- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠3برنامج حياة المسلم 3
مقدمة :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين .
المذيع :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سلام معبق بنكهة العلم والأجر يا رب العالمين ، في مجلس العلم والإيمان مع الدكتور محمد راتب النابلسي شيخنا الكريم مرحباً بفضيلتكم ..
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
شيخنا الكريم أهلاً وسهلاً بفضيلتكم ، عنوان حلقتنا اليوم عن دور المسؤول في الإسلام ما له وما عليه ، ننطلق في هذه الحلقة في ظل التحديات الكبيرة التي تعيشها الدول العربية والدول الإسلامية في التحديات التي تعصف بها في هذه الأيام ، نبدأ بقوله تعالى :
﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾
وأيضاً ننتقل من سنة النبي صلى الله عليه وسلم :(( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ))
فالأمير على الناس راع ، أين يكون دوره ؟ وأين يكون ماله ؟ وأين يكون ما عليه ؟ نتعرف مع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، شيخنا الكريم نحب أن نبدأ بقضية عقدية في توضيحها حينما تحصل كثير من الأزمات وتعصف بالأمة مثلما جرى في لبنان منذ يومين ، الانفجار الذي حصل مات عدد ضخم من الناس ، بعض الناس يقول : هذا قضاء ، وبعض الناس يقول : هذا نوع من أنواع الإهمال وليس قضاء ولا قدراً ، هل لنا أن نوضح القضية من ناحية عقدية شرعية ؟نهاية العلم التوحيد ونهاية العمل العبادة :
الدكتور راتب :
بادئ ذي بدء هل تتمنى كما أتمنى أن نكتشف فحوى دعوة الأنبياء جميعاً ، بآية واحدة مضمون وأهداف دعوة الأنبياء جميعاً ، قال تعالى :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
العلماء قالوا حول هذه الآية : نهاية العلم التوحيد ، ونهاية العمل العبادة .الإنسان عنده منطلق نظري أيديولوجيا ، تصور ، عقيدة ، منطلقات نظرية ، هذه أسماء لمسمى واحد ، الجانب الفكري ، الجانب التصوري في الإنسان ، هذا توحيد لأن الله عز وجل قال :
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
لو أن الله أسلمك إلى غيره لا يستحق أن تعبده ، قال تعالى :﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
ال للجنس ، أي أمر في الأرض وفي السماوات من آدم إلى يوم القيامة يرجع إليه ، قال تعالى :﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾
متى أمرك أن تعبده ؟ بعد أن طمأنك ، لو فرضنا هناك ثلاثين وحشاً ، وحوش مخيفة مفترسة جائعة ، إلا أن هذه الوحوش مرتبطة بأزمة محكمة بيد جهة حكيمة ، عليمة ، عادلة ، فأنت علاقتك مع الوحوش أم مع من يملكها ؟ هذا المعنى من أين جئت به ؟ قال تعالى:﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
تحدّ ، من نملة هي ربع ميلي ، العرض صفر ، خط ، إلى الحوت الأزرق وجبته أربعة أطنان ، يقف في فمه عشرة أشخاص ، خمسون طناً من الدهن ، خمسون طناً من اللحم ، خمسون طناً من العظم ، تسعون برميل زيت ، من نملة تكاد لا ترى ربع ميلي ، خط أسود تمشي وهذا الحوت ...﴿ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
حينما تأتي كلمة على إلى جانب لفظ الجلالة أي أن الله ألزم ذاته العلية ...﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ﴾
حينما تأتي على قبل لفظ الجلالة أي الله ألزم ذاته العلية بهداية خلقه .المذيع:
شيخنا كيف نفسر ما يجري من هذه الأحداث ؟
الإنسان هو المخلوق الأول رتبة عند الله والمسؤول والمحاسب :
الدكتور راتب :
أولاً : نحن لسنا في زمن الجزاء ، في زمن الابتلاء ، الله عز وجل حينما خلق الأكوان كلها عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال ، والسماوات والأرض تعني في القرآن الكون ، والكون ما سوى الله ، قال تعالى :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾
فلما قبِل الإنسان مع الجان حمل الأمانة ، أي أن يكون حراً ، أن يمنح حرية الاختيار ، أن يمنح الشهوات ، أن يعطى العقل ، أن يعطى الكون ، هذه المقومات ، فلما قبل الإنسان حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول رتبة ، والمسؤول والمكلف امتحاناً ، والمحاسب مسؤوليةً ، لأنك من بني البشر قطعاً أنت عند الله المخلوق الأول ، لذلك رُكِّب الملَك من عقل بلا شهوة ، وركِّب الحيوان من شهوة بلا عقل ، وركِّب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان ، فبين أن يكون الإنسان فوق الملائكة وبين أن يكون أحقر من أحقر حيوان ؟!المذيع:
إذا هذه المسؤولية دكتور تكليف أكثر مما أنها تشريف .
الدكتور راتب :
تكليف وتشريف ، لأن الإنسان قبِل حمل الأمانة أعطاه حرية الاختيار لتكون الحرية سبب رقيه عند الله .
المذيع:
فإذا أدرك واجبه أصبحت تشريفاً وارتقى فوق الملائكة ، وإلا لا قدر الله أصبح ظالماً وعاصياً فهبطت مكانته .
الحرية تثمن العمل :
الدكتور راتب :
إذا شخص معه رغيف خبز ، والثاني شهر عليه مسدساً ، قال : أعطني هذا الرغيف، هل يشعر أنه عمل عملاً صالحاً الذي قدم الرغيف ؟ لا ، أما هو فحر ، مادام حراً الحرية تثمن العمل ، لولا الحرية لا يوجد عمل ثمين ، أنت حر ، أنت لك أن تصلي أو لا تصلي، لك أن تغض البصر أو ألا تغض البصر ، لك أن تكون منصفاً أو غير منصف .
المذيع:
هذا شيخنا يتوافق مع الجملة الأولى التي بدأت فيها أننا في دار الجزاء .
الابتلاء علة وجودنا الوحيدة في الأرض :
الدكتور راتب :
الآيات دقيقة :
﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾
علة وجودنا الوحيدة في الأرض الابتلاء ، آية ثانية :﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
لكن يوجد ملمح دقيق جداً لا ليبلوكم أيكم محسن وأيكم مسيء ، لأن كل شروط الإحسان موجودة ، يظن ويرجح أن يكون البشر جميعاً محسنين ، أما تفاوتهم فيكون بمستوى الإحسان ، أما الواقع فهناك أناس انحرفوا عن منهج الله عز وجل .المذيع:
شيخنا ربنا حينما أعطى الإنسان القدرة على اتخاذ القرار هو سوف يدفع الثمن إن كان خيراً فخير وإن كان شراً فشر .
الدكتور راتب :
فوق الملائكة أو دون أحقر إنسان .
المذيع:
شيخنا لماذا سمح الله عز وجل للإنسان أن يظلم الآخر أو أن يقتل الآخر ؟
الظالم سوط الله ينتقم به ثم ينتقم منه :
الدكتور راتب :
الحقيقة لو أن الله عز وجل أسلمك إلى قوي ظالم لا يستحق أن تعبده ، ما الذي يحصل ؟ الظالم سوط الله ينتقم به ثم ينتقم منه ، بمعنى أن هذا الظالم لا يستطيع أن يفعل شيئاً مع المظلوم إلا إذا سمح الله به ، فالله عز وجل يعالج المخطئ أو المقصر أو لحكمة لا نعرفها بقوة الظالم ثم ينتقم منه ، والعاقبة للمتقين .
المذيع:
شيخنا أحياناً قد يموت طفل ولم يرتكب ذنباً ليحاسب عليه كيف نفسرها من الناحية الشرعية لماذا سمح الله أن يتعرض هذا الطفل للظلم ؟
الحكمة من تأديب الآباء عن طريق الأبناء :
الدكتور راتب :
هذا الطفل أولاً غير مكلف ، مادام غير مكلف أنت لا تعلم أن الآلام التي تتوهمها قد لا تقع عنده ، غير مكلف طبعاً ، أحياناً ترتفع حرارته ، فالأب لا ينام الليل من محبته لابنه ، الطفل لا يشعر بشيء ، عفواً الألم فاعليته بيد الله عز وجل ، أحياناً يكون هناك مصيبة كبيرة ، الله يمنح الإنسان قوة تحمل يرتقي عند الله ، الحقيقة التأديب يكون أحياناً للآباء عن طريق الأبناء، والابن غال جداً ، أنا أعرف شخصاً متفلتاً تفلتاً يفوق حدّ الخيال كأنه أنكر وجود الله عز وجل ، تزوج وأنجب طفلة رائعة جداً تعلق بها تعلقاً مذهلاً ، شخص أعرفه وهو منكر لوجود الله، ثم ارتفعت حرارتها ما ترك طبيباً بدمشق ، سافر بها إلى إيطاليا ، إلى بريطانيا ، ما ترك طبيباً، خطر في باله لعلي إذا آمنت بالله واستقمت على أمره تشفى ابنتي ، فشفيت ابنته وكانت سبب هدايته ، وحينما كبرت دعاني إلى حضور عقد قرانها فقلت له بعد أن انتهى العقد : هي هي ؟ قال : هي هي . هو ملحد ، هذه البنت الجميلة تعلق بها تعلقاً مذهلاً ، فلما ارتفعت حرارتها ما ترك طبيباً بدمشق ، سافر بها إلى بريطانيا ثم جاءه خاطر تب إلى الله .
المذيع:
شيخنا هذا خاطر من الله .
الدكتور راتب :
طبعاً من الله ، فلما تاب إلى الله ، قال : والله أنا حضرت عقد قرانها وحينما غادرت الحفل قلت لأبيها : هي هي ؟ قال : هي هي .
المذيع:
شيخنا من ناحية شرعية حينما يسمح الله بحصول أمور ما معنى يسمح الله ؟
تعلق إرادة الله بالحكمة المطلقة :
الدكتور راتب :
أي لو أسلمك إلى غيره لا يستحق أن تعبده ، لو جعل الأقوياء ظلمة يقتلون وينهبون ويغتصبون ، أين الله ؟
المذيع:
شيخنا ألا يجري هذا اليوم في الدنيا في بعض الدول ؟
الدكتور راتب :
يجري لحكمة بالغة ، أريد أن أقول لك كلمة أساسية جداً ، يمكن أنا أقولها آلاف المرات : كل شيء وقع عملياً بالقارات الخمس متى ؟ من آدم إلى يوم القيامة ، أراده الله ، لا تعني أراده أنه أمر به ، ولا تعني أراده أنه رضيه ، مثل إنسان ثقافته عالية أستاذ جامعي ، وغني، تزوج امرأة أحبها حباً جما لم تنجب ، انتظر عشر سنوات ، مضطر إلى غلام ، وهو يحبها حباً جماً ، ولا يتمنى أن يغضبها بزوجة ثانية ، ثم أنجبت طفلاً آية في الجمال ، تعلق به تعلقاً مذهلاً ، ثم اكتشف الطبيب الأب أن ابنه مصاب بالتهاب الزائدة الدودية ، فهذا الأب الولهان بابنه يسمح بتخدير ابنه ، وفتح بطن ابنه ، واستئصال الزائدة ، فكل شيء وقع بالقارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة أراده الله ، لا تعني أنه أمر به ، الذي يجري ، ولا تعني أنه رضيه، ولكن سمح به ، وكل شيء أراده الله وقع معكوسة ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، فالذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً ، والذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، أي شر مطلق ، أي شر للشر لا وجود له في الكون لأنه يتناقض مع وحي الله ، يتناقض مع وجود الله ، وجود الله يمنع الشر المطلق .
المذيع:
كيف نفسر للأشخاص ما يجري في لبنان مات ضحايا ، في سوريا وفي بعض الدول قد تهبط عمارة على رأس طفل صغير .
بطولة الإنسان أن ينجح في الابتلاء :
الدكتور راتب :
أنا حينما أؤمن بالدنيا فقط المصائب تسحقني ، أما إذا آمنت بالدار الآخرة ، كم الشمس تبعد عن الأرض ؟ مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، لو أن المصيبة نزلت وأنا قبلتها أنا عندي أبد ، الأبد لا أحد انتبه له ، الحياة ستون أو سبعون سنة ، ما هو الأبد ؟ واحد بالأرض والأصفار للشمس ، وكل ميلي صفر ، هذا الرقم إذا نسب إلى اللانهاية قيمته صفر ، الله عز وجل عندما يضحي بدنيانا - إن صح التعبير - من أجل آخرتنا نحن الرابحون .
الله عز وجل وزع الحظوظ في الدنيا ، المال حظ ، الوسامة حظ ، القوة حظ ، وزير، المكانة الاجتماعية حظ ، وزع الحظوظ في الدنيا من مكانة ، إلى صحة ، إلى وسامة ، إلى غنى، إلى قوة ، إلى سلطة ، وزع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء ، الغني مبتلى بالمال ، أي ممتحن ، والقوي ممتحن بالقوة ، والوسيم ممتحن بالوسامة ، والفقير ممتحن بالفقر ، والغني ممتحن بالغنى ، كل الحظوظ أنت في الدنيا ممتحن بها ، لكن الامتحان متى ينتهي ؟ عند الموت، شخص امتحن بالمال بيل غيتس يملك ثلاثة وتسعين ملياراً ، على فراش الموت قال : هذا الرقم لا يعني لي شيئاً ، وآخر ممتحن بسبعمئة مليار ، ممتحن ، فالبطولة أن أنجح بالامتحان ، فإذا نجح في الامتحان استحق الجنة إلى الأبد ، والذي كان غنياً غنى فاحشاً ولم ينجح في الامتحان تكبر واستعلى وأنفق المال على ملذاته المحرمة ومات استحق النار إلى أبد الآبدين ، فالبطولة أن أنجح في الابتلاء ، فالحظوظ المال ، والوسامة ، والقوة ، والغنى ، والسلطة حظوظ ، كل أسباب القوة من مال ، من علم ، من سلطة ، هذه إذا أنا ضبطها وفق منهج الله ، واستخدمتها في طاعة الله ، أسعد بها إلى أبد الآبدين ، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ))
لماذا ؟ لأن علة وجودنا في الدنيا العمل الصالح ، العمل الصالح يحتاج إلى قوة ، الغني ينفق من ماله ، يعمل معهداً شرعياً ، يعمل ميتماً ، والقوي يوقع توقيعاً يمنع التدخين مثلاً .المذيع:
شيخنا ربنا سبحانه لم يجعل العدل منفذاً كاملاً في الدنيا ، قد يحصل ظلم ، إنسان يقتل إنساناً أو هو بريء ، الله جعل هذا حتى يكون الاختيار للإنسان ، لكن العدل المطلق يوم القيامة وهي دار الجزاء ؟
الحساب الكامل العادل يوم القيامة :
الدكتور راتب :
لا يمكن أن يسلم إنساناً إلى إنسان .
المذيع:
لكن الله أذن لظالم ..
الدكتور راتب :
أذن له لحكمة بالغة بالغة بالغة إما استحقاقاً ، وإما رقياً ، وإما امتحاناً ، النبي الكريم سيد الخلق وحبيب الحق قال :
(( لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد ، ولقد أتت عليّ ثلاث من بين يوم وليلة ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال))
المذيع:شيخنا الفكرة أن الله أعطى الإنسان الأحقية الكاملة في قراره وتنفيذه ، ويكون الحساب الكامل العدل يوم القيامة ..
الدكتور راتب :
لذلك الظالم سوط الله ينتقم به ثم ينتقم منه ، الله عز وجل يؤدب عباده المقصرين بالظالم ، فإذا أدبهم وتابوا إلى الله واستقاموا على أمره يؤدب هذا الظالم ، الظالم سوط الله ينتقم به ثم ينتقم منه .
المذيع:
شيخنا في هذه المقدمة المهمة عن التفسير العقدي لما يجري في حياة المسلمين والابتلاءات سننتقل بعد قليل إلى دور المسؤول في الإسلام ما له وما عليه ، إن أدى دوره وإن لا قدر الله قصر في دوره في بعض القضايا الفساد ، دور المسؤول في الإسلام ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :" اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه ، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به " . ما هو دور المسؤول في الإسلام ؟
دور المسؤول في الإسلام :
الدكتور راتب :
سيدنا عمر عملاق الإسلام كان إذا عين والياً أي محافظاً ، يسأله : ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ قال : وفق الشرع ، قال : إذاً فإن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك .
المذيع:
شيخنا ماذا يعني عاطل ؟
الدكتور راتب :
بلا عمل ، بطالة .
المذيع:
إذاً من مسؤوليته أن يؤمن عملاً .
الدكتور راتب :
العنوسة أكبر مشكلة سببها البطالة لا يوجد عمل حتى يتزوج ، عندنا بطالة وعنوسة أكبر مشكلتين على الإطلاق ، البطالة للشباب والعنوسة للنساء .
ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ قال : أقطع يده . قال : إذاً فإن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك ، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم ، ونستر عورتهم ، ونوفر لهم حرفتهم ، فرص العمل ، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها ، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل ، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً ، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية .
هل هناك أوضح من هذا ؟ يوجد بطالة وعنوسة أكبر مشكلتين على الإطلاق ، لذلك مضطر أن أقول هذا الاستثناء : إنسان وضع ماله في البنك وتقاضى فوائد لكن ما قدم شيئاً للأمة ، أما النجار فقدم باباً ، النجار عين موظفاً عنده ، النجار اشترى أدوات ، التجارة شركة سيتروين في فرنسا تتعامل مع مئتي شركة ، لماذا الربا محرم تحريماً شديداً ؟ لأن المرابي ما قدم شيئاً للأمة ، النجار قدم باباً ، الحداد قدم آلة معينة ، الطبيب قدم خدمة ، أما الإنسان فيقدم خدمة أو صناعة أو زراعة أو أي وساطة خدمية ساهم في بناء الأمة ، فلذلك سيدنا عمر قال : فإن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك ، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم ، مهمة الحاكم ، ونستر عورتهم ، ثياب ، ونوفر لهم حرفتهم ، فرص عمل ، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها ، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل ، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً .
المذيع:
شيخنا أيضاً نسب لسيدنا عمر أنه كان يقول إلى الحاكم إني أصرفك إلى عام ...
مواصفات المسؤول :
الدكتور راتب :
كان إذا عين والياً يقول له : خذ عهدك - كتاب التعيين - وانصرف إلى عملك ، واعلم أنك مصروف رأس سنتك ، وأنك تصير إلى ثلاث خلال فاختر لنفسك ، إن وجدناك أميناً ضعيفاً ، لا يوجد عنده قوة في إصدار القرار ، استبدلناك لضعفك ، وسلمتك من معرتنا أمانتك ، لا يوجد عقاب فقط عزل ، عزل بلا عقاب ، وإن وجدناك خائناً قوياً ، قوي لكن يوجد نهب ، يوجد رشوة ، يوجد دخل كبير جداً ، استهنا بقوتك ، وأوجعنا ظهرك ، وأحسنا أدبك ، وإن جمعت الجرمين ، الضعف والخيانة ، جمعنا عليك المضرتين العزل والتأديب ، وإن وجدناك أميناً قوياً ، زدناك في عملك ، تجديد ، ورفعنا لك ذكرك ، وأوطئنا لك عقبك . شيء دقيق جداً ، قال تعالى :
﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾
المذيع:شيخنا هذه مواصفات المسؤول .
الدكتور راتب :
القوة اختصاص ، والأمانة أخلاق .
المذيع:
شيخنا ممكن توضحها أكثر .
الدكتور راتب :
إذا أردت أن تعين شخصاً لشؤون الصناعة ، يجب أن يكون معه اختصاص صناعي، القوة والأمانة ، ألا يرتشي ، يخاف من الله ، الأولى خبرات مدنية والثانية قيم أخلاقية .
المذيع:
شيخنا هاتان الصفتان .
الدكتور راتب :
﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾
عفواً لو فرضنا زرت طبيباً - والأطباء أكثرهم صالحين - لكن لو فرضنا أن أحدهم قد طالبك باثني عشر تحليلاً ، وأنت بحاجة لواحد فقط ، وهذا الطبيب متفق مع المحلل على المناصفة ، هذا خان الأمانة ، المهندس شاهد شقاً طولياً في العمارة لا يخوف إطلاقاً ، أما إذا كان عرضياً فيخوف ، خوفك ، أحياناً يستطيع المختص أن يخوفك ، وإذا خوفك ابتز مالك ، طبيب جراح نسائي قال له : قل له قيصرية ، هذه العادية كلها بألفي ليرة القيصرية باثني عشر ألف ليرة .المذيع:
شيخنا لم تكن بحاجة ، هذا خان الأمانة .
الدكتور راتب :
و إذا خان الأمانة الله كبير ، كبير .
المذيع:
شيخنا ما اسمه إن خان الأمانة .
من يخون الأمانة يتولى الله عقابه :
الدكتور راتب :
الله يتولى عقابه ، والله الذي لا إله إلا هو مضطر أن أروي قصة ، إنسان ساكن بطرطوس زوجته معها ألم بكتفها ، الزوج لا يوجد عنده خبرة ، أمي ، ركب سيارة إلى الشام دخل إلى طبيب ، والأطباء نخبة المجتمع ، لكن يوجد حالات نادرة جداً ، قال له : هذا التهاب تحتاج كل أسبوعين إلى إبرة عندي ، هذا كل أسبوعين يأتي إلى الشام يأخذ الإبرة ويرجع حتى اضطر أن يبيع أرضه ، سنة ونصف وهو يأخذ الإبر لزوجته ، أحد أخواني الكبار طبيب بالأورام شاهدها صدفة قال له : هذا ليس التهاباً يا بني هذا ورم خبيث ، وطالب الطب يعرف هذا ، الذي ابتزه سنة ونصف وتركه يبيع أرضه ، النتيجة والشاهد ليس هنا يقسم بالله العظيم هذا الطبيب الآخر الذي قال : إنه ورم خبيث ، بعد أحد عشر شهراً كان هذا الطبيب الأول معه ورم خبيث حقيقي ، الله كبير ، إياك أن تستغل جهل إنسان .
المذيع:
شيخنا هذا مصيره في الدنيا ما باله بالآخرة ؟
الدكتور راتب :
طبعاً الله عز وجل يوجد موضوعات متعددة يعاقب مقترفها في الدنيا قبل الآخرة ، منها العقوق ، منها غش الناس .
المذيع:
شيخنا إذا كان المسؤول عن الشق الآخر أميناً ، يراعي حقوق الناس في الوقت ، في المعاملات ، في الإنصاف .
من خدم الناس كافأه الله على عمله :
الدكتور راتب :﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾
برحمتنا ، بحفظنا ، بتوفيقنا ، بتألقك :((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))
المذيع:شيخنا سؤال شرعي هل يؤجر هذا المسؤول عن كل مواطن خدمه ؟
الدكتور راتب :
والله عن كل مواطن يؤجر ، كأنه دخل الجنة ، إنّ بيوتي في الأرض المساجد ، وإن زوّارها هم عمّارها ، إنسان يخدم عباده ألا يكافئه الله ؟ والله من سابع المستحيلات ، تخدم عباده، تكون نصوحاً لعباده ، أنا أعرف قضية يعطيه ثمانية أدوية ، وهو ليس بحاجة إلى الأدوية إطلاقاً.
المذيع:
شيخنا يقول للمراجع تعال بعد أسبوع وهي تنجز فوراً .
الدكتور راتب :
يكون بالعاصمة يأتي شخص من معان من العقبة تعال غداً ، ماذا تعني تعال غداً ؟ أي يحتاج إلى فندق ، وهي تحتاج إلى توقيع فقط ، الله كبير ، الله يعلم .
المذيع:
وسوف يسأل عن كل مواطن أخره .
الدكتور راتب :
والله عن كل مواطن ، عن كلمة قالها ، قال تعالى :
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
المذيع:شيخنا المسؤولية تكليف ، إذا خدم الناس كان له أجر بكل واحد ، وإذا عطل مصالح الناس كان له إثم بكل واحد .
من كان في حاجة الناس كان الله في حاجته :
الدكتور راتب :
سيدي شيء واضح عمان عاصمة ، جاء رجل من العقبة قطع ثلاثمئة وخمسين كيلو متر ، لأن المعاملة تحتاج فقط إلى توقيع ، جالس مع أصدقائه أو مع موظفة قال له : تعال غداً، ماذا يعني غداً ؟ أي يوجد فندق وعشاء .
المذيع:
شيخنا في المقابل نأخذ الجانب الآخر بعض الموظفين لا تكون المعاملة لديه يأخذها ويقول لك : اذهب معي حتى يتم المعاملة ، هذا الذي سار في خدمة المواطن .
الدكتور راتب :
هذا عمل صالح ، هذا له إكرام من الله ، هذا يحبه الله .
المذيع:
شيخنا هذا قضى حوائج الناس .
الدكتور راتب :
هم في حوائج الناس والله في حوائجهم ، والله له معاملة من الله تفوق حدّ الخيال .
المذيع:
شيخنا حتى لو كان يأخذ راتباً ؟
الإتقان عبادة لله :
الدكتور راتب :
طبعاً ، ليس لها علاقة ، الراتب معاش يريد أن يعيش ، يوجد معاش ويوجد عمل صالح ، ممكن أن يعيش بهذا الراتب ، الأعمال الصالحة غير الراتب ، الأعمال الصالحة تخدم عباده :
(( ...أحبهم إلى الله أنفعهم لعياله ))
المذيع:إذا أتقن وظيفته ولم يؤخر الناس ؟
الدكتور راتب :
الإتقان عبادة لله .
المذيع:
تفضل أبو خليل ...
إذا قال الموظف للمراجع : تعال غداً وكلفه أجرة فندق ومصاريف أخرى كل هذا يسجل على رأس المسؤول ؟
كل إنسان مسؤول عن عمله :
الدكتور راتب :
إذا كان قادراً أن يحل مشكلة المواطن بكلمة ، بتوقيع يؤخره إلى اليوم الثاني ألا يحاسب عند الله ؟ إذا كان فقيراً ، ينام يوماً بفندق ..
المذيع:
تفضل أبو خليل ...
رب العالمين لا يسأل عما يفعل ...
الله تعالى لا يُسأل عما يفعل لأنه عادل و رحيم :
الدكتور راتب :
هذه لها معنى ثان ، إذا معلم عمل مذاكرة وأعطى الأوراق بعدما صحح الأوراق ، وأعطى السلم وقال : شاهدوا علاماتكم وعلاقتها بالسلم ، ما ارتكب ولا خطأ فلم يسأله أحد ، لا يسأل عما يفعل لكماله ، ولعدله ، ليس لا أحد يجرؤ أن يسأله ، ليس هذا هو المعنى ، عدله مطلق أخذت حقك كاملاً ، لا يسأل لعدله ورحمته وليس لجبروته ، هناك فرق .
المذيع:
شيخنا لو استطاع الإنسان أن يكون القرار بين يديه يتولى منصباً ووجد في نفسه القوة والأمانة هل يقبل بهذا المنصب أم ينجو ؟
خيارات العمل الصالح للقوي لا تعد ولا تحصى :
الدكتور راتب :
ينبغي أن يتسلم هذا المنصب ، إن لم يستلم هذا المنصب وهو منصف ، عادل ، رحيم ، سوف يستلم هذا المنصب شخصاً غير منصف ، وغير عادل ، وغير رحيم .
المذيع:
شيخنا القوي الأمين أصبح واجباً .
الدكتور راتب :
أبداً ، ما الدليل ؟
﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾
سيدنا يوسف ، أتيح لك أن تكون بمنصب رفيع ، وتعدل بين الناس ، وترحم الناس ، تتأبى ؟! علة وجودك العمل الصالح ، علة وجودك الوحيدة العمل الصالح ، إذا كان طريق القوة ، المنصب قوة ، والمال قوة ، والعلم قوة ، إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً ، لماذا ؟ لأن خيارات العمل الصالح للقوي لا تعد ولا تحصى ، أما إذا كان طريق القوة يبنى على كرامتك وعلى دينك فالضعف وسام شرف لك .إذا كان طريق القوة ثمنه معصية لله ، أو نفاق مع الظلّام ، فالضعف وسام شرف لك.
المذيع:
شيخنا عندما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم : ثلاث لا ترد دعوتهم ذكر منهم الإمام العادل ... لماذا دعوته مجابة ؟
الحكمة من أن الإمام العادل لا ترد دعوته :
الدكتور راتب :
لأن معه صلاحية ، معه سلطة فنفذها في طاعة الله ، خدم الأمة بها ، إنسان استلم منصباً ، عمل تكافؤ فرص ، عمل تأميناً اجتماعياً ، هؤلاء عباد الله عز وجل :
(( ...أحبهم إلى الله أنفعهم لعياله ))
المذيع :الله يفتح عليكم دكتور ! نختم هذه الحلقة بالدعاء ، ونسأل الله تعالى القبول .
الدعاء :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارضَ عنا ، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، واحقن دماء المسلمين في كل مكان .