وضع داكن
29-03-2024
Logo
مختلفة - الأردن - المحاضرة : 18 - مدينة عمان - ضاحية الرشيد - مسجد رمضان - العدل والإحسان ، قصة خطيب جامع الورد .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

العدل قسري أما الإحسان فطوعي :

 في هذا الشهر الكريم جرت العادة أن أشرح بعض الآيات التي تليت في التراويح لكن اليوم سأجعل موضوع الدرس قصتين صغيرتين فيهما موعظة كبيرة.
 القصة الأولى: هناك مسجد في دمشق في شارع تراثي، في سوق ساروجة، يوجد جامع قديم جداً اسمه جامع الورد، وخطيب المسجد في إحدى خطبه قال: خطيب المسجد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له: قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة، شيء غريب دراسات وشريعة وتجويد وتفسير وتحليل- أي كان عالماً كبيراً - أما هذا الجار فكان بقالاً، فذهب إليه، وقال له: لك عندي بشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنني لن أقولها لك إلا إذا أخبرتني ماذا فعلت مع ربك حتى استحققت هذه الرؤيا، - والله ليس من عادتي أن أذكر منامات ولا رؤى، خمس وثلاثون سنة لا أروي منامات ولا رؤى، هذه المرة الوحيدة - الخطيب رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة ، بعد يومين طرق بابه قال له: لك عندي بشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنني والله لن أقولها لك إلا إذا أخبرتني ماذا فعلت مع ربك، بالطبع رفض أن يتكلم لكن بعد إلحاح شديد والرضا بالبشارة قال له: تزوجت امرأة وبعد مضي خمسة أشهر من زواجي بها - قصده بالدخول بها - كانت حاملاً بالشهر التاسع، واضح؟ قال له: بإمكاني أن أطلقها أو أن أفضحها أو أن أسحقها، والناس بصالحي، والشرع والقانون يحكم لي، وأهلها بصالحي، فهي مذنبة ذنباً كبيراً لكن أردت أن أحملها على التوبة، فجاء لها بمولّدة وولدت، ومع صلاة الفجر حمل المولود تحت عباءته وقف أمام باب المسجد وانتظر حتى نوى الإمام صلاة الفجر، وضع هذا المولود وراء الباب والتحق بالمصلين، انتهت الصلاة والمصلون تحلقوا حوله طفل يبكي صغير جداً، مولود من ساعات، تجمع المصلون حوله أما هذا الشخص صاحب القصة فتأخر حتى ضمن أن معظم المصلين تحلقوا حول هذا المولود فاقترب منه وقال: ما الخبر؟ قالوا: تعال وانظر طفل لقيط، قال: أنا أكفله أعطوني إياه ورده لأمه. فلذلك الآية دقيقة جداً جداً قال تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ ﴾

[سورة النحل: ٩٠]

 العدل قسري، أما الإحسان فطوعي، ومرتبة الإحسان فوق العدل بكثير، هذه المرأة ضمن توبتها، وضمن سيرها في طريق الحق، وأنقذها من فضيحة.

 

 أحياناً كل شخص يواجه مشكلة، أحياناً يقف موقف العدل لا يؤاخذ لكن هناك موقف الإحسان، هذا الموقف يملك قلبه، فالآية:

﴿ فَمَن عَفا وَأَصلَحَ ﴾

[سورة الشورى: ٤٠]

 بمعنى إن غلب على ظنك أن عفوك عنه يصلحه، وبعفوك عنه تتجنب ظلم انسان، والعدل من حقك، وأنت في العدل لا تلام إطلاقاً لكن أحياناً الإحسان يملك قلبه.

 

فكر قبل أن تتخذ قراراً قاسياً :

 أخواننا الكرام؛ الأنبياء ملكوا القلوب، والأقوياء ملكوا الرقاب، وفرق كبير بين أن تملك قلب إنسان وبين أن تملك رقبته، لذلك الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا.
 هذه القصة تعلمنا قبل أن تتخذ قراراً قاسياً، قبل أن تفعل فكر، دائماً هناك من ينصح من علماء النفس إذا وجدت مشكلة اترك القرار لبعد يومين، أنت على خطأ كبير قد يكون هذا القرار قاسياً، فلا تتخذه مباشرة، بعد يومين ستهدأ، بعد يومين سيذهب غضبك، في ساعة الغضب قد تتخذ قراراً يكون فيه خطأ كبير.

 

 فهذا الإنسان بهذه الطريقة ضمن لهذه المرأة أنه سترها، وحملها على التوبة، وجاء ببشارة من رسول الله أنه رفيقه في الجنة.

من حفظ نعمة الله في الصغر حفظها الله له في الكبر :

 يوجد شيء آخر؛ أنا من عادتي أحياناً أذكر كلمات موجزة فيها معاني كثيرة، في إحدى المرات كنت راكباً سيارتي في عمان فجاء شخص وسألني سؤالاً من كلمتين، تكلمت حوالي ثلاث دقائق، قلت له: لا تغير لا يغير، غير ليغير، أي أنت مرتاح، صحتك جيدة، زوجتك مستورة، عندك أولاد، عندك بنات، مكانتك جيدة، دخلك معقول، أنت مرتاح أقول لك: لا تغير لا يتغير، استقامتك، ورعك، عملك الصالح، حبك للخير، خدمتك لأهل الحق لا تغير لا يغير، لا تقلق، لا تظل بوساوس، قال تعالى:

﴿ قُل لَن ﴾

[سورة التوبة: ٥١]

 لن للمستقبل:

﴿ قُل لَن يُصيبَنا إِلّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَولانا ﴾

[سورة التوبة: ٥١]

 فلا تغير لا يغير، أنت مرتاح، صحتك جيدة، زوجتك بينك وبينها تفاهم كبير، أولادك أبرار، بناتك صالحات، وضعك العام جيد، لا تقلق، لا تدخل بوساوس الشيطان، لا تغير لا يغير.
 يوجد قاعدة في الطب: العضو الذي لا يعمل يضمر، إذا الإنسان جبصن يده ثلاثة أشهر لا يستطيع أن يحركها، وهذه القاعدة تطبق على الدماغ، تصلي في اليوم خمس صلوات صلاة الظهر أول ركعتين يوجد فيهم سورة، بينما الركعتين الآخرتين لا يوجد فيهما سورة، يوجد نشاط ذهني باستمرار، فالعضو الذي لا يعمل يضمر، أي من تعلم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت، الخرف أنا أستبعده عن المؤمن.
 أنا أعرف وسمعت عن عالم بالشام اسمه الشيخ يوسف السفرجلاني، عمره ست و تسعون سنة، منتصب القامة، حاد النظر، قدرة السمع جيدة، سئل: ما هذه الصحة التي منحك الله تعالى إياها؟ قال: يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله تعالى علينا في الكبر، أقول للشباب: اتق الله، الله يحفظ لك صحتك حتى الموت.
 لي صديق أردت أن أزوره في العيد- قصة قديمة- طرقت الباب ففتح لي الباب والده، فقال لي: إن ابني محمداً ليس هنا الآن، ثم دعاني إلى الدخول فدخلت، قال لي: يا عم إن عمري ست و تسعون سنة، والبارحة قمت بفحص كامل، وكانت نتيجة الفحوصات طبيعية، ثم قال لي: أنا لا أعرف الحرام، لاحرام المال ولا حرام النساء، لا أعرف الحرام أبداً.

 

الشباب عماد الأمة و مستقبلها :

 أنتم أيها الشباب عماد الأمة، مستقبل الأمة، نعيش حياة طيبة ببحبوحة، وصحة طيبة، ويتوفق بزوجة صالحة، في إحدى المرات كنت قادماً من استنبول فقام بتوصيلي أخ تركي إلى المطار، والسائق صديقه، قلت له: اسأل زميلك هل هو متزوج؟ سأله: فقال إنه ليس متزوجاً، قلت له: قل له يدعو لك الشيخ بزوجة صالحة تسرك إن نظرت إليها، وتحفظك إذا غبت عنها، وتعينك إن أعنتها، فترجم قولي للتركي، فقال له: أتمنى أن أوصله للشام وليس فقط للمطار.
 أنا أخاطب الشباب، أنا أدرس بالجامعة لمدة ثلاث و ثلاثين سنة، كل عمري مع الشباب، هذا الشاب ماذا يسعده؟ زوجة صالحة، الدنيا كلها متاع، وخير المتاع الزوجة الصالحة، يريد شيئاً آخر؛ يريد فرصة عمل، يريد بيتاً وفرصة عمل وزواج، أصبح أكبر قوة للمؤمن، إذا نحن لم ننتبه للشباب، لم نؤمّن لهم بيوتاً، ولا زواجاً، ولا فرص عمل، هذا سيؤدي إلى تطرفين: تطرف تفلتي وتطرف تشددي.
 التفلت التطرفي إباحي، والتطرف التشددي تكفيري، لذلك ورد في الأثر:

(( من سعى بتزويج رجل من امرأة كان له بكل كلمة قالها، وبكل خطوة خطاها عبادة سنة قام ليلها وصام نهارها ))

[ ورد في الأثر ]

 هناك أمثال شعبية خاطئة، قال: امش بجنازة ولا تمشي بزواجة، هذا خطأ.

(( من سعى بتزويج رجل من امرأة كان له بكل كلمة قالها، وبكل خطوة خطاها عبادة سنة قام ليلها وصام نهارها ))

[ ورد بالأثر ]

 نحن أول قصة لا تغير لا يتغير، تعاني من مشكلة مالية، اجتماعية، وظيفة، أقول لك: غير ليغير، أختصر لك وأقول: لا تغير لا يُغير، غير ليغير.

 

إيجابيات كثيرة في بلادنا العربية و هذا من فضل الله علينا :

 هنالك كلمة أخرى حول هذا الموضوع كنت أقولها لأخواننا دائماً: إما أن تأتي راكضاً أو يأتي بك راكضاً، كيف؟
 قال لي شخص وهذا كلامه بالضبط: أنا عندي مطبعة، وربحت عام ألف و تسعمئة وسبعين أرباحاً طائلة، قال: وضعت في جيبي خمسمئة ألف كان في ذلك الوقت الدولار بثلاث ليرات سورية، وأردت أن أسافر لأمريكا كي أرفه عن نفسي، ولا أريد أن آخذ زوجتي معي، وصل لأمريكا فضعف ودخل للمشفى سرطان بالنخاع الشوكي، ترك ورجع مسرعاً لبلده من جامع لجامع.
 أخواننا الكرام؛ أربع كلمات؛ لا تغير لا يغير، غير ليغير، إما أن تأتي راكضاً أو يأتي بك راكضاً، فأنت في أول حياتك قال تعالى:

﴿ وَلِمَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ﴾

[سورة الرحمن: ٤٦]

 يقول ابن تيمية: " ماذا يفعل أعدائي بي؟ بستاني في صدري، إن أبعدوني فإبعادي سياحة، وإن حبسوني فحبسي خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، فماذا يفعل أعدائي بي؟"
 فأنت مقبل على حياة، فأنا قبل عشرين أو ثلاثين سنة كنت أدخل إلى الجوامع كان عمر من يدخل إلى الجامع ثمانين فما فوق، الآن كله شباب يوجد صحوة، هذا فضل كبير، أنت في أول حياتك تعرف على الله تمشي بشكل صحيح، تشكل حياتك تشكيلاً صحيحاً، أنت تبني بنيانك على تقوى من الله، هناك من يبني بنيانه على شفا جرف فينهار به في نار جهنم، في اختيار زوجتك، في عمل حر لك.
 نعم هناك شخص في دمشق أحد أخواني، مهندس كبير، أحد كبار المحسنين يريد أن يعمر مسجداً، فكلف هذا المهندس أن يبحث له عن أرض، فوجد أرضاً مناسبة جداً جنوب دمشق، أرض مربعة وأحد أضلاعها باتجاه القبلة تماماً، سألوا عن صاحبها، صاحبها مستخدم في مدرسة، وقد ورثها من شهر، عنده ثمانية أولاد، ساكن بغرفة واحدة، راتبه لا يكفيه حق طعام، فطلب خمسة ملايين، وقبِل بأربعة ملايين، فهذا المهندس كتب شيكاً بمليونين، قال له: ومتى الباقي؟ قال: عند التنازل، قال: أي تنازل؟ قال له: هذه الأرض ستصبح جامعاً، ستذهب معنا للأوقاف وتتنازل وأعطيك المليونين، قال له: هذه ستصبح جامعاً، قال: أنا أرضي ستصبح جامعاً؟ قال: نعم وما المشكلة؟ قال: والله أستحي من الله، أنا أولى بتقديمها منك، تدخلون الشام على اليسار قبل القدم أطول مئذنة بدمشق، صاحب الأرض مستخدم في مدرسة عنده ثمانية أولاد.
 هذه في بلاد المسلمين، في بلد ثان شاب داعية مقيم مع أصدقائه في لندن، له عمل في ظاهر لندن، اضطر أن يركب مركبة كل يوم مع السائق نفسه، فمرة صعد المركبة، وأعطى السائق ورقة نقدية كبيرة، ردّ له السائق التتمة، عدها فإذا هي تزيد عشرين بنساً على ما يستحق، دخل في صراع مع نفسه، إنها شركة عملاقة ومعها ملايين الدولارات، والمبلغ يسير جداً، وأنا في أمس الحاجة إليه، فلا يوجد شيء إن أخذتها، لكن قبل أن ينزل ودون أن يشعر مدّ يده الى جيبه وأعطى السائق عشرين بنساً، ابتسم السائق وقال: ألست أنت إمام هذا المسجد؟ قال: بلى، قال: والله حدثتني نفسي قبل يومين أن أزورك في المسجد لأتعبد الله عندك، ولكنني أردت أن أمتحنك قبل أن آتي إليك، وقع هذا الإمام مغشياً عليه، فلما صحا من غفوته قال: يا رب، كدت أبيع الإسلام كله بعشرين بنساً.
 كم مسلم يحلف يميناً ويميناً كاذباً؟ نحن مليار وثمانمئة مليون ليست كلمتنا هي القوية.
 هذه بلندن والأولى بدمشق وهذه بأمريكا، شخص أحب فتاة فاستأذن والده بالزواج منها، فقال له: لا يا بني إنها أختك وأمك لا تدري، فلما أحب ثانية قال: يا أبي هذه فتاة أحببتها، قال له: أيضاً هذه أختك وأمك لا تدري، الثالثة كذلك، فضجر من أبيه، وشكا إلى أمه، فقالت له: خذ أياً شئت أنت لست ابنه وهو لا يدري.
 هذه قصة في الشام وقصة في لندن وقصة في أمريكا، فنحن لدينا مليون إيجابية في بلادنا، في بلادنا مروءة، نخوة، تماسك أسري، سألت شخصاً بأمريكا كم بيت هنا فيه خيانة زوجية؟ قال لي: سبعون بالمئة من البيوت، نحن ولا بيت فيه خيانة زوجية.
 فنحن نتمنى أن تعرف إيجابيات بلدك، تعرف أثر الإسلام بحياتك، فالله عز وجل له فضل علينا، هذه البلد يوجد بها ثلاث نعم، أنتم لا تنتبهون إليها، الدعاء يقول: " اللهم أرنا نعمك بدوامها لا بزوالها" أي التدين هنا في هذه البلاد ليس عقوبة يعاقب عليها الإنسان، أو يقتل من أجلها. وهناك شيء آخر؛ يوجد أطياف في الأردن ولكن ليس بين الطائفتين عداء تاريخي. والثالثة يوجد دولة قوية.
 هذه النعم قد لا تنتبهون إليها إطلاقاً أما الآخرون فينتبهون، اشكروا الله عز وجل والدعاء الأساسي:" اللهم أرنا نعمك بدوامها لا بزوالها".

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور