وضع داكن
19-04-2024
Logo
برنامج ربيع القلوب 2 - الحلقة : 09 - محبة الله تعالى
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور محمد راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، مرحباً بكم مستمعينا الكرام عبر إذاعة القرآن الكريم من الدوحة ، أرحب بكم في هذه اللقاء الجديد من برنامج : " ربيع القلوب " .
 لكم بداية تحية من فريق العمل ، من الإعداد محمود الدمنهوري ، من الهندسة الإذاعية سالم المري ، ومني في التقديم مصابر الشهال .
 نواصل معكم مستمعينا الكرام تدبر آيات الله تعالى ، هذا اليوم نتوقف عند آيات من سورة آل عمران :

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة آل عمران: 31]


 محبة الله مستمعينا الكرام من أعظم مقامات العبادة ، عليها تدور رحى الطاعة والسير إلى الله ، لأنها تسوق المؤمن للقرب ، وترغبه في الإقبال على الله ، قال تعالى في وصف المؤمنين :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾

[ سورة المائدة: 54]

 ومحبة الله مستمعينا الكرام هي إيثار محبة الله على ما سواه بالتزام أمره ، واجتناب نهيه، واتباع رسول صلى الله عليه وسلم في كل كبيرة وصغيرة ، وشرط المحبة لله الإحسان في العمل ، واتباع الشرع فلا تصح المحبة ، ولا تقبل الدعوة من أحد إلا بما يوافقها من العمل الصالح، أما إدعاء المحبة مع عدم الالتزام بالشرع إدعاء كاذبة ، وغرور باطل من جنس أماني أهل الكتاب التي لا تساوي شيئاً عند الله عز وجل .
 إذاً مستمعينا الكرام في هذه الحلقة من برنامج ربيع القلوب نتناول آية من آيات سورة آل عمران في هذا السياق في قول الحق سبحانه وتعالى :

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة آل عمران: 31]

 نرحب دائماً كالعادة بضيف البرنامج الدائم الإسلامي فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي حياكم الله شيخنا ، وأهلاً وسهلاً بكم من جديد .
الدكتور محمد راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
 شيخنا الفاضل اليوم نتكلم عن محبة الله في هذه الآيات نتوقف بداية عند المعنى أو وجه مناسبة هذه الآيات لما قبلها من الآيات :

﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً ﴾

[ سورة آل عمران: 30]

 إلى آخر الآية .

الحبّ نوعان ؛ حبّ في الله وحبّ مع الله :

الدكتور محمد راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 أخي الكريم بارك الله بك ونفع بك ؛ الله عز وجل خلقنا ، حياتنا بيده ، موتنا بيده ، صحتنا بيده ، المرض بيده ، الغنى بيده ، الفقر بيده ، القوة بيده ، الضعف بيده ، السلامة بيده ، العطب بيده ، بيده كل شيء ، ومع كل ذلك ما أراد أن نعبده إكراهاً فقال تعالى :

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة: 256]

 بل أراد أن تكون العلاقة به علاقة حب ، قال :

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

[ سورة المائدة: 54]

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾

[ سورة البقرة: 165]

 كأن الله اختار من بين كل العلاقات علاقة الحب ، لذلك الحب في الله عين التوحيد ، والحب مع الله عين الشرك ، الحب في الله أن تحب الله ، أن تحب الأنبياء جميعاً ، أن تحب الرسل جميعاً ، أن تحب سيد الأنبياء والمرسلين ، أن تحب الصحابة جميعاً من دون استثناء ، أن تحب العلماء الربانيين ، أن تحب المساجد ، الأعمال الصالحة ، الأعمال المشروعة ، علاقة زواج وليس علاقة زنا ، علاقة كسب مشروع وليس علاقة يا نصيب ، أن تحب العلاقات المشروعة ، هذا حب في الله وهو عين التوحيد ، أما الحب مع الله فعين الشرك ، أن تحب جهة أقنعتك بعدم الصلاة ، أحببت جهة أقنعتك بالربا ، أحببت جهة أقنعتك بالمعاصي والآثام ، لذلك الحب في الله عين التوحيد، والحب مع الله عين الشرك ، لذلك :

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ ﴾

[ سورة آل عمران: 31]

 الحب إدعاء ، وكلٌ يدعي وصلاً بليلى ، لكن البطولة أن يحبك الله .

(( أحب عبادي إليّ تقي القلب ، نقي اليدين ، لا يمشي إلى أحد بسوء ، أحبني ، وأحب من أحبني ، وحببني إلى خلقي ، قال : يا رب ، تعلم أنني أحبك ، وأحب من يحبك ، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال : ذكرهم بآلائي، ونعمائي، وبلائي ))

[ حديث قدسي]

 أي ذكرهم بآلائي كي يعظموني ، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني ، وذكرهم ببلائي كي يخافوني ، هذا ملخص الملخص .

الآيات هي القنوات الوحيدة السالكة لمعرفة الله :

 الله قال :

﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾

[ سورة الجاثية: 6 ]

 معنى ذلك الآيات هي القنوات الوحيدة السالكة لمعرفة الله ، والآيات أنواع ، آيات كونية خلقه ، وتكوينية أفعاله ، وقرآنية كلامه .
 إذا قلنا إن الأرض تدور حول الشمس بمسار إهليلجي ، وهذا المسار الإهليلجي له قطران ؛ قطر أطول ، وقطر أصغر ، الأرض الآن بالقطر الأطول ، والمسار بيضوي ، إهليلجي ، الآن تنتقل من الأطول إلى الأصغر ، المسافة نزلت بينها وبين الشمس ، فلابد من أن تنجذب الأرض من الشمس بحكم قانون الجاذبية ، الكتلة والمسافة ، المسافة قلت ، تزداد قوة الجذب ، فإذا انجذبت الأرض تبخرت في ثانية واحدة ، انتهت ، ما الذي يحصل ؟ ترفع الأرض سرعتها ، لينشأ من رفع السرعة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة ، فتبقى على مسارها .

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾

[ سورة فاطر:41]

 أن تنحرف ، يد من ؟ قدرة من ؟ علم من ؟ رحمة من ؟ آيات كونية ، المفروض أن نتفكر .

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

[ سورة البقرة: 191]

 آيات كونية ، والموقف التفكر ، وهناك آيات تكوينية أفعاله :

﴿ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾

[ سورة آل عمران: 137]

 وفي آية ثانية :

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾

[ سورة الأنعام: 11]

 الأولى فانظروا ، الفاء للترتيب على التعقيب ، والثانية ثم انظروا ، ثم للترتيب على التراخي ، الآيات الثانية تكوينية ، أداتها النظر ، انظر مصير هؤلاء المنحرفين ، العصاة ، الطغاة، ومصير هؤلاء الأتقياء هناك مسافة كبيرة جداً ، ثم القرآنية التدبر ، فنحن مع الكونية تفكر ، ومع التكوينية النظر ، ومع القرآنية التدبر ، مثلاً :

﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ﴾

[ سورة الأنعام: 115]

 أي يا عبادي ! كلمتان تحكم العلاقة بيننا ، منكم الصدق ، ومني العدل ، تتفاوتون عندي بصدقكم وأنا أعدل بينكم ، وهذا القرآن بين دفتيه لا يزيد عن أمر وخبر ، الأمر عادل ، والخبر صادق ، هذه الآيات التكوينية نظر ، القرآنية تدبر .
المذيع :
 فضيلة الدكتور ؛ الإمام الطبري في تفسيره لقوله تعالى ، يقول لهذه الآية قول لتأويل قوله تعالى :

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة آل عمران: 31]

 قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في السبب الذي أنزلت فيه هذه الآية ، فقال بعضهم : أنزلت على قوم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : إنا نحب ربنا ، فأمر الله عز وجل نبينا صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم : إن كنتم صادقين فيما تقولون فاتبعوني فإن ذلك علامة صدقكم فيما قلتم من ذلك .
 وذكر بعدها بعض الأحاديث في هذا القول ، السؤال هنا شيخنا .

بطولة الدعاة أن يقدموا الدليل والتعليل عن كل ما يقولونه :

الدكتور محمد راتب :
 لكن قبل :

تعصي الإله وأنت تظهر حبه  ذاك لعمري في الــــــــــمقال شنيع
لـــــو كان حبك صادقاً لأطعته  إن المحب لــــــــــــمن يحب يطيع
***

المذيع :
 في هذه الآية شيخنا الخطاب ، أو سبب النزول كان على هؤلاء القوم ، لكن توجيه الخطاب من الله سبحانه وتعالى قل للنبي عليه الصلاة والسلام هل هو يمكن أن يكون أعم من ذلك الخطاب الذي هو في قوله :

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾

[ سورة آل عمران: 31]

الدكتور محمد راتب :
 طبعاً ، كل إنسان يدعي محبة الله ، أين الدليل ؟ لولا الدليل لقال من شاء ما شاء ، أنا سأقول لك : هذه المدينة كلها ملكي ، أين الدليل ؟ بالمناسبة كلمة رائعة لكل من يسمعنا ، لا تقبل بالدين شيئاً بلا دليل ، ولا ترفض في الدين شيئاً بلا دليل ، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء ، وعود نفسك أن تطالب كل من حدثك عن الدين أن تأتيك بالدليل ، وكل من قال لك : هذا حرام ، أين الدليل ؟ هذا الدليل يعطيك فكراً فقهياً ، فكراً أصولياً ، أما قال لك : حرام فما الدليل ؟ حلال ، ما دليلك ؟ واجب ، ما الدليل ؟ لولا الدليل لقال من شاء ما شاء ، الله عز وجل قال :

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

 صار عندنا شيء آخر ؛ الدليل والتعليل ، الدعاة بطولتهم أن يقدموا الدليل والتعليل والحكمة :

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

 أمر إلهي يقتضي الوجوب ، الله قال :

﴿ تُطَهِّرُهُمْ ﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

 من الشح .

﴿ وَتُزَكِّيهِمْ ﴾

[ سورة التوبة: 103 ]

 ترقى بهم عند الله ، وعند الناس ، فإذا عودت نفسك كداعية أي مبتدئ أن تقدم الدليل والتعليل ، فأنت داعية موفق ، أما هذه حرام ، حلال ، لا ، قدم الدليل ؛ آية قرآنية ، حديث نبوي ، رأي فقهي قوي جداً ، مجمع إسلامي ، هذا الدليل والتعليل حكمة ، الحكمة مهمة جداً ، الحكمة مهمة جداً ، أنت بالحكمة تصل إلى قلوب الناس ، وإلى عقولهم معاً ، والإنسان عقل يدرك وقلب يحب .
المذيع :
 جميل ؛ فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الخطاب في هذه الآية :

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة آل عمران: 31]

 علام يدل توجيه الخطاب بقوله : قل ، للنبي عليه الصلاة والسلام ؟

علامة محبة الله اتباع منهجه :

الدكتور محمد راتب :
 هو يخاطب النبي ليقول لمن اعترض على بعض الآيات : أنا أحب الله ، أعبد هؤلاء الأصنام كي أتقرب بهم إلى الله ، جاؤوا بكلام شرك واضح ، قال له : قل لهم علامة حبك لله أن تتبع منهج الله ، أن تتبع تعليمات الصانع ، ألا تشرك مع الله أحداً ، أن توحد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، والتوحيد نهاية العلم ، والعبادة نهاية الطاعة ، بل إن الله عز وجل لخص دعوة الأنبياء جميعاً بلا استثناء بكلمتين :

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الأنبياء: 25]

 دعوة الأنبياء جمعياً ملخصة في هذه الآية :

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الأنبياء: 25]

المذيع :
 لماذا كان اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم علامة على محبة الله تعالى :

﴿ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾

[ سورة آل عمران: 31]

طاعة رسول الله عين طاعة الله :

الدكتور محمد راتب :

﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ ﴾

[ سورة التوبة: 62]

 القاعدة النحوية الصرفية الدقيقة اللغوية :

﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ ﴾

[ سورة التوبة: 62]

 أن يرضوهما ، فجاءت كلمة :

﴿ يُرْضُوهُ ﴾

[ سورة التوبة: 62]

 بالمفرد لتؤكد أن طاعة رسول الله عين طاعة الله ، وأن عين طاعة الله عين طاعة رسول الله .

﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ﴾

[ سورة التوبة: 62]

 أما السياق اللغوي والنحوي : يرضوهما ، استنبط العلماء من هذه الآية التي فيها ملمح دقيق نكتة بلاغية أن طاعة رسول الله عين طاعة الله ، وأن طاعة الله عين طاعة رسول الله .
المذيع :
 الأمر أتى هنا فضيلة الدكتور بقوله :

﴿ فَاتَّبِعُونِي ﴾

[ سورة آل عمران: 31]

 أي الاتباع ، لم يأتِ فأطيعوني ، الفرق بين الاتباع والطاعة لها دلالات خاصة ؟

الفرق بين الاتباع والطاعة :

الدكتور محمد راتب :
 الطاعة أمرت بشيء ، أما الاتباع فالنبي فعل كذا ، أنت إذا تزوجت ابحث عن امرأة صالحة ، الاتباع أوسع من الطاعة ، لو تلقيت منه أمراً ينبغي أن تطيعه ، أما حينما يأتي بسنة في إنفاق المال ، في أداء الزكاة ، في حسن الجوار فينبغي أن تتبعه ، فالاتباع في أمر ما مباشر ، أطيعوني واتبعوا أمري .
المذيع :
 ترتيب المحبة على الاتباع شيخنا ؟

اجتماع تعظيم الله ومحبته والخوف منه في قلب المؤمن :

الدكتور محمد راتب :
 المحبة أولاً دائماً ، الإنسان :

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾

[ سورة آل عمران: 31]

(( يا رب أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ؟ قال : أحب عباده إليّ نقي القلب ، نقي اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء ، أحبني وأحب من أحبني وحببني إلى خلقي ، قال : يا رب ، تعلم أنني أحبك ، وأحب من يحبك ، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال : ذكرهم بآلائي ونعمائي وبلائي ))

[ حديث قدسي]

 الآلاء للتعظيم ، والنعم للحب ، والبلاء للخوف ، أي لابد من أن يجتمع في قلب المؤمن تعظيم لله من خلال آياته الكونية والتكوينية ، ومحبة له ، وخوف منه ، ذو الجلال والكمال تحبه وتخافه بآن واحد ، أو تخافه بقدر ما تحبه ، أو تحبه بقدر ما تخافه .
المذيع :
 في الحديث- فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي - الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( منْ عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فَهو ردٌّ ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود عن عائشة أم المؤمنين]

 أي ربما هو المعنى المقابل لمعنى :

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾

[ سورة آل عمران: 31]

 لكن هو بشكل مخالف .

(( منْ عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فَهو ردٌّ ))

[البخاري ومسلم وأبو داود عن عائشة أم المؤمنين]

 كيف نفهم هذا الحديث بسياق هذه الآية ؟

الإجابة بالمصدر أقوى من الفعل :

الدكتور محمد راتب :
 الإجابة بالمصدر أقوى من الفعل ، رد ، هذا المصدر ، أي مردود ، هذا فعل مردود ، لأنه سيد الخلق ، وحبيب الحق ، هو المعصوم ، عصمه الله من أن يخطئ في أقواله وأفعاله وإقراره وصفاته ، أربعة بنود ، هو المعصوم وحده ، من أن يخطئ في أقواله ، وفي أفعاله ، وفي إقراره ، وفي صفاته ، فلابد من أن نتبع المعصوم والدليل أقوى .

﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

[ سورة الحشر: 7]

 لا يوجد مجال .
المذيع :
 علامات الاتباع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي في قوله تعالى :

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾

[ سورة آل عمران: 31]

 العلامات التي يترتب عليها أن يحبهم الله ويحبوه ؟

علامات الاتباع :

الدكتور محمد راتب :
 الحقيقة أن الإدعاء سهل ، الإدعاء سهل جداً ، أن ندعي أننا نحب الله ، لكن الدخل إسلامي ؟ لا ليس إسلامياً ، البضاعة محرمة ؟ نعم ، السياحة إسلامية ؟ لا ، فيها اختلاط شديد ، هذه العملية إسلامية ؟ لا ، غير إسلامية .

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾

[ سورة آل عمران: 31]

 علامة حبكم لله اتباعي ، علامة أن تؤثروا طاعة الله ، أن تؤثروا سنتي التي جئت بها، فأية دعوى للحب بلا دليل لا قيمة لها .
 أنا أقول مثلاً : كل القطر ملكي ، أين الدليل ؟ لولا الدليل لقال من شاء ما شاء .
المذيع :

﴿ يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾

[ سورة آل عمران: 31]

 فضيلة الدكتور ؛ من يصل إلى مرتبة المحبة التي تبتدئ بالطاعة كما أشرت قبل قليل وتنتهي بمحبة الله ، جزاؤها عظيم كما في هذه الآية ، لنوضح هذه النقطة التي هي في قوله :

﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾

[ سورة آل عمران: 31]

 أي المحبة والغفران ؟

من أحبه الله أحبه كل شيء :

الدكتور محمد راتب :
 يوجد نقطة دقيقة جداً ؛ أحياناً إنسان يغلط ، الذي أمامه من حين لآخر يذكره بغلطه ، فيحجمه ، أما الله عز وجل إذا تاب العبد توبة نصوحة أنسى الله وحافظيه والملائكة وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه ، هذه التوبة النصوح .

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾

[ سورة البقرة: 222]

 أنت ابحث في القرن عن : إن الله يحب ، إن الله لا يحب .
 أخواننا المستمعون ، أنت إذا بحثت في الانترنيت في البحث إن الله يحب ، يوجد ثلاث عشرة آية تقريباً :

﴿ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ﴾

[ سورة البقرة: 222]

﴿ الْمُحْسِنِينَ ﴾

[ سورة البقرة: 195]

﴿ الْمُتَصَدِّقِينَ ﴾

[ سورة يوسف: 88]

﴿ الْمُخْلَصِينَ ﴾

[ سورة يوسف: 24]

 إلى آخره ، وابحث مرة ثانية : إن الله لا يحب ، يوجد منهج ، ليس علاقة مزاجية ، يوجد علاقات أحياناً بشرية مزاجية ، لا تعرف متى يرضى ، ومتى يغضب ، يغضب بلا مبرر ، يرضى بلا مبرر ، أما الله عز وجل فقد وضع منهجاً ، أحب هؤلاء ، الصادقين ، المحسنين ، المتوكلين التائبين ، أبغض هؤلاء ، فأنت لمجرد أن تستمع لهذه الآيات ، أو أن تقرأها إن طبقتها اعتقد يقيناً أن الله يحبك ، حب الله شيء مهم جداً ، أي إذا أحبك الله أحبك كل شيء ، حب الله لك أكبر نجاح في الحياة ، نجاح في شأنك الشخصي ، في صحتك ، بزواجك ، بأولادك بتجارتك ، بدخلك ، بإنفاقك ، بمكانتك الاجتماعية ، هذا الذي يتمناه كل إنسان .
المذيع :
 فضيلة الدكتور ؛ الآية ختمت بقوله تعالى :

﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة آل عمران: 31]

 هذان الوصفان الكريمان للذات الإلهية ما مناسبة وصف الآية ؟

الله تعالى كثير الغفران والرحمة لعباده :

الدكتور محمد راتب :
 كلمة الغفور غير غافر ، الغافر اسم فاعل ، الغفور صيغة مبالغة ، أي كثير الغفران لألف ذنب ، وغفران لأكبر ذنب .

﴿ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة آل عمران: 31]

 غفرانه من رحمته بنا ، إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي ، هو الرحمن الرحيم .
 أنا أذكر مرة كنت في مستشفى الأطفال أزور مريضاً ، فوجدت أن المؤمنة تضم ابنها المريض وتبكي ، وغير الملتزمة تبكي ، وغير المتعلمة تبكي ، والمثقفة تبكي ، لذلك الله عز وجل أودع في قلب الأمهات رحمة ، يا ربي ما هذه الرحمة التي ترحم بها الأم ولدها ؟ قال : هذه رحمتي أودعتها في قلب أمه ، رحمة الله بأولادها رحمة الله ، لذلك قالوا : رحمة الآباء والأمهات بأولادهم طبع ، أما بر الأبناء للآباء فتكليف ، فالبر تكليف ، أما محبة الآباء للأبناء فطبع ، هكذا فطرنا عليه .
المذيع :
 الآية السابقة فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ختمت بقوله تعالى :

﴿ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾

[ سورة آل عمران: 30]

 وهذه الآية ختمت :

﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة آل عمران: 31]

 كيف ترى مناسبة ختم الأولى بنصها الرؤوف ، والثانية الغفور ؟

الفرق بين الغفور والرؤوف :

الدكتور محمد راتب :
 أحياناً الغفور الذنب لا تحاسب عليه ، لكن رؤوف أبلغ ، أحياناً ينسيك هذا الذنب ، بين أن أذكرك به من حين لآخر ، مع أني لم أحاسبك عليه ، وبين أن تنسى هذا كلياً هذا معنى رؤوف، من الرأفة ، الغفور أي لم تعاقب عليه ، أما الرأفة فما ذكرك به ، إذا رجع العبد إلى الله الملائكة تنسى هذا الذنب ، أنسى الله حافظيه ، والملائكة ، وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه ، هذه رأفة .
المذيع :
 في الآية التي بعدها في سورة آل عمران :

﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾

[ سورة آل عمران: 32]

 هل شيخنا هي توضيح لآية :

﴿ فَاتَّبِعُونِي ﴾

[ سورة آل عمران: 31]

على الإنسان أن يطيع ربه انطلاقاً من حبه لذاته :

الدكتور محمد راتب :
 طبعاً ، لكن أنا أتمنى على الأخوة المستمعين مرة ثانية أن يبحثوا في أي برنامج عن كلمة : إن الله يحب ، عدد هذا يفوق عشر مرات ، ثم عن : إن الله لا يحب ، فكل أخ مستمع طبق الذي يحبه الله وترك الذي لا يحبه الله كان أقرب إنسان إلى الله ، طبق الذي يحبه ، والذي لا يحبه، وهذا هو منهج الإسلام ، الحقيقة تعليمات الصانع ، الصانع هو الجهة الوحيدة الخبيرة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها ، والإنسان انطلاقاً من حبه لذاته ، وبتعبير شائع من أنانيته ينبغي أن يطيع ربه ، لأن الصانع هو الوحيد الذي يعلم ما يسعدك ، وما لا يسعدك .
المذيع :
 فضيلة الدكتور ؛ في قوله هنا :

﴿ وَالرَّسُولَ ﴾

[ سورة آل عمران: 32]

 هي جاءت معرفة من غير إضافة ، ليس وأطيعوا الله ورسوله ، هنا :

﴿ وَالرَّسُولَ ﴾

[ سورة آل عمران: 32]

 هل لها دلالة خاصة ؟

الفرق بين الرسول ورسوله :

الدكتور محمد راتب :
 أحياناً رسول الله إشارة لمحمد ، أحياناً بعصور لاحقة يأتي إنسان يبلغك رسالة من القرآن فكأنه رسول الله إليك ، رسول ليست بالمعنى الاصطلاحي ، معه وحي ، معه بعثة ، الملك يبعث رسولاً أحياناً لملك آخر بهذا المعنى أخذت معنى آخر .
المذيع :

﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾

[ سورة آل عمران: 32]

 التولي شيخنا ، الإعراض هنا ؟

التولي تكذيب وإعراض والإيمان تصديق وإقبال :

الدكتور محمد راتب :
 الإعراض ، الإعراض هو دائماً وأبداً .
المذيع :
 ولا أشد من الإعراض .
الدكتور محمد راتب :
 دقيقة عندنا يقين وإقبال ، وشك وإدبار ، دقق ، فالتولي هو عدم تصديق هذا الكلام مع الإعراض، ليس عدم التصديق فقط ، تصديق وإقبال ، تكذيب وإعراض ، فالتولي تكذيب وإعراض ، أما الإيمان فتصديق وإقبال ، جانب معرفي ، إدراكي ، وجانب نفسي ، إقبالي .
المذيع :
 لذلك الآية فيها تكذيب وإعراض فختمت :

﴿ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾

[ سورة آل عمران: 32]

الدكتور محمد راتب :
 الله عز وجل ذات كاملة ، يحب عباده ، هذه من الصفات الكاملة لله عز وجل ، لا يحب الكاذبين ، لا يحب المتكبرين ، لا يحب المسيئين ، وهناك دائماً آيات يحب ، وآيات لا يحب، هناك إنسان يسعى لما يحبه الله حتى يحبه قطعاً ، ويسعى أن يبتعد عما لا يحبه حتى ينجو من عذاب الله فعلاً .

خاتمة وتوديع :

المذيع :
 أحسن الله إليكم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي على هذه الكلمات ، وعلى حضوركم معنا في الأستوديو ، شكراً جزيلاً لكم .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور