وضع داكن
28-03-2024
Logo
حياة المسلم 3 - إذاعة حياة إف إم : الحلقة 03 - الخلوات بين المعاصي والطاعات
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور راتب :
  بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
المذيع:
 السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، مستمعينا الكرام أينما كنتم، على الهواء مباشرةً، عبر أثير إذاعتكم حياةFM ، في مجلس علمٍ وإيمان، نتتلمذ فيه على يدي فضيلة الداعية الإسلامي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، مرحباً بكم شيخنا الكريم.
الدكتور راتب:
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
 اللهم آمين، الخلوات هو عنواننا لهذا اليوم، نبدأ حلقتنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:

(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً))

[ابن ماجه عن ثوبان بن بجدد]

 ولما جلاها النبي ووصفها:

(( قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))

[ابن ماجه عن ثوبان بن بجدد]

 هذا كان لأولئك الذين ينتهكون محارم الله في الخلوات، وأيضاً أن نرى أن الإنسان يعبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه، فالله عز وجل يرانا جميعاً، شيخنا الكريم لماذا لهذه الخلوات رصيدٌ كبيرٌ في الإيمان، ورصيدٌ كبيرٌ لمن قد تحبط أعماله أيضاً؟

 

أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه :

الدكتور راتب :
 أخي الكريم؛ سؤالٌ دقيق، الإنسان حريص على سمعته، وعلى مكانته، عنده دوافع اجتماعية، أن يكون مرموقاً، عالي المقام، محترماً أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه
فالإنسان ضعيف الإيمان بالله، ضعيف الخوف منه، ضعيف الرجاء لما عنده، أمام الناس يتزين بالدين، جزء من عمله الكسبِ، لكن لو خلا وحده لعله انتهك حرمات الله، الحقيقة عندنا عبادات في الإسلام، تسمى أحياناً عبادات الإخلاص، مثلاً أنت صائم، والأيام صيف، والحر لا يحتمل، والثلاجة ممتلئة بكل ما لذ وطاب من الطعام والشراب، وأنت وحدك في البيت، لا تستطيع أن تضع قطرة ماء في فمك، هذا الدليل أنك ترى الله، فالأساس أنك ترى الله معك، لذلك أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه، لكن للمعية نوعان: معيةٌ عامة، ومعيةٌ خاصة، إذا قال الله عز وجل:

﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ َ﴾

[ سورة الحديد: 4]

 مع كل الناس، مع الكفار، مع الطغاة، مع المنافقين، مع المؤمنين، بعلمه، هذه معيةٌ عامة، لكن البطولة والنجاح والتفوق المعية الخاصة، فإذا قال الله عز وجل:

﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الأنفال: 19]

 أي معهم بالحفظ، معهم بالتوفيق، معهم بالنصر، معهم بالتأييد، فإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ إذا كان الله معك من يجرؤ من كل من حولك أن ينال منك؟ ولا أحد.
المذيع:
 إذاً سميت دكتور عبادات الإخلاص كالصيام، لأن الإنسان فيها لا يستطيع أحد من البشر أن يراه، ليست كالصلاة مثلاً، هي سر بينك وبين الله.

 

من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله :

الدكتور راتب :
 هناك عبادات إن أظهرتها ترتقي مكانتك في المجتمع، وهناك عبادات لا أحد يراك لا يعبأ الله بعمل من لا ورع له
إنسان سافر لبلاد بعيدة لا أحد يعرفه، لماذا يغض بصره عن محارم الله، لا أحد يضبطه بأي مخالفة. حدثني أخ سافر للمغرب، وكان مندوب بلده بمؤتمر كبير جداً، ودخل لغرفته الساعة الثانية عشرة ليلاً، في أفخر فندق في الرباط، سمع ضجيجاً في باحة الفندق، أطل فإذا راقصة ترقص، حفل ساهر، فأغلق النافذة، من يراه لو ملأ عينيه من محاسن هذه الراقصة، من يراه؟
المذيع:
 الله.
الدكتور راتب :
 هذا هو الدين، من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله، بقي عمله اجتماعياً، بريستيج بالتعبير معاصر.
المذيع:
 لكن دكتور قد نقع في هذا الشيء ونحن لا نقصده، أقصد ليس أنني أنافق وأطلب رضا الناس، ولكن ضعف الإنسان.
الدكتور راتب :
 نتوب، الله فتح باب التوبة، البطولة ألا تسخر من الدين، أنت عندما يكون عندك ذكاء اجتماعي، تستمد مكانتك من السلوك، السلوك الانضباطي في مجتمع واضح جداً تكسب فيه مكانة، من يعلم ذلك؟ الله وحده.
المذيع:
 دكتور؛ القصد في بعض الأشخاص قد يمتهنون هذا الشيء عمداً، فهو بذلك أقرب للمنافق لا يصلي لله لكن لكسب مواقف من الناس.
الدكتور راتب :
 المنافق سيدي لماذا عقابه شديد؟ لأنه أخذ ميزات المؤمنين، بدا لهم مؤمناً.
المذيع:
 لكن أخذها في الدنيا؟

العبادة في المعاملة :

الدكتور راتب :
 في الدنيا، أخذ ميزات المؤمنين.
المذيع:
 أما في الآخرة؟
الدكتور راتب :
 العبادة في المعاملة
أخذ حرية الكفار في الحركة، جمع بين ميزات المؤمنين، فلذلك:

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾

[ سورة النساء: 145]

 بصراحة اقرأ سورة البقرة أولاً، المؤمنون وصفوا بسطرين والكفار بسطرين والمنافقون ببقية الصفحة، هم يبدو لهم مظهر، ولهم مخبر، لهم خارج، ولهم داخل.
المذيع:
 لذلك لهذا الخبث دكتور لم يكونوا في النار، بل:

﴿ الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾

[ سورة النساء: 145]

الدكتور راتب :
 لأنهم غشوا الناس، والحقيقة الدقيقة جداً: عندما أنت تعامل منافقاً مظهره ديني، وفي بيته آية الكرسي، وفي سيارته مصحف، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، ويغشك بالبيع والشراء، سبب لك إحباطاً في الدين، فالعبادة في المعاملة.
 لي كلمة دقيقة: المسلم يأتي إلى الجامع في الأصل ليتلقى من الله، من خلال خطيب المسجد، أو درس الدين تعليمات الصانع، يعود لهذا المسجد ليقبض الثمن، وهو القرب من الله، فبيت الله لتلقي التعليمات، ولقبض الثمن فقط، لكن أين الدين؟ في البيت، في العمل، في التجارة، مثلاً مادة مسرطنة مسموح منها ثلاثة بالألف في بعض الأغذية، يضعوا ثلاثة بالمئة لضمان عدم فساد البضاعة، وسببه سرطان، السرطان ارتفعت نسبته عشرة أضعاف، لأنه لا يوجد تقوى من الله.
المذيع:
 والعياذ بالله! إذاً دكتورنا الكريم، الأشخاص الذين يظهرون وجهاً حسناً أمام الناس وفي خلواتهم يذنبون نوعان، المنافق والذي يتعمد هذا لكسب مصالح دنيوية، أما الإنسان المسلم قد يقع في بعض الأحيان في خلواته بذنوب هذا يتوب.

صفات المنافقين :

الدكتور راتب :
 الله تواب رحيم.
المذيع:
 لكن لا يفترض أن يكون منهجه، كلما خلا أذنب.
الدكتور راتب :
 دون أن يقصد، دون أن يتخذها سلوكاً متكرراً يومياً.
المذيع:
 جميل، وإن أخذها لا قدر الله، قد ينتقل من خانة المذنب إلى النفاق.
الدكتور راتب :
 إلى النفاق، والمنافقون:

﴿ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾

[ سورة النساء: 145]

 لأنهم غشوا الناس باستقامتهم الظاهرة، وهم في الحقيقة مع أعداء الدين.
المذيع:
 سبحان الله! لذلك كان لهم هذا الحساب، كلام مهم وكلام جميل جداً، الله يفتح عليكم دكتورنا الكريم، سنتوقف مستمعينا الكرام نحن وإياكم إلى فاصل قصير، ونعود معاً بعد ذلك، ويسعدنا استقبال مشاركاتكم الهاتفية في موضوعنا لليوم عن طاعات وعن ذنوب الخلوات فابقوا بالقرب.
 حياكم الله مستمعينا الكرام، وأهلاً ومرحباً بكم معنا من جديد، وعلى الهواء مباشرةً مع فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، وحديثنا تحت عنوان مستمعينا الكرام الخلوات، نتحدث عن طاعات وعن ذنوب الخلوات.
 شيخنا الكريم مرحباً بفضيلتكم، نلخص لمن انضم إلينا من المستمعين الأفاضل بأن الخلوات هي مقياس لصدق الإنسان، فإذا كان صادقاً، فصدق مع الله في الخلوات التي لا يراه بها أحد من الناس، فلا مصالح دنيوية، وإن كان ديدنه ومنهجه الدائم أن يكون إنساناً منافقاً في الخلوات، دائم المعصية، فهو يبيع دينه ليشتري مكاسب الدنيا يرائي الناس بذلك، أما المؤمن الذي يقع بالذنوب في بعض الخلوات فيستغفر ويتوب.

 

للمؤمن مكانة كبيرة عند الله :

الدكتور راتب :
 نعم.
المذيع:
 جزاكم الله خيراً.
الدكتور راتب :
 من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله.
المذيع:
 شيخنا الكريم أنتقل مع فضيلتك إلى قضية في أحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام:

(( البِرُّ حُسْنُ الْخُلُق والإثمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهتَ أَن يَطَّلِعَ عليه النَّاسُ))

[ أخرجه مسلم والترمذي]

 كيف يمكن أن يكون هذا المقياس للإثم أو للحرام؟
الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحقيقة أن الإنسان بطابعه الاجتماعي يبحث عن مكانته، وعن كرامته، وعن تألقه، هذا شيء طبيعي، لكن إن لم يكن له ورعٌ يصده عن معصية الله إذا خلا سقط من عين الله، وأن يسقط الإنسان من السماء إلى الأرض فتنحطم أضلاعه أهون بكثير من أن يسقط من عين الله، المؤمن له مكانة عند الله.

(( رب أشعث أغبر ذي طمرين مصفح عن أبواب الناس لو أقسم على الله لأبره ))

[الطبراني في المعجم الأوسط]

 فالبطولة، والذكاء، والنجاح، والفلاح، والتفوق أن تكون لك عند الله مكانة، والله معك دائماً.

﴿ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ َ﴾

[ سورة الحديد: 4]

الحجاب أكبر عقاب يناله من ألف الصلة بالله :

 معك في بيتك، في خلوتك، مع أهلك، مع أولادك، في متجرك، لو أن إنساناً متع عينيه بامرأةٍ لا تحل له، حُجب عن الله، وأكبر عقاب يناله الذي ألف الصلة بالله الحجاب.

﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾

[ سورة المطففين:15]

 الحجاب عن الله أكبر عقاب منه
والحقيقة الدقيقة والخطيرة: أنك بمجرد أن تعصي الله شئت أم أبيت، أحببت أم كرهت، كان حجابٌ بينك وبين الله، هذا الحجاب سماكته بقدر المعصية، خفيفة التوبة سريعة منها، أكبر أصعب، فلذلك التائب حبيب الله، لكن التوبة من الذنب للمرة الثانية تحتاج إلى جهد هذه أهون توبة أول توبة.

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾

[ سورة الزمر: 53]

 بل:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾

[ سورة البقرة: 222]

 لكن الذنب وقع، الله واسع المغفرة.

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الزمر: 53]

 إلا أن الذنب نفسه إذا أُعيد مرة ثانية، تضعف الهمةُ في التوبة منه، أنا أقترح مع هذه الحالة أن تدعمه بصدقة، أول توبة سهلة جداً، الثانية تحتاج إلى دعم بصدقة.
المذيع:
 صدقة المقصود بها دكتور، صدقة مالية أم العمل الصالح بالعموم؟
الدكتور راتب :
 بشكل عام.
المذيع:
 بالعمل الصالح.

 

ترك العمل الصالح خوف النفاق هو النفاق نفسه :

الدكتور راتب :
 واسعة.
المذيع:
 سيدنا في الحديث أنه:

(( الإثمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهتَ أَن يَطَّلِعَ عليه النَّاسُ ))

[مسلم والترمذي]

 هل مخافة الإنسان أن يطلع الآخرون على أخطائه علامة إيمان أم علامة نفاق؟
الدكتور راتب :
 الحقيقة الدقيقة أن الحساب من قبل الله على العمل فقط، الخواطر لا تحاسب عليها، لكن الإنسان إذا أطلق لها العنان، قد تنقلب إلى عمل، إذ كان خاطراً سيئاً يجب أن يستعيذ بالله منه.
المذيع:
 لكن سيدنا هذا الميزان، هل يدل على إيمانٍ أم نفاق؟ مثلاً أنا إذا أردت أن أقوم بعمل، وقلت: لا أحب أن يراني الناس على هذا الحال، فامتنعت عنه.
الدكتور راتب :
 هذا نفاق أيضاً، ترك العمل الصالح خوف النفاق هو النفاق نفسه.
المذيع:
 في حالة العمل الصالح.
الدكتور راتب :
 في العمل الصالح أنا لا يجب أن أخدم الناس حتى لا يظنوني أني أستجدي مديحهم هذا غلط.
المذيع:
 كمن يمتنع عن الصدقة.

 

العمل الصالح لله وهو يُحاسِب عليه :

الدكتور راتب :
 ترك العمل الصالح خوف الرياء هو من الرياء.
المذيع:
 لو كنت أنا في مسجد دكتور، وخشعت في الصلاة وبكيت بين جموع المصلين.
الدكتور راتب :
 لا مانع، لا غير الخشوع في الصلاة، أعنت الفقراء، مدحوك الناس لا يوجد مانع، شيء طبيعي، الناس يحبون الإحسان، أنت خدمت الأمة.
المذيع:
 فإذا امتنع هذا المحسن عن إحسانه خوفاً من تلقي مدح الناس، وظناً أنه يحافظ على إخلاصه، وقع بالرياء.
الدكتور راتب :
 هذا من النفاق، أو من الرياء. وقع بالرياء دون أن ينتبه.
الدكتور راتب :
 ترك العمل الصالح خوف الرياء من الرياء.
المذيع:
 إذاً دكتور العمل لله، أطلع الناس أو لم يطلعوا لا قيمة لذلك.
الدكتور راتب :
 في كلام دقيق:

﴿ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي ﴾

[ سورة الأنعام: 91]

 لا تعبأ بكلامهم.
المذيع:
 سواءٌ مدح أو ذم.

 

المؤمن إذا عرف الله لا يزيده في عمله مدح الناس ولا يحبطه ذمهم :

الدكتور راتب :
 لا يهمك.
المذيع:
 نحن في العادة نخشى الذم حتى المدح هنا، جميل هذا التوضيح.
الدكتور راتب :
 والله المؤمن إذا عرف الله عز وجل لا يزيده في عمله مدح الناس، ولا يحبطه ذمهم.
المذيع:
 شيخنا الكريم؛ في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام:

(( من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل))

[ أحرجه ابن أبي شيبة]

 دعينا إلى الأعمال الخبيئة، ألا وهي الأعمال التي يخبئها الإنسان عن الناس.
الدكتور راتب :
 أنت عندما، في كلام دقيق جداً هنا:

﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ ﴾

[ سورة البقرة: 271 ]

 أيضاً يوجد أجر، مثلاً عندنا تبرع لإنشاء مستشفى، أذكر تماماً إنساناً قال: أنا سأدفع مئة ألف، من يجارونه في المال قدموا مئة، لم يعد باستطاعته أن يقدم خمسة وعشرين، إبداء العمل الصالح بعمل عام، بمشروع خيري، بثانوية شرعية.
المذيع:
 يصبح هناك تنافس.

 

علامة الإخلاص أن يكون لك مع الله ساعة مناجاة :

الدكتور راتب :
 فيه تنافس، أذكر مرة بلقاء من أغنياء بلد معينة، جمعوا ستين مليوناً، المرة الثانية لغوا الإعلان فجمعوا مليونين فقط، عندما يكون هناك منافسة، ماذا قال ربنا:

﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾

[ سورة المطففين: 26]

 أنت تاجر، لك حجم مالي، زميلك تاجر مثلك دفع مئة ألف، لن يكون باستطاعتك أن تدفع خمسة وعشرين ألفاً، فإذا كان عمل صالح، مؤسسة خيرية، معهد شرعي، جمعية خيرية، ينبغي أن نعلن هذا الرقم، هذا الإعلان يعمل تنافساً إيجابياً، والآية تقول:

﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾

[ سورة المطففين: 26]

 لكن لو كان العمل موجه لإنسان فقير، كلما أخفيت هذا العمل لك أجر عند الله، حفظت له كرامته.
المذيع:
 ماذا دكتور عن الأعمال الخبيئة، هل على المسلم أن يكون له خبيئة، أعمال بالسر لا يطلع الناس عليها؟
الدكتور راتب :
 مناجاة الله علامة الإخلاص
علامة الإخلاص لك مع الله جلسة، لك مع الله خبيئة، لك مع الله ساعة تأمل، ساعة مناجاة، ساعة تقرب، ساعة قرآن، هذه الحالات تؤكد إيمانك، عندما لا يراك أحد، لا ترجو ولا تخشى، لا ترجو مديحاً، ولا تخشى لوماً، ببيتك أنت، قرأت قرآن الصبح ناجيت الله عز وجل، تبت إليه، استغفرته، رجوته يا رب احرسني بعينك التي لا تضام، هذه المناجاة مع الله تمكن لك إيمانك، تمكن لك إخلاصك، تمكن لك توحيدك، تمكن لك معرفتك، أما القصة كلها مادام يوجد ذنب، الذنب حجاب، هناك مال حرام مثلاً.
 وأنا أضرب مثلاً بسيطاً: لو بائع أقمشة جاءت امرأةٌ وضيئة، ملأ عينيه من محاسنها، بل وتغزل بها، أذن الظهر، يذهب ويتوضأ، ويقف، ويقول: الله أكبر، لكن حينما ملأ عينيه من محاسنها، ولم يغض بصره عنها، أنشأ حجاباً بينه وبين الله، هذه هي البطولة في الإنسان، إذا كان عندهم حساسية بالغة، عندما يعمل معصية، أو مخالفة، ينشأ حجاب بينه وبين الله، أما المؤمن مستقيم، لا يمكن أن يعصيه عن عمد، عن خطأ.

(( يتجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ))

[ابن ماجه والطبراني وابن حبان عن عبد الله بن عباس]

 مادام هو على صلة مع الله، معه بالتعبير المعاصر؛ خط ساخن مع الله، يستطيع أن يناجيه في الليل، يخاطبه، يا رب ليس لي سواك، يا رب احفظ لي أهلي وأولادي، احفظ لي من حولي، يا رب ألهم زوجتي الصواب، ألهم من أعمل معه أن يكون ليناً معي، أطلب منه.
المذيع:
 سبحان الله! إذاً شيخنا الكريم؛ الإنسان هو دائماً.

 

المؤمن في حفظ الله دائماً :

الدكتور راتب :
 عفواً، أنت لمجرد أن تدعو الله، أصلاً آمنت بوجوده، آمنت بعلمه إن لم تتكلم، دعوته في سرك، آمنت بسمعه إن تكلمت، آمنت بقدرته، آمنت بمحبته لك، آمنت برحمته سبعة شروط تنتج عن الدعاء.
المذيع:
 نحن لا نحللها بهذه الطريقة؟
الدكتور راتب :
 نعم.
المذيع:
 سبحان الله! شيخنا إذاً الإنسان مع الله، هنالك عبادات كالصلاة إذا استطاع أن يؤديها جماعةً بين المسلمين، والزكاة، والحج وما شابه.
الدكتور راتب :
 لكن دقيقة.

(( من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي ))

[رواه أحمد]

 كأنك من الفجر حتى المغرب في حفظ الله، في رحمة الله، في دعم الله، في توفيق الله، ومن العشاء إلى الصبح أيضاً:

(( من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح ))

[ رواه أحمد]

 فأنت ضمنت أربعاً وعشرين ساعة بحفظ الله، وتوفيقه، ورحمته، ودعمه لك.
المذيع:
 سبحان الله! الله يفتح عليكم يا دكتور، إذاً دكتور الإنسان مع ربنا في العبادات وطبيعة بعض العبادات كالحج تحتاج أن تشارك الناس علناً، وبعض العبادات من الجميل أن يكون للإنسان فيها سر كالصيام، ويحاول أن يزيد في بعض السنن كقراءة القرآن، أو الدعاء، أو بعض الأعمال الصالحة في مساعدة الفقراء دون أن يراه أحد، لكن دون أن يصل مرحلة الوسوسة، فيمتنع عن العمل الصالح خوفاً من مدحهم فيقع في الرياء دون أن يدري.

 

دعاء العام ودعاء الخاص :

الدكتور راتب :
 نعم، إلا أنه بالحج في عرفات، يوجد دعاء جماعي، لكن أنت لك مع الله حالات خاصة، أنا أتمنى على الأخوة في أيام الحج بعرفات، أن ينزوي في مكان يناجي ربه بحاجاته الخاصة وأموره الخاصة مع أهله، مع أولاده، في عمله، في صحته، لك خصوصيات، دائماً الدعاء العام لا يشمل كل شيء، فأنا أحاول أن أجمع بين دعاء العام مقبول، ودعاء الخاص.
المذيع:
 خاصة أنه يوم طويل.
الدكتور راتب :
 وكأن الدعاء الخاص أبلغ.
المذيع:
 سبحان الله، يتفرغ فيه الإنسان.
الدكتور راتب :
 لك حاجة معينة أنت.
المذيع:
 جميل، كما قلنا دكتور: من استطاع منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل، إضافة لهذه العبادات دكتور، يسعى الإنسان أحياناً إلى أن يكون هنالك سر يحافظ على إخلاصه بينه وبين ربنا، مثلاً كأن يتكفل إنساناً بالمال ولا يعلم من هو المتكفل له، هذا دعا له الدين شيخنا الكريم؟
الدكتور راتب :
 طبعاً.
المذيع:
 مثل هذه التفاصيل.

أي عمل نفعله يعلمه الله :

الدكتور راتب :
 هنا لا أحد يستطيع أن يتوهم نفاقاً بالعمل هذا، ما دام أخفاه، لأنه هو يعلم يقيناً، عفواً للتقريب: أنت لك صديق حقق نجاحاً في الحياة، فيجب أن تزوره مهنئاً، ومعك هدية، وهذا الموعد فيه حوالي عشرين شخصاً، والجميع أحضروا هدايا، ماذا تفعل؟ دون أن تشعر تضع بطاقة: الهدية مني.
المذيع:
 نعم تمام.
الدكتور راتب :
 فأي إنسان يقدم هدية يخاف ألا يعرف من قدمها له، ممن هي جاءت، يضع بطاقة، أحياناً بطاقة داخلية، لا مشكلة، أي عمل نفعله يعلمه الله.

﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة البقرة: 273 ]

 هناك آية:

﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾

[ سورة سبأ: 39 ]

 واحد يعلمه، والثاني يخلفه، لم يعد لديك حجة، هذا العمل الصالح لو ما قلته لإنسان، الله علم به.
المذيع:
 ويخلفك.

 

المحسن محبوب بين الناس :

الدكتور راتب :
 ويعوض عليك أضعافاً مضاعفة.

المحسن محترم ومحبوب بين الناس

﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة البقرة: 273 ]

 مرة ثانية:

﴿ يُخْلِفُهُ ﴾

[ سورة سبأ: 39 ]

المذيع:
 جميل! إذاً دكتور هل ممكن أن نصل إلى خلاصة بأن الإنسان عليه أن يسير ما استطاع بالأعمال دون أن يراه أحد من الناس، فذلك يعني أكثر قرباً لإخلاصه، لكن إذا رآه الناس لا يهتم، ولا يمتنع عن العمل الصالح خوفاً من مدحه، فذاك سقوطٌ دون أن يدري في الرياء، عدا ذلك هو مع الله، في سره وفي علنه.
الدكتور راتب :
 بشكل عام، يوجد عند الناس حاجات عامة، المحسن محبوب محترم، فالناس أحبوك لإحسانك، هل هذا غلط؟
المذيع:
 لكن أنا لم أتعمد أن أظهر لهم أنني محسن دكتور.
الدكتور راتب :
 أنت لا تقصد هذا إطلاقاً، إذا جاءك مديح من عمل طيب، أحياناً يضطر الإنسان أن يدفع لثانوية شرعية مبلغاً ضخماً، فيثنى عليه كثيراً، لكنه أراد وجه الله بذلك.
المذيع:
 مدح الناس له شيء طيب.
الدكتور راتب :
 طبيعي جداً.
المذيع:
 لكن هو يحاول ألا يُعرَف، هذا الأصل دكتور، صحيح؟

 

معنى النفاق وجزاء المنافق :

الدكتور راتب :
 أجل لكن هو أحياناً بالأعمال العامة يعرف من أجل التنافس، هو ماذا قال:

﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾

[ سورة المطففين: 26]

المذيع:
 الله يجزيكم الخير سيدنا للتوضيح، نستأذن فضيلتكم.
الدكتور راتب :
 في إحدى المرات تم جمع مبلغ ستين مليوناً في جلسة لأعمال صالحة، لمشروع خيري، وفي سنة أخرى اعتمدوا الرأي الآخر أن تكون الجلسة بدون إعلان، فجمعوا ستة ملايين.
المذيع:
 قَلَّ المتبرعون، لا حول ولا قوة إلا بالله.
 نستأذن فضيلتكم شيخنا الكريم، مستمعينا الكرام أن نقف إلى فاصل قصير، فابقوا بالقرب.
 موضوعنا عن الخلوات، عن الذنوب، وعن الطاعات، شيخنا الكريم قبل الفاصل حضرتكم وضحتم بأن الإنسان إذا كان يتعمد أن يطيع الله بين الناس، وأن يعصيه في الخلوات فذاك هو النفاق، وهؤلاء لهم الدرك الأسفل في جهنم، لأنهم حاولوا أن يقطفوا احترام الناس للمتدين، والحرية التي يتلقاها الكافر.
الدكتور راتب :
 يتفلتون من منهج الله.
المذيع:
 فسقطوا من عين الله، أما المؤمن الذي يطيع الله في علانيته وسره، إن وقع في خلواته فتاب وأصلح غفر الله له.

 

صدقة السّر دليل إخلاص المؤمن :

الدكتور راتب :
 لا يوجد مشكلة، نعم.
المذيع:
 وإلا كان الحجاب الذي يحجبه عن الله، وهذا الحجاب سمكه بسمك المعصية، ولا يزال إلا بالتوبة، الله يجزيك الخير للتوضيح.
 الآن شيخنا الكريم، في موضوع الأعمال الصالحة، والطاعات في السر، تفضلتم وقلتم: هناك أعمال كبعض الصدقات التنافسية، من الأفضل أن تكون علناً، وربنا يعلم ما في القلوب، لكن هذا لا يعني.
الدكتور راتب :
 والدليل:

﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ ﴾

[ سورة البقرة: 271 ]

المذيع:
 نعم، لكن هذا لا يعني أن الإنسان لا يسعى أن يكون له خبيئة، أي عمل سر، لا يعلمه أحد من الناس إلا الله.
الدكتور راتب :
 هذا دليل إخلاصه.
المذيع:
 في الحديث أيضاً دكتور عن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم:

((صدقة السر تطفئ غضب الرب ))

[الطبراني عن معاوية بن حيدة ]

 لِمَ صدقة السر تحديداً دكتور؟

 

الخلوة مع الله :

الدكتور راتب :
 لأنه أراد بها مرضاة الله عز وجل، لا إنسان يثني عليك، ولا إعلام يجعلك نجماً، كل المرغبات في العمل الصالح هنا اختفت، بينه وبين الله.
المذيع:
 شيخنا، في حديث:

((سَبْعَة يظِلُّهمُ الله في ظِلِّهِ يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه))

[البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ومالك عن أبي هريرة]

 منهم:

(( ورجل ذَكَرَ الله خاليا ففاضت عيناه ))

[البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ومالك عن أبي هريرة]

 هل المقصود بكلمة خالياً أي لا يوجد معه أحد من الناس، أم معناه أن القلب خالٍ؟
الدكتور راتب :
 أن يكون هناك ذكر جماعي، وبأنغام جميلة، وأصوات رائعة، أصبح نوعاً من الطرب، أما المناجاة مع الله في الليل لا أصوات، ولا طرب، ولا أي شيء، فقط صلة بالله.
المذيع:
 شيخنا، لنفترض أنا كنت في مسجد، والإمام كان يرتل من آيات كتاب الله فرق قلبي وفاضت عيناي، هل يشملني هذا الحديث؟
الدكتور راتب :
 طبعاً.
المذيع:

(( ورجل ذَكَرَ الله خالياً ))

[البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ومالك عن أبي هريرة]

الدكتور راتب :
 أبداً، فليس معنى خالياً؛ أن يغلب على الخلوة، أنك مع الله وحدك.
المذيع:
 في قلبك.

 

البكاء في الصلاة حالة نفسية متألقة جداً :

الدكتور راتب :
 أما لو فرضنا شخص بكى أمام الناس، ما المانع، بعض الصحابة كانوا يبكون أياماً، البكاء هو انفعال عالٍ جداً، البكاء في الصلاة هي حالة نفسية متألقة جداً.
المذيع:
 سيدنا، من كان.
الدكتور راتب :
 والله قال:

﴿ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ﴾

[ سورة الإسراء: 109 ]

المذيع:
 نعم، في مطلع الحلقة دكتور، أخذنا الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، عن الأشخاص الذين تكون أعمالهم الصالحة كجبال تهامة، لكنهم أعمالهم يوم القيامة:

(( هباء منثوراً ))

 لأنهم:

(( أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))

[ابن ماجه عن ثوبان بن بجدد]

العبادات من دون استقامة لا وزن لها :

الدكتور راتب :

(( يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثورا، قيل يا رسول الله جلهم لنا، قال: إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))

 الصلاة انتهت، أُكمل.

(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ))

[البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة ]

 انتهى الصيام.

﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 53]

 راحت الزكاة.

(( من حج بمال حرام ووضع رجله في الركاب وقال: لبيك الله لبيك، ينادى أن لا لبيك ولا سعديك، وحجك مردود عليك ))

 انتهى الحج، بقي الشهادة.

(( من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل وما حقها، قال: أن تحجبه عن محارم الله ))

 الخمس عبادات من دون استقامة لا وزن لها، ولا جدوى، الخمس عبادات ذكرتها واحدة واحدة، من دون استقامة.
المذيع:
 تصبح:

(( هباء منثوراً ))

العبادة التعاملية هي التي تثمن العبادة الشعائرية :

الدكتور راتب :
 لذلك العبادة التعاملية هي التي تثمن العبادة الشعائرية.
المذيع:
 المنافق يضع نفسه في متاهة
شيخنا الحبيب، إذا كان أحد الأشخاص يقع في هذه الذنوب، ألا وهي ذنوب الخلوات، إذا كان بين الناس، وبين أصحابه، وأموره تمام، إذا ما خلى بنفسه أحياناً قد يقع وسأزيد أنا تحديداً شيخنا اليوم في ذنوب مرتبطة بالإنترنت، للمشاهدات على جهاز الهاتف، على جهاز الكمبيوتر، تفتح آفاقاً لم يكن ذلك متاحاً في الماضي، إذا كان أحد الأشخاص يقع في ذلك دكتور، كيف ينقذ نفسه من هذا الجانب؟
الدكتور راتب :
 يجب أن يتوب، والحقيقة التوبة النصوح، أولاً الندم، ثانياً الإقلاع، ثالثاً العزم، ندم، إقلاع عزم.
المذيع:
 لنشرحها دكتور؟
الدكتور راتب :
 مثلاً شخص وجد نفسه في متاهة، ليست هذه مكانته، ولا هذه تصوراته، أعمال إباحية حقيرة جداً، تسبب له بعداً عن الله عز وجل، وتجعله منافقاً، أنه أمام الناس سبحان الله! أمام الناس هل يوجد هكذا ورع ظاهري، وبينه وبين نفسه توجد معاصي.
المذيع:
 أمام الناس لا يشاهدها، وفي خلواته قد يتابعها.
الدكتور راتب :
 هو فقد الثقة بنفسه، فقد مصداقيته مع الله، فقد الإخلاص، فقد التوحيد.
المذيع:
 ماذا يفعل دكتور حتى يعود؟
الدكتور راتب :
 يتوب.
المذيع:
 إذاً قلت شيخنا: الندم.

المؤمن ما لم يتمتع بإرادة قوية لا أمل له أن يترقى عند الله :

الدكتور راتب :
 عليه أن يندم.
المذيع:
 عليه أن يقر بأن هذه المشاهدات خطأ.
الدكتور راتب :
 وأن يقلع، وأن يعزم على ألا يعود.
المذيع:
 إذاً يقر بذنبه فيندم، ويحاول أن يوقف هذا الشيء.
الدكتور راتب :
 ويقلع، ويعزم على ألا يعود في المستقبل.
المذيع:
 هل جزء من العزم دكتور، أن يحاول أن يجفف منابع الوصول إلى الحرام، أم أنها فقط قضية نفسية؟
الدكتور راتب :
 عفواً أنا أتمنى أن أتكلم كلاماً واقعياً، ما لم تضبط الشاشة في البيت، أو الهاتف، أو الآيباد، ستصبح المشكلة كبيرة جداً، ما يراه هذا الشاب بعد عشرين سنة، يراه الآن وليس عنده إمكانية أن يلبيه وفق الشرع، ماذا يفعل؟ سيقع بانحرافات خطيرة، الأجهزة الحديثة سيدي هي سلاح ذو حدين، أحياناً تسمع عن محاضرة مؤثرة جداً في أمريكا، تشاهدها مباشرةً بالآيباد كما أنه من الآيباد يمكن أن تحضر كل المحاضرات في الأرض وتتابعها، بنفس الشيء، كل المعاصي والآثام تجدها في الآيباد، فالقضية بحاجة إلى إرادة قوية، والمؤمن ما لم يتمتع بإرادة قوية لا أمل له أبداً أن يترقى عند الله.
المذيع:
 في ذات الحديث عن أولئك الأشخاص الذين:

(( إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))

 كيف نفهم هذا الحديث في ظل حديثٍ آخر دكتور، حينما قال النبي عليه الصلاة والسلام:

(( كل أمتي معافى إِلا المجاهرون، وإن من المجاهرة - وفي أخرى وإن من الإجهار - أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يُصبح وقد ستره الله . فيقول: يا فلان، عَمِلْتُ البارحة كذا وكذا))

[البخاري، ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه]

تجنب الذنوب كلها في السر والعلن :

الدكتور راتب :
 هذا اسمه فاجر، الآن دخلنا في موضوع ثانٍ.
المذيع:
 أنت مأمور أن تتجنب الذنوب
كأن الحديث الثاني يحثنا على ألا نعلن المعصية دكتور.
الدكتور راتب :
 الإنسان عندما يغلط بينه وبين الله ويتوب حالة جيدة، هي غلط لكنها جيدة مادام تاب، مادام ندم، الندم توبة، أقلع، عزم، أما أن يتبجح أمام الناس فعلت كذا وكذا، هذا أصبح فجوراً، الفجور يستحق عشرة أضعاف العقاب.
المذيع:
 دكتورنا، البعض سيفهم الحديث الأول أنه يدعوك إلى تجنب ذنوب الخلوات، والحديث الآخر يدعوك إلى تجنب الذنوب في العلن.
الدكتور راتب :
 أنت مأمور أن تتجنب الذنوب كلها، بالخلوات والفلوات، لكن عندما تتجنبها بالخلوات هذه علامة إيمان عالية جداً، أما تتجنبها أمام الناس أصبحت نوعاً من النفاق.
المذيع:
 لكن من يجاهر بها أيضاً دكتور مشكلة.
الدكتور راتب :
 الآن تضاعفت المشكلة، إنسان فرضاً زلت قدمه بمعصية، اليوم الثاني يقول لرفاقه ماذا فعل البارحة؟!
المذيع:
 يشجعهم على المعصية.

الفجور مرتبة أسوأ من المعصية :

الدكتور راتب :
 أعوذ بالله، هذا اسمه الفجور، الفجور مرتبة أسوأ من المعصية، العاصي استتر استحى بمعصيته، أقرب إلى الله من الفاجر، الفاجر تباهى بذلك.
المذيع:
 إذاً دكتور من يفعل المعصية ويباهي بها ذاك الفجور، من يفعل المعصية بالسر ويداوم على ذلك ذاك النفاق، على الإنسان أن يحاول ما استطاع أن يتجنبها فإن وقع تاب وأصلح.
الدكتور راتب :
 سيدي ما لم تعقد العزم على طاعة الله إلا حينما لا تستطيع، تغلبك شهوتك، الله عز وجل غفور رحيم، تتوب.
المذيع:
 ونعم بالله، ما الذي يعين الإنسان دكتور نوعاً ما ليحاول أن يكون من أهل الطاعات؟
الدكتور راتب :
 يحتاج إلى حاضنة إيمانية.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 119]

 النقلة الإيجابية تكون أفضل عندما تكون تدريجية
أنت بحاجة إلى صديق مؤمن، إلى سهرة مع مؤمنين، إلى نزهة مع مؤمنين، سفر مع مؤمنين، هناك ضوابط، بشكل أو بآخر أنت أمام لعبة اسمها شد الحبل، بأي مجتمع، سهرة، لقاء، سيران، نزهة، سفرة، إذا سحبوك إلى معصية، أو إلى إهمال الصلاة، دعهم انسحب بانتظام، أما إذا استطعت أن تشدهم إلى طاعة الله ابقَ معهم، أنا مؤمن بطريقة أو بأخرى، أنا ضد النقلة العمودية، النقلة الإيجابية بالمائل، والسلبية بالمائل، اترك تدريجياً، واعمل أعمالاً صالحة بالتدريج، أنفق كل ماله في ساعة هذا تألق عاطفي مع الله، بقي بلا طعام وشراب، ينتكس معه لذلك قالوا: أحبب حبيبك هوناً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، أي بالتدريج. آية قرآنية:

﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾

[ سورة النساء: 43]

 آية منسوخة، لماذا بقيت؟ هناك منسوخات حذفت، هذه ليعلم الدعاة أن يتدرجوا مع من يدعونهم بالتسلسل، إنسان ارتكب خمسين معصية تكلم معه عن اثنتين في بادئ الأمر، ضبطهم اثنتين أخر، بالتدرج، الطفرة مرفوضة، والتدرج مرفوض.
المذيع:
 إذاً ما أهم ما يعين الإنسان دكتور للتخلص من الذنوب؟

 

ما يعين الإنسان على التخلص من الذنوب أن يكون مع المؤمنين :

الدكتور راتب :
 أن يكون مع المؤمنين.

﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 119]

 آية أبلغ:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

[ سورة الكهف: 28]

المذيع:
 ونعم بالله رب العالمين، الله يفتح عليكم يا دكتور لهذا الكلام الطيب، وهذا الكلام الجميل، ودائماً تشير حضرتكم إلى أهمية الإنسان للخالق، فإذا ما عرف الله فتأدب بين يدي الله سبحانه وتعالى.
الدكتور راتب :

(( ابن آدم اطلبنِ تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ حديث قدسي ]

المذيع:
 نسأل الله أن يصلح أحوالنا في السر والعلن.
 نختم هذه الحلقة بالدعاء ونسأل الله تعالى القبول.

 

الدعاء :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسينا ذكرك، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، ارضنا وارضَ عنا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور