- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠2برنامج حياة المسلم 2-مدارج السالكين
مقدمة :
الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلّ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وحياكم الله مستمعينا الكرام، وأهلاً ومرحباً بكم معنا على الهواء مباشرةً عبر أثير إذاعتكم حياة fm في حلقة علمية جديدة، مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي.
هذا البرنامج يأتيكم مستمعينا كل ثلاثاء بحوله تعالى مباشرة من الثالثة وحتى الرابعة عبر توقيت الأردن، ويعاد بذات الليلة، الإعادة الأولى في الحادية عشرة مساء، ويوم الجمعة في الخامسة مساءً، فأهلاً ومرحباً معنا بكم دائماً وأبداً مستمعينا الكرام.
شيخنا الجليل فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي مرحباً بكم.
الدكتور راتب:
بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
المذيع :
حياكم الله يا دكتور ونحن سعيدون لوجودكم معنا، شيخنا الكريم ابتداءً من اليوم سنبدأ سلسلة علمية جديدة بعنوان: " مدارج السالكين "، هذا كان جهداً علمياً كبيراً لفضيلتكم أظن في سنة التسعين.
رجل الدين متميز لا يقبل كلامه إلا بالمصداقية و التطبيق :
الدكتور راتب:
الحقيقة هو الكتاب لابن القيم الجوزية، من أفضل كتبه المنضبطة، والحقيقة أن دائماً الإسلام فيه نصوص، فيه أحكام، فيه أمر، فيه نهي، الإنسان في حاجة إلى الله، إلى أن يبكي في صلاته، إلى أن يشعر أنه مقرب من الله، فنحن عندما نهمل الجانب النفسي للإسلام، الجانب التألقي للإسلام نكون قد أهملنا نصف الدين، فهذا سبل الوصول إلى الله عز وجل، فالإنسان إذا عنده معصية مثلاً: الإنسان قد ينتفع من طبيب، ولا يعنيه من الطبيب إلا علمه، وقد ينتفع من محام ولا يعنيه من المحامي إلا علمه، وقد ينتفع من مهندس، إلا أن رجل الدين لا يمكن أن ينتفع الناس به إلا إذا تيقنوا أن ما يقوله يفعله، نستطيع أن نسميها المصداقية، فرجل الدين متميز، لا يقبل كلامه إلا بالمصداقية، بالتطبيق، فالإنسان عندما يصل إلى الله يشعر بالقرب، يشعر بالحب، يشعر بالتألق، يشعر بالتزكية، الله عز وجل قال:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾
ما التزكية؟ طهر النفس، عفاف النفس، إنصاف النفس للآخرين، محبة النفس لمن حولها، و الدين عندما يفقد منه الناحية النفسية يبقى نصوصاً، وبمعنى آخر عن الأديان الأخرى أساطير، أما الدين كمنهج إذا ما طبقته لا تقطف ثماره، وهذه حقيقة أنا أعدها أفضل ألف مرة من الوهم المريح، لن نقطف من ثمار الدين إلا إذا طبقناه، مثلاً النبي يقول وهو أصدق القائلين في الحديث النبوي:
(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
والحديث صحيح، معنى ذلك أن المسلمين ملياران، وليست كلمتهم هي العليا، وليس أمرهم بيدهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، إذاً عندنا مشكلة كبيرة، أقوى نص بهذا المعنى:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾
وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، قال:
﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾
هذا قانون.
﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
فإذا كنا في الواقع الحقيقي، وفي الحقيقة المرة لسنا مستخلفين، ولسنا ممكنين، ولسنا آمنين، فعندنا مشكلة كبيرة، خلل كبير، أين الجواب؟ بآخر كلمة بالآية:
﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾
فإذا أخلّ الطرف الآخر بما أمر به من ثلاثة أشياء وعدنا الله بالاستخلاف، لسنا مستخلفين، وعدنا بالتمكين، لسنا ممكنين، وعدنا بالأمن، لسنا آمنين، فهناك مشكلة كبيرة تستنبط من آخر كلمة بالآية:
﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾
.
العبادة علة وجود الإنسان في الدنيا :
لذلك الإنسان علة وجوده في الدنيا العبادة، والدليل:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
أما العبادة الشعائرية فمفروغ منها صلاة، صوم، حج، زكاة، النطق بالشهادة، الحقيقة الدقيقة جداً جداً أن العبادة الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت معها العبادة التعاملية، لذلك:
(( يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة، يجعلها الله هباءً منثوراً قيل: جلهم لنا يا رسول الله؟ قال: يأكلون كما تأكلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))
راحت الصلاة، الصيام:
((مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ))
راح الصيام، الحج:
(( من حج بمال حرام ووضع رجله في الركاب وقال: لبيك الله لبيك، ينادى أن لا لبيك ولا سعديك، وحجك مردود عليك ))
الشهادة:
(( من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها؟ قال: أن تحجبه عن محارم الله ))
العبادات الشعائرية لا تصح، أو لا تقبل، أو لا تقطف ثمارها، إن لم تصح العبادة التعاملية، لذلك قالوا: ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط، كأنني وضعت يدي على مشكلة المسلمين الأولى، أعدادنا كبيرة، ملياران.
(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
لكن يوجد تقصير، للتقريب لاخواننا المستمعين والمشاهدين: تصور بيتاً فيه كل الآلات الكهربائية، كلها بلا استثناء، ثلاجة، غسالة، مكيفات، ميكرويف، كله موجود، لكن لا يوجد كهرباء، كل الآلات كتل بلاستيكية صماء، لا قيمة لها، الآن لأن التيار الكهربائي مقطوع، سأقول كلمة فيها مبالغة: لو قطعته ميلي واحداً أو متراً مثل بعضها لأن التيار انقطع.
فما لم تنعقد هذه الصلة بالله عز وجل، ما لم تنعقد صلة العبد بربه من خلال استقامته، ضبط لسانه، ضبط عينه، ضبط سمعه، ضبط دخله، ضبط إنفاقه، هناك دخل محرم، والناس غرقى فيه كثيراً.
والله أذكر شخصاً من حلب مرة استشارني قال لي: والله أنا قابض رشاوى كثيرة ماذا أفعل؟ هل يوجد حل لها؟ الله ألهمني الحل، قلت له: أنت لا تستطيع أن تقدرهم؟ قال: ممكن أقدرهم، قلت له: قدرهم وادفعهم للجمعيات الخيرية، الدولة من مسؤولياتها تدفع للجمعيات الخيرية.
المذيع :
كأنه أعاد المال للدولة، وانتفع به الناس.
الثقة بالله و عدم اليأس من رحمته :
الدكتور راتب:
الدولة مكلفة بدعم الجمعيات، الحقيقة هي:
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّه ﴾
الحقيقة أن اليأس من رحمة الله، هذا اليأس يقترب من الكفر، لا ييئس من رحمة الله إلا القوم الكافرين، فأنا أحب المؤمن أن يكون عنده ثقة بالله عز وجل.
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّه إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾
لكن ما هي التوبة النصوح؟ التوبة النصوح تعني الندم الحقيقي على ما مضى، وترك المعصية فوراً، وأن نعقد العزم فوراً على ألا نعود إليها، الندم على ما مضى، النبي قال:
(( الندم توبة ))
المذيع :
شيخنا عندما نتحدث ونقول: مدارج السالكين، ما المقصود؟ ماذا تعني كلمة مدارج؟ وماذا تعني كلمة السالكين؟
مدارج السالكين مفاتيح يصل بها الإنسان إلى الله :
الدكتور راتب:
المدارج المراتب، والسالكين إلى الله، أي الله عز وجل بالأثر القدسي يقول:
(( ابن آدم اطلبنِي تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))
الاستقامة درجة إلى الله، والعمل الصالح درجة، وبر الوالدين درجة، وخدمة الناس درجة، والصدق بالتعامل درجة، والإخلاص بالبيع والشراء درجة.
مدارج السالكين؛ ستكون الموضوعات القادمة إن شاء الله تعالى الاستقامة، العمل الصالح، إحكام الصلة بالله عز وجل.
المذيع :
نحن نوضح هذا في الحلقة الأولى من سلسلة مدارج السالكين، باعتبارها المقدمة إذاً كلمة مدارج تعني منازل، والسالكين السائرين إلى الله تبارك وتعالى.
الدكتور راتب:
والأصل:
(( ابن آدم اطلبنِي تجدني، إن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء ))
المذيع :
إذاً هذه المدارج دكتور هي عبارة عن مفاتيح، كيف يصل الإنسان إلى الله، أي الإنسان المسلم أم أي إنسان؟
الدكتور راتب:
المسلم طبعاً، الأصل أن تعرف الله، أن تعرف أن هناك إلهاً، يوجد إله عظيم خلقك من لا شيء، يوجد جنة، و نار، و حساب، و عقاب، و برزخ.
المذيع :
هل يستفيد من هذه المدارج دكتور غير المسلم إذا استمع إليها أم هي بحاجة إلى مؤمن مسبقاً؟
الدكتور راتب:
هذه الموضوعات تغري غير المؤمن أن يسلك طريق الإيمان، إما أن ترقى بها أو أنها تحفزك على أن تسلك سبيلها.
المذيع :
شيخنا الكريم عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث النبوي:
(( من عرف نفسه عرف ربه ))
كيف يمكن لهذا أن يكون رابطاً في وصول الإنسان إلى الله تبارك وتعالى؟
للإنسان قوة إدراكية تمكنه من الوصول إلى الله سبحانه :
الدكتور راتب:
الإنسان إذا عرف أنه المخلوق الأول:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
إذا علم أنه المخلوق الأول رتبةً، ركب الملك من عقل بلا شهوة، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل، وركب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان.
إذاً الإنسان عنده عقل وعنده شهوة، الحيوان شهوة بلا عقل، والملك عقل بلا شهوة، والإنسان من كليهما، فالإنسان مرشح أن يكون فوق الملائكة، أو دون أحقر حيوان، الدليل القرآني:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾
أني خير ما برأ الله، آخر الآية:
﴿ أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴾
فالإنسان بين أن يكون أعظم مخلوق على الإطلاق رتبةً أو أن يكون أحط إنسان مكانةً، لذلك الله عز وجل أول كلمة، بأول آية، بأول سورة قال له:
﴿ اقْرَأْ ﴾
لماذا؟ هذه الطاولة التي أمامي، جماد، لها طول، عرض، وزن، ارتفاع، وحجم، هذا الجماد، النبات يزيد عليه بالنمو، النبات ينمو، أيضاً له وزن، وحجم، وطول، لكنه ينمو، والحيوان يزيد عليهما بالحركة، يمشي، الهرة تمشي، أما الإنسان فله من صفات الجماد، الوزن، والطول، والعرض، والارتفاع، ومن صفات النبات أنه ينمو، من صفات بقية المخلوقات أنه يتحرك، لكن الله أودع فيه قوة إدراكية، القوة الإدراكية وحدها يتميز بها.
المذيع :
الله يفتح لكم دكتور لهذا الكلام الطيب، سنكمل مشوارنا ومقدمتنا في مدارج السالكين بعد فاصل قصير.
حياكم الله مستمعينا الكرام وأهلاً ومرحباً بكم معنا على الهواء مباشرةً عبر أثير إذاعتكم حياة fm، متواصلين في مجلس العلم والإيمان بحوله تعالى مع الدكتور محمد راتب النابلسي، وحلقتنا الأولى من سلسلة مدارج السالكين في المقدمة الأولى فيها.
نرحب بمشاركتكم الهاتفية في موضوعنا في تزكية النفس، وفي سبل الوصول إلى الله تبارك وتعالى، مرحباً باتصالاتكم مباشرة من الآن وحتى الرابعة، هذا اللقاء أسبوعياً يأتيكم بحوله تعالى يوم الثلاثاء في الثالثة بعد صلاة الظهر، ويعاد في ذات اليوم الساعة الحادية عشرة مساءً، والجمعة في الخامسة مساءً، وعبر إذاعة حياة على موقع اليوتيوب، يمكنكم العودة لهذه الحلقة وسابقاتها على موقع حياة fm، فأهلاً ومرحباً بكم.
دكتور، كنا قبل الفاصل بدأنا في مقدمة مدارج السالكين ألا وهي سبل الوصول إلى الله تبارك وتعالى، أيضاً سأنتقل إلى الحديث النبوي الشريف.
الدكتور راتب:
النص الدقيق، مدارج السالكين في إياك نعبد وإياك نستعين.
المذيع :
هذا كتاب ابن القيم.
الدكتور راتب:
هذا الكتاب الأساسي.
المذيع :
دكتور في قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً ))
كيف يمكن للعقل أن يقود الإنسان إلى محبة الله؟
مبادئ العقل تقود الإنسان إلى محبة الله :
الدكتور راتب:
لأن العقل الجهاز الوحيد، الذي هو أعقد جهاز بالكون، والعقل كما يقال عاجز عن فهم ذاته، الله أعطانا بالعقل قوة إدراكية، العقل فيه مبادئ ثلاثة، التحليل الدقيق، مبدأ السببية، العقل لا يفهم شيئاً بالكون إلا بسبب، مبدأ الغائية، ولا يفهم شيئاً بلا غاية.
أحياناً أنت تكون راكباً سيارتك، تجد سيارة شاحنة فيها سلسلة تلمس الأرض، تقول: لماذا هذه؟ أنت لا علاقة لك بالشحن إطلاقاً، والموضوع لا يعنيك إطلاقاً، لكن عندك حاجة عقلية هذه لماذا؟
مرة اشتريت جهازاً صغيراً، قرصاً تضعه في الحليب، لا يغلي، يغلي لكن لا يفور ماذا حصل؟ نحن إذا غلينا الحليب يمكن أن يفور، وإذا فار نخسر ثلثه على البوتوغاز، فتشتري قرصاً زجاجياً و تضعه بقعر الوعاء كي لا يفور الحليب، أنا مشكلتي انحلت فالحليب لم يعد يفور، لكن لم أستطع أن أحل مشكلتي العقلية، هو ماذا يفعل؟ يجمع الفقاعات فتخرج من محل واحد، فالقرص له مثل القبة وفيه ثقب، تتجمع الفقاعات تخرج من محل واحد مثل الصاروخ، تخترق القشدة فلا يفور الحليب، فأنت لو عندك هذا الجهاز حلت مشكلتك، ولكن عندك حاجة ثانية أن تعرف ما الآلية، كيف؟ فالعقل لا يفهم شيئاً بلا سبب.
مثلاً يحتاج وليد البقرة إلى كيليين من الحليب كل يوم، تعطيك ستين كيلو، الفرق لمن؟ تأتي الآية:
﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾
مرة بحثت عن كلمة لكم وجدت ثماني عشرة آية، أي صنعت خصيصاً لكم.
المذيع :
إذاً العقل دكتور يفكر في مبادئه الثلاثة، لكل شيء سبب، ولكل شيء غاية، والثالث؟
الدكتور راتب:
السببية، والغائية، وعدم التناقض. كيف؟ شخص متهم بجريمة بعمان، أثبت بيقين قطعي من قبل مسؤول كبير أنه كان عنده بهذا الوقت، ما دام كان بعمان وكان بالعقبة بآن واحد فهذا مستحيل، إذاً يخرج براءة.
العقل البشري لا يفهم شيئاً بلا سبب، مبدأ أول، ولا شيء بلا غاية، ولا يقبل التناقض.
المذيع :
كلام جميل، أخي عاطف مرحباً بك باتصال هاتفي، تفضل.
السائل:
السلام عليكم.
المذيع :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياكم الله، أهلاً وسهلاً.
السائل:
أول شيء لي الشرف أن أتحدث معكم على الهواء مباشرة، وخاصة مع الدكتور الشيخ الفاضل، ويزيدني شرفاً أن الإنسان يبحث عن برامجه حتى يسمع له ويستفيد منه، واستفدت منه كثيراً بإذن الله.
الدكتور راتب:
بارك الله بك.
السائل:
وبارك الله بك، و أطال عمرك أنت وأمثالك والسامعون، شيخنا إذا سمحت إذا ربنا أعطى إنساناً الحكمة، هناك علامات تدل على الإنسان نفسه أنه أخذ الحكمة من رب العالمين، أو ربنا أعطاه الحكمة، ما هي الأشياء التي يستطيع أن يعرف أنه استفاد من هذه الموهبة العظيمة من رب العالمين؟ شكراً لك.
المذيع :
شكراً لك ولاتصالك ولدعواتك أخ عاطف، شيخنا الكريم:
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾
الحكمة أكبر عطاء إلهي يحصّلها الإنسان بالصلة بالله :
الدكتور راتب:
أكاد أقول: إن الحكمة أكبر عطاء إلهي، أنت بالحكمة تجعل العدو صديقاً، ومن دون حكمة تجعل الصديق عدواً، أنت بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة العاشرة، وبلا حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى، أنت من دون حكمة تبدد المال الكثير، وبالحكمة تتدبر أمرك بالمال القليل، لذلك لم يقل: ومن يكون حكيماً، ولم يقل الله: من كان حكيماً، قال:
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ﴾
الحكمة لا تؤخذ، ولا تقلد، ولكن تؤتى كأكبر عطاء إلهي للمؤمن.
المذيع :
كيف يصل الإنسان لها دكتور؟
الدكتور راتب:
من الصلة بالله، لماذا؟ الصلاة الحقيقية انعقدت صلته بالله، اشتق من الله الرحمة، عنده رحمة، لم يعد عنده غضب شديد، لا يهدم شيئاً عمره بسنة، صار عنده رحمة، الصلة بالله تعمل رحمة، تعمل حكمة، أوتي الحكمة، أوتي الرحمة، أوتي الإنصاف، ينصف، غير معقول أحد الأصهار يأخذ كل شيء، والصهر الثاني ليس له شيء.
المذيع :
ما هي علامتها؟ كيف يعرف الإنسان أنه أصبح حكيماً أو أن آخر من الناس أصبح حكيماً؟
علامات الحكمة :
الدكتور راتب:
ما دام معه خط ساخن إلى الله، معنى ذلك أنه كان حكيماً وانتفع من حكمته، لأن الإنسان عندما يعصي، وعندما يظلم، وعندما يحابي، أو عندما ينافق انقطعت الصلة بالله عز وجل.
المذيع :
شيخنا، هل معنى هذا أن الحكمة مرتبطة فقط بالمؤمنين؟ ألا يمكن أن يكون الإنسان غير مسلم وحكيم وموزون في القرارات؟
الفرق بين الفلاح و النجاح :
الدكتور راتب:
ذاك نسميه ذكياً، قالوا: ما كل ذكي بعاقل، قد تستطيع أن تجمع تسعين ملياراً، مثل بيل كيت، قد تجمع المال الكثير، فجمع المال نجاح، دقق، اعتلاء منصب رفيع نجاح، امتلاك قصر نجاح، هذه كلها نجاحات، لكن الله عز وجل ذكر الفلاح، الفلاح شيء آخر، الفلاح أن تنجح في معرفة ربك، معرفةً، وطاعةً، وعملاً صالحاً، وإقبالاً، وأن تنجح في علاقتك بأهلك، زوجتك، وأولادك، وأن تنجح في عملك، وأن تنجح في صحتك، فالنجاح إذا صار شمولياً انقلب إلى فلاح، النجاح إذا صار متعدداً شمولياً نجحت مع الله معرفة، وطاعة، وفي بيتك، وفي عملك، وفي صحتك انقلب إلى فلاح، أكثر من عشرات الآيات، أو مئات الآيات:
﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
أي حققوا المراد في وجودهم في الدنيا.
المذيع :
سامحني على الصراحة، كثير من المسلمين، ومن المتدينين، ومن المؤمنين الذين لديهم النجاح دينياً لكنهم فاشلين في الدنيا، أي ما عندهم قدرة قوية على التواصل، لا يمتلكون حساً جيداً، هذا عمل صدمة عند الناس أن الدين لا يحقق النجاح.
الفرق بين حقائق الإيمان و حلاوة الإيمان :
الدكتور راتب:
لعلك رأيته يصلي مثلاً، النبي قال:
(( قم فصلِّ إنك لم تصلِّ))
أنا لا أريد العبادات الظاهرة، أريد قلباً انعقد على محبة الله، وطبق الدين في بيته، الإنسان عندما يطبق الدين أمام الناس ضعف مركزه عند الله، ما هو الإخلاص؟ أن يستوي عملك في الخلوة وفي الجلوة، وأن تستوي عبادتك في العطاء والمنهج، بالحالات المتناقضة هذا الامتحان، لذلك النبي قال:
(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ))
أنا مضطر أقول كلمتين: عندنا حقائق الإيمان، وحلاوة الإيمان، الحقائق معك كتالوج مرسيدس 2018م، طباعة رائعة جداً، منظر عام للسيارة، ماشية في طريق أخضر كله، المنظر الداخلي للفرش، للتابلو، للمحرك، ميزاتها، الأحصنة، القوة، أي معلومات دقيقة جداً جداً جداً، مع صور رائعة جداً جداً جداً، لكن هذا كتالوج، الفرق بين السيارة ككتالوج وبين أن تركبها وتملكها مسافة كبيرة جداً، هذا الفرق بين حقائق الإيمان، وحقائق حلاوة الإيمان، النبي قال:
(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ))
الثمن باهظ، أن يكون الله، أي يكون في قرآنه، أي شرح منهي:
(( وَرَسُولُهُ - في سنته - أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ))
لو سألت الآن ملياراً وثمانية ملايين مسلم، الآن صاروا مليارين، لو سألت بكتاب خطي ملياري مسلم أليس؟
((اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا))
الجواب: كلهم يقولون: نعم، ليس هذا المعنى، عند التعارض إذا تعارضت مصلحته المادية، أي شركة هو وكيلها، ألزموه باستيراد مادة محرمة خمور مثلاً، هو دخله منها كبير جداً فوافق، أن يكون الله ورسوله، الله في قرآنه، ورسوله في سنته:
((أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا))
دفع ثلث حلاوة الإيمان، الثلث.
(( يحب المرء لا يحبه إلا لله))
أي أن توالي المؤمنين ولو كانوا ضعافاً وفقراء، وأن تتبرأ من الكفار والمشركين ولو كانوا أقوياء وأغنياء.
هذا الولاء والبراء يسمونه الفريضة السادسة، معنا صوم، صلاة، حج، زكاة، الولاء والبراء، أن توالي المؤمنين ولو كانوا ضعافاً وفقراء، وأن تتبرأ من المشركين ولو كانوا أقوياء وأغنياء:
((....وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ...))
مثلاً إنسان عادي واقف على شط الماء، لو جاءت موجة عاتية تأخذه للبحر، أنا عندما أتصور المؤمن في قمة جبل مهما علا الموج، ومهما هاج البحر هو في منأى، لأن إيمانه قوي جداً، هذا أنا إيماني.
المذيع :
الله يفتح عليك دكتور، أخي ماهر تفضل باتصال جديد يا مرحباً، تفضل.
السائل
السلام عليكم ورحمة الله.
المذيع :
أهلاً وسهلاً.
السائل:
أهلاً بك أحب أن أسلم على فضيلة الشيخ، شيخ أريد أن أسألك، أنا الحمد لله تبت إلى رب العالمين من سنة تقريباً، وملتزم بالصلاة الحمد والشكر لله، وأتابع كثيراً برامجك على التلفاز، وعلى الراديو، وعلى الفيس بوك، أتابعك بكل شيء، لكن شيخ أريد أن تفيدني بشيء، أنا عندما أصلي يوجد شيء بداخلي يسبّ، لا أستطيع أن أصلي مئة بالمئة بخشوع، أحياناً أخشع، و أحياناً وأنا بنصف الصلاة يأتيني هذا الشيء، حاولت بالرقية، حاولت بالأذكار، بكل شيء أن أبعد هذا الشيء عني، أريد أن تفيدني يا شيخ إذا سمحت.
محاسبة الله الإنسان على عمله فقط :
الدكتور راتب:
أولاً: أحب أن أطمئنك أن الله يحاسب على العمل فقط، ما دام هناك عمل فقط يحاسب عليه، أما الخواطر الوساوس التصورات، فهناك مليون تصور غلط، الله عز وجل من كرمه، ومن رحمته، ومن عفوه وغفرانه، لا يحاسب على الخواطر، لكن هذه الخواطر إذا ما أنت دفعتها، ما بحثت عن إجابتها القوية تقوى أكثر، وتحجبك عن الله عز وجل.
المذيع :
فكيف يتخلص منها دكتور حتى يخشع بصلاته؟
طلب العلم فريضة للخشوع في الصلاة :
الدكتور راتب:
بطلب العلم، طلب العلم فريضة.
﴿ اقْرَأْ ﴾
أول كلمة، بأول آية، بأول سورة، أي اطلب العلم، ويحتاج شيئاً إيمانياً، حاضنة إيمانية.
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾
الآية الثانية:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
تريد حاضنة إيمانية، تحتاج سهرة مع مؤمنين، تحتاج نزهة مع مؤمنين.
المذيع :
إذاً عليه بالعلم وإن لم يكن يستطيع التفرغ لطلب العلم، يمكن أن يحصل العلم بالدروس المنتشرة، وما شابه، والصحبة الصالحة، الله يفتح عليك يا دكتور.
الدكتور راتب:
لأن الصاحب ساحب.
المذيع :
شيخنا الكريم نكمل في ملفنا وموضوعنا عن مدارج السالكين، وفي مقدمة سير الإنسان إلى الله تبارك وتعالى، كنا نتحدث عن الأشخاص الذين يظهر لنا سمة التدين عليهم، لكنهم أشخاص ليسوا سعداء، من ابتلاء لابتلاء، غير متفوقين في الحياة، غير موفقين أكاديمياً فصار هناك تناقض بين ما يسمعونه من دروس مثل دروس فضيلتكم، أن المسلم ربنا معه، وينجحه، ويحميه، وبين الواقع الموجود، أين الخلل؟ وما الحل؟
وعد الله للمؤمن بالجنة يمتص كل أتعابه :
الدكتور راتب:
أريد أن أضرباً مثلاً؛ إنسان يسكن في غرفة واحدة، عنده خمسة أولاد، دخله لا يكفي ثمن خبز لهم، هذا وضعه، أنا حاولت أن أضع شروطاً قاسية جداً، له عم غني كبير معه خمسمئة مليون، مات بحادث، لا يوجد عنده أولاد، وهو وريثه الوحيد، ما الذي حصل؟ خلال ثانية واحدة انتقل للفقير المدقع خمسمئة مليون، أما حتى يقبضن فيحتاج إلى سنة، لماذا بهذه السنة سعيد؟ ما أكل لقمة زيادة، ما اشترى دراجة، الله ماذا قال؟
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ﴾
بالمئة مليون.
﴿ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
أنا أقول: وعد الله للمؤمن بالجنة يمتص كل أتعابه، المؤمن إنسان مثله مثل أي إنسان آخر، يوجد غلاء أسعار يعاني منه، يوجد تشتت يعاني منه، يوجد ضغط يعاني منه، يوجد عنده أولاد كثر يعاني منه، دخله قليل يعاني منه، يعاني كما يعاني جميع الناس، لكن يتميز عنهم أن الله وعده بالجنة.
﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ﴾
هذا إيماني أنا، لكن الفرج قريب إن شاء الله، أي الامتحان لا يستمر.
المذيع :
شيخنا نتوسع بالنقطة التي طرحها أخونا ماهر وهي تصيب كثيراً من الناس، حينما يأتيه تشويش أثناء عبادته، يذكر الرب لا يفرح، يصلي فتأتيه وساوس، يفكر بأشياء قديمة، أشياء مزعجة أحياناً، المعاصي كان قد قام بها، يعود ويتذكرها أثناء الصلاة، فلا يخشع ولا يركز في صلاته.
على الإنسان أن يؤدي الذي عليه و يطلب من الله الذي له :
الدكتور راتب:
لا يحاسب عليها، يحاسب على الفعل، من رحمة الله بنا، إلا أن الخواطر، يجب أن تعالج، ليس فوراً على التراخي، الشبهة لها حل، الله ماذا قال؟ قال:
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
دفتر صغير بجيبك عنده شبهة شوشته كتبها، صلى الجمعة، الخطيب واقف سأله سؤالاً، أخذ الجواب، فيجب أن يتابع العلم.
المذيع :
وإذا بقيت هذه الوساوس في داخله، وهو شرعاً لا يحاسب أبداً، لكنها تؤثر على حلاوة الصلاة، وعلى دقة الخشوع بها.
الدكتور راتب:
أنا قناعتي ألا يستمر بها، يتجاهلها، يسمونها بعلم النفس فور كيد، انسها، عندما تنساها تذهب لوحدها.
المذيع :
تحجبه عن الصلاة، يرى أنه يتشوش في صلاته، فيتوقف عن الصلاة؟
الدكتور راتب:
وهذه أكبر غلطة، أدّ الذي عليك واطلب من الله الذي لك، لا توقف الصلاة، هي الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال، حتى بالتفاصيل لك أن تصلي أنت مضطجعاً ومستلقياً، ولك أن تصلي بجفن عينيك، هذا الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال.
المذيع :
شيخنا في قول الله تعالى الآية المعنى فيها يستحق حقيقة أن يلتفت الإنسان فهو مخيف:
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾
هل يمكن للإنسان أنه يعتقد أنه يسير بالصواب وفي طريق الله ثم يكتشف أنه من أضلّ سبيلاً؟
من يتجاهل محاسبة الله له لن يدخل الجنة :
الدكتور راتب:
طبعاً بوسوسة الشيطان، مثلاً: صفقة فيها ملايين، لكن الصفقة مشبوهة كلها، فيها مادة محرمة، الآن خواطره كلها بالمبلغ، سيغير بيته، وسيشتري سيارتين أو ثلاث، يأخذ بيتاً بالمصيف، وبيتاً على البحر، هذه خواطره كلها، لكن ما عرف أن هناك عقاباً إلهياً على المال الحرام، هو عندما يتجاهل محاسبة الله له، أو يتجاهل تربية الله له، أو يتجاهل محبة الله له، الله عز وجل لو تركنا على أهوائنا لا أحد يدخل الجنة. الله رب العالمين رب، يربي .
المذيع :
ونعمة بالله، شيخنا في موضوعنا عن تزكية النفس وتربيتها في مدارج السالكين أيضاً نقف لقول الله تبارك وتعالى في سورة الشمس في بداية آياتها قوله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾
هل إلهام الفجور والتقوى هو مسعى يسعى له الإنسان أم أنه أمر من الله أن فلاناً فاجر وفلاناً تقي؟
فطرة الإنسان تعلمه أنه فجر أو لم يفجر :
الدكتور راتب:
مستحيل وألف مليون مستحيل أن يلهم الإنسان الفجور، لكن الله عز وجل فطر الإنسان فطرة عالية بحيث أنه إذا فجر يعلم أنه فجر، من دون إعلام .
مثلاً: جاء للبيت الساعة الثانية ليلاً، والدته مريضة، طلبت دواء منه، قال لها: كل الصيدليات مغلقة، هي استحت منه وبقيت ساكتة، راح نام لم يرتح أبداً ، أما لو خرج ولم يجد الدواء، دار خمس صيدليات مناوبة لم يجد دواء بالحالتين الوالدة لم تأخذ الدواء، لكنه ينام مرتاحاً في المرة الثانية، أدى الذي عليه.
﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾
مبرمجة برمجة عالية جداً أنها إذا فجرت من دون إعلام أحد لها تعلم أنها فجرت، لذلك الأمراض النفسية هذا سببها .
حدثنا دكتور في جامعة دمشق كان من كبار علماء النفس، أن الكآبة بالعالم الغربي مئة و اثنان و خمسون بالمئة، ما هذا الإحصاء؟ قال: مئة معهم كآبة، واثنان وخمسون يعانون من كآبتين .
فأنت مبرمج، مولف بالتوافق التام بين طبيعة النفس وبين التكليف، بمعنى أن أي أمر أُمرت به أنت فطرت على محبته، وأي عمل نُهيت عنه فُطرت على كراهيته .
شخص لم يتلق درساً توجيهياً دينياً بالأرض، ولا من أي دين، دخل لبيته معه مثلاً لحم مشوي، وأمه جائعة مثله، أكله وحده، لا يوجد عنده قرآن، ولا سنة، ولا إنجيل، ولا توراة، ولا زبور، لا ينام الليل من قهره، هذه الفطرة، لذلك الله ماذا قال؟
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
الإنسان أول شيء تعذبه فطرته .
المذيع :
أما الفهم فأن نقول: الله ألهم نفساً فجورها، فالله جعل فلاناً سيئاً، وفلاناً تقياً؟
الدكتور راتب:
أعوذ بالله، والله من سابع المستحيلات، أن يكون هذا المعنى، لعظم فطرتها، وسمو صنعتها، ألهمها خطأها من دون إعلام الآخر .
المذيع :
أن تستشعر بهذا الخطأ، إذاً دكتور ربنا فتح سبل الهداية للجميع، من سار في هذه السبل حقق الله له ما يريد، ومن أعرض عنها ظلم نفسه، هذا هو الفهم لهذه القضية.
الدكتور راتب:
﴿ وَمَا ظَلَمُونَا ﴾
ولكن ظلموا أنفسهم .
المذيع :
يتفق مع الآية الكريمة:
﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾
الإنسان مخير و ليس مسيراً :
الدكتور راتب:
إذا كان الله عز وجل ما سمح لنفسه أن يجبر عباده على الهدى، خلقنا، حياتنا بيده، الموت بيده، المال بيده، الغنى بيده، الفقر بيده، السعادة بيده، ومع كل ذلك ما أراد أن نعبده إكراهاً، لأنك أنت مخير، أنت هويتك مخير، كل قيمتك أيها الإنسان أنك مخير، أما المسير فليس له مكان، مثل أب عنده خمسة أولاد وهو غني جداً، قال: كل واحد له مني بيت وسيارة ومئة ألف بالشهر، أما إذا أحضر أحدكم الدكتوراه من أمريكا فسوف أعطيه نصف ثروتي، أما إذا لم يحضرها فليس له شيء أبداً، هذا آخر واحد إما أن يأخذ نصف ثروة والده أو ليس له شيء إطلاقاً، فالإنسان اختار حمل الأمانة بعالم الأزل، هو اختارها:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
عندما اختار حمل الأمانة فإذا قام بها إنه أعلى مخلوق على الإطلاق .
﴿ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾
وإذا ما حملها أحقر مخلوق أفضل منه.
المذيع :
الله يفتح عليكم يا دكتور، إذاً من هذه المقدمة نشرع بمشيئة الله تعالى في الأسبوع المقبل لنبدأ بالحلقة الأولى الرسمية في مدارج السالكين، ألا وهي سبل وصولنا إلى الله رب العالمين، نختم هذه الحلقة بالدعاء دكتور.
الدعاء :
الدكتور راتب:
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسينا ذكرك، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحقن دماء المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم في الشام، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
خاتمة و توديع :
المذيع :
الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي لكلماتكم الطيبة، إذاً مدارج السالكين هي سلسلتنا الجديدة مع فضيلة الدكتور محمد من مقدمتها، والحلقة الأولى المقبلة بحوله تعالى نلتقي كل ثلاثاء في الثالثة عصراً بتوقيت الأردن، ويعاد في ذات الليلة في الحادية عشرة مساءً، والجمعة في الخامسة مساءً، وعبر قناة حياة على اليوتيوب تعودون إلى باقي الحلقات السابقة .
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك، والسلام عليكم.