- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠3برنامج حياة المسلم 3
مقدمة :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
المذيع:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله مستمعينا الكرام أينما كنتم، نرحب بفضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله شيخنا وأستاذنا.
الدكتور راتب:
بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
الله يحفظكم يا رب، عنوان حلقتنا لهذا اليوم: لا يخافون ولا يحزنون، ننطلق بهذا القول من قوله سبحانه وتعالى:
﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
شيخنا الفاضل هذه الآية الكريمة تكررت اكثر من عشر مرات في كتاب الله سبحانه وتعالى.
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾
﴿ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾
في كثيرٍ من الآيات الكريمة تكررت، فارتبطت بهذا المعنى، نريد بدايةً أن نفسرها، ماذا يعني أنه لا يخاف ولا يحزن؟
الآية التالية غطت الزمن كله :
الدكتور راتب:
هذه الآية التي تكررت كما تفضلت وذكرت، تعني حقيقةً دقيقةً، الزمن كله.
﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾
في المستقبل.
﴿ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
في الماضي، يعني الآن أمامك المستقبل، وراءك الماضي، فهذه الآية غطت الزمنين معاً.
﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾
في المستقبل، لا يوجد قلق، لا يوجد خطر مفاجئ، لا يوجد مصاب كبير مفاجئ، لا يوجد زلزال مفاجئ.
﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
من صفات الصديق الكريم، هذا أول صحابي بلغ مرتبة الصديقية، هذه المرتبة قبل النبوة، قال: ما ندم على شيء فاته من الدنيا قط.
المذيع:
لماذا دكتور؟
كل شيء وقع أراده الله :
الدكتور راتب:
لأنه وصل إلى الله.
(( ابن آدم اطلبنِي تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء ))
إذا وصلت إلى الله وصلت إلى كل شيء، يا ربي ماذا وجد من فقدك؟ وماذا فقد من وجدك؟
المذيع:
ما الفرق دكتور بين المعنيين، فلا خوف، ولا يحزنون، ما الفرق بين الخوف والحزن هنا؟
الدكتور راتب:
الحقيقة أن الخوف توقع شيء مجهول، الحزن على شيء أصبح واضحاً، الخوف فيه شمول، شيء مجهول، فمن الممكن للإنسان أن يصاب بفالج، شلل رباعي، بفقر، يموت على فراشه، يموت قتلاً، المستقبل مجهول، هذا هو الغيب، الله عز وجل.
المذيع:
فالخوف للمستقبل دكتور؟
الدكتور راتب:
للمستقبل، والحزن على الماضي، أن وظيفة فاتته، يبقى كل حياته متألماً، ما دام الله عز وجل لم يسمح لك فيها فهذه هي الحكمة، عندنا قاعدة توحيدية مذهلة، يفهم بها مليون موضوع، كل شيءٍ، شيء لا يوجد كلمة أعم منها، شيء مادي، معنوي، كبير، صغير، قريب بعيد، خطير، مريح، كل شيءٍ وقع بالخمس قارات من آدم إلى يوم القيامة، كل شيءٍ وقع أراده الله، أراده لا تعني أنه أمر به، أبداً، ولا تعني أنه رضيه، لكن سمح به، هناك فرق دقيق.
أب طبيب وضعه المادي جيد جداً، تزوج فتاةً يحبها، لم ينجب عشر سنوات، الولد أساسي بالعلاقة الزوجية، ثم رزق بولد آية في الجمال، تعلق به تعلقاً مذهلاً، تمام؟ هذا الابن حينما يصاب بمرض معين، كالتهاب معدة حاد، الأب الولهان بابنه، المحب، الغارق في محبته، يسمح بتخديره في المستشفى، وشق بطنه، واستئصال الزائدة.
كل شيء وقع بالخمس قارات من آدم ليوم القيامة أراده الله، لا تعني أنه أمر به ولا تعني أنه رضيه، ولكن تعني أنه لا بد منه.
المذيع:
سبحان الله، سمح بوقوعه.
الثقة بالله هي الإيمان :
الدكتور راتب:
كل شيء أراده وقع، معكوسة، وإرادة الله متعلقةٌ بالحكمة المطلقة، ما معنى حكمة مطلقة؟
أن الذي وقع، لو لم يقع، لكن الله ملوماً، وأن الذي وقع لو لم يقع، لكن نقصاً في حكمة الله، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، في الكون لا يوجد شر مطلق، لماذا؟ لأنه يتناقض مع وجود الله، هناك أشياء أخي الكريم، تتناقض مع عدله، وأشياء تتناقض مع وجوده، وأشياء خلاف العدل، لا ترضاها أن تكون من الله، لكن هناك أشياء أن تعبده، وأن تفني نفسك في محبته، ثم لا تكون في الجنة؟ هذا شيء يتناقض مع وجوده، من أجل أن يكون يقينك بعطاء الله يقين قطعي، يقين مليون في المئة.
لذلك الثقة بالله هي الإيمان، أن تثق بالله وإن لم تجد تفسيراً لما أصابك، لك ثقة برحمة الله.
المذيع:
إذاً دكتورنا الكريم أولئك القوم الذين:
﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
هم الذين يكسبون الماضي والحاضر.
الدكتور راتب:
معاً.
المذيع:
معاً، هل هذا يشمل أيضاً دكتور أنهم يكسبون الدنيا والآخرة؟
انعدام الشر المطلق في الكون لأنه يتناقض مع وجود الله :
الدكتور راتب:
طبعاً، هذه الدنيا والآخرة فرق زمني، أما الله رب الدنيا ورب الآخرة، فإذا كلن للإنسان في الدنيا ثقة بالله، هناك حالة اسمها التفويض، وزع الله الحظوظ، الفكرة دقيقة، المال حظ، الوسامة حظ، الذكاء حظ، القوة حظ، معك قوة، الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، أنت ممتحن بالمال، أنت ممتحن بالقوة، أنت ممتحن بالوسامة، أنت ممتحن بالصحة، الحظوظ هي عطاءات الدنيا، ليست عطاءً بل هي امتحان، السلبيات أيضاً فيها حكمة بالغة، الفقر، المرض، القهر، القلق، مثلاً أسرة فيها مشكلة كبيرة، والمصائب مصائب مأخوذة من أصاب، مثلاً هناك مرض نفسي، جاءت مصيبة عالجت هذا المصاب.
﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾
لذلك قيل: ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة. على مستوى كبير، على مستوى حرب، على مستوى كبير جداً، لأن الإله العظيم غني عن تعذيبنا، غني عن إفقارنا، غني عن إذلالنا، هناك إفقار، وهناك إذلال، وهناك مرض، وهناك قلق، كل شيء وقع أراده الله، سمح به لحكمة بالغةٍ بالغة، وكل شيءٍ أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقةٌ بالحكمة المطلقة.
مرة ثانية للأخوة الكرام: الذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً، والذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله، والإرادة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، شر مطلق في الكون لا يوجد لأنه يتناقض مع وجود الله.
المذيع:
بارك الله بكم يا دكتور، شيخنا سنقف إلى فاصل، من بعد الفاصل هنالك عدة تساؤلات، لماذا تكررت هذه الآية الكريمة لأكثر من عشر مرات في كتاب الله، في سورة البقرة وحدها قد تكررت خمس مرات، ما هي الفكرة من ذلك؟ واتبعت بكثيرٍ من الصفات، وهو محسن.
﴿ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾
من أنفقوا:
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ ﴾
نريد أن نتوسع أكثر بأصحاب هذه الصفات، بعد الفاصل دكتورنا الكريم، ومعكم مستمعينا الكرام، نواصل برنامجنا مع الدكتور محمد راتب النابلسي، عبر حياة fm مباشرةً فابقوا بالقرب.
مع فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي متواصلين نحن وإياكم مستمعينا، تفضل يا دكتور.
تساوي المحسن مع المسيء يتناقض مع وجود الله :
الدكتور راتب:
حقيقةٌ دقيقة: أن يستوي المحسن مع المسيء، والصالح مع الطالح، والخير مع الشرير، والمستقيم مع المنحرف، أن يستوي هؤلاء مع هؤلاء، هذا لا يتناقض مع عدل الله فحسب، بل مع وجوده، كلمة وجوده أبلغ بكثير من كلمة عدله، يجب أن يستوي هؤلاء مع هؤلاء، محسن مسيء، صادق كاذب، مخلص منافق، أن يستوي هؤلاء مع هؤلاء، هذا لا يتناقض مع عدله فحسب، بل يتناقض مع وجوده.
المذيع:
نعم، شيخنا الفاضل فضيلة الدكتور محمد، هذه الآية الكريمة تكررت كثيراً وبنفس الصيغة.
﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
هناك آيات عديدة، هناك صفات عديدة، أولئك الذين يتبعون الهدى، أولئك الذين يعملون الصالحات، أولئك الذين ينفقون، أولئك المحسنون:
﴿ فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾
لماذا هذا التكرار، ما الرسالة التي يفترض أن أفهمها كمسلم؟
التكرار في القرآن له هدفان التأكيد والتنوع :
الدكتور راتب:
الحقيقة أن التكرار في القرآن له هدفان، الأول هو التأكيد، إنسان يقول لابنه: ادرس، ابنه فلذة كبده، مستقبله في الدراسة، هل يقول له فقط مرة وحدة في حياته؟ يقول له كل يوم مئة مرة ادرس، تكرار تأكيد، وهناك تكرار تنوع، يسموه غنى تنوع، لو أخذت الآيات المتكررة في القرآن قد تُدهش، أنه كل مكان هناك معنى فرعي، هناك معنى للكلمة معجمي، ومعنى سياقي، ومعنى سباقي، ومعنى لحاقي.
مثلاً؛ الله عز وجل في موضوع الطلاق، ذكر آية كريمة، هذه الآية سياقها الطلاق، لكن لو سحبتها من سياقها:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
في سياقها:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
في تطليق زوجته يجعل الله له مخرجاً إلى إرجاعها، طلقها طلقة واحدة.
المذيع:
رغم أن استخدام الدعوة لها أكثر، هناك جوانب أخرى.
الدكتور راتب:
طلقها طلقة واحدة، معه ثلاثة أشهر، تسعون يوماً، والثانية تسعين يوماً، والثالثة تسعين يوماً، لو طلق امرأته تطليقاً وفق الشريعة، عنده ألف طريقة لأن يسترجعها.
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
في طلاقه، ثلاث طلقات، بين طلقة وطلقة تسعون يوماً، بين كل طلقة وطلقة، عندك تسعون بتسعين بتسعين، ثلاثة قروء لأنه طلقها، وثلاثة قروء ما مسها، وقعت واحدة، إذا وضع يده على يدها ألغي الطلاق، عندك ثلاثة وثلاثة، الرابعة بينونة كبرى، انتهت.
المذيع:
إذاً هذه الآية جاءت في سياق الطلاق.
على الإنسان أن يُحسن الاختيار :
الدكتور راتب:
في سياق، ومن طلق امرأته وفق منهج الله.
المذيع:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
الدكتور راتب:
جاءت في الطلاق، الآن امسكها وانزعها، سيتكلمون عليها لسنة، من يتقِ الله في كسب ماله يجعل الله له مخرجاً إلى عدم إتلافه، من يتق الله في تربية أولاده، ليس عنده عقوق، سيتكلمون عليها لسنة لو نزعتها من سياقها المتعارف بالطلاق.
المذيع:
وهذا شرعاً مقبول دكتور؟
الدكتور راتب:
أبداً، هذا القرآن عام وخاص، الآية في السياق لها معنى، لو نزعت من السياق قانون عام.
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
في اختيار أصحابه، لا مشكلة عنده مع أصحابه.
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾
في اختيار زوجته، اختارها متدينة لا يطلقها، في حديث عجيب:
(( تزوجوا ولا تطلقوا))
الطلاق مسموح لكن كيف ينهانا عنه؟ هذا الحديث صحيح، المقصود أن تتزوج امرأة لا تحتاج أن تطلقها.
المذيع:
حُسن الاختيار.
سبب التكرار في القرآن الكريم :
الدكتور راتب:
اختار خياراً دينياً، خياراً اجتماعياً، خياراً ثقافياً.
المذيع:
سيدنا، كان بداية جواب حضرتكم لماذا هذا التكرار في القرآن الكريم؟
الدكتور راتب:
نوعان: نوع تأكيد، نوع تنويع.
المذيع:
وفي هذا السياق هل هو تأكيدٌ أم تنويع؟
الدكتور راتب:
هنا تأكيد.
المذيع:
تأكيد.
﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون ﴾
تأكيد على أهمية هذا المعنى دكتور.
الدكتور راتب:
نعم، أما من سعى من سياقها فأصبحت تنويعاً.
المذيع:
من هم أولئك دكتور الذين لا يخافون ولا يحزنون، ما هي صفاتهم؟
عدم وقوع المصيبة سلامة أما عدم توقع المصيبة فأمن :
الدكتور راتب:
المؤمنون، اتصلَ بالله فمنحه الله الأمن، دقق، قال تعالى:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
في منتصف الآية، لا يتمتع بنعمة الأمن في الأرض كلها، في الخمس قارات، بما فيها علية القوم، إلا المؤمن، المؤمن عندنا حالة اسمها السلامة، قد يمضي أسبوع، شهر، سنة، سنتين، خمس سنوات، ليس عندك أي مشكلة، هذه سلامة، عدم وقوع المصيبة سلامة، أما عدم توقع المصيبة أمن، أنت من خوف الفقر في فقر، ومن خوف المرض في مرض، وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها.
الآن من أغرب ما قرأت أنه يوجد نوع من أمراض القلب، سببها الخوف من أمراض القلب، طبيب قلب، ودقيق جداً بعلمه، يخاف أن يُصاب بجلطة في سن مبكرة، أو أزمة قلبية، أما الأمن لا يتمتع به إلا المؤمن حصراً، كيف حصراً؟ كلامي دقيق، إذا إنسان قرأ في الصلاة نعبد إياك، الصلاة باطلة.
المذيع:
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾
الدكتور راتب:
لا إذا قال: نعبد إياك، لا تمنع أن نعبد غيرك، أما:
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾
فيها قصر وحصر، الآن:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ ﴾
ما قال: الأمن لهم، لو قال: الأمن لهم ولغيرهم.
﴿ لَهُمُ الْأَمْنُ ﴾
هذا التقديم والتأخير عمل قصر وحصر، أي لا يتمتع بنعمة الأمن، لو تملك أكبر ترسانة أسلحة وكلها بأمرك، إلا المؤمن.
المذيع:
شيخنا الكريم، نمر مع فضيلتك مروراً سريعاً على هذه الآيات جميعها، حتى نوضح المعنى الذي فيها، الآية الأولى من كتاب الله التي ذكر فيها:
﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون ﴾
الآية الثامنة والثلاثون من سورة البقرة.
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون ﴾
كيف يكون اتباع الهدى دكتور؟
من طبق منهج الله لن يخشى أحداً :
الدكتور راتب:
الإنسان أعقد آلة في الكون، ولهذه الآلة من تعقيدها، تعقيد الاعجاز، صانعٌ عظيم، ولهذا الصانع العظيم، تعليمات التشغيل والصيانة، فمن طبق منهج الله وهو الخبير، وهو الصانع العظيم، كل شيء بيده، لا يخشى.
﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون ﴾
المذيع:
إذاً اتباع الهدى أن تسير على شرع الله؟
الدكتور راتب:
أبداً، منهج الله عز وجل.
المذيع:
الآية الثانية دكتور، وهي أيضاً من سورة البقرة، وهي الآية الثانية والستين:
﴿ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ ﴾
الدكتور راتب:
ذا هو الأسبق بكليات الدين.
المذيع:
الإيمان.
أهم أركان الإيمان هما الإيمان بالله واليوم الآخر :
الدكتور راتب:
عندنا خمسة أركان إيمان، لكن أهم اثنين: الإيمان بالله واليوم الآخر، الملائكة تحصيل حاصل، أما الإيمان بالله وجوداً، موجوداً، وواحداً، وكاملاً، واليوم الآخر وسيحاسب، الإله الموجود الواحد الكامل سيحاسب وسيعاقب.
المذيع:
بالتالي النتيجة من عمل صالحاً.
الدكتور راتب:
لا يوجد ركنين من أركان الإيمان، وردا في القرآن بأكبر كمية ممكنة، إلا الإيمان بالله واليوم الآخر.
المذيع:
واتبعت الآية:
﴿ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾
الدكتور راتب:
الآن هذه يسموها زيادة تفصيل، أما هو الأساس أن تؤمن أن الله موجود، وواحد، وكامل، وسوف يحاسب وسيعاقب.
المذيع:
هذا الإيمان بالله واليوم الآخر؟
الدكتور راتب:
الآخر، هذه الثانية باليوم الآخر.
المذيع:
نعم، فالحساب بالتالي النتيجة.
الدكتور راتب:
تغش الناس ثلاثين أو أربعين سنة، وتنجو؟
المذيع:
دكتورنا إذاً، صدق الإيمان أن يعمل صالحاً؟
علامات التفاعل مع الواقع إدراك وانفعال وسلوك :
الدكتور راتب:
نعم، علامة الإيمان، علامة مصداقية الإيمان.
المذيع:
العمل الصالح، الآية الثالثة دكتور وهي.
الدكتور راتب:
عفواً، لو فرضنا مثلاً إنسان على كتفه عقرب كبيرة، دقق، قلت له: على كتفك عقرب، عقربٌ كبيرة، وسمها قاتل، هل يبقى مبتسماً ويرحب بهذه الملاحظة؟ يقول لك: أنا أتمنى أن أشكرك عليها، هل فهم ما قلت له؟
المذيع:
لا.
الدكتور راتب:
ما دام بقي متوازناً، وهادئاً، وابتسم، ويريد أن يفكر كيف يقدم لك الشكر نتيجة عملك، هذا يعني أنه لم يفهم ماذا قلت له، علامة الفهم الاضطراب، وعلامة الاضطراب الحركة، إدراك، انفعال، سلوك، مثلاً تمشي في الطريق، تصل لبستان فترى ثعباناً، أول شيء اضطربت، وخفت، وركضت، علامات التفاعل مع الواقع، إدراك، انفعال، سلوك.
المذيع:
والتفاعل مع الإيمان؟
الدكتور راتب:
إذا كان الإدراك غير موجود، التفاعل.
المذيع:
لا يوجد عمل صالح.
لوازم الاستقامة :
الدكتور راتب:
لن يتبقى أي عمل أساساً، إدراك، انفعال، سلوك، أوضح شيء على كتفك عقربٌ شائلة، بقي هادئاً مرتاحاً مبتسماً، يقول لك: أنا شاكر على هذه الملاحظة، اتمنى أن أكافئك عليها، معنى ذلك أنه ما فهم ما قلت له.
المذيع:
فإذاً دكتور، من علامة صدق الإيمان أن يتبع الإيمان بالله واليوم الآخر بالعمل الصالح.
الدكتور راتب:
الانفعال أول، ثم السلوك.
المذيع:
الذي هو العمل الصالح.
الدكتور راتب:
هذا قانون، التفاعل مع المحيط، إدراك، انفعال، سلوك، أوضح شيء مثال الأفعى.
المذيع:
الله يجزيك الخير يا دكتور، دكتورنا الآية الثالثة في هذا السياق هي الآية التالية من سورة البقرة أيضاً:
﴿ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
كيف نسلم وجهنا لله؟
الدكتور راتب:
الحقيقة الإسلام لله، الاستقامة على أمره، فمن لوازم هذه الاستقامة أن الله قريب منك، وكأنك ترى وجهه، من لوازم الاستقامة، أنك ما دمت مستقيماً، لك مع الله خط ساخن، تستطيع أن تناجيه.
المذيع:
هل هذا هو معنى:
﴿ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ ﴾
أربع خصائص من لوازم الدعاء :
الدكتور راتب:
تستطيع أن تدعوه، أن تترجاه، أن تستغفره، أن تتوب له، بما أنك مؤمن بوجوده، ووحدانيته، وكماله، وقدرته، ما معنى الدعاء؟ يعني:
﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾
بشكل دقيق جداً، معنى الدعاء أنك مؤمن بوجوده واحد، ومؤمن بقدرته اثنين، ومؤمن بمحبته ثالثاً، مؤمن بوجوده أولاً، ومؤمن بأنه سمعك أو علم، إما أنه سمعك إن حادثته، أو إذا أضمرت شيئاً علم، إما سمع أو علم، مؤمن بوجوده، ومؤمن بعلمه أو سماعه، ومؤمن بقدرته، ومؤمن بمحبته لك، لما تدعو الله عز وجل، عندك أربع خصائص من لوازم الدعاء، بوجوده، وبسمعه إن كان بصوت، أو بعلمه إذا لم تتكلم.
﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾
قال لي أحدهم مرة، أقسم بالله وبكى، كنت ذاهباً إلى اللاذقية، فوجدت جامعاً بين جبلة واللاذقية، جامع جميل جداً، فذهبت لأصلي فيه، فاجتمعت بشخص بعدما أنهيت صلاتي، دعاني إلى فنجان قهوة في غرفة بجانب الجامع، قال لي: أنا عمرت الجامع، هو الذي عمره، قال لي: أنا فقير جداً، بعت أساور أخواتي البنات، وخالتي، وعمتي، وأمي، واشتريت بطاقة للخليج للعمل، وأنا بالطائرة قال لي: والله شفتاي ما حركتهما أبداً، قلت: يا رب إذا وفقتني سأعمر لك جامعاً بهذا المكان، بقي سبع سنوات، والله وفقه، ولا يمكن أن تُعطى رخصة لجامع لا سكان فيه، وإذ بالمحافظ في مدينة حمص، عندما حكى له القصة، أعطاه الرخصة، أنا صليت في هذا الجامع:
﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾
تستطيع أن تخاطبه وأنت صامت.
المذيع:
الله يفتح عليكم سيدنا، دكتورنا.
﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون ﴾
مجموعة من الآيات تتحدث عن النفقة.
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلَانِيَةً ﴾
لماذا النفقة من نتائجها:
﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾
من نتائج النفقة أن الله يعلم ويكافئ :
الدكتور راتب:
لأن البخيل يتوهم أنه إذا أنفق لا يوجد تعويض، سيدي هذا المنفق، كلمة دقيقة جداً: لو إنسان زارك في البيت ومعه هدية، عندما يضع بطاقة باسمه على الهدية؟ سؤال دقيق، يضعها لتعلم أن هذه الهدية منه، دخل خمسة أشخاص إلى البيت، وأنت معك هدية ثمينة، عند دخولكم أخذها منك الأولاد، لمن هذه؟ من قدمها؟ أنت حريص أن تضع بطاقة، إما عليها أو داخلها، هذه مني، فالله يجب أن تعرف أن هذه منه، يعلم.
﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾
يا الله!
﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾
هذا المنفق يريد كلمتين، يعلم ويكافئ، أنفقت مالك يعلم.
المذيع:
حتى لو الناس لم تعلم، الله يعلم.
الدكتور راتب:
لا أحد يدري إطلاقاً، والله يعلم.
المذيع:
والنتيجة؟
التعامل مع الله من أكثر الأشياء ربحاً :
الدكتور راتب:
المكافأة.
﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾
الثانية:
﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾
يعلم ويخلف.
المذيع:
فلم تخسر؟
الدكتور راتب:
أبداً.
المذيع:
أنت الرابح مع الله.
الدكتور راتب:
أربح شيء أن تعامل الله.
المذيع:
ربح، الله يفتح عليكم يا دكتور، نستأذن فضيلتكم ومستمعينا الكرام، أن نقف نحن وإياكم إلى فاصل قصير، ونعود بعد ذلك مباشرةً لمواصلة حوارنا مع فضيلة العلامة الدكتور محمد راتب النابلسي، وحديثنا تحت عنوان لا يخافون ولا يحزنون، نعود بإذنه تعالى بعد الفاصل.
نواصل معكم مستمعينا حلقتنا وعنوانها لا يخافون ولا يحزنون، وهي انطلاقاً من قوله تعالى:
﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون ﴾
شيخنا الكريم، لو عدنا أيضاً معك إلى الآيات التي تتحدث عن هذا المعنى القرآني كلمة:
﴿ وَأَصْلَحَ ﴾
تكررت في أكثر من آية:
﴿ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ ﴾
وفي سياقٍ آخر:
﴿ فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ ﴾
لماذا ربط الإصلاح بهذه المكافأة: لا خوفٌ ولا يحزنون؟
كلمة أصلح لها معنى سياقي ومعنى سباقي :
الدكتور راتب:
الحقيقة آمن وأصلح؛ متعلقة بالإيمان، أنفق وأصلح؛ متعلقة بالنفقة.
المذيع:
﴿ اتَّقَى وَأَصْلَحَ ﴾
الدكتور راتب:
﴿ اتَّقَى وَأَصْلَحَ ﴾
متعلقة بالتقوى، دائماً هذه الكلمة لها معنى سياقي ومعنى سباقي، سباقي هذه وإلحاقي بعدها يأتي تعليق، فقد ينصرف المعنى إلى ما بعدها، أو إلى ما قبلها، أو إليها، إن كان إليها سياقي، ما قبلها سباقي، ما بعدها لحاقي.
المذيع:
الله يكرمك يا دكتور.
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ ﴾
هل مرتبطة دكتور، بالآية التي تتحدث عن أولياء الله سبحانه وتعالى:
﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾
هنالك أولياء لله، وأولياء للشيطان؟
تعريف بأولياء الشيطان :
الدكتور راتب:
التخويف من الشيطان وحده، المؤمن لا يخاف، مع من؟ مع القوي، مع العليم، مع الغني، مع الحكيم، مع المحب، مع الرحيم، المؤمن في الأساس لا يخاف.
المذيع:
دكتور، هل هنالك أولياءٌ للشيطان، وأولياءٌ لله؟
الدكتور راتب:
طبعاً.
المذيع:
من أولياء الشيطان؟
الدكتور راتب:
أتباعه، يأتي إنسان شيطاني، هو نفسه شيطاني، يدخل بيتاً، هذا البيت تقدر مساحته بستين متراً، الذي اشتراه مفعم بالفرح، أنه أصبح يملك بيتاً، فيقول له: ما هذا البيت لا يُسكن؟ كيف يتسع لكم؟ يبخسه حقه، إن تكلم عن زوجته يقول له: لا تصدقها كاذبة، الشيطان مهمته التفرقة، الفصل، والمؤمن هدفه الرفع.
(( من فرق فليس منا ))
مثلاً في العيد قد يسأل أحدهم أخته: ماذا أحضر لك زوجك في العيد؟ قالت له: لم يُحضر لي شيئاً، فيجيبها: معقول! ما هذا الزوج؟! أفسدت العلاقة بينهما، هي تحبه، وقبلت ببيت متواضع لأن هناك محبة، أنت أفسدت العلاقة بينهما.
المذيع:
(( فَلْيَقُل خيراً أو لِيَصْمُتْ ))
أدب النبي الكريم مع الناس :
الدكتور راتب:
النبي قال:
(( نِعْمَ الإدامُ الخلُّ ))
قدم له صحابي خل، ليس عنده إلا الخل، فقال:
(( نِعْمَ الإدامُ الخلُّ ))
جاء صحابي ثان لم يفهم الموضوع فهماً عميقاً، ظن الخل أفخر طعام، قدم له خل فقال:
(( بئس الإدام الخل))
غني يدعو شخصاً إلى خل! الأول فهمَ فهماً خاطئاً، النبي عنده حكمة، عندما لم يجد عنده غير الخل، قال:
(( نِعْمَ الإدامُ الخلُّ ))
أما عندما توهم إنسان آخر أن الخل أنفس طعام، أو أنفس ضيافة، قال:
(( بئس الإدام الخل))
المذيع:
الله يفتح عليك يا دكتور، الله يجزيك الخير. مأمون مرحباً بك معنا بهذا الاتصال، تفضل.
المستمع:
السلام عليكم، بارك الله بكم يا سيدي، أولاً أريد أن أسلم على الدكتور محمد راتب النابلسي، جزاكم الله خيراً، وأنا من سوريا، وكنت من طلابكم في مسجد الشيخ النابلسي، جزاكم الله خيراً.
أسئلة المستمعين :
الدكتور راتب:
أهلاً وسهلاً ومرحباً.
المستمع:
بارك الله بكم، وجزاكم عنا خيراً، أولاً سيدي أبشرك أن البنت الأولى لي التي حنكتها بيدك، بفضل الله عز وجل أصبحت من حفظة كتاب الله عز وجل بهذه البلاد- السويد- وبفضل الله عز وجل أيضاً هي من اقترحت الحجاب وهي في عمر الحادية عشرة.
الدكتور راتب:
ما شاء الله! هنيئاً لك بها.
المستمع:
جزاك الله خيراً سيدي، السؤال يا سيدي، عندما أرغمتنا الظروف القاسية لترك البلاد، أقصد في سوريا، واتجهنا إلى هذه البلاد، ما هي الوسائل أو السبل التي من خلالها يستطيع الإنسان أن يحافظ على الأولاد، في هذه البلاد، وأن يأمن وأن ينعم بعيشٍ رغيدٍ إسلاميٍ صحيحٍ بظل شريعة الإسلام؟ جزاكم الله كل خير.
المذيع:
شكراً لك أخي مأمون، بارك الله فيك، شكراً لك ولمشاركتك، لننتقل من مأمون إلى يحيى باتصال جديد، تفضل أخي يحيى.
المستمع:
السلام عليكم، جزاك الله خيراً يا دكتور، لو سمحت عندي سؤالين، السؤال الأول آية كريمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾
الآن السؤال الأول: هل تتنزل الملائكة ساعة الوفاة؟
الإنسان بين إلهام ملكٍ ووسوسة شيطان :
الدكتور راتب:
لا الإنسان بين إلهام ملكٍ ووسوسة شيطان، الإنسان في الدنيا قبل الآخرة، بين إلهام ملكٍ، ووسوسة شيطان، مثلاً إنسان دخل لبيته، والدته قالت له: أريد دواء مسكن يا ابني، أشعر بألم شديد، قال لها: جميع الصيدلي قد أغلقت، لن أجد أحداً.
المذيع:
هذه وسوسة شيطان.
الدكتور راتب:
هذه وسوسة الشيطان، لكنه يعلم أن هناك صيدليات مناوبة.
المذيع:
هذا إلهام الملك.
الدكتور راتب:
إلهام ملك، أنه ذهب وبحث عن الدواء فلم يجده، في الحالة الأولى ينام غير مرتاح، لأنه يعرف أن هناك صيدليات مناوبة لم يذهب إليها، في الثانية ذهب إليها ولم يجد الدواء، مفقود، ينام مرتاحاً، مع أن الدواء في الحالتين لم تأخذه أمه، لكنه في أول مرة لم يبحث، أما في الثانية بحث، العبرة أن تكون أمام نفسك بريئاً.
المذيع:
جزاك الله خيراً يا دكتور، سؤالك الثاني أخي يحيى.
المستمع:
سؤالي الثاني:
﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾
ما معنى أولياؤكم في الحياة الدنيا والآخرة؟
حاجة الإنسان دائماً إلى حاضنة إيمانية :
الدكتور راتب:
الله يتولاك، يدافع عنك، يلهمك الصواب، يثبتك، يعطيك قوة منطق، يعطيك قوة عضلية، يعطيك هيبة، يعطيك مكانة، يعطيك سعادة، يعطيك بيتاً ملتزماً، زوجة تهابك، الأولاد يتمنون رضاك، يعطيك مليون عطاء إذا الله أحبك، وإذا ما أحبك؟! إذا الله أحبك يخدمك عدوك دون أن يشعر، وإذا ما أحبك يتطاول عليك أقرب الناس إليك. فإذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك، ويا رب ماذا فقد من وجدك، وماذا وجد من فقدك.
المذيع:
الله يكرمك يا دكتور، وشكراً لك أخي يحيى ولاتصالك معنا. سنعود دكتورنا إلى سؤال السيد مأمون، هو مغترب مع الأحداث التي حصلت في سورية، ربنا يفرجها، في سويسرا، ما الذي يمكن أن يعينه على التربية السليمة لأولاده؟
الدكتور راتب:
يحتاج إلى حاضنة إيمانية، كأن يسكن إلى جانب مؤمن، عندما يسكن وحيداً في وسط آخر غير مسلم، فهناك غربة، غربة مخيفة، الآن أنت سكنت بجانب مسلم، أو قرب جامع، سوف تجد أناساً، لذلك ابحث عن بيت قريب من جامع، أو قريب من أخوة مؤمنين.
(( والجماعة رحمة والفرقة عذاب ))
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ﴾
الآية الثانية:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
أنت بحاجة إلى حاضنة إيمانية، أينما سافرت، أولاً ابحث عن الجامع، ستجد بجانبه أناساً مسلمين، ستجد صديقاً مؤمناً، عنده حياء، عنده خجل، عنده نصيحة ينصحك، فإذا سكن إنسان مع أناس آخرين، سيصبح عنده مشكلات اجتماعية كثيرة جداً، أقصد من أقام مع المشركين إقامة دائمة، خسر توفيق الله عز وجل، برئت منه ذمة الله
المذيع:
إذاً دكتورنا الكريم.
﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون ﴾
أولئك الذين، كما تفضلت دكتور، يسيرون بالتقوى على منهج الله، يقومون بالأعمال الصالحة، سواءً في العبادة، بينهم وبين الله، أو بينهم وبين عباد الله.
الامتحان غير العقاب :
الدكتور راتب:
العقيدة صحيحة، والاستقامة صحيحة، والعمل الصالح صحيح.
المذيع:
فالمكافأة:
﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون ﴾
في الدنيا والآخرة، لكن هذا لا يعني دكتور، أنه لا يمكن أن يتعرض إلى بعض الامتحانات أو المرض.
الدكتور راتب:
الامتحان غير العقاب، الامتحان الله يضع الإنسان في ظرف معين، قد ينجح وقد يرسب، سيدنا موسى أُمتحن لكنه نجح.
المذيع:
الحمد لله بارك الله فيكم يا دكتور، عامر تفضل باتصال جديد أهلاً وسهلاً بك معنا.
المستمع:
أسعد الله مساءك سيدي، نمسي على ضيفك العزيز علينا.
المذيع:
سيدي نحن ضيوف عليه، الدكتور صاحب البرنامج والله، نحن الضيوف عليه.
المستمع:
والله أقول لك: أنه رجل ما شاء الله عليه، هو من قامات الوطن العربي، هذا له كل الاحترام والتقدير، سيدي أنا والله ليس عندي مداخلة، لكن أنا أتابع برنامجكم، حبيت أمسي عليك وعلى حبيبنا الغالي شيخنا العزيز.
المذيع:
الله يكرمك يا رب، بارك الله فيك أخي عامر.
تعرض المؤمن لامتحانات لكنها ليست عقاباً ولا غضباً من الله :
الدكتور راتب:
الله يكثر أمثالك، ويعلي قدرك، ويحفظ لك إيمانك، وأهلك، وأولادك، وصحتك، ومالك، وبلدك.
المذيع:
ولكل المسلمين والمسلمات.
المستمع:
أدامك الله يا شيخنا العزيز، كل الشكر لكم سيدي نديم.
المذيع:
شكراً لك أخي عامر، شكراً لك ولاتصالك معنا. إذاً دكتورنا الكريم.
﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون ﴾
في الدنيا والآخرة، في الدنيا لا يعني ألا يتعرض البعض لامتحانات لكنها ليست عقاباً، ولا غضباً من الله، وإنما هذه الدنيا.
الدكتور راتب:
امتحان، النبي قال:
(( أوذيت في الله))
امتحان.
(( وما يؤذى أحد ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد ولقد أتت علي ثلاث من بين يوم وليلة ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال ))
هذا النبي.
المذيع:
دكتور، في يوم القيامة، في يوم المشهد العظيم.
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴾
هل أولئك:
﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون ﴾
ينفعهم هذا في يوم القيامة؟
معنى القلب السليم :
الدكتور راتب:
طبعاً.
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
ما معنى القلب السليم؟ إنسان سلم من شهوةٍ لا ترضي الله.
المذيع:
معناها لم يقع بها؟
الدكتور راتب:
نعم، وسلم من تصديق خبرٍ يتناقض مع وحي الله، الله قال:
﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾
قال: الرزق على الله عز وجل.
﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾
الآية واضحة، والثالثة؛ سلم من فكرٍ يتناقض مع وحي الله.
﴿ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
سلم من شهوةٍ لا ترضي الله، وسلم بخبرٍ متناقض مع وحي الله، وسلم من عبادة لغير الله، هذا معنى قلب سليم، ثلاثة بنود سيدي.
المذيع:
الله يجزيك الخير يا دكتور، نختم هذه الحلقة بالدعاء، ونسأل الله القبول.
الدعاء :
الدكتور راتب:
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسينا ذكرك، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، ارضنا وارضَ عنا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان.
الاستماع للدرس
تحميل النص
إخفاء الصور
