- أحاديث رمضان
- /
- ٠18رمضان 1435 هـ - خواطر إيمانية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
ديننا دين نصوص و أدلة فعلينا طلب العلم :
أيها الأخوة الكرام ؛ الحديث النبوي الشريف ، موضوع هذا اللقاء الطيب ، هو ما ورد في كتب السنن
ذُكِرَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم رجلان : أحدهما عابد ، والآخر عالم ، فقال :
(( فضلُ العَالِم على العَابِدِ كَفَضْلِي على أدْناكم))
كم هي المسافة بين سيد الخلق وحبيب الحق وبين أقل مؤمن على وجه الأرض كبيرة جداً هذه المسافة هي نفسها بين العالم والعابد ، العالم طلب العلم ، فهم حقائق الأشياء ، فهم الحكم، فهم أبعاد الحياة ، فهم فلسفة الشهوات ، فلسفة التكليف ، يتحرك على بصيرة ، يتحرك بوعي ، يتحرك بفهم ، يتحرك بقناعة .
مرة كان هناك لقاء مع بعض الأطباء ، أحد الأطباء جرّاح قلب قدمت له حلويات نفيسة فاعتذر ، فسئل فقال : لكثرة ما أرى الشرايين مسدودة أثناء العمل الجراحي كرهت هذه الحلويات ، فصار في علم ، الإكثار من هذه المواد النشوية يسبب تضيقاً في الشرايين ، وإذا ضاقت الشرايين دخل الإنسان في متاهة كبيرة جداً ، فلذلك :
((فضلُ العَالِم على العَابِدِ كَفَضْلِي على أدْناكم))
الشيء الثاني حديث آخر مثيل له :
((وَإِن فَضْلَ العالمِ على العَابِدِ كَفضل القمر ليلة البدرِ على سائرِ الكَوَاكِب))
لذلك فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، الآن الآية تقول :
﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ﴾
أي ممكن أن تأخذ الأمر بتهاون ، بتسيب ، بعدم اهتمام ، الآية تقول :
﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ﴾
وبالمناسبة ليس الولي الذي يمشي على وجه الماء ، ولا الولي الذي يطير في الهواء ، الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام ، الدليل :
﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾
لذلك موضوع الكرامات أنا لا أنكرها ، لكن لا أحب أن أكثر من روايتها ، يصبح هناك تعلقات غير صحيحة ، وديننا دين نصوص .
جاء رجل إلى العز بن عبد السلام وقد رأى في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ودله على مكان فيه مال ، قال له النبي الكريم في المنام لا تدفع زكاته ، العز بن عبد السلام قال: كلام النبي في حياته هو الأصل ، فخذه وادفع زكاته .
نحن ديننا دين نصوص ، دين أدلة ، دين قواعد ، فينبغي أن نطلب العلم ، عفواً الإنسان أودع الله فيه قوة إدراكية ، فإذا طلب العلم حقق إنسانيته ، وإذا عزف عن العلم هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به .
الإنسان يحيا بمعرفة الله و طاعته :
الله عز وجل وصف أهل الكفر والضلال قال :
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
قد تكون صحته بأعلى درجة ، لكنه عند الله من الأموات ، الإنسان يحيا بمعرفة الله ، بطاعة الله ، بالتقرب منه ، إذاً :
﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ﴾
هناك تعليل :
﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ ﴾
أنت حينما تقف عند الحكم ، وعند التعليل ، وعند الأبعاد التي أرادها الله في هذه الآية تنتقل من أن تكون عابداً إلى أن تكون عالماً ، أي في حياتنا خبراء كثر ، هؤلاء الخبراء علماء يلتزمون قواعد نابعة من قناعتهم ، أما إذا أمرت أن تفعل شيئاً فقد لا تفعله .
على الإنسان أن يكون قوياً في أخذ الحق و ألا يعطل عقله :
أخواننا الكرام ؛ أما العابد فهناك آية تقول :
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ ﴾
مقاومته هشة ، صموده ضعيف ، من أتفه سبب ينتكس على رأسه ، لأتفه مشكلة يبتعد عن الحق ، لأتفه عقبة ينصرف عن طريق الجنة ، أما المؤمن فالكلمة الدقيقة لرسول الله :
((والله ياعم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أدع هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ))
فالبطولة أن تكون قوياً في أخذ الحق ، النبي عليه الصلاة والسلام أرسل سرية في مهمة محدودة ، وأمّر عليها أنصارياً ، هذا الأنصاري بعد أن خرجوا من المدينة قال : أضرموا ناراً عظيمة، فأضرموها، طاعة الأمير طاعة رسول الله ، فلما أضرموها قال : اقتحموها ، قالوا : كيف نقتحمها ؟ أحد الصحابة قال : إنما آمنا بالله فراراً منها فكيف نقتحمها ؟
اختلفوا ، فرجعوا إلى المدينة وعرضوا أمرهم على رسول الله ، اسمعوا الجواب ، قال عليه الصلاة والسلام : "لو اقتحمتموها لازلتم فيها إلى يوم القيامة ، إنما الطاعة في معروف ".
من خلال هذا النص ، الإنسان لا يمكن أن يعطل عقله ، خضوع أعمى ، انسياق بلا فهم ليس من شأن المؤمن ، المؤمن كيس ، فطن ، حذر ، والله لو اقتحمتموها لازلتم فيها إلى يوم القيامة ، إنما الطاعة في معروف.
لذلك أنت إنسان كريم على الله ، لا تقبل شيئاً في دينك إلا بالدليل ، ولا ترفض شيئاً إلا بدليل ، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء ، إن هذا العلم دين , مصير ، جنة إلى الأبد ، أو نار إلى الأبد ، إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذون دينكم ، دينك دينك إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا ، لذلك الآية الدقيقة الدقيقة :
﴿ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾
معنى ذلك أن العقل لا يعطل .
الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط :
أخواننا الكرام ؛ كلمة حق متداولة بشكل غير معقول ، ما الحق ؟
الله هو الحق ، الحق هو الشيء الثابت والهادف ، مثلاً أنشأنا جامعة ، طبعاً البناء جيد جداً ، لأن هذه الجامعة أنشئت لتبقى ، أما إن أنشأنا سيركاً فسننشئه من القماش لأنه لن يبقى أكثر من أسبوعين ، الحق هو الشيء الثابت والهادف ، والباطل هو الشيء المائل والزائل أو العابث والزائل .
هناك تعريف للحق أعلق عليه أهمية كبيرة : الحق دائرة تتقاطع في هذه الدائرة أربعة خطوط ، خط النقل الصحيح ، ديننا دين نقل ، هناك كتاب وسنة ، هناك وحيان وحي متلو الكتاب، ووحي غير متلو السنة ، الوحي المتلو هو القرآن قطعي الثبوت ، أما الوحي الغير متلو فهو الحديث و هذا ظني الثبوت ، لابد من تحري الصحة في الحديث ، فالحق دائرة تتقاطع في هذه الدائرة أربعة خطوط ، خط النقل الصحيح ، احرص على النقل الصحيح لا تقبل نصاً من دون دليل ، لا تقبل رأياً من دون دليل ، إن هذا العلم دين ، القضية خطيرة جداً .
لو فرضنا إنساناً رأى قنبلة عقب معركة يا ترى قنبلة أم غير قنبلة ؟ لو أحب أن يجرب قد لا تبقي له هذه القنبلة ثانية لينتفع من هذه التجربة ، فلابد من أن تأخذ رأي الخبراء ، أي إذا إنسان تحرك بحرية بلا ضوابط قد يقع في مشكلة لا يقوم منها .
مثلاً أناس كثيرون أصيبوا بسرطان بالرئة فتركوا الدخان ، لكن متى تركوه ؟ بعد فوات الأوان ، فالبطولة أن تأخذ قراراً في الوقت المناسب ، لذلك الآية تقول :
﴿ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ﴾
فالإيمان عند الموت حاصل ، أكفر كفار الأرض ، فرعون الذي قال :
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
﴿ ومَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
حينما أدركه الغرق قال :
﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾
فالإيمان حاصل لكن إما أن يحصل بعد فوات الأوان أو في الوقت المناسب ، فالحق دائرة تتقاطع في هذه الدائرة أربعة خطوط ، أول خط النقل الصحيح ، إن هذا العلم دين فنظروا عمن تأخذون دينكم ، أنت مع القرآن عندك نشاط واحد أن تفهم ماذا أراد الله من هذه الآية ، لكن مع السنة عندك نشاطان أن تفهم مدى صحة هذا الحديث ثم ما أراد النبي بهذا الحديث ، مع قول آخر عندك ثلاث أنشطة ، هل هذا الكلام وفق الكتاب والسنة ، أم بخلاف الكتاب والسنة ، ثم ما أراد القائل من هذا الكلام وما مدى انطباعه عن الكتاب والسنة ، لأن هذا العلم دين يجب أن تتابع ، أن تدرس ، أن تبحث ، أن تمحص ، أن تطالب بالدليل ، أن تقبل العلم من أصوله .
إذاً دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط ، خط النقل الصحيح ، وخط العقل الصريح ، هناك عقل تبريري مرفوض .
أي تأتي دولة عظمى تحتل بلداً إسلامياً فيه نفط تبقى فيه سنوات عديدة ، التصريحات المملة : جئنا من أجل الحرية ، تصريح واحد صدر من أحد القوات العسكرية في العراق قال : جئنا من أجل النفط ، هذه هي الحقيقة .
فهناك عقل تبريري وكل الناس المنحرفين إذا أخطؤوا في سلوكهم يغطون خطأهم بتبريرات قد تكون ذكية أو غبية .
إذاً الحق دائرة تتقاطع في هذه الدائرة أربعة خطوط خط النقل الصحيح ، وخط العقل الصريح ، وخط الفطرة السليمة .
تطابق الدين مع الفطرة :
أخواننا الكرام ؛ من فضل الله علينا أن هذا الدين مطابق تماماً للفطرة والدليل :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾
هذا المنهج متطابق تماماً مع الفطرة ، فالذي يتوب لله ويصطلح معه يشعر براحة كبيرة، ما هذه الراحة ؟ أنه أصطلح مع فطرته .
قضية الدين قضية مصيرية :
أخواننا الكرام ؛ قضية الدين قضية خطيرة ، وقضية مصيرية فلابد من أن تقتطع من وقتك وقتاً لمعرفة هذا الدين ، إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم .
فلذلك المشكلة أن معظم المسلمين من خلال دراستهم في التعليم ، درسوا الفرائض، الواجبات ، السنن ، أحكام الصلاة ، أحكام الصوم ، الحج ، إلى آخره ، لكن من هذا الآمر الذي أمرهم ؟ إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر ، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في معصيته .
كلمة سريعة بين الأرض والشمس مئة و ستة و خمسون مليون كيلو متر ، والشمس تكبر الأرض بمليون و ثلاثمئة ألف مرة ، أي يدخل في جوف الشمس مليون و ثلاثمئة ألف أرض ، وبينهما مئة و ستة و خمسون مليون كيلو متر ، وفي برج العقرب أحد أبراج السماء الاثنا عشر ، نجم صغير أحمر اللون متألق اسمه قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، تعاملك مع من ؟ مع خالق السموات والأرض ، مع رب العالمين ، مع من بيده كل شيء ، قال تعالى :
﴿ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾
الأمر " الـ " الجنس ، أي أمر على الإطلاق كله توكيد .
﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
وما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك .
﴿ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
فقضية الدين قضية مصيرية ، قضية سعادة أو شقاء ، توفيق أو تعسير ، قضية رقي أو سقوط ، الإنسان يعلو ويعلو ويعلو ، ويكبر ويكبر ويكبر ولا ترى كبره ، يتضاءل أمامه كل عظيم ويصغر ويصغر ويصغر ولا ترى صغره ، يتعاظم عليه كل حقير .
أرجو الله تعالى أن ننتفع من هذه الآيات ، وأن تكون سبباً في نجاحنا في حياتنا الدنيا والآخرة .