- محاضرات خارجية
- /
- ٠23ندوات مختلفة - الأردن
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الحياة هي الإيمان بالآخرة و معرفة سرّ الوجود و غاية الوجود :
أيها الأخوة الكرام؛ أيتها الأخوات الفضليات؛ بادئ ذي بدء أشكر للجامعة الأردنية الموقرة دعوتها الكريمة التي إن دلت على شيء فعلى حسن الظن بي، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم، وإن وجدتم أيها الأخوة والأخوات في محاضرتي تلك ما كنتم تتوقعون فالفضل لله وحده، وإلا فحسبكم الله ونعم الوكيل.
الأمة بجامعتها، والجامعة بأساتذتها، والأمة بجوامعها، والجوامع بخطبائها، والجامعة مؤنث مجازي، والجامع مذكر مجازي.
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾
بمعنى أنه ينبغي أن تجمع الجامعة والجامع بين الأصالة والحداثة، وهما متكاملان وليسا متناقضين.
يقول أنشتاين أعلم علماء الفيزياء، وهو من المتفوقين، والذي جاء بالنظرية النسبية وانفرد بها: كل إنسان لا يرى في هذا الكون قوة أقوى ما تكون، عليمة هي أعلم ما تكون، حكيمة هي أحكم ما تكون، رحيمة هي أرحم ما تكون، هو إنسان حي لكنه ميت.
أخواننا الكرام؛ ملمح دقيق، عندما وصف الله غير المؤمنين قال:
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
قد يكون نبضه ثمانين، ضغطه ثماني نبضات إلى انثتي عشرة مثالي، عند الله ميت، فالحياة حياة قلوب، حياة أن تعرف سر وجودك، وغاية وجودك، حياة أن تؤمن بالآخرة، وأن تعمل لها.
لذلك أقيم مرة في جامع بدمشق حفل تكريم لأستاذ كبير، من أساتذة علماء النفس، وكان زميلاً لي في كلية التربية بجامعة دمشق، أنا في هذه الجامعة درست ثلاثاً وثلاثين سنة، قال هذا الأستاذ القدير في علم النفس: كل إنسان لا يشعر بحاجة إلى أن يُحِب أو إلى أن يُحَب ليس من بني البشر.
الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، فإذا غذى عقله بالعلم، وقلبه بالحب الذي يسمو به، وجسمه بالطعام والشراب تفوق، فإذا اكتفى بواحدة تطرف، وفرق كبير بين التطرف والتفوق، والتطرف نوعان تطرف تفلتي، إباحية، أو تشددي، التكفير والتفجير.
أخواننا الكرام؛ شيء أقوله بيني وبينكم: أنا لا أتردد لحظة واحدة في تلبية دعوة إلى محاضرة في جامعة ما، لأنني أجد نفسي بالجامعة، ولكن يا رب أعوذ بك أن يكون أحد أسعد بما علمتني مني، وأعوذ أن أقول قولاً فيه رضاك ألتمس به أحداً سواك، وأعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك.
خطاب للنبي الكريم :
والآن إلى الموضوع المقرر الذي طُلب مني، موضوع مولد النبي عليه الصلاة والسلام، أي التنوع مطلوب، محور هذا اللقاء خطاب للنبي الكريم.
يا سيدي يا رسول الله، يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ، يا من قدست الوجود كله ورعيت قضية الإنسان، يا من زكيت سيادة العقل، ونهنهت غريزة القطيع، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع فعشت واحداً بين الجميع، يا من أعطيت القدوة، وضربت المثل، وعبدت الطريق، يا من كانت الرحمة مهجتك، والعدل شريعتك، والحب فطرتك، والسمو حرفتك، ومشكلات الناس عبادتك.
نقطة دقيقة جداً؛ الهرم البشري ثمانية مليارات، يقع على رأس هذا الهرم زمرتان الأقوياء والأنبياء، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، والأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء عاش الناس لهم، والأنبياء عاشوا للناس، الأقوياء ملكوا الرقاب، والأنبياء ملكوا القلوب، الأقوياء يمدحون في حضرتهم، والأنبياء في غيبتهم، والناس جميعاً تبع لقوي أو نبي، فهنيئاً لمن كان من أتباع الأنبياء، وعلى الأقوياء أن يتخلقوا بأخلاق الأنبياء.
يا سيدي يا رسول الله! يا من كان لسان حالك يقول: المعرفة رأس مالي، والعقل أصل ديني، والحب أساسي، والشوق مركبي، وذكر الله أنيسي، والثقة كنزي، والحزن رفيقي، والعلم سلاحي، والصبر ردائي، والرضا غنيمتي، والزهد حرفتي، واليقين قوتي، والصدق شفيعي، والطاعة حسبي، والجهاد خلقي، وجعلت قرة عيني في الصلاة.
يا سيدي يا رسول الله! أشهد أن الذين بهرتهم عظمتك لمعذورون، وأن الذين افتدوك بأرواحهم لهم الرابحون، أي إيمان وأي عزم وأي مضاء؟ أي صدق وأي طهر وأي نقاء؟ أي تواضع وأي حب وأي وفاء؟
يا سيدي يا رسول الله! يوم كنت طفلاً عزفت عن لهو الأطفال، وعن ملاعبهم، وعن أسمارهم، وكنت تقول لأترابك إذا دعوك إلى اللهو: أنا لم أخلق لهذا.
ويوم جاءتك رسالة الهدى، وحُملت أمانة التبليغ قلت لزوجتك وقد دعتك إلى أخذ قسط من الراحة: انقضى عهد النوم يا خديجة.
ويوم فتحت مكة، التي آذتك، وكادت لك، وائتمرت على قتلك، وقد ملأت راياتك رايات النصر الأفق ظاهرة عزيزة، وقد قلت لخصومك بعد انتصارك عليهم، وكان بإمكانك أن تلغي وجودهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
(( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ))
ويوم دانت لك الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها، وجاء نصر الله والفتح، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، صعدت المنبر، واستقبلت الناس باكياً، وقلت لهم: من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليقتد منه، ومن كنت أخذت منه مالاً فهذا مالي فليأخذ منه، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي فليشتمه، ولا يخشى الشحناء، فليس من شأني ولا من طبيعتي.
يا سيدي يا رسول الله، يوم دخلت على ثوبان، ذلك الغلام الفقير، فرأيته يبكي فسألته: ما يبكيك يا ثوبان؟ فقال: يا رسول الله، إنك إن غبت عني أشتاق إليك، فتبكي عيناي، فإذا تذكرت الآخرة، وأنني لن أكون معك في الجنة، حيث أنت في أعلى عليين يزداد بكائي، عندئذٍ هبط جبريل الأمين على قلب سيد المرسلين بقرآن كريم، فقال الله عز وجل:
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ﴾
أنا أبشر الشباب والشابات:
(( اشتقت لأحبابي، فقال الصحابة الكرام: أولسنا أحبابك؟ قال: لا، أنتم أصحابي، أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان، القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر، أجرهم كأجر سبعين، قال: منا أم منهم؟ قال: بل منهم، لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون))
لذلك وحي السماء جبريل نزل ليطمئن هذا الغلام الصغير، فنحن أمة وصفها الله جل جلاله بالخيرية.
تربية الأولاد أكبر تجارة مع الله :
كلمة دقيقة لا تستغربونها، يمكن أن نواجه القنبلة الذَّرية بقنبلة الذُّرية، أولادك الورقة الرابحة بأيدي المسلمين، هذا الابن يحتاج إلى تربية، وأكبر بشارة دققوا:
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾
قال علماء التفسير: ألحقنا بهم أعمال ذريتهم، أي أكبر تجارة مع الله تربية الأولاد.
لذلك أنا أمامي طلاب وطالبات، شباب وشابات، أبشروا أيها الطلاب والطالبات، أيها الشباب والشابات إن ريح الجنة في الشباب، ما من شيء أحب إلى الله تعالى من شاب تائب أو شابة تائبة، والشباب أمل الأمة، والشباب مستقبل الأمة، والشباب قوة الأمة.
القرآن ضرب مثالاً، أنا أضرب مثلاً من واقع حياتنا: الشباب في السيارة هم قوة المحرك ومكانته في السيارة، بلا محركة صارت وقّافة، والعلماء الربانييون هم المقود والموجه، والشريعة هي الطريق المعبد الآنية، والمناهج الأرضية هي الطرق الوعرة التي تحطم المركبة وتشغل الكهرباء، لذلك أقول: خذوا دينكم عن الأرضيات لا عن بعض الفضائيات.
حكمة النبي و محبته لأصحابه :
يا سيدي يا رسول الله! يوم أقبل عليك رجل فظ، غليظ القلب، ولم يكن قد رآك من قبل، غير أنه سمع أن محمداً يسب آلهة قريش، وحمل سيفه، وأقسم أن يسوين حسابه مع محمد، ودخل عليك، وبدأ حديثه عاصفاً مزمجراً، وأنت يا سيدي يا رسول الله تبتسم وتنطلق مع ابتسامتك أطياف النور، وما هي إلا لحظات حتى انقلب الغيظ المتجهم إلى حب، يكاد من فرط الوجد والحياء أن يذوب، وانكفأ على يديك، ودمعه ينهمر من عينيه، ولما أفاق قال لك: يا محمد والله لقد سعيت إليك وما على وجه الأرض إنسان أبغض إليّ منك، وإني لذاهب عنك وما على وجه الأرض إنسان أحب إليّ منك، لقد أشرقت على هذا الرجل أنوار الحق والنبوة.
لذلك قيل: أولياء أمتي إذا رؤوا ذُكر الله بهم، لأن محبة الناس الكامنة في قلبه الكريم فعلت في قلب هذا الرجل فعل السحر، إنها النبوة الحق، والرسالة العظمى.
ولما غضبت صلى الله عليك من غلام لك كلفته بعمل فتأخر في تلبيته، وكان بيدك سواك، فقلت له: والله لولا خشيت القصاص لأوجعتك بهذا السواك، أقصى عقوبة لكن لم يفعلها عليه الصلاة والسلام.
ويوم كنت مع أصحابك في سفر، وأرادوا أن يعالجوا شاة ليأكلوها، قال أحدهم: عليّ ذبحها، وقال الثاني: عليّ سلخها، وقال الثالث: وعليّ طبخها، فقلت وأنت سيد الخلق وحبيب الحق: وعليّ جمع الجطب، فقال أصحابك: نكفيك ذلك يا رسول الله، فقلت لهم: أعرف أنكم تكفونني ذلك، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه.
وعقب غزوة حنين أعطى النبي صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا والغنائم لقريش، وقبائل العرب، ولم يكن للأنصار منها شيئاً، فوجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القال؛ حتى قال قائلهم: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه، فدخل عليه سعد بن عبادة، فقال: يا رسول الله! إن هذا الحي قد وجدوا عليك بأنفسهم لما صنعت في هذا الحي الذي أصبت، دخلت في قومك، وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار شيء، فقال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ أي هل أنت مع قومك؟ قال: يا رسول الله ما أنا إلا امرؤ من قومي، قال: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة، فخرج سعد وجمع الناس في هذه الحظيرة، فلما اجتمعوا أتاه سعد فقال: يا رسول الله قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، فأتاه النبي الكريم، فحمد الله وأثنى عليه، الذي هو أهل البعث، ثم قال: يا معشر الأنصار مقالة بلغتني عنكم، وجدة وجدتموها عليّ في أنفسكم، يا معشر الأنصار! ألم آتيكم ضلالاً فهداكم الله؟ وعالة فأغناكم الله؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟ قالوا: بلى الله ورسوله آمن وأفضل، قال: ألا تجيبونني يا معشر الأنصار، قالوا: وبماذا نجيبك يا رسول الله؟ ولله ولرسوله المن والفضل، قال: أما والله لو شئتم لقلتم ـ الآن دقق ـ ذكرهم بفضلهم عليه، وهو قد ملك الجزيرة من أقصاها إلى أقصاها، وبإمكانه أن يلغي وجودهم، لو شئتم لقلتم فلصَدقتم ولصُدقتم فيه، أتيتنا مكذباً فصدقناك- ذكرهم بفضلهم عليه- ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فأغنيناك، أوجدتم عليّ يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا أنتم برسول الله إلى رحالكم؟ فو الذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شعباً، وسلك الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار، قالوا: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسماً وحظاً، ثم انصرف النبي الكريم عليه الصلاة والسلام .
أيها الأخوة الشباب؛ والشابات؛ أيها الأخوة الأكارم؛ هذا التصرف هل يعبر عن حكمة النبي؟ أم عن رحمته؟ أم عن وفائه؟ أم عن محبته لأصحابه؟ أم عن كل أولئك؟
مبادئ الدعوة إلى الله :
ما من كلمة تقال في أخلاقك يا سيدي يا رسول الله، وفي شمائلك، أبلغ من كلمة سيدنا جعفر بن أبي طالب، ابن عمك رضي الله عنه، يوم كان في الحبشة مهاجراً، وسأله النجاشي عنك، فقال:
(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لتوحيده، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ))
دققوا قالوا: الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي الكريم قرآن يمشي، تعليقي: ما لم يرَ الناس اليوم إسلاماً يمشي أمامهم، أي رجل مسلم، إن حدثك فهو صادق، إن عاملك فهو أمين، إن استثيرت شهوته فهو عفيف، لن تنجح الدعوة إلى الله، القدوة قبل الدعوة، والإحسان قبل البيان، والأصول مع الفروع، ومخاطبة القلب والعقل معاً، والمضامين لا العناوين، والمبادئ لا الأشخاص.
(( ونهانا عن الفواحش، وشهادة الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات ))
فخاطبة ربه فقال:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً ﴾
حاجة كل إنسان إلى منهج قويم و صراط مستقيم :
يا سيدي يا رسول الله! لقد قلت لابنتك فاطمة الزهراء رضي الله عنها: يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار، فأنا لا أغني عنك من الله شيئاً، من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه، لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم.
يا سيدي يا رسول الله! نحن بأمس الحاجة إلى هديك الرباني الذي لا تزيده الأيام إلا رسوخاً وشموخاً، ونحن بأمس الحاجة إلى سنتك المطهرة، التي هي منهج قويم، وصراط مستقيم، والتي لا تزيدها الأيام إلا ثباتاً وتألقاً وإثارة، ونحن في أمس الحاجة إلى أخلاقك العظمى التي لا يزيدها التأمل والتحليل إلا تألقاً ونضارةً ونوراً، لقد كنت بحق بين الرجال بطلاً، وبين الأبطال مثالاً.
تلقى طارئة، قال: لا تقتلوا عمي العباس، عمه في مكة، قال بعض الصحابة، أو أحدهم: أحدنا يقتل أباه وعمه وينهانا عن قتل عمه؟! اختل توازنه، ثم تبين أن عمه العباس كان مسلماً في مكة، وكان عينه على قريش، إدارة ذكية جداً، فإذا سكت قد يُقتل، وإذا لم يشارك يُتهم، وإذا أوضح انتهى دوره، فلا يمكن أن يحل الكلمات، لا تقتلوا عمي العباس، يقول أحد الصحابة الذي اختل توازنه في هذا النهي: ظللت أستغفر الله عشر سنين رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله.
الدعوة إلى الله بصدق و إخلاص :
لقد دعوت إلى الله بصدق وإخلاص، وتلوت على قومك آيات الله العظام، وتحملت الأعباء الجسام، وعلمتهم الكتاب والحكمة، وزكيت الذين آمنوا بك، وساروا على نهجك حتى صاروا أبطالاً، رهباناً في الليل، فرساناً في النهار، يقومون الليل إلا قليلاً.
﴿ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ﴾
﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾
﴿ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾
﴿ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً ﴾
هم تائبون، عابدون، حامدون، سائحون، راكعون، ساجدون، آمرون بالمعروف، ناهون عن المنكر، حافظون لحدود الله.
﴿ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
﴿ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾
﴿ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ ﴾
﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾
﴿ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾
﴿ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾
الأمة الإسلامية لا تموت :
كتعليق طارئ لا تقل: انتهينا، هذه الأمة لا تموت.
(( الخير فيّ وفي أمتي إلى يوم القيامة))
(( أمتي كالمطر لا يدرى أولها خير أم آخرها ))
والله مرة سمعت قصة أثرت بنفسي كثيراً، إنسان بالقدس محصوله الوحيد زيت الزيتون، عنده حقل أشجار زيتون، عصر هذه الأشجار، وكان محصوله ثلاثاً وثلاثين صفيحة زيت على الحدود، هذا الذي يقف على الحدود من أعداء الأمة، قال له: هذا الكم لا يمر إلا بثمن، ما قله ما الثمن؟ قال له: أن تسب محمداً، قال له: والله لا أسبه، هذا الجندي أطلق على كل صفيحة رصاصة بأسفلها، حتى ساح الزيت كله، يقول صاحب هذا الزيت: دمي مشى مع الزيت لأنه مصروف سنة، أقساط الأولاد، أجور البيت، هذا الذي حصل، عاد إلى قريته جانب القدس، وجد في بيته ثلاثاً وثلاثين صفيحة زيت، هذه الأمة لا تموت، هذه أمة باركها الله عز وجل، أولها خير وآخرها خير، لذلك:
﴿ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾
﴿ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾
أي إذا أحب الله عبده ابتلاه، فإن صبر اجتباه، وإن شكر اقتناه.
بربكم مريضان أمام طبيب لامع، الأول معه التهاب معدة حاد، وصف له حمية قاسية جداً لستة أشهر، الثاني معه سرطان منتشر في كل جسمه، سأله الثاني: ماذا آكل؟ قال له: كُلْ كلّ شيء، أيهما أفضل؟ أن نخضع لحمية قاسية تنتهي بسلامتنا وسعادتنا أم أن يقال لنا: كلوا ما شئتم؟ اسمعوا القرآن:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾
يا سيدي يا رسول الله! لقد قلت:
((أَمَرَنِي رَبِّي بِتِسْع؛ خَشْيَةِ الله في السِّرِّ والعلانية ))
والكلمة الدقيقة المخيفة: من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله.
((أَمَرَنِي رَبِّي بِتِسْع: خَشْيَةِ الله في السِّرِّ والعلانية، وكلمة العدل في الغضب والرضى، والقصد في الفقر والغنى ، وأن أَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي، وأعطي مَنْ حَرَمَنِي، وأعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي، وأن يكون صَمْتي فِكْرا ، ونُطْقِي ذِكْرا، ونظري عبرة ))
قيمة الوقت في حياة الإنسان :
يا سيدي يا رسول الله! لقد عرفت قيمة الوقت في حياة الإنسان فجعلته ظرفاً في بطولات تعجز عن صنعها الشعوب والأمم، حتى أقسم الله، دقق، الإنسان يقسم بشيء عظيم، الإله العظيم أقسم بعمر هذا النبي، فقال له:
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
يا سيدي يا رسول الله! ما أحوج المسلمين اليوم إلى أن يصطلحوا مع ربهم، ويخلصوا له دينهم، ويهتدوا بهديه القويم، وصراطه المستقيم، ويتبعوا سنته المطهرة، ثم يدعون بدعائك: فلعل الله يخرجهم من الظلمات إلى النور، دققوا، الطلمات جمع، والنور مفرد، الحق واحد، الحق لا يتعدد، لذلك قالوا: الحق بين حقين لا تكون، مستحيل! بين نقطتين يمر مستقيم واحد، الحرب بين حقين لا تكون، وبين حق وباطل لا تطول، الله مع الحق، وبين باطلين لا تنتهي، راحت مع العمر.
النبي الكريم رحمة للعالمين :
يا سيدي يا رسول الله! يا ذا القلب الذكي، يا من لا تفلت منك شاردة ولا واردة من آمال الناس وآلامهم، إلا لبيتها، ورعيتها، وأعطيتها من ذات نفسك كل اهتمام وتأييد.
يا أيها العابد الأواب، يا من تقف في صلاتك تتلو سوراً طويلة من القرآن في انتشاء وغبطة، لا تقايض عليها ملء الأرض ذهباً، ثم ما تلبث أن تسمع بكاء طفل رضيع، أمه تصلي خلفك في المسجد، وينادي أمه ببكائه، فتضحي بغبطتك الكبرى، وحضورك الجياش، وتنهي صلاتك على عجل رحمة بالرضيع.
يا من سويت نفسك مع أصحابك في بعض العزوات، في غزوة ألف صحابي، وثلاثمئة جواد، فقال: كل ثلاثة على راحلة، أمر من رسول الأمة، نبي الأمة، زعيم الأمة، قائد الجيش، كل ثلاثة على راحلة، ركب الناقة، فلما انتهت نوبته توسل صاحباه أن يبقى راكباً، فقال لهم: ما أنتما بأقوى مني على السير، ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر.
يا من قمت في الفجر ترى دابة تحمل على ظهرها فوق ما تطيق، يوم سألت عن صاحب الناقة وقلت له: ألا تتقي الله بهذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنها شكت إليّ أنك تجيعها وتتعبها.
يا من أرسلك الله رحمة للعالمين.
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾
يا من زكى الله عقلك فقال:
﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾
وزكى لسانك فقال:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾
وزكى شرعك فقال:
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
وزكى جليسك فقال:
﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾
وزكى فؤادك فقال:
﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾
وزكى بصرك فقال:
﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾
وزكاك كلك فقال:
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
وأقسم بعمرك الثمين فقال:
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
نشهد جميعاً أنك أديت الأمانة، وبلغت الرسالة، ونصحت الأمة، وكشفت الغمة، ومحوت الظلمة، وجاهدت في الله حق الجهاد، وهديت العباد إلى سبيل الرشاد.
اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، سيد الأولين والآخرين، وسيد الأنبياء والمرسلين، وعلى اصحابه الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، الذين رباهم تربية حملت أحدهم على أن يقول: والله لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً، وحمل الآخر على أن يقول: والله لو علمت غداً أجلي ما قدرت أن أزيد في عملي.
ونحن نقول مع من قال: يا سيدي يا رسول الله! ما أعقلك! وما أرحمك! وما أوصلك! وما أحكمك! جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، لقد كنت رحمة مهداة، ونعمة مجزاة.
يا سيدي يا رسول الله! لقد أديت الأمانة، وبلغت الرسالة، ونصحت الأمة، وكشفت الغمة، وجاهدت في الله حق الجهاد، وهديت العباد إلى سبيل الرشاد.
مشروعية الاحتفال بعيد المولد :
عن الموضوع الذي يثير الجدل في منصب ديني وهو مشروعية الاحتفال بعيد المولد أو بيوم المولد، فهو مشروع وغير مشروع، مشروع إذا عدّ تطبيقاً لقوله تعالى:
﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾
وقوله تعالى:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾
وقوله تعالى:
﴿ وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾
فإذا كان قلب سيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد ولد آدم يزداد إيمانه ثبوتاً بسماع قصة نبي دونه فليمتلئ قلبنا إيماناً بسماع قصة سيد الأنبياء والمرسلين من باب أولى، أما أن نكتفي برفع الزينات، وتقديم الحلويات، ونحن في تفاصيل حياتنا اليومية في واد، وحياته صلى الله عليه وسلم في وادٍ آخر فهذا ليس بالاحتفال المشروع في شيء، بل هو من الطقوس الاجتماعية التي لا تقدم ولا تؤخر، الاحتفال بالاتباع، لأن العبادات في الأصل أصلها الحظر لا يضاف على الإسلام أي شيء، أما الأشياء فأساسها الإباحة.
لذلك أيها الأخوة؛ نحن نرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون احتفالنا بهذا المولد احتفال اتباع لا احتفال فولكلور.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته