وضع داكن
19-04-2024
Logo
حياة المسلم 2 - إذاعة حياة إف إم - مدارج السالكين : الحلقة 14 - المجاهرون في المعصية
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلّ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، حياكم الله مستمعينا الكرام في مجلس العلم والإيمان مع فضيلة العلّامة الداعية الإسلامي الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، حياكم الله شيخنا وأستاذنا الكريم.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع:
 حفظكم الله دكتور محمد، مرحباً بكم، كذلك نرحب بكم مستمعينا الكرام ومشاهدينا. "المجاهرون بالمعصية" هو عنواننا لهذا اليوم مستمعينا الكرام، شيخنا الحبيب قد يكون هنالك قسمان أساسان لمن يجاهر بالمعصية، إما إنسان لا يحسبها بهذا الاحتساب الكبير، فيقوم بمعصية ولو كان بشكل علني، ويسير فيها، وبعض الأشخاص الذين يتعمدون هذه المعصية، وكأنهم يتحدون الله تبارك وتعالى، كيف يحصل هذا؟ كيف يكون موقف الشرع منهم؟ ونحن كيف نتعامل معهم؟ هذه الأسئلة محور نقاشنا اليوم مع فضيلتكم شيخنا الكريم، أبدأ معكم شيخنا، إذا كان من الممكن أن نعرف المعصية خوفاً من أن نقع فيها ونحن لا ندري، ما هي المعصية دكتور محمد؟

الإنسان باستقامته يضمن سلامته و سعادته :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 بالاستقامة يضمن الإنسان سلامته
أخي الكريم، بارك الله بك، ونفع بك، وأعلى قدرك.
 الإنسان أعقد آلة في الكون، وهذا التعقيد تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، ولهذه الآلة صانع عظيم، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، فانطلاقاً من حرص الإنسان اللامتناهي على سلامته، وعلى سعادته، ينبغي أن يتبع تعليمات الصانع.
 للتقريب: إنسان يمشي في الطريق، رأى لوحة كتب عليها: ممنوع تجاوز هذا الحد، حقل ألغام، بربك هل هذه اللوحة حد لحرية الإنسان أم ضمان لسلامته؟ في اللحظة التي يفهم فيها الإنسان أن الاستقامة على أمر الله ضمان لسلامته ولسعادته في الدنيا والآخرة، هي تعليمات الصانع، تعليمات الخبير، فالإنسان انطلاقاً من حبه لذاته، من حرصه على سلامته، وسعادته، واستمراره، في الأرض الآن ثمانية مليارات إنسان، لا يوجد فيهم واحد على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، إلا وهو حريص على سلامته، من يحب المرض؟ من يحب الفقر؟ من يحب القهر؟ لا أحد، وسعادته، من منا لا يحب أن يكون دخله معقولاً أو جيداً؟ وزوجته يحبها وتحبه؟ وأن يكون أولاده أبراراً ومنزله واسعاً؟ كلنا، فنحن بالفطرة من دون استثناء عندنا حرص لا حدود له على سلامتنا وسعادتنا، الثالثة: واستمرارنا.
 الإنسان بالاستقامة يضمن سلامته، لأنه طبق تعليمات الصانع، وبالاتصال بالله، بأصل الجمال، والكمال، والنوال يضمن سعادته، وبتربية أولاده يضمن استمراره، الاستقامة سلامة.

﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾

[ سورة فاطر: 10]

 بالعمل الصالح سعادة، وبتربية الأولاد استمرار.
 كنت أقول في أمريكا عشرات المرات: لو بلغت أعلى منصب في الأرض، وجمعت أكبر ثروة في التاريخ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس، لذلك الأولاد امتداد للأب والأم، وأنا لا أصدق أن يسعد أب على وجه الأرض وأولاده أشقياء، أنت حينما تعتني بابنك تعتني بنفسك، تعتني بسلامتك.
فلذلك موضوع الدين ليس وردة حمراء أزين بها صدري، الدين هواء أستنشقه، فإن لم أستنشقه الموت محقق.
المذيع:
 دكتورنا الحبيب إذا كانت الأمور بهذا الوضوح ما الذي يدفع الإنسان إلى أن يقع في المعصية ويغضب الخالق سبحانه وتعالى؟

سبب المعصية قلة العلم أو تحرك الشهوة في الاتجاه الخاطئ :

الدكتور راتب :
 نقص علمه، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك.
 تركب سيارتك، على صفحة البيانات تألق ضوء أحمر، فإذا فهمت هذا التألق تألقاً تزيينياً احترق المحرك، قد تحتاج إلى خمسين ألفاً، وإذا فهمته ضوءاً تحذيرياً أن الزيت نقص، توقف السيارة، تشتري لترين من الزيت، والأمر استمر.
 المشكلة في فهم السلبيات، السلبيات في الإسلام تحذير، أما عند عامة الناس فهكذا هي الحياة، فالإنسان ما لم يطلب العلم، الخطأ حتمي، العلم ضوء كاشف.
 تمشي بطريق وعر، فيه حفر، وأكمات، وصخور، ووديان سحيقة، ومنعطفات حادة، ما لم تستخدم الضوء الحادث محقق.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾

[ سورة الحديد: 28]

 المؤمن يمشي بنور الله، سيارة جيدة، لكن الطريق فيه انعطافات كثيرة، فيه صعود و هبوط، فيه وديان سحيقة، وأكمات، وحفر، بالضوء تتلافى كل شيء. فلذلك الإيمان ضوء يسمونه: الاستنارة بنور الله.

﴿ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾

  المؤمن رؤيته واضحة، عنده شهوات مثل أي إنسان آخر، لكن الشهوات لها قنوات نظيفة طاهرة تسري خلالها، بالضبط صفيحة البنزين هي الشهوة، سائل متفجر، إذا وضع في المستودع المحكم بالسيارة وسال هذا البنزين في الأنابيب المحكمة، وانفجر في البستونات، في المكان المناسب، بالوقت المناسب، ولّد حركة نافعة، قد تأخدك في العيد إلى مصيف جميل، صفيحة البنزين نفسها إن صبت على المركبة أحرقت المركبة ومن فيها. فالشهوة قوة دافعة، أو مدمرة، من هو المؤمن؟ تحرك بشهواته، لكن وفق منهج الله.
المذيع:
 إذاً السبب في المعصية دكتور إما قلة العلم، وإما تحرك الشهوة في الاتجاه الخاطئ وهذا يدل على ضعف النفس دكتور؟

المنحرف عن الدين ميت عند الله :

الدكتور راتب :
 طبعاً، لذلك لابد من طلب العلم، هذه الطاولة أمامي جماد، وزن، حجم، طول، عرض، ارتفاع، النبات كالجماد، وزن، حجم، طول، عرض، ارتفاع، لكنه ينمو، والحيوان كالنبات والجماد، وزن، حجم، طول، عرض، ارتفاع، وينمو، لكنه يتحرك.
 المنحرف عن الدين عند الله ميت
الإنسان كالجماد له وزن، وحجم، وطول، وعرض، وارتفاع، وكالنبات ينمو، وكبقية المخلوقات يتحرك، لكن الله خصه بقوة إدراكية وحده، أعطاه عقلاً، هذه القوة الإدراكية ما لم تلبَّ بطلب العلم هبط الإنسان عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، استمع إلى كتاب الله، إلى كلام خالق الأكوان، قال:

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[ سورة النحل:21]

 عند الله ميت، المنحرف عن الدين عند الله ميت، مع أن ضغطه مثالي، ضربات قلبه مثالية، عند الله ميت.

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[ سورة النحل:21]

 فالإنسان الذي أعرض عن الله وصف بالقرآن بأنهم:

﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

[ سورة المنافقون:4]

 خشبة، أو:

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[ سورة النحل:21]

 أو:

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ﴾

[ سورة الفرقان: 44]

 وأسوأ وصف لهم:

﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾

[ سورة الجمعة: 5]

المذيع:
 دكتورنا الحبيب، إذاً أصل الإنسان لما خُلق، خُلق بالفطرة، أن يكون قريباً من الله سبحانه وتعالى، تأتي قلة العلم في الشهوات وما يؤدي إليها توقعه في المعصية.

الله تعالى خلق الإنسان ليرحمه و يسعده في الدنيا و الآخرة :

الدكتور راتب :
 تأكيداً لكلامك الكريم:

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾

[ سورة هود:119]

 خلقهم ليرحمهم، خلقهم ليسعدهم في الدنيا والآخرة، خلقهم ليعطيهم.
 هذه السيارة في الأساس صنعت للسير، وفيها مكبح، المكبح ضمان لسلامتها، المكابح هي المصائب، لفت نظر إلهي، يوجد خطأ بدخلك يا عبدي، خطأ بعلاقاتك، خطأ بلقاءاتك المسائية، خطأ بكسب مالك، خطأ بإنفاق مالك، خطأ بالتحرك من خلال شهواتك، تقريباً الشهوة ممكن أن تمارسها بمئة و ثمانين درجة، الشرع العظيم سمح لك بمئة و عشرين درجة، والباقي محرمة، اشتهيت المرأة يوجد زواج، المال يوجد عمل، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا لها قناة نظيفةً طاهرة تسري خلالها.
 أتمنى من الأخوة المستمعين والمشاهدين أن يتأكدوا أنه ما من شهوة إلا ولها قناة نظيفةً طاهرة تسري خلالها، نتأكد جميعاً أنه لا يوجد بالإسلام حرمان أبداً، لكن يوجد ترشيد، وتوجيه، وهدف سام.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، كلام طيب وجميل، في ظل هذا الكلام ما الذي يدفع الإنسان إلى أن يجاهر بالمعصية ويتصرف فيها بشكل علني؟
 هذا المحور نتوسع مع فضيلتكم بعد أن نقف إلى فاصل قصير، جزى الله شيخنا الذي أتحفنا بهذا الموضوع، وبهذه الكلمات الطيبة.
 "المجاهرون بالمعصية" هو عنوانا حلقتنا مع شيخنا الكريم، وتحدثنا لماذا خُلق الإنسان، وكيف يستقيم ليكون سعيداً في هذه الحياة، وأن المعصية هي أن يشرد عن درب الله تبارك وتعالى، وأغلب من يقع في المعصية لقلة علمه فيتجرأ على الله، لم يدرِ أن هنالك بديلاً مباحاً لها.
 محورنا الآن دكتور لمن يجاهرون بالمعصية، سأضرب لفضيلتك مثالاً: إنسان يتعامل بالربا، والربا محرمة بقول الله تبارك وتعالى:

﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾

[ سورة البقرة:275]

 هناك من يبتلي بها و يخفيها، وهناك إنسان يجاهر بها، أنا مثلاً اشتريت شيئاً ربوياً، ويدعو الناس له، ما حكم من يجاهر بها؟

الخروج عن منهج الله معصية و المجاهرة بالمعصية فجور :

الدكتور راتب :
 الأول عاصٍ، والثاني فاجر، أي خروج عن منهج الله معصية، وأي مجاهرة بالمعصية فجور.
المذيع:
 ما الفرق بين العاص والفاجر دكتور؟
الدكتور راتب :
 الذي يجاهر بالمعصية يتحدى أوامر الله
العاصي ندمان، والندم توبة، العاصي خجلان، والخجل فضيلة، العاصي يلوم نفسه.

﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾

[ سورة القيامة: 1ـ2]

المذيع:
 حتى لو لم يندم دكتور لكنه عصى وأخفاها في نفسه.
الدكتور راتب :
 استحى إذاً، هذا له طريق سالك إلى الله، والله عز وجل يتولاه، يضيق عليه، ويدفعه إلى الطاعة، يعالجه، أما المجاهر فموضوع آخر، هذا يتحدى.
 مثلاً: جالس ببيتك، جاءك خمسة ضيوف، وأنت تحبهم جداً، ولا يوجد عندك شي أبداً، لكن عندك نصف كيلو من اللبن، أضفت له ماء فصار لبناً عيراناً، وضعت له قطع ثلج وقدمته ضيافة، نصف كيلو اللبن لو جاءته نقطة كاز ترميه، هل هذا الكلام صحيح؟ فممكن أن يكون هناك ضعف بالاستقامة، لكن الله.

﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾

[ سورة الأعراف: 156]

 وأنت شيء، أما كبر وعناد وعلو وعجرفة وانفضاض عن منهج الله؟ هذه مشكلة ثانية.
المذيع:
 أي من يتحدى الله عز وجل ويتعمد أن يجاهر بالمعصية هذه مصيبة.
الدكتور راتب :
 مصيبة كبيرة جداً جداً.
المذيع:
 من يجاهر بالمعصية دكتور ليس تحدياً للخالق عز وجل لكن لا يتقيه.

المجاهرة بالمعصية مصيبة والأسوأ منها من يفعلها تحدياً لله :

الدكتور راتب :
 الحقيقة نحن بحياتنا المدنية، الموظفون في أي البلد حوالي مليون موظف، قد يكون معه ابتدائي، أو إعدادي، أو ثانوي، أي توجيهي، أو لسانس، أو بكالوريوس، أو دبلوم، أو دكتوراه، متفاوتون بالمراتب، والمعاشات، والوظائف، واضحة تماماً؟ أما الأمي كلياً فيحتقر المتعلم، وهذا إنسان آخر.
 عفواً، الندم توبة، إذا أكبرت الطائع بادرة طيبة، ما شاء الله! جعلنا الله مثلك، بادرة طيبة، صار هناك طريق لله، إما أن تأمر بالمعروف، أو أن تحب الطائع، كن عالماً، أو متعلماً، أو مستمعاً، أو محباً، أن تحب الحق، وأن تطبقه، أنا أقول هذا الكلام بعلم دقيق.

((إن الله يحب كل قلب حزين))

[صحيح عن أبي الدرداء رضي الله عنه ]

 الحزانى معرضون للرحمة، الحزانى في كنف الله، شخص يعرف أن هناك إلهاً عظيماً، وقد غلط، وهو ندمان، وخائف، ويتمنى أن يغفر الله له، هذا قريب من الله، الحزانى في كنف الله.

((إن الله يحب كل قلب حزين))

 الحزانى معرضون للرحمة، أما الكبر، انتهى، الطريق مسدود، يوجد استعلاء.

(( الكبْرِياءُ ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذَفْتُهُ في النار ))

[مسلم وأبو داود عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة]

المذيع:
 هذا دكتور تحذير لمن جاهر بالمعصية تحدياً وكبراً، من جاهر بالمعصية لأنها شهوة، مثلاً إنسان يريد أن يعمل عرسه، وأحب أن يكون العرس مختلطاً، لا يوجد حجاب، ولا شيء، هذه معصية، وجاهر بها، وعلناً، وصور، ونشر، ودعا الناس ليشاهدوها، هو ليس تحدياً للخالق، وليس استكباراً، ولا علواً، لكن يومه يريد أن يعيشه، يريد أن يسرّ بهذه الطريقة، ولا يهمه إن كان هذا حلالاً أم حراماً.
الدكتور راتب :
 هذا عاص، أما الذي يتحدى الآخرين بهذا بالعمل، يريد أن يقول لأهل الدين: أنتم مخطؤون، أنتم متخلفون، أنتم أغبياء مثلاً، هذا تحدّ سيدي، التحدي خطير، التحدي بعده يوجد قصم.
المذيع:
 المجاهرة بالمعصية مصيبة، والأسوأ منها من يفعلها تحدياً لله، يفاخر بها، وكأنه لا يأبه بالحلال والحرام.
الدكتور راتب :
 هذا انتقلنا إلى الفجور.
المذيع:
 شيخنا أنتقل مع فضيلتكم إلى حديث النبي عليه الصلاة والسلام:

((ومن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة سيِّئة كان عليه وِزْرُها وَوِزْرُ مَنْ عمل بها من بعده من غير أن ينقُصَ من أوزارهم شيء))

[مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه]

 لو أنا جهرت بالمعصية، فكنت نموذجاً اقتدى به غيري هل يصيبني من آثامهم شيء؟

من جاهر بالمعصية يحمل أوزاره و أوزار من اتبعه :

الدكتور راتب :
 قطعاً، ويقيناً، وصدقاً يحمل هذا الذي جاهر بالمعصية أوزار من اتبعوه.
المذيع:
 لكن أنا لم أدعهم ليتبعوني دكتور؟
الدكتور راتب :
 طبعاً لكن أنت لك مكانة، مكانتك دعوة، إنسان له مكانة، عمل عرساً مختلطاً، والنساء كاسيات عاريات، والذين يشاهدون فيلم العرس، انظر هذه ما أجملها؟! انظر إلى الثانية.
المذيع:
 حتى وضحها سيدنا، من شاهد هذه الصور هو آثم لأنه لم يغض البصر، ومن أقام بهذا العرس وصنعه أيضاً هو آثم.
الدكتور راتب :
 لكن الذي قام بالعرس إثمه ضرب مليون، هو سبب الفجور هذا.
المذيع:
 سيدنا، سؤال على الهامش، هل من شارك في نجاح هذا العرس بمعنى المصور مثلاً هل ينوبه من الإثم شيء؟

من شارك بالمعصية فهو شريك في الإثم :

الدكتور راتب :
 طبعاً، انظر سيدي:

(( لعن الله الخمرَ، وشاربَها، وساقيهَا، وبائعهَا، ومُبْتَاعها، وعاصِرَها، ومُعتَصِرهَا وحامِلَها، والمحْمُولَةَ له))

[أبو داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما]

 ذنب الشريك في الإثم كالآثم تماما
وأنا أضيف: والمعلن عنها، جميعاً شركاء في الإثم، بل كلام سيدنا عمر: "لو ائتمر أهل بلدة على قتل إنسان لقتلهم به جميعاً" أتعمق أكثر من ذلك؟ إذا وجدت جهة بالغرب تستطيع بهاتف أن توقف القتل بالشرق الأوسط، هاتف، لا طيران، ولا مدرعات، هاتف، وما عملت شيئاً، حتى قتل مليون شخص ببلد إسلامي، أنا أقول لك بكل خلية بجسمي، وكل قطرة بدمي: هؤلاء الذين بإمكانهم أن يوقفوا القتل بهاتف ولم يوقفوه هم شركاء في القتل.
المذيع:
 القضية ليست يسيرة.
الدكتور راتب :
 عفواً، دعك من الدين، بالقانون، إذا شخص علم أن هناك مشكلة كبيرة، ولم يبلغ عنها، يعاقب بجريمة كتم المعلومات.
المذيع:
 هو لم يشارك بها؟
الدكتور راتب :
 ما اشترك إطلاقاً لكن علم، عليه أن يبلغ، لذلك:

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾

[ سورة آل عمران: 110]

 إله يقول.

علة خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر :

 لكن ما علة هذه الخيرية؟

﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ﴾

[ سورة آل عمران : 110]

 ما المعروف؟ الشيء الذي يعرف ابتداءً بالفطرة.

﴿ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾

[ سورة آل عمران: 110]

 ما المنكر؟ الشيء التي تنكره الفطرة السليمة ابتداءً من دون تعليم.

﴿ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾

[ سورة آل عمران: 110]

 ورد ببعض الآثار النبوية:

((كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر؟ قالوا: يا رسول الله، وإنَّ ذلك لكائن؟ نعم، وأشدُ، كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر ونهيُتم عن المعروف؟ قالوا: يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن؟ قال: نعم، وأَشدُّ منه سيكون قالوا: وما أشدّ منه؟ قال: كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكراً والمنكرَ معروفاً؟))

[ رواه زيادات رزين عن علي بن أبي طالب]

عصر تبدل القيم أخطر عصر نعيشه :

 هذه أخطر حياة نعيشها، عصر تبدل القيم، شخص بيته فخم، أربعمئة و خمسون متراً، أثاث فخم جداً، مستورد من إيطاليا، أرض رخامية، تكييف مركزي، تدفئة مركزية، وكل ماله حرام، إذا أنت معجب بهذا العمل فأنت شريكه، يجب أن تنكر المنكر، ولو بقلبك.
 دخلت لبيت بسيط، لكن صاحبه مستقيم، يجب أن تكبره، ولو بقلبك، القضية ليست سهلة، إعجابك به طمعته.
 مثلاً، لا شيء يقوي الظلم كسكوت العلماء عن ظلم الظالم، فكيف إذا مُدح؟ العملية معقدة جداً، أنا والله لا أبالغ لكن القضية ليست سهلة.
المذيع:
 شيخنا الحبيب في حديثنا عن الجهر بالمعصية، الآن أضرب لفضيلتكم مثالاً حتى نلتفت لمثل هذه القضية، الآن دكتور، لو أن إنساناً اشترى مركبة بالربا، وشجع الآخرين عليها، قال لهم مثلاً: هذه الطريقة في التعامل الربوي طريقة ممتازة، أنصح بها، وكل أمورها يسيرة، جاء صديق من بعده واشترى سيارة مثل هذا الصديق الأول.

الإثم يقع دائماً على الفاسق و من اتبعه :

الدكتور راتب :
 الصديق الأول آثم، والذي قلده آثم، والذي شجعه آثم.
المذيع:
 السعي لهداية البشر أكبر تجارة مع الله
ويأخذ من أوزاره، لأنه كان سبباً لذلك.
الدكتور راتب :

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾

[ سورة الطور: 21]

 وبالمقابل:

﴿ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

[ سورة الطور: 21]

 والذين فسقوا، الذي اتبعه بالفسق آثم مثله.
المذيع:
 الآن إذاً دكتور أول إنسانة مثلاً في ذلك المكان خلعت حجابها وسارت في معصية ابتعادها عن الحجاب هي آثمة ، وكل فتاة قلدتها.
الدكتور راتب :
 والله أكاد أقول: كل من قلدها، أعجب بها، شجعها، أو شجعته، يقع بالإثم نفسه سيدي، أكبر تجارة مع الله إذا أنت هديت إنساناً، لو هذا الإنسان هدى خمسة، والخمسة سعوا إلى هداية مئة، كل هؤلاء في صحيفتك، أكبر تجارة في الحياة مع الله.
المذيع:
 إذاً الإنسان الآن دكتور صار في مستويين، المستوى الأول أن يلتفت إلى أعماله، والمستوى الثاني من الذي يراني ويقلدني، أنا ممكن أعمل المعصية بيني وبين ربي.

السنة منهج كامل :

الدكتور راتب :
 لذلك النبي الكريم اللهم صلّ عليه، له سنة قولية، وسنة عملية.

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾

[ سورة الأحزاب: 21]

 الآن سنة إقرارية، إذا سكت، رأيت منكراً وسكت يوجد مشكلة أيضاً، القولية، والعملية، والإقرارية، وصفاته سنة، إذا صافح لم يسحب يده، صارت صفاته سنة، وأقوله سنة، وأفعاله سنة، وسكوته سنة.
 صحابي توفي، والنبي من عادته إذا توفي صحابي أن يزوره في البيت قبل دفنه، هذا الصحابي اسمه أبو السائب، سمع امرأة تقول: هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله، لو سكت النبي كان كلامها صحيحاً، قال له: " ومن أدراك أن الله أكرمه؟ قولي: أرجو الله أن يكرمه، وأنا نبي مرسل لا أدري ما يفعل بي ولا بكم".
 أقواله سنة، أفعاله سنة، إقراره سنة، سكوته سنة، صفاته سنة، هذه السنة منهج كامل سيدي.
المذيع:
 إذاً يأتي شخص على بعض مواقع التواصل ويستهزئ بفئة من الناس، كل من تعلم الاستهزاء وشاركه في هذا صاحب الخطأ الأول له من أوزارهم، من نشر بشكل علني دكتور هذا الاستهزاء، وانتقص من قيمة أشخاص آخرين، من قلده، من وضع له علامة إعجاب، من شاركه هو أيضاً شريك في هذه المجاهرة والمعصية.
الدكتور راتب :
 والله ولا أبالغ، ولا أزيد عن الحق شيئاً.
 "إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينك، ابن عمر دينك دينك، إنه لحمك ودمك".
المذيع:
 دكتور كيف نربط هذا الكلام، وأستوضح من فضيلتكم هل هو حديث أم مقولة دارجة إذا بليتم فاستتروا، هل هو حديث بداية دكتور؟

الإنسان الراقي يعالج خطأه بالندم و التوبة :

الدكتور راتب :
 سيدي، قول يملك مضمونه، شخص زلت قدمه، فإذا ستر نفسه، ما أغرى الناس بهذه المعصية.
المذيع:
 عليه وزه وحده.
الدكتور راتب :
 ما دام هو ندمان فندمه توبة، هل الندم وحده توبة؟
المذيع:
 حتى نوضحه سيدنا، إذا أنا غلبتني نفسي ولم أتمالكها، ووقعت في الذنب، فعلي أن أقع فيه وحدي دون أن يراني أحد.
الدكتور راتب :
 واستر نفسك، واشكر الله أنه سترك.
المذيع:
 وإذا سترني الله لا أفضح نفسي.
الدكتور راتب :
 الله ستير.
المذيع:
 والأرقى من ذلك أن يعالج ذلك بالندم والتوبة، ولكن على الأقل إن وقع يقع بمفرده.
الدكتور راتب :
 الندم أول مرتبة للتوبة، الندم توبة.
المذيع:
 أما أن يتعمد أن يجاهر الناس به، وكأنه لا حرمة في ذلك.

تباهي الفاجر بمعصيته أمام الآخرين :

الدكتور راتب :
 انقلب، كان عاصياً فصار فاجراً.
المذيع:
 ومن قلده عليه من أوزاره، القضية خطيرة، وليست قضية بسيطة، إنسان لا قدر الله غش في معاملة معينة يسترها، أما إذا وضحها للناس، ونشر، ودعا الناس الآخرين إلى الغش أيضاً، واحتال عليهم، عليه من أوزار من غشه.
الدكتور راتب :
 التوبة ندم وإقلاع وعزم وإصلاح للخطأ إن وجد
هذا إيماني والله، بكل خليه بجسمي أؤمن به.
المذيع:
 سيقول لك أحدهم دكتور: هكذا نحن نشجع النفاق بقاعدة إذا ابتليتم فاستتروا، إذا أردت أن تعمل شيئاً خاطئاً فاعمله، لكن دون أن تعمل أحد بذلك، أما من يجاهر بالمعصية على الأقل هو إنسان صريح، وواضح.
الدكتور راتب :
 لا سيدي، هذا ليس واضحاً، هو وقح، وقح وفاجر، الذي يتباهى بمعصية الله هذا فاجر، لم يعد مؤمناً زلت قدمه، لم يعد إنساناً بقي على خانته الطبيعية.
المذيع:
 يقول لك: أيضاً الآخر يعصي لكن هو مستور عن الآخرين.
الدكتور راتب :
 لكن ذاك أقرب إلى الله، لأنه شعر بالندم، ندمه توبة.
المذيع:
 إذا ندم.
الدكتور راتب :
 طبعاً، والحقيقة التوبة ثلاثة بنود، ندم، إقلاع، عزم، ندم على معصيته، عزم على ألا يفعلها، وأصلح إذا كان هناك خطأ.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور، شيخنا نختصر أفكار لمن انضم إلينا الآن، عبر السمع المعصية هي أن تخرج عن أوامر الله تبارك وتعالى، وعن منهج الله، هنالك في هذه المعصية من القضايا الحساسة أن الإنسان يجاهر بها، ويتعمد أن يقوم بها بشكل علني أمام الناس.

الفاجر يجاهر بالمعصية و الصامت في سلام :

الدكتور راتب:
 إن لم تتكلم معنى هذا عندك خلفية إيمانية معقولة، استحيت من الله، وخجلت بها، وأنت بهذا أقرب إلى التوبة، أما إذا جاهرت بها فهذا تحدّ لخالق السماوات والأرض، لذلك يوجد قصم بعد ذلك.
المذيع:
 وعلى قاعدة إذا ابتليتم فاستتروا لكن لا قدر الله إنسان زلت قدمه، ونفسه أمرته بالباطل، على الأقل يبقى الذنب محصوراً بينه وبين الله، لكن إن تعمد أن يظهره للآخرين إما أنه كبر يتحدى الله.
الدكتور راتب:
 انتقل من المعصية إلى الفجور، الفجور تعريفه الدقيق: المجاهرة بالمعصية.
المذيع:
 والخطورة به أن تتحدى الله سبحانه وتعالى، أو أنك تشجع الناس على هذا الشيء لو لم تقل هذه العبارة، وبالتالي يحمل الإنسان من أوزارهم، ولا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً، وهذا شيء مخيف.
 إذاً دكتور مثلاً من يشجع الباطل، من الذين يسيرون في طريق الفن المحرم واللأخلاقي والهابط، الذين يتابعونهم ويشاهدونهم.
الدكتور راتب :
 والله هذا الكلام موقناً به بكل قطرة دم في جسمي، وبكل خلية في جسمي، هؤلاء الذين يشجعون على الباطل يتحملون أوزار كل من تبعهم وصدقهم، فعليه وزرها، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، هل هناك أوضح من ذلك؟ هي من مسلمات الدين سيدي.
المذيع:
 كلام خطير دكتور، أي إنسان إن وقع في المعصية على الأقل تبقى محصورة بينه وبين الله.
الدكتور راتب :
 الصامت في سلام.
المذيع:
 وهو أقرب للتوبة.
الدكتور راتب :
 والمتكلم إما له أو عليه.
المذيع:
 نعيد القاعدة سيدنا.
الدكتور راتب :
 الصامت في سلام، المتكلم إما له، لو نهى عن هذه المعصية، أو عليه لو سكت.
المذيع:
 الله يفتح عليكم يا دكتور.
 منذر، مرحباً بك.
المستمع:
 السلام عليكم، رفع الله قدرك دكتور، ونفع بك، ونور بصيرتك.
الدكتور راتب :
 بارك الله بك.
المستمع:
 أنا حضرت لك أكثر من درس ولكن لم أتمكن أن أراك شخصياً.
الدكتور راتب :
 تفضل.
المستمع:
 سؤالي دكتور، إنسان دخل في المعصية كثيراً، والله عز وجل كان يحبه، ويستر عليه فتاب، وصار يمشي في أمر الدعوة، أريد أن تشرح لنا عن هذا الوضع، مثلاً إنسان عصى الله عز وجل خمس سنين وهو في المعصية، وبعدها الله عز وجل تاب عليه، فانطلق مثلاً إلى الدعوة إلى الله عز وجل، لكن أثناء المعصية لم يعرف أحد عنه شيئاً، وكان الله عز وجل يتولى أموره ويستر عليه.

من ستره الله عليه أن يذوب خجلاً من ربه :

الدكتور راتب :
 إذا فضح نفسه يغضب الله، الله تفضل عليه وستره، هل يعقل أن يفضح نفسه هو؟ هذا الذي ستره الله ينبغي أن يذوب خجلاً من الله.
المذيع:
 وماذا يفعل في السنوات السابقة التي ارتكب فيها المعاصي دكتور؟
الدكتور راتب :
 إن كان هناك حقوق عباد يكفر عنها.
المذيع:
 وإذا بينه وبين الله؟
الدكتور راتب :
 ذنب يغفر ما كان بينك وبين الله، وذنب لا يترك ما كان بينك وبين العباد، وذنب لا يغفر هو الشرك بالله.
المذيع:
 والعياذ بالله، شيخنا الكريم لو عمل الإنسان أشياء يجاهر بها بهذه السنوات السابقة.

من جاهر بالمعصية ثم تاب فالإسلام يجب ما قبله :

الدكتور راتب :

((الإسلام يجب ما قبله))

[أحمد والطبراني عن راشد مولى حبيب بن أوس الثقفي رحمه الله]

المذيع:
 ابتزاز الآخرين وتهديدهم ذنب كبير
كان يشرب الخمر شيخنا، وهو السبب بثلاثة من أصحابه بدؤوا يشربون الخمر بعد أن رأوه يشرب وهو تاب إلى الله.
الدكتور راتب :
 التوبة النصوحة.
المذيع:
 هم لا زالوا من شاربي الخمر دكتور.
الدكتور راتب :
 هو لا علاقة له.
المذيع:
 أنا من عرفتهم على الخمر دكتور.
الدكتور راتب :
 بوقت الجاهلية.

((الإسلام يجب ما قبله ))

المذيع:
 عليّ أن أدعوهم للحق كما دعوتهم للباطل؟
الدكتور راتب :
 يكون أفضل، وإذا كان هناك حقوق لا تسقط بالتقادم.
المذيع:
 ليست حقوقاً دكتور، لكن أنا جاهرت بالمعصية، وكنت شارباً للخمر، ودللت أصحابي على ذلك.
الدكتور راتب :
 هناك جواب دقيق جداً: يوجد لعبة اسمها شدّ الحبل، إذا كان عاصياً معهم، وتاب الله عليه، وذاق طعم القرب من الله، وطعم الإيمان، عليه أن ينصحهم، لكن هنا إذا نصحهم واستطاعوا أن يجروه إليهم يدعهم، أما إذا أمكنك أن تجرهم إليك فتابع معهم، لعبة شد الحبل.
المذيع:
 سيدنا أنا أريد أن أبرئ نفسي أمام الله، هل أنا مضطر لمن دللته على الباطل أن أدله بعد ذلك على الحق؟ أقول: يا رب عصيتك، ودللته على الباطل.
الدكتور راتب :
 إذا فعلت هذا وقبل لك أجر، إذا ما قبل....
المذيع:
 وهكذا تبرأ ذمتي، إنسان كان ينشر صوراً غير أخلاقية على الانترنيت، الآن مسحها ونوه للناس أن هذا حرام، ونشر الفضيلة، تبرأ ذمته؟
الدكتور راتب :
 أريد أن أقول كلمة دقيقة للأخوة المستمعين: أعرف شخصاً ببلد عربي، إنسان دين، أو امرأة متدينة، عندها موبايل، طبعاً بعد أن مسحت كل شيء عليه باعته، الذي اشتراه كان خبيراً، استرجع كل الصور، حتى أرجعه لها دفعت له سبعة آلاف دولار، ويمكن أخذ نسخة عن هذه الصور، أتمنى من الأخوة المستمعين عندك موبايل فيه صور نساء ألغها كلها، تريد أن تبيعه، لا، أكسره ولا تبيعه، يوجد قدرات الآن عالية جداً تستعيد جميع الصور، لا تدع صورة امرأة بالهاتف تصبح أسيراً لشخص ملك هذا الهاتف، لو نسيته بمكان ما.
المذيع:
 أكرمكم الله دكتور.
 أم مراد تفضلي باتصال جديد.
المستمعة:
 السلام عليكم، يعطيكم العافية.
الدكتور راتب :
 الله يعافيك.
المستمعة:
 دكتور سؤالي من شقين؛ الشق الأول هو كيف يتعامل الإنسان مع العصاة والمنحرفين هل يقاطعهم؟ لا يعرف الإنسان كيف يتصرف معهم مثلاً، نحن نصل لمرحلة لا أحد يسمع النصيحة.
 الشق الثاني من السؤال: ماذا نفعل؟ الإعلام العربي بالذات يزين المنحرفين، والعصاة، والفساق، وصار أولادنا يتخذوهم قدوة لهم، ما دور علماء المسلمين؟

ضرورة ضبط الشاشة للابتعاد عن الانحراف :

الدكتور راتب :
 والله نحن نتكلم ليلاً نهاراً بالموضوع، الشاشة بالبيت ما لم تضبط يوجد مشكلة كبيرة جداً، أكبر مشكلة الشاشة، إذا ما انضبطت، هناك قنوات إسلامية رائعة جداً، وقنوات إخبارية منضبطة، أما مفتوح الأمر لمئتين أو ثلاثمئة قناة، والله يوجد قصص لا تصدق، قد نصل بالأمر إلى زنا المحارم، بهذه الطريقة.
المذيع:
 شكراً لك أم مراد، الشق الأول سنعود له بعد قليل إن شاء الله.
 أم لارا تفضلي.
المستمعة:
 السلام عليكم، كيف صحتك شيخنا الكريم؟
الدكتور راتب :
 الحمد لله.
المستمعة:
 حفظك الله وبارك بك، أنا أحب أن أسمع لك بصراحة.
الدكتور راتب :
 بارك الله بكِ ونولك مرادك.
المستمعة:
 يا شيخ، إنسان مثلاً طوال عمره يعصي الله، ويتفرج على المحرمات، هل هذا ممكن أن يكون له عقاب عندما يكبر أي ينقطع رزقه مثلاً؟

رحمة الله وسعت كل شيء :

الدكتور راتب :
 اسمعي الجواب:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾

[ سورة الزمر: 53]

 أي لم يترك معصية إلا و فعلها.

﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾

[ سورة الزمر: 53]

 أي رحمة الله وسعت كل شيء، وسعت ذنوب الإنسان كلها، لكن البطولة أن يتوب.
المذيع:
 هل التوبة هنا تجب ما قبلها أم سيعاقب على ما فعل؟
الدكتور راتب :
 لا تجب ما قبلها إذا كان هناك حقوق.
المستمعة:
 يتوب ويعصي، يتوب ويعصي.
الدكتور راتب :
 يجب أن يتوب ليوم القيامة.
المذيع:
 ماذا تنصحه دكتور ليثبت على توبته؟

حاجة كل إنسان إلى حاضنة إيمانية :

الدكتور راتب :
 إذاً يحتاج إلى حاضنة إيمانية، يجب أن يعيش مع مؤمنين.

﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 19]

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾

[ سورة الكهف: 28]

 لا يمكن أن يستقيم إلا بحاضنة إيمانية، رفيق مؤمن، سهرة مع مؤمنين، رحلة مع مؤمنين.

﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

 هذه اسمها حاضنة إيمانية.
المذيع:
 جميل! شيخنا، الإنسان الذي اقترف المعاصي لفترة طويلة في حياته، وتاب، ربنا لا يحاسبه على المعاصي القديمة ولا يؤاخذه.

حقوق العباد لا تلغى إلا بالمسامحة أو الأداء :

الدكتور راتب :

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾

المذيع:
 كان يتعامل بالربا دكتور وبعدها تاب، لن يبقى محارباً من قِبل الله ورسوله؟
الدكتور راتب :
 إلا إذا كان هناك أخطاء فيجب أن تصحح.
 هناك محل لأحد أقربائي بالشام، دخل شاب دفع عشر ليرات، وهرب، فقال صاحب المحل لأحد من يعملون عنده: أحضره، فأحضره، سأله: ما قصتك؟ قال له: أنا أكلت قطعة كيك من عشر سنوات ولم أدفع ثمنها، كان ثمنها عشرة قروش، شعر أنه يجب أن يدفع ثمنها، فرمى عشر ليرات.
المذيع:
 إذاً حقوق العباد لا تلغى إلا بالمسامحة أو بأدائها.
الدكتور راتب :
 تؤدى أو تسامح.
المذيع:
والحقوق مع الله سبحانه وتعالى التوبة.

أنواع الحقوق :

الدكتور راتب :
 صحابي جليل كبير، غزا مع النبي، ذهب النبي ليصلي عليه، قال: أعليه دين؟ قالوا نعم، قال: صلوا على صاحبكم، لم يصلّ عليه، صحابي جليل، كان بالجهاد، ليس عملاً سهلاً، الحقوق لا تسقط بالتقادم، جاء صحابي قال: عليّ دينه، فصلى عليه النبي، في اليوم الثاني سأله: أأديت الدين؟ قال: لا، في اليوم الثالث سأله: أديت الدين؟ قال: لا، في اليوم الرابع قال له: أديت الدين؟ قال: نعم، فقال النبي الكريم: الآن ابترد جلده.
 لابد من تأدية الدَّين للعباد
حق يغفر ما كان بينك وبين الله، الصلحة بلمحة، وحق لا يترك ما كان بينك وبين العباد، وحق لا يغفر إطلاقاً، وهو الشرك بالله.
المذيع:
 لمن مات والعياذ بالله مشركاً.
 دكتورنا الحبيب، المعصية خروج عن شرع الله، أكثر ما يعين الإنسان العلم والحاضنة الإيمانية من الأشخاص الأصدقاء الذين يعرفون الله، ويعينون على التوبة، لو أن الإنسان لا قدر الله وقع بالمعصية يستتر، ليس تجرؤاً على الله، ولا تهاوناً بها، وإنما حتى لا نكون سبباً في تشجيع الآخرين لها، ولعل ستره وحياءه من الله يقربه من التوبة والندم، من يتحدى الله بالمجاهرة والمعصية على مصيبة كبيرة، ومن يتعمد إعلان المعصية يحمل أوزار من يقلده، سواء دعاهم أم لم يدعهم، مجرد إبرازها فهو تشجيع تلقائياً للآخرين، والمطلوب من الإنسان إذا تاب ألا يفكر بالماضي، لأنه تاب الله لا يعاقبه.

تلخيص لما سبق :

الدكتور راتب :
 ألا يتكلم عن ماضيه، أخطر شيء أن الله سترك، وغمرك بفضله، كنت أعمل ....، لا، لا، أبداً.
المذيع:
 وربنا لا يحاسب من يتوب إليه.
الدكتور راتب :
 التوبة تجب ما قبلها.
المذيع:
 وكأنه ولد الآن، الله يفتح عليكم يا دكتور.
الدكتور راتب :
 إذا تاب العبد توبة نصوحة أنسى الله حافظيه، والملائكة، وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه.
المذيع:
 شيخنا، في آخر نصف دقيقة من يجاهر في المعصية أنا كيف أتعامل معه؟ هل أفضحه ولا أدعوه ولا أسكت عنه ماذا أفعل دكتور في نصف دقيقة؟

الابتعاد عن التشهير بالناس :

الدكتور راتب :
 الحقيقة الفضيحة بلا مناسبة لا تجوز، أما إذا تكلمت بهذا لأناس أقوى منه، وضبطوه فممكن، إذا كان فضيحتك له تؤدي به إلى التوبة لا يوجد مانع، و لكن لا حق لك أن تشهر به، أبعدته عن الله.
المذيع:
 لم أتحدث عن شخصه دكتور لكنني نقدت سلوكه المعلن، مثلاً يشرب الخمر، لا أتحدث عن فلان، لكن.
الدكتور راتب :
 النبي علمنا ألا نذكر العاصي باسمه، قال:

((ما بَالُ أقوامٍ يقولون كذا وكذا))

[ صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه]

 هذا الجواب.
المذيع:
 ما اعترض على المعصية، جابهها هو بإعلانها، نحن نجابهها بإنكارها علناً دون الاسم.
 بارك الله بكم شيخنا، نختم حلقتنا بالدعاء، ونسأله تعالى القبول.

الدعاء :

الدكتور راتب :
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، اجعل هذا البلد الأردن آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلّامة الدكتور محمد راتب النابلسي، سبحانك الله وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور