- أحاديث رمضان
- /
- ٠18رمضان 1435 هـ - خواطر إيمانية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات .
حديث شريف جامع مانع في طلب العلم :
أيها الأخوة الكرام ، روى مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ))
حينما تنطلق من بيتك إلى المسجد تلتمس العلم في المسجد فهذا الطريق يؤدي بك إلى الجنة :
(( وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ))
(( ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه))
حديث شريف في طلب العلم جامع مانع .
تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف و تكريم :
أيها الأخوة الكرام ، لا شك أن من المسلمات التي تعرفونها جميعاً أن هذا الكون فيه جماد ، وفيه نبات ، وفيه حيوان ، وفيه إنسان ، قال بعضهم : الجماد للنبات ، والنبات للحيوان، والحيوان للإنسان ، والإنسان لمن ؟ إنه لله ، الله عز وجل خلق الإنسان ليسعد بقربه ، ليتعرف إليه ، وبعد أن يعرفه ويستقيم على منهجه ويتقرب إليه يسعد ويسلم في الدنيا والآخرة ، فلذلك لأن الإنسان قبِل في عالم الأزل حمل الأمانة في قوله تعالى :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾
لأن الإنسان قبل حمل الأمانة سخر الله له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه تسخير تعريف وتكريم ، موقف الإنسان من تسخير التعريف أن يؤمن ، وموقفه من تسخير التكريم أن يشكر ، فإذا آمن وشكر حقق الهدف من وجوده ، قال تعالى :
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
أنواع العلم :
فلذلك هذا الإنسان الذي قبِل حمل الأمانة سخر الله له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه ، ومنحه قوة إدراكية ، هي الحاجة إلى العلم ، وبعضهم سماها الحاجة العليا في الإنسان ، أنت بحاجة إلى أن تأكل ، وإلى أن تتزوج ، وإلى وإلى سماها بعضهم الحاجات السفلية ، وهناك حاجة علوية راقية أن تعرف الله ، أودع فيك قوة إدراكية تتميز بها ، فلذلك لا بد من أن تطلب العلم ، أي علم هذا ؟ بعضهم قال وكلامي دقيق : هناك علم بخلقه ، هذا الكون السموات ، الأرض ، المجرات ، المذنبات ، الأرض بجبالها ، بوهادها ، بسهولها ، بحيواناتها ، ببحارها ، ببحيراتها ، الأرض هذا الكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى فهناك علم بخلقه
وهذا العلم بخلقه من اختصاص الجامعات في الأرض ؛ كلية العلوم فيزياء كيمياء طبيعيات ، جمادات كلية الطب والهندسة ، العلم بخلقه ، اختصاص الجامعات في الأرض ، وهناك علم بأمره اختصاص كليات الشريعة في العالم الإسلامي افعل ولا تفعل، بالأمر والنهي والواجب والفرض ، صار عندنا علم بخلقه وعلم بأمره ، كيف أصل إلى العلم بخلقه وإلى العلم بأمره ؟ قال : هناك نشاط أو مجموعة أنشطة تلخص بكلمة واحدة هي المدارسة ، هناك معلم يحمل علماً ، وهناك طالب علم
وهناك إلقاء محاضرة وإصغاء للمحاضرة ، و مرجع ، و كتاب ، قراءة الكتاب ، وحفظ الكتاب ، وأداء الامتحانات ، ونيل الشهادات ، هذه العملية المعقدة المتتالية المنوعة بأكملها تسمى المدارسة ، فالعلم بخلقه والعلم بأمره يحتاجان إلى مدارسة ، أولاً : تقرأ وتكتب ثم تحمل شهادة عليا ، تفهم ما قرأت بعمق ثم تحفظ ثم تؤدي امتحاناً وتنال شهادة ، هذا علم بخلقه الكون ، وعلم بأمره الشريعة .
لكن العلم الثالث علم به ، بالآمر ، العلم به ثمنه باهظ ، نتائجه رائعة أنت حينما تعرف الله تصبح إنساناً آخر ، عرفته ، عرفت منهجه ، طبقت منهجه ، أقبلت عليه ، حينما يتصل هذا الكائن الضعيف الإنسان بالذات الكاملة بالله عز وجل يشتق منه الكمال :
(( إن محاسن الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحب الله عبداً منحه خلقاً حسناً ))
أخلاق المؤمن و صدقه هما الشيء الحاسم في حياته :
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام آتاه الله الوحي ، آتاه الله الحكمة ، جعله وسيماً فصيحاً بيناً ، لكن حينما أثنى عليه أثنى على خلقه العظيم
لذلك ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى يقول : " الإيمان هو الخلق، ومن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان ". الإيمان معلومات وعقائد وتصورات ، وفهم وقوانين ومعادلات ، لكن وسيلة وليست غاية ، الغاية أن تتخلق بأخلاق الذات الإلهية ، تخلقوا بأخلاق الله ، هذاالخلق هو ثمن الجنة ، أي لو سألتني : ما هو الشيء الحاسم في حياة المؤمن ؟ أخلاقه صادق ، أمين ، عفيف ، يعتمد عليه ، مسؤول، رحيم ، الله عز وجل قال :
﴿ فَبِمَا ﴾
عند علماء النحو هذه الباء باء السبب :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
أي يا محمد من خلال اتصالك بنا امتلأ قلبك رحمة بمن حولك ، فلما امتلأ القلب رحمة انعكست الرحمة ليناً ، وهذا اللين دعا الناس إلى أن يلتفوا حولك ، المعنى المخالف المعاكس ، ولو كنت منتقطعاً عنا لامتلأ القلب قسوة ، ولانعكست القسوة غلظة ، عندئذ ينفض الناس من حولك ، والآية هذه يحتاجها كل أب ، وكل أم ، وكل معلم ، وكل مدرس ، وكل أستاذ، وكل مرشد ، وكل إنسان يحتل منصباً قيادياً ، من أصغر منصب قيادي إلى أعلى منصب قيادي ، هذا الذي يقود مجموعة من الناس إذا كان متصلاً بالله يمتلئ قلبه رحمة ، وهذه الرحمة تنعكس ليناً ، وهذا اللين يجعل من حوله يلتفون حوله ، وكل صاحب منصب قيادي بحاجة إلى هذه الآية .
من يُعمل عقله في معرفة الله يسعد وينجح ويحقق الهدف من وجوده :
لذلك أنت حينما تعرف الله ، وتعرف منهجه ، وتعرف كمالاته ، وتعرف أسماءه الحسنى ، وتستقيم على أمره أولاً ، وتتصل به ثانياً
تأتي التزكية ، وقد وردت في آيتين فقط :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴾
هذه النفس حينما تتصل بالله عز وجل تزكو ، تصبح نفساً زاكية أو زكية في حلم، في رحمة ، في أدب ، في عدل ، في إنصاف ، أنا أقول : المؤمن الصادق لا بد من أن تعشقه، أديب ، رحيم ، صادق ، أمين ، هذا المؤمن ، لا يمكن أن تكره مؤمناً هذا موصول بالله عز وجل ، موصول بأصل الكمال ، بأصل الجمال ، بأصل النوال ، فلذلك الإنسان أودع الله به قوة إدراكية لأنه قبِل حمل الأمانة ، وسخر الله له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه ، وهذا الكون فيه قوانين ، والشيء الدقيق أن عقلك أيها الإنسان يخضع مبادئ ، أحد هذه المبادئ مبدأ السببية ؛ فالعقل البشري لا يفهم شيئاً بدون سبب ، والكون نظامه سببي ، وهذا العقل البشري لا يفهم شيئاً من دون غاية ، وهذا الكون أي شيء بالإنسان له غاية
عالم ألماني سبب إيمانه بالله البقرة ، تقدم حوالي ستين كيلو من الحليب ، الوليد يحتاج إلى كيليين أو أكثر ، معنى هذا تطابق تركيب الحليب تطابقاً مذهلاً مع خصائص الإنسان ، الحليب هو الغذاء الكامل الأول ، فلذلك الإنسان عندما آتاه الله القوة الإدراكية حينما يعملها في معرفة الله يسعد وينجح ويسلم ويحقق الهدف من وجوده ، أنت المخلوق الأول ، أنت مخلوق لجنة عرضها السموات والأرض ، مخلوق للأبد ، مخلوق أن تدخل الجنة ، وكل يوم أسعد من يوم لا تعبد ، ولا هم ، ولا نصب ، ولا قهر ، ولا ظلم ، ولا فقر ، ولا حقد ، ولا حسد فيه :
﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
فلذلك :
﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾
طلب العلم طلب حتمي :
إذاً أنت تملك قوة إدراكية ، هذه القوة الإدراكية تقتضي أن تطلب العلم ، ليس لك خيار ، لأنك من بني البشر يجب أن تطلب العلم ، وليس طلب العلم موسمياً برمضان فقط ، بل هو طلب دائم في كل أشهر العام ، هذا الطلب يؤكد إنسانيتك ، الذي لا يطلب العلم يهبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به ، بل إن الله سبحانه وتعالى وصف هؤلاء الذين عزفوا عن طلب العلم فقال :
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾
أخواننا الكرام ، خيار العلم خيار حتمي .
خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط :
مرة قلت : أنت تملك مليون خيار ؛
ترفض بيتاً لم يعجبك ، مساحته صغيرة ، سعره غال ، تريد الزواج تخطب فتاة لا تعجبك أخلاقها فترفضها ، تملك مليون خيار رفض إلا مع الإيمان تملك خيار وقت ، فإما أن تؤمن بالوقت المناسب وتنتفع بإيمانك ، أما حينما تؤمن بعد فوات الأوان فهذا الإيمان لا تنتفع به :
﴿ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ﴾
هل هناك طالب بالأرض لا يدرس بالامتحان ؟ يقدم ورقة بيضاء ينال درجة الصفر بجدارة ، يأتي على البيت يفتح الكتاب المقرر يقرأ البحث يفهمه ، متى فهم البحث ؟
بعد فوات الأوان ، فلذلك جميع الحقائق التي جاء بها الأنبياء البشر جميعاً على اختلاف مللهم ، ونحلهم، وانتماءاتهم ، وأعراقهم ، وأنسابهم ، سوف يؤمنون بهذا ، والدليل أكفر كفار الأرض الذي قال عنه الله في القرآن الكريم :
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
والذي قال :
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
فرعون عندما أدركه الغرق قال :
﴿ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾
إذاً خيارك مع الإيمان خيار وقت ، فالبطولة أن تؤمن وأنت شاب .
الإنسان أحياناً بالثمانينات يتذكر الآخرة والموت لكن كل شيء انتهى ، أما هذا الشاب ، وإن الله ليباهي الملائكة بالشاب المؤمن ، ففي أول حياته كتلة نشاط ، طاقات ، ذهن حاد ، عضلات قوية ، الآن ينبغي أن تؤمن ، فلذلك هذا الشاب الذي يبدأ حياته بمعرفة اله وطاعته والتقرب منه هو بدأ بداية محرقة فله نهاية مشرقة ، فلذلك قيل : ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل.
يقول الإمام الشافعي : " كلما ازدددت علماً ازدت علماً بجهلي" .
التعريف الدقيق للعلم :
لذلك من بعض التعريفات الدقيقة للعلم : علاقة بين متغيرين ، تطابق الواقع ، عليها دليل ، لو ألغيت الدليل لم تعد هذه الحقيقة علماً ، أصبحت تقليداً ، لو ألغيت مطابقة الواقع لم تعد هذه المقولة علماً أصبحت جهلاً ، كل شيء خلاف الواقع جهل ، وكل شيء من دون دليل تقليد ، فهي علاقة قطعية بين متغيرين ، تطابق الواقع ، عليها دليل ، فذلك الله عز وجل جعل في القرآن ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون والإنسان ، آية الأمر تقتضي أن تأتمر ، آية النهي تقتضي أن تنتهي ، وألف وثلاثمئة آية عن الكون والإنسان هذه ماذا تقتضي؟ تقتضي قوله تعالى :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾