وضع داكن
19-04-2024
Logo
الترغيب والترهيب - الدرس : 042 - كتاب النوافل - الترغيب في قيام الليل - 3 الغافلين و القانتين و المقنطرين
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد   الأمين.

أساس حياة المؤمن العطاء والإنفاق وأساس الحياة الدنيا الأخذ:

 قال رسول صلى الله عليه وسلم:

 

(( لا حَسَدَ إلا في اثنَتَيْنِ رجلٌ آتاهُ اللَّه القرآنَ فهو يَتْلُوهُ آناءَ اللَّيلِ وآناء النَّهارِ ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ))

 

[ رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود ]

  أيها الأخوة، ربنا جل جلاله يقول في قرآنه الكريم في أول آية من سورة المؤمنون:

 

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾

 

[ سورة المؤمنون ]

  وفي أول آية من سورة البقرة:

 

﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾

 

[ سورة البقرة ]

  أي أحد أخص خصوصيات المتقي أنه أنفق مما رزقه الله، لأن سرّ وجوده في الأرض هو الإنفاق، بالإنفاق يرقى، فالذي آتاه الله مالاً يرقى بإنفاق ماله، والذي آتاه الله علماً يرقى بإنفاق علمه، ويقاس على هذين الشيئين ـ العلم والمال ـ كل شيء، فأساس حياة المؤمن العطاء والإنفاق، وأساس الحياة الدنيا الأخذ، انظر ما الذي يسعدك أن تعطي أم أن تأخذ؟ إذا كان يسعدك العطاء فأنت من أهل الآخرة، وإن كان يسعدك الأخذ فأنت من أهل الدنيا.

 

لكل إنسان ميزة عليه أن يستخدمها في التقرب من الله عز وجل:

 

 

 ربنا عز وجل يقول: ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾، وهذه من أوسع الآيات، قد يؤتي الإنسان جاهاً، ومكانة، بهذه المكانة وهذا الجاه بإمكانه أن ينصر المظلوم، وقد ورد أن هناك عبادة مقيدة، وأن هناك عبادة مطلقة، الفرق بين العبادة المقيدة والعبادة المطلقة أن الله سبحانه وتعالى إذا أعطى الإنسان قوة، لو أنه بذل وقتاً طويلاً في الأذكار، والدعوات، وفي الصلوات، وتلاوة القرآن، ولم ينصر المظلوم، لم يحقق الهدف مما أعطاه الله، الذي آتاه الله القوة لو سهر طول الليل في إنصاف المظلوم، وفي إدارة شؤون العباد، هذه عبادته، والذي آتاه الله المال الوفير جيد جداً أن يقرأ القرآن، وأن يذكر الله عز وجل، وهذا من العبادات، ولكن هذا الذي آتاه الله المال عبادته الأولى أن ينفق مما أعطاه الله، والذي آتاه الله العلم عبادته الأولى أن يعطي من علمه كل كائن.
 ففي لكل إنسان ميزة، أو خاصة، عبادته استخدام هذا العطاء، أو هذا الحظ في الدنيا، والتقرب إلى الله عز وجل، هذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( لا حَسَدَ إلا في اثنَتَيْنِ: رجلٌ آتاهُ اللَّه القرآنَ فهو يَتْلُوهُ آناءَ اللَّيلِ وآناء النَّهارِ ))

 آناء أي أطراف، أي يتلو القرآن، ويتعلم القرآن، ويعلم القرآن، وقد ورد عن رسول الله في الحديث الصحيح:

 

(( خيرُكمْ من تعلّمَ القُرآنَ وعَلَّمَهُ ))

 

[أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي عن عثمان بن عفان ]

  جعل النبي عليه الصلاة والسلام الخيرية المطلقة في تعلم القرآن وتعليمه، كتاب الهداية الأول.

من أتيح له أن يتعلم القرآن و يُعلمه فهذا من الجهاد الكبير:

  شيء آخر حينما قال الله عز وجل:

 

﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾

 

[ سورة الفرقان ]

  الهاء تعود على القرآن الكريم، و ورد في القرآن الكريم أن هذا الجهاد جهاد كبير، لأن القتال من أجل أن تستطيع أن تنشر الحق إن أتيح لك أن تنشر الحق، وهذا أكبر أنواع الجهاد، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن:

 

(( ذروة سنام الإسلام الجهاد ))

 

[أخرجه الطبراني عن أبي أمامة الباهلي ]

 أتيح لك أن تتعلم القرآن وأن تعلمه، وأن تلقي معانيه في قلوب الآخرين، وتدلهم على تطبيق أحكامه، فهذا من الجهاد الكبير.

 

الحسد و الغبطة

  النبي عليه الصلاة والسلام هنا في هذا الحديث ذكر:

 

 

(( لا حَسَدَ ))

  والعلماء شارحو الحديث شرحوا الحسد على الغبطة، أي الإنسان يغبط أخاه الإنسان فيما آتاه من خير الآخرة، أما إذا حسد في أمور الدنيا يسمى الحسد حسداً على أصله، والحقيقة الحسد نوع من عدم المعرفة بالله عز وجل، فالذي أعطاه يعطيك، والذي أكرمه يكرمك، وقد ورد أن الإنسان إذا حسد بمعنى أنه تمنى الخير أن ينصرف عن أخيه وأن يأتي إليه، هذا أصل الحسد، أن يزول عن أخيه وأن يتحول إليه، هذا نوع، النوع الأخطر أن تتمنى أن ينصرف عن أخيك دون أن يصل إليك، هذا نوع أسوأ، أما النوع الإجرامي أن تتحرك، أن تعمل وشاية، أن تعمل شكوى، من أجل أن تفقد أخاك ما آتاه الله عز وجل، فبين أن تتمنى تحول النعمة إليك وتنصرف عن أخيك، وبين أن تتمنى أن تنصرف عن أخيك دون أن تصل إليك، وبين أن تعمل على أن تصرف هذه النعمة عن أخيك.
 إلا أن الحسد هنا في هذا الحديث هو الغبطة، والإنسان مطالب أن يغبط أخوانه المؤمنين بما آتاهم الله من فضله.

 

 

أصل الحسد الغيرة والغيرة صفة من صفات الإنسان:

 

 هناك شيء آخر في هذا الحديث: أصل الحسد الغيرة، والغيرة صفة من صفات الإنسان، هي حيادية، بمعنى أنه يمكن أن توظف في الخير، وأن توظف في الشر، فالإنسان حينما يحسد في أمور الدنيا يوظفها في الشر، أما حينما يستخدم الحسد بمعناه المطلق في أمور الآخرة ينقلب إلى غبطة، والغبطة محمودة والحسد مذموم، إلا أن النبي هنا استخدم كلمة الحسد هذا أسلوب في البلاغة، كأن يقول المتكلم: فلان كريم جواد إلا أنه صادق؟ كأنه أشعرك هذا تأكيد المدح بما يشبه الذم، كريم صادق إلا أنه شجاع؟ أكد المديح بما يشبه الذم، وهنا:

(( لا حَسَدَ ))

  كأنك ظننت هذا يحسد، أما هنا هي الغبطة.

 

(( لا حَسَدَ إلا في اثنَتَيْنِ: رجلٌ آتاهُ اللَّه القرآنَ فهو يَتْلُوهُ آناءَ اللَّيلِ والنَّهارِ ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ))

 

[ رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود ]

  ومن الحكم أن العدل حسن لكن في الأمراء أحسن، الذي جعله الله أميراً أحسن ما يقدمه للناس العدل، والورع حسن لكن في العلماء أحسن، والتوبة حسن لكن في الشباب أحسن، والحياء حسن لكن في النساء أحسن، والصبر حسن لكن في الفقراء أحسن، والسخاء حسن لكن في الأغنياء أحسن.

الغافلين و القانتين و المقنطرين:

  حديث آخر:

 

(( مَنْ قام بعشرِ آيات لم يُكْتَبْ مِن الغافلين، ومَنْ قام بمائةِ آية، كُتِبَ مِن القانتين، ومَن قامَ بألفِ آية كُتِبَ مِن المقَنْطِرين ))

 

[ رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]

  المقنطرين الذين لهم أجر بالقناطير، فالإنسان إذا قرأ عشر آيات لم يكتب من الغافلين، وإذا قام بمئة آية كتب من القانتين، الطائعين، المنقطعين لله عز وجل، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور