وضع داكن
19-04-2024
Logo
الترغيب والترهيب - الدرس : 064 - كتاب الذكر والدعاء - الترغيب في حضور مجالس الذكر والاجتماع على ذكر الله تعالى .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

مضامين الذكر هي التسبيح والتكبير والحمد والتمجيد:

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( إِن لِله ملائكة يطوفون في الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أهل الذِّكْر، فإذا وجدوا قوما يَذْكُرُنَ الله تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلى حاجتكم، فَيَحَفُّونَهُمْ ـ يحفونهم أي يحفظونهم ـ بأَجنحتهم إِلى السماءِ الدنيا، قال: فيسأَلُهم ربُّهم - وهو أَعلم بهم -: ما يقول عبادي ـ في هذه المجالس ـ ؟ قال: يقولون: يُسَبِّحُونَكَ، ويُكَبِّرُونَكَ، ويَحْمَدُونَكَ، وَيُمَجِّدُونَكَ ))

[ البخاري عن أبي هريرة]

 يسبحونك أي ينزهونك عن كل ما لا يليق بك، ويمجدونك يتحدثون عن كمالاتك، ويكبرونك يقولون: الله أكبر، مضمون الله أكبر، أي أن الله أكبر من كل شيء، يؤثرون ربهم على كل شيء، يؤثرون طاعته على كل شيء، ويحمدونك على نعمك كلها ويمجدونك، وكأن النبي عليه الصلاة والسلام يبين مضامين الذكر، التسبيح، والتكبير والحمد، والتمجيد.

 

(( قال: فيقول: هل رأَوْني ؟ قال: فيقولون: لا والله ما رَأوْك، قال: فيقول: كيف لو رأوني ؟ ))

 نحن على الغيب.

 

 

(( كيف لو رأوني ؟ قال: يقولون: لو رأَوْك كانوا أشَدَّ لك عبادة، وأشدَّ لك تمجيدا، وأكثرَ لك تسبيحا. قال: فيقول: فما يسألون ؟ قال: يقولون: يسأَلونك الجنَّةَ قال: فيقول: وهل رأَوْها ؟ قال: يقولون: لا والله يا ربِّ ما رَأوْها، قال: يقول: فكيف لو رأوها ؟ قال: يقولون: لو أنَّهُمْ رَأوها كانُوا أَشدَّ عليها حِرْصا، وأَشدَّ لها طلبا، وأعظمَ فيها رَغْبَة، قال: فَمِمَّ يَتَعَوّذُونَ ؟ ))

 

[ البخاري عن أبي هريرة]

 انظر، ماذا يقولون ؟ ماذا يسألون ؟ ممَ يتعوذون ؟ مضامين مجالس العلم، يجب أن تسأل الله الجنة، وأن تتعوذ به من النار، وأن تسبحه، وأن تحمده، وأن تكبره، أن تقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، هذه كلمات يرددها المسلمون، ولكن مضامينها كبيرة جداً.

كل شيء ينتهي عند الموت من الدنيا وكل شيء يستمر تأثيره بعد الموت من الآخرة:

 المشكلة أن الإنسان في أول عهده بالإسلام، هذه الكلمة لها معان كبيرة جداً، لكن مع تقدم الأزمان قد تفقد هذه الكلمات معانيها، تصبح كلمات يرددها المسلم ترديداً أجوفاً، أي ملخص الدعوة إلى الله كلها هي:

﴿ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ﴾

( سورة الكهف الآية: 46 )

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

( سورة الكهف الآية: 46 )

 الآية دقيقة جداً:

 

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ ﴾

 أموال بلا بنون، وبنون بلا أموال شيء لا يحتمل،

 

 

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَات ُ﴾

 عندما قال ربنا:

 

 

﴿ وَالْبَاقِيَات ﴾

 معنى ذلك أن الأولى هي الفانيات،

 

 

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَات ﴾

معنى ذلك أن المال يفنى، وأن أمجاد الدنيا كلها إلى زوال، لكن هذه سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر هي الباقية.
 لو أن الإنسان عمل مقياساً لنفسه، كل شيء ينتهي عند الموت من الدنيا، وكل شيء يستمر تأثيره بعد الموت من الآخرة، فذكر الله عز وجل، وطلب العلم، وتعليم العلم، والتسبيح، والتحميد، والتكبير، والتهليل، والدعاء، وتلاوة القرآن، والعمل الصالح، وتعليم العلم، والدعوة إلى الله، هذا كله يبقى، هذا الذي إذا فعلته لم تكن خاسراً، لأن الله عز وجل يقول:

 

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

( سورة العصر )

 الخاسر الحقيقي أن مضي الزمن يستهلك الإنسان، فأنت بضعة أيام، كن من تكن أنت بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، لكنك إن عرفت الله، وعملت في سبيل التقرب منه عملت عملاً يبدأ بعد مضي الزمن، قال:

 

(( فَمِمَّ يَتَعَوّذُونَ ؟ قال: يتعوَّذون من النار. قال: فيقول: وهل رأوها ؟ قال: يقولون: لا والله ما رَأَوها، قال: فيقول: فكيف لو رأوها ؟ قال: يقولون: لو رأَوها كانوا أشدَّ منها فِرَارا، وأشد منها مَخَافَة. قال: فيقول: ـ هنا موطن الشاهد ـ أُشْهِدُكم أَنِّي قد غفرتُ لهم. قال: يقول مَلَكٌ من الملائكة: فيهم فلان، ليس منهم، إنما جاءَ لحاجةٍ. قال عز وجل: هم الجُلَسَاءُ لا يَشْقَى جَلِيسُهم ))

 

[ البخاري عن أبي هريرة]

الإنسان حينما يتعرف إلى الله عز وجل يفوق الملائكة المقربين:

 الحقيقة قد تتساءلون، الله يسأل، هو لا يعلم حتى يسأل ؟ هو يعلم، لكن ألم يقل الله عز وجل:

﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

( سورة البقرة )

 فكانت هذه المجالس تأكيداً للملائكة أن الله يعلم ما لا يعلمون، الإنسان حينما يتعرف إلى الله عز وجل يفوق الملائكة المقربين، الإنسان مركب من عقل وشهوة، إن سما عقله على شهوته كان فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله كان دون الحيوان.
فلذلك ربنا عز وجل يؤكد للملائكة الذين رأوا الجن، يسفكون الدماء، ويفسدون في الأرض، قالوا:

 

﴿ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾

 أي أن تتعرف إلى الله، وأن تذكره، وان تسمو بنفسك عن سقوط المادة، هذا يرفعك أعلى من الملائكة.

 

من بنى عمله على استقامة على أمر الله فسيرقى به عمله هذا إلى الله عز وجل:

 أيها الأخوة، وعن أم أنس رضي الله عنها قالت:

(( يا رسول الله أوصني، قال: اهجري المعاصي فإنها أفضل الهجرة، وحافظي على الفرائض فإنها أفضل الجهاد ))

[ الطبراني عن أم أنس]

 الإنسان قد يعمل أعمالاً صالحة كثيرة، لكن إذا كان متلبساً بمعصية، هذه المعصية تحجبه عن الله عز وجل، وكأنه ما استفاد من كل أعماله الصالحة، أما إذا بنى أعماله الصالحة على استقامة على أمر الله، أي عمل مهما بدا قليلاً يرقى بك إلى الله عز وجل.

 

(( اهجري المعاصي فإنها أفضل الهجرة، وحافظي على الفرائض فإنها أفضل الجهاد، وأكثري من ذكر الله، فإنك لا تأتين الله بشيء أحب إليه من كثرة ذكره ))

 

[ الطبراني عن أم أنس]

الإكثار من ذكر الله عز وجل:

(( إذا ذكرتني شكرتني وإذا نسيتني كفرتني ))

[ الطبراني عن أبي هريرة ]

 كثرة ذكر الله عز وجل، وذكر الله واسع جداً، أنت مخير تقرأ القرآن، تسبح، تهلل، تكبر، تستغفر، تدعو، تطلب العلم، تقرأ حديث رسول الله، تقرأ السيرة، تُعلم ، تتعلم، تذكر الله في نفسك، تذكره لغيرك، هذا حديث يدور مع الإنسان في كل شؤون حياته، أنت إذا دعوت الله وأنت في طريقك إلى العمل فأنت تذكره.

﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾

( سورة المعارج )

 أي:

﴿ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾

( سورة آل عمران الآية: 102 )

 قال بعض العلماء:

 

﴿ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾

 أن تذكره فلا تنساه، وأن تشكره فلا تكفره، وأن تطيعه فلا تعصيه، هذه معنى

 

﴿ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾

 ما كل إيمان ينجي صاحبه، ما كل ذكر ينجي صاحبه، لا بدّ من أن يكون الذكر كثيراً.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾

( سورة الأحزاب )

 هناك مقولة لطيفة: لا خير في الإسراف، ولا إسراف في الخير، بالخير لا يوجد إسراف، في الأساس لا خير في الإسراف، أي إسراف انحراف، لكن لا إسراف في الخير، إنسان أنفق، كلما زاد في إنفاقه يرقى عند الله، كلما أكثر من ذكره كان أرقى عند الله، كلما تشدد في طاعته لله كان أكرم عند الله.
إذاً:

 

(( اهجري المعاصي فإنها أفضل الهجرة، وحافظي على الفرائض فإنها أفضل الجهاد، وأكثري من ذكر الله، فإنك لا تأتين الله بشيء أحب إليه من كثرة ذكره ))

 

[ رواه الطبراني عن أم أنس ]

مجلس العلم يفضي بالإنسان إلى الجنة:

 وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال:

(( قلت: يا رسول الله ما غنيمة مجالس الذكر ؟ ))

[ أحمد عن عبد الله بن عمرو]

 الإنسان أحياناً يوضع بين خيرات عديدة، سهرة مع أصدقائه، سهرة مع أهله، لقاء، نزهة، مجلس ذكر، جاء إلى المسجد، طبعاً الجلسة غير مريحة، لا يوجد ضيافة، لا يوجد شيء في المسجد إلا هذا الذكر، فإذا وضع الإنسان بين خيارات عديدة ليذكر هذا الحديث:

 

(( قلت: يا رسول الله ما غنيمة مجالس الذكر ؟ قال: غنيمة مجالس الذكر الجنة الجنة. ))

 هذا المجلس وأي مجلس آخر يفضي بالإنسان إلى الجنة، والجنة فيها:

 

 

(( ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))

 

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ]

 كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 

(( إِذا مَرَرتُم بِرياضِ الجنَّة فَارتَعُوا، قالوا: وما رِياضُ الجنة ؟ قال: حَلَقُ الذِّكرِ ))

 

[أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك ]

 مجلس علم، لأن العلم ذكر لله عز وجل.

 

إكرام الله لمن يحضر مجلس الذكر لا يقدر بثمن:

 

 النقطة الدقيقة أنه قلت: لا يوجد ضيافة في المسجد، لكن أنت دخلت إلى بيت من بيوت الله، وهل يعقل أن صاحب البيت لا يقدم لك شيئاً ؟.

(( إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوارها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيتي ثم زارني، وحق على المزور أن يكرم الزائر ))

[ ورد في الأثر ]

 إكرام الله لمن يحضر مجلس الذكر أحياناً لا يقدر بثمن، هذه الطمأنينة التي يلقيها في قلب المؤمن لا تقدر بثمن، هذا الشعور بالرضا بما نالك من الله عز وجل لا يقدر بثمن، لأن الإنسان إذا سخط، وإذا ضجر، وإن لم يرضَ عن الله عز وجل وقع في شرّ عمله.
فشعور المؤمن الذي يحضر مجالس الذكر أن الله راضٍ عنه، وأن الله يحبه، وأن الله معه، ولن يتخلى عنه، وسيحفظه، هذا شعور لا يقدر بثمن.

 

(( إِذا مَرَرتُم بِرياضِ الجنَّة فَارتَعُوا، قالوا: وما رِياضُ الجنة ؟ قال: حَلَقُ الذِّكرِ ))

 

[أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك ]

 وفي درس قادم إن شاء الله نتابع أحاديث الذكر، فالذكر هو نهاية العمل، نهاية العلم التوحيد، ونهاية العمل أن تذكر الله عز وجل.

 

(( أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بخيرِ أَعْمَالِكُمْ وأزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وأرْفَعِهَا في دَرَجَاتِكُمْ وخَيْرٍ منْ إعَطاءٍ الذَّهَبِ والفِضَّةِ وأن تَلْقوا عَدُوَّكُمْ فَتَضْربُوا أعْنَاقَهُمْ ويَضْرِبُوا أعْنَاقَكُمْ » قالوا: ماذا يا رسول الله؟ قال: ذِكْرُ الله ))

 

[أخرجه الحاكم عن أبي الدرداء ]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور