وضع داكن
19-04-2024
Logo
مختلفة - الأردن - المحاضرة : 24 - مدينة عمان ـ دار الجالية السودانية ـ ذكرى مولد النبوي الشريف1436 - قطوف من الشمائل المحمدية - يا سيدي يا رسول الله.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
  أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن، سعادة السفير عثمان نافع سفير السودان في المملكة الأردنية الهاشمة، فضيلة الدكتور عصام البشير، الأخوة أعضاء السلك الدبلوماسي،  الأخوة الكرام اسمحوا لي أن أحيي فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، فضيلة الشيخ سعد الدين زيدان، البروفسور مصطفى وهو لم يحضر، أحييهم تحية خاصة على تلبيتهم دعوة الجالية السودانية للحديث عن شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، في هذا اليوم المبارك أخص بالشكر فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي على تلبيته هذه الدعوة.
 تفضل على المنصة، السودانيون لهم محبة خاصة لسيد الخلق أجمعين، فالسودان أنشأ إذاعة خاصة وقنوات تلفزيونية تتحدث عن شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، نحن نرحب بفضيلة الشيخ بين أحبابه.
 فضيلة الشيخ أبو موسى، الشيخ سعد الدين زيدان عرفه السودانيون في الأردن باحثاً في الأمور الشرعية، وخطيباً مفوهاً، رجل يهز المنابر، لم أحضر له خطبة إلا وتفيض عيناه من الدمع، وتأخذه العبرات حينما يتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فنحن نسعد بالاستماع إليه عندما يتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
 البروفسور مصطفى إدريس جمع بين العلم الأكاديمي والعلم الشرعي، عرفناه منذ أن كنا طلبة في كلية الطب، هو صغير بالمناسبة، فلم يخل له درس إلا ربطه بالإعجاز العلمي من القرآن الكريم، هذه الجلسة حلوة ودافئة رغم برودة الطقس بالخطيب المفوه الذي حضر المملكة اليوم للمشاركة في احتفالات المملكة الخطيب العلّامة الشاعر الذي عرف بالوسطية الدكتور عصام أحمد البشير.
 الأخوة الحضور؛ نحن اليوم فرحين بمولد النبي صلى الله عليه وسلم لعلمنا أن الفرح بمولد النبي يزيدنا طمأنينة وسكينة، وكلنا يعرف أن أبا لهب يخفف عنه عذاب كل يوم اثنين بسبب فرحته بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك قال محمد الإمام الدمشقي:

إذا كــان هذا كـافــراً جـــــاء ذمــــــــه  بتبت يـداه في الجحيم مخلدا
أتى أنه في يوم الاثنين دائـــمـــــــاً  يخفف عنه للسرور بــأحمـدا
فما الظن بالعبد الذي كـــان عُمره  بأحمد مسروراً وبات مـوحـدا
***

 فهنيئاً لكم جميعاً بحبكم لسيد البشرية، نسأل الله أن يجمع قلوب السودانيين جميعاً، ويوحد كلمتهم، ويجعل بلادنا سخاء رخاء بفضل مولد المصطفى، ويبعد عن بلادنا وبلاد المسلمين الفتن، ويحفظ الأردن وأهله، وأقدم لكم سعادة السفير في هذه المناسبة.

 

النبي الكريم نقل البشرية من الجاهلية إلى الحرية و الوحدة :

 سعادة السفير في المملكة الأردنية :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 العلماء الأجلاء أبناء وبنات الجالية السودانية في المملكة الأردنية الهاشمية، ضيوفي الكرام؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، في البدء أرجو أن أتقدم للجميع بخالص التهنئة بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، بالمناسبة للمسلمين ليس هناك مناسبة أعظم من مولد المصطفى، فهو الذي نقل البشرية من الجاهلية إلى الحرية وكل القيم النبيلة الإنسانية، وإلى الوحدة، وما أحوجنا اليوم في العالم الإسلامي إلى الاهتداء بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، نحن في العالم الإسلامي نعيش في جاهلية جديدة، ونعيش في اضطرابات وصراعات قبيلة وطائفية، ولا أحد يعرف إلى أين سوف تنتهي هذه المسائل، حقيقة هذه الندوة جاءت في موعدها الصحيح، ونأمل أن تكون فيها إضاءات، وأرحب بالسادة العلماء.
المذيع :
 الفرصة للدكتور عصام البشير تفضل.

المولد النبوي وعاء تجتمع فيه الكلمة وتتوحد فيه الصفوف :

الدكتور عصام أحمد البشير:
 الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتمّ علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام ديناً، وأزكى صلوات الله المباركات على المبعوث رحمة للعالمين، وحجة الله على الخلق أجمعين، نبي الرحمة وإمام الهدى، البشير النذير، والسراج المنير، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، سعادة الأخ السفير، السادة العلماء الأجلاء، الأخوة في الجالية والحضور الكريم؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ودعوني أتوجه بالتحية الخاصة والصادقة لأستاذي وشيخي الذي نهلت من علومه ومعارفه وأدبه وتواضعه وهو جالس بين أيدينا، الأستاذ الدكتور أحمد حسن فرحات، أرجو أن نحييه جميعاً، الذي كنا قبل أربعين عاماً نتتلمذ على يديه، في جامعة الإمام محمد السعود الإسلامية في كلية أصول الدين، حيث درسنا على يديه علوم التفسير، نفع الله به أمة الإسلام، وجزاه اله خير ما يجزي عباده الصالحين، أنا لا أود أن أتكلم بين يدي هؤلاء العلماء الكبارـ وقد جئت عابراً لأشاركهم فرحتهم بالمولد النبوي الشريف.
 أيها الأحباب؛ في كل عام تأتي هذه المناسبة الطيبة الكريمة الذي ينبغي أن تكون وعاء تجتمع فيه الكلمة، وتتوحد فيه الصفوف، وتمتلئ فيه القلوب، بيد أن الواقع بخلاف ذلك، لأن هذه المناسبة تفتح حديثاً لا يكاد أن ينقطع بين القائلين بمشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الكريم، وبين القائلين ببدعيته، حوار تبح فيه الأصوات، وترتفع فيه الحناجر، ويقع فيه التهاجر والتدابر بين دعاة الإسلام وعلماء المسلمين، فضلاً عن عاميتهم، وتصبح المساجد التي جاءت لتكون وعاء لهذا الاختلاف- باعتبار المسجد يسمى مسجداً أو جامعاً - مسرحاً لهذا الصراع الذي لا ينقطع، وأود بين هذا وذاك أن أدخل مدخلاً تجاه الموقف من هذه القضية، هناك ثلاثة أمور، هناك ما يسمى بالأعياد الشرعية، وهنالك ما يسمى بالمناسبات الدينية العامة، وهناك ما يسمى بالأيام العالمية، أما الأعياد الشرعية فهي عيدا الفطر والأضحى، وهي أعياد جاءت عقب عبادات فرضها الله علينا جميعاً بكيفيات مقصورة، لا يجوز أن نزيد فيها ولا أن ننقص، هذه أعيادنا معشر أهل الإسلام، عيد الفطر وعيد الأضحى، ثم هناك مناسبات مثل المولد النبوي الشريف، مثل الإسراء والمعراج، مثل الهجرة النبوية، مثل ليلة النصف من شعبان، مثل غزوة بدر، مثل فتح مكة، هذه مناسبات لا نطلق عليها أعياداً بالمعنى الشرعي التعبدي، ولكنها مناسبات تشكل محطات للتزود بالوقود الإيماني والروحي، بعد أن تباعد العهد بيننا وبين ذلك الجيل، الذي اغترف من ينبوع الحكمة النبوية، ولا تندرج فيما تسمى بالتعبديات، التي تحتاج إلى دليل شرعي يتحدث عن مشروعيتها، فمشروعيتها تدل عليها مقاصد كلية وأصول عامة، بل وتدل عليها نصوص جزئية كذلك، وأما النوع الثالث فإن المنظمات والمؤسسات العالمية اتفقت على تسمية أيام عالمية كاليوم العالمي للبيئة، واليوم العالمي لمكافحة المخدرات، واليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة، فهذه أيضاً أيام لا بد أن نعرج عليها في خطابنا الديني المعاصر، لنقدم قيمنا الإسلامية التي تشتمل بالشمول والربانية غاية، بالأخلاقية مضموناً، بالإنسانية امتداداً، بالعالمية سعةً، وإذا أردنا أن نقف عند دلالة الاحتفال، ماذا تعني كلمة احتفال؟ حفلة السماء بلغة العرب إذا اشتد مطرها، وحفل الضرع باللبن إذا كثر واجتمع، وحفل القوم إذا احتفلوا واجتمعوا، فهي تدل على الاجتماع، تدل على الاحتشاد، تدل على الكثرة، والأصل في إظهار الفرح أنه أمر فطري جبلي، وأنه أمر مباح مشروع في ذاته، فنحن نفرح استبشاراً بقدوم غائب، ونفرح استبشاراً بقدوم مولود، ونفرح استبشاراً بحدوث عرس، وغير ذلك من المناسبات السعيدة، فإذا كانت هذه المناسبات التي تحصل للناس سواء كان ذلك في دينهم أو دنياهم، يتطلب استظهاراً للفرح من باب الشكر على نعمة الله، فمن باب أولى من كان مولده مولداً للإنسانية كلها، هذا أوجب وأدعى وأطلب وأكمل وألزم، إذا كان الواحد منا يذبح لمولوده عقيقة ويستبشر بذلك، وتنفرج الأسارير، فكيف بهذا المولد الأعظم الذي أفاضت منه البشرية خيراً وبركة، والله تعالى جعل المنة على الخلق بأن بعث فيهم رسولاً من أنفسهم، هذه المنة ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم تستلزم شكراً على هذه المنة، والمنة ببعثته عليه الصلاة والسلام تستلزم المنة بخلقه، لأنه لو لم يخلق لما بعث إلينا، إذاً هذا شكر على نعمة، تجددت وكلما تجددت النعمة تجدد الشكر لها، قال تعالى:

﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾

[ سورة إبراهيم: 7]

 والنبي عليه الصلاة والسلام من دلائل النعم على الإطلاق، الله تعالى يقول:

﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾

[ سورة يونس: 58 ]

النبي الكريم رحمة مهداة :

 ندبنا الله أن نفرح بفضله وبرحمته، ونبينا صلى الله عليه وسلم بعث رحمة للعالمين، قال تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء: 107]

(( إنما أنا رحمة مهداة ))

[الحاكم عن أبي هريرة ]

 نحن مأمورون أن نعبر عن الفرح، فإذا انعقدت في نفس المسلم هذه النية فهو مثاب أولاً على هذه النية الصالحة التي يفرح فيها بمولد المصطفى عليه الصلاة والسلام، ثم يثاب ثواباً آخر إذا قام بعمل مشروع في ذاته، يصدق هذه النية، ولذلك الأمر الذي يجعلنا أن نقول مطمئنين، إن هذا الفرح لا يدخل في التعبديات التي جاءت بكيفيات مأثورة عن صاحب الشرع الحكيم، إن صور الفرح عند المسلمين بهذه المناسبة السعيدة تتعدد، والتعبديات المقيدة صورتها واحدة، أما هذه فهي تنتقل إلى روح العبادة في معناها العام، لأن المباح إن توافرت فيه النية فإنه يقلب العمل من عادة إلى عبادة، فإن من الناس من يفرح بأن يجمع أسرته وأبناءه وأحفاده، وأن يقرأ عليهم شيئاً من السيرة النبوية، معرفاً بشمائل النبي عليه الصلاة والسلام، فهو مأجور على هذا العمل المبرور، ومن الناس من يصل من قطع من رحم له، ويتذكر أن هذه المناسبة جاءت لتجدد الأرحام، فهي عمل صالح مبرور، ومن الناس من ينشئ القصيدة والمديح، وهو عمل مبرور، كيف لا نمدحه وقد مدحه رب العزة والجلال، قال تعالى:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم : 4]

 تزكية للخلق، زكى صدره، قال تعالى:

﴿ أَلَم نَشْرَح لَكَ صَدْرَك ﴾

[سورة الشرح: 1]

 زكى ذكره، قال تعالى:

﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾

[سورة الشرح: 4]

 زكى بصره، قال تعالى:

﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾

[سورة النجم : 17]

 زكى فؤاده، قال تعالى:

﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾

[سورة النجم: 11]

 زكى هدايته، قال تعالى:

﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة الشورى:52 ]

 زكى عقله، قال تعالى:

﴿ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ﴾

[ سورة التكوير : 22]

 زكى معلمه، قال تعالى:

﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾

[ سورة النجم : 6]

 زكاه هذه التزكية الكاملة.

 

احتفاء الشعراء و أهل الإيمان بالنبي الكريم :

 إذا مدحه الله عز وجل واحتفت به كائنات السموات والأرض فيحتفي به أهل الإيمان، وقد مدحه شاعر الإسلام الأول حسان بن ثابت، وشق له من اسمه ليجله، فذو العصف محمود، وهذا محمد.

خلقـــــــــت مبرءاً من كل عيــب  كأنــــــــك قد خلقــــــــــت كما تـشـــــــاء
***

 ومدحه ابن رواحة:

وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابــــــَهُ إِذَا  انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الْفَجْرِ سَاطِعُ
أَرَانَا الْهُدَى بَعْدَ الْعَمَى فَقُلُوبُنَا  بِـــــــهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَــــالَ وَاقِــــــــــــعُ
يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِـه إِذَا  اسْتَثْقَلَــــــــتْ بِالْكَافِرِينَ الْمَضَاجِعُ
***
الله أكبَرُ إِنَّ دِيــــنَ مُحَمَــــــــــــــــــّدٍ  وكتابــــــــــــهُ أقوى وأقــــــــومُ قيـــــــــلا
لا تذكروا الكتبَ السَّوالفَ عندهُ  طلعَ النهــــــــــارُ فأطفِئُوا القنديـــــــلا

كيف ترقى رُقـيَّـك الأنبـيـــــــــــــاء  يا سمـــــــــــاء ما طاولتها سماء
لم يساووك في علاك و قد حا  ل سنـــــــــا منك دونهم وسنـــــــاء
***

 الإمام التطولي أراد أن يصوم صوم نفل فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال:

يوم أراك به فلست أصومـــــــه  فالعيد عنـــــــدي ثابتُ تحريمــــــه
***

 وأراد أن يقوم الليل فرأى نوراً في هذا الظلام البهيم فقال:

ودجىً أميط لنا لثام ظلامــــه  بصباح وصل منك كيف أقومــــــه
***

 هكذا، وأمير الشعراء قال:

المصلحون أصابع جمعت يــــــــــدا  هي أنت بل أنت اليد البيضاء
يا من له الأخلاق ما تهوى العلا  منها وما يتعشق الكــــــــــــــبراء
زانتك فى الخلق العظيم شمائـــــــل  يغرى بهن ويولع الكرمــــــــــــاء
فإذا سخوت بلغت بالجود المــدى  وفعلت ما لاتفعل الأنـــــــــــــواء
وإذا أخذت العهــــد أو أعطيتـــــــــه  فجميع عهدك ذمة ووفــــــــــاء
وإذا عفوت فقادراً ومقــــــــــــــــــــــدراً لا  يستهين بعفوك الجهـــــــلاء
وإذا رحمــــــت فأنــــــــــــت أم أو أب  هذان في الدنيا هما الرحمــاء
وإذا خطبت فللمنـــــــــــابر هــــــــــــزة  تعرو النـــــــدى وللقلوب بكـاء
وإذا غضبت فإنما هي غضبـــــــــة  للحق لا ضغن ولا شحنـــــــاء
يا من له عز الشفاعــــة وحـــــــــده  وهو المنزه ماله شفعــــــــــــــاء
عرش القيامة أنت تحت لوائـــــــــــه  والحوض أنت حياله السقاء
***

 لم يزل أئمة المسلمين وفضلاؤهم وعلماؤهم يثرون حياتهم وحياة الأمة بمدحه. أعد مدحه فإن القلوب تحبه.

 

الغرض من الاحتفال بالمولد النبوي تجديد الصلة بكتاب الله :

 إذاً نحن نقول: إن النية حينما تنعقد تعظيماً ومحبة للنبي فإنها نية يثاب عليها، وإذا انضاف إلى ذلك التقرب بعمل مشروع في ذاته يثاب الإنسان ثواباً آخر، ومن الناس من يجعل ذلك مناسبة لتجديد العهد من خلال التزكية الروحية، وآخر من خلال تجديد الصلة بكتاب الله عز وجل تدبراً وتفقهاً، ومن الناس من يجعله تأملاً بآيات الكون، التي بسطها الله تعالى، ومن الناس من يجعله تجديداً لعمارة الكون والحياة، ومن الناس من يسعى بهذا الهدي النبوي ليتخلق الناس به في سائر شؤون حياتهم، الشاهد أن الصور تتعدد بهذا الفرح، بل هناك من الناس من يذهب إلى أن يشتري حلوى المولد ليغرس في نفوس أبنائه محبة النبي صلى الله عليه وسلم، الذين لا تتسع عقولهم ومداركهم لمعرفة السيرة، وإنما يغرسها من خلال محبة النبي، وهذه الحلوى التي يقدمها لأبنائه وأحفاده، وإذا كان بعض الناس يقولون: إن هذا الأمر لم يفعله السلف الصالح مع قيام المقتدي له، فإن المقتدي له قديماً يختلف عن المقتدي له حديثاً.
 السلف الصالح بقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم، وبكمال إيمانهم، وبإشعاع النور المحمدي الذي صحبوه صحبوا أنفاسه في حله وترحاله، استغنوا عن كثير من هذه المظاهر، ولكن لأن الشقة قد بعدت، والغزو العولمي قد بسط رداءه، ودخل إلى بيوتنا وأسرنا ومضاجعنا بغير إذن منا، هذا الشعاع المادي الذي أطل على حياتنا، وجعل القلوب تجف فيها منابع الإيمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الإيمان ليبلى في جوف أحدكم كما يبلى الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم" كانت هذه المناسبات أشبه بالمحطات التي يتزود منها الإنسان، ويشحن بطاريته لتمتلئ نوراً وروحاً وإيماناً وريحاناً، وبالتالي إذا كان عهد الناس وقربهم من النبوة أغناهم عن كثير مما نفعله اليوم فإن تباعد العهد بالنبي يجعل مثل هذه المناسبات أدعى لأن نوليها من الاهتمام بالشيء الذي يليق بجلالها وعظمتها.
 من هنا الواجب أن يطور المسلمون احتفاءهم بالنبي لا أن يكون الاحتفاء موسمياً بقدر ما أن تكون هذه المناسبة تجديداً للعهد، ليكون التأسي في حركتنا وسكوننا، ويقظتنا ومنامنا، وعبادتنا، وأحسب أن العبارة الجامعة في هذه القضية كلها هو ما وصف الله عز وجل نبينا من كونه رحمة للعالمين، وما أحوجنا أن نجدد العهد مع النبي صلى الله عليه وسلم لنحقق التراحم بهذه الرحمة، فنحقق التعافي الديني، والتعافي المجتمعي، والتعافي السياسي، والتعافي الوطني، والتعافي لأمة الإسلام من خلال هذا التراحم، وكلمة الرحمة كلمة مركبة من أمرين، من رقة وعطف، ومن إحسان، فجعل الله العطف والرقة مركوزين في بني الإنسان، وتفرد الله تعالى بالإحسان، والله تعالى من أسمائه الرحمن الرحيم، والرحمن تعم، والرحيم تخص، وكان بالمؤمنين رحيماً، لذلك الإنسان يوصف بأنه رحيم ولا يوصف بأنه رحمن، لأن الرحمن اسم ووصف اختص الله تعالى به نفسه، فلا يقال للإنسان رحمن، والله تعالى رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، هذه الرحمة نحن أحوج ما نكون لنتأسى بها اليوم على مسرح العلاقة الأسرية التي تنعقد بعلاقة ثلاثية الأبعاد، علاقة تعاقدية تنشأ بعقد، يحدد الحقوق والواجبات، وعلاقة تكاملية يتكامل فيها دور الرجل والمرأة، وعلاقة تراحمية سكن ومودة ورحمة، نحتاج إلى أن تنعقد هذه الأسرة في بحبوبة هذه الرحمة الربانية المحمدية، لتعيش صفاءها وسكينتها، وتغرس الغرس الصالح في بناء هذه الأسرة، نحتاج إلى هذا التراحم على مساحة العاملين في الحقل الإسلامي التي غدت لغة التكفير والتضليل والتفسيق بديلاً عن لغة التراحم، ما أحوجنا أن نتراحم دينياً في حقل العاملين في حقل الدعوة إلى الله، لنجد ما قاله علماؤنا السابقون، إجماعهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة.

الدعوة إلى التراحم و التكافل بكل مضامينه ومعانيه :

 نقول: إن الجهود التي تهدر في مثل هذه الخلافات الفرعية التي وسعت من قبلنا يكفي أن نتوحد على الأصول، على الكليات، على الثوابت، على القطعيات، على المحكمات، ويسع بعضنا بعضاً في الفروع، والظنيات، والاجتهادات، يكفي أن نتفق على أن أمتنا وديننا وسع رخص ابن عباس، وعزائم ابن عمر، وأثرية ابن حنبل، وفقه أبي حنيفة، ومقاصدية الشاطبي، وظاهرية ابن حزم، ورقائق الجنيد، ومنطق أبي حامد الغزالي، واجتهاد ابن تيمية، وكلهم من رسول الله ملتمس، فلنتعاون فيما اتفقنا عليه، وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، نحتاج إلى التعافي الديني عبر هذا التراحم، لتسود لغة الحوار بديلاً عن لغة العنف اللفظي، نحتاج إلى التراحم على المستوى المجتمعي، هذا التراحم الذي يحقق العدل الاجتماعي، حتى لا تكون مجتمعات المسلمين بين بئر معطلة وقصر مشيد، بين غنى مطغ وفقر مدقع، فكم رأينا من ذوي المسغبة والفقر والحاجة المحرومين الأيتام الفقراء، الذين يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء، نريد هذا التراحم، من لا يَرحم لا يُرحم، لا تنزع الرحمة إلا من شقي، الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمهم من في السماء، نحقق هذا التكافل بكل مضامينه ومعانيه، نحتاج إلى التراحم في أوطاننا، نتراحم بين منظماتنا الاجتماعية، أحزابنا السياسية، لنقول للجميع بأن قامة الوطن أكبر من قامة الشخوص والأحزاب والزعامات، وأن قامة الدين في كل قطر أكبر من قامة الانتماءات الدعوية والحركية، وإذا كان الدين يسع والقلوب تضيق فينبغي أن نعود إلى رحابة هذا الدين، وإذا كانت الأوعية التي تواضع الناس عليها في العمل السياسي فإن الأوطان تتسع.

لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها  ولكن أحلام الرجال تضيق
***

 فلنجعل أيضاً هذا التراحم سبيلاً للتعافي الوطني، لا نقصي، ولا نهمش، ولا يستدعي أحد أجنبياً يجعله لحل قضاينا، نتراضى على صيغة من الوفاق الوطني لتجتمع الكلمة، ونزاوج بين الشرعية الانتخابية والشرعية التوافقية، فهذا أيضاً وجهاً من وجوه التراحم نحتاج إليه، نحتاج إلى التراحم السياسي في مجتمعاتنا، لنؤسس العلاقة بين الحاكم والمحكوم، على هذا التراضي، البيعة الحرة الرضائية، على النهج السلمي، على تعميق الشورى، على التكامل في الأدوار جميعاً، هذا وجه من وجوه التراحم الذي نحتاج إليه، التراحم على مستوى الأمة حتى تنتقل الأمة من حال التخلف لتعود إلى حالة الإقلاع الحضاري، هذه الدماء التي تسيل أشلاءً عبر التطرف،، إما أن يكون تطرفاً دينياً يبدأ بالتكفير وينتهي بالتفجير وإما أن يكون تطرفاً لا دينياً يبدأ بالتخريب وينتهي بالتدمير، وكلاهما وجهان لعملة واحدة، فالتطرف لا دين له، ولا لغة،، ولا جنس يدخل في اتباع الأديان والحضارات والثقافات والمجتمعات، وللأسف هذا اللون من التطرف بكل أشكاله يهلك الحرث والنسل، ويدمر طاقات الأمة عبر هذه الأشياء من الدماء التي تسيل كل يوم، نحتاج إلى السلم الأهلي والمجتمعي، بحقن الدماء، وإصلاح ذات البين، وأن نعلم أن المرء لا يزال في فسحة من دينه ما لم يسفك دماً حراماً، هذه مساحة نحتاج فيها إلى التراحم.
 وأخيراً التراحم الذي يخفض أصوات هذا الاستعلاء العرقي الطائفي، المذهب القبلي الجهوي، الذي يجعل الأمة تتقدم، بل يجعلها مسرحاً تنداح فيه قوى الكيد، الذي تتربص به الدوائر، وتحوله إلى ساحة لتقسيم ما هو مقسم، وتجزئة ما هو مجزئ، وتفتيت ما هو مفتت، جعلته حرماً مستباحاً، كيف نتجاوز هذا الأمر بخفض هذه الأصوات الغالية، لنعود إلى الرحابة الكبرى ونتسامى فوق الجراح، ونسمو على الصغائر، ونفعل كما فعلت أوربا بعدما طحنها الصراع البروتستانتي والكاثوليك، والحرب العالمية الأولى والثانية، فإذا هي تعود متوحدة في تشريعاتها وبرلمانها وعملتها وحدودها، إنك بتأشيرة واحدة تستطيع أن تدخل ثمان وعشرين دولة، وشعارهم.

وَإِنَّ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَ بَنِي أَبِي  وبَيْنَ بَنِي عَمِّي لَمُخْتَلِفٌ جِــدَّا
فَإِنْ أَكَلُوا لَحْمِــي وَفَرْتُ لُحُومَهُــــــــــمْ  وَإِنْ هَدَمُوا مَجْدِي بَنَيْتُ لَهُمْ مَجْـــدا
وإنْ زَجَرُوا طَيْرًا بِنَحْـــــــــسٍ تَمُرُّ بِي  زَجَرْتُ لَهُمْ طَيْرًا تمُرُّ بهِمْ سَــعْــدَا
وَلاَ أَحْمِلُ الْحِقْدَ الْقَدِيمَ عَلَيْـــــــــــهِمُ  وَلَيْسَ زعيم الْقَوْمِ مَنْ يَحْمِلُ الحِــقْـدَا
***

 أخيراً هذا التراحم نريد أن أن ننقل به الأمة من دائرة الوجود إلى دائرة الشهود، أمتنا المسلمة اليوم موجودة ولكن ليست حاضرة، الحضور غير الوجود، الحضور يعني الفاعلية، يعني المبادرة، أمة تعيش في قاع حضاري، وهذا التراحم هو دعوة إلى استئناف مشروع نهضوي كبير، يقوم على العقيدة الموافقة للفطرة، العبادة الدافعة للعمارة، العقل المهتدي بالوحي، العلم المرتبط بالإيمان، الأخلاق المترقية بالإنسان، الجسد الممدود بالروح، التشريع المحقق بالمصلحة، العدل المؤيد بالإحسان، الأسرة التي تصون الفرد، الخير المتوشح بالجمال، الفن الملتزم بالقيم، هذا التراحم يدفع مسيرتنا لتحقيق هذا الإقلاع الحضاري قال تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء: 107]

 أكتفي بهذا القدر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع :
 بارك الله بك شيخنا عصام البشير على هذه السياحة في السيرة، والسياحة الفقهية، والسياحة الأدبية، والشعر، نشكرك على هذا، ونقدم لكم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي.

 

خطاب النبي الذي قدس الوجود و رعى قضية الإنسان :

الدكتور راتب :
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إنني سوف أتكلم مع أنه لا يجتمع درس وضرس، والكلمات إذا تعددت تنوعت، كلمة الأخ الكريم الدكتور عصام البشير جامعة مانعة، وإذا بدأ هو الكلام يتعب من يأتي بعده.
 جعلت كلمتي خطاباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا سيدي يا رسول الله، يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ، يا من قدَّست الوجود كله، ورعيت قضية الإنسان، يا من زكيت سيادة العقل، ونهنهت غريزة القطيع، يا من هيأك تفُّوقك لتكون واحداً فوق الجميع، فعشت واحداً بين الجميع، يا من أعطيت القدوة، وضربت المثل، وعبّدت الطريق، يا من كانت الرحمة مُهجتك، والعَدل شريعتك، والحُب فطرتك، والسمو حرفتك، ومشكلات الناس عبادتك.
 لسان حالك يقول: المعرفة رأس مالي، والعقل أصل ديني، والحب أساسي، والشوق مَركبي، وذِكر الله أنيسي، والثقة كنزي، والحزن رفيقي، والعلم سلاحي، والصبر ردائي، والرضا غنيمتي، والزُهد حرفتي، واليقين قوّتي، والصدق شفيعي، والطاعة حسبي، والجهاد خُلقي، وجُعلت قُرَّة عيني في الصلاة..
 يا سيدي يا رسول الله، أشهد أن الذين بهرتْهم عظمتك لمعذورون، وأن الذين افْتَدَوْكَ بأرواحهم لهم الرابحون، أي إيمان، وأي عزم، وأي مضاء، وأي صدق، وأي طُهر، وأي نقاء، وأي تواضع، وأي حُب، وأي وفاء؟.. يوم كنت طفلاً عَزَفْتَ عن لَهْو الأطفال !.. وعن ملاعبهم، وأسمارهم، وكنت تقول لأترابك إذا دَعَوكَ إلى اللهو: " أنا لم أُخْلَق لهذا"!!.
 ويوم جاءتك رسالة الهدى، وحُمَّلتَ أمانة التَبليغ، قلت لزوجتك، وقد دعتك إلى أخذ قسطٍ من الراحة: انقضى عهدُ النومِ يا خديجة.
 ويوم فتحت مكة التي آذتك وأخرجتك، وكادت لك، وائتمرت على قتلك.. وقد ملأت راياتك الأفق ظافرة عزيزة، قلت لخصومك: "اذهبوا فأنت الطلقاء !!".
 ويوم دانت لك الجزيرة العربية، وجاء نصر الله والفتح، ودخل الناس في دين الله أفواجاً صعدت المنبر، واستقبلتهم باكياً، وقلت لهم: " من كنتُ جلدت له ظهراً فَهذا ظهري فَلْيَقْتَد منه، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه، ولا أخشى الشحناء فإنها ليست من طبيعتي ولا من شأني..
 ويوم دخلت على ثَوْبان، ذلك الغلام الفقير، فرأيته يبكي فسألتَه: ما يُبكيك يا ثَوبان؟.. قال: يا رسول الله إنك غبتَ إني اشتقتُ إليك، فتبكي عيناي، فإذا تذكرت الآخرة وأنني لن أكون معك في الجنة حيث أنت في أعلى درجاتها، ازداد بكائي، عندئذٍ هبط الأمين جبريل يقول الله عز وجل:

﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ﴾

[سورة النساء: 69 ]

 ويوم أقبل عليك رجلٌ فَظٌّ، لم يكن قد رآك من قبل غير أنه سمع أن محمداً يسبُّ آلهة قريش، فحمل سيفه وأقسم ليسوِّينَّ حسابه مع محمد، ودخل عليك وبدأ حديثه عاصفاً مزمجراً، وأنت تبتسم وتنطلق مع بسماتك أطياف نور آسر، وما هي إلا لحظات، حتى انقلب الغيظ المتجهم حباً..!! يكاد من فرط الوجد والحياء أن يذوب، وانكفأ على يديك ودمعه ينهمر من عينيه، ولما أفاق قال لك: يا محمد، والله لقد سعيت إليك وما على وجه الأرض أبغضُ إليَّ منك، وإني لذاهب عنك، وما على وجه الأرض أحب إليَّ منك !!.. لقد أشرقت على هذا الرجل أنوار الحق، ومحبة الخلق الكامنة في قلبك الشريف، ففعلت في قلب هذا الرجل فعل السحر !!.. إنها النبوة ! إنها النبوة !.
 ويوم غضبت من غلامٍ لك - وكان بيدك سواك - فقلت له: " والله لولا خشية القصاص لأوجعتك بهذا السواك"...
 نحن بأمسَّ الحاجة إلى هديك الرَّباني، الذي لا تزيده الأيام إلا رسوخاً وشموخاً، ونحن بأمسَّ الحاجة إلى سُنَّتك المطهرة، التي هي المنهج القويم والصراط المستقيم، ونحن في أمسِّ الحاجة إلى أخلاقك العُظمى، التي لا يزيدها التأمُّل، والتحليل، إلاَّ تألُّقاً ونضارة، لقد كنت بحقٍّ بين الرجال بطلاً.. وبين الأبطال مثلاً..
 حيث قلت لابنتك فاطمة الزهراء رضي الله عنها: يا فاطمة بنت محمد، أنقذي نفسك من النار، أنا لا أغني عنك من الله شيئاً، من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه، لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم !

 

شمائله صلى الله عليه وسلم :

 ما من كلمة تُقال في شمائلك أبلغ من كلمة سيدنا جعفر بن أبي طالب ابن عمك رضي الله عنه، يوم كان في الحبشة مهاجراً وسأله ملكها النجاشي عنك، فقال:

(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منّا، نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، إن تكلم فهو صادق، إن عاملته فهو أمين، إن استثيرت شهوته فهو عفيف، فدعانا إلى الله لنوحَّده، ونعبده، ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكفُّ عن المحارم والدماء... ونهانا عن الفواحش، وشهادة الزور، وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات))

[ ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 خاطبك ربك فقال:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً ﴾

[سورة الأحزاب: 45-46]

 لقد دعوت إلى الله، وتلوت على قومك آيات الله، وعلَّمتهم الكتاب الحِكمة، وزكِّيت الذين آمنوا بك، وساروا على نهجك، حتى صاروا أبطالاً، رهباناً في الليل، فرساناً في النهار، يقومون الليل إلا قليلاً، ينفقون أموالهم سرّاً وعلانية، ويدرؤون بالحسنة السيئة، في صلاتهم خاشعون، عن اللغو مُعرِضون، للزكاة فاعلون، لفروجهم حافظون، ولأماناتهم وعهدهم راعون، يمشون على الأرض هوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، يبيتون لربهم سجَّداً وقياماً، هم تائبون، عابدون، حامدون، سائحون، راكعون، ساجدون.. آمرون بالمعروف، وناهون عن المنكر.. حافظون لحدود الله.. يجاهدون في سبيل الله، ولا يخافون لومة لائم، إذا قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لهم فاخشوهم، زادهم إيماناً، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، هم رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدّلوا تبديلاً، يُبلغون رسالات الله ويخشونه، ولا يخشون أحداً إلا الله، يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، إذا ذُكر الله وجِلَت قلوبهم، وإذا تُلِيت عليهم آياته زادتهم إيماناً، وعلى ربهم يتوكَّلون، ما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا وما استكانوا، والله يحب الصابرين، كانوا قوَّامين بالله شُهداء بالقِسط، أذلة على المؤمنين، أعزَّة على الكافرين، أحبوا الله وأحبهم، رضي الله عنهم، ورضوا عنه.

 

حاجة المسلمين اليوم إلى الاهتداء بهدي ربهم و اتباع سنة نبيهم :

 لقد عرفت قيمة الوقت، فجعلته ظرفاً لبطولات تعجز عن صنعها الأمم والشعوب، حتى أقسم الله بعمرك الثمين فقال تعالى:

﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾

[سورة الحجر: 72]

 ما أحوج المسلمين اليوم إلى أن يصطلحوا مع ربّهم، ويخلصوا له دينهم، ويهتدوا بهديك، ويتبعوا سُنَّتك، ثم يدعوا بدعائك، فلعل اللّه يُخرجهم من الظُلمة، ويكف عنهم الغمّة، وينصرهم على أعدائهم وما أكثرهم.
 يا ذا القلب التقي، يا من لا تَفْلَت منك شاردة، من آمال الناس وآلامهم، إلا لبَّيتها ورعيتها، وأعطيتها من ذات نفسك كلَّ اهتمامٍ وتأييد، يا أيها العابد الأوَّاب، يا من تقف في صلاتك تتلو سوراً طويلة من القرآن، في انتشاء وغبطة، لا تقايض عليها ملء الأرض ذهباً، ثم لا تلبث أن تسمع بكاء طفلٍ رضيع كانت أمه تصلي خلفك في المسجد فتُضحُي بغبطتك الكبرى وحبورك الجيّاش، وتُنهي صلاتك على عجل رحمةً بالرضيع !!..
 يا من سوَّيت نفسك مع أصحابك، في بعض الغزوات، فتناوبت واثنين منهم على راحلة، فلما طُلِب منك أن تبقى راكباً قلت لهما: ما أنتما بأقوى مني على السير، وما أنا بأغنى منكما على الأجر !.
 يا من كنت ترتجف، حينما ترى دابة، تحمل على ظهرها فوق ما تطيق..يا من أرسلك الله رحمةً للعالمين. قال تعالى:

﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾

[سورة الأنبياء : 107]

 وزكّى عقلك فقال:

﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ﴾

[ سورة النجم : 2]

 وزكّى لسانك فقال:

﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾

[ سورة النجم : 3]

 وزكّى شرعك فقال:

﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾

[ سورة النجم : 4]

 وزكّى جليسك فقال:

﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾

[ سورة النجم : 5]

 وزكّى فؤادك فقال:

﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾

[ سورة النجم : 11]

 وزكّى بصرك فقال:

﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾

[ سورة النجم : 17]

 وزكّى خلقك فقال:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم : 4]

 وأقسم بعمرك الثمين فقال:

﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾

[ سورة الحجر: 72]

 نشهد أنك أدّيت الأمانة، وبلَّغت الرسالة، ونصحت الأمَّة.. وكشفت الغُمَّة، ومحوت الظُلْمة... وجاهدت في الله حق الجهاد، وهديت العباد إلى سبيل الرشاد...
 اللهم صلِّ وسلَّم وبارك على سيد البشر وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، الذين ربّاهم تربية حملت أحدهم على أن يقول: "والله لو كُشِفَ الغطاء ما ازددت يقيناً، ولو علمت أن غداً أجلي، ما قدرت أن أزيد في عملي ".
 ونحن نقول مع مَن قال يا سيدي يا رسول الله، ما أعقلك! وما أرحمك! وما أوصلك! وما أحكمك!
 جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمّته، لقد كنت رحمةً مهداة، ونعمة مزجاة.. والحمد لله رب العالمين، وبارك الله بكم، وشكراً لإصغائكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المذيع :
 شكراً لشيخنا الجليل على هذه الموعظة، نقدم لكم الشيخ أبو موسى وهو يجيد الخطابة واقفاً، الشيخ أبو موسى كنت في حيرة كيف العرف في السودان، أن النساء يمكن أن يجتمعن مع الرجال، شعرت أن العرف هنا ربما لا يسمح فاتصلت به أستشيره، فكان رأيه متقدماً هو الآن بجانبي ويمكن أن يضيف في هذا الرأي، أنا هنا أحيي المرأة السودانية، وأحيي السيدة الوزيرة أميرة الفاضل، فهي مثال للمرأة السودانية التي نقدمها في كل المحافل.

لماذا نحبّ محمداً ؟

الشيخ أبو موسى:
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لهه رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
 سيدي سعادة السفير عثمان ليتنا اليوم نجتمع لاستقبالك لا لوداعك، فقد تركت والله أثراً طيباً طيلة هذه السنين الذي خدمت فيها في وطنك الأول، ولا أقول الثاني، في أرض المملكة الأردنية الهاشمية، وأحيي أيضاً من أشار إليها أخي الدكتور صلاح السيدة الوزيرة أكانت سابقاً أو لاحقاً، وأحيي أخواتي جميعاً كل واحدة منهن باسمها، وأحيي أحبتي أفراد الجالية السودانية في هذا الوطن، الذين دائماً وأبداً يكحلون العين برؤيتهم في مسجد الكالوت، حيث أقوم بالخطابة هناك، وأقول لأهلي وأحبتي: أخواني السودانيون في الأردن أنتم كبائع العطر إن لم يشتر أحدنا منكم فإنه يشتم رائحة طيبة على الأقل، أحيي بكل تأكيد أخي وأستاذي وشيخي فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، العالم الجليل الذي دائماً يتيح لي الحظ أن ألتقي به دونما اتفاق، ما إن أتوجه إلى حفل إلا ويكون فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي قد دعي إلى هذا الحفل، وأكون معه وجهاً إلى وجه فأقع في حيرة من أمري يا أحبتي أتعلمون لماذا؟ لأن فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي حينما يتحدث يستهلك حروف الأبجدية جميعها، ولا يبقي لهذا الرجل شيئاً، فماذا أفعل؟ لا أسمح لنفسي أن أتقدم عليه مطلقاً، فهو أستاذي وشيخي، وفي نفس الوقت أقول له: رأفة بنا يا دكتور راتب حتى نجد شيئاً نتحدث به، قال تعالى:

﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾

[ سورة الصف:6 ]

 يوجد كتاب في الأسواق أكرمني الله به اسمه: لماذا نحب محمداً صلى الله عليه وسلم؟ يشرفني بالغد إن شاء الله وقبل أن يرحل سعادة السفير إلى وطنه السودان أن أقوم بإهدائه هذا الكتاب، ولأعضاء السلك الدبلوماسي في السفارة السودانية، لماذا نحب محمداً؟
 خرج النبي صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام من مسجد بعيد صلاة الظهر فوجد نفراً من أصحابه قد تحلقوا على بوابة المسجد، يتحدثون فيما بينهم، فسلم عليهم الصلاة والسلام وجلس بينهم، ثم قال: ماذا تصنعون؟ فقال قائل منهم: نتذاكر يا رسول الله، قال: بأي شيء تتذاكرون؟ قالوا: نتذاكر بأمر الدين والدنيا، قال: وعم تتساءلون؟ فقال قائل منهم: نتساءل يا رسول الله عن أشدّ خلق الله إيماناً، فقال عليه الصلاة والسلام: وماذا قلتم؟ فقال واحد منهم: قلنا الملائكة أشدّ خلق الله إيماناً، فقال: ولم لا يؤمنون وهم حول العرش يسبحون؟ فقال واحد آخر: الأنبياء يا رسول الله أشدّ خلق الله إيماناً، فقال عليه الصلاة والسلام: ولم لا يؤمنون والوحي يتنزل عليهم؟ فقال واحد آخر: إذاً نحن يا رسول اله، أشدّ خلق الله إيماناً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ولم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟ قالوا: من إذاً يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قوم يأتون من بعدكم يجدون كتاباً بين دفتين يقرؤونه، ثم يعملون بما جاء به، أولئك أشدّ خلق الله إيماناً، نحن لم نر النبي صلى الله عليه وسلم، ولم نر معجزات أبداً، أنا أخاطب سيدي رسول الله:

أنت الذي من نورك البدر اكتسى  والشمس مشرقة بنور بهــــــــاك
أنت الذي لما رفعـــــــت إلى السمـا  بك قد سمــت و تزينت لســــراك
أنت الذي نادك ربــــــــــك مرحبــــــــــا  ولقد دعاك لقربــــــــه و حبـــــــاك
هود و يونس من بهاك تجمـــــــلا  وجمال يوسف من بهاء ضياك
***

 صلوا على رسول الله.

 

لمحة عن العصر السابق لعصر النبي عليه الصلاة و السلام :

 أخواني سوف أستلب من وقتكم ما سمح لي أخي الدكتور صلاح من خمس عشرة دقيقة، دققوا على عقارب الساعة، لأنني سوف أنتقل بحضراتكم إلى ما قبل النبي صلى الله عليه وسلم بسبعمئة عام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى، ورأت أمي حينما حملت بي أن نوراً خرج منها فأضاء قصور بصرى، في بلاد الشام، هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم، الملوك في الزمن الماضي في مصر كانوا يقولون عن الملوك فراعنة، وهناك في الصين أباطرة، وفي اليمن تبابعة، مضى عهد التبابعة، وجاء الملك سيف بن ذي يزن ليحكم بلاد اليمن في عهد أبرهة الأشرم الحبشي، كما تذكرون جميعاً سيف بن ذي يزن يموت، من يأتي من بعده ولده ليرث الحكم، وكانت مكة في مجاعة، فقرر أسياد مكة أن يتوجهوا إلى اليمن ليقدموا التهنئة إلى ملك اليمن الجديد، وبالتالي يطلبون منه العون لإطعام الجياع في مكة المكرمة، مَن مِن أسياد مكة؟ عبد المطلب، من هو عبد المطلب؟ استمعوا إلى نسب الحبيب محمد بن عبد الله، تذكروا أخواني أخواتي الكريمات أنتم تصغون أكثر من الرجال أحياناً تذكرون من سيربح المليون، هل تذكرونه؟ شاب والله في السنة الثالثة من الجامعة يقول له جورج قرداحي في الأسئلة: انتبه، أنا أسألك هذا السؤال ربما تستعين بصديق أو لا تستعين بصديق، عبد الله، عبد الحميد، أربعة أسماء اسم والد محمد، اتصل بصديق ولم يعلم اسم والد النبي صلى الله عليه وسلم، السيدي موجود عندي في الجامعة ولم يعرف اسم والد النبي صلى الله عليه وسلم، نحن نتحدث في هذه الأمسية المباركة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، محمد ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن حكيم بن مرة بن كعب بن لؤي ابن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن معد ابن نزار بن عدنان صلوا عليه.
 اختاروا عبد المطلب رئيساً للوفد الذي سوف يتوجه إلى مكة المكرمة للتهنئة، وطلب العون، من اختار عبد المطلب؟ اختار أسد بن خويلد وعبد الله بن جدعان وأمية بن عبد شمس، هؤلاء كانوا من العمالقة من أصحاب الرأي، وأخذوا عدداً وفيراً من الرجال، وتوجهوا إلى بلاد اليمن، وصلوا بعد فترة إلى بلاد اليمن، وأذن لهم الملك أن يدخلوا إليه ليقوموا على تهنئته بالعرش، دخل هؤلاء الأربعة وبقية الرجال بقوا في الخارج، فلما اقتربوا الملك يجلس على عرشه قال: من المتحدث فيكم؟ فتقدم جد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: أنت المتحدث؟ قال: نعم، فقال له الملك: إن كنت ممن يحسن الكلام بين يدي الملوك فتكلم وإلا فدع غيرك يتكلم، إذا جلست عند الملوك فاعلم ماذا يخرج من فمك، هكذا قرأنا في كليلة ودمنة ونحن صغار، استمعوا ماذا قال؟ أيها الملك: إن الله قد أحلك محلاً رفيعاً صعباً منيعاً شامخاً باذخاً، وأنبتك منبتاً طابت أرومته، وعزت جرثومته، وثبت أصله، وبسق فرعه في أكرم موطن وأطيب معدن، فأنت ملك العرب وربيعها الذي تخصب به البلاد، ورأس العرب الذي له تنقاد، وعمودها الذي عليه العماد، ومعقلها الذي يلجأ إليه العباد، وسلفك خير سلف، وأنت لنا منهم خير خلف، هذا لم يدرس في السوربون، لم يذهب إلى باريس أو مانشيستر، هذا درس في البادية، لماذا؟ لأن الله في لوح مقاديره يريد أن يخرج من أصلاب هؤلاء الرجال نبياً اسمه محمد بن عبد الله، ويجب أن يكون أجداد النبي صلى الله عليه وسلم هكذا

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور