وضع داكن
23-04-2024
Logo
حياة المسلم 3 - إذاعة حياة إف إم : الحلقة 01 - الدعاء مخ العبادة
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  يا ربنا صلّ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، مستمعينا الأكارم في كل مكان، حياكم الله، وأهلاً ومرحباً بكم معنا إلى لقاءٍ علميٍ إيمانيٍ جديد مع فضيلة العلامة الداعية الإسلامي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله شيخنا الكريم، أهلاً وسهلاً.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
 حفظكم الله يا دكتور، عنوان حلقتنا لهذا اليوم مستمدٌ من قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:

(( الدُّعاءُ هو العبادة ))

[أبو داود والترمذي عن النعمان بن بشير]

 حلقتنا عنوانها الدعاء هو العبادة، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم بعد هذه الكلمات النبوية قوله تعالى من سورة غافر:

﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾

[ سورة غافر: 60]

 شيخنا الكريم، لماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: عن الدعاء أنه هو العبادة؟

 

الإنسان خلق ضعيفاً ليفتقر في ضعفه فيلجأ إلى الدعاء :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 في هذا السؤال الدقيق، الأصل أن الإنسان خلق ضعيفاً، والله عز وجل يقول:

﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً ﴾

[ سورة النساء: 28]

 يفتقر الإنسان في ضعفه إلى الله فيسعد بافتقاره
ليفتقر إلى الله في ضعفه فيسعد بافتقاره، ولو خُلق قوياً لاستغنى عن الله بقوته فشقي باستغنائه، الله عز وجل أصل الجمال والكمال والنوال، ذاتٌ كاملة مسعدة، فالإنسان إذا أقبل عليه سعد بقربه، إذا أقبل عليه اطمأن لمستقبله، إذا أقبل عليه توازن في حاجاته، إذا أقبل عليه كان سعيداً. لذلك؛ الإنسان خلق ضعيفاً ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره، أما لو خُلق قوياً افتراضاً، لاستغنى عن الله بقوته فشقي باستغنائه، لأن الله عز وجل ذاتٌ كاملة، مسعدة، حكيمة، عليمة، رحيمة، أسماء الله عز وجل كلها حسنة، وصفاته عليا، فالإنسان خلق ضعيفاً ليفتقر في ضعفه، الوسيلة الدعاء.

(( من لا يدعني أغضب عليه ))

[ ورد في الأثر ]

(( إن الله يحب من عبده أن يسأله شسع نعله إذا انقطع ))

المذيع:
 ما معنى هذا دكتور؟
الدكتور راتب :
 أي إذا كان يلبس حذاءً، وقطعة منه ابتعدت عن الأخرى، اسأله هذه الحاجة.
المذيع:
 القصد لماذا حتى وإن كان أمراً يسيراً طُلب أن تسأل الله عنه؟

 

الدعاء هو الرابط الذي يقوي علاقة الإنسان بربه :

الدكتور راتب :
 لأن الله عز وجل معك، خلقك ليسعدك ويرحمك، يحب أن تقبل عليه، فجعل هذه الحاجات، الإنسان بحاجة إلى الطعام والشراب، فالحاجة إلى الطعام والشراب تجعله مفتقراً إلى الله، بعدما أكل وشرب بحاجة إلى زوجة صالحة، والزوجة الصالحة، الفتاة الصالحة بحاجة إلى زوج يسعدها ويحميها، فهناك دعاء ثان، بعدما أكل وشرب، وتزوج وأنجب، عنده حاجة ثالثة هي أهم حاجة، حاجة إلى التفوق، إلى أن يشار له بالبنان، المهندس الأول، الطبيب الأول، أيضاً الثالثة عند الله عز وجل، الحاجات إلى الطعام والشراب حفاظاً على بقاء الوجود، والحاجات إلى الزواج ذكر وأنثى حفاظاً على بقاء النوع، وهناك حاجة ثالثة الحاجة إلى بقاء الذكر الملايين يأتون للدنيا ويموتون ولا يدري بهم أحد، أما أعلام الأمة، الصدّيق، سيدنا عمر، الإمام الشافعي، صلاح الدين الأيوبي، هؤلاء الذين فتحوا البلاد، ونشروا العلم والصلاح والسعادة في البلاد، هؤلاء أعلام الأمة، هناك علماء تركوا ثلاثمئة مؤلَّف، فالإنسان أتمنى من الأخوة المستمعين ألا يقبل أن يكون شخصاً عادياً، رقماً عادياً، إن لم تكن رقماً صعباً في خطة عدوك تكن رقماً تافهاً.
المذيع:
 إذاً شيخنا الكريم، من كلام فضيلتكم ربنا سبحانه وتعالى جعل الإنسان فقيراً، وكل ما دعا الله سبحانه وتعالى؟
الدكتور راتب :
 ازداد غنىً.
المذيع:
 ازداد غنىً، لأنه استمد قوته من القوي، وهذا الرابط هو الدعاء.
الدكتور راتب :
 الإنسان قوي بالله، غني بالله، حكيم بالله، سعيد بالله.
المذيع:
 يطلب حاجته من الله من خلال؟
الدكتور راتب :
 الدعاء.
المذيع:
 ويستمد صلته؟

الدعاء مخ العبادة :

الدكتور راتب :
 الوسيلة الدعاء، الدعاء مخ العبادة، الدعاء هو العبادة، الدعاء أصل هذا الدين، أنت إذا دعوت الله لابد أنك تنطلق من أن الله موجود، وأن الله يسمعك، وأن الله قادرٌ على أن يلبيك، وأن الله يحب أن يلبيك، يستنبط من الدعاء إيمانك بوجود الله، وإيمانك بأنه يسمعك، وإيمانك بأنه يقدر على تلبية طلبك، وإيماناً بأنه يحب أن يلبي طلبك.
المذيع:
 الله أكبر، لذلك كان العبادة.
الدكتور راتب :

(( ابن آدم اطلبنِ تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء ))

[ حديث قدسي ]

(( لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد ))

[ ذكره السيوطي في الجامع الصغير عن أنس]

 الدعاء أصل هذا الدين
الثلاثة على مشارف الموت، معك شيك بمليون دينار ضاع منك ولا يعوض ثم وجدته.

((من الضال الواجد))

[ذكره السيوطي في الجامع الصغير عن أنس]

 عندك أموال طائلة، وبيت، وسيارة، وشركة، وليس عندك أولاد، إذا أنجبت ولداً هذا شيء لا يقدر بثمن.

(( والظمآن الوارد ))

[ذكره السيوطي في الجامع الصغير عن أنس]

 على وشك الموت عطشاً، وجد نبع ماء.

(( لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد، والعقيم الوالد، والظمآن الوارد ))

[ذكره السيوطي في الجامع الصغير عن أنس]

(( من لا يدعني أغضب عليه ))

[ ورد في الأثر ]

المذيع:
 هذه دكتور تحتاج إلى تفصيل، الآن لماذا كان الدعاء هو العبادة، أكرمك الله وضحت أن من يدعو الله فإذاً هو تلقائياً موقنٌ بوجوده، وأنه سبحانه وتعالى قادرٌ على أداء هذه المطالب ويحبه فيلبيها، بذلك اختصرت العبادة والإيمان، لماذا من لا يدعُ الله يغضب الله عليه؟

 

من عرف الله وأقبل عليه ودعاه لم يفتقر ولم يذل ولم يضل :

الدكتور راتب :
 استغنى عن الله، فشقي باستغنائه، من اعتمد على ماله افتقر، من اعتمد على علمه ضل، من اعتمد على مكانته ذل، أما من عرف الله وأقبل عليه ودعاه لم يفتقر، ولم يذل، ولم يضل.
المذيع:
 إذاً من لا يدعُ وكأنه يستكبر، والعياذ بالله.
الدكتور راتب :
 أبداً، سيدي أنت من الممكن أن تدعو بظرف صعب جداً، دون أن تحرك شفتيك.
 أذكر مرة كنت في طريقي إلى اللاذقية، وجدت مسجداً جميلاً جداً بمكان ليس فيه أي بيت، وهذا شيء غير مألوف، أقصد من المألوف أن ترَى جامعاً ضمن المدن، مع القرى، ضمن سكن، دخلت لأصلي فيه، رجل وقور دعاني إلى غرفة إلى جانب الجامع، قال لي: أنا عمرت هذا الجامع، قال لي: أنا فقير، وأنهيت الخدمة الإلزامية، وأقنعت والدتي وأقاربي أن يبيعوا أساورهم، واشتريت بطاقة سفر إلى الإمارات حتى أعمل، قال لي: وأنا في الطائرة، قال لي: والله ما حركت شفتاي إطلاقاً، لكن قلت في نفسي: لو أن الله أكرمني سوف أبني جامعاً في هذا المكان، مكان جميل جداً، غاب خمس سنوات، وعاد لبلده، يقول: لا يمكن أن تُعطى رخصة في هذا المكان، لا بد أن يكون هناك أناس، بيوت، ترجى المحافظ فأعطاه رخصة، وأنا صليت بهذا الجامع، لأنه فقط طلب:

﴿ نَادَى رَبَّهُ ﴾

[ سورة مريم: 3]

 دقق:

﴿ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾

[ سورة مريم: 3]

 ليس بشفتيه.

﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾

[ سورة مريم: 3]

 الله مع خواطر الإنسان، مع ندائه الخفي، فالإنسان إذا كان عرف الله عز وجل، فالدين كله دعاء بصراحة.
المذيع:
 لكن لعل هذا الإنسان كان صادقاً، ولو لم يحرك شفاهه دكتور.

كلمتان تحكم العلاقة بيننا وبين الله منا الصدق ومن الله العدل :

الدكتور راتب :
 أبداً، سيدي عفواً، كلمتان تحكمان العلاقة بين الله وعباده جميعاً، كلمتين:

﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً ﴾

[ سورة الأنعام: 115]

 منك الصدق ومن الله العدل
أي يا عبادي! كلمتان تحكم العلاقة بيني وبينكم، منكم الصدق ومني العدل، يعني أنتم تتفاوتون عندي بصدقكم، وأنا أعدل بينكم.
 معنى آخر هذا الكتاب ستمئة صفحة، القرآن الكريم، كل هذا الكتاب لا يزيد عن خبرٍ وطلب، خبر وأمر، الأمر عادل، والخبر صادق، لا يوجد أمر إلهي إلا عدل مطلق.
 لو أن قاضياً حكم أربعين عاماً، أصدر خمسة آلاف وثمانمئة حكم، أخطأ باثنين عن غير قصد، يسمى عند أهل الأرض قاضٍ عادل، أما الإله مطلق، لا يمكن أن يكون هناك خطأ ولا واحد بالمليار، الله مطلق.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور! الله يفتح عليكم، نستأذن فضيلتكم شيخنا.
الدكتور راتب :
 في عصر أموي قديم تقدم قاضٍ إلى الخليفة، يطلب منه إعفاءه من عمل القضاء، قال له: ولِمَ؟ قال له: والله تقدم خصمان، أحدهما قدم لي قبل يومٍ طبقاً من التمر في بواكيره، بواكيره أي في وقت الثمار، فرددته، رده، في اليوم التالي والخصمان أمامي تمنيت فقط أن يكون الحق مع الذي قدم لي طبق التمر، مع أني لم آخذه؟ كيف لو أخذته، هذا هو العدل!
المذيع:
 سبحان الله، كلام طيب وجميل شيخنا، ربنا يكرمكم ويجزيكم الخير لهذا التوضيح سنقف مع فضيلتكم شيخنا الكريم، ومعكم مستمعينا إلى فاصل قصير من بعده دكتور سيكون لدينا سؤالين جوهريين، لماذا ندعو الله فلا يستجاب؟ ولماذا ندعو الله لنصر الأمة فلا تنتصر؟
 هذا محورنا القادم مع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، ابقوا معنا على الهواء في برنامجكم مع الدكتور محمد راتب النابلسي.
 نتواصل نحن وإياكم في مجلس العلم والإيمان مع فضيلة الداعية الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله شيخنا الكريم أهلاً وسهلاً بفضيلتكم.

 

الدعاء إن لم يكن في صالح المؤمن فلا يستجاب له :

الدكتور راتب :
 بارك الله بكم.
المذيع:
 الله يكرمكم يا دكتور، مستمعينا حلقتنا لهذا اليوم، وعنوانها: الدعاء هو العبادة، وهذا جزءٌ من قول صلى الله عليه وسلم عن مكانة الدعاء، فقد أوضح لنا فضيلة الدكتور قبل الفاصل بأن الدعاء هو العبادة، لأن من يدعو ربه فإذاً هو تلقائياً موقنٌ ومؤمنٌ بوجوده، وأنه يسمعه، وأنه قادرٌ على أداء طلبه، فهو القوي في هذا الكون، وأنه يحبه فيلبي له هذا الدعاء. شيخنا ننوه لمستمعينا الراغبين بالاتصال الهاتفي في موضوع حلقتنا عن الدعاء.
 شيخنا قبل الفاصل طرحنا سؤالاً لماذا ندعو الله فلا يستجاب لنا؟ لماذا ندعو الله لنصرة الأمة ولا تنتصر؟
الدكتور راتب :
 لنبدأ بأول سؤال.
المذيع:
 نعم لنبدأ بالحالة الفردية دكتور، ندعوه فلا يستجيب لنا.
الدكتور راتب :
 لو أن الدعاء ليس في صالح المؤمن لا يستجاب له، ما دام الدعاء ليس في صالح المؤمن عندئذٍ لا يستجاب له.
المذيع:
 نعم شيخنا.

الدعاء عبادة بحد ذاته إن أجابه الله أم لم يجبه :

الدكتور راتب :
 لو أن أحدهم طلب من والده آلة يؤذي بها أخاه، الأب لا يستجيب، ما دام الدعاء مضمونه ليس في صالح المؤمن، لا يستجاب له لا تحزن إن لم يستجب الله لدعائك فقد يكون في غير صالحك
نحن نقنع أخوتنا المستمعين والمشاهدين، أن الدعاء بحد ذاته عبادة، أما الاستجابة تكون دائماً لصالح الإنسان، إن كان من صالحه في الآخرة والدنيا، هل يستجاب له؟ يستجاب له، وإن كان ليس من صالحه الاستجابة، الله خبير، إنسان بدخل معقول مستقيم، لو جاءه دخل فلكي قد لا يستقيم، لأن الله عز وجل علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، الرابعة؛ وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون، فإنسان دخله محدود، ودينه جيد، وبيته إسلامي، جاءه دخل فلكي فجأةً، قد تذل قدمه، فعلم ما كان، وعلم ما يكون، وما سيكون، الرابعة خطيرة جداً؛ وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
المذيع:
 إذاً شيخنا، نحن نوقن حينما ندعو أننا على خيرٍ بحالنا مع ربنا.
الدكتور راتب :
 إن أجابنا أو لم يجبنا.
المذيع:
 فإذا كان من صالحنا الإجابة في الدنيا والآخرة أجابنا الله.
الدكتور راتب :
 في الدنيا والآخرة معاً.
المذيع:
 وإذا طلبنا شيئاً والله بعلمه للغيب يعلم أن فيه ضرر لهذا الإنسان، أو شر، أو لا يستقيم حاله به، يصرفه الله عنه، ما المكافأة لمن لا يستجاب دعاؤه دكتور؟
الدكتور راتب :
 الدعاء عبادة بحد ذاته، بصرف النظر عن الاستجابة، أو عدم الاستجابة.
المذيع:
 يكافئ يوم القيامة دكتور؟

عند الدعاء يعلم المؤمن أن الله موجود ويسمع دعاءه :

الدكتور راتب :
 أنت عندما دعوت آمنت أن الله موجود، وقادر، ومحب، ويسمع، ويعلم.
المذيع:
 من لا يستجاب دعاؤه في الدنيا دكتور يؤجر في الآخرة على دعائه؟
الدكتور راتب :
 طبعاً، طبعاً.
المذيع:
 ننتقل للحالة الثانية دكتور، في واقع الأمة ندعو الله لنصرة الأمة، للأوضاع الصعبة للمسلمين هنا وهناك، ولا يتغير حال الأمة.
الدكتور راتب :
 هذا كلام دقيق؛ مثلاً أنت طبيب عندك مريضان، أحدهما معه التهاب معدة حاد، تخضعه لحميةٍ قاسيةٍ جداً، على الحليب ستة أشهر، الثاني معه ورم خبيث منتشر، قال لك الثاني: ماذا آكل؟ قال له: كُل ما شئت، أيهما أفضل؟ أن يخضع الإنسان لحميةٍ قاسيةٍ جداً تنتهي بشفائه التام، وإلى الجنة، أم أن يعطى ما يريد؟ ثم يستحق النار، الآية تقول:

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى ﴾

[ سورة السجدة: 21]

 في الدنيا.

﴿ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة السجدة: 21]

المذيع:
 سبحان الله! هذا يصف حال الأمة الإسلامية.

 

على المؤمن أن يستمر بالدعاء في جميع الأوقات :

الدكتور راتب :
 نعم الأمة الإسلامية، أما الآخر، الله عز وجل:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾

[ سورة الأنعام: 44]

 مرة ثانية: اثنين عند طبيب، أحدهما أخضعه لحمية قاسية جداً، يوجد أمل بالشفاء كبير جداً، في الدنيا سعيد وفي الآخرة الجنة، والآخر مرضه عضال لا شفاء له، يقول له: كُل ما شئت، والآية واضحة:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾

[ سورة الأنعام: 44]

المذيع:
 سبحان الله! بارك الله بكم يا دكتورنا الكريم، شيخنا الكريم في قضية الدعاء أنت تشير أن الدعاء هو بحد ذاته عبادة، هذا لا يعني المفهوم الاجتماعي لدينا بأن الإنسان إذا أراد شيئاً من الله يدعو، لا يوجد شيء فلا حاجة للدعاء، الدعاء دوماً، هو بحد ذاته عبادة.
الدكتور راتب :
 الدعاء مستمر، الدعاء عبادة، احفظ لي إيماني يا رب، الطف بي، يا رب ألهمني الصواب، ارزقني زوجة صالحة، أولاداً أبراراً، رزقاً حلالاً، الدعاء مستمر.
المذيع:
 سبحان الله، إذاً عكس ما نفترض أحياناً.
الدكتور راتب :
 أصلح لي ذريتي.
المذيع:
 عندك مشكلة ادعُ ربنا.

 

أسئلة المستمعين :

الدكتور راتب :
 آمن روعتي، استر عورتي، حقق رجائي.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، نستأذنكم بجولة من مشاركات مستمعينا الكرام. نوال تفضلي يا أختي الكريمة، أهلاً وسهلاً باتصالك.
المستمعة:
 السلام عليكم، الله يعطيكم العافية يا رب ويكتب لكم الأجر، الله يعطيك العافية يا دكتور، ربي يجزيك كل خير، دكتور الدعاء هو العبادة، والعبادة كلها لله، هل يمكن أن توضح لي الحديث الذي ورد عن الرسول أن الله يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفراً.
الدكتور راتب :
 لأن الله يحب عباده، يحب أن يرحمهم، فالله عز وجل يستحي من عبده إذا سأله شيئاً أن يرده خائباً، هذا معنى رائع جداً.
المذيع:
 هل معنى ألا يرده خائباً أن الدعاء سيستجاب، أم أنه سيفوز بغض النظر عن إجابة الدعاء؟
الدكتور راتب :
 سيفوز بالدعاء بحد ذاته، فإذا كان من صالحه في الدنيا والآخرة أن يستجيب له يستجيب له، وإلا كتب له الأجر.
المذيع:
 وهذا هو الفوز، إما بالإجابة أو بالحسنات، شكراً لك أختي نوال، لنستمع إلى أم خالد باتصال جديد، تفضلي يا أم خالد.
المستمعة:
 السلام عليكم، يعطيك العافية، حفظ الله الشيخ إن شاء الله، شيخنا أليس ربنا رحيم بعباده، ولا يريد أن يعذبهم، حتى الإنسان يدعو ألا يصيبه الهم والكرب في الدنيا، يدعو ربنا ألا يحتاج لأحد، أو مثلاً لا يحتاج لإنسان، أو ألا يُذل بين الناس، ولكن مع ذلك يحتاج ويُذل، هل يكون الخطأ في الشخص نفسه أم ماذا؟

كل شيء منع منه الإنسان من قبل الله محض حب :

الدكتور راتب :
 اسمعي الجواب أختي، أب طبيب وغني، تزوج امرأة عشر سنوات وما أنجب منها، ثم جاءه ولد آية من الجمال، تعلق به تعلقاً مذهلاً، ثم اكتشف الطبيب الأب أن ابنه مصاب بالتهاب الزائدة، يمنعه من الطعام، هذا المنع كراهية أم حب؟
المستمعة:
 حب.
الدكتور راتب :
 كل شيء منع منه الإنسان من قبل الله، محض حب.

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى ﴾

[ سورة السجدة: 21]

 في الدنيا:

﴿ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[ سورة السجدة: 21]

 الله طبيب يداوينا، وحسن الظن بالله ثمن الجنة.
المستمعة:
 ونعم بالله، ونعم بالله يا شيخ.
المذيع:
 شكراً لك يا أم خالد، ولمشاركتك معنا، شكراً جزيلاً لك. حتى الساعة الرابعة مباشرة نسعد باستقبال مشاركاتكم بموضوع الحلقة مستمعينا عن الدعاء، على هواتف حياة FM، في موضوعنا لهذا اليوم ألا وهو الدعاء هو العبادة.
 شيخنا الكريم، في حديثنا عن الدعاء من القضايا المهمة، أن بعض الأشخاص هو لحوحٌ على الله تبارك وتعالى في الدعاء، فيعيد الدعاء، هل هذا الأمر مستحب في الدين؟

 

الدعاء صلة بالله فكلما كنت ملحاً في الدعاء أحبك الله :

الدكتور راتب :
 مستحب جداً، لأن النبي قال:

(( إن الله يحب الملحين بالدعاء ))

المذيع:
 الدعاء صلة بالله
لماذا دكتور؟
الدكتور راتب :
 لأن الدعاء صلة، العبرة الصلة.
المذيع:
 فهو دائم الصلة.
الدكتور راتب :
 لكن، الدعاء صلة بالله، فكلما كنت ملحاً في الدعاء أحبك الله، أنت عندما دعوت الله مؤمن وجوده، بعدالته، بكماله، وبمحبته لك، وهو يفرح بتلبية دعائك.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، عبد الكريم معنا باتصال جديد، تفضل يا أخي، أهلاً وسهلاً.
المستمع:
 يعطيكم العافية، أخي زادنا الله من علمه، وحفظكم يا رب، أنا في عندي استفسارين دكتور محمد، أول استفسار أنت قد تدعو كثيراً وتشعر أن الله لا يستجيب لك، مثلاً ما الذي يمكن عمله حتى يستجيب الله لنا؟ هذا هو الاستفسار.
 ثاني استفسار أن كل الشعوب الإسلامية والعربية تدعو على إسرائيل أو تدعو أن يهدي حكامها، ويلهمهم البطانة الصالحة، هل من الممكن أن أشعث أغبر يدعو هذا الدعاء والله لا يستجيب له؟ هل يعقل أنه لا يوجد أي استجابة، أم قد تكون الاستجابة مؤجلة؟

 

متابعة أسئلة المستمعين :

المذيع:
 سؤال مهم، إذاً شيخنا نأخذ الاتصالات وثم نعطيك الوقت، شكراً لك أخ عبد الكريم للسؤالين المهمين اللذين شاركتنا فيهم، شكراً جزيلاً.
 لنستمع إلى حسين معنا بمشاركة جديدة، تفضل أخي حسين.
المستمع:
 السلام عليكم، كيف حالك، والله أنا من المحبين والمعجبين بالدكتور محمد راتب النابلسي، سيدي بالنسبة لي أنا دائماً أدعو، لكن الشيطان يوسوس لي بشكل كبير، خاصةً بالتوحيد، يعني أحياناً يقول لي: لا يوجد رب، لا يوجد إله، مع أني مخلص في الصلاة والصوم، وكل شيء، وسوسة الشيطان هل أستطيع إذا دعوت ربنا أن يبعدها عني؟
المذيع:
 تمام، سؤال مهم أخي الكريم، شكراً لك أخي حسين، بارك الله فيك ولمشاركتك معنا.
أبو البراء تفضل.
المستمع:
 السلام عليكم، الله يجزيكم الخير ويبارك في عملكم يا رب، دكتورنا الحبيب أسأل الله أن ينور بصيرته، ويرزقه ما يتمناه في الدنيا والآخرة، حفظك الله، سؤالي إذا تكرمت: اسم الله الأعظم، شيخنا الفاضل الذي إذا سُئل به أجاب، وإذا دعي به أعطى، هل هو اسم محدد لأني قرأت سبحان الله قبل أسبوع تقريباً، في كتاب يتكلم عن الدعاء، كان الكتاب يتكلم أن اسم الله الأعظم هو في كل حالة اسم معين، فأحياناً يكون الشافي، أحياناً يكون الحفيظ، وهكذا، وهل هو اسم محدد، أم في كل حال يكون اسم؟
المذيع:
 بارك الله فيك أخي الكريم، شكراً لك ولسؤالك معنا.
 شيخنا نعود لإجابة مستمعينا الكرام، نبدأ بعبد الكريم الذي سأل سؤالين، الأول: ماذا يفعل الإنسان ليكون لديه فرصة أكبر لإجابة الدعاء؟

نوعان من البشر يستجاب دعاؤهم المضطر برحمة الله والمظلوم بعدل الله :

الدكتور راتب :
 النبي الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم يقول:

(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))

[الطبراني في المعجم الصغير]

 الطعام الطيب هو طعام اشتري بمال حلال
ما معنى طعاماً طيباً؟ لا يعني الطعام الطيب اللحم، أو الطعام النفيس، لا، طعامٌ اشتري بمالٍ حلال، أنت تاجر لم تغش، لم تكذب، لم تدلس، لم تحتكر، ما دمت بالتجارة مستقيماً، دخلك صرفته على طعامك، هذا الطعام طيب لأنه اشتري بمالٍ حلال، لو أن أحدهم ربح مثلاً ربحاً غير مشروع، واشترى به طعاماً، طعامه لن يكون طيباً، اشتري بمال حرام والحرام يحرم الإنسان السعادة، والحلال تحلو به النفس.
المذيع:
 هل يمكن أن تكون بعض الأعمال الصالحة مدعاة لإجابة الدعاء بها أكثر، مثلاً إنسان ينفق ومع هذه النفقة يدعو الله، أو يقوم بعمل صالح.
الدكتور راتب :
 والله عندي موضوع دقيق، يوجد نموذجين من البشر يستجاب دعاؤهم ولو لم تتوافر فيهم شروط الدعاء، المضطر برحمة الله، والمظلوم بعدل الله، المظلوم يستجاب دعائه بصرف النظر عن أهلية الاستجابة، لأنه بعدل الله، والمضطر برحمة الله، لذلك:

((اتقوا دعوة المظلوم ))

[ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة]

 ولو كان كافراً.
المذيع:
 إذاً سبب نصر الله له لأنه مظلوم، بغض النظر عن دينه.
الدكتور راتب :
 بصرف النظر عن دينه، وعن استحقاقه شروط الدعاء.
المذيع:
 سبحان الله، لأنه مظلوم؟

 

العمل الصالح هو أحد أكبر أسباب استجابة الدعاء :

الدكتور راتب :
 المظلوم والمضطر.

﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾

[ سورة النمل: 62]

المذيع:
 العمل الصالح أحد أكبر أسباب استجابة الدعاء
شيخنا هل الأعمال الصالحة مدعاة لإجابة الدعاء أكثر، مثلاً إنسان أنفق على أيتام، ساعد إنساناً مضطراً، محتاجاً جبر خاطره، بر والديه، هل هذه الأعمال الصالحة يمكن أن تكون فرصة في استجابة الدعاء؟
الدكتور راتب :
 وضعت يدك على أهم شيء بهذا اللقاء الطيب، الحقيقة أن العمل الصالح هو أحد أكبر أسباب استجابة الدعاء، قدمت بين دعائك عملاً صالحاً، خدمت إنساناً، لبيت إنساناً، أسعدت إنساناً، عفوت عن إنسان، أعمالك الصالحة أكبر مبرر وسبب لاستجابة الدعاء.
المذيع:
 هذه الأعمال الصالحة دكتور هل يجب أن نتبعها بأن أجلس وأستحضر قبلة وأرفع يدي وأدعو، أم هو تلقائياً مع العمل الصالح أصبح لك شأنٌ عند الله؟
الدكتور راتب :
 الله عز وجل أجل وأعظم من أن ينتظر لفظاً منك، عليم خبير، يعلم. أنت عندما قمت لتصلي هناك أدعية ليست مهمة جداً، نويت الوضوء، أنت لماذا قمت للوضوء وللصلاة؟ النية من عمل القلب، بعض الفقهاء استحبوا أن تذكر باللسان، أما أنت لماذا قمت؟ عندما استيقظت الساعة الثانية ليلاً كي تتسحر، نويت صيام غدٍ لله تعالى، أنت استيقظت الساعة الثانية ليلاً كي تتسحر، وتأكل طعام السحور، وتصوم فالنية من أعمال القلب.
المذيع:
 إذاً القضية مرتبطة بسلامة القلب، بهذه الأعمال الصالحة، فيصبح للإنسان شأن عند الله، وعلى ذلك يكون مدعاة لإجابة دعائه.

 

إنعام الله علينا بنعمة الإيجاد والإمداد والهدى والرشاد :

الدكتور راتب :
 والعمل الصالح سيدي، وسيلة لتلبية الدعاء.
المذيع:
 سبحان الله! بارك الله كم يا دكتور. سؤاله الثاني كان دكتورنا، الأمة كلها تدعو الله سبحانه وتعالى، ألا يوجد إنسان فيهم له دعاءٌ مستجاب عند الله، من مشارق الأرض لمغاربها؟
الدكتور راتب :
 هذا الكلام يضطرني أن أذكر شيئاً مهماً جداً، هناك إسلامان، إسلام فردي وإسلام جماعي، أما الفردي يقول الله عز وجل:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء: 147 ]

 أنت خلقت من لا شيء، أنت تتمتع بنعمة الإيجاد، موجود، ما الدليل؟

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾

[ سورة الإنسان: 1 ]

 أنا مثلاً لي تاريخ ميلاد، حينما أقرأ كتاباً أُلّف قبل ولادتي، أقول أثناء تأليف الكتاب وطبعه: أنا من؟ أنا لا شيء.

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾

[ سورة الإنسان: 1 ]

 الله منحك نعمة الإيجاد، أمدك بأم وأب، ونعمة الإمداد، ثم أكرمك بنعمة الهدى والرشاد، نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد.
المذيع:
 إذاً دكتور من يقيم الإسلام بشكله الفردي في بيته، بين عائلته.

 

من يقيم الإسلام بشكله الفردي يقطف كل ثماره الفردية :

الدكتور راتب :
 يقطف كل ثماره الفردية.
المذيع:
 ثمار الدين الفردية.
الدكتور راتب :
 دقيقة.
المذيع:
 مثل ماذا دكتور؟
الدكتور راتب :

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء: 147 ]

 الآن مثلاً، المسلمون مليارين، سأتصور شاباً واحداً، واحداً من مليارين غض بصره، ضبط لسانه، ضبط الشاشة، ضبط دخله، ضبط إنفاقه، كان باراً بوالديه، وكان زوجاً صالحاً، وأباً صالحاً، هذا يقطف ثمار الدين كلها الفردية.
المذيع:
 مثل ماذا؟
الدكتور راتب :
 السعادة، والتوفيق، والنجاح، والتألق.
المذيع:
 والثمار الجماعية للأمة ككل دكتور؟

 

نحن كأمة لن ننتصر على أعدائنا إلا إذا طبقنا منهج الله تعالى :

الدكتور راتب :
 أما الأمة:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 33]

 تنصر الأمة بضعفائها
هذه الأمة ما دامت تطبق منهج رسول الله، في مأمن من العذاب.
المذيع:
 لكن لم تنتصر بشكل جماعي.
الدكتور راتب :
 لذلك قال النبي الكريم:

(( فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))

[أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي الدرداء]

 كأمة، هذا الضعيف، إن أطعمته إن كان جائعاً، كسوته إن كان عارياً، عالجته عن كان مريضاً، آويته إن كان مشرداً، هذا الضعيف.

(( فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))

[أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي الدرداء]

المذيع:
 إذاً دكتورنا الكريم، من ينصر الدين بشكل فردي ببيته، بنفسه، بشركته، يرزق الثمار الفردية، كالسعادة والتوفيق.
الدكتور راتب :
 أما كأمة.
المذيع:
 حتى تنتصر بشكل جماعي؟

 

الله عز وجل رحمةً بعباده لا يحاسبهم إلا على الأعمال :

الدكتور راتب :
 إذا طبقت منهج الله، تنتصر على أعدائها.
المذيع:
 أكرمك الله للتوضيح، شيخنا الكريم نستأذن فضيلتكم، مستمعينا إلى فاصل قصير ومن بعده نعود بإذن الله، فابقوا بالقرب.
 شيخنا الفاضل، نعود مع فضيلتكم للإجابة عن أسئلة واستفسارات مستمعينا الكرام.
 أخونا حسين طرح سؤالاً بأنه يعاني أحياناً من بعض الوساوس القهرية، والمرتبطة بالعقيدة بوجود الله وهكذا، كيف يمكن له أن يعالجها من خلال الدعاء؟
الدكتور راتب :
 أنا أطمئن الأخ السائل، الله عز وجل رحمةً بعباده لا يحاسبهم إلا على الأعمال، الخواطر لا تحاسب عليها، الخواطر مهما تكن سيئة لا تحاسب عليها.
المذيع:
 تقصد مهما خطر في باله؟
الدكتور راتب :
 لا تحاسب عليها، لكن الأولى أن ترد هذه الخواطر، إنسان يشغل نفسه بتلاوة قرآن، بعمل صالح، أما الأصل الحساب على الأعمال.
المذيع:
 كيف يحاول أن يتخلص من هذه الوساوس حتى لا تزعجه نفسياً دكتور؟
الدكتور راتب :
 في علم النفس سيدي، لها علاج واحد، اسمه forget انساها، تذهب لوحدها.
المذيع:
 ولو دعا الله أن يخلصه منها؟

اسم الله الأعظم كل إنسان له وضع معين :

الدكتور راتب :
 أي نفس الشيء، إذا أنت تذكرها دائماً تزداد.
المذيع:
 أبو البراء سأل هل اسم الله الأعظم هو اسمٌ ثابتٌ محدد أم في كل موقفٍ يتغير؟
الدكتور راتب :
 أنا اجتهادي المتواضع اسم الله الأعظم للفقير المغني، للمظلوم العدل، أي كل واحد بحالته فيه اسم أعظم، للمريض الشافي، وللفقير المغني.
المذيع:
 أنت تميل لهذا الرأي دكتورنا الكريم؟
الدكتور راتب :
 نعم، لأن اسم الله الأعظم كل إنسان له وضع معين، أقرب اسم له قدمت مسابقة؛ الموفق، الله موفق.

﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ﴾

[ سورة هود: 88]

المذيع:
 ونعم بالله، شيخنا في قوله تعالى:

﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ﴾

[ سورة الأعراف: 55]

 ما هو التضرع؟ وما هي الخفية؟

 

معنى التضرع :

الدكتور راتب :
 التضرع؛ التذلل، أي ارحم ضعفي، أصلح لي شأني كله يا رب، استر عورتي، آمن روعتي، وفقني لما تحب وترضى، أنا عبدك الضعيف، أنا ذليل بين يديك، مع الله كلما تذللت أكثر تربح أكثر. مثلاً برميل فيه ألف لتر، له عشرون فتحة، الفتحة التي في الأسفل تفرغه كله، والتي في الأعلى تأخذ لترين فقط، مع الله كلما تذللت أكثر تكسب أكثر، مع الله التواضع والخوف والافتقار والتذلل والمسكنة مع الله نجاح كبير.
التذلل والخوف مع الله نجاح كبير
المذيع:
 هذا التضرع.
الدكتور راتب :
 مع العباد كن عزيزاً، أحد الصحابة كان يمشي مشية كأن فيها كبر، فقال له النبي الكريم:

(( إن الله يكره هذه المشية إلا في هذا الموطن))

 مع عدو لدود، أره قوة، صموداً، تماسكاً، لذلك:

(( من جلس إلى غني أو قوي فتضعضع له ذهب ثلثا دينه))

المذيع:
 هذا شيخنا في قوله تعالى:

﴿ تَضَرُّعاً ﴾

[ سورة الأعراف: 55]

 ماذا عن:

﴿ وَخُفْيَةً ﴾

[ سورة الأعراف: 55]

معنى خفيةً :

الدكتور راتب :
 بينك وبينه، لا داعٍ للصوت المرتفع، لو دعوته سراً، والدليل:

﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾

[ سورة مريم: 3]

 أنت واقف دون أن تحرك شفتيك، تستطيع أن تدعو وأنت صامت.
المذيع:
 إذاً في كل الحالات؟
الدكتور راتب :
 أبداً.
المذيع:
 هل من الأفضل للإنسان أن يلزم الدعاء الثابت من القرآن الكريم ومن السنة النبوية الشريفة؟
الدكتور راتب :
 لا داعي، الله يريد قلبك، يريدك أن تدعوه بقلبٍ حاضر، لا بقلبٍ لاهٍ.
المذيع:
 ما هو القلب الحاضر؟
الدكتور راتب :
 يكون متصلاً معه، يرى عظمته، يرى محبته لك، يرى عدله، يرى أنه خلقك للسعادة، أن تحسن الظن به، وحسن الظن بالله ثمنه الجنة.
المذيع:
 فإن وضع معه الأدعية من الكتاب والسنة؟
الدكتور راتب :
 أفضل.
المذيع:
 ما وضع: من قلبه؟
الدكتور راتب :
 صراحة، كأن تقول أرجوك يا رب ارزقني، الدعاء مقبول، الله يريد قلبك، يريد صدقك، يريد إيمانك به، يريد ثقتك به.
المذيع:
 سبحانه وتعالى، أكرمك الله يا دكتور، نختم هذه الحلقة بالدعاء، نسأل الله القبول.

الدعاء:

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسينا ذكرك، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، ارضنا وارضَ عنا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلامة الدكتور محمد راتب النابلسي لهذه الكلمات، مستمعينا كانت حلقتنا تحت عنوان: الدعاء هو العبادة، هو العبادة لأن من يدعو الله فهو موقنٌ بوجوده، وأنه يصنعه، وأنه قادرٌ على إجابة الدعاء، ولمحبته فيستجيب منه الدعاء، نسأل الهب خير الدعاء، بأجره وإجابته يا رب العالمين.
 سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
 والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور