وضع داكن
19-04-2024
Logo
حياة المسلم 3 - إذاعة حياة إف إم : الحلقة 16 - في ظلال الهجرة
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .
المذيع :
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في مجلس العلم والإيمان مع الدكتور محمد راتب النابلسي ، شيخنا الكريم مرحباً بفضيلتكم ..
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
 كل عام والأمة الإسلامية بألف خير .
الدكتور راتب :
 وأنتم بألف خير .
المذيع :
 حياكم الله دكتور ، نحن على عتبات عام هجري جديد ، يقيناً هو ليس ذكرى يوم الهجرة وإنما ذكرى العام الهجري الجديد ، ونستثمر هذه المناسبة لنتحدث تحت عنوان : في ظلال الهجرة ، نعرج على الهجرة القديمة التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم برفقة الصديق أبي بكر ، ونسقطها كيف يمكن في هذا الزمان أن تكون لنا هجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، نذكر من الزمن القديم حينما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى رفيقه : ما ظنك باثنين الله ثالثهما يا أبا بكر ، قال تعالى :

﴿ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾

[ سورة اتوبة : 40]

 شيخنا الكريم هل لنا أن نعرج على زمان النبي صلى الله عليه وسلم ونقتفي من عبق الذكرى الطيبة ، ما الظروف التي كانت حتى أذن الله بالهجرة ؟

 

الدين هو أهم شيء في حياة كل إنسان :

الدكتور راتب :
 الحقيقة الدقيقة أنه لا بد لهذا الموضوع الدقيق من مقدمة ، الله عز وجل الذات الإلهية الكاملة ، صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا واجب الوجود ، وما سواه ممكن الوجود ، ما سواه الكون ، الكون ما سوى الله ، الذات الإلهية صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا ، أصل الكمال والجمال والنوال ، واجب الوجود وما سواه ممكن الوجود ، معنى ممكن ممكن أن يكون أو لا يكون ، أو إذا كان على ما هو كائن أو على خلاف ما يكون ، ما كان من الممكن أن تكون بيئة النبي صلى الله عليه وسلم كلها خيرة ، لا يوجد جهاد ، ولا حرب ، ولا هجرة ، لكن شاءت حكمة الله لعلمه بما سيكون أن ينشأ في بلد هي مكة ، وأن يعارضه أهلها ، عندئذ حفاظاً على دينه لابد من أن يهاجر لعلم الله الأزلي بما سيكون ، علم ما كان ، وعلم ما يكون ، وعلم ما سيكون ، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، قد يأتي بعد هذا العصر الذهبي الإسلامي دول إسلامية فيها حكام متجبرون ، قساة ، ظالمون ، فحينما يتعارض وجودك في بلد ما مع العبادة التي هي علة وجودك لابد من أن تغادر ، لأن دينك أهم شيء في حياتك .
المذيع :
 نوضحها شيخنا .

الهجرة أصل من أصول ديننا :

الدكتور راتب :
 شخص أرسله والده إلى السوربون لينال الدكتوراه ، وقد علق عليه آمالاً كبيرة ، لو أنه في هذه المدينة العملاقة لم يُقبل هل هناك من معنى لوجوده في باريس ؟ انتهت العملية ، نحن الله عز وجل خلقنا للجنة ، لجنة عرضها السماوات والأرض ، جاء بنا إلى الدنيا كي نعرف الله، ونعرف منهجه ، ونطبق منهجه ، ونتقرب إليه بالعمل الصالح ، فإذا حال مكان ما بيننا وبين علة وجودنا ، لابد من أن نغادر ، إذا حال مكان ما ، ظرف ما ، عصر ما ، حاكم ما ، إذا حال مكان أو زمان أو ظرف بيننا وبين علة وجودنا في الدنيا ، وهي أن نعرف الله ، وأن نستقيم على أمره ، وأن نعمل عملاً صالحاً ، إيماننا بالآخرة ، بجنة فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، هذا الإيمان اليقيني بالآخرة حينما يحول ظرف ما ، مكان ما ، قوي ما ، بيئة ما ، بيننا وبين علة وجودنا فلابد من أن نغادر حفاظاً على علة وجودنا ، هذه أصل الهجرة .
 النبي صلى الله عليه وسلم ولد في مكة المكرمة ، فيها كفار ، فيها أناس أقوياء ، ظالمون ، ضد وحي السماء ، فلابد من أن يهاجر كمنهج ، منهج لكل المؤمنين في الأرض ، لابد من أن يهاجر ، فهجرته منهج ، إذا حال مكان أو زمان أو ظرف أو قوي بينك وبين أن تعبد الله لا يوجد حل ثان إلا أن تهاجر ، فالنبي بهجرته سنّ قانوناً ، سنّ نظاماً ، سنّ مشروعاً، أن هنا للدراسة ، أرسله والده إلى باريس لينال الدكتوراه من السوربون بالذات ، فإذا حيل بينه وبين دخول هذه الجامعة ، أو أن هذه الجامعة ما قبلته ، هل هناك معنى له أن يبقى في باريس ؟ لابد من أن يهاجر ، الهجرة أصل من أصول ديننا .
المذيع :
 شيخنا يأتي من يقول لك : إذا كل إنسان ضيق عليه في مكانه فلم يتمكن من عبادة الله .

وطنك هو المكان الذي تأمن فيه على حياتك :

الدكتور راتب :
 لا ليس ضيق ، منع . هناك أنظمة قاسية جداً ، دخلت إلى بيتك تستطيع أن تصلي في بيتك ، الحديث إذا منعت من أن تؤدي الفرائض في بيتك هذه حالة نادرة جداً ، إذا منعت من أن تحقق سبب وجودك ، وغاية وجودك ، طبعاً أنا لا أقول الإنسان بمكان ما ، دقق كلمة دقيقة جداً : ما دام هذا المكان يضمن له حياته ، يضمن له ماله ، كرامته ، هذا صار وطناً ، هناك مفهوم للوطن جديد ، المكان الذي يضمن لك أن تبقى حياً .
المذيع :
 ليس مسقط رأسك .
الدكتور راتب :
 لا ، هذه سابقاً ، الآن يوجد مفهوم آخر للوطن ، المكان الذي تأمن فيه على حياتك ، الحياة مقدسة ، وعلى مالك ، وعلى حريتك ، هذا وطن جديد ، فالصحابة انتقلوا من مكة ، مكة عاصمة الأرض ، الأهل حاربوهم ، قتلوهم ، أخذوا أموالهم ، غادروا ، هذا منهج كامل ، أقول كلمة دقيقة : أحياناً يكون الواحد بإمكانه أن يطبق الدين في بيته وفي عمله وفي نفسه ، هذه دوائر ثلاثة مهمة جداً ، نفسك دائرة ، والبيت دائرة ، والعمل دائرة ، أنت مكلف بهذه الدوائر فقط، فإذا حيل بينك وبين هذه الدوائر ، هذه حالة نادرة جداً ، إذا شخص قال : الله ، يقُتل في البلاد نهائياً ، هذا لابد من أن يهاجر .
المذيع :
 شيخنا مثل هذا هل يعبد الله عز وجل بالسر ؟ هل يستطيع ؟
الدكتور راتب :
 ممكن ، سيدي أنا معي معلومات دقيقة ليست في بلادنا ، بعيدة عنا ، لا يمكن أن تصلي في بيتك ، هناك دخول مفاجئ ، في أسبانيا يجب أن تعلق الخنزير على باب بيتك ، هناك ظروف نشأت العقل لا يقبلها ولا بأي شكل ، الآن لا يوجد منها .
المذيع :
 شيخنا هل يبقى المسلم لو تعرض لمثل هذه الظروف في ذلك المكان محاولة لوجود إسلامي أم الأفضل أن يهاجر بدينه ؟

على الإنسان أن يختار دائماً أهون الشرين :

الدكتور راتب :
 هذه قضية أهون الشرين ، سيدنا عمر قال : ليس بخيركم من عرف الخير ، ولا من عرف الشر ، ولكن من عرف الشرين ، وفرق بينهما ، واختار أهونهما .
 ميزان دقيق جداً ، إذا عرفت الشرين وميزت بينهما واخترت أهونهما ، أي أنت ممكن أن تنجو بمفردك لكن معك زوجة ، وأولاد ، وبنات ، وأصهار ، وكنائن ، هنا أهون الشرين ، عندك أهل ، أنت لك كلمة مسموعة في بلدك ، قد تنصح الناس ، يجب أن توازن بين الشرين ، وأن تختار أهونهما ، مثلاً مثل صغير ليس كبيراً السيارة عليها تأمين أي سيارة ، والتأمين أصله حرام ، ما البديل ؟ ابنتك تصعد إلى المركبة العامة وهناك ازدحام لا يحتمل ويكون هناك تحرش أيهما أفضل ؟
المذيع :
 المركبة الخاصة .
الدكتور راتب :
 طبعاً فيها مخالفة ، لكن هذه أصبحت ضريبة تنتقل من تأمين إلى ضريبة ، فالبطولة نحن لسنا بين خير وشر الآن ، نحن الآن بين شرين ، كلامي دقيق جداً ، ينبغي أن تختار أهون الشرين ..

(( تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً .. ))

[ ابن ماجه عن عبد الله بلفظ قريب منه ]

 كما ترى سيدي من حولنا الإنسان يموت ، من علامات قيام الساعة موتٌ كعقاص الغنم :

(( يَوْمٌ لاَ يَدْرِى الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلاَ الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ))

[مسلم عن أبي هريرة ]

(( ... يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير ، إن تكلم قتلوه وإن سكت استباحوه ...))

[ابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي ثعلبة الخشني ]

 أنا لست في مجال أن أحابي أحداً ، أو أن أمدح أحداً ، أو أن أمدح ما لا ينبغي أن يمدح ، هذا البلد له كثير من الإيجابيات أقولها بملء فمي ، التدين هنا ليس تهمة تحاسب عليها، والشعب أطياف ، ليس بين طيفين أحقاد تاريخية تقتضي القتل ، والدولة قوية تحاسب وتعاقب ، لكن لا يوجد عندها قتل ، هذه ميزات كبيرة جداً في بلاد الله عز وجل وفق من فيها إلى طريقة سلمية في التعامل .
المذيع :
 أعود للمثال الذي طرحته فضيلتك قبل قليل ، الإنسان إذا ما ضيق عليه في دينه حتى يجب في تلك اللحظة أن يهاجر ، النبي صلى الله عليه في الهجرة لم يؤذن له بالهجرة في لحظة أذيته بل مكث سنوات وسنوات حتى أذن الله له بالهجرة لمَ لم يأذن الله له من أول لحظة إيذاء له ؟

 

النبي الكريم يتحرك بوحي الله :

الدكتور راتب :
 موضوع أن النبي الكريم يتحرك بوحي الله ، هناك وحي نصي ووحي سلوكي ، الله عز وجل لحكمة بالغة بالغة بوقت معين أذن له بالهجرة ، نقول : متى ؟ هذا وحي ، هو أفعاله وحي ، معه وحي السماء ، وأفعاله مع وحي السماء ، وصفاته كذلك ..
المذيع :
 مفهوم الهجرة الذي انتقل فيه النبي صلى الله عليه وسلم من مسقط رأسه من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة هل كان هجرة بتأسيس الدولة الإسلامية التي من خلالها قامت قائمة الإسلام والمسلمين ؟

بطولتنا أن نستحق وعود الله عز وجل :

الدكتور راتب :
 هذا هدف كبير ، طبعاً سيدنا سراقة تبع النبي ليقتله ، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، كلمة ناقة ماذا تعني الآن ؟ مرسيدس 600 ، أعلى أداة للنقل ، غاصت قدما فرسه في الرمل مرة ، اثنتين ، ثلاث ، فقال له النبي الكريم : كيف بك يا سراقة إن لبست سواري كسرى ؟ دقق شخص ملاحق ، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، يقول له : كيف بك يا سراقة إن لبست سواري كسرى ؟ دولة مثل الصومال قلنا لواحد فيها : كيف بك إذا كنت في البيت الأبيض؟ دولة مثل الصومال مواطن خائف على حياته ، مبشر أن يدخل البيت الأبيض كحاكم، العقل لا يصدقها ، كيف بك يا سراقة إن لبست سواري كسرى ؟ النتيجة فتحت فارس أقوى دولة بالعالم بالضبط مثل أمريكا الآن ، وجيء بالغنائم إلى المدينة ، وضعت الغنائم وقف صحابيان من كل طرف ، رفع كل واحد منهما رمحه وطوله حوالي مترين ونصف ، لم يرَ الأول رمح الآخر ، قال سيدنا عمر : أين سراقة ؟ ثم قال: بخ بخ أُعيرابي من بني مدلج يلبس سواري كسرى ؟ والله إيماني بكل خلية بجسمي ، وكل قطرة في دمي ، أن زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين ، إله ، لكن البطولة أن نستحق هذه الوعود ، أن نكون مؤمنين كما أراد الله لا كما أردنا ، لا يكفي ، نضع في غرفة الضيوف صورة الكعبة لا يكفي ، ولا مصحفاً في السيارة ، هناك منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، عندما نطبق هذا المنهج بحياتنا عندنا عبادة شعائرية صوم وصلاة وحج وزكاة ، هذه سهلة جداً، وعندنا أماكن للشعائر مذهلة ، والله دخلت إلى جامع في المغرب العقل لا يصدقه ، يوجد جوامع العقل لا يصدق البذخ الذي فيها ، ليس هذا ، عندك منهج تفصيلي بالإسلام يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، إذا أنت التزمت بهذا المنهج التفصيلي في كسب مالك ، إنفاق مالك، علاقاتك ، هواياتك ، أوقات فراغك ، معاملتك لأولادك ، لبناتك ، أي بنت تحب التفلت مثلاً ، والله يليق بك ، هذه مشكلة كبيرة ، الإسلام منهج تفصيلي ، الصلاة والصوم والحج والزكاة عبادات شعائرية ، هذه مناسبات لقبض ثمن الاستقامة ، تقول : كم آية فيها دعم للمؤمنين ؟ كلها معطلة الآن .

الدين منهج تفصيلي :

 الحقيقة المرة أنا أحب أن أقولها دائماً : المسلمون يملكون نصف ثروات الأرض بالضبط ، عندهم موقع استراتيجي يفوق حدّ الخيال ، ملتقى قارات ثلاثة ، معهم ثلاث ممرات مائية أساسية في حياة الناس كلها ، قناة السويس ، وباب المندب ، وهرمز، ماذا أقول لك ؟ ومع ذلك خمس عواصم محتلة ، هناك حقيقة مرة أين وعد الله ؟ اسمع الآية :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 هل نحن مستخلفون في الأرض ؟ لا والله :

﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 هل هذا الدين ممكن أم يواجه حرباً عالمية ثالثة كانت تحت الطاولة واليوم فوق الطاولة جهاراً ونهاراً ؟

﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 ثلاث خصائص غير موجودين الآن ، المفتاح بكلمة واحدة في آخر الآية :

﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾

[ سورة النور: 55 ]

 فإذا عزف الناس عن عبادة الله ، العبادة التفصيلية في الدخل والإنفاق والصناعة ، مادة مسرطنة توضع في منتج غذائي أين دينك ؟ يضمن بقاءها سليمة لسنوات ثلاثة ، هذه التجارة كلها غلط ، مادام هناك منهج تفصيلي ، ومنهج شعائري مطبق ، هذا الشعائري لا يقدم ولا يؤخر .
المذيع :
 طالما هناك غش وفساد العبادات وحدها ...
الدكتور راتب :
 يوجد علاقات لا ترضي الله ، ربح مبني على معصية ، مليون طريق للربح بخلاف منهج الله .
المذيع :
 كل ما تقدم في معاني الهجرة نريد أن نسقطه على هذا الزمان هل من يهاجر لله ورسوله ؟
 اليوم نتحدث في ظلال الهجرة مع بداية عام هجري جديد ليس اليوم هو موعد الهجرة إنما بداية العام الهجري الجديد لكننا نأخذ دروساً وعبراً من الهجرة ، الإنسان ...

 

من حال مكان ما أو ظرف بينه وبين سبب وجوده في الأرض فعليه أن يهاجر :

الدكتور راتب :
 إذا حال مكان ما ، أو زمان ما ، أو ظرف ما ، بينه وبين سبب وجوده في الأرض وهو عبادة الله ، هذه الحالة ليست سهلة بل صعبة ..
المذيع :
 الأولوية بالهجرة ، أنا أريد أن أضربها بمثال في هذا الزمان ، إنسان يعمل في شركة أو في مؤسسة معينة ، وهذه المؤسسة حالت بينه وبين عبادته ، لا يسمح لها بالحجاب في هذه الشركة ، هل الأولى أن تهجرها تتركها أم تبقى فيها ؟
الدكتور راتب :
 لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، هذه واحدة الثانية أهم ، الآمر ضامن ، أقسم لك بالله زوال الكون أهون على الله من أن تطيعه وتخسر أو أن تعصيه وتربح ، زوال الكون قال تعالى :

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾

[ سورة النحل: 97 ]

 بأي مكان ، بأي زمان ، بأي عصر ، بأي مصر ، بأي ظرف ، لك معاملة خاصة، ما دليلك ؟

﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء: 88]

 بتعبير عامي أنت غال على الله :

﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾

[ سورة الطور: 48 ]

 الله لا يتخلى عنك إطلاقاً ، بأي مكان الأقوياء بيد الله ، والطغاة بيد الله ، القوي بيد الله ، صحتك بيد الله ، كل من حولك بيد الله عز وجل .
المذيع :
 نقول : إذا استطاع الإنسان أن يحقق ولو الحد الأدنى من حاجات دينه بقي في مكانه، وطن ، شركة ، إذا منع من الفرائض والأساسيات .

 

من مُنع من ثانويات الدين وليس من أساسياته لا مانع إن بقي في بلاده :

الدكتور راتب :
 إذا منع من أصول الدين ليس من ثانوياته ، أحب ألا يصلي بالشركة الدوام ينتهي الساعة الثانية ، العصر الرابعة ، يصلي الظهر في بيته .
المذيع :
 لو كان دوامه للمساء ومنع من أداء الفرض .
الدكتور راتب :
 أستطيع أن أكتشف طريقة لأصلي بها ، لي رأي ثان دقيق ، أي مدير شركة لو ملحد وجد موظفاً مستقيماً وأميناً ، يعطيه غرفته الخاصة يصلي بها الله وكيلك ، مقياس المدراء ليس مقياس دوام ، هذا مستقيم ، لو طلب من رئيس الشركة الملحد وهو يمشي يشكل صحيح ولا يوجد مخالفة ، ولا وصل غلط ، ولا مبلغ دخله سجله ، هذا يعطيه غرفته يصلي بها وعندي ألف قصة .
المذيع :
 تفضل موسى ....
 المجتمع الذي نعيش فيه أربعاً وعشرين ساعة وتعاملنا مع الله ساعة واحدة ، ترى إنساناً يصلي وترى منه العجب العجاب ، أخلاقه سيئة يوقع بين الناس ، الدين المعاملة ، الدين الأخلاق ..

الدين معاملة و أخلاق :

الدكتور راتب :
 ليس هذا هو الإسلام ، الإسلام أن تتعامل مع الله أربعاً وعشرين ساعة ، في بيتك ، في عملك ، بوعدك ، بوعيدك ، بأسرتك ، بطريقك ، بنزهتك ، منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ..
المذيع :
 كيف ندعو هؤلاء الناس ليكون الدين دائماً هو الأول ؟

تقديم الدين بأسلوب علمي حضاري :

الدكتور راتب :
 أن نقدم لهم الدين بأسلوب حضاري ، بأسلوب علمي .
المذيع :
 ماذا تقصد بأسلوب حضاري ؟
الدكتور راتب :
 أنت عندما تقول : هذه حرام فقط ، لماذا حرام أستاذ ؟ بيّن له الحكمة ، عندما تبين الحكمة تقنعه ، أقنع ولا تقمع ، أي إنسان يقمع ولا يقنع هذا ليس داعية ، هذا بالعكس منفر من الدين .
المذيع :
 الإنسان يوصل الأحكام لكن يوصلها بالحكمة .
الدكتور راتب :
 الإله العظيم عندما قال :

﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾

[ سورة النساء: 43 ]

 الآية مطبقة الآن ؟ منسوخة ، لماذا بقيت ؟ من أجل أن تتدرج مع الآخر بالتسلسل ، هذا إنسان لم يكن مؤمناً بالله أصلاً ، تعطيه خمسين توجيهاً في يوم واحد لا يتحمل ، أعطه بالتدرج ، التدرج حكمة ، الله استخدم التدرج في دعوته لعباده .
المذيع :
 معنا اتصال من أم عبد الله من أستراليا تفضلي...
 أنا أتابع الحلقة عندنا ليل أريد أن أسأل سؤالاً عن موضوع الحلقة لم كان النبي في الغار ؟ باختصار جعلت كثيراً من الناس تسلم على يدك أطال الله في عمرك .
أم مراد تفضلي ..
 أحياناً الرسول والصحابة كانوا يهاجرون إلى أرض خصبة ، أما الآن فالدول العربية التي حولنا ليست مأمناً يهاجر لها ، لا يوجد دولة تقيم شرع الله بما يرضي الله ، نهاجر بقلوبنا ، بعقولنا ، بأجسامنا ، كيف تكون الهجرة وكل من حولنا لا يعجبنا ؟ وصلنا إلى مرحلة ..

 

كل إنسان عليه أن يعبد الله في بيته و عمله :

الدكتور راتب :
 بأي مكان في الأرض يوجد بيت تستطيع أن تصلي في هذا البيت ، وهناك تلفاز ممكن أن تضبطيه ، الشاشة لا يوجد بها أي غلط ، أنت تستطيعين أن تؤمني وتعبدي الله في بيتك وعملك ، أنت مكلفة بثلاثة أماكن ، نفسك دائرة ، وبيتك دائرة ، وعملك دائرة ، هنا تحاسبين ، ما سوى ذلك لا أحد مطبق معك حق ، لكن من منعك أن تصلي في بيتك ؟ لا أحد يشاهدك بينك وبين الله ، من يمنعك ؟ من يمنعك إذا دخل حرام لا تأخذيه ؟ اعتذري ، هذا ليس اختصاصي ، ليس ممكن أن تكون الطاعة مستحيلة في مكان ما في الأرض ، لكن بين أن تكون لها دعوة بشكل جماعي وبين أن تكون بشكل فردي ، الآن نحن عندنا حالة فردية نريد بيتاً إسلامياً فقط ، أنت عندك ثلاثة دوائر تحاسبين عليهم ، نفسك دائرة ، تستطيعين أن تشاهدي فيلماً في التلفاز لا يرضي الله ، عصيت الله في بيتك ، لو الشاشة ضبطت محطات إسلامية ، إخبارية فقط .
المذيع :
 لا داعي للهجرة اليوم .
الدكتور راتب :
 ما من داع لذلك ، لا يوجد دولة تمنع ، بعصور سابقة ممكنة ، أي إنسان في بيته حر ، يصلي ، يذكر الله ، يقرأ قرآناً ، يشاهد موضوعاً إسلامياً على الشاشة يرضي الله .
المذيع :
 ممكن لا يستطيع أن يقيم الشريعة الإسلامية كاملة في بلد ما .

الإسلام فردي و جماعي :

الدكتور راتب :
 عندنا يا أخي إسلام فردي ، وإسلام جماعي ، الإسلام الجماعي يحتاج دولة ، أنت مكلف كفرد ، الإسلام الجماعي يجب أن يقام شرع الله في المجتمع ، قال تعالى :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 33 ]

 ليس بوجوده الشخصي ، منهجه مطبق في حياتهم ، أما الله عز وجل للفرد :

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء: 147]

 أيها الأفراد إن شكرتم وآمنتم ، دخلت إلى بيتك ، جالس مع زوجتك حلالك ، ابنتك حجبتها ، ابنك يصلي ، الدخل حلال ، لا يوجد دخل حرام ، لا يوجد سهرة مختلطة ، لا يوجد شاشة مفتوحة ، بأي مكان في الأرض تستطيع أن تطبق الإسلام الفردي بأدق حذافيره ولا أحد يستطيع أن يسألك .
المذيع :
 تفضل أخي محمد اتصال جديد ...
 الهجرة كانت بعد الإسراء والمعراج ، الله سبحانه بإمكانه أن يأخذ سيدنا محمداً ويضعه في المدينة ، هل هذا درس لنا حتى أن الإنسان يتعلم إذا أراد أن يهاجر في قضية معنية أن يبدأ بأبسط الأمور ؟ النبي مشى في الليل أربعة أيام ثم خرج ثم مشى في الجوع والتعب ..

 

أساس الهجرة أن نأخذ بالأسباب ثم نتوكل على رب الأرباب :

الدكتور راتب :
 المشكلة بسؤالك : أنك سألت وأجبت نفسك ، الإسراء ألغيت الأسباب ، نقلة نوعية بثوان ، ألغيت الأسباب لترى قدرة الله المطلقة ، بالهجرة يوجد تعليم ، الهجرة أساسها أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، أضرب مثلاً بسيطاً من واقع الأردن ، عندك بالعيد الذهاب إلى العقبة ، يجب أن تراجع المركبة ؛ الإطارات ، والأشرطة ، والوقود ، والمكابح ، يجب أن تراجع السيارة تراجعاً كاملاً ثم تتوجه إلى الله من أعماق أعماقك يا رب سلم ، هذه ليست سهلة ، هذا الإيمان .
المذيع :
 نتحدث من جديد عن عام الهجرة ، يرجى ذكر قصة النبي والغار ..

قصة النبي والغار :

الدكتور راتب :
 لابد أن أبدأ بالوصول إلى القدس ، هنا الإسراء الله عز وجل أظهر قدرته الذاتية ، ألغى الأسباب كلها ، كن فيكون ، زل فيزول ، أما في الهجرة فأراد الله أن يعلمنا درساً تفصيلياً، أولاً : ذهب إلى مكان معاكس للمدينة ، مساحلاً بالعكس ، ووقت الطلب ثلاثة أيام قبع في غار حراء ، ثم استأجر دليلاً ليس مسلماً ، يجوز أن تستخدم خبرة الآخر ، أي كل حركة من حركات النبي بالهجرة درس تفصيلي لنا ، درس الإسراء إلغاء الأسباب بمعجزة إلهية ، قال تعالى :

﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ﴾

[ سورة الإسراء : 1]

 أما الهجرة فدرس تفصيلي مفاده أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، أوضح شيء عندك سفر تراجع السيارة ، المحرك ، الزيت ، العجلات، المكابح ، ثم تقول : يا رب أنت المسلم ، هذه ليست سهلة ، عفواً الأخذ بالأسباب المبالغ به يضعف من التوكل على الله ، والتواكل الساذج يلغي الأخذ بالأسباب ، أن تأخذ بالأسباب بالتفاصيل ، استأجر دليلاً ليس مسلماً ، وبقي في الغار ثلاثة أيام ، لكن عندما قال : لقد رأونا ، تذكر حفظ الله له ، يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ أخذ بالأسباب وكأنها كل شيء وتوكل على الله مئة بالمئة .
المذيع :
تفضل أبو عمر ...
 الله يخرجنا من الظلمات إلى النور ، لماذا النخب والدكاترة وعلماء الشريعة تشعر مع أن عندهم علم كبير نور الله ليس متغلغلاً في قلوبهم في الوعي ..
المذيع :
 حتى نكون دقيقين يا أبا عمر نقول : البعض .

 

الفرق بين صاحب الرسالة و بين المحترف :

الدكتور راتب :
 والله بين أن يكون الإنسان صاحب رسالة وبين أن يكون محترفاً هناك فرق ، بين مؤذن يتقاضى الأجرة فقط وهو بعيد عن حقيقة الدين وبين مؤذن صاحب رسالة ، هذا الفرق الدقيق بين محترف أو مرتزق بالدين ، المرتزق بالدين يعيش حياته في بحبوحة كبيرة ، لا يملك خطاً ساخناً مع الله .
المذيع :
 من حق الإمام أن يأخذ راتباً .
الدكتور راتب :
 لا ، ليست هكذا ، عندما يحاول أن يأخذ هدايا بطريقة معينة ، يكسب دخولاً عالية جداً ، لا يطبق الدين كما يرضي الله ، هذا إنسان احترف الدين ، تاجر بالدين ، هذا استخدم الدين وسيلة لدنياه .
المذيع :
 أما العالم الرباني أو الإمام إذا أخذ مبلغاً يتقاضى به أجره .
الدكتور راتب :
 يأخذه أحل من حليب أمه ، هو فرغناه ، إمام الجامع ، اترك الخطيب ، خمسة أوقات يجب أن يكون فيهم يأخذ أجره من الدولة أحلّ من حليب أمه ، والآخرة عند الله .
المذيع :
أبو سعيد تفضل باتصال ...
 الكل يتكلم عن حادثة الهجرة كيف هاجر النبي وكيف ذهب إلى الغار ، نحن نريد المعنى السياسي للهجرة كيف تكون الدولة الإسلامية ؟ ترك أحب البقاع إلى قلبه ، خرج من مكة إلى المدينة لإقامة دولة حول هذا الموضوع .

الهجرة قائمة إلى يوم القيامة بين كل مدينتين تشبهان مكة والمدينة :

الدكتور راتب :
 الهجرة الآن من مكة إلى المدينة توقفت بفتح مكة ، منذ فتح مكة ، ولكن الهجرة قائمة إلى يوم القيامة بين كل مدينتين تشبهان مكة والمدينة ، في بلد ما ، بمكان ما ، بظرف ما ، منعت أن تصلي ، منعت أن تحجب زوجتك ، أن تجعل ابنتك بالدراسة وهي محجبة ، فحينما يحول بلد معين وما أكثر هذه ، أو شركة ، أو مؤسسة ، أو عمل ، بين أن تقيم أمر الله وبين أن ترتزق منه ينبغي أن تغادر ، هذه أصل الهجرة ، إذا حال مكان أو زمان أو ظرف بينك وبين أن تعبد الله لابد من أن تغادر إلى بلد آخر يتيح لك أن تعبد الله .
المذيع :
 الله يفتح عليكم دكتور ! نختم هذه الحلقة بالدعاء ، ونسأل الله تعالى القبول .

الدعاء :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عمن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك، أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا ، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، واحقن دماء المسلمين في كل مكان .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور