- أحاديث رمضان
- /
- ٠18رمضان 1435 هـ - خواطر إيمانية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
العمل الصالح علة وجود الإنسان في الدنيا بعد الإيمان بالله :
أيها الأخوة الكرام ، الإنسان كائن متحرك لكن هذه الطاولة كائن ساكن
الإنسان ما الذي يحركه ؟ حاجته إلى الطعام والشراب ، حفاظاً على بقاء الفرد ، وحاجته إلى الطرف الآخر إلى الزواج حفاظاً على بقاء النوع ، وحاجته إلى التفوق حفاظاً على بقاء الذكر ، إذاً الإنسان في الدنيا له حاجات ثلاث ، لكن حينما جاء الله به إلى الدنيا - أريد أن أستخدم مصطلحاً دقيقاً - ما علة وجوده في الدنيا ؟ لماذا هو في الدنيا ؟ أي طالب بجامعة في الجامعة مطعم ، فيها ملعب ، فيها منتدى ، فيها مكتبة ، لكن علة وجود الطالب في الجامعة الدراسة ، فالبطولة أن نكتشف في وقت مبكر علة وجودنا في الدنيا ، هذه العلة تستنبط من آيات كثيرة ، الإنسان حينما يدنو أجله يقول :
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ﴾
إذاً علة وجود الإنسان في الدنيا بعد الإيمان بالله العمل الصالح لأنه ثمن الجنة ، الدليل :
﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
حرص الإنسان على سلامته و سعادته و استمرار وجوده :
إذاً الإنسان أثناء حركته طبعاً قد يقترف عملاً سيئاً فيشقى به ويهلك ، وقد يعمل عملاً صالحاً يسلم به ويسعد ، قد يقترف عملاً سيئاً يشقى به ويهلك ، وقد يوفق إلى عمل صالح يسلم به ويسعد ، بالمناسبة التسع مليارات إنسان في الأرض تنظمهم قواسم مشتركة واحدة
لا يوجد إنسان على وجه الأرض إلا وهو حريص على سلامته ، وعلى سعادته ، وعلى استمراره ، فسلامته بالاستقامة ، وسعادته بالعمل الصالح ، واستمراره بتربية أولاده ، والإنسان له عقل يدرك وقلب يحب وجسم يتحرك ، العقل غذاؤه العلم ، والقلب غذاؤه الحب ، والجسم غذاؤه الطعام والشراب .
التسابق إلى الأعمال الصالحة :
الآن مادامت علة وجودنا في الدنيا العمل الصالح الشيء الدقيق يقول عليه الصلاة والسلام :
(( بادِرُوا بالأعمال سبعا ....))
أي تسابقوا إليها ، تسابقوا إلى عمل صالح :
(( بادِرُوا بالأعمال سبعا ...))
أي إنسان لم يعبء بهذه المهمة ولم يلتفت لها ماذا ينتظره ؟ هذا كلام واقعي قال :
(( ... هل تُنْظَرون إلا فَقْرا مُنْسيا...))
تقوم حرب تنتهي التجارة ، الذي عنده محلات هدمت ، عنده بيوت هدمت ، عنده معمل احترق ، بقي لاجئاً تحت خيمة ، من بناء أربعة طوابق ، وسيارات ، ومعامل ، ودخل فلكي لخيمة :
(( ... هل تُنْظَرون إلا فَقْرا مُنْسيا...))
فاحتمال الإنسان أن يفقد ثروته له أسباب كثيرة :
(( ... هل تُنْظَرون إلا فَقْرا مُنْسيا...))
هذا الفقر ينسي كل شيء ، كيف الإنسان عنده ملكات ، عنده ذاكرة ، عنده مكانة، عنده شخصية ، هناك مصائب تنسيه كل هذه الأشياء :
(( ... هل تُنْظَرون إلا فَقْراً مُنْسياً...))
يقابله أو :
(( ... أو غِنى مُطغيا... ))
الإنسان يغتني أحياناً من دون علم ، ما تسلح بالعلم ، العلم سلاح ، سيدنا علي : يا بني العلم خير من المال ، لم ؟ قال : لأن العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق ، يا بني مات خزان المال وهم أحياء ، هو حي لكنه عند الله ميت ، قال تعالى :
﴿ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء ﴾
الإنسان الحيّ بالمفهوم الإيماني :
الحقيقة في القرآن تعني حياة النفس ، نفس عرفت ربها ، بحثت عن منهجه ، تحركت وفق منهجه ، تقربت إليه بالعمل الصالح ، هذا إنسان حي لكن بالمفهوم الإيماني إنسان همه الطعام والشراب ، يعيش لحظته ، هذا إنسان عند الله ميت ، قال تعالى :
﴿ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء ﴾
فالحديث يقول :
(( بادِرُوا بالأعمال سبعاً : هل تُنْظَرون إلا فَقْراً مُنْسياً... ))
الإنسان لا يستطيع أن يحكم على المستقبل ، أنا الآن وضعي جيد ، أما المستقبل فلا يملكه أحد إلا الله :
(( ...هل تُنْظَرون إلا فَقْراً مُنْسياً، أو غِنى مُطغياً ...))
بطولة الإنسان أن يعيش حدث الموت :
أيها الأخوة الكرام ، قالوا : العقل أن تصل إلى الشيء قبل أن تصل إليه ، أحياناً يقولون بالبرمجة اللغوية العصبية : ابدأ من النهاية ، أنا أعيش ، عندي بيت ، وزوجة ، وأولاد، وبنات ، وكنائن ، وأصهار، ولي مكانة اجتماعية؛ سهرات، حفلات، ولائم ، زيارات ، سياحة
لكن هناك موتاً بعد ذلك ، البطولة أن تعيش حدث الموت ، طبعاً إن عشت حدث الموت لا يلغى عملك ، تؤسس معملاً وتتاجر وتتزوج وتشتري بيتاً ، هذا لا يتناقض مع هذا ، لكن أنت عندما تعرف الله عز وجل تصبح حركتك صحيحة ، حركتك وفق منهج الله ، لذلك :
(( ... هل تُنْظَرون إلا فَقْرا مُنْسيا ، أو غِنى مُطغيا،..))
هذا المستقبل أنتم بين أيديكم قصص الناس ، إنسان فجأةً نقطة دم لا يزيد حجمها عن رأس دبوس تتجمد في أحد أوعية الدماغ يصاب بالشلل ، بمكان فقد بصر ، بمكان فقد ذاكرة ، هذا شيء بين أيدينا يقول لك : خثرة بالدماغ ، والخثرة لو تجمدت لسدت بعض الأوعية، يقول لك : سكته دماغية ، هناك سكته قلبية وسكته دماغية ، أي الإنسان كل إمكاناته ، كل شخصيته الكبيرة ، كل أملاكه ، كل هيمنته ، كل ذلك منوط بنقطة دم تتجمد في أوعية دماغه ، منوط بسيولة دمه فقط ، منوط بضربات قلبه ، هذه القلب توقف ، بناء مؤلف عشرين طابقاً ملكه لم يعد له ، توقف القلب فأين البطولة ؟ أن تعيش المستقبل ، بل أن تبحث عن الحقيقة المرة لأنها أفضل ألف مرة من الوهم المريح .
من عرف سرّ وجوده عرف أنه مخلوق للجنة :
إذاً الإنسان إذا عرف سرّ وجوده ، أنت مخلوق للجنة تقف في هذه الآية :
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
تسع مليارات إنسان جميعهم يتحركون ، كل إنسان له هدف ، لكن ممكن أن الذات الإلهية أنزلت هذا السعي المختلف في حقلين فقط ؟ أول حقل :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
صدق أنه مخلوق للجنة ، وبناء على هذا التصديق اتقى أن يعصي الله ، وبناء على هذا التصديق بنى حياته على العطاء ، يا من جئت الحياة فأعطيت و لم تأخذ ، إنسان ألّف كتاباً عن رسول الله جعل له مقدمة ، تأثرت بها قال له : " يا سيدي يا رسول الله ، يا من جئت الحياة فأعطيت و لم تأخذ ، يا من زكيت سيادة العقل ونهنهت غريزة القطيع ، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع ، فعشت واحداً بين الجميع ، يا من كانت الرحمة مهجتك ، والعدل شريعتك ، والحب فطرتك ، والسمو حرفتك ، ومشكلات الناس عبادتك " .
تمتع المؤمن بنعمة الأمن :
إذاً الإنسان حينما يكون في حركته وفق منهج الله عنده حالة اسمها أمن ، أيها الأخوة والله لا أبالغ والآية كذلك لا يتمتع بنعمة الأمن إلا المؤمن ، والدليل :
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
أيها الأخوة الكرام ، الأمن لا يعني ألا تصاب بشيء تلك السلامة ، قد يمضي خمسة أعوام ولا مشكلة هذه سلامة ، لكن هناك توقعاً للمرض ، أنت من خوف المرض في مرض ، من خوف الفقر في فقر ، توقع المصيبة مصيبة أكبر منها ، لكن أكبر نعمة يتملكها المؤمن نعمة الأمن عنده شعور ، قال تعالى :
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
لنا ولم يقل علينا ،
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
فلذلك الله يعطي المؤمن حالة أمن عجيبة ، أكاد أقول : لا يتمتع بهذه النعمة إلا مؤمن ، وهي أهم نعمة لأن توقع المصيبة مصيبة ، أنت من خوف الفقر في فقر ، من خوف المرض في مرض ، هل تصدقون أن أحد أسباب أمراض القلب الخوف من أمراض القلب ، بلمحة هناك جلطة ، بلمحة هناك سكته قلبية ، القلق الشديد من أن يصاب بمرض أحد أسباب أمراض القلب ، لذلك إذا ما كان بين المؤمن وبين غير المؤمن بون شاسع ، حياة ثانية ، حياة فيها استقرار ، فيها ثقة بالله عز وجل ، فيها مكانة اجتماعية ، هذه السعادة أخواننا الكرام تتأتى عن طريق السكينة ، ولما إنسان يخطب ود الله ، الله ينزل على قلبه السكينة ، وبالسكينة تسعد ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء .
أكبر عطاء إلهي سعيد ، راض عن الله ، في البيت استقرار ، الابن يحترم والده احتراماً كبيراً وهكذا .
من تعلّم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت :
لذلك :
(( .. هل تُنْظَرون إلا فَقْراً مُنْسياً ، أو غِنى مُطغياً ، أو مَرَضاً مُفسِداً ، ...))
هناك مرض يفسد حياة الإنسان ، أي مدة ثلاثين سنة وهو على الفراش ، أنا أقول: عمرك لا يتغير ، ثابت لا يزيد ولا ينقص ، لكن بين أن تقضي ثلاثين سنة و أنت واقف ، نشيط ، متحرك ، و بين أن تقضي ثلاثين سنة بشكل أفقي على الفراش !! الأمر أمر لكن من تعلم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت ، هناك مكافآت إلهية من الله عز وجل في الدنيا قبل الآخرة ، إذاً :
(( ... أو هَرَماً مُفنِداً ... ))
القصة يعيدها عشر مرات ، يأتي ضيوف يقول لهم : لا يطعموني ، يخافون أن يلتقي مع ضيف ، أما أنا والله مؤمن إيماناً كإيماني بوجودي إنسان اتقى الله بشبابه يمتعه الله بعقله في شيخوخته ، التفاوت ليس بالشباب بالشيخوخة ، بخريف العمر ، هناك إنسان له مكانة، ذاكرته قوية ، هيمنته على أسرته قوية جداً ، محترم ، معزز ، مكرم ، و إنسان له تجاوزات لا تحتمل .
من آثر مصلحته على مصلحة الآخرين فهو عنصري لا إنساني :
(( ... أو موتا مُجْهِزا، والدجالَ ؟ ...))
هذا الدجال يرى بعين واحدة ، الأعور الدجال يرى مصلحته كالغرب ولا يرى مصلحة الآخرين ، يرى حاجته إلى السلم ولا يرى حاجة العالم الثالث إلى السلم، يرى رغبته أن يكون الشعب غنياً عنده على حساب الشعوب الأخرى ، أي بشكل أو بآخر ، إما إنساني أو عنصري ، حينما يبني مجده على أنقاض الآخرين ، حينما يبني غناه على إفقارهم ، حينما يبني عزه على إذلالهم ، حينما يبني حياته على موتهم ، هذا عنصري ، قد يكون الزوج عنصرياً ، قالت زوجته كلمة على أمه يقيم عليها النكير ، و هو يقضي السهرة كلها يستهزئ بأمها ، و هي لا تستطيع أن تتكلم أية كلمة ، هذا عنصري أيضاً ، وبالمناسبة حق الفيتو بمجلس الأمن هذا حق عنصري ، لماذا خمسة دول تلغي القرار ؟ حق عنصري .
أيها الأخوة الكرام من الآخر إذا كان بالأرض عنصرية الحروب لا تقف ، حينما ترى لك ما ليس لغيرك ، وحينما ترى على غيرك ما ليس عليك ، الحروب لا تنتهي ، هذه العنصرية ، إذاً :
(( ...أو موتا مُجْهِزا، والدجالَ؟ والدَّجَّالُ شَرُّ غائب يُنَتظَرُ، والساعةَ؟ والساعةُ أدْهَى وأمرُّ ))
اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم .