وضع داكن
28-03-2024
Logo
رحلة استراليا 3 - المحاضرة : 05 - كيف نربي أبناءنا ، وما هي حقوقهم ؟ - أسئلة وأجوبة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 أعزائي المستمعين أهلاً ومرحباً بحضراتكم في هذا اللقاء المباشر الطيب بإذن الله تعالى، الذي يكون ضيفنا فيه إن شاء الله فضيلة العلامة الدكتور محمد راتب النابلسي، باسمي وباسمكم أتفضل بخالص الشكر والامتنان لفضيلته، فضيلة الشيخ أهلاً وسهلاً بك، وجزاك الله خيراً، وأسأل الله عز وجل أن يجزل مثوبتك، ويعلي درجتك، إنه بكل جميل كفيل.
الدكتور راتب:
 بارك الله بكم، ونفع بكم، وجعل هذه الإذاعة منارة حق للأمة، وجعل العاملين فيها يعملون، ولهم أجر كبير، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الإذاعة دعوة إلى الله عز وجل لأن الله عز وجل يقول:

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

[ سورة فصلت]

المذيع:
 جزاك الله خيراً.
 أعزائي المستمعين، اليوم بإذن الله تعالى أعددنا موضوعاً لهذا اللقاء، موضوع قد يشغل الكثير منا، ويجب أن يكون، فضيلة الشيخ الأبناء لا شك هم هبة الله عز وجل، يسعد القلب بهم، وتستريح النفس بحديثهم، لكن القلب ينفطر حزناً وكمداً حينما نرى كثيراً منا قد أضاع أولاده في هذا البلد، فاليوم بإذن الله تعالى إذا منّ الله عز وجل علينا بالاستفادة، كيف نربي أبناءنا بإذن الله تعالى؟

 

مشكلة تربية الأولاد المشكلة الأولى في المهجر :

الدكتور راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 الحقيقة كما تفضلتم في هذا التقديم، الموضوع خطير جداً، وأكاد أقول: إنه أخطر موضوع متعلق بالجالية الإسلامية في الغرب والشرق، لماذا؟.
 كنت أقول: لو بلغت أعلى منصب في الأرض، ثم حققت أعلى درجة علمية في الأرض، ثم جمعت أكبر ثروة في الأرض، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس، لأن هناك ارتباطاً عضوياً ومصيرياً بين الأب وابنه.


أضرب لك مثلاً: تمشي في الطريق ترى ثلاثة شباب يدخنون، الأول لا تعرفه والثاني ابن أخيك لا سمح الله ولا قدر، والثالث ابنك، موقفك تجاه ابنك كالمرجل تغلي، أقل غلياناً تجاه ابن أخيك، أما الثالث فلا تهتم لأمره، هذا المثل على دقته يؤكد أن هناك تواصل وتلاحم عضوي بين الأب وابنه.
 لذلك إذا بلغت أعلى منصب في الأرض، وجمعت أعلى ثروة، وارتقيت أعلى درجة علمية، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس، من هنا الدعاء القرآني الدقيق:

﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾

[ سورة الفرقان الآية: 74]

 أنت لا تصدق مشاعر الفرح والسعادة التي تنتاب الأب حينما يرى ابنه صالحاً، إنسان متوازن يعمل بجد، له سمعة طيبة، أخلاقه عالية، منضبط، بار.
 فلذلك المشكلة الأولى في المهاجر، الأولى ولا أبالغ مشكلة تربية الأولاد، لأنه حقق بيتاً جميلاً، حقق دخلاً جيداً، حقق رفاهاً من أعلى مستوى، حقق مجتمعاً، حقوق الإنسان مضمونة فيه، إلى آخره، أما حينما يرى ابنه بخلاف ما يتمنى فيكون أشقى الناس.
 فلذلك هذا الموضوع الذي اخترته أنا وإياك معاً هذا الموضوع أخطر موضوع يمس الجالية.
المذيع:
 فضيلتك إذا استطعنا بإذن الله تعالى أن نستقي ما نتمناه لأبنائنا، أعتقد ليست الأمة أن يصبح الابن طبيباً أو قاضياً؟

الابن أمانة في عنق والده عليه أن يهتم بدينه أولاً :

الدكتور راتب:
 هذه مشكلة، الأب أحياناً يتمنى أن ينجح ابنه في التحصيل الدراسي فقط، ولا يعنى بصلاته، ولا بدينه، أما حينما لا يعنى بدينه وصلاته فلن يكون باراً بأبيه، متى يكون الابن باراً؟ حينما يكون الابن قد درج في بيئة إسلامية، وعرف قيمة طاعة الأب، وقيمة بر الوالدين، فأولاً إن لم تهتم بدين لن يكون باراً بك، والقصص التي تؤكد عقوق الأولاد الذين تفلتوا من منهج الله لا تعد ولا تحصى.


أنا أذكر شخصاً ببلادنا ترك ثروة فلكية، أربعة آلاف مليون، بعد يومين من وفاة والده رآه صديق والده في الطريق، قال له: إلى أين أنت ذاهب؟ كلمة قاسية جداً، قال له: أنا ذاهب حتى أسكر على روح أبي.
 فالإنسان إذا لم يربِّ ابنه يكون قد ضيع الثروة كلها، أنا أقول: الموضوع خطير جداً، إن لم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس، لكن لا تتصور التربية تتم بخمس دقائق، التربية تتم بعمر مديد، أنت حينما تزوجت يجب أن تعلم علم اليقين أن هذا الابن أمانة في عنقك.
 إن بعض العلماء يقول: إن أول واجبات الأب تجاه أبنائه أن يحسن اختيار أمهم، فالأم المؤمنة الطاهر، العفيفة، الأصيلة، هذه تعينه.
 امرأة اشتكت إلى النبي الكريم وقد سمع شكواها الله جل جلاله:" إن زوجي تزوجني وأنا شابة، وذات أهل ومال وجمال، فلما كبرت سني، ونثر بطني، وتفرق أهلي، وذهب مالي، قال لي: أنتِ عليّ كظهر أمي، ولي منه أولاد، إن تركتهم إليه ضاعوا، إن ضممتم إلي جاعوا"، أنا أربيهم، وهو ينفق عليهم، إذاً هناك دوران متكاملان بين الأب والأم، الأب يكسب الرزق، وينفق على أولاده، والأم تربي، والحقيقة يمكن أن أقول لك: هناك مؤسسات ثلاثة لتربية الأولاد، أول مؤسسة: الأسرة، وثانيها: المدرسة، وثالثها: الإعلام، فأي مجتمع المدرسة غير منضبطة، والإعلام غير منضبط، والمجتمع غير منضبط، فهناك أجيال تلو أجيال تكون عبئاً على الأمة، وليست في خدمتها، أكاد قول: ما من أمة قوية إلا اهتمت بتربية أبنائها.
المذيع:
 إذاً فضيلة الشيخ، إذا كانت هذه أركان التربية البيت، ثم المدرسة، ثم الإعلام، نحن مبتلون، بلونا أنفسنا مثلاً، بأن ليس هناك مدرسة تربي، ولا إعلاماً يربي، هل نجعل البيت يقوم بهذه المراحل الثلاثة؟.

القدوة الحسنة أحد أكبر الوسائل الفعالة لتربية الأولاد :

الدكتور راتب:
 هو ليس على وجه الأرض جهة مهما عظمت يمكن أن تكون مسؤولة عن ابنك إلا أنت.
المذيع:
 أي البيت يقوم بدور المدرسة ثم يقوم بدور الإعلام.
الدكتور راتب:


الأصل هو البيت، فالبيت عندما يكون منضبطاً، عفواً هناك شيء بديهي، يكفي أن يكون الأب صادقاً، فقد علم ابنه الصدق، الأم عفيفة فقد علمت ابنتها العفة، فلا يوجد وسيلة من وسائل التربية تعلو على القدوة، القدوة الحسنة أحد أكبر الوسائل الفعالة لتربية الأولاد، القدوة، أنا أقول دائماً: القدوة قبل الدعوة، والإحسان قبل البيان، افتح قلبك لابنك بإحسانك، ليفتح لك عقله لبيانك، لا يوجد شيء بالبيت يفوق أن يكون الأب صادقاً، أما أم تقول لزوجها حينما عاد إلى البيت: لم أذهب إلى أي مكان، وقد ذهبت مع ابنتها إلى الجارة، وكذبت على زوجها أمام ابنتها، كأنها لقنتها الكذب.
 لذلك النبي الكريم رأى امرأة قالت لابنها: تعال هاك، فقال لها النبي : ماذا أردت أن تعطيه؟ قالت: تمرة، قال: أما أنك لو لم تفعلي لعدت عليك كذبة.
 دائماً الطفل عندما يتعلم الكذب من أهله انتهى، الأب دون أن يشعر ما دام مستقيماً فهو أكبر مربٍّ، قبل المحاضرات، والتوجيهات، والنصح، والمتابعة، قبل كل هذا الأب المستقيم أكبر مربٍّ، والأم العفيفة أكبر مربية.
المذيع:
 لأن عين الطفل تعمل قبل أذنه.
الدكتور راتب:
 فالمشكلة الآن فاقد الشيء لا يعطيه، لا يوجد انضباط بالبيت، ولا صدق، ولا عفة أحياناً، هناك تفلت، لا يوجد اهتمام بالمبادئ الأخلاقية، فلذلك الطفل ينشأ بأسرة متفلتة، شيء طبيعي جداً أن يتفلت مع تفلت أبيه وأمه:

إذا كان رب البيت بالطبل ضارب   فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
***

المذيع:
 فضيلة الشيخ: التفرقة كما قلنا أن يكون ابني ناجحاً علمياً مثلاً، لأنه هنا كثير من الناس يشكون العقوق، يقول: أنا ما حرمته من شيء، كنت أخذه إلى أفضل المدارس، كنت آتيه بأفضل المدرسين، حتى أني كنت أعلمه الموسيقى، ويتحدث على الجانب المادي، ويغفل تماماً أنه لم يعلمه الدين، يقول: الآن يضعني في بيت المسنين وما إلى ذلك.

 

ما من حاجة عند المتقدمين في السن تفوق أن يعيشوا مع أولادهم :

الدكتور راتب:


 بالمناسبة ما من حاجة عند المتقدمين في السن تفوق أن يعيشوا مع أولادهم، بالعالم الغربي اعتداد أن يرسل الأب الكبير إلى مأوى العجزة، وهذه أكبر إهانة له، عندنا بالشرق ميزة ليس بعدها ميزة، أن الأب مهما تقدمت به السن عند ابنه، لذلك يقول لك: أنا عندي خمسة أولاد، عندما يكبر أنا عند ابني، فلا يوجد إكرام للأب يفوق أن يكون مع أولاده، لذلك في مأوى عجزة بفرنسا عملوا استبياناً، النتيجة أنهم التقوا مع مئة متقدم في السن، بين تسعين إلى مئة أمنيته الأولى أن يموت فقط، هذه الأمنية تواترت عند المئة، لا يريد غير الموت، فقد أولاده، عندنا في الشرق الأوسط تجد أن الأب مهما كبر يبقى عند ابنه، الأب يرى أحفاده، بنات ابنه، أولاد ابنه، لعبوا أمامه، قربوا إليه قبّلهم، انتعش فيهم، أي أكبر سعادة تسعد الرجل الكبير في السن أحفاده.
 مرة كنت عند عالم من علماء الشام، قال لي: عندي ثمانية و ثلاثون حفيداً معظمهم أطباء، ومهندسون، وحفاظ كتاب الله، هو عالم بالقرآن الكريم، خرجت من عنده قلت: سبحان الله! هذا النظام الإسلامي العظيم، أن رجلاً تزوج من امرأة، فأنجب منها ذكوراً وإناثاً، الذكور جلبوا له الكنائن الطاهرات، والإناث جلبوا له الأصهار، هذا الصنف الثاني هو وزوجته الطبقة الأولى، الطبقة الثانية أولاده وبناته، الطبقة الثالثة أحفاده، هذا الهرم الرائع الأخلاقي أساسه علاقة جنسية، العلاقة الجنسية إما أن تكون سبباً لأكبر عطاء إلهي، أو أن تكون سبباً للشقاء، وفي أي بيت دعارة هناك علاقة جنسية.
 لذلك الشهوة حينما نكون مع الله تتحرك وفق قناة نظيفة، لذلك أنا أقول: ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، أي بشكل أو بآخر بالإسلام لا يوجد فيه حرمان، كل شيء له بديل، بديل رائع جداً.

 

الأبوة والبنوة من أعظم الآيات الدالة على عظمة الله :

قال لي أحدهم مرة: كان لي جاهلية قبل أن أتزوج، أكلم صاحبات، ولي انحرافات، والله أقول لك و الألم يعتصر قلبي: إن نصف ساعة مع زوجة بقدر مئة ساعة مع إنسانة لا تحل لك، هنا يوجد طمأنينة، لأن الله قال:


﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

[سورة الروم الآية:22]

 الكون، السموات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون، والكون مسير أي آلاف من مئات المجرات هي ثمرات الأرض،

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً ﴾

[سورة الروم الآية:21]

 الكون كله بكفه والنظام الزوجي والأبوة بكفة ثانية، لذلك قال تعالى:

﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾

[سورة البلد الآية:1]

 بعضهم قال: الأرض بما فيها من خيرات.

﴿ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ﴾

[سورة البلد]

 فكما أن الكون من أعظم الآيات الدالة على عظمته، الكون من أعظم آياته، الأبوة والبنوة من أعظم الآيات الدالة على عظمته.

التربية تعود بالدرجة الأولى إلى المربي :

أنت ممكن أن تقرأ عن الذات الإلهية كلامات كثيرة، تقرأ أسماءه الحسنى، صفاته الفضلى، لكن كي تعلم كيف أن الله يفرح بسعادتك، يفرح بتوبتك، كالأب تماماً


قد يكون الأب غنياً لا يحتاج لابنه إطلاقاً، غني وعالم كبير، حينما يأتيه ابنه الصالح المؤمن يدخل للأب سعادة لا توصف، من أن ابنه رجل صالح، هذه يسمونه قرة العين، لا يعلمها إلا من ذاقها، يكون لك ابن صالح مؤمن، عفيف طاهر، متفوق بالعلم، مستقيم، يجلب لك الخير دائماً.
 فلذلك قضية التربية تعود بالدرجة الأولى إلى المربي، نفع تربية الأولاد يعود أولاً إلى الأب والأم، أسعد أب وأم في الأرض من لهم أولاد صالحون.
المذيع:
 الإنسان الفطن دائماً يفعل دراسة جدوى لكل شيء في حياته، فإذا مثلاً فعلنا دراسة جدوى لوجود زوجين هنا في هذا البلد، فالأفضل منهم أن يبنوا مجداً مالياً أو اقتصادياً وما إلى ذلك أم أنهم يتقللون ثم يفوزون بتربية أبنائهم؟

من حصّل الدنيا و خسر أولاده لم يُحصّل شيئاً :

الدكتور راتب:
 والله من خبرتي المتواضعة أن الأب إذا حصل الدنيا ثم خسر أولاده ما ربح شيئاً.
 مرة لي قريب اشتغل بالصناعة والتجارة، وصل لمرتبة عالية جداً، صار معه أموال مخيفة، هو زوج قريبتي، فقبل موته بأيام نظر إلى أولاده رآهم متفلتين، لم يربهم فقال لزوجنه: يا فلانة انشغلنا بالفحم وتركنا الذهب، أكبر غبن حينما يكتشف الإنسان أنه لم يربِّ أولاده، أولاده فسقه فجار، شيء مخيف جداً، وهذه المشكلة الأولى في الجاهلية، أنا لست متشائماً أبداً، لكن إذا رتبنا المشكلات التي يعاني منها أخواننا الكرام في بلاد الغرب والشرق معاً لرأينا أن المشكلة الأولى مشكلة الأولاد، إنسان جاء لهذه البلاد بالأربعين أو بالثلاثين، معه زوجته، في الأعم الأغلب لن يزنوا، أي هذه زوجته وهؤلاء أولاده، في الأعم الأغلب عنده نوع من الانضباط مقبول، يصلي، يصوم، يحج لبيت الله الحرام، و يعمل عملاً مقبولاً شرعاً، لا يوجد عنده مشكلة، المشكلة الأولى يكتشف أنه خسر أولاده.
 أنا زرت أخاً بأستراليا، دعاني للغداء، مسكين بكى، قلت له: خير إن شاء الله؟ قال لي: أنا عندي ولد، أقول له: يا بابا هذه حرام؟ يقول لي: لماذا حرام؟ هذه عيب، لماذا عيب؟ هذه لا تجوز، لماذا؟ بعد فترة لحقه أخوه.
المذيع:
 لكن هذه المشكلة فضيلة الدكتور أنا كنت سأختار هذه الخطوة الثانية، كثير منا يعتبر أن كلمة why أي لماذا هذه عيب، لكن الأطفال أعتقد أنهم يحتاجون شيئاً من طول البال حتى تجيبه مرة واثنين وثلاث، ثم بعد ذلك يعتاد ألا يسأل.

من أراد إنفاذ أمر فليتدبر عاقبته :

الدكتور راتب:
 هو ما قصد ذلك المعنى، قصد لا يعبأ ابنه لا بالعيب ولا بالحرام، ولا بكل شيء محرم، هو ما قصده، هذه مشكلة كبيرة جداً، فإخواننا الذين تركوا بلادهم، و جاؤوا إلى هنا سيجدون طبيعة جميلة، سيجدون حريات لم تتوافر في بلادهم، سيجدون كسباً كبيراً أحياناً، سيجدون بالمقياس المادي مجتمعاً راقياً بالمقياس المادي، لكن يفاجئ أنه خسر أولاده.


فلذلك أقول لك كلمة دقيقة: العلوم كانت أكثرها علوم وصفية، انتقلت إلى الرياضيات، صارت علوماً كمية، أوضح مثل: يقول: هناك ضجيج، هذا وصف، مثلاً بيت جانب مطار لا يحتمل، هناك ضجيج، الضجيج كم؟ لا يعرف، لكن الآن هناك مقياس للضجيج هبوط الطائرة مئة و خمسة و عشرون ديسبل، فالعلم تطور من وصف إلى كم.
 الآن لو فرضنا أنا اخترعت وحدة تربية، مثل الديسبل، إذا كان ابنك ببلاد المسلمين يحتاج إلى ألف وحدة تربية حتى يصير إنساناً صالحاً، هنا بحاجة إلى مليون، تضاعف عشرة أضعاف لأن الصوراف كثيرة.
المذيع:
 وهنا لابد أن توفر له هذه المليون.
الدكتور راتب:
 الصوارف كثيرة، والعقبات كثيرة، والبلاد متقدمة من دون دين، هذه كلها شبهات خطيرة جداً، والإنسان إذا خسر دينه خسر آخرته، خسر وجوده، قال: إذا أردت إنفاذ أمر فتدبر عاقبته.
المذيع:
 وقد عرفنا في المقدمة عاقبته.

في البلاد المتقدمة الصوارف كثيرة والعقبات كثيرة :

الدكتور راتب:
 الإنسان إن لم يستطع أن يربي أولاده عليه أن يعود إلى مكان يستطيع أن يربي أولاده، مع أنك بأي بلد ممكن أن تربي أولادك، لكن هنا يوجد صعوبات كبيرة جداً، هنا بقدر الصوارف والعقبات، والنظام العام.
 مرة سئلت بجامع النابلسي عن حكم الإقامة ببلاد بعيدة؟ أمامي براد للماء، قلت له: إذا الإنسان بهذا الجامع توجه إلى هذا البراد وشرب كأس ماء ماذا فعل؟ قال: ما فعل شيئاً، الوضع طبيعي جداً، قلت له: والله معلوماتي المتواضعة ببعض البلاد الزنا كذلك، كأنه ما فعل شيئاً، طبيعي جداً، حتى البنت العذراء لها مشكلة، كأنها بنت غير حضارية.
 مرة رئيس وزراء بلدة في شمال إندونيسيا، صار فيها زلزال، يقول رئيس الوزراء: أنا أفتخر أنه لا يوجد عندنا فتاة عذراء.
المذيع:
 إذاً فضيلة الشيخ إذا كانت الخطوة الأولى كما ذكرنا هو اختيار الأم سواء حدثت أو لا سمح الله لم تحدث، فما هي الخطوة الثانية التي تكون من ضمن هذه المليون وحدة؟.

من أراد أن يكون ابنه مؤمناً فعليه أن يبذل جهداً كبيراً :

الدكتور راتب:
 سيدي، أنا أضرب مثلاً: من أجل أن تكتب جانب اسمك حرف د. أي دكتور، معك ابتدائي، إعدادي، وثانوي، ولسانس، أو بكالوريوس، ودبلوم عام، ودبلوم خاص، وماجستير، ودكتوراه، كم شهادة من أجل دال؟.
 إذا أردت أن يكون ابنك مؤمناً والإيمان مرتبة علمية، مرتبة أخلاقية، مرتبة جمالية، فالمراتب الثلاثة تكون بلا جهد؟ من نام واستيقظ معه بكالوريا؟ لا أحد، من دون جهد، من دون اهتمام، لا يوجه ابنه، ولا يبحث عن ذهابه، وإيابه، وأصدقائه، ومستواه الأخلاقي، كيف يؤدي أوقات فراغه، الأب مشغول بحاجاته، وشهواته، وعلاقاته، وابنه تاركه، في ساعات تأتي يندم أشد الندم.
المذيع:
 فضيلة الشيخ، متى تبدأ تربية الأولاد؟.

التربية تبدأ منذ الولادة :

الدكتور راتب:


 والله هذه الموضوع أنا درسته في الجامعة، هذا الشيء الذي لا يصدق من حين الولادة سألت كيف من حين الولادة؟ قال: هذا الطفل بكى، أطعمناه، ثم بكى نظفناه، ثم بكى يجب أن نتركه، وإلا اعتاد أن البكاء وسيلة للتحبب، تبدأ التربية منذ الولادة، في موضوع الطعام والشراب والبكاء، أكثر شيء، وكل سن له توجيهات معينة، والآن بكتب تربية الأولاد صار هناك تربية ما قبل المدرسة، ما بعد المدرسة، تربية المراهقة، كل هذه المراحل لها وسائل تربية معينة، هناك مرحلة يسمونها التقليد فقط، و هناك مرحلة الملاحظة، ومرحلة العقاب، ومرحلة المكافأة.
المذيع:
 نحن والحمد لله تكلمنا الآن عن ثلاث خطوات، اختيار الزوجة إذا لم تتزوج بعد، وثانياً تربية النفس، و أن يحاول الإنسان أن يكون قدوة أمام ابنه.

 

أسباب نجاح تربية الأولاد :

الدكتور راتب:

 أكبر سبب لنجاح التربية أن تحسن اختيار أمه، الأم الصالحة، المؤمنة، العالمة، هذه أكبر هدية تقدم للابن، هناك أمهات سيئات، هن عن جهل يقدمن لأولادهن القدوة السيئة، تكذب على زوجها أمام ابنها، لا تهتم إلا بالمظاهر، إذاً: أول واجب تجاه الأبناء أن تحسن اختيار الأم، بعد ذلك تربية النفس حتى تكون قدوة.
 ثانياً: القدوة، أن تكون أنت قدوة، أنا أقول: أكبر مربٍّ في البيت ما تكلم ولا كلمة فقط كان صادقاً، ابنه ما رآه يكذب على أمه أحياناًً، لو فرضاً رآك ابنك بالعمل تبيع بضاعة ليست مستوردة، صنع وطنية باسم أجنبي، وقلت: هي مستورة، الابن رأى أن الأب يكذب على الزبائن، هذه القضية معقدة جداً، الموضوع ليس بسيطاً، فأنت ابنك معك رآك ما كذبت، ما أكلت مالاً حراماً، ما نظرت إلى النساء نظرات شهوانية مثلاً، هناك عفة، و غض بصر، و صدق، و أمانة، لو أنت ما تكلمت ولا كلمة أنت كنت قدوة لابنك، وهذه القدوة أكبر وسيلة فعالة لأن القيم بلا قدوة لا قيمة لها.
المذيع:
 فضيلتك قلت: منذ الولادة تبدأ التربية، هل هذا يحتاج إلى وعي معين مثلاً؟.

 

حاجة التربية إلى الوعي :

الدكتور راتب:


 والله أنا أتمنى، هو بلغني أنه كان ببعض البلاد الإسلامية ولتكن ماليزيا حالات طلاق كثيفة جداً، فأعتقد القيادة هناك السياسية أنشأت مدارساً لا يمكن أن يعقد عقد قران إلا إذا نجح الزوجان في هذه الدورات، الدورة ستة أشهر يدخل معهداً ستة أشهر لمعرفة حقوق الزوجة للأزواج، حقوق الزوج للنساء، التربية، ترتيب البيت، أمور كلها متعلقة بالزواج، وانخفضت النسبة للعشر بعدما أنشؤوا معهداً للأزواج لن ينعقد عقد قران إلا إذا تخطى الزوجان هذه الدورات، فنسب الطلاق انخفضت للعشر.
 ما القصد من هذا الترتيب؟ أنت إنسان عندك صفات، والأعمق من الصفات السمات، إنسان يحب الهدوء، يحب قبل أن ينام أن يطالع، يحب أن يكون أخلاقياً، يحب الأماكن الجميلة مثلاً، بالإنسان تقريباً ألف سمة، فعندما تتزوج واحدة، بينك وبين زوجتك تسعمئة مشترك يكون هذا الزواج أنجح زواج بالأرض، كلما كانت نقاط اللقاء كثيرة يكون هناك ود كثير، هذا قانون، أنت تجلس مع إنسان عشر ساعات لا تمل، يكون اتجاهك مثل اتجاهه، مبادئك كمبادئه، طموحك كطموحاته، ما دام هناك تشابهاً في سمات الإنسانين إذا هناك ود بالغ، أنت مؤمن تختار مؤمنة، الصلاة مقدسة عندها، وأنت عندك مقدسة، الصدق عندها مقدس وعندك مقدس، فما دام هناك قواسم مشتركة تجمع بين الزوجين يكون هناك تفاهماً كبيراً جداً.
المذيع:
 فضيلتك نفتح الاتصالات، لكن معذرة من الأعزاء المستمعين إذا أمكن بإذن الله أن يكون الاتصال في الموضوع أكون شاكراً حتى لا نخرج عن موضوع الحلقة، وللشيخ لقاءات كثيرة إن شاء الله تعالى، إذاً من له سؤال في هذا الموضوع جزاه الله خيراً فليتقدم به.
 فضيلة الشيخ، فضيلتك ذكرت نقطة وهي المكافأة والعقاب، للأسف الشديد نواجه هذا في بيوتنا أن الأطفال لا ينقصهم شيء، إذا أردت أن تكافئه، لا يوجد شيء ناقص إلا أن تقول له: سأعطيك البيت، كل شيء عنده، كيف نكافئه؟.

 

المكافأة والعقاب :

 الدكتور راتب:

 أنا عندي في الشام ثانوية، هناك طريقة استخدمناها كان نجاحها مذهلاً، هناك بطاقة إلكترونية على صدر الطالب، عندنا إيجابيات نحن في المدرسة وسلبيات، كل إيجابية يأخذ عشر نقاط، مثلاً سُئل عن وظيفته هل كتبها بشكل جيد؟ أخذ عشرة، وهناك جهاز مع المدرس إلكتروني على بطاقته كبس عشرة، هذا الطالب رأى أنه عندما أدى واجبه أخذ عشر نقاط، وإذا تأخر راح خمس، تكلم مع صديقه أثناء إلقاء الدرس راح خمس، فكل مخالفة لها حسم، وكل عمل إيجابي له نقاط إضافة، فهذا الرقم يعني سلوك الطالب، انضباطه، سلوكه، إيجابياته، سلبياته، آخر العام يجمع رقماً مثلاً ثلاثة آلاف، يأخذ دراجة، يأخذ كومبيوتر، يأخذ أشياء ثمينة جداً، يحب الألبسة، معه نقاط؟ معه ثلاثة آلاف نقطة، هناك معرض يحب أن يأخذ بدلات، يحب أن يأخذ دراجة، يحب أن يأخذ كومبيوتر، فصار كل شيء يعمله محسوباً، هذه نقطة.
 فنحن أول يوم بالأسبوع نجعل هذا الأسبوع من أجل بر الآباء، يسأل الطالب سؤالاً و هو داخل: هل قمت بعمل لبر والديك؟ نعم أو لا، فنحن نكتشف أن ثلاثاً و ثلاثين بالمئة من الأولاد بارون بآبائهم، والبقية مقصرين، نعمل أسبوعاً على بر الآباء، هذا سؤال لا يوجد فيه مسؤولية، سؤال لك في مدخل المدرسة هل فعلت كذا أو لم تفعل؟ عندك نعم، أو لا، فأنا صار عندي دراسة لستمئة طالب، أن ثلثهم لهم أعمال طيبة مع آبائهم وأمهاتهم، معنى هذا أنا يجب أن أعمل توجيهاً كاملاً هذا الأسبوع عن بر الوالدين.
 هل صليت الفجر في وقته مثلاً؟ سؤال ثان، أيضاً يأتي الجواب بالمئة عشرين، صلى الفجر في وقته؟ أعمل توجيهاً ثانياً، هذا الأسلوب أسلوب البطاقة هذا أغناك عن أي عقاب، عن أي مشكلة، عن استدعاء الأولياء، عرف الطالب أن كل شيء محاسب عليه، وكل شيء له إيجابيات.
المذيع:
 إذا طبقنا هذا النظام في بيوتنا ألا يبعث على الشحناء بين الأبناء؟ إذا كان مثلاً أحد الأبناء أفضل من أخيه؟.

 

التنافس الشريف لا يبعث على الشحناء :

الدكتور راتب:


 هذا تنافس شريف، والثاني متاح له نفس الشيء، يجب أن يكون الشيء متاحاً للجهتين لماذا أخوك أخذ علامات أعلى؟ لأنه انضبط أكثر، أنت اسبقه بهذه العملية، تعمل تنافساً إيجابياً، كل شيء فطري يعمل سلبيات، إذا كان أحد الأبناء ليس جميل الصورة و الثاني جميل، والأب يعتني بالابن الأول و يهمل الثاني هذه بحق الثاني جريمة، إذاً إذا كان هناك معاملة حسنة، وعدل شبه تام بين الأولاد، لكن هذا تفوق و هذا لم يتفوق، يجب أن يكافأ المحسن، ويعاقب المسيء.
المذيع:
 نأخذ اتصالاً؟ السلام عليكم.
السائل:
 وعليكم السلام، الحمد لله على السلامة شيخنا، شيخنا أريد أن أسألك: أنا عندي أولاد، وأحسنت تربيتهم، هنا يوجد مدارس إسلامية، وكل شيء جيد، إذا رجعت إلى تحت أيضاً هناك فساد تحت، وهنا يوجد فساد، لا أعرف نحن لحقنا وجئنا إلى هنا، فالآن ما الحل شيخنا؟.

 

تربية الابن تربية عالية تضمن سلامته من الانحراف :

الدكتور راتب:
 أنت مقياسك معك، أنت تضمن، أنا كنت بأمريكا بمؤتمر إسلامي بفرانسيسكو، فقام عالم كبير إسلامي مشهور جداً قال: إن لم تضمن أن يكون ابن ابن ابنك مسلماً لا يجوز أن تبقى في هذه البلاد، ولحكمة بالغة بعد سنة تقريباً هؤلاء الأطباء في ديترويت عقدوا مؤتمراً طبياً في دمشق، و أحدهم زوج ابنته في دمشق، ودعاني إلى حفل عقد القران، ألقيت هذه الكلمة نقلاً عن هذا العالم الكبير في ديترويت، فتقدم مني طبيب ودمعته على خده والله، قال لي: ابن ابن ابني؟! قلت له: نعم، هكذا النص، قال لي: أنا ابني غير مسلم، إن لم تضمن أن يكون ابن ابن ابنك - ثلاثة أجيال - مسلماً لا يجوز أن تبقى في هذه البلاد.
 السائل: شيخنا كيف أضمن هذا؟ الآن ابني وابنتي ضمنتهم، كيف أضمن ابن ابن ابني هذه مشكلة؟.
الدكتور راتب:
 أنت ربيت ابنك تربية عالية، أغلب الظن سيختار زوجة مؤمنة، وإذا كان ابنك مؤمناً وزوجته مؤمنة أغلب الظن أولادهم سيكونون مؤمنين، هذه عملية آلية تتم.
المذيع:
 جزاك الله خيراً يا أخي، لكن فضيلة الشيخ الأخ يبدو أنه يسأل أنك لا تضمن هذا في بلادنا، نحن لا نضمن أن يكون ابن ابن ابني مسلماً؟
الدكتور راتب:
 هو الآن الفساد عمّ، لكن أنا أقول لك كلمة: ضبط الأولاد في بلاد إسلامية أسهل من ضبطهم في بلاد أخرى.
المذيع:
 وإن بقوا أيضاً في البلاد الإسلامية قد لا نُسأل على أننا ما عرضناهم للفتن إنما هنا قد نُسأل لأننا أتينا بهم؟
الدكتور راتب:
 طبعاً.
المذيع:
 نأخذ اتصالاً آخر.

إهمال الأولاد يدخل النار :

الدكتور راتب:
 أنا أقول: يا ربي أدخل أبي النار كما أهملني، أب أنجب بنتاً وأهملها فتفلتت وانحرفت، ويوم القيامة رأت نفسها إلى جهنم، تقول: يا رب انتقم من أبي، لولا أنه أهملني ما كنت هكذا.
المذيع:
 نأخذ هذا الاتصال، السلام عليكم.
السائل:
 السلام عليكم، أريد أن أوجه تحية لفضيلة الدكتور ولحضرتك، أنا أريد أن أسأل عن غير الموضوع الذي نتكلم به، إن تسمحوا لي، أريد أن أسأل فضيلة الشيخ كونه جاء من سوريا نحن صراحة واقعون بالحيرة بين الإعلام هل صحيح الذي يحصل بسوريا أم هو مجرد فبركة إعلامية؟
 والسؤال الثاني لفضيلة الدكتور حالياً هناك معركة دائرة بين فرعون وبين موسى وبين بني إسرائيل، فقط أنا أريد من فضيلة الدكتور إذا ممكن أن يبين لنا من هو فرعون؟ ومن هو موسى؟ ومن هم بنو إسرائيل؟
المذيع:
 إن شاء الله جزاك الله خيراً، فضيلة الشيخ قبل أن نأخذ هذا الاتصال، قلت: إن البنت أو الابن قد يسأل الله عز وجل أدخل أبي النار، هل إهمال الأولاد يدخل النار؟
الدكتور راتب:
 النص الدقيق: يا رب لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي، لأنه سبب شقائي.
المذيع:
 أنا أريد الكثير منا يعرف الإجابة لكن الإنسان أحياناً يريد أن يسمع ما يعرف، هل إهمال الأولاد يدخل النار؟.

أعظم كسب على الإطلاق أن تربي ابنك :

الدكتور راتب:
 طبعاً لأن هذا عمل كبير جداً، الآخر أنت له وغيرك له، أما ابنك فمن له غيرك؟ إذا ما تلقى الابن من أبيه توجيهات صحيحة، وما كان أبوه قدوة، وما علمه أحكام دينه، وما علمه مستقبله، وآخرته، وما رباه على الحشمة، والصدق، من يربيه؟ لذلك النبي قال:

((أفضل كسب الرجل ولده ))

[أخرجه الطبراني عن أبي بردة بن نيار]

 أي أعظم كسب على الإطلاق أن تربي ابنك.

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾

[ سورة الطور الآية: 21]

 معنى ذلك أن كل عمل الابن مهما يكن عظيماً في صحيفة الأب.

﴿ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ﴾

[ سورة آل عمران الآية: 36]

 جاء منها أنثى، لكن هذه سوف تنجب سيدنا عيسى، لذلك كل أعمال النبي العظيم في صحيفة أمه العذراء.
المذيع:
 السلام عليكم.
السائلة:
 السلام عليكم، أهلاً أستاذنا، جزاك الله خيراً، والله أدعو لأولادي بعد قيام الليل والصبح، أدعو لك جزاك الله على كل كلمة أتحفتنا فيها، و نور بصرك وبصيرتك يا سيدي، إذا الأم هي ربت أولادها تربية دينية، والحمد لله تزوجوا، لكن هي ما اختارت الذين تزوجوهم، كل واحد اختار التي أعجبته، إلا أنها هي ركزت على أن أولادها الحمد لله يصلون، وأولادهم بمدارس إسلامية، وأولادهم يقرؤون القرآن، الحمد لله من هم صغار سبع سنين كله يصوم، وكله يعرف الحرام والحلال، ما قصرت في تربية أولادها، حتى نشأتهم مسلمين ممتازين، كان عندنا حرب بلبنان وأنا كنت مضطرة وأبوهم ذهب، وأنا وأخوتي أحضرتهم، والإنسان مفروض أن يختار الأم قبل الطفل، لكن ما حصل هم اختاروا، لكن الأم دائماً تعمل كل خير، والحمد لله هم يمشون بكل خير إن شاء الله، ونسأل الله حتى أولاد أولادهم أن يكونوا مسلمين مثلما تفضلت، و هناك إنسانة أصلحت نفسها، وبقيت متدينة، وممتازة، وعارفة، لكن الأم والأب لم يعملوا لها شيئاً، ولم يفهمها شيئاً عن الدين، قلت لها: واقرئي لهم الفاتحة ويكفي، فجزاك الله عنا كل خير، هل في جزاء لهذه الأم؟ وتقول: أنا ربيتهم لوجه الله وعلمتهم، وأستغفر رب ليتوب علي.

على الإنسان أن يؤدي الذي عليه و يسأل الله الذي له :

الدكتور راتب:
 الإنسان يربي أولاده بمعنى أنه أدى الذي عليه وليسأل الله الذي له.
المذيع:
 الإنسان في النهاية إنما عليك الجهد، نسأل الله عز وجل أن يتقبل.
المذيع:
 كنت أسأل فضيلة الشيخ أن هناك ثواب في تربية الأبناء؟.
الدكتور راتب:
 كل أعمال الأبناء في صحيفة الأب والأم، أي ثواب هذا؟ إذا أنت عندك ابن ربح مئة مليار لك مثلهم.
المذيع:
 الذي جاءه ثمانية و ثلاثون حفيداً يحفظون القرآن في صحيفته؟

أكبر تجارة مع الله تربية الأولاد :

الدكتور راتب:
 ليس القرآن فقط، أعمالهم جميعاً في صحيفتك، والدليل:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

  ألحقنا بهم أعمال ذريتهم،

﴿ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾

 أكبر تجارة مع الله تربية الأولاد، هي أكبر تجارة، كل أعمال ابنك البطولية بصحيفتك.
المذيع:
 والله إنه لغبن من يضيع هذه الفرصة.
 السلام عليكم، الوقت يداهمنا إلا إذا فضيلتك تريد شيئاً؟ السلام عليكم.
السائلة:
 وعليكم السلام، أول مرة أسمع من الدكتور أن تربية الأولاد تبدأ عند الولادة ، أنا لي بنت والكل يقولون لي: غلط التربية هكذا، أنا أغار عليها كثيراً.
المذيع:
 إن شاء الله سنجيب بإذن الله تعالى، الأخت تسأل فضيلتك أنه متى تبدأ التربية؟ قلنا لها: من بداية الولادة?

عادات الأولاد وقيمهم ومبادئهم تتشكل من اليوم الأول إلى السنة السابعة من عمرهم :

الدكتور راتب:
 أقول لك كلمة دقيقة: أنا التقيت مع أكبر عالم نفس في الشام، يقول: كل عادات الأولاد، وتقاليدهم، وقيمهم، ومبادئهم، وحسناتهم، وسيئاتهم تتشكل من اليوم الأول لعمر سبع سنوات فقط، وقلنا: البقية العوض بسلامتك، عاداته، تقاليده، مبادئه، قيمه، كونه صادقاً، كاذباً، يصلي، لا يصلي، هذا كله يتشكل بأول سبع سنوات.
المذيع:
 هذه الأخت يبدو أنها تستخدم طريقة، تقول: إنها تلام على أنها تستخدم معهم الشدة من سن صغيرة، لكن فضيلتك قصدت أن التربية تبدأ أنك تربي الطفل لكن لا تشتد عليه.

الابتعاد عن الشدة أثناء تربية الأولاد :

الدكتور راتب:

 لأن الشدة لها آثار سيئة جداً، كان عليه الصلاة والسلام ودوداً مع الصغار، كان يركب أحفاده على ظهره، هو كان مثلاً أعلى، كان يخطب رأى ابن ابنته الحسن يمشي، نزل من على المنبر وهو يخطب حمله وتابع الخطبة، درس لنا، كان يلعب مع الصغار، كان يتسابق معهم، لأن الطفل يريد إنساناً يتقرب منه:

 

(( من كان له صبي فليتصابَ له ))

[ من الجامع الصغير عن أبي معاوية ]

 ينزل لمستواه، لاعب ولدك سبعاً، وأدبه سبعاً، وراقبه سبعاً، من اليوم الأول للسابعة من عمره ملاعبة، ومودة، ومحبة، وتقبيل، وعناق، من سبعة إلى أربعة عشر تأديب، هذه حرام، هذه حلال، من بعد الرابعة عشر صار صديقك، لاعب ولدك سبعاً، وأدبه سبعاً، وراقبه سبعاً.
المذيع:
 نأخذ هذا الاتصال: السلام عليكم.
السائلة:
 السلام عليكم، أريد أن أقول لك: أنا أؤيد حضرتك والذي تقوله مئة بالمئة، ما عندي أي سؤال، أنا عندي أولاد، ومقولتك أنا متأكدة أن كل إنسان سمعك يؤيدك بها، سبحان الله يبقى هناك تخوفاً لأننا نعيش بهذه البلد، ولنا فترة، جئنا، وقعدنا، وأنجبنا أطفالاً نربيهم، سبحان الله أن الإنسان فوراً يقرر ويرجع إلى بلده هذا عمل صعب، بارك الله فيك، الذي تقوله الله سبحانه وتعالى سيجزيك عنه، سمعت خطبتك يوم الجمعة، سمعت دروسك، أكثر شيء أنت شددت عليه التربية، وفعلاً نحن هنا في هذه البلد أكثر مشكلة نعانيها هي مشكلة الأولاد، وأريد أن أقول لفضيلة الشيخ بارك الله فيك وجزاك عنا كل خير، والسلام عليكم.
المذيع:
 يبدو أن هذا فضيلة الشيخ شعور عام، كثير من الناس والله يرسلون التحية ويدعون لك، ونسأل الله عز وجل أن يجعل خطاك إلى الجنة، نحن معنا خمس دقائق معذرة كثير من الاتصالات.
السائل:
 السلام عليكم، أريد أن أسألك عن حكم الكعب العالي للنساء، وما هو رأيك بالحجاب الشرعي؟ ما رأيك بالحجاب الذي نراه الآن حالياً على المحجبات والنقاب ومن يستهتر به؟
 سؤال آخر: عن أكل النساء في المطاعم، يتناولون الطعام في المطاعم، وما رأيك في المسلسلات والأفلام والرسوم المتحركة؟

مستويات الطاعة متفاوتة و هي مقبولة حسب الظروف :

الدكتور راتب:


 أنا سأعطيك لمحة لطيفة: مسيلمة الكذاب قبض على صحابيين، فسألهما: أتشهدا أني رسول الله؟ فقال الأول: ما سمعت شيئاً، فقطع رأسه، وقال الثاني: أشهد أنك رسول الله، الآن استمع إلى تعليق النبي، قال عليه الصلاة والسلام: أما الأول فقد أعز دين الله فأعزه الله، قال: وأما الثاني فقبل رخصة الله، فهذا الحديث يفهم منه أن هناك أعمال لها حد أعلى، وحد أدنى، الأدنى مقبول والأعلى بطل.
 فالأعلى مقبول، الأعلى بطل، والأدنى مقبول، فيجوز أن امرأة سترت وجهها بطولة، بقيت عينيها أقل درجة، وهكذا، عندنا مستويات في الطاعة أحياناً فهذه حالة موجودة بالإسلام، فبحسب السؤال، المنقبة أتمنى عليها ألا تأخذ على من سمحت أن يظهر وجهها، والتي سمحت أن يظهر وجهها ينبغي ألا تأخذ على المنقبة، أي مستوى أعلى من مستوى لكن كلاهما عند الله مقبول بحسب الظروف، لكن إذا كان لك وجه فاتن جداً ينتقل الحكم إلى النقاب.
المذيع:
 نسأل الله عز وجل أن يجزيك خيراً، الاتصالات كثيرة وبقي في الموضوع نقطتين نتكلم عنهم، فضيلتك قد توقفنا عند المكافأة وأن الأب يجعل لأبنائه حتى مكافأة معنوية إذا ما صلى الصبح اليوم؟

 

الغيرة عند الأطفال حالة مقبولة وضعها الله فيهم :

الدكتور راتب:
 بدل أن يضرب الذي لم يصلِّ أن يكافئ المصلي، انظر ما أدق العبارة، بدل أن تعاقب من لم يصلِّ كافئ من صلى، فالثاني يغار عنده حالة اسمها الغيرة، هذه مقبولة، أودعها الله بالأطفال.


المذيع:
 وأن يذكر بالصلاة بشكل متكرر في البيت، من صلى؟ من لم يصلِّ؟ بعد الصلاة، قبل الصلاة.
الدكتور راتب:
 الأدق من ذلك حينما يصلي الأب والأم الصلوات الخمسة في البيت بشكل متقن هذا أكبر درس للأولاد، نصلي سوية، أنا أعرف أسرة يستيقظون قبل الفجر بساعة، ذكر، قرآن، أذن الفجر يصلون، يعملون وظائفهم، الساعة الثامنة يمشون إلى المدارس، فإذا كان البيت كله إسلامياً الوضع جيد جداً.
المذيع:
 إذاً فضيلة الشيخ هذا بالنسبة للأب في البيت فكيف وكأننا نمشي على حد الموس مثلاً إذا جاء الولد بأفكار من المدرسة، وتريد أنت أن تهدمهما أمامه، هل الأفضل أن تبني عليها أم أن تقول له مثلاً لا هذا غير مقبول؟

 

النقاش الموضوعي العلمي أفضل وسيلة للحوار مع الأولاد :

الدكتور راتب:
 يجب أن تعلمه النقاش الموضوعي العلمي، قل له: أنت لا تقبل شيئاً من دون دليل، ولا ترفض شيئاً من دون دليل، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء، يكون هناك حواراً علمياً في البيت، هذه الفكر غير صحيحة، ليس لها دليل من منهج الله عز وجل، خالق الأكوان أنزل القرآن، هذه تعليمات الصانع ، مثل آلة غالية جداً معها تعليمات، فهذا القرآن هو تعليمات الصانع، فإذا كان الخبير منعنا من هذا الشيء، هذا الشيء يؤذينا، لذلك لا يمكن أن تطيعه وتخسر، ولا يمكن أن تعصيه وتربح، هذا النقاش علمي، الأب عندما يملك علماً عميقاً يعطي لكل عبادة وكل أمر تعليلاً، الله عز وجل هذا الإله العظيم قال:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ ﴾

[سورة التوبة الآية:103]

 أعطاك التعليل، فالإله أعطى التعليل، فمن باب أولى الأب يعطي التعليل، فأنت عندما تأمر الابن أن يكون صادقاً، يا بني الصدق منجاة، يرفع شأنك، يريحك، يصنع لك شخصية قوية، يجب أن تعطي لكل أمر ولكل نهي تعليل، إيجابي وسلبي، الآن لا يوجد أوامر قسرية، صار عندنا توجيهات معللة.
المذيع:
 يكون الأب مثلاً ملماً بكل هذه الشبهات؟.
الدكتور راتب:
 طبعاً الأب يجب أن يكون له حد أدنى من العلم، وإلا يجب ألا يتزوج، يجب أن يكون عنده حد أدنى من العلم ليربي أولاده.
المذيع:
 سبحان الله، الموضوع فعلاً شاق.
الدكتور راتب:
 الموضوع خطير جداً بمسك الأسرة، وبمسك الأسرة بالمهجر بعشرة أضعاف.
المذيع:
 أنت قلت مليون، أضعاف الوحدات التي نحتاجها في البيت.
الدكتور راتب:
 والله إذا الأب أهمل أولاده، واكتشف بعد فوات الأوان أنه خسرهم، ضاعوا، تركوا الدين، انحرفوا، أكلوا مالاً حراماً، انغمسوا بالشهوات، أقسم لك بالله تأتيه آلام لو صبت على جبل لدكته.

خاتمة و توديع :

المذيع:
 أسأل الله عز وجل أن يحفظ أولادنا، وأن يجزي شخنا خير الجزاء، والله في هذا اللقاء الطيب المبارك أرجو ألا نكون قد أثقلنا عليك.
الدكتور راتب:
 لا، لا أبداً، جعلنا الله في خدمة بعضنا دائماً.
المذيع:
 بارك الله بك، شكراً جزيلاً، أعزائي المستمعين إلى أن نلتقي في اللقاء القادم بإذن الله تعالى، لكم منا أطيب المنى.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور