ، قال :

(( لَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً مِنْ قِلَّةٍ ))

[التَّرمِذِي وأبو داود]

 فلو انتصر الصحابة في أُحد لسقطت طاعة رسول الله ، ولو انتصروا في حنين لسقط التوحيد ، وكل مؤمن يعالج من الله نعمة كبيرة .
 أرجو الله أن يرحمنا ، وأن نفهم على الله ، فالعبرة : من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر ، صار هو المصيبة .

خاتمة وتوديع :

المذيع :
فالله المستعان .
 شكراً جزيلاً لكم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي على هذا اللقاء وحضوركم معنا في الأستوديو .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور