من أسماء الله الحسنى: العليم.

 هذا الاسم ورد في القرآن الكريم بمواضع كثيرة، من هذه المواضع قوله تعالى: 

﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ 

[ سورة البقرة الآية: 137]

 وقد ورد هذا الاسم مقترناً في الكتاب والسنة بأسماء أخرى كثيرة، ورد مع اسم السميع.

﴿ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾

 ومع اسم الحكيم، ومع اسم العزيز، ومع اسم الحليم، ومع اسم الخلاق، ومع اسم القدير، ومع اسم الفتاح، ومع اسم القوي.
 أما في السنة فورد أيضاً في نصوص كثيرة منها ما رواه أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(( أعوذُ بِاللهِ السَّميعِ العليمِ من الشَّيطان الرجيم ، مِنَ هَمْزِهِ ونَفْخِهِ ونَفْثِهِ ))

فإن تكلم المرء فالله سميع، وإن تحرك فالله بصير، وإن أضمر شيئاً فالله عليم.
 بل إن الله يحول بين المرء وقلبه، بل هو أقرب إليه من حبل الوريد.

معنى العليم.

 و"العليم" في اللغة من صيغ المبالغة، على وزن فعيل، وصيغ المبالغة تأتي بمعنى الكم، أو النوع، فأصغر شيء الله به عليم، وكل شيء الله عز وجل به عليم.
 والعلم في إحدى تعاريفه علاقة ثابتة بين شيئين مقطوع بصحتها فهي ليست وهماً، ولا شكاً، ولا ظناً، تطابق الواقع، عليها دليل.
 أما الجاهل فوعاؤه ليس فارغاً، لكنه ممتلئ بمعلومات خاطئة، فالجهل عدم مطابقة الواقع.
 واسم العليم من الأسماء التي يجوز أن يوصف بها الإنسان فسيدنا يوسف قال:

﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة يوسف الآية: 55]

 وقد قال الله عنه:

﴿ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ ﴾

[ سورة يوسف الآية: 68]

 لكن كم هو الفرق كبير بين علم الإنسان وعلم الواحد الديان؟ شتان بين علم مقيد محدود، وعلم مطلق بلا حدود، قال تعالى:

﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة يوسف الآية: 76]

 فالله عز وجل عليم بما كان، وعليم بما يكون، وعليم بما سيكون، وعليم بما لم يكن لو كان كيف كان يكون، لم يزل عالماً، ولا يزال عالما، وعلمه أزلي وأبدي، ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، أحاط علمه بجميع خلقه، وأحاط علمه بجميع الأشياء، ظاهرها، وباطنها، دقيقها وجليلها.
وما من عبد مؤمن يخطب ود الله تعالى إلا وسيكافئه الله عز وجل بكرامة، ولكن أعظم كرامة على الإطلاق هي كرامة العلم.

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾

[ سورة النساء الآية: 113]

 فالله عز وجل أعطى الملك لمن لا يحبه، ولمن يحبه، أعطى الملك لفرعون وهو لا يحبه، وأعطى الملك لسيدنا سليمان، وهو يحبه، أعطى المال لمن لا يحبه لقارون ، وأعطى المال لمن يحبه لسيدنا عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، أما الأنبياء ماذا أعطاهم؟

﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ﴾

[ سورة القصص الآية: 14]

آيات الله تعالى في الآفاق والأنفس.

 الكون بكل ما فيه إنما هو أثر من آثار العليم جل جلاله ومن خلا النظر في آيات الله تعالى في الآفاق والأنفس نرى أثر علم الله تعالى.

1- الشعر.

 في رأس الإنسان ثلاثمئة ألف شعرة، لكل شعرة وريد، وشريان، وعضلة، وعصب، وغدة دهنية، وغدة صبغية، ولحكمة بالغةٍ ليس في الشعر أعصاب حس، بل هناك أعصاب حركة، ولو كان في الشعر أعصاب حس لاضطررت كل أسبوع أن تجري عملية في المستشفى اسمها عملية الحلاقة.

2- الدماغ.

 الدماغ يحوي مئة وأربعين مليار خلية سمراء استنادية لم تعرف وظيفتها بعد، مغطى بأربعة عشر ملياراً من الخلايا القشرية، وفي الدماغ المحاكمة، وفيه الذاكرة، وفيه مركز الرؤية، ومركز السمع، وقشرة الدماغ أعقد ما في الكون، ولا يزال الدماغ عاجزاً عن فهم ذاته.

والإنسان يتبدل كل خمس سنوات تبدلاً كاملاً جلده، شعره، عظامه تتبدل، عضلاته، لأن أطول عمر خلية في جسم الإنسان هي الخلية العظمية وعمرها خمس سنوات، ولحكمة بالغةٍ لا تتبدل خلايا الدماغ، ولو تبدلت لخسر الإنسان اختصاصه، وخبراته، ومعارفه، وطاقاته.

3- العين.

 القرنية في العين طبقة شفافة شفافية تامة، والسر في ذلك أن القرنية وحدها من بين كل خلايا الجسم تتغذى عن طريق الحلول أي أن الخلية الأولى تأخذ غذاءها وغذاء جارتها، والغذاء يتسرب عبر الغشاء الخلوي، ولو غُذيت بالطريقة العامة طريقة الأوعية لرأيت الأشياء ضمن شبكة، ولما رأيت رؤية شفافة تماماً.

4- العصب الشمي.

 العصب الشمي يتفرع إلى عشرين مليون عصب، وفي كل عصب سبعة أهداب، هذه الأهداب مغموسة بمادة تتفاعل مع الرائحة، من تفاعل المادة مع الرائحة يتشكل شكل هندسي، هو رمز هذه الرائحة، هذا الشكل ينتقل إلى الدماغ، إلى الذاكرة الشمية، في الذاكرة الشمية عشرة آلاف بند، يعرض هذا الرمز على هذه البنود بنداً بنداً حيثما كان التطابق علمت الرائحة.

﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾

[ سورة النمل الآية: 88]

5- اللعاب.

 يجتمع اللعاب في فمك وأنت نائم، تذهب رسالة إلى الدماغ، يأتي أمر من الدماغ يأمر لسان المزمار أن يغلق فتحة التنفس، ويفتح فتحة المريء، فتبلع لعابك، وأنت نائم.

6- الهيكل العظمي.

وأنت نائم، هيكلك العظمي فوقه عضلات، وتحته عضلات، وزن الهيكل العظمي مع العضلات التي فوقه تضغط على ما تحته، تحته يوجد عضلات وفيها أوعية دموية، تنضغط الأوعية فتضيق لمعتها، تذهب رسالة إلى الدماغ، يأتي الأمر فيتقلب الإنسان في فراشه، قال تعالى:

﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾

[ سورة الكهف الآية: 18] 

7- الطحال.

 الطحال مقبرة لكريات الدم الحمراء، تحلل هذه الكريات الميتة، يؤخذ الحديد منها، ويعاد إرساله إلى معامل كريات الدم الحمراء في نقي العظام، والمادة الثانية الهيموغلوبين يذهب إلى الكبد ليشكل الصفراء.

8- تقلص الرحم وانقباضه.

 الرحم يتقلص قبل الولادة تقلصاً خفيفاً متزامناً لطيفاً، حتى يخرج الجنين من الرحم، فإذا خرج تقلص الرحم تقلصاً حاداً وقوياً حتى يغلق آلاف الأوعية الدموية التي انقطعت، لو انعكس الأمر فكان التقلص العنيف قبل الولادة، واللطيف بعد الولادة لماتت الأم وجنينها، قال تعالى:

﴿ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾

[ سورة عبس الآية: 20]

 هذه الآيات كلها تشير إلى اسم الله العليم فالكون كله مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى.