- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠2برنامج حياة المسلم 2-مدارج السالكين
مقدمة :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا ربنا صلِّ وسلم، أنعم وأكرم على نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، حياكم الله مستمعينا الأكارم في حلقة إذاعية جديدة مع فضيلة العلّامة الداعية الإسلامي والأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي.مرحباً بكم شيخنا الكريم.
الدكتور راتب :
بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم، وحفظ بلدكم.
المذيع:
اللهم آمين، ونفعنا الله بوقتكم وبعلمكم.
شيخنا الكريم لا زلنا مع مستمعينا الكرام في مدارج السالكين، وهذه السلسلة الطيبة، ونحن اليوم في الحلقة السابعة منها وعنوانها: "منزلة الخلق"، نبدؤها بقول الله تبارك وتعالى من سورة القلم بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
وأيضاً قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:(( وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة ثلاث مرات يقولها قلنا: بلى يا رسول الله، قال: أحسنكم أخلاقاً))
شيخنا الكريم، ما هو الخلق؟العبادة علة وجود الإنسان في الدنيا :
الدكتور راتب :
الحقيقة الدقيقة أن الإنسان هو المخلوق الأول، لأن كل المخلوقات لم تقبل حمل الأمانة، فبقيت مخلوقات مسيرة لا مخيرة، فالحيوانات اختارت الشهوة، والملائكة اختاروا العقل، لا الملائكة مكلفون، ولا الحيوانات مكلفة، الإنسان قَبل حمل الأمانة، عندما قبل حمل الأمانة أعطاه الله الشهوة، أعطاه العقل، أعطاه الاختيار، فالإنسان هو المخلوق الأول رتبة، والمكلف، والمكرم، كلفه أن يعبد الله، والآية تقول:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
أي علة وجود الإنسان في الدنيا العبادة، العبادة لا تعني الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة فحسب، هذه عبادات شعائرية، تعني خضوع الإنسان في كل شؤون حياته لمنهج الله، والله عز وجل هو الخبير، والإنسان حينما يتبع تعليمات الصانع يسلم ويسعد في الدنيا والآخرة، فالإنسان انطلاقاً من حبه لذاته، ومن حرصه على سلامته، وسعادته، واستمراره، ينبغي أن يتبع تعليمات الصانع، لأن الصانع هو الجهة الوحيدة التي تملك مقومات السلامة والسعادة.المذيع:
جميل، في ظل هذا الكلام الجميل دكتور، تأتي الأخلاق، ويأتي الخلق جزءاً يطالب الدين المسلم أن يتحلى به، وإلى أقصى درجاته.
ميزات الإنسان حيادية تصلح للشر والخير معاً :
الدكتور راتب :
لأن الملك ما أعطي الاختيار، الإنسان أُعطي الشهوة، ما معنى الشهوة والاختيار؟ بإمكانه أن يسرق أو أن يعمل، يوجد مال هذا المال له طريقان، طريق مشروع العمل، طريق غير مشروع السرقة، أو الكذب، أو الاحتيال، أو الرشوة، أو التدليس، أشياء كثيرة، أودع فيه حب المرأة، يوجد زواج، ويوجد زنا، أُعطي لساناً طليقاً يوجد صدق، ويوجد كذب، كل أعضاء الإنسان، وكل إمكاناته، وكل خصائصه، وكل ميزاته حيادية، تصلح للشر والخير معاً، تماماً كصفيحة البنزين، سائل متفجر، إن وضع في المستودع المحكم، وسال في الأنابيب المحكمة، وانفجر في المكان المناسب، والوقت المناسب، ولّد حركة نافعة، الصفيحة نفسها لو صُبت على المركبة مع شرارة أحرقت المركبة ومن فيها.
فالشهوات حيادية، قوى دفع، أو قوى تدمير، المرأة، والمال، والوسامة، والجمال، والقوة، والسلطة، أي حاكم قوي لأنه قوي يحل مليار مشكلة، بجرة قلم يحق حقاً، ويبطل باطلاً، يقر معروفاً، ويزيل منكراً، وهناك طريق آخر والعياذ بالله.
المذيع:
شيخنا الكريم، حينما نتأمل بقول الله سبحانه وتعالى:
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
لماذا مُدح النبي صلى الله عليه وسلم بالخلق العظيم مع أن النبي عليه الصلاة والسلام يمتلك من الصفات الكثيرة أيضاً يمكن أن يمتدح بها؟الخلق صفة ذاتية من النبي صلى الله عليه وسلم :
الدكتور راتب :
إذا كان الأب ثرياً كبيراً، واشترى لابنه سيارة، وأعطاه فيلا، وأعطاه مرافقين، وأعطاه ميزات كثيرة جداً، هل يعقل أن يقيم هذا الأب حفلاً لابنه لأنه أعطاه سيارة؟ ليس لهذا معنى، إلا بحالة واحدة، أن ينجح بتفوق، فالنجاح من الابن، لذلك استحق التكريم على النجاح، ليس على امتلاك السيارة، و لا على امتلاك مبلغ ضخم، ولا على تأمين ثمن رحلة حول العالم، لا، لا، لأنه نجح.
النبي أُعطي آلاف الخصائص الذي تميز بها كنبي، الوحي، والشكل، والفصاحة، إلى آخره، لكن بماذا كرمه الله؟ بأخلاقه، إن الصفات التي أكرمه الله بها لنجاح الدعوة هذه من الله، أما الصفة التي منه فهي أخلاقه، قال:
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
أي أخلاقه لا تحتاج إلى صراع، أنت فوق هذا الصراع﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
المذيع:إذاً كان الخلق صفة ذاتية من النبي صلى الله عليه وسلم.
الدكتور راتب :
يأتي ابن القيم يقول: " الإيمان هو الخلق، ومن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان ".
المذيع:
لهذه الدرجة حتى أنه لم يختر قضية شرعية أخرى.
الدكتور راتب :
لي في التلفاز مئتا حلقة عن الإيمان هو الخلق، ممكن أن تؤخذ من الانترنيت فوراً، الإيمان هو الخلق عبارة عن مئتي حلقة.
المذيع:
لماذا هذا التركيز الشرعي شيخنا الكريم على الأخلاق؟
الأخلاق هي المقياس الوحيد لمحبة الإنسان لربه :
الدكتور راتب :
لأن الأخلاق المقياس الوحيد لمحبة الإنسان لربه، المقياس الوحيد.
المذيع:
مع أن الأخلاق دولة بين الناس دكتور، مثلاً الصلاة هي بيني وبين الله، لكن الأخلاق هي سلوكيات بيني وبني البشر.
الدكتور راتب :
لأن الجنة ثمنها العمل الصالح، الجنة ما دليلها؟
﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
لأن الجنة ثمنها عملها الصالح، فلذلك الأخلاق هي التي تعين الإنسان على العمل الصالح.المذيع:
ما الرابط دكتور؟ أنا أخلاقي سلوكيات بيني وبين الناس، العبادة كالصلاة بيني وبين الله، ما الرابط بينهما؟
الأخلاق تصور عقلي وشعور داخلي يعبر عنه بالسلوك :
الدكتور راتب :
الأخلاق شعور داخلي، أولاً: تصور عقلي وشعور داخلي يعبر عنه بالسلوك، الأخلاق سلوك تنطلق من إيمان ومن رحمة بقلب الإنسان، فالأخلاق سلوك، لذلك النبي كانت أخلاقه عالية جداً، لمعرفته بالله، ولكماله النفسي.
المذيع:
النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً وُصِفَ بصفات كثيرة منها الصادق الأمين، وكانت هذه أخلاق أنه صاحب صدق، وأنه أمين في الأمانة.
الدكتور راتب :
على الدعوة.
المذيع:
وكانت حتى هذه الصفة الصادق الأمين قبل نزول الوحي وقبل أن يبدأ الإسلام، هل هذه الأخلاق دكتور كما تحدثتم هي جزء أصيل من حياة الإنسان؟
الأنبياء منزهون عن الخطأ في أقوالهم وأفعالهم وإقرارهم :
المذيع:
أنا فيما أعتقد أن الأنبياء والرسل في عالم الأزل حينما سئلوا ألست بربكم؟ قالوا: بلى، كلمة بلى بأعلى درجة مئة بالمئة، فلما جيء بهم إلى الدنيا، عبروا عن هذا الخضوع لمنهج الله العفوي والكامل تعبيراً جعلهم أنبياء.
المذيع:
سبحان الله.
الدكتور راتب :
الأنبياء أولاً منزهون عن الخطأ، لا في أقوالهم ولا في أفعالهم ولا في إقرارهم، أي النبي معصوم، عصمه الله، والرسل بلغوا رسالة، لأن النبي لو كان يغلط ونحن أُمرنا أن نأخذ منه، أخذنا الغلط منه، وهذا لا يتناسب مع مقام النبوة أن يكون هناك خطأ، الله عبر عن كماله بخلقه، وعن وحيه بأنه وحي يوحى.
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
فالنبي الكريم وحده كلامه وحي، أعماله وحي، صمته أو إقراره وحي، وصفاته وحي.السنة أربعة أشياء: أقواله وأفعاله وإقراره وصفاته.
المذيع:
صلى الله عليه وسلم، شيخنا الكريم عندما نتحدث عن الأخلاق، هل هي جزء من فطرة الإنسان التي ولد عليها؟ يولد الإنسان خلوقاً محباً للصدق والأمانة أم الأخلاق مهارات مكتسبة؟
العلاقة بين الفطرة و الأخلاق :
الدكتور راتب :
لا، لا ، أنت تكلمت كلمتين بآن واحد، يولد محباً للأخلاق، هي فطرة.
المذيع:
يولد محباً للأخلاق؟
الدكتور راتب :
محباً للأخلاق، أن تحب الأمانة شيء وأن تكون أميناً شيء آخر.
المذيع:
تمام، والفطرة؟
الدكتور راتب :
أن تكون أميناً هذه صبغة، أن تحب الأمانة فطرة.
كل إنسان بالأرض حتى الكفار، وحتى المنحرفين، وحتى العصاة فطروا على محبة الحق، من أين تأتي الكآبة للعصاة؟ من فطرتهم.
المذيع:
من مخالفة الفطرة.
الدكتور راتب :
لأن الكآبة عقاب الفطرة لذاتها، أي لو شخص دخل لبيته، ومعه طعام نفيس، وأمه جائعة مثله، أكل الطعام لوحده، لا أحد يحاسبه، والأم سكتت، تصيبه كآبة.
سأضرب مثلاً أدق من هذا: جاء إلى البيت الساعة الثانية ليلاً، قالت له أمه: أنا بحاجة لهذا الدواء، قال لها: كل الصيدليات مغلقة، سكتت، عندما يذهب ينام لا ينام مرتاحاً، لأنه يعرف أن هناك صيدليات مناوبة، أما لو ذهب وبحث ولم يجد الدواء في الصيدليات، ينام مرتاحاً، الأم بالحالتين لم تأخذ الدواء، لكن بالحالة الثانية ينام مرتاحاً لأنه أدى الذي عليه، النفس حسابها دقيق جداً.
المذيع:
إذاً الإنسان يولد بفطرته وهو محب للأخلاق.
الدكتور راتب :
أبداً، ما من أمرٍ أُمر الإنسان به إلا فُطِر على محبته، وما من نهيٍ نُهي الإنسان عنه، إلا فُطِرَ على كراهيته، الدليل:
﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾
المذيع:الفرق دكتور بين الفطرة وبين الصبغة كما تفضلتم ما هو؟
الفرق بين الفطرة و الصبغة :
الدكتور راتب :
أنت تحب الرحمة، أما إذا اتصلت بالله اتصالاً عميقاً حقيقياً، اشتققت منه الرحمة، فأنت بالفطرة تحب الرحمة، لكن الصبغة تكون رحيماً، والفرق كبير بين أن تحب الرحمة أو أن تكون رحيماً.
المذيع:
أي الفطرة دكتور.
الدكتور راتب :
حتى اللصوص إن سرقوا سرقة يقتسموها بالعدل، بالعدل، أنتم سارقون، لأن العدل جزء من فطرتهم، محبة العدل جزء من فطرتهم، وهو سارق.
المذيع:
نعم، إذاً نحن خلقنا وخلق في داخلنا محبة الأخلاق الحميدة.
الدكتور راتب :
هي اسمها فطرة، ما الدليل؟
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
أي أن تقيم وجهك للدين حنيفاً، هذا ما جُبلت عليه وفطرت عليه، وبتعبير معاصر: بُرمِجت عليه.المذيع:
لكن القيام بتنفيذ هذه الأخلاقيات يحتاج إلى صبغة؟
حاجة الإنسان إلى صبغة و إرادة للارتقاء عند الله :
الدكتور راتب :
إلى صبغة.
المذيع:
إلى صبغة وجهد من الإنسان.
الدكتور راتب :
وإرادة، إن كنت تملك إرادة وإدراكاً عميقاً للآخرة، فأنت بالإدراك العميق والإرادة القوية ترتقي عند الله، هذه تحتاج إلى فهم عميق بالدين وإرادة قوية، والذي لا يوجد عنده إرادة فجميع الطرق مسدودة إلى الله.
المذيع:
وكأن هذا يحرمه من تطبيق الفطرة.
الدكتور راتب :
من كل شيء، الذي لا يوجد عنده إرادة ليصلي، لا يستطيع أن يصلي.
أولاً: ما من أمر أُمِرت به إلا ضمن استطاعتك.
المذيع:
جميع الأخلاق؟
الدكتور راتب :
أبداً، وأما الأمر الذي تتوهم أنك لا تستطيعه، أنا قلت: تتوهم، فهو الأمر الذي لا تريد أن تفعله، هذه حقيقة.
المذيع:
نعم، حتى يرتاح الضمير.
الدكتور راتب :
هي بالعقل الباطن.
المذيع:
كلام مهم، وكلام جميل.
المذيع:
شيخنا الكريم كنا نتحدث أن الخلق فطرة جميلة، الله سبحانه وتعالى حبب إلينا الأخلاق، لكن قيام الإنسان بتنفيذ هذه الأخلاق يحتاج إلى إرادة منه، وبالتالي يكافأ عليه في حسناته.
حجم الإنسان عند ربه بحجم عمله الصالح :
الدكتور راتب :
بالمناسبة حجمك عند الله بحجم هذا العمل الصالح، الدليل:
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
والعمل الصالح علة وجودك.﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾
والعمل الصالح يصلح للعرض على الله، بشرطين أن يكون خالصاً، وصواباً.المذيع:
ونعمة بالله رب العالمين، شيخنا الكريم، عندما قلنا إن قريش كانت تسمي النبي صلى الله عليه وسلم حتى قبل نزول الوحي، وقبل الرسالة، بأنه الصادق الأمين كانوا يضعون لديه الأمانات، حينما اختلفوا في الحجر الأسود تمّ تحكيمه لحكمته وعدله بينهم، هذه الصفات يكتسبها الإنسان في تربيته أم هي صفات حميدة موجودة في سلالة الأنبياء والرسل؟
اكتساب الأنبياء العصمة من عالم الأزل :
الدكتور راتب :
الأنبياء والرسل لهم ترتيب آخر، هؤلاء في عالم الأزل أقبلوا على الله إقبالاً تاماً، فهم في عالم الأزل اكتسبوا العصمة، عالم الأزل قبل عالم الصور.
المذيع:
العصمة تكون حتى قبل نزول الوحي؟
الدكتور راتب :
في عالم الأزل قبِل حمل الأمانة بأعلى مستوى، أي أعلى مستوى نبي في عالم الأزل.
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ﴾
على المخلوقات كلها، في عالم النفوس.﴿ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
التعقيب الآن دقيق جداً، أنا أقوله بقراءتين:﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾
أي إذا أب عرض على أولاده لكل واحد بيت وسيارة ومئة ألف بالشهر، الأب ملياردير، لكنه قال: إذا واحد منكم أتى بدكتوراه من أمريكا أعطيه نصف المعمل، الذي قال له: أنا لها، هذا طموح، لو ذهب و لم يدرس ليس له شيء أبداً.لا يوجد حل وسط، إما فوق الملائكة أو دون أحقر حيوان، فالإنسان يكبر، ويكبر، ويكبر، ويكبر، ولا ترى كبره، يتضاءل أمامه كل عظيم، ويصغر، ويصغر، ويصغر، ولا ترى صغره، يتعاظم عليه كل حقير.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾
أي خير ما برأ الله.﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴾
لا يوجد بين أن يكون خير البرية، أو شر البرية.المذيع:
شيخنا الكريم، هذه الأخلاق التي وصف بها النبي صلى الله عليه وسلم حتى قبل الوحي كانت لدى كل أهل قريش، لم تشفع للنبي صلى الله عليه وسلم بعد الرحيل بأن يؤمنوا به لماذا؟
الإيمان قيد :
الدكتور راتب :
هنا يوجد جواب أدق من هذا: إنسان ألف الشهوة، ألف الزنا، وشرب الخمر، والإيقاع بين الناس، والافتخار، والاستعلاء، والكبر، والعلو، هذه صفات الجاهلية.
(( الإِيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ ))
الإيمان قيد، غض بصر، ضبط لسان، أمر بالمعروف، نهي عن المنكر، الشهوة جامحة، الشرع قيدها بمنهج، إذا كانت الشهوة مثلاً مئة وثمانين درجة، الشرع أعطاك مئة درجة ضمنها مسموح، تحب المرأة؟ تزوج.﴿ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾
تحب المال عندك عمل، اجعل كسبك من المال من خلال عملك، أما السرقة فحرام، والزنا حرام، الشهوة مفتوحة مئة وثمانون درجة، مسموح لك بتسعين درجة، النصف، بالإسلام لا يوجد حرمان، بتعبير آخر: ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناةً نظيفةً طاهرة تسري خلالها.المذيع:
إذاً هنا كانوا يؤمنون دكتور بأن النبي عليه الصلاة والسلام صادق أمين، لكن عندما جاء الدين ومعه تكليف، وأحكام، وتغير لعادات عبادة الأصنام، لم يقبلوا.
الدعوة تقيد الإنسان بمنهج الخالق :
الدكتور راتب :
ما دليلها؟
﴿ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾
لما دُعوا ورفضوا قال تعالى:﴿ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾
الإنسان عنده فطرة، الآن أنت مدير عام، تعلم أن هناك شخصاً يريد أن يؤذي آخر، و أنت كمدير تعلم قبل غيرك أن الموظف بريء من هذا الذنب، لكن لك مصلحة أن يؤذيه.المذيع:
دكتورنا في الحديث حينما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى صفا، ونادى بني فهر وبني عدي حتى اجتمعوا فقال لهم:
(( أرأيْتَكُم لو أخبَرْتُكم أن خَيْلا بالوادي، تُريدُ أن تغير عليكم، أَكُنْتمْ مُصدِّقيَّ؟ قالوا: نعم، ما جرَّبنا عليكَ إلا صِدقا، قال: فإِنِّي
﴿ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾
فقال أبو لهب : تَبّا لك سائرَ اليومِ، أَلهذا جمَعْتنَا ؟ )) فنزلت:﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾
صدقوه في كل شيء، ولو قال لهم إن خيلاً تأتي من بعيد لصدقوه، لماذا عند الدعوة الإسلامية لم يقبلوا؟الدكتور راتب :
لأن الدعوة تقيدهم بمنهج، هم من دون دعوة منطلقون في شهواتهم، لا يوجد عندهم شيء حرام، أضيف عفواً: لماذا ترك الدين يريح الناس أكثر؟ لأنه يستطيع أن يحب غير زوجته، بالحرام مثلاً يستطيع أن يأكل مال رشوة، ما دام ليس ديناً فلا يوجد عنده قيود.
(( الإِيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ))
وقيد أخذ المال أن يكون عن طريق حلال.المذيع:
شيخنا الكريم عندما نتحدث عن هذه الأخلاق مثلاً نلتفت إلى بعض النصوص الشرعية التي كنت تتحدث بها، عندما نقرأ شيخنا الكريم في قول النبي عليه الصلاة والسلام:
((يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة))
ما الرابط بين استجابة الدعوة من الله وطيب مطعمك؟الرابط بين استجابة الدعوة من الله وطيب المطعم :
الدكتور راتب :
لا، لا سيدي، طيب المطعم له معنى دقيق متعلق بسياسة الدعوة، أي هذا الطعام متى يكون طيباً؟ لا بنوعيته، بل إذا أشتري بمال حلال، وكسب ماله كسب حلال، لا يوجد به كذب، أحياناً تكون الدعوة مليون بالمئة خاسرة، المحامي لا يقول ذلك، يقول له: تنجح، يتركه عشر سنوات وهو يبتز منه ماله، ثم يقول له: القاضي ارتشى، يعلم من أول يوم أن الدعوى خاسرة، أحياناً طبيب يكبر المرض ليبتز مال المريض، المهن الراقية مشكلتها أن صاحبها مصدق، والعوام لا تستطيع أن تناقشه.
المذيع:
إذاً:
((يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة))
الدكتور راتب :اكسب مالاً حلالاً بطريقة مشروعة، هذا المال إذا اشتريت به طعاماً هذا الطعام أخلاقياً طيب، دينياً طيب.
المذيع:
الذي هو أطب مطعمك، ما الرابط بينه وبين تكن مستجاب الدعوة.
الدكتور راتب :
أنت عندما استقمت معك خط ساخن مع الله، لا يوجد عندك حجاب يحجبك عن الله، تستطيع أن تناجيه، تستطيع أن تطلب منه.
المذيع:
إذاً الإنسان أخلاقه في التجارة والبيع والعمل، لا يغش، لا يكذب، لا يزور، لا يحتال، وهذه هي أخلاقيات التجارة والبيع والعمل، بالنهاية النتيجة كانت له صلة مع الله وكان دعاؤه مستجاباً.
الدكتور راتب :
أنا أحب أن أتكلم حديثاً ينتفع له التجار الأخوان الكرام:
(( إن أطيب الكسب كسب التجار، الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يطروا، وإذا كان عليهم لم يعثروا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا))
هذه صفات التاجر المؤمن، لذلك:((التَّاجِرُ الأمينُ الصَّدُوقُ مع النَّبيِّينَ ))
أخي الكريم، من منسياتك أعتقد، أكبر قطر إسلامي على الإطلاق إندونيسيا عبارة عن مئتين و خمسين مليوناً، سبب دخول الإسلام إلى هذا البلد العظيم تسعة تجار مسلمين، تسعة بالضبط.المذيع:
ماذا فعل هؤلاء التجار؟
الدكتور راتب :
تاجروا، وباعوا، واشتروا، لكن بأخلاقية.
(( التَّاجِرُ الأمينُ الصَّدُوقُ مع النَّبيِّينَ ))
أنت تعطي سلعة جيدة بسعر معقول، قدمت للناس خدمة كبيرة جداً، الآن يوجد تجار أخلاقيون، يشتري من عندهم الشخص براحة تامة، لا يوجد كذب و لا غش.أحد الأشخاص بعهد النبي بلّ البضاعة بالماء ليزيد وزنها، وضع النبي يده عليها من الأسفل فوجد بللاً، قال له: ما هذا البلل؟ قال له: أصابها مطر، قال له: هلا جعلت هذا في الأعلى، القسم المبلل اجعله بالأعلى.
((مَن غَشَّنا فليس منا))
وفي رواية:((من غش فليس منا))
الأولى من غشنا أي المسلمين؟ لا ، أبلغ من هذا، من غش شخصاً كافراً فليس منا.المذيع:
شيخنا الكريم، كثيراً ما يتحدث العلماء والدعاة على أن العبادة شقان عبادة تعاملية التي هي الأخلاق، تعامل الإنسان مع الناس، وعبادة شعائرية، الآن دكتور هناك جدل بين الناس أيهما أهم؟ بعض الناس يقول: أنا لا أستفيد من صلاتك ولكن أستفيد من أخلاقك، وصدقك، وأمانتك، والبعض يهتم بالصلاة على حساب هذه الأخلاق، ما الحل؟
ضرورة التكامل بين التعامل و العبادة :
الدكتور راتب :
هل يوجد بيت ليس فيه غاز؟ يوجد أسطوانة، و رأس، العلاقة بين الأسطوانة ورأس الغاز علاقة ترابطية، الرأس من دون أسطوانة لا قيمة له إطلاقاً، والأسطوانة من دون غاز لا قيمة لها.
معنى ذلك أن الأخلاق من دون إيمان لا قيمة له، أخلاق الأذكياء، أخلاق الغرب، يدمر أمة بأكملها، ويرعى حقوق المواطنين لشيء غير معقول، يصل لحاجات ثانوية ألف مرة يرعاها ببلده، أما بأفغانستان فيدمرون خمسة آلاف إنسان بيوم واحد، كانوا بقلعة فدمروها، أما المواطن بأمريكا فعنده حقوق تفوق حدّ الخيال، فالإنسان عندما يقيّم الأخلاق يجدها متفاوتة بين مجتمعين، هذا لا يوجد عنده أخلاق عنده مصلحة، أي ليس إنسانياً بصراحة، هناك إنسان يحب ذاته، وإنسان يحب أسرته، وإنسان يحب عائلته، وإنسان يحب أهل بلدته، يحب قومه، يحب أمته، يحب الإنسانية، كلما توسعت الدائرة ارتقيت عند الله، فكل إنسان يقدم إنجازات مذهلة لشعوبه مثل الأوربيين، تأمين كامل، ضمان صحي كامل، ويستعمر بلاداً يجعلها تعاني من الجوع لتركع، يتركها تموت من الجوع مثل اليمن، هذا إنسان لا يوجد به رحمة.
عندما يكون هناك مقياسان متناقضان بموضوع واحد تسقط من عين الله، حينما تستخدم مقياسين متناقضين في موضوع واحد.
المذيع:
إذاً يجب أن يكون هنالك تكامل بين التعامل وبين العبادة، البعض يسأل دكتورنا سؤالاً، وأنا أنقله لفضيلتكم: من الأحسن إنسان متدين وغير خلوق أم إنسان خلوق و غير متدين؟
ضرورة ارتباط الأخلاق بالتدين :
الدكتور راتب :
كلاهما فقد شطر سلامته وسعادته، كلاهما، أيهما أحسن؟ أن يكون عندك غاز من دون أسطوانة، أما أسطوانة من دون غاز، لا يصير هذا، كل منهما يكمل الآخر.
المذيع:
أخلاق وتعامل راق دكتور.
الدكتور راتب :
بالمنطق شرط لازم غير كاف.
المذيع:
مثلاً دكتور إنسان خلوق، وأخلاقه طيبة، ومواعيده، وسلوكه.
الدكتور راتب :
هذا فقط له جزاء في الدنيا، هذا ذكي، هذا ليس عابداً، هذا ذكي جداً، مدير مؤسسة معاشها فلكي، يسكن بفيلا، وعنده سيارة، يجب ألا يضبط بغش، ولا برشوة إطلاقاً، و أن يمشي بشكل صحيح، استقامته كاستقامة الغرب تماماً، استقامة أذكياء، من مصلحته أن يستقيم ليبقى بالمنصب، يأتي مسلم يستقيم إرضاءً لله، يكسب الدنيا والآخرة، ومنهم:
﴿ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾
المذيع:هذه الأخلاق الطيبة دون الإيمان بالله.
الدكتور راتب :
هذا ذكاء.
الدنيا تصلح بالكفر والعدل، ولا تصلح بالإيمان والظلم، إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة، لا الأمة المسلمة الظالمة.
المذيع:
إذاً معيار نصر ربنا العدل؟
العدل معيار النصر :
الدكتور راتب :
الدنيا تنجح بالعدل ولو كان العدل كافراً، كلام ابن تيمية، ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة.
الكافرة بدوافع أرضية محضة، عملوا تأميناً طبياً، عدالة اجتماعية، تكافؤ فرص، كانوا عادلين، كل الغرب هكذا، لذلك الغرب إسلامي لكن مصلحة، لا عقيدة.
المذيع:
لكن لو اختلفت المصلحة دكتور تختلف الأخلاق.
الدكتور راتب :
قصفوا أفغانستان فكان هناك خمسة آلاف قتيل في يوم واحد، عندما تمس مصالح الغرب ينقلب وحشاً كاسراً، يدعي الديمقراطية، والحرية، والإنسانية، ذكي جداً في الحديث عن نفسه، عندما تمس مصالحه يصبح وحشاً، يصبح وحشاً لا كالوحوش.
المذيع:
هذا الجدال الكبير دكتور بين الأخلاق وبين الدين، لماذا هنالك فرق بينهما وإن كان:
(( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))
الأصل أن يكون الدين مع حالة الأخلاق نوضح أكثر مع فضيلتكم بعد الفاصل.قبل الفاصل دكتور كنا نتحدث عن الأخلاق وهو عنوان هذه الحلقة السابعة من مدرج السالكين منزلة الخلق، دكتور سأنتقل إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام:
((إِذا خَطَبَ إِليكم من تَرضَون دينه وخُلُقَه فزوجّوه، إِلا أن تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض))
لماذا في هذا الحديث النبوي الشريف النبي فصل بين الدين والأخلاق فكان هناك صفتان من ترضون دينه وخلقه، باعتبار وكأنهم صفتان، وأيضاً نقرأ في الحديث الآخر للنبي عليه الصلاة والسلام:(( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))
الدين خلق و عبادة معاً :
الدكتور راتب :
لو الواحد صلى خمسة أوقات، دين، صام رمضان، أدى زكاة ماله، لكنه كان فظاً مع زوجته، غليظ الأخلاق مع زوجته، متجبراً عليها، الدين عبادات، والعبادات ترك، أما الدين فهو أيضاً معاملات، أنا لي رأي ثالث: هذه العبادات لا يمكن أن تقطف ثمارها، وأن تحقق سبب وجودها إلا بالمعاملات، لذلك:
((ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط))
ألف ركعة، من المخلط؟ خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، عندما خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، السيئ منعه من الإقبال على الله، العمل الصالح عند الله محسوب، لكن السيئ منعه، إذاً ما قطف ثمار العمل الصالح كاملةً، قطف ثمارها في الآخرة فقط.المذيع:
إذاً دكتور، الدين هو خلق وعبادة معاً، الإيمان هو الخلق، الفصل هنا في هذا الحديث من ترضون دينه وخلقه باعتبار أن الناس بواقعها تفصل بعضها.
الدكتور راتب :
على شبكية عيونهم، يصلي، وحاج، ويؤدي زكاة ماله، إذاً هو دين، أدى الفرائض أما في ببيته قاس، غليظ، قاس على زوجته، لا يرحمها.
المذيع:
هذا سلوك بعض الناس لكن ليس دينياً، الدين لا يدعو إلى هذا، الدين يدعو إلى حسن الخلق، وحسن العبادة.
الدكتور راتب :
عند العوام الدين الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، عند العوام فقط، حتى الواحد لا يتوهم أن هذا هو الدين فقط، الدين معاملات أيضاً.
النبي قال بتعريف جامع، مانع، قاطع، بالغ: الدين المعاملة.
ضغطه بكلمة واحدة، الدين صدق، الدين أمانة، الدين تواضع، الدين إخلاص، الدين رحمة، الدين تعامل طيب، هذا الدين، أي الدين إذا كنت لا تحبه فعندك مشكلة، يجب أن تحبه، أبلغ من أن تحبه تعشقه، متواضع.
المذيع:
إذا لم أحبه فالمشكلة عندي.
الدكتور راتب :
بأخلاقياتي طبعاً، أنا ما قلت: أحبه، قلت: يجب أن تعشقه، متواضع، وعالم، وفهيم، وقلبه رحيم، تحبه، هذه معالي الأخلاق.
المذيع:
إذاً دكتور، الدين أخلاق وعبادات، العبادات كما تفضلتم لن ينال الإنسان ثمارها ولا حلاوتها إلا إذا أدى الأخلاقيات.
الدكتور راتب :
العبادات مناسبات من خلالها نقطف ثمن الطاعات، أنفقت مالك، بالصلاة تبكي، رحمت الضيف، كنت باراً بوالديك، تسهر معهم للساعة الثالثة ليلاً.
المذيع:
معنى هذا أن الإنسان إذا كان متديناً وأخلاقياته ليست جيدة لن يشعر بخشوع، محجوب عن الله من سوء خلقه.
أكبر عقاب يعاقب به المؤمن أن يحجب عن الله :
الدكتور راتب :بشكل أو بآخر، افعل ما تشاء في العبادات، تصلي، تطيل القراءة، تصلي قيام الليل، ما دام هناك ظلم فأنت محجوب عن الله، أكاد أقول لك: أكبر عقاب يعاقب به المؤمن أنه محجوب عن الله، الدليل:
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾
المذيع:ونعمة بالله، هذا الشق الأول دكتور، ماذا عن الشق الثاني، اليوم دكتور بعض الناس يتحلى بأخلاق جميلة في مجتمعاتنا لكن لا يريد الصلاة، ولا يصوم رمضان.
نية الإنسان يعلمها الله وحده :
الدكتور راتب :
هذا ذكي فقط، إن الله ينصر الأمة الكافرة، هذا ذكي، بذكائه اكتشف إذا كان مستقيماً يربح أكثر، يبقى بهذا المنصب مدة أطول، إذا كان مديراً عاماً و لم يرتش أبداً، إما أنه خائف من الله، أو خائف من عزله من المنصب، لا تعرف، لا أحد يعرفها، لأن الإنسان يعمل عملاً جيداً إما خوف من الله أو خوف على منصبه.
مثلاً السرقة محرمة بالدين، وبالقانون محرمة، إذا الشخص لم يسرق يا ترى هل هو خائف من العقاب القانوني أم من العقاب الرباني؟ والله لا أعرف، أما غض البصر فلا يوجد قانون يمنعه إلا الإسلام، غض البصر يجلس بغرفة لوحده، النافذة مفتوحة و تطل على شرفة للجيران، خرجت امرأة بثياب متبذلة، وغرفتك مظلمة لا تراك، أنت ترى ولا تُرى، ممكن أن تمتع عينيك بمحاسن جسمها قدر ما تشاء، ولا أحد يكشفك إلا الله، وأنت وحدك، قالوا: "من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله"، لا يوجد رقيب، ولا هناك من يخبر، ولا من ينتقد، ولا من يصور، أنت الموجود فقط، سيدي معظم الناس أمام الإعلام ينضبطون كلهم، إذا بسهرة ينضبطون، لكن أين المشكلات؟ بالخلوات.
"من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله"، من هنا كانت عظمة الإيمان، أنه مستقيم في السر والعلانية، في البيت والعمل، مع الخوف، ومع الرضا، ومع الطمأنينة، إنه يعامل خالق الأكوان، والله معه دائماً.
المذيع:
ونعمة بالله رب العالمين، دكتورنا الكريم إذاً الدين كما قلنا أخلاق ومعاملة، عبادات ومعاملة، ولن تقطف ثمار العبادة إلا إذا كانت معاملتك جيدة، والمعاملة الطيبة وحدها دون أن تعرف حق الله بالصلاة والصيام تفيدك بالدنيا لكن لا جزاء لك بالحسنات، لأنك لا تبتغي بها وجه الله.
الآن دكتور، كيف يمكن لهذه الأخلاق أن تكون من مدارج السالكين؟ ما الرابط بين هذا السلوك وبين البشر كي يكون سلوكاً ينقل إلى الله؟
كل شيء بيد الله و العبادات هي الوسيلة إليه :
الدكتور راتب :
الخير كله عند الله، السعادة كلها منه، التوفيق منه، الطمأنينة منه، السكينة منه، نجاحك بعملك منه، بزواجك منه ، بسفرك منه، بدراستك منه، مادام كل شيء بيده، الوسيلة إليه العبادات، بالصلاة خاشع، صيامك صحيح، تؤدي زكاة مالك، لك صلة بالله، كل شيء عنده، والطريق له أن تفتح خطاً ساخناً معه من خلال العبادات، فالصلاة اتصال، والصوم اتصال، والحج اتصال.
المذيع:
وهذه العبادات لا تقطف ثمارها إلا بحسن معاملة الناس.
الدكتور راتب :
أبداً، متكاملة.
المذيع:
أي هي متكاملة متناغمة، سبحان الله، سبحان الله عندما نقرأ شيخنا الكريم قول الحبيب عليه الصلاة والسلام:
(( وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة ثلاث مرات يقولها قلنا: بلى يا رسول الله؟ قال: أحسنكم أخلاقاً))
لماذا اختار النبي صلى الله عليه وسلم من يجاوره يوم القيامة أصحاب الأخلاق العالية وليس صفة أخرى؟ مثلاً أكثرنا قراءة أو صلاة.الإنسان ينجو بالعبادات و يرقى بالأخلاق :
الدكتور راتب :
سيدي العبادات ينجو بها، لكن الأخلاق يرقى بها، العبادات ينجو بها أما الأخلاق فيرقى بها.
المذيع:
نعم، في يوم من الأيام طلب سيدنا أبو هريرة من النبي أن يوصيه، فقال له الحبيب عليه الصلاة والسلام:
(( يا أبا هريرة عليك بحسن الخلق، فقال أبو هريرة: وما حسن الخلق يا رسول الله؟ فقال: أن تصل من قطعك، وتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك))
هل هذا هو المنجي دكتور؟مراتب حسن الخلق :
الدكتور راتب :لا هذا الأرقى، شخص حرمك أنت أعطيته، أصبحت أرقى منه بكثير، أنت لم تعامله بالمثل.
المذيع:
هل هذه أعلى مراتب حسن الخلق دكتور؟
الدكتور راتب :
طبعاً أعلى المراتب أن تعفو عمن ظلمك، أن تصل من قطعك، لك قريب قطعك لك أن تزوره، أنا أبادر، عندما بادرت وهو رفض، أنا انتهيت عند الله، أي نجوت من الله.
المذيع:
هذه المرتبة عالية في حسن الخلق؟
الدكتور راتب :
طبعاً، يوجد ندية، ويوجد معاملة بالمثل، وهناك مستوى أرقى هو الإحسان.
((أن تصل من قطعك، وأن تعفو عمن ظلمك، وأن تعطي من حرمك))
وأن يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبرةً، وأن أصل من قطعني، وأن أعفو عمن ظلمني، وأن أعطي من حرمني.المذيع:
دكتورنا الكريم، سأطرح على فضيلتكم حديثين للنبي عليه الصلاة والسلام ثم أطرح سؤالاً في قوله :
((إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار))
والحديث الآخر:((أحب الناس إلى الله عز وجل أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً))
إلى تتمة الحديث.إذا كانت دكتور هذه الأخلاق تقودنا إلى هذه المكانة العظيمة عند الله، وعند النبي عليه الصلاة والسلام، لماذا زهدت الأمة الإسلامية لسنوات طويلة بالأخلاق؟ أنت قلت دكتور: هناك دول فتحت كاملة بحسن خلق التجار المسلمين، اليوم دكتور بصراحة يوصف العالم الإسلامي ولحد كبير ولا نعمم بأنه منفر، ونحن نوعاً ما أبعد عن الأخلاق، قد نعطي مواعيد ولا نلتزم بها، إذا تحدث بعضنا كذب، تجارنا أحياناً بعضهم يزورون، لماذا صرنا دكتور نوصف بأننا أبعد عن الأخلاق ولسنا أقرب لها؟
إهمال الدين و هو أهم شيء في حياة الإنسان :
الدكتور راتب :
لأن تصوره غلط، ما تعلم العلم الصحيح، نحن ندرس الطلاب فيزياء، كيمياء، رياضيات، طب، هندسة، فلك، الديانة مادة لا علاقة لها بالنجاح أو الرسوب، لو أخذ فيها صفراً ينجح، أنت عندما أهملت الديانة أُهمل كل شيء، أنت تهمل أخطر مادة بحياة الإنسان، ببعض البلاد التدين تهمة قد توجه إليك، ضبط متلبساً بالصلاة.
أنا أقول كلمة ولكن أقولها إنصافاً لهذا البلد: التدين بهذا البلد ليس تهمة تحاسب عليها كما في بعض البلاد.
المذيع:
شيخنا الكريم في ختام الحلقة نسأل الله أن يستجيب الدعاء.
الدعاء :
الدكتور راتب :
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسينا ذكرك، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، اجعل هذا البلد الأردن آمناً مطمئناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، واحفظ لبلاد المسلمين حقن دمائهم يا رب، وأكرمهم بالنصر.
خاتمة و توديع :
المذيع:
الحمد لله رب العالمين، بارك الله بكم فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي.
إذاً مستمعينا كانت هذه الحلقة السابعة من سلسلة مدارج السالكين، وعنوانها: " منزلة الخلق "، وبالخلق الطيب مع الناس يستطيع الإنسان أن يستشعر بلذة العبادة، وهذا ما يقوده إلى المزيد في علاقته مع الله، ليكون خير رسول لهذا الدين العظيم.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.