- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠1الترغيب والترهيب المنذري
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين
الترغيب في الأذان:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( لو يعلمُ الناسُ ما في النِّداءِ والصفِّ الأول ثم لم يَجِدُوا إلا أن يَسْتَهِموا عليه لاسْتَهَمُوا ولو يعلمون ما في التَّهْجِيرِ لاسْتَبَقُوا إليه ولو يعلمون ما في العَتَمة والصبح لأتوهما ولو حَبْوا ))
(( يَسْتَهِموا عليه ))
أي اقترعوا، والتهجير؛ التذكير إلى الصلاة، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( لو يعلمُ الناسُ ما في النِّداءِ ))
أي أن تقول: الله أكبر، الله أكبر، المؤذن له أجر كبير، لكن هذا حينما كان الإسلام متألقاً، أما حينما فرغت بعض العبادات من مضمونها، زهد الناس في الأذان.
سمعت في بعض البلاد في أفريقيا أن الأذان شرف عظيم لا يناله إلا علية القوم، هناك وظيفة مرموقة جداً هي أن تكون مؤذناً في مسجد، بل إن كبار الشخصيات في بعض البلاد هم الذين ينالون شرف الأذان، ليس وظيفة يتقاضى صاحبها مالاً، المؤذن يدعو الناس إلى الله عز وجل، وبعضهم قال:
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾
رالمؤذن هو الذي يدعو إلى الله، يدعو الناس إلى الصلاة.
(( لو يعلمُ الناسُ ما في النِّداءِ والصفِّ الأول ثم لم يَجِدُوا إلا أن يَسْتَهِموا عليه لاسْتَهَمُوا ))
إذا صار هناك منازعة فالحل الوحيد أن يقترعوا على الصف الأول، أن يقترعوا على الأذان.
(( ولو يعلمون ما في التَّهْجِيرِ لاسْتَبَقُوا إليه ))
مسابقة إلى المسجد.
(( ولو يعلمون ما في العَتَمة والصبح لأتوهما ولو حَبْوا ))
يبدو صلاة الفجر، وصلاة العشاء، كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح ))
هذا الحديث من أصول الأحاديث، صلى الفجر في جماعة، والعشاء في جماعة، فمن فعل هذا، صلى هاتين الصلاتين فهو في ضامنة الله يوماً بأكمله وليلة.
الإنصات إلى الأذان وترديد ما يقوله المؤذن:
حديث آخر:
(( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلَ ما يقول المؤذِّنُ ))
المفروض حسب السنة أنه إذا أذن المؤذن أن نستمع إليه، كنا في جلسة، كنا في لقاء، كنا في حفل، كنا في عقد قران، أذن المؤذن ننصت جميعاً إليه، ننصت أولاً، ثم نقول مثل ما يقول المؤذن، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، إلا إذا قال: حيّ على الصلاة، نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وحيّ على الفلاح، لا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
(( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلُّوا عليَّ فإنّه من صلّى عليَّ صلاةً صلى الله عليه عشراً ثم سلوا الله لي الوسيلة وإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة))
أما قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( إذا سمعتُم المؤذِّنَ فقولوا مثلَ ما يقول ثم صلوا عليَّ فإنه مَنْ صلَّى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرا ))
الموضوع هنا أن النبي عليه الصلاة والسلام أشد الخلق اتصالاً بالله على الإطلاق، فالله يصلي عليه بالرحمة، ونحن إن صلينا عليه اقتبسنا من هذه الرحمة، هذا معنى قول الله عز وجل:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾
بالهدى شيء غير المعلومات، أحياناً هناك بيان، هناك شرح، هناك توضيح، هناك ذكر، وهناك شيء آخر عند الأنبياء، غير المعلومات، النبي له أحاديث، له سنة قولية نقرأها، نفهمها، ندرسها، نبحث فيها، نحللها، إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام عنده شيء آخر، إن كنت في مجلسه شعرت بسعادة لا توصف، شعرت بطمأنينة، شعرت كأنك والجنة كهاتين.
ريا رسول الله نكون معك ونحن والجنة كهاتين، وإذا عافسنا الأهل ننسى، قال: يا أخي نحن معاشر الأنبياء تنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا، أما أنتم فساعة وساعة، لو بقيتم على الحالة التي أنتم فيها عندي لصافحتكم الملائكة، ولزارتكم في بيوتكم.
من عاش سنة النبي وأخلاقه فهذا نوع من الصلاة على رسول الله:
إن أُتيح لإنسان أن يستمع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، سيجد شيئاً آخر غير القول، غير البيان، غير المعلومات، غير السنة القولية، سيشعر بسعادة لا توصف، هذا مع النبي عليه الصلاة والسلام، مع الولي:
(( أولياء أمتي إذا رؤوا ذُكر الله بهم ))
هناك اتصال شديد بالله، هذا الاتصال يعطي سعادة، و طمأنينة، و توازناً، و شعوراً بالطمأنينة لا يوصف.
هناك أشياء نؤديها أداء شكلياً أجوفاً لا يقدم ولا يؤخر، يقول إنسان لآخر: صلِّ على النبي، يقول له: اللهم صلِّ عليه، وأحياناً الإنسان يصلي على النبي ضجراً، أما معنى صلِّ على النبي ؛ أي تفكر في شمائله، تفكر في خصائصه، تفكر في رحمته، تفكر في أخلاقه الرفيعة، أنت إذا اتصلت بالنبي بشكل أو بآخر، إن زرته في قبره، أو ذكرته في بيتك، شيء من أنواره يسري إليك، آية قرآنية:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾
لذلك قال الله تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾
إذا عاش الإنسان سنة النبي وأخلاقه وذكرها، فهذا نوع من الصلاة على رسول الله، هذا الإنسان الذي جعله الله قدوة، وأسوة، وجعله مثلاً أعلى، وحقق به الكمال البشري، الله عز وجل خلق الخلق جميعاً ليكونوا على شاكلة النبي، هو المثل الأعلى، هو القدوة الحسنة، هو الأسوة، فأنت حينما تتحرك كل يوم، النبي عليه الصلاة والسلام بشمائله، بأخلاقه العظيمة، في وجدانك هذا نوع من الصلاة على رسول الله، هذا الوضع النفسي، أما اللفظي اللهم صلِّ على رسول الله.
الصلاة على النبي أن تذكر فضاه وشمائله وأخلاقه:
لذلك في بعض الأوراد اليومية لك أن تستغفر الله مئة مرة، و لك أن تقول: أشهد أن لا إله إلا الله مئة مرة، ولك أن تصلي على النبي مئة مرة، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أنا أقول هذا الكلام كي لا نتوهم أن ترتاد هذه الألفاظ بلا حضور قلب، وبلا إدراك لمعانيها، لذلك الصلاة على النبي أن تذكر فضائله، أن تذكر شمائله، وأن تذكر أخلاقه، وأن تذكر حبه لله، وأن تذكر جهاده في سبيل الله، وأن تذكر أن هذا الإنسان دخل إلى الدنيا وخرج منها، وعاش عمراً محدوداً، ولكن هذا العمر أقسم الله به، قال:
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
هذا العمر امتدت خيراته إلى مشارف الأرض ومغاربها، فلذلك:
(( إذا سمعتُم المؤذِّنَ فقولوا مثلَ ما يقول ثم صلوا عليَّ فإنه مَنْ صلَّى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سَلُوا الله لي الوسيلةَ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكونَ أنا هو فمن سأل الله لي الوسيلةَ حلَّت له الشفاعةُ ))
الدين كله تعظيم للإله:
النبي عليه الصلاة والسلام يقول أيضاً:
(( وَمَنْ صَنَعَ إِليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادْعُوا له حتى تَرَوْا أنكم قد كافأتموه ))
هل هناك من معروف يرقى إلى ما فعله النبي معنا؟ كم تحمل في سبيل هذا الدين حتى نشره؟ كم عانى؟ وكم أوذي؟ قال مرة:
(( لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد ولقد أتت علي ثلاث من بين يوم وليلة ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال ))
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال
((قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدُكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال: أشهد أنَّ محمداً رسولُ الله قال أشهدُ أنَّ محمداً رسولُ الله ثم قال حَيَّ على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حَيَّ على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال الله أكبرُ الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله مِنْ قلبه دَخَلَ الجنة ))
لكن لاحظنا أن كلمة قال في بداية الإسلام حيث لم يكن هناك نفاقاً، أي أنك قلتها معتقداً بها، معتقداً أن الله أكبر من كل شيء، معتقداً أنه لا إله إلا الله، معتقداً أن هذا النبي هو رسول الله، وأن منهجه هو المنهج القويم، وبادرت إلى الصلاة، وإلى العمل الصالح هذا كل شيء بالدين.
فالإنسان إذا قال قولاً ينطلق من صدق وإخلاص ـ فإذا قلت عندما يقول المؤذن: حيّ على الصلاة لا حول ولا قوة إلا بالله، وعند قوله: حي على الفلاح، قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله ـ النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( دَخَلَ الجنة ))
لأن هذا الدين كله تعظيم للإله، الله أكبر، توحيد، رسالة، اتصال بالله، عمل صالح.
أي دعاء يبدأ بالصلاة على النبي وينتهي بالصلاة عليه دعاء مقبول:
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( مَنْ قال حين يسمَعُ النِّدَاءَ اللهمَّ رَبَّ هذه الدعوةِ التامَّةِ والصلاة القائمةِ آتِ محمداً الوسيلةَ والفضيلةَ وابعثْهُ مَقَاما محمودا كما وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة ))
الله عز وجل أرسل هذا النبي ليخرجنا من الظلمات إلى النور، وربنا عز وجل جعل هذا النبي قدوة لنا، فالعلاقة الطيبة مع هذا النبي جزء من الدين، العلاقة الطيبة مع هذا النبي أن تدعو له، وأن تصلي عليه، وأي دعاء يبدأ بالصلاة على رسول الله، وينتهي بالصلاة عليه فهو مقبول، لذلك أكثر الدعاة يبدؤون بالدعاء والصلاة على النبي بقولهم: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
وعند الانتهاء: وصلى اللهم على سيدنا النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، الملاحظ أن أي دعاء يبدأ بالصلاة، وينتهي بالصلاة بشرنا النبي بأنه مقبول، وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام:
(( من سمع المؤذن فقال مثل ما يقول فله مثل أجره ))
بالمناسبة كحكم فقهي، قال: يستحب إجابة المؤذن بالقول مثل قوله، لكل من سمعه من متطهر، ومحدث، وجنب، وحائض، وغيرهم إلا في حالة واحدة إلا إذا كان في الخلاء، أو مع أهله، أو في الصلاة، في الخلاء، أو مع أهله في الفراش، أو في الصلاة، ما سوى هذه الحالات الثلاثة يجب أن تقول مثل ما يقول، ولا عبرة كونك متوضئاً أو غير متوضئ.
من حقق أهداف الدين دخل الجنة:
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(( يا معشر النساء إذا سمعتن أذان هذا الحبشي وإقامته فقلن كما يقول فإن لكن بكل حرف ألف ألف درجة قال عمر هذا للنساء فماذا للرجال قال ضعفان يا عمر ))
الحديث الآخر:
(( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام بلال ينادي فلما سكت قال عليه الصلاة والسلام من قال مثل هذا يقيناً دخل الجنة ))
يقيناً أي قال: الله أكبر، الله أكبر عنده من كل شيء، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، كلمة التوحيد، والتوحيد هو الدين كله، ونهاية العلم التوحيد، وقال: أشهد أن محمداً رسول الله، آمن برسالته، ومنهجه القويم، ثم بادر إلى الصلاة، وإلى العمل الصالح، فقد حقق كل أهداف الدين.