وضع داكن
19-04-2024
Logo
محاضرات شواطئ النجاة : 2 - الإخلاص .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات .

الإقبال على الله عز وجل لنهتدي بهديه :

مرة ثانية أشكر لكم هذه الدعوة الكريمة التي إن دلت على شيء فعلى حسن الظن بي ، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم .
شيء آخر ؛ تعلق أهل هذا البلد الطيب بالعلم والعلماء هذا والله وسام شرف لكم ولا أقوله مادحاً بل محققاً .
الموضوع الثاني الذي ينبغي ان أقدمه لكم موضوع الإخلاص ، وكأننا في مدارج السالكين ، وهذه السلسلة مئة موضوع في موقعي ، مدارج السالكين في الاستعانة برب العالمين، هذه المدارج هي الطريق إلى الله ، هناك سلسلتان كبيرتان ؛ الأولى أسماء الله الحسنى ، والثانية مدارج السالكين ، أي بعد أن عرفنا الله من خلال خلقه ، ومن خلال كتابه ، ومن خلال أفعاله كيف نتصل به ؟ أو كيف نصل إليه ؟ كيف نقبل عليه ؟ كيف نستنير بنوره ؟ كيف نهتدي بهديه ؟ كيف نسعد به ؟ كيف نطمئن بدفاعه عنا ؟ هناك معاني لا توصف ولا تعد ولا تحصى من نتائج الإقبال على الله عز وجل ، لذلك الحديث الشريف :

((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))

[ابن ماجه وأحمد والدارمي عَنْ ثَوْبَانَ]

بعضهم قال لن تحصوا الخيرات ، يا ترى الإنسان إذا آمن يتمتع بحالة أمن ؟ حالة الأمن التي يتمتع بها المؤمن ينفرد بها ، ولن تكون لغير المؤمن والدليل قال تعالى :

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ ﴾

[ سورة الأنعام:81-82]

دقق في اللغة ، ما قال الأمن لهم ، لو قال لهم ولغيرهم ، لما قدمنا شبه الجملة الخبر على المبتدأ صار هناك قصر وحصر ، لو أنك قرأت في الفاتحة نعبد إياك ، لا تعني نعبد إياك ألا نعبد غيرك ، أما إياك نعبد أي لا نعبد غيرك ، لما نقدم المفعول على الفعل صار قصر وحصر .

 

المؤمن سريرته كعلانيته وظاهره كباطنه :

لذلك أخواننا ؛ هذا الموضوع الذي نحن في صدده موضوع الإخلاص . كم من عمل عظيم افتقر إلى الإخلاص فكان هباءً منثوراً .

(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))

[ سنن ابن ماجه عن ثوبان ]

عندما يكون للمؤمن موقف يقفه أمام الناس ، موقف في خلوته ، و موقف في جلوته، انتهى عند الله عز وجل ، من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيءٍ من عمله . المؤمن سريرته كعلانيته ، وظاهره كباطنه ، وباطنه كظاهره ، لا يحابي ، لا يمثل ، لا يبالغ ، لا يكذب ، والحق ما هو الحق ؟ كلمة الحق جاءت في القرآن مئات المرات ، كلمة متداولة ، الحق هو الشيء الثابت والهادف ، ما الباطل ؟ الشيء الزائل والعابث ، تأسيس جامعة حق ، هذا البناء أنشئ ليبقى ، أحمل دكتوراه من جامعة في أوربا عمرها خمسمئة عام ، الحق شيء وجد ليبقى ، أما السيرك فيبقى أسبوعين ، ويصنع من القماش ، ألعاب بهلوانية ، فيه بعض الوحوش ، الحق شيء مهم جداً ، الله هو الحق ، الشيء الثابت والهادف ، الباطل الشيء الزائل والعابث ، طوبى لمن كان مع الحق والذي مع الحق في أعلى عليين .

 

من تولى الله حفظه فهو في حصن حصين :

لذلك أخواننا الكرام ؛ اللقاء السابق كان عن محبة الله ، لا بد من كلمة قصيرة جداً ؛

الله عز وجل بيده حياتنا ، بيده موتنا ، بيده صحتنا ، بيده مرضنا ، بيده سعادتنا ، بيده شقاؤنا ، بيده من حولنا ، بيده من فوقنا ، بيده الكبار ، بيده الصغار ، بيده الجراثيم ، كل شيء بيده ، لكن حينما يتولى الله حفظك أنت في حصن حصين .
يا رب ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟
ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء .
والله الذي لا إله إلا هو لا أبالغ إن لم تقل : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني عندك مشكلة ، لأنك مع من ؟ مع الخالق ، مع الرب ، مع المسير، مع الرحيم ، مع الودود ، مع اللطيف ، أسماء الله كلها حسنى ، فلذلك أخواننا الكرام ؛ أنا لا أقول أن الذي غفل عن الله يعيش ، قال تعالى :

﴿ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء ﴾

[ سورة النحل: 21 ]

﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

[ سورة المنافقون: 4 ]

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾

[ سورة الفرقان : 44]

﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾

[ سورة الجمعة: 5 ]

أوصاف قرآنية لمن غفل عن ذكر الله ، لمن شرد عن الله ، لمن آثر الدنيا على الآخرة ، لمن آثر حظوظ نفسه على مبادئ الشرع ، لمن نسي الموت .عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت .

 

الزمن هو أثمن شيء يملكه الإنسان :

أنت أيها الإنسان بضعة أيام ، والله ما قرأت تعريفاً جامعاً مانعاً رائعاً للإنسان كتعريف الإمام الجليل الحسن البصري ، قال : " الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ".
فأنت زمن ، أو رأس مالك هو الزمن ، أو أثمن شيء تملكه هو الزمن ، لذلك أقسم الله لك بمطلق الزمن قال تعالى :

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر: 1-2]

كلام خالق الأكوان ، لأن مضي الزمن وحده يستهلكك ، الإنسان ينشأ في الشباب يوجد ثورة و تألق و قوة ، قد يرى المال كل شيء ، في منتصف العمر يراه شيئاً لكنه ليس كل شيء ، وهو على فراش الموت لا يراه شيئاً ، فالبطولة أن تعيش المستقبل ، من هو العاقل ؟ الذي يصل إلى الشيء بعقله قبل أن يصل إليه بجسمه ، هل هناك إنسان وأنا معكم يستطيع أن يقول : أنا أستيقظ كل يوم كاليوم السابق ؟ مستحيل وألف ألف مستحيل ، عندنا بوابة خروج كالمطار ، وكل واحد منا له بوابة خروج يخرج منها ، أين الذكاء ؟ أين العقل ؟ أين البطولة ؟ أين التفوق ؟ أن تعد لهذه الساعة التي لا بد منها ، وهذا هو الفرق بين المؤمن وغير المؤمن ، المؤمن يأكل ويشرب ويتزوج ويدرس ويتفوق ويتسلم منصباً رفيعاً ويدير إدارة رائعة ، ولكن لا ينسى ساعة المغادرة ، فلذلك الإعداد لهذه الساعة هو العقل والذكاء والحكمة والتفوق .
عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت .

 

الإخلاص :

الموضوع اليوم في مدارج السالكين الإخلاص ، البارحة الحب .
أخواننا الكرام ؛ الآية الأولى :

﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ ﴾

[ سورة البينة: 5 ]

العبادة حركة الجوارح ، والإخلاص عبادة القلب ، الحركة حركة الجوارح ، أما النية فمن الداخل ، من القلب ، فالقلب يعبد الله إخلاصاً :

﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾

[ سورة البينة: 5 ]

أخواننا الكرام ؛ هذه الآية الأولى ، والآية الثانية :

﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ﴾

[ سورة الزمر : 2]

وكل أمر في القرآن يقتضي الوجوب ، نحن قد نتوهم أن الدين صوم وصلاة وحج وزكاة ، هذه عبادات شعائرية ، العبادة التعاملية خطيرة جداً لها نص فريد من نوعه ، حينما سأل النجاشي سيدنا جعفر عن الإسلام ، أجابه :

(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك ، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه ، وصدقه ، وأمانته ، وعفافه ...))

[ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

إن حدثك فهو صادق ، وإن عاملك فهو أمين ، وإن استثيرت شهوته فهو عفيف ، والنسب فوق كل هذا تاج .

(( ...وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ))

[ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

هذا النص الدقيق جداً هو العبادة التعاملية .

 

العبادة الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية :


أخواننا الكرام ؛ إن هذه الفقرة التي تلي الآن لعلها أخطر فكرة في هذا اللقاء الطيب

العبادات الشعائرية منها الصلاة والصيام والحج والزكاة والنطق بالشهادة ، هذه العبادات الشعائرية على أنها فرائض لا تقطف ثمارها ولا تحقق أهدافها إلا إذا صحت العبادة التعاملية ، أنت تقول : مليار وثمانمئة مليون مسلم ليست كلمتهم في الأرض هي العليا ، وليس أمرهم بيدهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل ، وقد يواجه هذا الدين حرباً

عالمية ثالثة ، أين الخلل ؟

الانتماء الشكلي إلى الدين لا يقدم ولا يؤخر ، تضع الكعبة في صدر بيتك شيء رائع جداً ، تضع مصحفاً في السيارة ، و لكن هذا لا يكفي ، مسبحة في يدك لا تكفي ، منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، افعل ولا تفعل ، كسب مالك فيه تشريع ، إنفاق مالك فيه تشريع ، اختيار زوجتك فيه تشريع ، تربية أولادك فيه تشريع ، اختيار حرفتك فيه تشريع ، أصحابك ، تمضية أوقات فراغك فيه تشريع ، هذا منهج يدور معك حيث درت ، يبدأ من أخصّ خصوصياتك وينتهي بالعلاقات الدولية ، هذا الإسلام ، لن تقطف ثماره إلا إذا أخذ من كل أطرافه .
تختار عبادة لطيفة سهلة تقول : أنا ذهبت إلى العمرة ثلاثاً وثلاثين مرة ، ما شاء الله ، تركب طائرة تذهب إلى فندق ، الأكل درجة أولى ، تطوف سبعة أشواط ، عملنا عمرة ، هذه ما كلفت شيئاً ، كلفت مالاً فقط ، أما يا ترى هل هناك غض بصر ؟ ضبط لسان ؟ ضبط عين ؟ ضبط دخل ؟ ضبط إنفاق ؟ هذه البطولة ، منهج تفصيلي لا بد من أن تأخذ به ، ولعل هذه الحقيقة مرة ، سامحوني أنا آثر الحقيقة المرة لأنها عندي أفضل ألف مرة من الوهم المريح أي إذا شخص يحمل شيكاً مزوراً بمليون دينار مثلاً ، إذا عرف أنه مزور بوقت مبكر وما أبرزه للمصرف أفضل أم يتوهمه أنه صحيح ويقدمه ويوضع عشر سنوات بالسجن ، ما رأيك ؟ يجب أن تعرف دينك ما مستواه ، ألا ترى معي أن وعود الله معطلة ؟ معنى ذلك نحن ليس كما ينبغي.

زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين :

اسمع القرآن :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

بربكم هل نحن مستخلفون في الأرض ؟ لا والله ، هذه الحقيقة المرة .

﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

قانون :

﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾

[ سورة النور: 55 ]

هذا الدين ممكن أم يواجه حرباً عالمية ثالثة ؟ هذه الحرب الثالثة كانت تحت الطاولة اليوم فوق الطاولة جهاراً نهاراً :

﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي ﴾

[ سورة النور: 55 ]

فإذا أخلّ الطرف الآخر بما كلفه الله به من عبادة فالله جلّ جلاله في حلّ من وعوده الثلاثة ، إذاً أيها الأخوة ؛ زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين .

 

الخلل الكبير و الخطير الذي أصاب الدين الإسلامي :

أخواننا ؛ نحن مليار وثمانمئة مليون :

(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))

[أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عباس]

عندنا خلل كبير وخطير ، أي ديننا فولكلور ، كعبة ، مسبحة ، مصحف ، بسملة ، تكبير ، الدخل حلال ؟ معمل مواد غذائية ، فيه مادة غذائية إن وضع فيها مادة مسرطنة يبيض لونها ويرتفع سعرها ، يقول لك : أصلي خمسة أوقات وأتابع الدروس كلها في المساجد ، يضيف إلى هذه المادة الغذائية مادة مسرطنة حتى يبيض لونها ويرتفع سعرها هل يكون هذا قد عرف الله عز وجل ؟ لا والله ما عرف الله.
فلذلك أخواننا الكرام ؛ لا يمكن لإنسان عرف الله أن يؤذي مخلوقاً ، لا يغش المسلمين ، لا يستطيع أن يكذب ، لا يستطيع أن يقدم بضاعة بمواصفات غير صحيحة ، لا يستطيع أن يطلب من الشركة أن تضع له على هامش القماش أنه صنع في بريطانيا وهو صنع في تايوان ، لا يفعل هذا ، الغش شيء خطير ، وقول الزور ، إذا كانت معظم بضاعتنا فيها غش ، أكثر البضاعة يكتب : صنع في اليابان ، وهي صنعت في الصين ، وأنت تبيعها على أنها قطع سيارات ، على أنها ألمانية وهي غالية جداً ، فأنت عندما تخالف الشرع في بيعك وشرائك أين بقي دينك ؟ عندنا إسلام فلكلوري ، زرت جامعاً في الدار البيضاء مئذنته جامعة فوق البحر، وأنت في الحرم ترى الحرم تحتك ، كلف ألف مليون دولار ، لا يوجد التزام في العالم الإسلامي ، لا يوجد استقامة ، لا يوجد توجه إلى الله ، لا يوجد إخلاص ، العالم الإسلامي المفروض أن تكون بيوتنا جنة ، امرأة مؤمنة وشاب مؤمن ، غض بصر ، ضبط لسان ، لا يوجد أشياء متفلتة في البيت ، في البيت الوضع ليس كذلك ، نحن اكتفينا من الإسلام باسمه ومن القرآن برسمه .

﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ﴾

[ سورة الزمر : 2]

الإخلاص عبادة القلب والخضوع لله عبادة الظاهر :

الإخلاص عبادة القلب ، والخضوع لله عبادة الظاهر ، يا ترى لو إنسان قال : أنا مخلص ؟ أنا أقول لك كلمة دقيقة جداً ، قال تعالى :

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾

[ سورة القيامة: 14-15 ]

قيل : يمكن أن تخدع بعض الناس لكل الوقت ، ويمكن أن تخدع كل الناس لبعض الوقت ، أما أن تخدع كل الناس لكل الوقت فهذا مستحيل وألف ألف ألف مستحيل .
أخواننا الكرام ؛ حتى الإنسان يطبع بطاقة وقبل اسمه حرف دال ، ما معنى دال ؟ دكتور ، معه ابتدائية ، وإعدادية ، وثانوية ، وليسانس بالآداب أو بكلوريوس في العلوم ، دبلوم أول ودبلوم ثان ، وماجستير و دكتوراه ، عشرون سنة دراسة حتى يضع حرف د ، تريد أن تكون مؤمناً ؟ أن تصل إلى جنة عرضها السموات والأرض ؟ إلى أبد الآبدين من دون أي جهد ؟ بلا التزام ؟ بلا ثمن ؟ بلا بيت إسلامي ؟ بلا دخل إسلامي ؟ بلا إنفاق إسلامي ؟ أريد أن أعلق تعليقاً ظريفاً ، كان هناك عالم في الشام إذا بدأ الصلاة هو إمام قال : استووا واعتدلوا - هذه الكلمة مشهورة - وأطفئوا هواتفكم إن إطفاء الهواتف من إقامة الصلاة . إذا أخ معه هاتف وأغلق هاتفه يكون قد فضّل علينا .
أخواننا الكرام ؛

﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ﴾

[ سورة الزمر : 2]

إخلاص ، تقول لي : كيف أعلم أنني مخلص ؟ أعظم شيء في هذا الدين أن الله قال:

﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾

[ سورة الشمس:7-8]

ممكن أن تفهموا الآية على الشكل التالي ؛ أي جعلها فاجرة ؟ مستحيل ، ألهمها إن فجرت أنها فجرت ، وألهمها إن اتقت أنها اتقت ، قال تعالى :

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾

[ سورة القيامة: 14-15 ]

هذا من فضل الله علينا ، يلقي في روعك أنك مؤمن ، أو أن هذا العمل فيه نفاق ، هذا فيه كذب ، هذا فيه دجل ، هذا فيه تزوير ، هذه الكآبة ، قال لي أستاذ في جامعتنا يعد أستاذاً كبيراً جداً : نسب الكآبة في العالم الغربي مئة واثنان وخمسون ، بالمئة مئة واثنان وخمسون، نسبة عجيبة ، بالمئة ثلاثون ، خمسون ، تسعون ، بالمئة مئة ، قال : مئة شخص معهم كآبة واثنان وخمسون معهم كآبتين ، الإنسان عندما يعصي الله عنده فطرة ، فطرته تعذبه ، لو أن شخصاً أمه جائعة جداً وأحضر طعاماً يكفي لشخص واحد و أكله وحده ألا يشعر بكآبة ؟ إذا ما تلقى درس دين بحياته كلها يشعر بكآبة ، أنت عندك فطرة سليمة ، والدليل قوله تعالى :

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾

[سورة الروم:20]

أنت مبرمج ، مولف ، مفطور على منهج الله ، فكل أمر أمرك الله به فطرك على محبته ، وكل نهي نهاك عنه فطرك على كراهيته ، قال تعالى :

﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾

[ سورة الحجرات : 7]

طلب الجنة من غير عمل ذنب من الذنوب :

أخواننا الكرام ؛

﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ﴾

[ سورة الزمر : 2]

إنسان قال لي : ما الإخلاص ؟ خطر في بالي مثل دقيق لو أن شخصاً زار طبيباً وجد عنده ثلاثين مريضاً في العيادة ، وكل مريض يدفع ألف دينار مثلاً ، أي في آخر النهار يكون قد حصّل ثلاثين ألف دينار ، والله دخل كبير جداً ، قال له أحدهم كيف أكتب وصفة ؟ قال له : تدرس ابتدائي ، وإعدادي ، وثانوي ، وتأخذ علامات عالية جداً وتدخل كلية الطب ، سبع سنوات ، ثم ماجستير ، ثم دكتوراه ، ثم بورد من أمريكا ، خمس وعشرون سنة دراسة من أجل أن تضع الدكتور فلان ، تريد مؤمناً بلا مقابل ؟ أن تعيش كما تريد ، تتابع أي فضائية وتلتقي مع أي جهة ، لا يوجد غض بصر ، ولا ضبط لسان ، وتريد الجنة ؟ قال العلماء : طلب الجنة من غير عمل ذنب من الذنوب . ذنب كبير من غير عمل .
أخواننا الكرام ؛ الآيات حوالي عشر :

﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ﴾

[ سورة الزمر : 2]

العبادة سلوك ، والإخلاص عبادة القلب .

 

لا يكلف الله نفساً إلا وسعها :

لكن هناك نقطة دقيقة جداً حينما قال الله عز وجل :

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾

[ سورة الكهف: 110 ]

الآن دقق لولا أن النبي بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر، النبي بشر يشتهي ، يحب أن ينام ، لكن حمل نفسه على طاعة الله ، الشرع ضمن إمكانيتنا ، قال تعالى :

﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا ﴾

[ سورة البقرة: 286 ]

أقول لكم كلمة دقيقة : أي إنسان يتوهم أن تطبيق الشرع لا يستطيعه فهو واهم ، لأن القرآن يكذبه قال تعالى :

﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا ﴾

[ سورة البقرة: 286 ]

لكن الشيء الذي نتوهم أننا لا نستطيعه هو الشيء الذي لا نريد أن نفعله ، فلذلك إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام ، إذا كان صادراً حقاً عن إرادة و إيمان .
حدثنا عالم جليل في الشام عن قصة رجل ، يسكن في صعيد مصر ، صعيد مصر تبعد عن القاهرة ألف كيلو متر ، أرسل ابنه إلى الأزهر بعد سبع سنوات عاد يحمل هذه الشهادة، خطب في جامع القرية الأب بكى بكاء شديداً ، كل من رآه يبكي توهموا أنه يبكي فرحاً لابنه ، والحقيقة ليست كذلك ، بكى أسفاً على جهله ، والقصة تكاد لا تصدق . ركب جحشته في اليوم التالي واتجه نحو القاهرة ، وهو لا يعرف أن القاهرة تبعد عن الصعيد ألف كيلو متر ، يقول : أين الأزعر ؟ لا يحفظ اسمه ، قالوا له : ما الأزعر ؟ قال : مكان التعلم ، قالوا : اسمه الأزهر ، أين هذا ؟ والقصة طويلة جداً ، أنا أختصرها ، النتيجة أوصلوه إلى الأزهر ، وفي الخامسة والخمسين بدأ في تعلم القراءة والكتابة ، وتابع الدروس - والله شيء لا يصدق - وما مات إلا شيخ الأزهر .
إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام ، إذا كان صادراً حقاً عن إرادة و إيمان .

 

قابلية الإسلام للتطبيق في كلّ مكان وزمان :

يا شباب لو قلت : يا رب أرني فضلك ، أرني علمك ، أرني قدرتك ، زوال الكون أهون على الله من ألا يستجيب لك ، قال تعالى :

﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾

[ سورة إبراهيم : 34 ]

لذلك ما أنت فيه صدقك ، وما لست فيه تمنياتك ، التمني هو الشيء الذي لم تصل له ، قال تعالى :

﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾

[ سورة النساء: 123 ]

مع الله لا يوجد تمنيات ، قال تعالى :

﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ ﴾

[سورة الإسراء: 19]

لا يكفي :

﴿ وَسَعَى لَهَا ﴾

[سورة الإسراء: 19]

لا يكفي :

﴿ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا* كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾

[سورة الإسراء: 19-20]

إذاً نحن في بشرية النبي الكريم ؛ لولا أنه بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر ، هذا الإسلام قابل للتطبيق في مكان وزمان ، لأن الله تعالى قال :

﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا ﴾

[ سورة البقرة: 286 ]

قال تعالى :

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾

[ سورة النساء : 125]

أكاد أقول لكم بالقرآن يوجد تفاصيل جميلة جداً ، وأحياناً كلمات موجزة أجمل ، مثلاً قال تعالى :

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ ﴾

[ سورة الأنبياء: 25 ]

العبادة فحوى دعوة الأنبياء جميعاً :

الآن القرآن سيلخص لك فحوى دعوة الأنبياء جميعاً من دون استثناء :

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الأنبياء: 25 ]

العقيدة ، بتعبير آخر المنطلق النظري ، بتعبير ثالث الإيديولوجيا ، التفكير ، النظريات ، كلها أفكار ، إيمان بالله موجوداً وواحداً وكاملاً ، إيمان بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى ، إيمان بنبوة الأنبياء ونبوة سيد الأنبياء إلى آخره ، هذا الإيمان والعمل هما العبادة التي ضغطت فحوى دعوة الأنبياء جميعاً بقوله تعالى :

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

[ سورة الأنبياء: 25 ]

المخلص من استوى عنده مدح الناس و ذمهم :

أخواننا الكرام ؛ الشيء الدقيق جداً يا ترى هل أنا مخلص ؟ اللقاء إخلاص ، قال بعض العلماء : إن استوى عندك مدح الناس وذمهم فأنت مخلص .
أنت ترضي الله عز وجل ، ترضي خالق الأكوان ، ترضي الواحد الديان ، دققوا قليلاً كل بلد في العالم الإسلامي له معطيات ، حيثيات ، معلومات ، مقولات ، قواعد ، هذه القواعد والمقولات مستنبطة من واقع الحياة في هذا البلد ، أي بلد طبعاً ، أحياناً هذه المعطيات والمقولات تتوافق مع الشرع وهذه نعمة كبيرة جداً ، وأحياناً تتناقض مع الشرع ، دققوا الآن يأتي المؤمن يخاف من الله لا يستطيع أن يأكل الربا ، أو يعصي الله عز وجل ، والوضع العام هكذا، إيمانه ، ورعه ، حبه لله يغلب عليه ، فيركل بقدم هذه المصلحة المادية القريبة المتوهمة التي تحجبه عن الله ، يأتي النص النبوي ، والله زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين :

(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))

[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]

لا تقلق ، أقول لكم كلمة أخرى : لا تقلق على هذا الدين ، إنه دين الله ، ولكن اقلق ما إن سمح الله لك أو لم يسمح أن تكون جندياً له ، هنا القلق هذا دين الله ، لذلك قال تعالى :

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾

[ سورة القيامة: 14-15 ]

خطورة الإخلاص :

أخواننا الكرام ؛ هذا الموضوع لماذا هو خطير ؟ لأنه قد يكون لإنسان أعمال كالجبال لكن بلا إخلاص يجعلها الله هباءً منثوراً ، والدليل قوله تعالى :

﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً ﴾

[ سورة الفرقان: 23]

أحياناً الإنسان يحب أن يعالج موضوعاً خطيراً له عمل كالجبال لكن يبتغي الدنيا بهذا الموضوع ، يبتغي به السمعة ، يبتغي به الوجاهة ، صرف وجوه الناس إليه ، يبتغي به المديح ، يبتغي به الرفعة ، هذا الموضوع إلى المزالق - من مزالق الأقدام - لذلك قبل أن تدخل في عمل قل : " اللهم إني تبرأت من حولي و قوتي ، و التجأت إلى حولك و قوتك يا ذا القوة المتين " قبل الإقدام على أي عمل قل : بسم الله الرحمن الرحيم هل هذا العمل يرضي الله ؟ هل يقربني من الله ؟ هل يبعدني ؟ لعل قدمي تزل به ؟ لذلك قالوا : ما الورع ؟ أن تدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس .
نهر عميق وأنت أيها الشاب مثلاً لا تحسن السباحة ، له شاطئ مائل زلق ، وله شاطئ مستو جاف ، السير على الشاطئ المستوي الجاف لا يوجد به مشكلة ، أما الشاطئ المائل الزلق فاحتمال السقوط بالنهر خمسون بالمئة ، لذلك : من اقترب من الشبهات فقد خاطر بدينه وعرضه .

(( إن الحلال بين وإن الحرام بين ، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه....))

[متفق عليه عن النعمان بن بشير]

الحلال بين واضح لا اختلاف فيه ، والحرام بين واضح لا مشكلة فيه ، لكن المشكلة بالشبهات ، سميت الشبهات شبهات لأنه يشتبه بها ، تشبه الحق من زاوية والباطل من زاوية ، بيع وشراء ، أخي تدفع الآن بسعر والشهر القادم بسعر آخر ، أنت دون أن تشعر حددت للزمن ثمناً ، هذه شبهة في البيع والشراء ، فأنت عندما لا تدقق عندك محاسبة عسيرة .

 

من حاسب نفسه في الدنيا حساباً عسيراً كان حسابه يوم القيامة يسيراً :

أقول لكم هذه الكلمة ؛ من حاسب نفسه في الدنيا حساباً عسيراً كان حسابه يوم القيامة يسيراً ، ومن حاسب نفسه في الدنيا حساباً يسيراً كان حسابه يوم القيامة عسيراً .
وقبل أن تصل دقق ، قبل أن تقطع ، قبل أن ترضى ، قبل أن تغضب ، قبل أن تسالم ، قبل أن تحارب ، قبل أن تتحرك ، قبل أن تسكن ، فكر ، مثلاً زعيم غطفان من كفار قريش بمعركة الخندق جالس ، نعيم بن مسعود جالس بخيمة قبيلته ليحارب النبي صلى الله عليه وسلم ، فكر ، خاطب نفسه ، هذا اسمه بالمسرحيات مونولوج - حوار ذاتي - قال : يا نعيم . ما الذي جاء بك إلى هنا ؟ أو لما جئت إلى هنا ؟ لحرب هذا الرجل الصالح - يقصد رسول الله؟ ماذا فعل ؟ هل قتل نفساً ؟ هل انتهك عرضاً ؟ هل سلب مالاً ؟ أين عقلك يا نعيم ؟
أنا حسبتهم بالثواني أربعين ثانية ، حوار مع الذات لمدة أربعين ثانية ، انتقل من مشرك يستحق النار إلى صحابي جليل ، وقف وتوجه إلى خيمة النبي صلى الله عليه وسلم ، دخل عليه عدواً ، نعيم بن مسعود ؟ قال : نعم يا رسول الله ، قال : ما الذي جاء بك إلينا ؟ قال: جئت لأشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك عبد الله ورسوله - بكى النبي - فمرني بما شئت ، قال له النبي : خذِّل عنَّا ما استطعت ، وأنا اعتقادي اليقيني أن إسلامه كان أحد أسباب انتصار المسلمين في الخندق ، هم لا يعلمون إسلامه ، بلغهم شيء وأبلغ قريش شيئاً آخر ، أوقع بينهم وانفضت المعركة .
أخواننا الكرام ؛ فكر أربعين ثانية فقط ، كلنا نحن مع بعضنا ، هل من الممكن ألا يموت واحد منا ؟ هذه النقلة من بيت إلى قبر قليلة ، من منصب رفيع إلى قبر قليلة ، من ثروة كبير إلى قبر قليلة ، القبر ما به ؟ عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت .

العاقل من يعدّ لساعة الموت عدتها :

والله العقل والذكاء والتفوق أن تعد لهذه الساعة التي لا بد منها

أنا شخصياً شيعت جنازة فلما وضع الميت في القبر ، وكشف عن وجهه ، ودار وجهه نحو القبلة ، ثم وضعوا البلاطة ، وأهالوا التراب ، والله ما وجدت على وجه الأرض إنساناً أذكى وأعقل ممن يعمل لهذه الساعة ، المغادرة ، والإنسان بضعة أيام ، الآن الواحد منا إذا بلغ الأربعين يا ترى هل بقي له بقدر ما مضى ؟ فإذا مضى الذي مضى كلمح البصر في الأعمّ الأغلب أن الذي بقي يمضي كلمح البصر أيضاً ، أي يغمض يفتح على مشارف الموت ، من بيت إلى قبر ، أين الذكاء ؟ أين العقل ؟ أين التفوق ؟ هنا أن تعد لهذه الساعة التي لا بد منها ، والله عز وجل بقرآنه العظيم يقول :

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾

[ سورة القصص: 50 ]

الذي يدرسون الشريعة يعلمون ، المعنى المخالف الذي يتبع هواه - شهوته - وفق هدى الله لا شيء عليه ، أنا أخاطب الشباب في الإسلام لا يوجد حرمان ، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها .

 

الإخلاص محصلة إيمان الإنسان واستقامته وعمله الصالح :

يا معاذ , أخلص دينك , يكفك القليل من العمل . العمل مع الإخلاص يكفيه منك قليله وكثيره ، ومن دون إخلاص لا ينفعك لا قليله ولا كثيره .محور هذا اللقاء الطيب الإخلاص ، والإخلاص ليست كلمة ، الإخلاص محصلة إيمانك واستقامتك وإقبالك وعملك الصالح ، تماماً ماذا أفعل حتى أكتب وصفة ؟ يجب أن تأخذ شهادات كثيرة جداً ، أنت بالنهاية يكون خيارك صحيحاً ، تحتاج إلى معلومات ، درس علم ، يجب أن تطلب العلم ، أما لا يوجد شيء إلا ويحتاج إلى دورة ، ثلاثة أشهر ، ثمانية أشهر ، لماذا كل شيء يحتاج إلى دورة وهذا الإسلام ما فكرت أن تعمل دورة فيه ؟ من أنت ؟ أنت المخلوق الأول ، أنت المخلوق المكرم ، المخلوق المكلف ، هناك موت ، وهناك مغادرة للدنيا .
أرجو الله سبحانه وتعالى أن أكون قد قدمت شيئاً من هذا الموضوع الإخلاص .

((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً))

[مسلم عن أبي هريرة]

الإخلاص و الصواب شرطا العمل الصالح المقبول عند الله :

لكن كخاتمة لهذا اللقاء الطيب ، قال تعالى :

﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴾

[سورة النمل: 19 ]

وهذا الكلام أهم ما في هذا اللقاء ، متى يكون العمل الصالح يرضي الله عز وجل ؟ قال العلماء : العمل الصالح الذي يرضاه الله عز وجل ما كان خالصاً وصواباً ؛ خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة .
أي عمل بخلاف السنة هدفه رعاية الأيتام عن طريق يانصيب مثلاً ، نحن نريد أن يكون العمل وفق السنة ، نريد هدفاً نبيلاً مع وسيلة نبيلة ، لذلك الأهداف النبيلة لا بد لها من وسائل نبيلة . 

 

تعريفات الإخلاص :

 

من تعريفات الإخلاص : تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين ، التوقي من ملاحظة الخلق حتى عن نفسك ، ومن شهد في إخلاصه الإخلاص - لا تتشاءموا - فإخلاصه يحتاج إلى إخلاص .
التقيت بأربعين صحابياً - أحد التابعين - ما منهم واحد إلا وهو يظن نفسه منافقاً ، هذا قلق مقدس ، هناك شخص راض عن نفسه وعنده مئات الأخطاء ، كلما ارتقيت عند الله تسيء الظن بنفسك ، التقيت بأربعين صحابياً ما منهم واحد إلا وهو يظن نفسه منافقاً .
أنت تعامل خالق الأكوان ، إله يعلم السر وأخفى ، علم ما كان وعلم ما يكون وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون .
أخواننا الكرام ؛ لذلك الحديث الأول في السنة المتواتر :

(( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ))

[ متفق عليه عن عُمَر بْن الْخَطَّابِ]

الآن الإخلاص استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن ، المؤمن خلوته كجلوته ، وسره كعلانيته ، وظاهره كباطنه ، لا يوجد عنده ازدواجية .
إنسان زار طبيباً نفسياً قال له : هل تستطيع أن تعمل لي انفصام شخصية ؟ قال له: عجيب ما هذا السؤال هذا مرض ، قال له : نعم ، والله ضاق خلقي لوحدي نصبح شخصين.
ازدواج الشخصية مرض خطير ، جالس بجوّ ديني يتكلم بالقرآن والسنة والدروس والخطب ، يجلس مع أناس آخرين يتكلم عن الممثلين والممثلات ، يدخل في موضوع ثان ، هو في كل جلسة يتلون .
وذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً . لذلك تستوي عبادة المؤمن في خلوته كجلوته، ويستوي عمله في سره كعلانيته ، ويستوي ظاهره مع باطنه ، هذا الحد الأدنى من الإخلاص .
الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الحق .
أقول لكم : من تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله ، وسقوط الإنسان من عين الله أهون منه أن يسقط إلى الأرض فتنحطم أضلاعه .
قيل لأحد العلماء الكبار : أي شيء أشدّ على النفس ؟ قال : الإخلاص لأنه ليس للنفس فيه نصيب .
هناك أشياء كثيرة عبادة لكن لك نصيباً منها ، ما شاء الله يصلي بالجامع كل وقت، مدحوك بها ، هناك كثير من العبادات لها أثر طيب في المجتمع ، أما الإخلاص فلا أحد يعلمه، الإخلاص ليس له أثر اجتماعي بينك وبين الله .
الإخلاص عبء على النفس ، ربما ألزمك الإخلاص أن تفعل شيئاً مخالفاً لرغبتك .
الإخلاص ألا تطلب لعملك شاهداً غير الله ، هناك حاجة اسمها التمتع بإعجاب الناس ، أي اشترى بيتاً ممتازاً كلما جاء ضيف يريه البيت كله ، أكرمك الله بهذا البيت وهذا الذي زارك فقير لا يوجد عنده بيت واسع ، هذا إظهار ما عندك ، هذه كلها أمراض نفسية يا أخوان .

 

علامات الإخلاص :

لذلك الملخص : علامة الإخلاص أن يستوي العمل في السرّ والعلانية ، في الباطن والظاهر ، وأن يستوي المدح والذم أنت أرضيت الله لا تعبأ بمن يمدحك ولا بمن يذمك ، فالإنسان إذا عمل عملاً أهدافه نبيلة عليه أن يبين هدفه ، لأن البيان يطرد الشيطان .

فليتك تحلو و الـحيــاة مريــــــــــرة و ليتك ترضى و الأنام غضاب
إذا صحّ منك الوصل فالكل هين وكل الـذي فوق التراب تـــــــــراب
***

العلامة الثالثة والأخيرة ألا تطلب شهوداً على عملك إلا الله ، وألا تطلب جزاءً على عملك إلا الله ، فأنت كمخلص لست محتاجاً لمن يشهد لك عملك .
إنسان دخل إلى جامع ، وجد شخصاً يصلي صلاة متقنة جداً ، أعجبته صلاته ، هذا الرجل الذي دخل إلى الجامع كان يريد أن يحج بيت الله الحرام ، فشاهد خشوع هذا الرجل بصلاته فقرر أن يضع عنده أمانة ، قال له : والله أنا أعجبتني صلاتك ، ومعي مبلغ أريد أن أضعه عندك أمانة ، فقال له : أنا أيضاً صائم ، فقال له : أنا صيامك ما أعجبني ، والسلام عليكم . 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور