- محاضرات خارجية / ٠08رحلات - أستراليا
- /
- ٠3رحلة أستراليا - 3
الخطبة الاولى:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
الإنسان هو المخلوق الأول في الكون :
أيها الأخوة الكرام، من عرف نفسه عرف ربه، فمن أنت أيها الإنسان؟ هل تصدق بأنك المخلوق الأول في الكون، لقوله تعالى:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾
ولأن هذا الإنسان قَبِل حمل الأمانة كان المخلوق الأول، لذلك:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
تسخير تعريف وتسخير تكريم، أما تسخير التعريف والتكريم فلأن النبي عليه الصلاة والسلام نظر على الهلال فقال:
(( هِلالٌ خَيْرٍ وَرُشْدٍ ))
هلال خير ننتفع به، وهلال رشد يرشدنا إلى الله عز وجل، إذاً ما من شيء في الأرض:
﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾
إلا له وظيفتان وظيفة نفعية ننتفع به، وظيفة إرشادية يرشدنا هذا الشيء إلى الله عز وجل، فلذلك أنت إذا لعقت لعقة عسل واحدة تنتفع بهذا الشراب النفيس، وهذا الشراب يدلك على الله عز وجل، وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد.
من عرف الله كان فوق الملائكة :
أيها الأخوة الكرام، أنت المخلوق الأول فإذا عرفت الله كنت فوق الملائكة:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾
وإذا غفل الإنسان عن رسالته، وغفل عن مهمته، وانغمس في شهواته، وغفل عن ربه، كان أسوأ المخلوقات قاطبةً:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴾
بين أن تكون خير البرية وبين أن يكون هذا الذي شرد عن الله عز وجل شر البرية.
الإنسان هو المخلوق المكرم :
أيها الأخوة الكرام، سؤال آخر: الإنسان هو المخلوق الأول، والإنسان هو المخلوق المكرم:
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾
الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، غذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب، وغذاء الجسم الطعام والشراب، ما لم تلب حاجات القلب، والعقل، والجسم معاً يكون التطرف، فإن لبيت حاجات القلب، والعقل، والجسم كان التفوق، وفرق كبير بين التفوق وبين التطرف، الإنسان عقل يدرك، غذاؤه العلم، أي العلم هو الحاجة العليا في الإنسان، في الإنسان حاجات دنيا يحتاج إلى الطعام والشراب، يحتاج إلى زوجة، يحتاج إلى مكانة، يحتاج ويحتاج إلى حاجات دنيا، أما الحاجة العليا أن تبحث عن الحقيقة، هذا الذي لا يبحث عن الحقيقة ولا يسأل لماذا أنا في الدنيا؟ من خلقني؟ هل لهذا الخالق العظيم تشريع يضمن لي سلامتي وسعادتي؟ هذا الذي انغمس في شهواته، وأعماله، وغفل عن ربه، هذا الإنسان ابتعد بعد الأرض عن السماء عن الغاية التي خلق من أجلها.
البشر فريقان لا ثالث لهما :
أيها الأخوة الكرام، البشر على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، لا يزيدون عن نموذجين لا ثالث لهما، الآن على وجه الأرض بإحصاء سبعة مليارات إنسان هؤلاء لا يزيدون عن نموذجين، النموذج الأول: عرف الله فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسعد في الدنيا والآخرة، النموذج الآخر غفل عن الله، وتفلت من منهجه، وأساء إلى خلقه، فشقي وهلك في الدنيا والآخرة، ولن تجد نموذجاً ثالثاً، والدليل الله عز وجل على ما في الأرض من تصنيفات للبشر؛ المتفوقون، المتخلفون، الأقوياء، الضعفاء، المستغِلون، المستغَلون، العرق الآري، الإنغلو سكسوني، العرق السامي، على كل هذه التقسيمات القرآن الكريم قسم عباده إلى قسمين، قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
أول نموذج: صدق بالحسنى، والحسنى هي الجنة، أي أنه صدق أنه مخلوق للجنة، وبناء على هذا التصديق جعل كل حركته في العمل الصالح، أعطى واتقى أن يعصي الله، وصدق بالحسنى، هذا أول نموذج، وأما النموذج الآخر:
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى*وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
كذب بالآخرة ولم يؤمن إلا بالدنيا، واستغنى عن طاعة الله، وعصى الله عز وجل، هذان النموذجان لا ثالث لهما على وجه الأرض:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
أيها الأخوة، فالبطولة أن نكون إن شاء الله من النموذج الأول، الذين عرفوا الله، واستقاموا على أمره، وتقربوا إليه، فسلموا وسعدوا في الدنيا والآخرة.
تقسيمات أهل الأرض مرفوضة عند الله و لم يعتمدها القرآن الكريم :
أيها الأخوة الكرام، شيء آخر كل التقسيمات، تقسيمات أهل الأرض مرفوضة عند الله، لم يعتمدها القرآن الكريم، القرآن ماذا اعتمد؟
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
أبو جهل عم النبي عليه الصلاة والسلام:
﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾
أما بلال الحبشي فكان الصحابة الكرام إذا ذكروا الصديق قالوا: "هو سيدنا وأعتق سيدنا أي بلالاً"، سيدنا الصديق ذهب ليشتري سيدنا بلالاً، ووضع يده تحت إبط بلال وقال: "هذا أخي حقاً".
أي تفرقة بناءً على اللون، أو على العرق، أو على الطبقة، أو على المال، أو على الوسامة، أو على الحسب، أو على النسب، تفرقة جاهلية:
((سلمان منا أهل البيت))
(( نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه))
أيها الأخوة الكرام، ما لم يكن تصنيف الإنسان تصنيفاً موضوعياً وليس انتمائياً لا نرقى، ولا ننتصر على أعدائنا، يجب أن يكون تصنيف البشر تصنيفاً موضوعياً بحسب العمل والعطاء لا تصنيفاً انتمائياً، لذلك اسأل نفسك هذا السؤال ماذا قدمت للأئمة؟ حينما يقف الإنسان أمام ربه يوم القيامة ماذا قدمت للمسلمين؟ هل قدمت لهم حرفة متقنةً بإخلاص شديد و بأسعار معتدلة؟ هل قدمت لهم علماً؟ هل كنت أباً صالحاً؟ هل كنت أماً صالحةً؟ هل كنت أخاً رؤوفاً؟ ماذا قدمت؟ اسأل نفسك هذا السؤال، الإنسان حينما يوضع في قبره في أول ليلة قيل: إنها أصعب ليلة، يقال له: عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت.
العاقل من يعيش المستقبل :
أيها الأخوة، المشكلة الأولى أن معظم الناس يعيشون لحظتهم، أو ماضيهم، كنت، فعلت، سافرت، دفعت، قبضت، اشتريت، في الماضي، أو أنا الآن بيتي أملكه، عندي أربعة أولاد، وقلّما يفكر الإنسان في المستقبل، ماذا في المستقبل؟ أخطر حدث في المستقبل مغادرة الدنيا، من بيت إلى قبر، من بيت فيه عدة غرف للضيوف، للطعام، للجلوس، للنوم، ثم إلى قبر صغير، ماذا في القبر؟ من هو الذكي؟ الذي يعيش المستقبل.
أيها الأخوة الكرام، كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت.
والليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلابد من نزول القبر
***
عبادة الله عز وجل علة وجود الإنسان على سطح الأرض :
الآن ما علة وجودي؟ إنسان أرسل ابنه إلى بلد أوربي لينال الدكتوراه، نقول: هذا الطالب في باريس علة وجوده في المدينة شيء واحد - باريس فيها مقاصف، ومتنزهات، ودور سينما، ومسارح، وحدائق، وجامعات، وبيوت سكنية، ومعامل إلى آخره- علة وجوده في هذه المدينة شيء واحد نيل الدكتوراه من السوربون، وهل تصدق أنك أيها الإنسان وأنت في الدنيا علة وجودك شيء واحد أن تعبد الله، إلا أن معظم المسلمين إذا قرؤوا كلمة عبادة يتوهمون أن تصلي فقط، أن تصلي، وأن تصوم، وأن تؤدي الزكاة، وأن تحج البيت، هذه عبادات شعائرية، بينما العبادات التعاملية تزيد عن مئة ألف بند، كسب مالك، إنفاق مالك، علاقتك بجيرانك، كيف تختار زوجتك، كيف تربي أولادك، كيف تعالج المريض، كيف تعامل جارك، مئة ألف بند، هذه العبادة التعاملية، فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام بيّن أن الإنسان إذا تعرف على الله ينبغي أن يكون أميناً، وصادقاً، ومحسناً، وحليماً، وصبوراً، هذه الأخلاق الرفيعة هي العبادة التعاملية، والعبادات الشعائرية لا تقبل بل لا تصح إن لم تصح العبادة التعاملية لذلك: "تَرْكُ دانق من حرام -والدانق سدس الدرهم - خير من عبادة سنة".
فالبطولة أن تكون حركتي في الحياة وفق منهج الله، كسب مالي، إنفاق مالي، علاقتي بالنساء، علاقتي بالمحارم، علاقتي بزوجي، علاقتي بمن رباني، هذه العلاقات يجب أن تنضبط وفق منهج الله، فلذلك من السذاجة أن تنظر أن الإسلام صوم وصلاة وحج وزكاة، الإسلام منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وهو أخص خصوصيات الإنسان وينتهي بالعلاقات الدولية.
الله عز وجل أراد أن تكون علاقة عبادة به علاقة حب لا إكراه :
إذاً:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
من أدق تعريفات العبادة أنها طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
هي طاعة ليست قسرية، هذا الإله العظيم ما أراد أن تكون علاقتنا به علاقة إكراه، قال تعالى:
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
أراد أن تكون علاقة عباده به علاقة حب:
﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾
هي طاعة طوعية، بمبادرة فردية، بمحبة قلبية، طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، عندنا سبب وعندنا تعريف وعندنا ثمرة، السبب التفكر في خلق السموات و الأرض كي نعرف الله معرفة يقينية، والسلوك الانصياع لأمر الله،والنتيجة أنت أسعد إنسان.
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنــا فإنا منحنا بالرضا مـــن أحبنــا
ولذ بحمانا واحتمِ بجنـــابنـا لنحميك مما فيه أشرار خلقنــــا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغــل وأخلص لنا تلقى المسرة و الهنــا
* * *
وسلِّم إلينا الأمر في كلِّ ما يكن فما القرب والإبعاد إلا بأمرنــــا
* * *
فـلو شاهدت عيناك من حسنن ا الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب و جئتنــا
ولو ذقت مـن طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة لمــــت غريباً واشتياقاً لقربنـا
ولو لاح من أنوارنـا لـك لائحٌ تركــــت جميع الكائنات لأجلنا
فما حبنا سهل وكل من ادعـى سهولته قلنا له قـــــد جهلتنا
***
أيها الأخ الكريم، أيليق بك أن تحب غير الله؟ الواحد الأحد، الفرد الصمد، خالق السموات والأرض، كن فيكون، أهذا الإله العظيم ألا يخطب وده؟ ألا ترجى جنته؟ ألا تخشى ناره؟
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطـعته إن المحب لـمن يحب يطيع
* * *
الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق :
أيها الأخوة الكرام، بقي موضوع لطيف أن المؤمن من أولى خصائصه أنه يحمل رسالة، وأنت في استراليا أيها المسلم، لأنك مسلم فقط ينبغي أن تحمل رسالة، الذي لا يحمل رسالة ليس من المؤمنين، من علامة إيمانك ينبغي أن تحمل رسالة، ينبغي أن تؤديها، قد تؤديها بلسانك، وقد تؤديها بعملك، وقد تؤديها بصدقك، وقد تؤديها بإتقان عملك، وقد تؤديها إذا كنت زوجاً صالحاً، أو أباً رحيماً، قد تؤدي هذه الرسالة بوسائل لا تعد ولا تحصى، لذلك قيل: الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، يمكن من البيت أن تصل إلى الجنة من تربية أولادك، و ما دمت قد تكلمت عن تربية الأولاد ما من موضوع يمس الأخوة الذين سكنوا هذه البلاد، وسكنوا غيرها من البلاد إلا أن موضوع تربية الأولاد هو الأول، الإنسان إذا رأى ابنه على غير ما يتمنى لا يسعد، كنت في أمريكا بعهد كلينتون، قلت لهم: لو بلغت منصباً ككلينتون، وثروة كأوناسيس، وعلماً كأينشتاين، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس.
تربية الأولاد أخطر موضوع في حياة كل إنسان :
أحد أكبر أسباب شقاء الأب أن يرى ابنه على غير ما ينبغي، متفلت، لا يهتم لا لدين، ولا لمروءة، ولا لورع، ولا لاستقامة، أكبر ثمن يدفعه من ابتعد عن بلاد المسلمين الأولاد، فلذلك أتمنى من أعماق أعماقي أن تكون تربية الأولاد عندكم المحل الأول قبل كل شيء، ما من عمل يفوق أن يكون ابنك كما تريد، يعرف أمته، يعرف دينه، يخاف من الله، يؤدي فرائضه، يدع الحرام، يأخذ الحلال، هذا ابنك امتدادك، لذلك الأب أحياناً يشقى بشقاء ابنه، الشيء الأساسي في بلاد المهجر تربية الأولاد، وهذه التربية تحتاج إلى تعاون، هذا الابن حينما يفيق على طاعة الله، على صلاة الفجر في البيت، على أب مستقيم يغض بصره عن محارم الله، العلاقة مع الأم علاقة راقية، يكون في البيت الصدق، والحلم، والأمانة، هذا يتخلق بهذه الأخلاق، أكاد أقول:
الموضوع الأول الأول في هذا اللقاء الطيب تربية الأولاد في هذه البلاد، لأن الصوارف والعقبات لا تعد ولا تحصى، بتعبير بآخر إذا كان للتربية وحدات الآن العلوم بدأت تنتقل من الوضع الوصفي إلى الوضع الرياضي، قديماً نقول: هناك ضجيج، هذا وضع وصفي، الآن نقول: الضجيج مئة وثلاثون ديسيبل، صار للضجيج وحدات قياس، إذا كان عندنا وحدات قياس للتربية، إذا كنت قبل مئة عام تحتاج إلى خمسين وحدة قياس للتربية، الآن تحتاج إلى مليون وحدة للتربية في مجتمع متفلت، كل شيء مباح، هذا التفلت شيء خطير جداً.
شيء آخر حينما يخطئ الابن، هناك نوع من الأخطاء لا عودة منها انتهى، و هناك نوع من الأخطاء تتركها، وحينما يشقى الابن يشقى أبوه، أخطر شيء عن أخوتنا أفراد الجالية الإسلامية في بلاد الغرب والشرق أنتم من الشرق البعيد، أخطر شيء شقاء الأولاد إذا شقي الابن في مجتمع متفلت، الدين ليس له قيمة إطلاقاً، افعل ما تشتهي، كل شيء مباح، مثل هذا الابن أحد أسباب شقاء أمه وأبيه، إذا أردت أن تسعد ينبغي أن تسعد أولادك.
أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وصلوا ما بينكم وبين ربكم تسعدوا، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
***
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم.
التفكر في خلق السموات والأرض هو العبادة الأولى :
أيها الأخوة الكرام، في القرآن الكريم آيات تشريعية، وآيات تكوينية، وآيات قصصية إلى آخره، لكن الذي يلفت النظر أن في القرآن الكريم ألفاً وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون، آية الأمر تقتضي أن نأتمر، آية النهي تقتضي أن ننتهي، وقصص الأنبياء السابقين ينبغي أن نتعظ، وكل صنف من الآيات لها موقف منا، فما موقفنا من ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون؟
﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ﴾
﴿ وَالْفَجْرِ * ولَيَالٍ عَشْرٍ ﴾
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
هذه الآيات الكونية التي تتحدث عن الكون والإنسان ما موقفنا منها؟ الموقف الدقيق في آية كريمة وهي قوله تعالى:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
إذاً موقفنا من ألف وثلاثمئة آية التفكر، والتفكر في خلق السموات والأرض هو العبادة الأولى، لأن التفكر في خلق السموات والأرض أقصر طريق إلى الله، وأوسع باب ندخل منه على الله، لأن هذا التفكر يضعنا وجهاً لوجه أمام عظمة الله.
من خلق الأكوان أنزل القرآن :
أيها الأخوة الكرام، حينما صعد رائد الفضاء إلى القمر، وتجاوز طبقة الهواء التي تبلغ خمسة وستين ألف كيلو متر، صاح بأعلى صوته: لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً، لماذا؟ لأن ظاهرة انتثار الضوء انتهت بعد طبقة الهواء، عندما تسلط أشعة الشمس على ذرات الهواء هذه الذرات تعكسها إلى ذرات أخرى، هذه الظاهرة اسمها في الفيزياء التناثر، لذلك لما تجاوز طبقة الهواء صاح بأعلى صوته: لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً، هذا الشيء ظهر مع إرسال أول مركبة فضاء إلى القمر أبولو، نفتح القرآن الكريم الذي نزل قبل ألف وأربعمئة عام قال تعالى:
﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾
مثل هذه الآيات - هناك ألف وثلاثمئة آية - أدلة قاطعة تؤكد أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن الكريم:
﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾
من ازداد إيمانه ازدادت استقامته :
أيها الأخوة الكرام، التفكر في خلق السموات والأرض أقصر طريق إلى الله، وأوسع باب ندخل منه على الله، والتفكر في خلق السموات والأرض في موضوعات اختارها الله لنا، ألف وثلاثمئة آية في القرآن تشير إلى خلقه في السموات والأرض، وخلق الإنسان، فلذلك جزء من عبادتك هو التفكر، في بعض الأحاديث لا عبادة كالتفكر، تفكر ساعة خير صيام شهرين.
أيها الأخوة، عود نفسك أن تتفكر، هذا الماء الذي تشربه، هذا الطفل الذي أمامك، كان نقطة ماء قبل تسعة أشهر، رأس، وشعر، وعينان، وأنف، وأذنان، وفم، وجهاز هضم، وجهاز تنفس، وعضلات، وأحشاء، من خلقه؟
﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ *أَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ ﴾
الآيات بين أيدينا، فلذلك كلما ازداد إيمانك ازدادت استقامتك، لأنك إذا آمنت بالله عن تفكر وعن يقين مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه، معرفة الله أحد أسباب الطاعة، لذلك أنت حينما تتفكر تعلم علم اليقين ماذا ينتظر العبد إذا عصى ربه، وماذا ينتظره من خير إذا أطاعه، فلذلك أيها الأخوة:
﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾
من هنا الإمام علي رضي الله عنه يقول: "في القرآن آيات لما تفسر بعد". كلما تقدم العلم فسرها وهذا من إعجاز القرآن الكريم.
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اللهم صن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك، ونبتلى بحمد من أعطى، وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء.
اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، واصرف عنا شر الأعمال لا يصرفها عنا إلا أنت.