- أسماء الله الحسنى
- /
- ٠2أسماء الله الحسنى 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: ( القدير ):
أيها الإخوة الكرام، لا زلنا مع اسم ( القدير ).
1 ـ الإنسان ضعيف:
الله جل جلاله قدير، والإنسان ضعيف، وشأن الإنسان أن يكون مفتقرا إلى الله، وشأن الله أن يقوي الإنسان الذي افتقر إليه، وهذا من خصائص الإنسان، الله سبحانه وتعالى جعل في أصل خلق الإنسان ضعفاً لصالحه، لأن الإنسان لو خلق قويا لاستغنى بقوته، فشقي باستغنائه، خُلق ضعيفا ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره، شأن الإنسان أن يكون ضعيفاً، لكنه يقوى بالله عز وجل.
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إلاّ الُمُصَلّيِنَ ﴾
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴾
والهلوع شديد الجزع، فشأن الإنسان أنه جزوع هلوع ومنوع، وشأن الإنسان أنه ضعيف، لكن الإنسان إذا افتقر إلى الله يقوى، إذا افتقر إلى الله يصبح عالماً، إذا افتقر إلى الله يصبح غنياً.
يا أيها الإخوة الكرام، العبد عبد، والرب رب، ما مِنْ إنسان افتقر إلى الله عز وجل كرسول الله، ومع ذلك رفع الله شأنه، وأعلى قدره، قال الله تعالى:
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
درسان بليغان من غزوة بدرٍ وحنين:
فكلما افتقرت إلى الله تولاك الله، وكلما اعتدت بنفسك تخلى عنك، ودرس بليغ من غزوة بدر.
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾
في بدر الصحابة الكرام افتقروا إلى الله فانتصروا، أما في حنين:
(( وقد أعجبتهم كثرتهم قالوا: لن نغلب من قلة ))
نحن كثيرون، قال تعالى:
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَم تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾
وهذان درسان بليغان في حياتنا، إذا قلت الله تولاك، ونصرك، وأيدك، وحفظك، ووفقك، إذا قلت: أنا، خبراتي، ثقافتي، أسرتي، جماعتي، حينما تعتد بغير الله يتخلى عنك، هذا درس بليغ.
لذلك ورد في بعض الآثار:
(( ما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا، وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني أعرف له ذلك من نيته إلا جعلت الأرض تحت قدميه، وقطعت أسباب السماء بين يديه ))
إذاً: الله عز وجل قدير، الله عز وجل عليم، الله عز وجل غني، المؤمن يفتقر إلى الله.
وما لي سوى فقري إليك وسيلة فبالافتقار إليك فقري أدفع
وما لي سوى قرعي لبابك حيلة فإذا رددت فأي باب أقرع
***
الافتقار إلى الله يرفه شأن العبدَ:
افتقر يرفع الله شأنك، افتقر ينصرك، افتقر يؤيدك، افتقر يعزك، قل أنا، يتخلى الله عنك.
مَن نحن أمام أصحاب رسول الله ؟ في حنين أصحاب النبي وهم صفوة الخلق، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( إن الله اختارني واختار لي أصحابي ))
ومع ذلك هم نخبة الخلق، وفيهم سيد الخلق، لما اعتدوا بأنفسهم، وقالوا:
(( لن نغلب من قلة ))
تخلى الله عنهم، فمَن نحن ؟.
لذلك أيها الإخوة:
﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
هو ( القدير )، هو القوي، هو الغني، شأن العبد أن يكون مفتقرا إلى غنى الله عز وجل، شأن العبد أن يعترف بضعفه أمام الله عز وجل، شأن العبد أن يكون مفتقرا إلى رب العالمين.
لذلك ما لم يفتقر العبد إلى الله، ما لم يمرغ جبهته في أعتاب الله، ما لم يتذلل إلى الله فيما بينه وبين الله فلن يستطيع أن يأخذ من كمالات الله.
أيها الإخوة، ضعف العبد باعث إلى الإقبال على الله، ضعفه هو الذي يدفعه إلى الله، والنقطة الدقيقة جداً بقدر افتقارك إلى الله تكون قوياً وغنياً وعالماً، والشيء الذي ينبغي أن يقال بوضوح: الله عز وجل يرفع قدر العبد بين الخلق، إذا أحب الله عبداً ألقى محبته في قلوب الخلق.
لذلك الله عز وجل ( قدير )، والله عز وجل قادر، والله عز وجل مقتدر، قادر اسم فاعل، قدير اسم مبالغة من اسم الفاعل، مقتدر من فعل اقتدر، وفي صحيح الإمام البخاري يقول عليه الصلاة والسلام:
((لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ ))
هناك من يملك ولا يحمد، هناك من يحمد ولا يملك، لكن الله جل جلاله له الملك وله الحمد، ذو الجلال والإكرام، بقدر ما تعظمه بقدر ما تحبه، مالك الملك بيده كل شيء لكن كماله مطلق، يملك ويُحمد.
(( لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ))
2 ـ قدرةُ الله متعلقة بكل شيء ممكنٍ:
قوة الله عز وجل مطلقة، تعلقت بكل ممكن.
لذلك لو أن الإنسان أصيب بمرض عضال يقين المؤمن أن الله على كل شيء قدير، لو كان وحيداً وأعداؤه كثر إن الله على كل شيء قدير.
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾
إنسان دخل إلى بطن الحوت، وفي البحر، وفي الليل، وفي ظلمة بطن الحوت، سيدنا يونس:
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
هل من مصيبة أكبر من أن يجد الإنسان نفسه فجأة في بطن حوت ؟ وحينما عقب على هذه القصة بقوله:
﴿ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
قلبها إلى قانون، لئلا تتوهم أن هذه قصة قد وقعت ولن تتكرر، لئلا يغدو كتاب الله تاريخاً، أراده قوانين:
﴿ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
أيها الإخوة، القنوط من رحمة الله، واليأس، والشعور بالإحباط والاستسلام للقدر، وأن تقول: انتهى المسلمون، هذا من ضعف الإيمان.
﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾
3 ـ العلمُ من لوازم قدرةِ الله:
بالمناسبة أكثر الآيات التي ورد فيها اسم ( القدير ) ورد مع القدير العليم، لأن العلم من لوازم القدرة.
جراح بيده مقطع، الشيء الدقيق جداً علمه، هنا فيه عصب، هنا فيه وريد هنا فيه شريان، الجراح علمه بدقائق خلق الإنسان يجعله قديراً على إنجاح العملية.
قدير فعلمه من لوازم قدرته، القدرة قد تكون عشوائية، لكنه إذا رافقها علمٌ تغدو قدرة واعية، هذا في الإنسان، فكيف بالواحد الديان ؟ ففي صحيح البخاري:
(( لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحمد ))
إخواننا الكرام، ليس مع الإيمان مرض نفسي، وليس مع الإيمان إحباط، وليس مع الإيمان شعور بالإخفاق، وليس مع الإيمان يأس، ليس مع الإيمان انكماش، هذه كلها أعراض الإعراض عن الله عز وجل، أما المؤمن لأنه يعلم علم اليقين أن أمره كله بيد الله، وأن الخير كله من عند الله، وأنه لا رافع، ولا خافض، ولا معز، ولا مذل إلا الله، وأنه لا معطي، ولا مانع إلا الله، فهذا اليقين عند المؤمن يرفعه عن أن ييأس، أو عن أن يتطامن، أو عن أن يستسلم، معنوياته المرتفعة بسبب يقينه أن الأمر بيد الله، الله عز وجل قبل أن يأمرك أن تعبده طمأنك، وقال لك:
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
التوحيد يملأ القلب أمنا وطمأنينةً:
إخواننا الكرام، لا تحل مشكلاتنا بأن الله خلق السموات والأرض، لا تحل مشكلاتنا إلا بالإيمان بأن الأمر بيد الله.
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ ِلَهٌ ﴾
﴿ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ ﴾
آيات التوحيد تملأ النفس طمأنينة، هو قدير، وأنت ضعيف، هو أقوى من أعدائك، أقوى من كل قوة في الكون، هو خالق السماوات والأرض.
﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾
إنسان يصنع طائرة، ويبيع الطائرة، الطائرة قوة مخيفة، لكن بيد غير الصانع، صنعت، وبيعت، الدولة التي اشترتها قد تقصف بها بلاداً صديقة للبلاد الصانعة لها.
أما الآية دقيقة جداً:
﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾
أيّ شيء خلقه أمره بيد الله.
الآية الثانية:
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾
ما من شيء مخيف إلا بيد الله، بالضبط لو أنك رأيت وحوشاً كاسرة جائعة مفترسة مخيفة، لكنها مربوطة بأزمة محكمة بيد جهة قوية حكيمة رحيمة عادلة، علاقتك مع من مع ؟ الوحوش أم مع الذي يملكها ؟ مع الذي يملكها، والآية الدقيقة:
﴿ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
إخواننا الكرام، عندما يوحد الإنسان يمتلئ قلبه أمنا، وأماناً، وتفاؤلاً، وبشراً، الأمر بيد الله، ولا يعقل ولا يقبل أن يسلمك الله إلى غيره، ثم يأمرك أن تعبده، طمأنك وقال:
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
هو القدير.
لذلك في صحيح البخاري:
(( لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ))
اللهم لا مانع لما أعطيت، إذا أعطاك ما يمنعه ؟ لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، هذا التوحيد.
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ﴾
(( اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ ))
لا ينفع ذكاءُ العبد مع الله:
الذكي، والعاقل، والذي يتقد حيوية ونشاطاً، وامتلاكاً لحيلة، هذا لا ينفعه مع الله شيء.
(( إن الله تعالى إذا أحب إنفاذ أمر سلب كل ذي لب لبه ))
الذكاء لا ينفع مع الله عز وجل، ينفع معه الاستقامة، ينفع له أن تكون محسناً، ينفع له أن تكون مستقيماً على أمره، ينفع له أن تكون مفتقراً إليه، ينفع له أن تكون محباً، أما أن يكون ذكياً، الله عز وجل:
(( إن الله تعالى إذا أحب إنفاذ أمر سلب كل ذي لب لبه ))
الأذكياء إذا اعتدوا بذكائهم يرتكبون حماقات لا أول لها ولا آخر.
﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾
النجاح بيد الله، ثمن النجاح الاستقامة، أما الذكي، والذي يملك خبرات عالية جداً، والذي يملك أساليب ناجحة جداً، والقوي، والمعتد بنفسه فهذا الله عز وجل يأخذ منه عقله، فيقع عليه العقاب الأليم.
وحينما يشرك الإنسان يؤتى من مَأمَنِه، وأحياناً يتفوق طبيب باختصاصه تفوقًا كبيرًا، ويتوهم أحياناً أنه لن يصاب بالأمراض التي اختص فيها، فلحكمة بالغة الطبيب الهضمي يصاب بقرحة، لأنه اعتدّ بعلم، وظن أن علمه يمنعه من أن يصاب بمرض من اختصاصه، والقوي يعتد بقوته، فيأتي أضعف منه فينتصر عليه.
التوحيد أخطر شيء في الدين، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
إذاً:
(( لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ ))
الذي أوتي حظاً من عقل:
(( وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ ))
لا ينجيك من الله أن تكون ذكياً، لا ينجيك من الله أن تكون ذا خبرة عالية جداً، لا ينجيك من الله أن تكون لك جماعة إسلامية، لا ينجيك من الله خطة وضعتها بإحكام.
لذلك أنا أقول دائما: إن أمة قوية خططت لبناء مجدها على أنقاض الشعوب، وبناء رخائها على إفقار الشعوب، وبناء قوتها على إضعاف الشعوب، وبناء غناها على إفقار الشعوب، وبناء عزتها على إذلال الشعوب، إن هذه القوة الغاشمة نجاح خططها على المدى البعيد يتناقض مع وجود الله:
(( وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ ))
لذلك:
(( الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني منهما شيئا أذقته عذابي ولا أبالي ))
لذلك ورد في بعض الأحاديث:
(( من علم منكم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي ما لم يشرك بي ))
إخواننا الكرام، الأصل هو العلم، أن تعلم أن أسماء الله كلها حسنى، وأن صفاته كلها فضلى، لذلك هناك من يقول: يا رب لا نسألك رد القضاء، ولكن نسألك اللطف به، لا يا رب اصرف عني هذا كله، لمَ لا تتوقع أن يكون هذا الشيء غير محقق، لا، اطلب من الله كل شيء.
4 ـ دعاء العبد ربَّه لأنه قدير على الإجابة:
عندما تدعو الله تكون عابدا لله، كيف ؟ لمجرد أنك تدعو الله فأنت مؤمن بوجوده، لأن الإنسان لا يدعو جهة لا يؤمن بها، ولمجرد أنك إذا دعوت الله أنك مؤمن بسمعه، يسمعك، لأن الإنسان في الأصل لا يدعو جهة لا تسمعه، ولمجرد أنك دعوت الله فأنت مؤمن بقدرته.
إن إنساناً مفتقر إلى مبلغ كبير لا يسأل طفلاً صغيراً لا يملكه، ولمجرد أنك تدعو الله فأنت مؤمن برحمته، والذي يدعو الله مؤمن بوجود الله، وبسمعه، وبقدرته، وبرحمته.
لذلك:
(( الدعاء هو العبادة ))
(( الدعاء مخ العبادة ))
لأن الله عز وجل يقول:
﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ﴾
علامة إيمانك الصحيح أن تدعو الله، والدعاء سلاح المؤمن، وأنت بالدعاء أقوى إنسان، إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، وإذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك، وإذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتق الله.
لذلك أيها الإخوة:
﴿ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا ﴾
القدر الفعل، والمقدور العلم، الله عز وجل عليم قدير، القضاء والقدر، القضاء هو الحكم، والقدر تقدير فعل بحسب العلم.
الله عز وجل يطلع على إنسان مستقيم، علم الله باستقامته يقدر له توفيقاً، يطلع على إنسان كاذب علم الله بكذبه يقدر له علاجاً، فمجمل القضاء والقدر أن الله يعلم، ويقدر لهذا الإنسان ما يناسبه.
تماماً كالطبيب وقف أمام مريض، أخذ ملفّه فوجد فيه أن الضغط مرتفع جداً، علمه بضغطه المرتفع جعله يعطي أمراً بمنع الملح عنه، ووصف دواء يخفض الضغط.
أنا أبّسط، لا تعقّد الأمور، الله عز وجل يعلم، وحينما يعلم يقدر لك الشيء المناسب، فقضاؤه وقدره علمه وحكمته، علمه ومعالجته، وكل شيء بقضاء من الله وقدر، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، والقضاء والقدر يذهب الهم والحزن.
(( ولكل شيء حقيقة، وما بلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ))
هذا هو التوحيد، وهذا هو الإيمان بالله.
خاتمة:
فيا أيها الإخوة، مرة ثانية شأن العبد أن يكون فقيراً، وشأن العبد أن يكون جاهلاً، وشأن العبد أن يكون ضعيفاً، الضعيف إن أقبل على الله يقوى ضعفه، والفقير إذا أقبل على الله يغتني بإقباله، والجاهل إذا أقبل على الله يعلمه الله.
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾
لذلك: يمكن أن تضيف إلى اللبن خمسة أضعاف حجمه ماء، ويكون شراباً سائغاً، لكن لا يحتمل اللبن قطرة واحدة من البترول، عندئذٍ لا تشربه، يعنى العبادة مما يناقضها الشرك.
﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ﴾
مما يناقض العبادة الشرك بالله عز وجل، لكن ما دام فيه توحيد، ما دام فيه استغفار ما دام فيه إقبال، ما دام فيه اعتراف بالذنب، الله عز وجل غفور، وما أمرنا أن نستغفره إلا ليغفر لنا، وما أمرنا أن نتوب إليه إلا ليتوب علينا، وما أمرنا أن ندعوه إلا ليجيبنا.
فشأن العبد أن يكون ضعيفاً، مفتقراً، وشأن الرب أن يكون معطياً، جواداً كريماً، فالقدير من أقرب الأسماء الحسنى إلى الإنسان، لأنه ضعيف.
لذلك الباعث عن التدين في الإنسان ضعفه، وعظمة الله عز وجل، حتى الذين ضلوا سواء السبيل، وعبدوا آلهة غير الله، هم بهذا الباعث، بباعث من ضعفهم عاشوا في الأوهام، لكن المؤمن عاش مع الواحد الديان.