- محاضرات خارجية
- /
- ٠04محاضرات شواطئ النجاة - قطر
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات .
الاستقامة :
أيها الأخوة الكرام ؛ هذا هو اللقاء الثالث في هذا الجمع الكريم ، في اللقاء الأول كان الحديث عن الحب ، لأن الله سبحانه وتعالى خلقنا ، حياتنا بيده ، موتنا بيده ، رزقنا بيده ، سعادتنا بيده ، شقاؤنا بيده ، الكبار بيده ، أكبر منا بيده ، الصغار بيده ، من حولنا بيده ، هو مع كل ذلك ما أراد أن نعبده إكراهاً ، قال تعالى :
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
لم يرد أن تكون علاقتنا به علاقة إكراه ، بل اراد أن تكون العلاقة به علاقة حب ، فكان اللقاء الأول عن الحب ، لكن الإنسان حينما يتدين يستقيم على أمر الله ، يحبه الناس ، يقبل عليه الناس ، قد يجد مكانة دنيوية في التدين ، وحينما تزل قدم الإنسان فيتابع تدينه تحقيقاً لمكاسب دنيوية يأتي الإخلاص .
واليوم كلمة واحدة إنها الاستقامة ، قبل أن أشرح ، بالأرض ، بالقارات الخمس ، بكل بلدان العالم يوجد مؤسسات صناعية وتجارية ، يا ترى كم مؤسسة ؟ أنا أعتقد أن هناك مئات الملايين في القارات الخمس ، هل بإمكانكم أن تضغطوا هذه المؤسسات في بكلمة واحدة ؟ أنا قادر ، إنها الربح ، أي عمل صناعي أو تجاري هدفه الربح ، إذاً تضغط هذه النشاطات والمؤسسات والمصانع والمتاجر في كلمة واحدة إنها الربح ، هذا تمهيد ، هل يمكن أن أضغط الدين كله بكلمة واحدة ؟ ممكن إنها الاستقامة ، فإن لم تستقم لن تقطف من ثمار الدين شيئاً ، دين من دون استقامة فولكلور ، شيء جميل .
القرآن الكريم قرئ في باريس على أنه فولكلور شرقي ، كتاب خالق الأكوان ، فالدين من دون التزام فولكلور ، تراث ، أو عادات وتقاليد ، أو ثقافة ، أو خلفية ، الآن يوجد تعابير حديثة جداً ، له خلفية إسلامية ، له أرضية إسلامية ، له توجهات إسلامية ، له عواطف إسلامية، الإسلام شيء والتوجهات والعواطف والخلفيات والأرضيات شيء آخر ، الإسلام التزام، الإسلام افعل ولا تفعل ، الإسلام أمر ونهي ، حركة ، سلوك .
لذلك من أدق تعريفات العبادة ، طاعة طوعية ، ما أرادها الله قسرية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية.
أعيد التعريف : طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
جانب سلوكي ، وجانب جمالي ، وجانب سببي ، طاعة طوعية ، ما أرادها الله قسرية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
الاستقامة عين الكرامة :
لذلك هذا اللقاء الطيب متعلق بأحد أكبر كليات الدين ، الاستقامة ، كنت مرة في أمريكا زرت معمل السيارات الأول في أمريكا ، بقيت فيه سبع ساعات ، الخبراء أبلغوني أن هذه السيارة فيها ثلاثمئة ألف قطعة ، أنا كراكب سيارة السيارة لها غلاف معدني ومقاعد ومحرك وعجلات ومقود ، خمسة أنا ضغطتهم من ثلاثمئة ألف إلى خمسة ، يقابل ذلك الدين قد تصل بنوده إلى مئات الملايين ، وقد تصل الكتب المؤلفة فيه إلى عشرات الملايين ، أما إذا أردنا أن نضغطه في كليات كبيرة ، الدين عقيدة ، تصور ، منطلقات نظرية ، فكر ، واستقامة على أمر الله
يقول لك : أنا ما أكلت مالاً حراماً ، ما كذبت ، ما اغتبت ، ما غششت ، استقامة ، العمل الصالح إيجابي فيه عطاء ، دفعت ، أنقذت ، تصدقت ، دفعت زكاتي ، هناك جانب سلبي الاستقامة وجانب إيجابي العمل .
الدين فيه اتصال بالله ، اعتقاد ، استقامة ، عمل صالح ، هذه كليات ، لذلك : لقاؤنا اليوم في أحد هذه الكليات ، ما لم تستقم على أمر الله لن تقطف من ثمار الدين شيئاً ، لذلك قالوا : الاستقامة عين الكرامة ، لأن كل ثمار الدين وكل ما في الدين من سعادة ، من سكينة ، من اطمئنان ، من توفيق ، من شعور بالأمن ، من شعور بالتفوق ، من شعور بالفوز ، هذه كلها لن تقطف إلا إذا استقمت على أمر الله ، لذلك الذي لا يطبق أحكام الدين لا يقطف من ثماره شيئاً .
الصلاة عماد الدين ، قال تعالى عنها :
﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾
خاشع بسبب استقامته وعمله الصالح له اتصال بالله .
الاستقامة أحد موضوعات الدين الكبرى :
لذلك أخواننا الكرام ؛ نحن في موضوع يعد أحد موضوعات الدين الكبرى ؛ من دون استقامة :
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
من دون استقامة :
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
من دون استقامة :
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾
من دون استقامة :
﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾
كلام قاس لكن الحقيقة المُرّة أفضل ألف مَرّة من الوهم المريح ، الحقيقة المُرّة أفضل ألف مَرّة من الوهم المريح ، بطولتك ، ذكاؤك ، توفيقك ، نجاحك أن تبحث عن الحقيقة المرة لأنها أفضل ألف مرة من الوهم المريح .
التفكير بالخالق صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا :
أخواننا الكرام ؛ قال تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾
ثم حرف يعني التتابع على التراخي ، والفاء تعني التتابع على التعقيب ، دخل الأمراء ثم الوزراء بعد ساعة ، دخل الأمراء فالوزراء ، بعدهم مباشرة ، ثم للترتب على التراخي والفاء للترتيب على التعقيب :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾
ربنا الله تحتاج إلى دراسة ، إلى بحث ، الله عز وجل لم يقل فقل : لا إله إلا الله ، قال تعالى :
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
المسافة كبيرة بين قل وبين فاعلم ، لذلك العقيدة الإسلامية لا تقبل تقليداً ولو كان التقليد صحيحاً بل لا تقبل إلا تحقيقاً بعد بحث ودرس :
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾
في مدة ليست بالقليلة فكّر بالخالق ، بالرب ، بالمسير ، بالعليم ، بالحكيم ، صاحب الأسماء الحسنى والصفات العلا ، فكر في الكون ، درس القرآن ، نظر إلى الأفعال والحوادث :
﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ ﴾
أخواننا الكرام ؛ أرجو الله أن أتمكن من شرح هاتين الكلمتين :
﴿ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
لا تخافوا من المستقبل ولا تحزنوا على ما فاتكم من الماضي ، هاتان الكلمتان غطتا الزمن كله ، لا تخافوا ولا تحزنوا ، لا تخافوا من المستقبل ولا تحزنوا على ما فاتكم في الماضي:
﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾
لذلك ورد أن المؤمن حينما يرى مقامه في الجنة يقول : " لم أر شراً قط " بكل حياته ، وغير المؤمن حينما يرى مكانه في النار يقول : " لم أر خيراً قط " المؤمن لم أر شراً قط، غير المؤمن لم أر خيراً قط .
طلب الجنة من غير ثمن ذنب من الذنوب :
أخواننا الكرام ؛ إذاً لا بد من بحث ذاتي ، لا بد من طلب علم ، لا بد من دراسة ، هل يستطيع إنسان أن يصف نفسه أنه دكتور وهو أمي ؟
ابتدائي ، وإعدادي ، وثانوي ، وليسانس في الآداب ، وبكالوريوس في العلوم ، ودبلوم عام ، ودبلوم خاص ، وماجستير ودكتوراه ، عشر شهادات كي تضيف على اسمك دال فقط ، وجنة عرضها السموات والأرض بلا ثمن !! لذلك قيل : طلب الجنة من غير ثمن ذنب من الذنوب .
لا يغير من عاداته ، ولا من سهراته ، ولا من لقاءاته ، ولا من إطلاق بصره ، ولا من متابعة أشياء لا ترضي الله ، ولا يغير من غيبته ونميمته ، ويتمنى دخول الجنة ! هذا شيء من التمنيات ، والله عز وجل لا يتعامل مع تمنياتنا ، يتعامل مع السعي ، والدليل قال تعالى :
﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾
أراد الآخرة ، لا يكفي ، سعى لها ، لا يكفي ، وسعى لها سعيها ، من باب الذكاء لا يكفي ، وهو مؤمن ، إيمان ، إرادة ، سعي ، سعي خاص .
من يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله ولا تشقى نفسه :
لذلك أيها الأخوة ؛ المؤمن لا يحزن على ما فات ولا يخشى مما هو آت ، لذلك آيتان :
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
غطينا الزمان كله ، قال تعالى :
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
اجمع الآيتين ، الذي يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله ولا تشقى نفسه ، ولا يندم على ما فات ولا يخشى مما هو آت .
مرة ثانية ؛ الذي يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله ولا تشقى نفسه ، ولا يندم على ما فات ولا يخشى مما هو آت ، فماذا بقي من سعادة الدنيا والآخرة ؟
من لم يكن انتماؤه إلى جميع المؤمنين فليس بمؤمن :
أخواننا الكرام ؛ شيء آخر هناك من يقول إن دعوته إلى الاستقامة : يا أخي أنا لست نبياً ، ومن قال لك إنك نبي ؟
(( وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين ))
أقل وظيفة في المستشفى ممرض ، أعلى وظيفة في المستشفى جراح قلب ، لو أراد جراح القلب أن يعطي المريض حقنة دوائية ، ولو أراد الممرض أقل رتبة في المستشفى إعطاء المريض حقنة دوائية ، السلوك واحد ؛ تعقيم المكان ، تعقيم الإبرة ، وضع المادة العلاجية ضمن الحقنة ، مسح سبيترو أولاً ثم دفع هذا السائل ، سلوك أعلى طبيب بالمستشفى - جراح قلب -كسلوك أقل ممرض ، فلذلك :
(( وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين))
المقامات مختلفة أما السلوك فواحد ، أي إنسان يقول لك : أنا لست نبياً ، من قال لك إنك نبي ؟ أنت مؤمن ، والمؤمن مكلف بما كلف به النبي عليه الصلاة والسلام ، لكن بالمناسبة الشيطان يوسوس ، يوسوس للإنسان أن يكفر ، فإن رأى هذا الذي وسوس له على إيمان ، يوسوس له أن يشرك ، إن رآه على توحيد يوسوس له بالكبيرة ، إن رآه على طاعة يوسوس له بالصغيرة ، إن رآه على ورع يوسوس له بالتحريش بين المؤمنين ، أنت من أين ؟ من شيخك ؟ شيخك لا يفهم شيئاً ، هذا ماذا يسمى ؟ التحريش بين المؤمنين ، وما لم يكن انتماؤك إلى جميع المؤمنين فلست مؤمناً ، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
ما قال الجماعة الفلانية أخوة ، الجماعة العلانية ، قال تعالى :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
لذلك اجتهاد مني ، هناك إنسان داعية يتصور أن الدين خط رفيع ، فإذا خرجت عنه قيد أنملة خرجت عن دينك ، الدين شريط عريض يسع كل الاتجاهات ، وكل الأطياف ، وكل الاجتهادات ، شريط عريض ، فما لم نفهم الدين بهذا الفهم الواسع ندخل في متاهات كبيرة، ندخل فيما يسمى بالطائفية الدينية ، كل إنسان له أم ، لكن له أماً أخرى لا تقل عن أمه ، فإذا الإنسان تصور أنه لا يوجد بالأرض إلا أمه هذا خطأ كبير ، أنا أريد شيئاً يدعو إلى التقارب .
أخواننا الكرام ؛ بالمناسبة أعداء الدين وضعونا جميعاً في سلة واحدة ، فينبغي أن نقف جميعاً في خندق واحد .
مرة ثانية : أعداؤنا وضعونا جميعاً في سلة واحدة ، ونحن ينبغي مقابل ذلك أن نقف جميعاً في خندق واحد .
الابتعاد عن تعطيل العقل و مجاوزة الحد :
أخواننا الكرام ؛ شيء آخر قال تعالى :
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا ﴾
يا محمد :
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾
ما الطغيان ؟ مجاوزة الحد ، ضع في نفسك طريقاً تمشي به ، سكة تسير عليها ، منهجاً تتعامل معه ، أما لا بد من طلب العلم ، مثلاً بالطب متى تعالج نفسك من الضغط المرتفع لا سمح الله ؟ بحالة واحدة حينما تعلم أن ضغطك مرتفع ، ومتى تعلم أن ضغطك مرتفع؟ حينما تملك جهاز قياس ضغط لأن الجهاز أصل .
أثواب قماش للثياب ، مكتوب على كل توب : ثلاثة وعشرون متراً ، هذا سبعة وعشرون متراً ، هذا خمسة وعشرون ، هذا ثلاثون متراً ، هذه الأرقام صحيحة أو مغلوطة ، ما الحل ؟ تقتني متراً لتقيسها به ، فلا بد من مقياس ، لذلك البطولة في الدعاة أن يعطوا المقاييس.
(( بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ ـ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ ، فَغَضِبَ ، فَقَالَ : أَلَيْسَ أَمَرَكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي ؟ قَالُوا : بَلَى، قَالَ : فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا، فَجَمَعُوا ، فَقَالَ : أَوْقِدُوا نَارًا ، فَأَوْقَدُوهَا ، فَقَالَ : ادْخُلُوهَا، فَهَمُّوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا، وَيَقُولُونَ : فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّارِ، فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتْ النَّارُ ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ ))
الدليل الآية الكريمة :
﴿ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾
أي العقل لا يعطل :
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾
أخواننا الكرام ؛ الطغيان الخروج عن المنهج ، الخروج عن السكة ، الخروج عن الأمر والنهي ، ينبغي أن تأتمر بما أمر الله ، وأن تنتهي عما نهى عنه الله ، فمن هنا كان جزء من الدين كبير هو الاستقامة .
لعل هناك لقاءات قادمة إن شاء الله ننتقل إلى العمل الصالح ، علة وجودنا في الدنيا :
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ﴾
العمل الصالح علة وجودنا في الدنيا ، بعد الإيمان والاستقامة يأتي العمل الصالح .
في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة :
أخواننا الكرام ؛ دائماً هذا الهاتف الذي تحملونه جميعاً إلى ماذا يحتاج ؟
إلى شحن، وهذا أقرب مثل لكم ، وأنت أيها الأخ إن لم تشحن نفسك شحناً دورياً تسكت ، ينتهي دينك ، تحتاج إلى شحن علمي ، معلومات ، أدلة ، براهين ، آيات كونية ، آيات تكوينية ، آيات قرآنية، وتحتاج إلى شحن روحي ، أنت بحاجة إلى أن تبكي في الصلاة ، بكاء الخشوع سعادة لا توصف ، هذا البكاء بكاء الخشوع سببه الاستقامة ، هذا العمل الانضباط له مكافأة في الدنيا قبل الآخرة ، لذلك بعضهم فهم كلام النبي الكريم : أبو بكر في الجنة ، أي الآن في الجنة ، في جنة القرب ، في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة ، دليل أقوى ، قال تعالى :
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾
ذاقوا طعمها ، يقول بعض العلماء الكبار : ماذا يفعل أعدائي بي ؟ بستاني في صدري ، إن حبسوني فحبسي خلوة ، وإن أبعدوني فإبعادي سياحة ، وإن قتلوني فقتلي شهادة ، فماذا يفعل أعدائي بي ؟
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾
في الدنيا ذاقوا طعمها ، مرة أخ كريم حج بيت الله الحرام وزرته مهنئاً قال لي كلمة لا أنساها قال : والله يا أستاذ ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني . أنا أقول لكم : والله إن لم يقل أحدكم يا أخوتي الكرام : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إذاً عنده مشكلة في الإيمان ، لأنك مع من ؟ مع الله ، مع الخالق ، مع العظيم ، مع الغني ، مع الرحيم ، مع اللطيف .
إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ،
ما من مخلوقٍ يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيَّته ، فتكيده أهل السموات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً ، وما من مخلوقٍ يعتصم بمخلوقٍ دوني أعرف ذلك من نيَّته ، إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه ، وقطَّعت أسباب السماء بين يديه.
الإسلام دين الفطرة :
أخواننا الكرام ؛ مقولة أقولها كثيراً ، الجماد شيء مادي له وزن وله أبعادٌ ثلاثة طول عرض ارتفاع ، النبات يزيد عليه بالنمو ، كائنٌ له وزن وله حجم وله أبعاد ثلاثة لكنه ينمو ، الحيوان شيء مادي له وزن وله أبعادٌ ثلاثة ، وينمو كالنبات
إلا أنه يتحرك – يمشي- والإنسان شيء مادي له وزن
هل يوجد واحد منكم ليس له وزن - وأنا معكم - وحجم و أبعادٌ ثلاثة و ينمو ؟ كان صغيراً ويتحرك ، لكن أودع الله فيه قوة إدراكية بها يتميز فقط ، هذه القوة الإدراكية تلبى بطلب العلم ، وما لم يطلب الإنسان العلم هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به ، فلذلك الله عز وجل أعطاك فطرة ، والله شيء لا يصدق ، قال تعالى :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
أن تقيم وجهك للدين حنيفاً هذا ما فطرت عليه ، أي ما من أمر أمرك الله به إلا أودع محبته في قلبه ، وما من نهي نهاك الله عنه إلا أودع كراهيته في قلبك ، قال تعالى :
﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾
هذه الفطرة ، والمقولة الشهيرة : الإسلام دين الفطرة ، أي إذا إنسان دخل إلى البيت معه طعام نفيس وهو يعلم يقيناً أن أمه جائعة فأكله وحده ، لو ما تلقى بحياته أي توجيه ديني ألا يشعر بالكآبة ؟
أخواننا الكآبة مرض العصر ، أنت حينما لا تحاسب نفسك تحاسبك فطرتك .
النبي الكريم بشر انتصر على بشريته فكان سيد الخلق :
لذلك الآية الثالثة في هذا اللقاء الطيب ، قال تعالى :
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾
لولا أن النبي بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر ، يجوع ، ويتعب ، وينام ، ويشتهي ، لولا أنه بشر تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾
ولأنه بشر وانتصر على بشريته كان سيد الخلق ، لذلك قالوا : النبي عليه الصلاة والسلام معصوم بمفرده ، أي مستحيل أن يخطئ في أقواله وأفعاله وإقراره ، لأنه بشر، لكن النبي وحده انتصر على بشريته فكان سيد الأنبياء والمرسلين .
أنواع الذنوب :
الآن والله الكلام دقيق ، قال تعالى :
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾
أي إنسان يحب أن يلقى الله لقاءً مسعداً فليعمل عملاً صالحاً .
﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
لذلك قالوا : هناك ذنب يغفر ما كان بينك وبين الله ، وهناك ذنب لا يترك ما كان بينك وبين العباد ، لا يغفر إلا بالأداء أو المسامحة ، وهناك ذنب لا يغفر وهو الشرك .
ذنب يغفر ما كان بينك وبين الله ، وذنب لا يغفر وهو الشرك ، وبينهما ذنب يغفر بشرط ؛ بالأداء أو بالمسامحة .
التزام منهج الله و الاستقامة على أمره :
أخواننا الكرام ؛ قال تعالى :
﴿ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ ﴾
فاستقيموا إليه ، ماذا تعني إليه ؟ نحن عندنا أسماء وأفعال وحروف ، وعندنا أدوات، إليه أداة ، أنت أحياناً تكون معاملتك جيدة جداً في مكان عملك ترتقي ، تأتي زيادات دائماً في الراتب ، فأنت همك صار أن ترضي صاحب العمل ، فاستقمت إلى صاحب العمل ، لكن البطولة أن تكون استقامتك مؤداها هو الله ، أن تستقيم إليه ، دقة اللغة مثلاً يقول : عثرت به ، وعثرت عليه ، عثرت عليه بعد بحث دقيق ، أما عثرت به فصدفة ، هذا فعل يسمى قاصراً ، عندنا فعل متعدّ ، إنسان بمكان ويوجد قطعة فاكهة معلقة هو طويل مسكها بيده ، هذا الفعل متعدّ ، ويوجد فعل قاصر ، طوله لا يسمح له أن يأخذ هذه الفاكهة ، استخدم عصا ، العصا حرف جر أي جرت أثر الفعل للاسم فصار مجروراً ، وهو بالأساس مفعول به ، فالفعل القاصر يستخدم أداة ؛ نظر إلى ، بحث عن ، بحث في ، كل فعل قاصر يستعين بالوصول إلى مفعوله في المعنى بحرف جر ، قال تعالى :
﴿ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ ﴾
أحياناً أكثر الأوامر الدينية تقابلها أوامر مدنية ، السرقة في الدين حرام وفي القوانين حرام ، إذا إنسان لم يسرق ، يا ترى خوفاً من الله أم خوفاً من القوانين ؟ الله وحده يعلم ، لكن إذا كان هناك أمر ينفرد به الدين فقط والقوانين لا تنتبه إليه إطلاقاً وجاء الأمر في القرآن الكريم :
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾
هذا الأمر انفرد به الدين ، فأنت حينما تغض البصر معنى ذلك أنك تخاف الله عز وجل وتطيعه ، فإذا كان هناك أمر ينفرد به الدين أنت هنا تمتحن نفسك ، لذلك الآية تقول :
﴿ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴾
قد تصبر من مدير مؤسسة قوي ، معلوماته دقيقة جداً ، الأمر هنا ولربك فاصبر ، لذلك أخواننا الكرام ؛
﴿ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ ﴾
يجب أن تتجه بهذه الأعمال الصالحة من استقامة وعمل صالح إلى الله عز وجل .
للتقريب في كل مكان مقولات ، معطيات ، مستنبطة من حركة الحياة ، وهناك منهج ، لو توافقت هذه المقولات مع المنهج لا يوجد مشكلة ، لكن أحياناً هذه المقولات لا تتوافق مع المنهج ، فالمؤمن ماذا يفعل ؟ يلتزم منهج الله ويركل بقدمه مصلحته المتوهمة ، ما الذي حصل ؟ ضحى بمصلحته المتوهمة أمام مصلحته مع الله ، لذلك هذا النص يكتب بماء الذهب :
(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))
من عاش تقياً عاش قوياً :
أخواننا الكرام ؛ الآن الآية الأخيرة في هذا اللقاء الطيب :
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾
لذلك أحياناً يأتي تضييق الرزق رسالة من الله لطيفة ، بالمناسبة الله له رسائل ، أحياناً تجري دولة عرضاً عسكرياً كبيراً ، هذا العرض العسكري رسالة إلى دولة أخرى أليس كذلك ؟ اسمه رسالة ، فالإنسان أحياناً يشيب شعره ، يضعف بصره ، ينحني ظهره ، يستخدم العصا ، هذه رسائل من الله ، التطورات الصحية السلبية بعد الخمسين ، هذه التطورات رسائل من الله عز وجل أن يا عبدي قد اقترب اللقاء هل أنت مستعد له ؟
كان في الشام عالم جليل - قصة قديمة جداً - عاش ثمانية وتسعين عاماً ، لكن حالة نادرة ، كان منتصب القامة ، حاد البصر ، مرهف السمع ، أسنانه في فمه ، عاش ثمانية وتسعين عاماً ، حينما يُسأل يا سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله بها ؟ يقول : يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر ، من عاش تقياً عاش قوياً .
مرة زرت صديقاً لي في أحد أيام العيد فتح الباب والده ، قلت له : فلان موجود ؟ قال لي : ليس موجوداً ، هل من الممكن أن تدخل لعندنا عشر دقائق ، والله لا أنسى كلامه قال لي : عمري سبع وتسعون سنة ، عملت البارحة تحليلاً كاملاً فكانت النتيجة أن كل التحاليل طبيعية ، ثم قال لي : أنا لا أعرف الحرام في حياتي ، لا حرام النساء ولا حرام المال ، من عاش تقياً عاش قوياً .
من التزم أمر الله و أدى ما عليه فله عند الله مستقبل مشرق :
أخواننا الكرام أنا أخاطب الشباب ؛ أنت في أول حياتك إذا التزمت منهج الله ، أديت ما عليك ، استقمت على أمره ، لك عند الله مستقبل مشرق من الله ، قال تعالى :
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق هذا الوعد ، بشارة إلى كل شاب في أي بلد ، في أي مكان ، في أي عصر ، في أي مصر ، قال تعالى :
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
يقابلها ، قال تعالى :
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾
حياة طيبة ومعيشة ضنك ، زوال الكون أهون على الله من ألا يقع هذا الوعد وهذا الوعيد .
أحدهم سأل عالماً كبيراً : ما بال الأقوياء والأغنياء أية معيشة ضنك ؟ فقال : ضيق القلب .
أقول مرة ثانية -لعلي قلت هذا قبل يوم - : يقع على رأس الهرم البشري زمرتان هم الأقوياء والأنبياء ، الأقوياء ملكوا الرقاب ، والأنبياء ملكوا القلوب ، الأقوياء عاش الناس لهم ، والأنبياء عاشوا للناس ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأقوياء يمدحون في حضرتهم ، والأنبياء يمدحون في غيبتهم ، كل البشر تبع لقوي أو نبي .
قصة قديمة جداً قلت هذه المقولة : كلما قلّ ماء الحياء قلّ ماء السماء ، وكلما اتسعت الصحون على السطوح ضاقت صحون المائدة ، وكلما رخص لحم النساء علا لحم الضأن .
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾
((يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحداً غيرك ؟ قال: قل: آمَنْتُ بالله ثم استقم ))
يوجد رواية فيها زيادة ، قال : أريد أخف من ذلك ، قال : فاستعد للبلاء . الأمر واضح تستقيم تنجو ، لا تستقيم تحمل متاعب ، وهذه المتاعب رحمة بك .
تعريف الصحابة الكرام للاستقامة :
النقطة الدقيقة الحديث الذي رواه ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم :
((اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا ))
أي لن تحصوا الخيرات ، أنت استقمت لك مكانة اجتماعية ، عندك راحة نفسية ، عندك سكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، عندك حكمة ، ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ، عندك إنصاف ، أنت أب ناجح ، زوج ناجح ، ابن ناجح ، استقيموا ولن تحصوا الخيرات، والله مهما ذهبت تعدد الخيرات التي يعطيك الله إياها بعد أن تستقيم لا تعد ولا تحصى.
سيدنا الصديق سئل عن الاستقامة قال : " ألا تشرك بالله شيئاً ". المشرك أطاع مخلوقاً وعصى خالقاً . أنتم جميعاً في الأعياد عيد الفطر وعيد الأضحى ماذا ترددون دائماً ؟ الله أكبر ، سامحوني بهذا التعليق لو أن واحداً أطاع امرأته وعصى ربه وقال في العيد الله أكبر هل قالها حقيقة ؟ لا والله ، رأى خاطئاً أن طاعة زوجته أفضل من طاعة الله ، فعصى ربه وأطاع زوجته ، كلمة الله أكبر لمجرد أن تطيع مخلوقاً وتعصي الخالق العظيم فأنت ما قلت بقلبك الله أكبر ولو رددت بلسانك ألف مرة الله أكبر.
الإسلام ليس كلمات تقال ، الإسلام عقيدة و سلوك ، الإسلام اتجاه ، سيدنا عمر لما سئل عن الاستقامة قال : " أن تستقيم على الأمر والنهي ، وأن يراك حيث أمرك ، وأن يفتقدك حيث نهاك ". الجمعة الساعة الثانية عشرة أين تكون ؟ بمقهى أم في الجامع ؟ الفجر أين تكون ؟ أن يراك حيث أمرك وأن يفتقدك حيث نهاك .
سيدنا عثمان ، الاستقامة عنده إخلاص العمل لله ، كل صحابي ألقى ضوءاً على الاستقامة ، سيدنا علي قال : " أدوا الفرائض " الذين أدوا الفرائض هم استقاموا على أمر الله ، أحياناً تدخل بمدينة لها زاوية رؤية ، من الغرب زاوية أخرى ، من الشمال زاوية ، من الجنوب زاوية ، الصورة الصحيحة اجمع كل الزواية ، شكل المدينة يأتي من أربع زواية .
سيدنا علي سئل عن التقوى ، قال : "الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والرضا بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل" .
سيدنا الحسن ، قال : " استقاموا على أمر الله عملوا بطاعته ، واجتنبوا معصيته " أي تركوا بينهم وبينها هامش أمان ، نهر عميق وأنت أيها المستمع لا تجيد السباحة ، هذا النهر له شاطئ مائل زلق ، وله شاطئ مستو جاف أين البطولة ؟ أن تمشي على الشاطئ المستوي الجاف ، هنا يوجد شبهة ، مزلة قدم ، قد تنزلق قدمك فتسقط في النهر ، فأن تدع بينك وبين الحرام هامش أمان ، عفواً ارتياد أماكن لا ترضي الله أنت ألغيت هامش الأمان بينك وبين المعصية ، صحبة الأراذل لا ترضي الله ، أنت ألغيت هامش الأمان بينك وبين المعصية ، هناك ما يسمى - والكلام دقيق جداً - العدالة والضبط ، الضبط صفة عقلية والعدالة صفة نفسية ، فالإنسان الذي يتملك حقوقه المدنية يتمتع بالعدالة والضبط ، ضبط شهواته ، وكانت أحكامه عادلة .
قال : تطفيف بتمرة تجرح العدالة ، صحبة الأراذل تجرح العدالة ، من علا صياحه في البيت تجرح العدالة ، من قاد برزوناً - حيوان مخيف - جرحت عدالته ، أطلق لفرسه العنان جرحت عدالته ، عدّ العلماء ثلاثاً وثلاثين حالة تجرح العدالة ، لكن مَن عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم ، فهو ممن كملت مروءته ، وظهرت عدالته ، ووجبت أخوته ، وحرمت غيبته .
هذه العدالة ، أنت أيها المسلم تتمتع بحقوقك المدنية ، إذا أكلت لقمة من حرام ، ذقت شيئاً عند البائع مما عنده واللقمة كبرتها ولا تنوي الشراء ، هذه اللقمة من حرام جرحت بها عدالتك ، قدت حيواناً مخيفاً ، أسرعت في قيادة السيارة ، الموضوع لطيف جداً ؛ ثلاث وثلاثون حالة تجرح العدالة ، من علا صياحه في البيت ، من طفف بتمرة ، من أكل لقمة من حرام ، من صحب الأراذل ، من كان حديثه عن النساء ، أما من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم ، فهو ممن كملت مروءته ، وظهرت عدالته ، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته .
بذل كلّ الجهد في تقوى الله :
عندنا باللغة أحياناً النبرة لها معنى فإذا قرأ المسلم قوله تعالى :
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾
هذه العبارة تفهم فهمين ، تفهم فهماً ما أراده الله أن تبذل بعض الجهد ، والثانية لاستنفاذ الجهد ، فالآية تقول :
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ﴾
أيها الأخوة الكرام ؛ ملخص هذا اللقاء الطيب الاستقامة ، أن تكون متبعاً لا مبتدعاً، وسطياً لا متطرفاً ، منهجياً تتحرك وفق منهج الله ، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون كذلك ، وأشكر لقاءكم الطيب ، وأسأل الله أن يحفظ بلادكم من كل سوء ، يحفظ لكم إيمانكم وأهلكم وأولادكم وصحتكم ومالكم ، بقي واحدة سادسة مهمة جداً واستقرار بلادكم ، هذه نعمة لا يعرفها إلا من فقدها ، حافظوا عليها ، واشكروا الله عليها ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .