وضع داكن
29-03-2024
Logo
برنامج ربيع القلوب 2 - الحلقة : 08 - الاستغفار
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور محمد راتب :
  بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
 أسعد الله أوقاتكم مستمعينا الكرام بكل الخير ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أحييكم عبر إذاعة القرآن الكرم من الدوحة في هذا اللقاء الجديد من برنامج "ربيع القلوب" .
 بدايةً أنقل لكم تحيات فريق العمل من الإعداد محمود الدمنهوري ، من الهندسة الإذاعية معتصم السلامة ، ومني في التقديم مصابر الشهال .
 مستمعينا الكرام ؛ الاستغفار هو مسح للخطايا ، وتجاوز عنها ، فهو دعاء عظيم بطلب حصول المغفرة ، وقد أكثر منه النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث يقول :

(( والله إِني لأستغفرُ الله وأَتوبُ إليه في اليومِ سَبعينَ مَرة ))

[البخاري والترمذي عن أبي هريرة ]

 إن علمنا هذا فإنه يزيدنا يقيناً أننا أشد حاجة للاستغفار ، لأننا نذنب ونعصي كثيراً فوجب علينا الإكثار منه محواً للذنوب ، وستراً من علّام الغيوب دنيا وآخرة ، ونتذكر دائماً قول الله تعالى :

﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً ﴾

[ سورة النساء: 110]

 فما أعظم الأمل ، وأيسر العمل عند تدبرنا لهذه الآية .
 وفي حلقة اليوم مستمعينا الكرام من ربيع القلوب نتناول هذه الآية التي هي من آيات سورة النساء في قوله تعالى :

﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً ﴾

[ سورة النساء: 110]

 نتوقف ، ونتدبر هذه الآية مع ضيفنا الدائم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامية ، حياكم الله فضيلة الدكتور ، وأهلاً وسهلاً بكم في حلقة جديدة .
الدكتور محمد راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
 فضيلة الدكتور بداية لو توقفنا عند اللطائف اللغوية في هذه الآية من سورة النساء ؟

التفاؤل جزء من الإيمان واليأس والتشاؤم يقترب من الكفر :

الدكتور محمد راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 أخي الكريم ؛ بارك الله بكم ، ونفع بكم ، الله عز وجل قال ، وصف القرآن بأنه :

﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾

[ سورة الشعراء: 195]

 هذه اللغة شرفت بالقرآن الكريم ، وهذه اللغة من أرقى اللغات الإنسانية برأي المتخصصين في اللغات ، ولكن هذه الصيغة :

﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً ﴾

[ سورة النساء: 110]

 قبل أن أبدأ بهذه الصيغة الرائعة ، نهاية العلم القانون ، والقانون بشكل دقيق علاقة مقطوع بها ، بين متغيرين ، تطابق الواقع ، عليها دليل ، هذا القانون نهاية العلم ، فلو لم تطابق الواقع كانت جهلاً ، وبلا دليل كانت تقليداً ، مقطوع بها المصداقية في الأقوال كلها تبدأ من الشك إلى الظن ، إلى غلبة الظن ، هذه كلها نسب ، ثلاثون بالمئة وهم ، خمسون بالمئة شك ، سبعون بالمئة ظن ، تسعون بالمئة غلبة ظن ، مئة بالمئة قطع ، فالعلم قطع ، أما قوانين ربنا عز وجل فمطلقة أعلى من القطع ، لذلك جاءت الآية :

﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً ﴾

[ سورة النساء: 110]

 هذا فعل الشرط .

﴿ أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ﴾

[ سورة النساء: 110]

 إما ظلم نفسه أو ظلم غيره ، هذا المعنى ، إما أنه ظلم نفسه فشرب الخمر مثلاً ، أو ظلم غيره فأكل ماله ، ثم يستغفر :

﴿ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً ﴾

[ سورة النساء: 110]

 هذا قانون المغفرة ، كل إنسان زلت قدمه مسيئاً لنفسه أو لغيره الله عز وجل ما أمرنا أن نستغفره إلا ليغفر لنا ، وما كلفنا أن نتوب إلا ليتوب علينا ، وسعت رحمته كل شيء ، ونحن شيء.
 فلذلك التفاؤل جزء من الإيمان ، واليأس ، والتشاؤم ، والخروج من الاتجاه الديني كلياً يقترب من الكفر ، اليأس ، والتشاؤم ، والسوداوية هذا يقترب من الكفر ، لذلك :

﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً ﴾

[ سورة النساء: 110]

 عمله سيئ ، كسب مالاً حراماً ، أو اعتدى على شيء لا ينبغي أن يعتدي عليه بشكل واسع :

﴿ أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ﴾

[ سورة النساء: 110]

 لا يصلي .

﴿ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً ﴾

[ سورة النساء: 110]

 هذا التركيب يقترب من القانون ، أنا أعتقد في القرآن قوانين كثيرة ، فحيثما جاء التركيب شرطياً ، فعل شرط ، جواب شرط ، هذه صيغة قوانين ، وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، إله بيده كل شيء ، الله عز وجل يملك كل شيء ، خالق الأشياء ، رب الأشياء ، فلذلك التفاؤل أقرب للمؤمن من التشاؤم ، نحن نريد حالة نفسية صحيحة ، أوضح مثل :

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾

[ سورة الزمر: 53]

 البطولة أن تستغفر ، البطولة أن تندم ، البطولة أن تعرف الحق ، حتى تكشف نفسك من أنت .
 عفواً ؛ يوجد أثواب قماشية ، مكتوب على كل ثوب رقم ، ثلاثون يرد ، عشرون ، خمسة عشر ، يا ترى هذه الأرقام صحيحة ؟ يوجد جواب دقيق ، اشترِ يرداً خشبياً ، عندك مقياس ، البطولة أن تملك المقياس ، أنا على الحق أم على الباطل ؟ دخلي شرعي أم غير شرعي ؟ علاقتي بفلانة صح أم غلط ؟ أنا زوج صالح أم زوج غير صالح ؟ كيف تكشف الخطأ ؟ إذا لم يوجد عندك الأصل ، لذلك طلب العلم فريضة على كل مسلم .
 إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً.

طلب العلم فريضة على كل مسلم :

 لذلك لابد من وقفة تأملية ، عندنا مرض الآن اسمه : الغرق في الجزئيات ، غارق بمشاريع أعمال ، ببنود جدول أعمال ، ثم يأتي الموت فجأة فخسر الدنيا والآخرة ، فالبطولة أن نقطع من وقتنا وقتاً للتأمل ، من أنا ؟ لماذا أنا في الدنيا ؟ لماذا خلقت ؟ ما المطلوب مني ؟ ما هو منهج الله عز وجل ؟ هل عرفته ؟ الإنسان أعقد آلة بالكون ، تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز ، ولهذه الآلة صانع عظيم ، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة ، فانطلاقاً من حبي لذاتي ، من حرصي على سلامتي ، وعلى سعادتي ، وعلى استمراري ، من حرصي على أن أكون متفوقاً ينبغي أن أبحث عن تعليمات الصانع ، إنها طلب العلم ، فطلب العلم فريضة على كل مسلم .
لذلك هذا قانون .

﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً ﴾

[ سورة النساء: 110]

 عمل خطأ ، إما ذاتياً ، أو اجتماعياً ، أو بزواجه ، أو بكسب ماله ، أو بإنفاق ماله ، أو بتمضية وقت فراغه ، أو بإجازاته ، أو بفرحه ، أو بترحه ، يوجد نشاطات عديدة جداً ، أنا أقول: كل هذه النشاطات ذاتية أو معنوية ، مادية أو اجتماعية ، لها ضوابط بالشرع ، أي الضوابط تعليمات الصانع .
 إذا كومبيوتر ثمنه حوالي خمسين مليوناً ، يوجد كومبيوترات غالية جداً ، تعطيه نقطة دم يعطيك اثني عشر تحليلاً فوراً ، هذا الجهاز لو اشترته مؤسسة كبيرة ، والمعمل لسبب أو لآخر لم يرسل التعليمات ، فإذا استخدمنا هذا الجهاز قد نعطبه ، لابد من تعليمات الصانع ، الله عز وجل قدم التعليمات على الخلق .

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾

[ سورة العلق: 1 ـ 3]

 اقرأ ؛ من أجل أن تعرف من أنت ، ما سر وجودك ؟ ما غاية وجودك ؟ بماذا أنت مكلف في هذه الدنيا ؟ ما الموت ؟ ماذا بعد الموت ؟ ما الآخرة ؟
 فلذلك هذا الجماد أخي الكريم ، له طول ، وعرض ، وارتفاع ، ووزن ، وحجم فقط ، أما النبات فيزيد عليه بالنمو ، أما الحيوان فيزيد بالحركة ، أما الإنسان فله وزن ، وحجم ، وطول ، وعرض ، وارتفاع ، وينمو ، ويتحرك ، بماذا فُضل الإنسان ؟ أعطاه قوة إدراكية ، هذه القوة الإدراكية إن لم تستخدم بطلب العلم ، دقق ؛ هبط عن مستوى إنسانيه إلى مستوى لا يليق به ، الآن في القرآن :

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[ سورة النحل:21]

 ميت ، عند الله ميت ، نبضه ثمانون ، ضغطه 8 ـ 12 مثالي ، عند الله ميت .

﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

[ سورة المنافقون:4]

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾

[ سورة الفرقان: 44]

﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾

[ سورة الجمعة: 5]

 كلها أوصاف قرآنية ، لمن عزف عن طلب العلم ، لذلك العلم لا يحقق للذي ليس له أهداف تحسينية ، أهداف بنيوية ، إن لم تطلب العلم انتهيت ، لأنه يوجد عندك شهوات ، قد تتحرك بها بلا ضابط ، ترتكب معاصي كثيرة جداً .
المذيع :
 شيخنا هنا :

﴿ أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ﴾

[ سورة النساء: 110]

 ليس المقصود بها يظلم نفسه بمعناها الحقيقي ، هو يضر نفسه ؟
الدكتور محمد راتب :
 إن لم يعرف سرّ وجوده ، وغاية وجوده ، إن لم يعرف حقيقة الدنيا وأنها ثمن الآخرة ، إن لم يعرف حقيقة الموت ، والبرزخ ، والجنة ، والنار ، هذه حقائق أساسية جداً ، هذه حقائق اسمها مصيرية ، يتحدد بها مصيرك الأبدي ، فلذلك لابد من طلب العلم .
المذيع :

﴿ سُوءاً ﴾

[ سورة النساء: 110]

 أيضاً شيخنا لابد من أن نتوقف عندها .
الدكتور محمد راتب :
 العمل السيئ .
المذيع :
 ممكن نبين الفرق بين السوء والسيئ .

الفرق بين السوء والسيئ :

الدكتور محمد راتب :
 السوء جاءت مصدراً ، أبلغ ، أنت إما أن تصف اسماً مشتقاً ، أو بالمصدر ، سوء ؛ مطلق السوء ، معاملة سيئة لزوجته ؛ سوء ، كسب مال حرام ؛ سوء ، ترك الصلاة ؛ سوء ، هذا المصدر أبلغ في التعبير من المشتق ، يعمل سيئة ، هذه أقل من سيئة .

﴿ سُوءاً ﴾

[ سورة النساء: 110]

 غفل عن الله ، لم يطلب العلم ، لم يحسن لزوجته ، ما اختار زوجة صالحة ، اختارها جميلة فقط ، يعلم أنها ليست مستقيمة .

﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً ﴾

[ سورة النساء: 110]

 حينما تأتي الكلمة على شكل مصدر فهي أعم ، وأشمل ؟
المذيع :
 شيخنا ؛ عمل السوء هنا هل يشمل المعاصي الصغيرة والكبيرة أم الكبائر هنا لها حالة خاصة ؟

الصغائر تحول بين الإنسان وربه :

الدكتور محمد راتب :
 يوجد كلمة دقيقة جداً أتمناها أن تكون واضحة : طريق عرضه حوالي ستين متراً ، وأنت تمشي بالوسط ، عن يمينه واد سحيق ، وعن يساره واد سحيق ، دقق ، ما هي الصغيرة ؟ المقود حركته سنتمتراً واحد ، السنتمتر لو ثبت إلى الوادي لكن بعد حين ، بعد دقائق .

(( لا صغيرة مع الإصرار ))

[الحارث عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس]

  هكذا قال النبي ، أما لو حركته تسعين درجة ، وعندك إمكان أن ترجعه إن أرجعته صرت في سلام ، فجاء النص :

(( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار ))

[الحارث عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس]

 ما هي مشكلتنا ؟ خذ مثلاً شارعاً معيناً ، خذ مئة بيت ، لا يوجد بهم خمر ، كمسلمين نحن لا يوجد زنا ، ولا قتل ، ولا كبائر ، لكن كل هذه الصغائر تحول بيننا وبين أن نصل إلى الله .
 إذا أنت عندك بيت فيه جميع الأجهزة الكهربائية ، التيار قطعته فقط ميلي واحد كله توقف ، إن قطعته متراً كله توقف ، مثل بعض ، ما دام هناك انقطاع عن الله يوجد أخطاء كثيرة ، تجاوزات كثيرة ، ومعاص كثيرة ، وإغراءات كثيرة ، ويأس كثير ، أما إذا عرفت الله فقد عرفت كل شيء .

(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء))

[ حديث قدسي ]

 لذلك :

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾

[ سورة هود: 107]

 يا الله !

﴿ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ﴾

[ سورة هود: 107]

 نقطة مهمة جداً ، الله عز وجل ، رسوله ، الصحابة الكرام ، العلماء الربانيون يريد الله أن يتوب عليك أيها الإنسان ، أما أهل الشهوات ، أهل التجاوزات ، أهل البدع ، أهل الدنيا فترقص لهم ، يريدون أن تنحاز إليهم ، أن تستهتر بدينك ، أن تنسى صلاتك ، أن تنسى عبادتك ، هذه المشكلة .

حاجة كل إنسان إلى حاضنة إيمانية :

 لذلك أنا أقول كلمة دقيقة جداً : لابد لك أيها الأخ المؤمن من حاضنة إيمانية ، تحتاج إلى صديق مؤمن ، إلى سهرة مع مؤمنين ، إلى نزهة مع مؤمنين ، والدليل على ذلك :

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[ سورة الكهف: 28]

أنواع الذنوب :

 لكن النقطة الدقيقة : أن هناك ذنباً يغفر ، وذنباً لا يترك ، وذنباً لا يغفر ، النقطة الدقيقة جداً :

﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً ﴾

[ سورة النساء: 110]

 هناك ذنب يغفر ما كان بينك وبين الله ، والصلحة بلمحة ، أما الذنب الذي لا يترك فما كان بينك وبين العباد .
 صحابي جليل توفاه الله عز وجل ، ومن عادة النبي الكريم أن يزور البيت قبل دفنه ، فلما أراد أن يصلي عليه ، سأل : أعليه دين ؟ قالوا : نعم ، قال : صلوا على صاحبكم ، ما صلى عليه ، هذا الذنب الذي لا يترك ، قال أحدهم : عليّ دينه يا رسول الله ، فصلى عليه ، في اليوم التالي سأل : أأديت الدين ؟ قال : لا ، في اليوم الثالث : أأديت الدين ؟ قال : لا ، بالرابع : أديت الدين ؟ قال : نعم ، فقال النبي الكريم : الآن ابترد جلده .
 لذلك حقوق الله تغفر ، أما العباد فلا تترك ، أما الشرك فلا يغفر ، ذنب يغفر ، وذنب لا يترك ، وذنب لا يغفر أصلاً ، لا يغفر أصلاً تفسيرها سهل ، شخص معه أزمة قلبية حادة ، يوجد طريق إلى المستشفى وطريق إلى نزهة ، أخذناه للنزهة يموت هناك ، ما هو الشرك ؟ أن تتجه لغير الله .
المذيع :
 طبعاً إلا إذا تاب وعاد إلى الصراط المستقيم .
الدكتور محمد راتب :
 موضوع ثان .
المذيع :
 شيخنا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي :

﴿ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ ﴾

[ سورة النساء: 110]

 الاستغفار هنا هل هناك صفة محددة أم هو مجرد قول ؟

الاستغفار ندم وعزيمة وإقلاع عن الذنب :

الدكتور محمد راتب :
 الاستغفار أولاً ندم ، علامة صحة الاستغفار الندم ، والثاني الإقلاع عن الذنب فوراً ، والثالث ؛ عقد العزيمة على ألا نعود إليه ، ندم ، إقلاع ، عزيمة ، هذا الاستغفار ، وإلا استهزاء بالدين .
المذيع :
 فضيلة الدكتور ؛ هل تجد أن معنى الاستغفار هنا هو الترادف ما معنى التوبة ؟ هل التوبة أقوى وأوسع ؟
الدكتور محمد راتب :
 التوبة أوسع ، أما بهذا الذنب .
المذيع :
 كيف يكون الفرق ؟

التوبة الصحيحة هي التوبة من كل الذنوب :

الدكتور محمد راتب :
 التوبة الصحيحة أن تتوب من كل الذنوب ، هذه التوبة النصوح ، أنت فتحت مع الله صفحة جديدة ، أنت بدأت بعلاقة جدية مع الله .

(( التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ))

[ابن ماجه عن عبد الله بن مسعود]

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾

[ سورة الزمر: 53]

 الملخص : ما أمرنا أن نستغفره إلا ليغفر لنا ، وما أمرنا أن نتوب عليه إلا ليتوب علينا، لكن يوجد ملمح دقيق جداً أحب أن أوضحه ؛ هناك آية تقول :

﴿ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ﴾

[ سورة التوبة: 118]

 وآية : تابوا فتاب عليهم :

﴿ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ﴾

[ سورة التوبة: 118]

 ساق لهم بعض الشدائد ليحملهم على التوبة ، أما تابوا فتاب عليهم قبل توبتهم ، أما :

﴿ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ﴾

[ سورة التوبة: 118]

 ساق لهم بعض الشدائد كي يحملهم على التوبة .
المذيع :
 ثم الآية :

﴿ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً ﴾

[ سورة النساء: 110]

الدكتور محمد راتب :
 جواب الشرط .
المذيع :
 لماذا استعير هنا شيخنا فعل يجد وأطلق على تحقيق العفو والمغفرة ؟

من يستغفر الله سيجد الله غفوراً رحيماً :

الدكتور محمد راتب :
 المضارع يفيد الاستمرار ، فقط المضارع ، فعل المضارع في القرآن يفيد الاستمرار ، ليس وجد ، بل سيجد، يجد ، من خصائصه الاستمرار .
الدكتور محمد راتب :
 في أي وقت من يستغفر الله سيجد الهخ غفوراً رحيماً .
الدكتور محمد راتب :
 ينتظرنا .
المذيع :
 في الآية فضيلة الدكتور التي تليها :

﴿ وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ﴾

[ سورة النساء: 111]

 شيخنا ؛ هذه الآية هل لها علاقة بقوله تعالى : ومن يعمل سوءاً ؟

الله غني عن طاعتنا ولكن نعامل من قبله معاملة نحمده عليها :

الدكتور محمد راتب :
 الإنسان أحياناً يظن أنه ما أطاع الله ، الله غني عن طاعتنا ، غني عن صلاتنا ، غني عن أعمالنا ، غني عن توبتنا .

﴿ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾

[ سورة النساء: 111]

 لكن كلمة حميد دقيقة جداً ، هو غني عنا ، ولكن نعامل من قبله معاملة نحمده عليها ، لذلك الله قال :

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾

[ سورة هود: 107]

هذه إرادته العالية .

﴿ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ﴾

[ سورة هود: 107]

 لذلك لا تصاحب إلا مؤمناً ، ولا يأكل طعامك إلا تقي ، لذلك :

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[ سورة الكهف: 28]

المذيع :
 ما دلالة شيخنا هنا قوله تعالى :

﴿ فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ ﴾

[ سورة النساء: 111]

الابتعاد عن الله أكبر خطر يصيب الإنسان :

الدكتور محمد راتب :
 يظلم نفسه .
المذيع :
 بمعنى يظلم نفسه أم لها دلالة أخرى ؟
الدكتور محمد راتب :
 عندما كسب هذه المعصية حجب عن الله ، الله مصدر الجمال ، والكمال ، والنوال ، مصدر التوفيق والسعادة .

(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ))

[ حديث قدسي ]

 فإذا خسر الإنسان علاقته بالله خسر كل شيء ، لا يوجد دعم ، ولا حفظ ، ولا توجيه صحيح ، ولا متابعة ، هذا كله انتهى .
 الحقيقة أكبر خطر للإنسان أن يبتعد عن الله .
المذيع :
 شيخنا في الآية الأولى نجد قول الله عز وجل :

﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً ﴾

[ سورة النساء: 110]

 التي تليها :

﴿ وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً ﴾

[ سورة النساء: 111]

 والتي بعدها :

﴿ وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً ﴾

[ سورة النساء: 112]

 الخطيئة ، الإثم ، السوء ، هل هي مترادفة أم كل آية لها ميزة خاصة ؟

الفرق بين الخطيئة والإثم :

الدكتور محمد راتب :
 الخطيئة قد تقترب من الآخر ، أما الإثم فشخصي ، ما صلى ، ما صام ، الشاشة مفتوحة ، هذا إثم ، الخطيئة أكل مال حرام ، اعتدى ، غش بالبيع والشراء ، فهناك شيء داخلي وشيء خارجي تقريباً .
المذيع :
 هنا الآية :

﴿ ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً ﴾

[ سورة النساء: 112]

لكل إنسان مرتبة عند الله عز وجل :

الدكتور محمد راتب :
 صار هذا موضوع افتراء ، أبلغ بكثير ، إنسان بريء ألبسته تهمة هو بريء منها ، هذا موضوع ثان ، يوجد كذب وظلم ، القوانين من مئة بند ، الله عنده مليون بند ، كل معصية لها حساب خاص ، القوانين عندك مراتب ، من أولى أولى ، عاشرة أولى ، أي ثلاثون مرتبة ، موظفو الدولة كلها عبارة عن ثلاثين مرتبة ، الله عنده لكل إنسان مرتبة ، له أوضاعه ، له معطياته ، له دوافعه ، له أعذاره أحياناً ، الله اسمه الخبير ، من أسمائه الخبير .
المذيع :

﴿ ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً ﴾

[ سورة النساء: 112]

 شيخنا ؛ هنا أريد أن أتوقف عند كلمة

﴿ يَرْمِ ﴾

 الدكتور محمد راتب :
 صار هذا افتراء .
المذيع :
 لو هنا تصورنا المشهد ، كأنه يرمي من الرماية فيها للدلالة .
الدكتور محمد راتب :
 هنا صار عدوان ، ليس على مذنب ، على بريء ، هذه قضية كبيرة جداً ، أن تتهم إنساناً بريئاً ، الله عز وجل ينتصر له .

شروط الدعاء :

 بالمناسبة الله ينتصر ، الدعاء له شروط ، إلا مع زمرتين بلا شروط ، المظلوم ينتصر له ولو كان كافراً ، والمضطر يلبي دعوته ، ولو كان مسيئاً ، يستجيب دعوة المضطر والمظلوم من دون اعتبار لشروط الدعاء ، لذلك قالوا : اتقوا دعوة المظلوم ، ولو كان كافراً .
المذيع :

﴿ احْتَمَلَ ﴾

[ سورة النساء: 112]

 شيخنا هنا بأي معنى تأتي :

﴿ فَقَدِ احْتَمَلَ بِهِ ﴾

[ سورة النساء: 112]

الله تعالى لا يحاسب على النتائج بل يحاسب على المقدمات :

الدكتور محمد راتب :
 أنت إنسان تحمل شيئاً ثقيلاً .
المذيع :
 احتمل كلمة لها عدة معان .
الدكتور محمد راتب :
 تحمل مثلاً قلماً بسيطاً ، هذا لا يرهقك ، لو حملوك بلاطة ، كلما كان الذنب أثقل حمله يصبح أصعب ، لأنه يوجد فطرة ، فطرة سليمة .
 عفواً ؛ آتي بمثل دقيق : شخص دخل للبيت الساعة الواحدة ليلاً ، قالت له أمه التي ربته : أنا بحاجة لهذا الدواء ، قال لها : والله الصيدليات مغلقة فسكتت ، لكنه يعلم أن هناك صيدليات مناوبة ، ومعه سيارة ، لو ذهب والدواء لم يجده في الصيدليات المناوبة ، الأم بالحالتين لم تأخذ الدواء ، بالحالة الثانية هو كان مرتاحاً ، أدى الذي عليه ضميرياً .
 لذلك قالوا : أدِّ الذي عليك ، واطلب من الله الذي لك ، الله لن يحاسبك على النتائج ، يحاسبك على المقدمات .
المذيع :
 والبهتان شيخنا ، ونختم بها .

تعريف البهتان :

الدكتور محمد راتب :
 البهتان ؛ أن ترمي بريئاً .

﴿ فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً ﴾

[ سورة النساء: 112]

 بريء لم يعمل شيئاً .
المذيع :
 أي هو الكذب ، والافتراء ، والظلم كله في كلمة واحدة .
الدكتور محمد راتب :
 أن ترمي ذنباً على إنسان بريء من هذا الذنب ، هذا فقط .

﴿ وَإِثْماً مُبِيناً ﴾

[ سورة النساء: 112]

 صار خطأ كبير ، الظلم ظلمات يوم القيامة .

خاتمة وتوديع :

المذيع :
 جزاكم الله خيراً فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي على حضوركم معنا في الأستوديو على هذه الكلمات الطيبة .
الدكتور محمد راتب :
 بارك الله بك .
المذيع :
 مستمعينا الكرام كانت هذه الحلقة من برنامج ربيع القلوب تدبرنا فيها آيات من سورة النساء في قوله تعالى :

﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً ﴾

[ سورة النساء: 110]

 مع ضيفنا الفاضل فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي .
 أشكركم مستمعينا الكرام على حسن المتابعة والإنصات ، لكم في الختام التحية .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور